وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد الأربعمائة
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الجاريـــة لمـــا قـــال لهـــا الطبيـــب: أخبرينـــي عـــن هيكـــل العظــــام
قالـت: هـو مؤلـف مـن مائتيـن وأربعــون عظمــة وينقســم إلــى ثلاثــة أقســام: رأس وجــذع وأطــراف أمــا
الـــرأس فتنقســـم إلـــى جمجمـــة ووجـــه فالجمجمـــة مركبـــة مـــن ثمانيـــة عظـــام ويضــــاف إليهــــا عظيمــــات
السمـع الأربـع والوجــه ينقســم إلــى فــك علــوي وفــك سفلــي فالعلــوي يشتمــل علــى أحــد عشــر عظمــاً
والسفلــي عظــم واحــد ويضــاف إليــه الأسنــان وهــي اثنتــان وثلاثــون سنـــاً وكذلـــك العظـــم اللامـــي.
وأمــا الجــذع فينقســم إلــى سلسلـــة فقاريـــة وصـــدر وحـــوض فالسلسلـــة مركبـــة مـــن أربعـــة وعشـــرون
عظمـاً تسمـى الفقـار والصـدر مركـب مـن القفــص والأضلــاع التــي هــي أربــع وعشــرون ضلعــاً فــي كــل
جانب اثنتا عشرة والحوض مركب من العظمين الحرقفيين والعجز والعصعص.
وأمـا الأطـراف فتنقسـم إلـى طرفيـن علوييـن وطرفيــن سفلييــن فالعلويــان ينقســم كــل منهمــا أولاً منكــب
مركـب مـن الكتـف والترقـوة وثانيـاً إلـى عضـد وهـو عظـم واحـد وثالثـاً إلـى ساعـد مركـب مــن عظميــن
همـا: الكعبـرة والزنـد ورابعـاً إلـى كتـف ينقسـم إلـى رسـخ ومشــط وأصابــع فالرســخ مركــب مــن ثمانيــة
عظــام مصفوفــة صفيــن كــل منهمــا يشتمـــل علـــى أربعـــة عظـــام والمشـــط يشتمـــل علـــى خمســـة عظـــام
والأصابــع عدتهــا خمــس كــل منهــا مركــب مــن ثلاثــة عظــام تسمــى السلاميــات إلا الإبهــام فإنهــا مركبـــة
مـن اثنيـن فقـط والطرفـان السفليـان تنقسـم كـل منهمـا أولاً إلـى فخـذ هـو عظـم واحـد وثانيـاً إلــى ســاق
===
مركــب مـــن ثلاثـــة عظـــام: القصبـــة والشظيـــة والرضفـــة وثالثـــاُ إلـــى قـــدم ينقســـم كالكـــف إلـــى رســـغ
ومشـط وأصابــع. فالرســغ مركــب مــن سبعــة عظــام مصفوفــة صفيــن الــأول فيــه عظمــان والثانــي فيــه
خمســـة والمشـــط مركـــب مـــن خمســـة عظـــام والأصابــــع وعدتهــــا خمــــس كــــل منهــــا مركبــــة مــــن ثلــــاث
سلاميــات إلا الإبهــام فمــن سلامييــن فقــط. قــال: أحسنـــت فأخبرينـــي عـــن أصـــل العـــروق. قالـــت:
أصــل العــروق الوتيــن ومنــه تتشعــب العــروق وهــي كثيــرة لا يعلــم عددهــا إلا الــذي خلقهـــا وقيـــل إنهـــا
ثلثمائـة وستـون عرقـاً كمـا سبـق وقــد جعــل اللــه اللســان ترجمانــاً والعينيــن سراجــاً والمنخريــن منشقيــن
واليديـن جناحيــن ثــم إن الكبــد فيــه الرحمــة والطحــال فيــه الضحــك والكليتيــن فيهمــا المكــر والخديعــة
والمعـدة خزانــة والقلــب عمــاد الجســد فــإذا أصلــح القلــب صلــح الجســد كلــه وإذا فســد فســد الجســد
كلــه قــال: أخبرينــي عــن الدلالــات والعلامــات الظاهــرة التـــي يستـــدل بهـــا علـــى المـــرض فـــي الأعضـــاء
الظاهــرة والباطنــة قالــت: نعــم إذا كــان الطبيـــب ذا فهـــم نظـــر فـــي أحـــوال البـــدن واستـــدل واستـــدل
بجـس اليديـن علـى الصلابــة والحــرارة واليبوســة والبــرودة والرطوبــة وقــد توجــد فــي المحســوس دلالــات
علــى الأمــراض الباطنــة كصفــرة العينيــن فإنهــا تــدل علــى البرقــان وتحقـــق الظهـــر فإنـــه يـــدل الرئـــة قـــال:
أحسنت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الجاريـــة لمـــا وصفــــت للطبيــــب العلامــــات الظاهــــرة قــــال لهــــا:
أحسنــت فمــا العلامـــات الباطنـــة قالـــت: إن الوقـــوف علـــى الأمـــراض بالعلامـــات الباطنـــة يؤخـــذ مـــن
ستــة قوانيــن الــأول مــن الأفعــال والثانــي ممــا يستغفــر مــن البــدن والثالــث مــن الوجــع والرابــع مــن الموضـــع
والخامــس مـــن الـــورم والســـادس مـــن الأعـــراض. قـــال: أخبرينـــي بـــم يصـــل الـــأذى مـــن الـــرأس قالـــت:
بإدخــال الطعــام علــى العــام قبــل هضــم الــأول والشبــع علــى الشبــع فهـــو الـــذي أفنـــى الأمـــم فمـــن أراد
البقــاء فليباكــر بالغــداء ولا يتمـــس العشـــاء وليقلـــل مـــن مجامعـــة النســـاء وليخفـــف الـــرداء وأن لا يكثـــر
الفصـــد ولا الحجامـــة وأن يجعـــل بطنـــه ثلـــاث أثلـــاث ثلـــث للطعــــام وثلــــث للمــــاء وثلــــث للتنفــــس لــــأن
مصـران بنـي آدم ثمانيــة عشــر شبــراً يجــب أن يجعــل ستــة للطعــام وستــة للشــراب وستــة للتنفــس وإذا
مشى برفق كان أوفق له وأجمل لبدنه وأكمل لقول تعالى: )ولا تمش على الأرض مرحاً(.
قـــال: أحسنـــت فأخبرينــــي مــــا علامــــة الصفــــراء ومــــاذا يخــــاف منهــــا قالــــت: تعــــرف بصفــــرة اللــــون
ومــــرارة الفــــم والجفــــاف وضعــــف الشهــــوة وسرعــــة النبــــض ويخــــاف صاحبهــــا مــــن الحمـــــى المحرقـــــة
والبرصــام والحمـــرة واليرقـــان والـــورم وقـــروح الأمعـــاء وكثـــرة العطـــش فهـــذه علامـــات الصفـــراء. قـــال:
أحسنـــت فأخبرينـــي عـــن علامـــات الســـوداء ومـــاذا يخـــاف علـــى صاحبهــــا إذا غلبــــت علــــى البــــدن
قالـت: إنهــا تتولــد مــن الشهــوة الكاذبــة وكثــرة الوسوســة والهــم والغــم فينبغــي حينئــذٍ أن تستفــرغ وإلا
===
تولـد منهـا الماليخوليـا والجـذام والسرطـان وأوجـاع الطحـال وقــروح الأمعــاء. قــال: أحسنــت فأخبرينــي
إلـــى كـــم جـــزء ينقســـم الطـــب قالـــت: ينقســـم إلـــى جزءيـــن: أحدهمـــا علـــم تدبيـــر الأبـــدان المريضــــة
والأخـر كيفيـة ردهـا إلـى حـال صحتهـا. قـال: فأخبرينـي أي وقــت يمــون شــرب الأدويــة أنفــع فيــه منــه
فـي غيـره قالـت: إذا جـرى المـاء فـي العـود وانعقـد الحـب فـي العنقـود وطلـع السعــد سعــود فقــد دخــل
وقــت نفــع شــرب الــدواء وطــرد الــداء فقــال: أخبرينــي عـــن وقـــت إذا شـــرب فيـــه الإنســـان مـــن إنـــاء
جديـد يكـون شرابـه أهنـأ وأمـرأ منـه فــي غيــره وتصعــد لــه رائحــة طيبــة ذكيــة قالــت: إذا صبــر بعــد
أكـل الطعـام ساعـة. قـال: فأخبرينـي عـن طعـام لا تتسبــب عنــه أسقــام قالــت: هــو الــذي لا يطعــم إلا
بعـد الجـوع وإذا طعـم لا تمتلـئ منــه الضلــوع لقــول جالينــوس الحكيــم: مــن أراد إدخــال الطعــام فليبطــئ
ثـم لا يخطـئ ولنختـم بقولـه عليـه الصلـاة والسلــام: المعــدة بيــت الــداء والحميــة رأس الــدواء وأصــل كــل
داء البردة يعني التخمة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الجاريـــة لمـــا قالـــت للطبيـــب: المعـــدة بيـــت الـــداء والحميـــة رأس
الــدواء الحديــث قــال لهــا: فمــا تقوليــن فـــي الحمـــام قالـــت: لا يدخلـــه شبعـــان وقـــد قـــال رســـول اللـــه
===
صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم: نعـــم البيـــت الحمـــام ينظــــف الجســــد ويذكــــر النــــار قــــال: فــــأي الحمامــــات
أحســن قالــت: مــا عــذب مـــاؤه واتســـع فضـــاؤه وطـــاب هـــواؤه بحيـــث تكـــون أهويتـــه أربعـــة خريفـــي
وصيفــي وشتــوي وربيعــي: قــال: فأخبرينــي أي الطعــام أفضــل قالــت: مــا صنعــت النســاء وقــل فيــه
العنــاء وأكلتــه بالهنــاء وأفضــل الطعــام الثريــد لقولــه عليــه الصلـــاة والسلـــام: فضـــل الثريـــد علـــى الطعـــام
كفضــــل عائشــــة علــــى سائــــر النســــاء قــــال: فــــأي الــــأدم أفضــــل قالــــت: اللحــــم لقولــــه عليــــه الصلـــــاة
والسلـــام: أفضـــل الـــأدم اللحـــم لأنـــه لـــذة للدنيـــا والآخـــرة قـــال فأخبرينـــي فــــأي اللحــــم أفضــــل قالــــت:
الضـان ويجتنـب القديـد لأنـه لا فائــدة فيــه قــال: أخبرينــي عــن الفاكهــة قالــت: كلهــا فــي إقبالهــا واتركهــا
إذا انقضــى زمانهـــا قـــال: فمـــا تقوليـــن فـــي شـــرب المـــاء قالـــت: لا تشربـــه شربـــاً ولا تعبـــه عبـــاً فإنـــه
يؤذيــك صداعــه ويشــوش عليــك مــن الــأذى أنواعــه ولا تشربــه عقــب خروجــك مـــن الحمـــام ولا عقـــب
الجمــاع ولا عقــب الطعــام إلا بعــد مضــي خمــس عشــر درجــة للشـــاب وللشيـــخ بعـــد أربعيـــن درجـــة
ولا عقـب يقظتـك مـن المنــام قــال: أحسنــت فاخبرينــي عــن شــرب الخمــر قالــت: أفــلا يكفيــك زاجــراً
مـا جـاء فـي كتـاب اللـه تعالـى حيــث قــال: )إنمــا الخمــر والميســر والأنصــاب والأزلــام رجــس مــن عمــل
الشيطـان فاجتنبـوه لعلكـم تفلحـون(. وقـال تعالــى: )يسألونــك عــن الخمــر والميســر والأنصــاب والأزلــام
رجــس مــن عمــل الشيطــان فاجتنبــوه لعلكــم تفلحــون(. وقــال تعالــى: )يسألونــك عــن الخمــر والميســـر
===
قــل فيهمــا إثــم كبيــر ومنافــع للنــاس وإثمهمـــا أكبـــر مـــن نفعهمـــا(. وأمـــا المنافـــع التـــي فيهـــا فإنهـــا تفتـــت
حصـى الكلـى وتقـوي الأمعـاء وتنفــي الهــم وتحــرك الكــرم وتحفــظ الصحــة وتعيــن علــى الهضــم وتصــح
البـــدن وتخـــرج الأمـــراض مـــن المفاصـــل وتنقـــي الجســـم مـــن الأخلـــاط الفاســـدة وتولـــد الطـــرب والفـــرح
وتقــوي الغريــزة وتشــد المثانــة وتقــوي الكبــد وتفتــح الســدد وتحمــر الوجــه وتنقــي الفضلــات عـــن الـــرأس
والدمــاغ وتبطــئ بالمشيــب ولــولا اللــه عــز وجــل حرمهــا لــم يكــن علــى وجــه الــأرض مــا يقــوم مقامهــا.
وأمـا الميسـر فهـو القمـار قـال: فــأي شــيء فــي الخمــر أحســن قالــت: مــا كــان بعــد ثمانيــن يومــاً أو أكثــر
وقـد اعتصـر مـن عنـب أبيـض ولـم يشبـه مـاء ولا شـيء علـى وجـه الـأرض مثلهـا قـال: فمـا تقوليـن فــي
الحجامـــة قالـــت: ذلـــك لمـــن كـــان ممتلئـــاً مـــن الـــدم وليـــس فيـــه نقصـــان فـــي دمــــه فمــــن أراد الحجامــــة
فليحتجم فـي نقـص الهلـال فـي يـوم بـلا غيـم ولا ريـح ولا مطـر ويكـون فـي السابـع عشـر مـن الشهـر وإن
وافــق يــوم الثلاثــاء كــان أبلــغ فــي النفــع ولا شــيء أنفــع مــن الحجامــة للدمـــاغ وتصفيـــة الذهـــن. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والأربعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الجاريــة لمــا وصفــت منافــع الحجامــة قــال لهــا الحكيــم: أخبرينــي
===
عــن أحســن الحجامــة قالــت: أحسنهــا علــى الريــق فإنهــا تزيــد فــي العقــل وفـــي الحفـــظ لمـــا روي عنـــه
عليـه الصلـاة والسلـام: أنـه كـان مـا اشتكـى إليــه أحــد وجعــاً فــي رأســه أو رجليــه إلا قــال لــه احتجــم
وإذا احتجــم لا يأكــل علــى الريــق مالحـــاً فإنـــه يـــورث الجـــرب ولا يأكـــل علـــى أثـــره حامضـــاً قـــال: فـــأي
وقــت تكــره فيــه الحجامــة قالــت: يــوم السبــت والأربعــاء ومــن احتجــم فيهــا فـــلا يلومـــن إلا نفســـه ولا
يحتجـم فـي شـدة الحـر ولا فـي شــدة البــرد وخيــار أيامــه أيــام الربيــع قــال: أخبرينــي عــن المجامعــة فلمــا
سمعــت ذلــك أطرقــت وطأطــأت رأسهــا واستحيــت مــن إجلــالاً لأميــر المؤمنيـــن ثـــم قالـــت: واللـــه يـــا
أميــر المؤمنيــن مــا عجــزت بــل خجلــت وإن جوابــه علــى طــرف لسانــي. قــال لهــا: يــا جاريــة تكلمــي
قالـــت لـــه: إن النكـــاح فيـــه فضائـــل مريـــدة وأمـــور حميـــدة منهـــا أنـــه يخفـــف البـــدن الممتلـــئ بالســــوداء
ويسكـن حـرارة العشــق ويجلــب المحبــة ويبســط القلــب ويقطــع الوحشــة والإكثــار منــه فــي أيــام الصيــف
والخريــف أشــد ضــرراً فــي أيــام الشتــاء والربيــع قـــال: فأخبرينـــي عـــن منافعـــه قالـــت: إنـــه يزيـــل الهـــم
والوســـواس ويسكـــن العشـــق والغضـــب وينفــــع القــــروح هــــذا إذا كــــان الغالــــب علــــى الطبــــع والبــــرودة
واليبوســـة وإلا فالإكثـــار منـــه يضعـــف النظـــر ويتولـــد منـــه وجـــع الساقيـــن والـــرأس والظهـــر وإيـــاك مــــن
مجامعــة العجـــوز فإنهـــا مـــن القواتـــل. قـــال الإمـــام علـــي كـــرم اللـــه وجهـــه: أربـــع يقتلـــن ويهرمـــن البـــدن:
دخـــول الحمـــام علـــى الشبـــع وأكـــل المالـــح والمجامعـــة علـــى الامتــــلاء ومجامعــــة المريضــــة فإنهــــا تضعــــف
===
قوتــك وتسقــم بدنــك والعجــوز ســم قاتــل قــال: فمــا أطيــب الجمـــاع قالـــت: إذا كانـــت المـــرأة صغيـــرة
السن مليحة القد حسنة الخد كريمة الجد بارزة النهد فهي تزيد قوة في صحة بدنك.
قــال: فأخبرينـــي عـــن أي وقـــت يطيـــب فيـــه الجمـــاع قالـــت: إذا كـــان ليـــلاً فبعـــد هضـــم الطعـــام وإذا
كــان نهــاراً فبعــد الغــداء قــال: فأخبرينــي عــن أفضــل الفواكــه قالــت: الرمــان والأتـــرج قـــال: فأخبرينـــي
عـــن أفضـــل البقـــول قالـــت: الهندبـــاء وقــــال: فمــــا أفضــــل الرياحيــــن قالــــت: البنفســــج والــــورد قــــال:
فأخبرينـي عـن قـرار منـي الرجــل قالــت: إن فــي الرجــل عرقــاً يسقــي سائــر العــروق فيجتمــع المــاء مــن
ثلثمائـة وستيـن عرقـاً ثـم يدخـل فـي البيضـة اليسـرى دمـاً أحمـر فينبطـح مـن حــرارة مــراج بنــي آدم مــاءً
غليظـاً أبيـض رائحتـه مثـل رائحـة الطلـع قـال: أحسنـت فأخبرينـي عـن طيـر يمنــي ويحيــض قالــت: هــو
الخفـاش أي الوطـواط قــال: فأخبرينــي عــن شــيء إذا حبــس عــاش وإذا شــم الهــواء مــات قالــت: هــو
السمـــك قـــال: فأخبرينــــي عــــن شجــــاع يبيــــض قالــــت: الثعبــــان فعجــــز الطبيــــب مــــن كثــــرة أسئلتــــه
وسكـت فقالـت الجاريـة: يـا أميــر المؤمنيــن إنــه سألنــي حتــى عيــي وأنــا أسألــه مسألــة واحــدة فــإن لــم
يجب أخذت ثيابه حلالاً لي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والأربعين بعد الأربعمائة
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن لمـا قالـت لأميـر المؤمنيـن إنـه سألنـي حتـى عيـي وأنــا أسألــه مسألــة
واحـدة فـإن لـم يجـب أخـذت ثيابـه حلـالاً لـي قـال لهـا الخليفـة: سليـه قالـت: مـا تقـول فــي شــيء يشبــه
الــأرض استــدارة ويــوارى عــن العيــون فقــاره قليــل القيمــة والقــدر ضيــق الصــدر والنحــر مقيـــد وهـــو
غيـر آبـق موثـق وهـو غيـر سـارق مطعـون لا فـي القتـال مجـرو ولا فـي النضـال يأكـل الدهــر مــرة ويشــرب
المـاء مـن كثـرة وتـاره يضـرب مـن غيـر جنايــة ويستخــدم لا مــن كفايــة مجمــوع بعــد تفرقــه متواضــع لا مــن
تملقـه حامــل لا لولــد فــي بطنــه مائــل لا يسنــد ركنــه فيتطهــر ويصلــي فيتغيــر يجامــع بــلا ذكــر ويصــارع
بــلا حــذر يريــح ويستريــح ويعــد فــلا يصيــح أكــرم مــن النديــم وأبعــد مـــن الحميـــم يفـــارق زوجتـــه ليـــلاً
ويعانقها نهاراً مسكنه الأطراف في مساكن الأشراف.
فسكــت الطبيــب ولــم يجــب بشــيء وتحيــر فــي أمــره وتغيــر لونــه واطـــرق برأســـه ساعـــة ولـــم يتكلـــم
فقالـــت: أيهـــا الطبيـــب تكلـــم وإلا فانـــزع ثيابـــك فقـــام وقـــال: يـــا أميـــر المؤمنيـــن أشهـــد علـــى أن هـــذه
الجاريـة أعلـم منـي بالطـب وغيـره ولا لـي طاقـة ونـزع مـا عليـه مـن ثيـاب وخـرج هاربـاً فعنـد ذلــك قــال
هلا أمير المؤمنين: فسري لنا ما قلتيه فقالت: يا أمير المؤمنين هذا الزرار والعروة.
وأمــا مــا كــان مــن أمرهــا مــع المنجــم فإنهــا قالــت: مــن كــان منكــم منجمــاً فليقــم فنهــض إليهـــا وجلـــس
بيــن يديهــا فلمــا رأتـــه ضحكـــت وقالـــت: أنـــت المنجـــم الحاســـب الكاتـــب قـــال: نعـــم قالـــت: اســـأل
===
عمــا شئــت وباللــه التوفيــق قــال: أخبرينــي عــن الشمـــس وطلوهـــا وأفولهـــا قالـــت: اعلـــم أن الشمـــس
تطلــع مــن عيــون وتأفــل فــي عيــون فعيــون الطلــوع أجـــزاء المتســـارق وعيـــون الأفـــول أجـــزاء المغـــارب
وكلتاهمـا مائـة وثمانـون جــزءاً. قــال اللــه تعالــى: )فــلا أقســم بــرب المشــارق والمغــارب( وقــال تعالــى:
)هـو الـذي جعـل الشمـس ضيــاءً والقمــر نــوراً وقــدره منــازل لتعلمــوا عــدد السنيــن والحســاب( فالقمــر
سلطــان الليــل والشمــس سلطــان النهـــار وهمـــا مستبقـــان متداركـــان. قـــال اللـــه تعالـــى: )لا الشمـــس
ينبغــي لهــا أن تــدرك القمــر ولا الليــل سابــق النهـــار وكـــل فـــي فلـــك يسبحـــون(. قـــال: فأخبرينـــي إذا
جــاء الليــل كيــف يكــون النهـــار وإذا جـــاء النهـــار كيـــف يكـــون الليـــل قالـــت: )يولـــج الليـــل فـــي النهـــار
ويولــج النهــار فــي الليــل( قــال: أخبرينــي عــن منــازل القمــر قالــت: منــازل القمــر ثمــان وعشـــرون منزلـــة
وهـي: السرطـان والبطيـن والثريـا والدبــران والهقعــة والهنعــة والــذراع والنثــرة والطــرف والجبهــة والزبــرة
والصرفــة والعــواء والسمــك والغفــر والزبانــا والإكليــل والقلــب والشولــة والنعائـــم والبلـــدة وسعـــد الذابـــح
وسعـد بلـع وسعـد السعــود وسعــد الأخيبــة والفــرع المقــدم والفــرع المؤخــر والرشــاء وهــي مرتبــة علــى
حـروف أبجـد هـوز إلـى آخرهـا وفيهـا سـر غامــض لا يعلمــه إلا اللــه سبحانــه وتعالــى والراسخــون فــي
العلـم وأمـا قسمتهـا علــى البــروج الاثنــي عشــر فهــي أن تعطــي كــل بــرج منزليتــن وثلــث منزلــة فتجعــل
الشرطيــن والبطيــن وثلــث الثريــا للحمــل وثلثــي الثريــا مــع الديــران وثلثــي اللعــة للثــور وثلــث الهقعــة مـــع
===
الهنعــة والــذراع للجــوزاء والنتــرة والطــرف وثلــث الجبهــة للسرطــان وثلثيهمــا مـــع الزبـــرة وثلثـــي الصفـــة
للأســد وثلثهــا مــع العــواء والسمــاك للسنبلــة والغفــر والزبانــي وثلــث الإكليــل للميــزان وثلثــي الإكليــل مـــع
القلــب وثلثــي الشولــة للعقـــرب وثلثهـــا مـــع النعايـــم والبلـــدة للقـــوس وسعـــد الذبائـــح وسعـــد بلـــع وثلـــث
المقــدم للجــدي وثلثــي المقــدم مــع المؤخــر وثلثــي الرشــا للحــوت وثلــث الرشــا وسعــد السعـــود وسعـــد
الأخبية للدلو. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الجاريـــة لمـــا عـــدت المنـــازل وقسمتهـــا علــــى البــــروج قــــال لهــــا
المنجـم: أحسنــت فاخبرينــي عــن الكواكــب السيــارة وعــن طبائعهــا وعــن مكثهــا فــي البــروج والسعــد
منهــــا والنحــــس وأيــــن بيوتهــــا وشرفهــــا وسقوطهــــا قالــــت: المجلـــــس ضيـــــق ولكـــــن سأخبـــــرك. أمـــــا
الكواكـــب فسبعـــة وهـــي: الشمـــس والقمـــر وعطـــارد والزهـــرة والمريــــخ والمشتــــري وزحــــل فالشمــــس
حـارة يابســة نحيســة بالمقارنــة سعيــدة بالنظــرة تمكــث غــي كــل بــرج ثلاثيــن يومــاً والقمــر بــارد رطــب
سعيــد يمكــث فــي كــل بــرج يوميــن وثلــث يــوم وعطــارد ممتــزج سعــد مــع السعــود نحــس مــع النحـــوس
يمكـث فـي كـل بـرج سبعـة عشـر يومـاً ونصـف اليـوم والزهــرة معتدلــة سعيــدة تمكــث فــي كــل بــرج مــن
===
البـروج خمسـة وعشريـن يومـاً والمريـخ نحـس يمكـث فــي كــل بــرج عشــرة أشهــر والمشتــري سعــد يمكــث
في كل برج سنة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن المشتــري سعــد يمكــث فــي كــل بــرج سنــة وزحــل بـــارد يابـــس
نحـس يمكـث فـي كـل بـرج ثلاثيـن شهـراً والشمـس بيتهـا الأسـد وشرفهـا الحمــل وهبوطهــا الدلــو والقمــر
بيتـــه السرطـــان وشرفـــه الثـــور وهبوطـــه الحمـــل ووبالـــه السرطـــان والأســــد والمشتــــري بيتــــه الحــــوت
والقـــوس وهبوطـــه العقـــرب ووبالـــه الجـــدي وزحـــل بيتـــه الجـــدي والدلـــو وشرفــــه الميــــزان والسرطــــان
وهبوطـــه الجـــدي ووبالـــه الجـــوزاء والأســـد والزهـــرة بيتهـــا الثـــور وشرفهـــا الحـــوت وهبوطهــــا الميــــزان
ووبالهـا الحمــل والعقــرب وعطــارد بيتــه الجــوزاء والسنبلــة وهبوطــه الحــوت ووبالــه الثــور والمريــخ بيتــه
الحمل والعقرب وشرفه الجدي وهبوطه السرطان ووباله الميزان.
فلمــا نظــر المنجــم إلــى حذقهــا وعلمهــا وحســن كلامهــا وفهمهــا ابتغــى لــه حيلــة يخجلهــا بهــا بيــن يــدي
أميــر المؤمنيــن فقــال لهــا: يــا جاريــة هـــل ينـــزل فـــي هـــذا الشهـــر مطـــراً فأطرقـــت ساعـــة ثـــم تفكـــرت
طويـلاً حتـى ظـن أميـر المؤمنيـن أنهـا عجــزت عــن جوابهــا فقــال لهــا المنجــم: لــم لا تتكلميــن فقالــت: لا
===
أتكلــم إلا إن أذن لــي بالكلــام أميـــر المؤمنيـــن فقـــال لهـــا أميـــر المؤمنيـــن: وكيـــف ذلـــك قالـــت: أريـــد أن
تعطينـي سيفـاً أضـرب بـه عنقـه لأنـه زنديـق فضحـك أميـر المؤمنيــن وضحــك مــن حولــه ثــم قالــت: يــا
منجـم خمسـة لا يعلمهـا إلا اللـه تعالـى وقـرأت: )إن اللـه عنـده علـم الساعـة وينــزل الغيــث ويعلــم مــا فــي
الأرحـــام ومـــا تـــدري نفـــس مـــاذا تكســـب غـــداً ومـــا تـــدري نفـــس بـــأي أرض تمــــوت إن اللــــه عليــــم
خبيــر( قــال لهــا: أحسنــت إنــي واللــه مــا أردت إلا اختبــارك فقالــت: اعلــم أن أصحــاب التقويــم لهـــم
إشــارات وعلامــات ترجــع إلــى الكواكــب بالنظــر إلــى دخــول السنــة وللنـــاس فيهـــا تجـــارب قـــال: ومـــا
هـــي قالـــت: إن لكـــل يـــوم مـــن الأيـــام كوكبـــاً يملكـــه فــــإذا كــــان أول يــــوم مــــن السنــــة يــــوم الأحــــد فهــــو
الشمــس ويــدل ذلــك واللــه أعلــم علــى الجــور مــن الملــوك والسلاطيــن والولــاة وكثــرة الوخـــم وقلـــة المطـــر
وأن تكــون النــاس فــي هــرج عظيــم وتكـــون الحبـــوب طيبـــة إلا العـــدس فإنـــه يعطـــب ويفســـد العنـــب
ويغلـو الكتـان ويرخـص القمـح مـن أول طوبـة إلـى آخـر برمهـات ويكثـر القتـال بيـن الملـوك ويكثـر الخيــر فــي
تلم السنة والله أعلم.
قــال: فأخبرينــي عــن يــوم الاثنيــن قالــت: هــو القمــر ويــدل ذلــك علــى صلــاح ولــاة الأمـــور والعمـــال وأن
تكــون السنــة كثيـــرة الأمطـــار. وتكـــون الحبـــوب طيبـــة ويفســـد بـــزر الكتـــان ويرخـــص القمـــح ويكثـــر
العنـــب ويقـــل العســـل ويرخـــص القطـــن واللـــه أعلـــم. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتــــت عــــن الكلــــام
===
وفي الليلة الخمسين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن الجاريــة لمــا فرغــت مــن بيــان يــوم الاثنيــن قــال لهــا: أخبرينــي عــن
يـــوم الثلاثـــاء قالـــت: هـــو المريـــخ ويـــدل ذلـــك علـــى مـــوت كبـــار النـــاس وكثـــرة الفنــــاء وإراقــــة الدمــــاء
والغـلاء فـي الحــب وقلــة الأمطــار وأن يكــون السمــك قليــلا ويزيــد فــي أيــام وينقــص فــي أيــام ويرخــص
العســل والعــدس ويغلــو بــذر الكتــان فــي تلــك السنــة وفيهــا يفلــح الشعيـــر دون سائـــر الحبـــوب ويكثـــر
القتال بين الملوك ويكثر الموت بالدم ويكثر موت الحمير والله أعلم.
قــال: فأخبرينــي عــن يــوم الأربعــاء قالــت هــو عطــارد ويــدل ذلــك علــى هــرج عظيــم يقــع فـــي النـــاس
وعلـــى كثـــرة العـــدو وأن تكـــون الأمطـــار معتدلـــة وأن يفســـد بعـــض الـــزرع وأن يكثــــر مــــوت الــــدواب
ومـوت الأطفـال ويكثـر القتــل فــي البحــر مــن برمــوده إلــى مســرى وترخــص بقيــة الحبــوب ويكثــر الرعــد
والبرق ويغلو العسل ويكثر طلع النخل ويكثر الكتان والقطن ويغلو الفجل والبصل والله أعلم.
قـال: أخبرينـي عـن يـوم الخميــس قالــت: هــو للمشتــري ويــدل ذلــك علــى العــدل فــي الــوزراء والصلــاح
فـــي القضــــاء والفقــــراء وأهــــل الديــــن وأن يكــــون الخيــــر كثيــــراً وتكثــــر الأمطــــار والثمــــار والأشجــــار
والحبوب ويرخص الكتان والقطن والعسل والعنب ويكثر السمك والله أعلم.
===
قـال: أخبرينـي عـن يـوم الجمعــة قالــت: هــو للزهــرة ويــدل ذلــك علــى الجــور فــي كبــار الجــن والتحــدث
بالــزور والبهتــان وأن يكثــر النـــدى ويطيـــب الخريـــف فـــي البلـــاد ويكـــون الرخـــص فـــي بلـــاد دون بلـــاد
ويكثـر الفسـاد فـي البـر والبحـر ويغلـو بـذر الكتـان ويغلـو القمـح فـي هاتـور ويرخـص فـي وامشيــر ويغلــو
العسل ويفسد العنب والبطيخ والله أعلم.
قــال: فأخبرينــي عــن يــوم السبــت قالـــت: هـــو لزحـــل ويـــدل ذلـــك علـــى إيثـــار العبيـــد والـــروم ومـــن لا
خيـر فيـه ولا فـي قربـه وأن يكـون الغـلاء والقحـط كثيـراً ويكـون الغنـم كثيـراً ويكثـر المـوت فــي بنــي آدم
والويل لأهل مصر والشام من جور السلطان وتقل البركة من الزرع وتفسد الحبوب والله أعلم.
ثــم إن المنجــم أطــرق برأســه وطأطــأ رأســه فقالــت: يــا منجــم أسألــك مسألــة واحــدة فــإن لــم تجـــب
أخـذت ثيابـك قـال لهــا: قولــي: أيــن يكــون سكــن زحــل قــال: فــي السمــاء السابعــة قالــت: فالشمــس
قـال: فـي السمـاء الرابعـة قالـت: فالزهـرة قـال: فــي السمــاء الثالثــة قالــت: فعطــارد قــال: فــي السمــاء
الثانيــة قالــت: فالقمــر قــال: فــي السمــاء الأولــى قالــت: أحسنــت وبقــي عليـــك مسألـــة واحـــدة قـــال:
اسألــي قالــت: فأخبرنــي عــن النجــوم إلــى كــم جــزء تنقســم فسكــت ولــم يجـــب قالـــت: انـــزع ثيابـــك
فنزعهـا ولمـا أخذتهـا قـال لهـا أميـر المؤمنيـن: فسـري لنـا هـذه المسألـة فقالـت: يـا أميـر المؤمنيـن هـم ثلاثــة
أجـزاء جـزء معلـق بسمــاء الدنيــا كالقناديــل وهــو ينيــر الــأرض وجــزء ترمــي بــه الشياطيــن إذا استرقــوا
===
السمــع. قــال اللــه تعالــى: ولقــد زينــا السمــاء الدنيــا بمصابيــح وجعلناهــا رجامــاً للشياطيـــن. والجـــزء
الثالـث معلـق بالهـواء وهـو ينيـر البحــار ومــا فيهــا. قــال المنجــم: بقــي لنــا مسألــة واحــدة فــإن أجابــت
أقررت لها قالت: قل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أنــه قــال: أخبرينــي عــن أربعــة أشيــاء متضــادة مترتبــة علـــى أربعـــة
أشيـــاء متضـــادة قالـــت: هـــي الحـــرارة والبــــرودة والرطوبــــة واليبوســــة خلــــق اللــــه مــــن الحــــرارة النــــار
وطبعهـا حـار يابـس وخلــق مــن اليبوســة التــراب وطعمــه بــارد يابــس وخلــق مــن البــرودة المــاء وطبعــه
بـارد رطـب وخلـق مـن الرطوبـة الهـواء وطبعـه حـار رطــب ثــم خلــق اثنــي عشــر برجــاً وهــي الحمــل
والثــور والجــوزاء والسرطــان والأســد والسنبلـــة والميـــزان والعقـــرب والقـــوس والجـــدي والدلـــو والحـــوت
وجعلهــا علــى أربــع طبائــع ثلاثــة ناريــة وثلاثــة ترابيــة وثلاثـــة هوائيـــة مائيـــة فالحمـــل والأســـد والقـــوس
ناريــــة والثــــور والسنبلــــة والجــــدي ترابيــــة والجــــوزاء والميــــزان والدلـــــو هوائيـــــة والسرطـــــان والعقـــــرب
والحوت مائية. فقام المنجم وقال: اشهدوا على أنها أعلم مني وانصرف مغلوباً.
ثــم قالــت: يــا أميــر المؤمنيــن أيـــن الفيلســـوف فنهـــض إليهـــا رجـــل وتقـــدم وقـــال: أخبرينـــي عـــن الدهـــر
===
وحــده وأيامــه ومــا جــاء فيــه قالــت: إن الدهــر هــو اســم واقــع علــى ساعــات الليــل والنهــار وان هــي
مقاديـر جــري الشمــس والقمــر فــي أفلاكهمــا كمــا أخبــر اللــه تعالــى حيــث قــال: )وآيــة لهــم الليــل نسلــخ
منـه النهـار فـإذا هـم مظلمـون والشمــس تجــري لمستقــر لهــا ذلــك تقديــر العزيــز العليــم(. قــال: أخبرينــي
عــن ابــن آدم كيــف يصــل إليــه الكفــر قالــت: روي عــن رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلـــم أنـــه قـــال:
الكفــر فــي ابــن آدم يجــري كمــا يجــري الــدم فــي عروقــه حيــث يســب الدنيــا والدهـــر والليلـــة والساعـــة
وقــال عليــه الصلــاة والسلــام: لا يســب أحدكـــم الدهـــر والليلـــة والساعـــة وقـــال عليـــه الصلـــاة والسلـــام:
لا يسـب أحدكـم الدهـر فـإن الدهـر هـو اللـه ولا يسـب أحدكـم الدنيـا فتقــول: لا أعــان اللــه مــن يسبنــي
ولا يسـب أحدكــم هــذه الساعــة فــإن الساعــة آتيــة لا ريــب فيهــا ولا يســب أحدكــم الــأرض فإنهــا آيــة
لقوله تعالى: )منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى(.
قــال: فأخبرينــي عــن خمســة أكلــوا وشربــوا ومــا خرجــوا مــن ظهــر ولا بطــن قالـــت: هـــو آدم وشمعـــون
وناقــة صالــح وكبــش إسماعيــل والطيــر الــذي رآه أبــا بكــر الصديــق فــي الغــار. قــال: فأخبرينـــي عـــن
خمســة فــي الجنــة لا مــن الإنــس ولا مــن الجــن ولا مــن الملائكــة قالــت: ذئــب يعقــوب وكلـــب أصحـــاب
الكهـف وحمــار العزيــز وناقــة صالــح ودلــال بغلــة النبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم. قــال: فأخبرينــي عــن
رجـل صلـى صلـاة لا فـي الـأرض ولا فـي السمـاء قالـت: هـو سليمـان حيـن صلـى علــى بساطــه وهــو
===
علـى الريــح قــال: أخبرينــي عمــن صلــى صلــاة الصبــح فنظــر إلــى أمــة فحرمــت عليــه فلمــا كــان الظهــر
حلـت لـه فلمـا كـان العصـر حرمــت عليــه فلمــا كــان المغــرب حلــت لــه فلمــا كــان العشــاء حرمــت عليــه
فلمـا كـان الصبـح حلـت لـه قالـت: هـذا رجـل نظـر إلـى أمـة غيـره عنـد الصبــح وهــي حــرام عليــه فلمــا
كــان الظهــر اشتراهــا فحلــت لــه فلمــا كــان العصــر أعتقهــا فحرمـــت عليـــه فلمـــا كـــان المغـــرب تزوجهـــا
فحلت له فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه فلما كان الصبح راجعها فحلت له.
قـال: أخبرينـي عـن قبـر مشـى بصاحبـه قالـت: هـو حــوت يونــس بــن متــى حيــن ابتلعــه قــال: أخبرينــي
عــن بقعــة واحــدة طلعــت عليهــا الشمــس مــرة واحــدة ولا تطلـــع عليهـــا بعـــد إلـــى يـــوم القيامـــة قالـــت:
البحر حين ضربـه موسـى بعصـاه فانفلـق اثنـي عشـر فرقـاً علـى عـدد الأسبـاط وطلعـت عليـه الشمـس
ولم تعد له إلى يوم القيامة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والخمسين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الفيلســـوف قـــال بعــــد ذلــــك للجاريــــة أخبرينــــي عــــن أول ذيــــل
سحــب علــى وجــه الــأرض قالــت: ذيــل هاجــر حيــاء مـــن ســـارة فصـــارت سنـــة فـــي العـــرب قـــال:
أخبرينــي عــن شــيء يتنفــس بــلا روح قالــت قولــه تعالــى: )والصبــح إذا تنفـــس( قـــال: أخبرينـــي عـــن
===
حمــام طائــر اقبــل علــى شجــرة عاليــة فــوق بعضـــه فوقهـــا وبعضهـــا تحتهـــا فقالـــت: الفرقـــة التـــي فـــوق
الشجـرة إلـى التـي تحتهـا إن طلعـت واحـدة منكـن صرتـن الثلـث وإن نزلـت منــا واحــدة كنــا مثلكــن فــي
العـدد قالـت الجاريـة: كــان الحمــام اثنتــي عشــرة حمامــة فــوق منهــن فــوق الشجــرة سبــع وتحتهــا خمــس
فـإذا طلعـت واحــدة صــار الــذي فــوق قــدر الــذي تحــت مرتيــن ولــو نزلــت واحــدة صــار الــذي تحــت
مساو بالذي فوق والله أعلم فتجرد الفيلسوف من ثيابه وخرج هارباً.
وأمــا حكايتهــا مــع النظــام فــإن الجاريــة التفتــت إلــى العلمــاء الحاضريــن وقالــت: أيكــم المتكلــم فــي كــل
فــن وعلــم فقــام إليهــا النظــام وقــال لهــا: لا تحسبينــي كغيــري فقالــت لــه: الأصــح عنــدي أنــك مغلـــوب
لأنـك مـدع واللـه ينصرنـي عليـك حتـى أجـردك مـن ثيابـك فلـو أرسلـت مــن يأتيــك بشــيء تلبســه لكــان
خيــراً لــك فقــال: واللــه لأغلبنــك وأجعلنـــك حديثـــاً يتحـــدث بـــه النـــاس جيـــلاً بعـــد جيـــل فقالـــت لـــه
الجاريــة: كفــر عــن يمينــك قــال: أخبرينــي عــن خمســة أشيــاء خلقهــا اللــه قبــل خلـــق الخلـــق قالـــت لـــه:
المـــاء والتـــراب والنـــوم والظلمـــة والثمـــار قـــال: أخبرينـــي عـــن شـــيء خلقـــه اللـــه بيــــد القــــدرة قالــــت:
العـرش وشجـرة طوبـى وآدم وجنـة عـدن فهـؤلاء خلقهــم اللــه بيــد القــدرة وسائــر المخلوقــات قــال لهــم:
كونـوا فكانـوا. قـال: أخبرينـي عـن أبيـك فـي الإسلـام قالـت: محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم قــال: فمــن
أبـو محمــد قالــت: إبراهيــم خليــل اللــه قــال: فأخبرينــي مــا أولــك ومــا آخــرك قالــت: أولــي نطفــة مــذرة
===
خلقت من التراب فصرت شخصا فصيحا في السؤال وفي الجواب
وعدت إلى التراب فصرت فيه كأنـي مـا برحــت مــن التــراب
قـال: فأخبرينـي عـن شـيء أولـه عـود وآخـره روح قالـت: عصــا موســى حيــن ألقاهــا فــي الــوادي فــإذا
هـي حيـة تسعـى بـإذن اللـه تعالـى قــال: فأخبرينــي عــن قولــه تعالــى: ولــي فيهــا مــآرب أخــرى قالــت:
كـان يغرسهـا فـي الـأرض فتزهــو وتثمــر وتظلــه مــن الحــر والبــرد وتحملــه إذا عيــى وتحــرس لــه الغنــم إذا
نـام مــن السبــاع قــال: أخبرينــي عــن أنثــى مــن ذكــر وذكــر مــن أنثــى قالــت: حــواء مــن آدم وعيســى مــن
مريـم قـال: فأخبرينـي عـن أربــع نيــران نــار تأكــل ونــار تشــرب ولا تشــرب ونــار تشــرب ولا تأكــل ونــار
تأكــل ولا تشـــرب قالـــت: أمـــا النـــار التـــي تأكـــل ولا تشـــرب فهـــي نـــار الدنيـــا وأمـــا النـــار التـــي تأكـــل
وتشـرب فهـي نـار جهنـم وأمـا النـار التـي تشـرب ولا تأكـل فهــي نــار الشمــس وأمــا النــار التــي لا تأكــل
ولا تشــرب فهــي نــار القمــر قــال: أخبرينــي كــم كلمــة كلــم اللــه موســـى قالـــت: روي عـــن رســـول اللـــه
صلـى اللـه عليـه وسلـم أنـه قـال: كلـم اللـه موسـى ألـف كلمـة وخمسمائــة عشــرة كلمــة قــال أخبرينــي عــن
أربعــة عشــر كلمــة رب العالميــن قالــت: السمــوات السبــع والأرضــون السبــع لمــا قالتــا: أتينــا طائعيــن.
فلمـا قالـت لـه الجـواب قـال لهـا: أخبرينــي عــن آدم وأول خلقتــه قالــت: خلــق اللــه آدم مــن طيــن والطيــن
مــن زبــد والزبــد مــن بحــر والبحــر مــن ظلمــة والظلمــة مــن ثــور والثــور مــن حــوت والحــوت مــن صخــرة
===
والصخــرة مــن ياقوتــة والياقوتــة مــن مـــاء والمـــاء مـــن القـــدرة لقولـــه تعالـــى: إنمـــا أمـــره إذا أراد شيئـــاً أن
يقول له: كن فيكون قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
وآكلــــــة بغيــــــر فــــــم وبطــــــن لها الأشجار والحيوانات قوت
فإن أطعمتها انتعشت وعاشت ولــــو أسقيتهـــــا مـــــاء تمـــــوت
قالت: هي النار قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
خليلـان ممنوعـان مــن كــل لــذة يبيتـــان طـــول الليـــل يعتنقــــان
هما يحفظان الأهل من كل آفة وعنـد طلـوع الشمـس يفترقـان
قالـت: همـا مصراعـا البـاب قـال: فأخبرينـي عــن أبــواب جهنــم قالــت: سبعــة وهــي ضمــن بيتيــن مــن
الشعر:
جهنـم ولظـى ثـم الحطيـم كــذا عد السعير وكل القول في سقر
وبعـد ذلـك جحيـم ثـم هاويــة فذاك عدتهم في قـول مختصـر
قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
وذات ذوائــــب تنجــــر طــــولا وراها في المجيء وفي الذهـاب
بعيــن لــم تـــذق للنـــوم طعمـــا ولا ذرفت لدمع ذي انسكاب
===
قالــت: هــي الإبــرة قــال: فأخبرينــي عــن الصــراط ومــا هــو ومــا طولــه ومــا عرضــه قالـــت: أمـــا طولـــه
فثلاثــة آلــاف عـــام ألـــف هبوطـــه وألـــف صعـــوده والـــف استـــواء وهـــو أحـــد مـــن السيـــف وأرق مـــن
الشعرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن الجاريــة لمــا وصفــت لــه الصــراط قــال: أخبرينــي كــم لنبينــا محمــد
صلــى اللــه عليــه وسلــم مــن شفاعــة قالــت لــه: ثلــاث شفاعــات قــال لهــا: هــل كــان أبــو بكـــر أول مـــن
أسلــم قالــت نعــم. قــال: إن علــي أسلــم قبــل ابابكـــر قالـــت: إن علـــي أتـــى النبـــي صلـــى اللـــه عليـــه
وسلــم وهــو ابــن سبــع سنيــن فأعطــاه اللــه الهدايــة علــى صغـــر سنـــه فمـــا سجـــد لصنـــم قـــط قـــال:
فأخبرينـي أعلــي أفضــل أم العبــاس فعلمــت أن هــذه مكيــدة لهــا فــإن قالــت: علــي أفضــل مــن العبــاس
فمــا لهــا مــن عــذر عنــد أميــر المؤمنيــن فأطرقــت ساعــة وهــي تـــارة تحمـــر وتـــارة تصفـــر ثـــم قالـــت:
تسألنـي عـن اسميـن فاضليـن لكـل منهمـا فضـل فارجـع بنـا إلـى مـا كنـا فيـه فلمـا سمعهـا الخليفـة هــارون
الرشيــد استــوى قائمــاً علــى قدميــه وقــال لهــا: أحسنــت ورب الكعبــة يــا تــودد فعنــد ذلــك قــال لهـــا
إبراهيم النظام: أخبريني عن قول الشاعر:
===
ويأخذ كل الناس منها منافعـا وتؤكل بعد العصر في رمضان
قالـــت: قصـــب السكـــر قـــال: فأخبرينـــي عـــن مسائـــل كثيـــرة قالـــت: ومـــا هـــي قـــال: مـــا أحلــــى مــــن
العســل ومــا أحــد مــن السيــف ومـــا أســـرع مـــن السهـــم ومـــا لـــذة ساعـــة ومـــا ســـرور ثلاثـــة أيـــام ومـــا
أطيـب يـوم ومـا فرحــة جمعــة ومــا الحــق الــذي لا ينكــره صاحــب الباطــل ومــا سجــن القبــو ومــا فرحــة
القلــب ومــا كيــد النفــس ومــا مــوت الحيــاة ومــا الــداء الــذي لا يــداوى ومــا العــار الـــذي لا ينجلـــي ومـــا
الدابة التي لا تـأوي إلـى العمـران وتسكـن الخـراب وتبغـض بنـي آدم وخلـق فيهـا خلـق مـن سبعـة جبابـرة
قالـت لـه: اسمـع جـواب مـا قلـت ثـم انـزع ثيابـك حتـى أفسـر لــك ذلــك قــال لهــا أميــر المؤمنيــن: فســري
وهــو ينــزع ثيابــه قالــت: أمــا مــا هــو أحلــى مــن العســل فهــو حــب الأولــاد الباريــن بوالديهــم وأمــا ماهــو
أحــد مــن السيــف فهــو اللســان وأمـــا مـــا اســـرع مـــن السهـــم فهـــو عيـــن الميعـــان وأمـــا لـــذة ساعـــة فهـــو
الجمـاع وأمـا سـرور ثلاثـة أيـام فهـو النـورة للنســاء وأمــا مــا هــو أطيــب يــوم فهــو يــوم الربــح فــي التجــارة
وأمــا فرحــة جمعــة فهــو العــروس وأمــا الحــق الــذي لا ينكــره صاحــب الباطـــل فهـــو المـــوت وأمـــا سجـــن
القبــر فهــو الولــد الســوء وأمــا فرحــة القلــب فهــي المــرأة المطيعــة لزوجهــا وقيــل: اللحـــم حيـــن ينـــزل عـــن
القلـــب فإنـــه يفـــرح بذلـــك وأمـــا كيـــد النفـــس فهـــو العبـــد العاصـــي وأمـــا مـــوت الحيـــاة فهـــو الفقـــر وأمــــا
الــداء الــذي لا يــداوى فهــو ســوء الخلــق وأمــا العـــار الـــذي لا ينجلـــي فهـــو البنـــت الســـوء وأمـــا الدابـــة
===
التـي لا تـأوي إلـى العمـران وتسكــن الخــراب وتبغــض بنــي آدم وخلــق فيهــا سبعــة جبابــرة فــإن الجــرادة
رأسهــا كــرأس الفــرس وعنقهــا عنــق الثــور وجناحهــا جنــاح النســر ورجلهــا رجــل الجمــل وذنبهــا ذنـــب
الحية وبطنها بطن العقرب وقرنها قرن الغزال.
فتعجـب الخليفـة هـارون الرشيـد مـن حذقهــا وفهمهــا ثــم قــال للنظــام: انــزع ثيابــك فقــام وقــال: أشهــد
علـى جميـع مـن حضـر هـذا المجلـس أنهـا أعلـم منـي ومـن كـل عالـم ونـزع ثيابـه وقـال لهـا: خذيهـا لا بــارك
اللـه لـك فيهـا فأمـر لـه أميـر المؤمنيـن بثيـاب يلبسهـا ثـم قـال أميـر المؤمنيـن: يـا تـودد بقـي عليـك شـيء ممــا
وعـدت بــه وهــو الشطرنــج وأمــر بإحضــار الشطرنــج والكمنجــة والنــرد فحضــروا وجلــس الشطرنجــي
معهــــا وصفــــت بينهمــــا الصفــــوف ونقــــل ونقلــــت فمــــا نقــــل شيئــــاً إلا أفسدتـــــه عـــــن قريـــــب. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الجاريـــة لمـــا لعبـــت الشطرنـــج مـــع المعلـــم بحضـــرة أميـــر المؤمنيـــن
هــارون الرشيــد صــارت كلمــا نقــل نقــلاً أفسدتــه حتــى غلبتــه ورأى الشــاه مــات فقـــال: أنـــا أردت أن
أطعمـك حتـى تظنـي أنـك عارفـة لكـن صفـي حتــى أريــك فلمــا صفــت الثانــي قــال فــي نفســه: افتــح
===
عينيـك وإلا غلبتـك وصــار مــا يخــرج قطعــة إلا بحســاب ومــا زال يلعــب حتــى قالــت لــه: الشــاه مــات
فلمـا رأى ذلـك منهـا دهـش مـن حذقهـا وفهمهـا فضحكـت وقالـت لــه: يــا معلــم أنــا أراهنــك فــي هــذه
المــرة الثالثــة علــى أن أرفـــع لـــك الفـــرزان ورخ الميمنـــة وفـــرس الميســـرة وإن غلبتنـــي فخـــذ ثيابـــي وإن
غلبتك أخذت ثيابك.
قـال: رضيـت بهـذا الشـرط ثـم صفــا الصفيــن ورفــع الفــرزان والــرخ والفــرس وقالــت لــه: انقــل يــا معلــم
فنقــل وقــال: مــا لــي لا أغلبهــا بعــد هــذه الحطيطــة وعقــد عقــداً وإذا هـــي نقلـــت نقـــلاً قليـــلاً إلـــى أن
صيــرت لــه فرزانـــا ودنـــت منـــه وقربـــت البيـــادق والقطـــع وشغلتـــه وأطعمتـــه قطعـــة فقطعهـــا فقالـــت:
الكيـل كيـل وافـي والـرز رز صافـي فكــل حتــى تزيــد علــى الشبــع مــا يقتلــك يــا ابــن آدم إلا الطمــع أمــا
تعلـم أنـي أطعمتــك لأخدعــك انظــر فهــذا الشــاه مــات ثــم قالــت لــه: انــزع ثيابــك فقــال لهــا اتركــي لــي
السراويـل وأجـرك علـى اللـه وحلـف باللـه لا يناظـر أحـداً مـا دامـت تـودد ببغــداد ثــم نــزع ثيابــه وسلمهــا
لهــا وانصــرف. فجــيء بلاعــب النــرد فقالــت لــه: إن غلبتــك فـــي هـــذا اليـــوم فمـــاذا تعطينـــي قـــال:
أعطيـك عشـر ثيـاب مـن الديبـاج القسطنطينـي المطـرز بالذهـب وعشـر ثيـاب مـن المخمــل وإن غلبتــك
فمـا أريـد منـك إلا أن تكتبـي لـي درجـاً بأنـي غلبتـك قالــت لــه: دونــك ومــا عولــت عليــه فلعــب فــإذا
هـو قـد خسـر وقـام وهـو يرطـن بالإفرنجيــة ويقــول: ونعمــة أميــر المؤمنيــن إنهــا لا يوجــد مثلهــا فــي سائــر
===
البلـــاد ثـــم إن أميـــر المؤمنيـــن دعـــا بأربـــاب آلـــات الضـــرب قالـــت: نعـــم فأمـــر بإحضـــار عــــود محكــــوم
مدعـوك مجـرود صاحبـه بالهجـران مكـدود فوضتـه فـي حجرهـا وأرخــت عليــه نهدهــا وانحنــت عليــه
انحنـاءة والـدة ترضـع ولدهـا وضربـت عليـه اثنـي عشــر نغمــاً حتــى مــاج المجلــس مــن الطــرب وأنشــدت
تقول:
أقصروا هجركـم أقلـوا جفاكـم فــــؤادي وحقكــــم ماسلاكــــم
وارحمــوا باكيــاً حزينــاً كئيبـــا ذا غـــرام متيـــم فــــي هواكــــم
فطـرب أميـر المؤمنيـن وقـال: بـارك اللــه فيــك ورحــم مــن علمــك فقامــت وقبلــت الــأرض بيــن يديــه ثــم
إن أميــر المؤمنيــن أمــر بإحضــار المــال ودفــع لمولاهــا مائــة ألــف دينــار وقـــال لهـــا: يـــا تـــودد تمنـــي علـــي
قالـت: تمنيـت عليـك أن تردنـي إلـى سيـدي الـذي باعنـي فقـال لهـا: نعـم فردهـا إليــه وأعطاهــا خمســة
آلـاف دينـار لنفسهــا وجعــل سيدهــا نديمــاً لــه علــى طــول الزمــان. وأدرك شهــرزاد الصبــاح فسكتــت
عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الخليفــة أعطــى الجاريــة خمســة آلــاف دينــار وردهــا إلــى مولاهــا
===
وجعلـه نديمـاً لـه علـى طـول الزمــان وأطلــق لــه فــي كــل شهــر ألــف دينــار وقعــد مــع جاريتــه تــودد فــي
أرغـد عيـش فأعجـب الملـك مـن فصاحـة هـذه الجاريــة ومــن غــزارة علمهــا وفهمهــا وفضلهــا فــي كامــل
العلـوم وانظـر إلــى مــروءة أميــر المؤمنيــن هــارون الرشيــد حيــث أعطــى سيدهــا هــذا المــال وقــال لهــا:
تمنــي علــي فتمنــت عليــه أن يردهــا إلــى سيدهــا فردهــا إليــه وأعطاهــا خمســـة آلـــاف دينـــار لنفسهـــا
وجعــل سيدهــا نديمــاً لــه فأيــن يوجــد هــذا الكــرم بعـــد الخلفـــاء العباسييـــن رحمـــة اللـــه تعالـــى عليهـــم
أجمعين.
جملة حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها وما ناسب ذلك
وممـــا يحكـــى أيهـــا الملـــك السيعـــد أن ملكـــاً مـــن الملـــوك المتقدميـــن أراد أن يركـــب يومـــاً فـــي جملـــة أهـــل
مملكتـــه وأربـــاب دولتـــه ويظهـــر للخلائـــق عجائــــب زينتــــه فأمــــر أصحابــــه وأمــــراءه وكبــــراء دولتــــه أن
يأخـذوا أهبـة الخـروج معـه وأمـر خـازن الثيــاب بــأن يحضــر لــه مــن أفخــر الثيــاب مــا يصلــح للملــك فــي
زينتــه وأمــر بإحضــار خيلــه الموصوفـــة العتـــاق المعروفـــة ففعلـــوا ذلـــك ثـــم إنـــه اختـــار مـــن الثيـــاب مـــا
أعجبــه ومــن الخيــل مــا استحسنــه ثــم لبــس الثيــاب وركــب الجــواد وســار بالموكــب والطــوق المرصـــع
بالجواهــر وأصنـــاف الـــدرر واليواقيـــت وجعـــل يركـــب الحصـــان فـــي عسكـــره ويفتخـــر بتيهـــه وتجبـــره
فأتاه إبليس فوضع يده علـى ممخـره ونفـخ فـي أنفـه نفخـة الكبـر والعجـب فزهـا وقـال فـي نفسـه: مـن فـي
===
العامـل مثلـي وطفــق يتيــه بالعجــب الأكبــر ويظهــر الأبهــة ويزهــو بالخيــلاء ولا ينظــر إلــى أحــد مــن تيهــه
وتكبره وعجبه وفخره.
فوقـف بيـن يديـه رجـل عليـه ثيـاب رثـة فسلــم عليــه فلــم يــرد عليــه السلــام فقبــض علــى عنــان فرســه
فقــال لــه الملــك: ارفــع يــدك فإنــك لا تــدري بعنــان مــن قـــد أمسكـــت فقـــال لـــه: إن لـــي إليـــك حاجـــة
فقــال: اصبــر حتــى أنــزل واذكــر حاجتــك فقــال: إنهــا ســر ولا أقولهــا إلا فــي أذنــك فمــال بسمعــه إليـــه
فقـال لـه: أنـا ملـك المــوت وأريــد قبــض روحــك فقــال: امهلنــي بقــدر مــا أعــود إلــى بيتــي وأودع أهلــي
وأولـادي وجيرانـي وزوجتـي فقـال: كــلا لا تعــود ولــن تراهــم أبــداً فإنــه قــد مضــى أجــل عمــرك فأخــذ
روحه وهو على ظهر فرسه فخر ميتاً ومضى ملك الموت من هناك.
فأتــى رجــلاً صالحـــاً قـــد رضـــي اللـــه عنـــه فسلـــم عليـــه فـــرد عليـــه السلـــام فقـــال ملـــك المـــوت: أيهـــا
الرجـل الصالـح إن لـي إليـك حاجـة وهـي سـر فقـال لـه الرجـل الصالـح: اذكـر حاجتــك فــي أذنــي فقــال:
أنــا ملــك المــوت فقــال الرجــل مرحبــاً بــك الحمــد للــه فإنــي كنــت كثيــراً أراقــب مجيئــك ووصولـــك إلـــي
ولقــد طالــت غيبتــك علــى المشتــاق إلــى قدومــك فقــال لــه ملـــك المـــوت: إن كـــان لـــك شغـــل فاقضـــه
فقـال لـه: ليـس لـي شغـل أهـم عنـدي مــن لقــاء ربــي عــز وجــل فقــال: كيــف تحــب أن أقبــض روحــك
فإنــي أمــرت أن أقبضهــا كيــف أردت وأحببــت فقــال: أمهلنـــي حتـــى أتوضـــأ وأصلـــي فـــإذا سجـــدت
===
فاقبــــض روحــــي وأنــــا ساجــــد فقــــال ملــــك المــــوت: إن ربــــي عــــز وجـــــل أن لا أقبـــــض روحـــــك إلا
باختيــارك كيــف أردت وأنــا أفعــل مــا قلــت فقــام الرجــل وتوضـــأ وصلـــى فقبـــض ملـــك المـــوت روحـــه
وهو ساجد ونقله الله تعالى إلى محل الرحمة والرضوان والمغفرة.
وحكـي أن ملكـاً مـن الملــوك كــان قــد جمــع مــالاً عظيمــاً لا يحصــى عــدده واحتــوى علــى أشيــاء كثيــرة
مـن كـل نـوع خلقــه اللــه تعالــى فــي الدنيــا ليرفــه عــن نفســه حتــى إذا أراد أن يتفــرغ لمــا جمعــه مــن النعــم
الطائلـة بنـى لـه قصـراً عاليـاً مرتفعـاً شاهقـاً يصلـح للملـوك ويكـون لائقـاً ثــم ركــب عليــه بابيــن ووثــب لــه
الغلمــان والأجنــاد والبوابيــن كمــا أراد ثــم أمــر الطبــاخ فــي بعــض الأيــام أن يصنــع لــه شيئــاً مــن أطيــب
الطعـــام وجمـــع أهلـــه وحشمـــه وأصحابـــه وخدمـــه ليأكلـــوا عنـــده وينالـــوا رفـــده وجلـــس علــــى سريــــر
مملكتــه وسيادتــه واتكــأ علــى وسادتــه وخاطــب نفســه وقــال: يـــا نفـــس قـــد جمعـــت لـــك نعـــم الدنيـــا
بأسرهــا فالـــآن تفرغـــي وكلـــي مـــن هـــذه النعـــم مهنـــأة بالعمـــر الطويـــل والحـــظ الجزيـــل وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والخمسين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك لمــا حــدث نفســـه وقـــال لهـــا: كلـــي مـــن هـــذه النعـــم مهنـــأة
===
بالعمـر الطويــل والحــظ الجزيــل ولــم يفــرغ ممــا حــدث بــه نفســه حتــى أتــاه رجــل مــن ظاهــر القصــر عليــه
ثيـاب رثــة وفــي عنقــه مخلــاة معلقــة علــى هيئــة سائــل يســأل الطعــام فجــاء وطــرق حلقــة بــاب القصــر
طرقـة عظيمـة هائلـة كــادت تزلــزل القصــر وتزعــج الشريــر فخــاف الغلمــان فوثبــوا إلــى البــاب وصاحــوا
بالطـــارق وقالـــوا لـــه: ويحـــك مـــا هـــذه الفعلـــة وســـوء الـــأدب اصبـــر حتـــى يأكـــل الملـــك ونعطيــــك ممــــا
يفضــل فقــال للغلمــان: قولــوا لصاحبكــم يخــرج إلــي حتــى يكلمنــي فلــي حاجــة وشغــل مهــم وأمــر ملـــم
قالـــوا: تنـــح أيهـــا الضيـــف مـــن أنـــت حتـــى تأمـــر صاحبنـــا بالخـــروج إليــــك فقــــال لهــــم: عرفــــوه ذلــــك
فجـاؤوا إليـه وعرفـوه فقــال: هــلا زجرتمــوه وجردتــم عليــه السلــام ونهرتمــوه ثــم طــرق البــاب أعظــم مــن
الطرقــة الأولــى فنهــض الغلمــان إليــه بالعصــي والسلــام وقصــدوه ليحاربــوه فصــاح بهــم صيحـــة وقـــال:
الزمـــوا أماكنكـــم فأنـــا ملـــك المـــوت فرعبـــت قلوبهـــم وذهبـــت عقولهـــم وطاشـــت حلومهــــم وارتعــــدت
فرائصهــم وبطلــت عــن الحركــة جوارحهـــم فقـــال لهـــم الملـــك: قولـــوا لـــه أن يأخـــذ بـــدلاً منـــي وعوضـــاً
عنـي فقـال ملـك المـوت: لا آخــذ بــدلاً ولا أتيــت إلا مــن أجلــك ثــم أن ملــك المــوت قبــض علــى روحــه
وهو على سريره قال الله تعالى: )حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون(.
وممـا يحكـى أن ملكـاً جبــاراً مــن ملــوك بنــي إسرائيــل كــان فــي بعــض الأيــام جالســاً علــى سريــر مملكتــه
فــرأى رجــلاً قــد دخــل عليــه مــن بــاب الــدار ولــه صــورة منكــرة وهيئـــة هائلـــة فاشمئـــز مـــن هجومـــه
===
عليــه وفــزع مــن هيئتــه فوثــب فــي وجهــه وقــال: مــن أنــت أيهـــا الرجـــل ومـــن أذن لـــك بالدخـــول علـــي
وأمــرك بالمجـــيء إلـــى داري فقـــال: أمرنـــي صاحـــب الـــدار وأنـــا لا يحجبنـــي حاجـــب ولا أحتـــاج فـــي
دخولـي علـى الملـوك إلـى اذن ولا أرهـب سياسـة سلطــان ولا كثــرة أعــوان أنــا الــذي لا يفزعنــي جبــار
ولا لأحــد مــن قبضــت فــرار أنــا هــادم اللــذات ومفــرق الجماعــات فلمـــا سمـــع الملـــك هـــذا الكلـــام خـــر
علـى وجهـه ودبـت الرعـدة فــي بدنــه ووقــع مغشيــاً عليــه فلمــا أفــاق قــال: أنــت ملــك الــوت قــال: نعــم
قــال: أقسمــت عليــك باللــه إلا مــا أمهلتنــي يومــاً واحــداً لأستغفــر مــن ذنبــي وأطلــب العــذر مــن ربــي
وأرد الأمـوال التـي فـي خزائنـي إلـى أربابهـا ولا أتحمـل مشقــة حسابهــا وويــل عقابهــا فقــال ملــك المــوت:
هيهات لا سبيل لك إلى ذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن ملــك المــوت قــال للملــك: هيهــات لا سبيــل لــك إلــى ذلــك وكيــف
أمهلـــك وأيـــام عمـــرك محسوبـــة وأنفاســــك معــــدودة وأوقاتــــك مثبوتــــة مكتوبــــة فقــــال: أمهلنــــي ساعــــة
فقــال: إن الساعـــة فـــي الحســـاب قـــد مضـــت وأنـــت غافـــل وانقضـــت وأنـــت ذاهـــل وقـــد استوفيـــت
أنفاســك ولــم يبــق لــك إلا نفــس واحــد فقــال: مــن يكــون عنــدي إذا نقلــت إلــى لحـــدي قـــال: لا يكـــون
===
عنـدك إلا عملـك فقـال: مـا لـي عمـل قـال: لا جــرم أنــه يكــون مقيلــك فــي النــار ومصيــرك إلــى غضــب
الجبـار ثـم قبـض روحـه فخـر ساقطـاً عـن سريـره ووقـع إلـى الـأرض فحصـل الضجيـج فـي أهـل مملكتــه
وارتفعـت الأصـوات وعـلا الصيـاح والبكـاء ولـو علمــوا مــا يصيــر إليــه مــن سخــط ربــه لكــان بكاؤهــم
عليه أكثر وعويلهم أشد وأوفر.
وممـا يحكـى أنـه كـان فـي بنـي إسرائيـل قـاض مـن قضاتهـم وكــان لــه زوجــة بديعــة الجمــال كثيــرة الصــون
والصبــر والاحتمــال فــأراد ذلــك القاضــي النهــوض إلــى زيــارة البيــت المقــدس فاستخلـــف أخـــاه علـــى
القضــاء وأوصـــاه بزوجتـــه وكـــان أخـــوه قـــد سمـــع بحسنهـــا وجمالهـــا فكلـــف بهـــا فلمـــا ســـار القاضـــي
توجـه إليهـا وراودهــا عــن نفسهــا فامتنعــت واعتصمــت بالــورع فأكثــر الطلــب عليهــا وهــي تمتنــع فلمــا
يئـس منهـا خـاف أن تخبــر أخــاه بصنيعــه إذا رجــع فاستدعــى بشهــود زور يشهــدون عليهــا بالزنــا ثــم
رفـع مسألتهـا إلــى ملــك ذلــك الزمــان فأمــر برجمهــا فحفــروا لهــا حفــرة وأقعدوهــا فيهــا ورجمــت حتــى
غطتهـا الحجـارة وقــال: تكــون الحفــرة قبرهــا فلمــا جــن الليــل صــارت تئــن مــن شــدة مــا نالهــا فمــر بهــا
رجـل يريـد قريـة فلمـا سمـع أنينهـا قصدهــا وأخرجهــا مــن الحفــرة وحملهــا إلــى زوجتــه وأمرهــا بمداواتهــا
حتى شفيت.
وكــان للمــرأة ولــد فدفعتــه إليهــا فصـــارت تكفلـــه ويبيـــت معهـــا فـــي بيـــت ثـــان فرآهـــا أحـــد الشطـــار
===
فطمــع فيهــا وأرســل يراودهـــا عـــن نفسهـــا فامتنعـــت فعـــزم علـــى قتلهـــا فجاءهـــا الليـــل ودخـــل عليهـــا
البيـت وهـي نائمــة ثــم هــوى بالسكيــن إليهــا فوافــق الصبــي فذبحــه فلمــا علــم أنــه ذبــح الصبــي أدركــه
الخــوف فخــرج مــن البيــت وعصمهــا اللــه منــه ولمــا أصبحــت وجــدت الصبـــي مذبوحـــاً وجـــاءت أمـــه
وقالــت: أنــت التــي ذبحتيــه ثــم ضربتهـــا ضربـــاً موجعـــاً وارادت ذبحهـــا فجـــاء زوجهـــا وأنقذهـــا منهـــا
وقال: والله لم تفعل ذلك.
فخرجــت المــرأة فــارة بنفسهــا لا تــدري أيــن تتوجـــه وكـــان معهـــا بعـــض دراهـــم فمـــرت بقريـــة والنـــاس
مجتمعـون ورجـل مصلـوب علـى جـذع شجـرة إلا أنـه فـي قيــد الحيــاة فقالــت: يــا قــوم مــا لــه قالــوا لهــا:
أصــاب ذنبــاً لا يكفــره إلا قتلــه أو صدقــه كــذا وكــذا مــن الدراهــم فقالــت: خـــذوا الدراهـــم وأطلقـــوه
فتــاب علــى يديهــا ونــذر علــى نفســه أنــه يخدمهــا للــه تعالـــى حتـــى يتوفـــاه اللـــه ثـــم بنـــى لهـــا صومعـــة
أسكنهـا فيهــا وصــار يحتطــب ويأتيهــا بقوتهــا واجتهــدت المــرأة فــي العبــادة حتــى كــان لا يأتيهــا مريــض
أو مصاب فتدعو له إلا شفي من وقته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن المــرأة لمــا صــارت مقصــودة للنــاس وهــي مقبلــة علــى عبادتهــا فــي
===
الصومعـة كــان مــن قضــاء اللــه تعالــى أنــه نــزل بأخــي زوجهــا الــذي رجمهــا عاهــة فــي وجهــه وأصــاب
المـرأة التـي ضربتهـا بــرص وابتلــى الشاطــر بوجــع أقعــده وقــد جــاء القاضــي زوجهــا مــن حجــه وســأل
أخــاه عنهــا فأخبــره أنهــا ماتــت فأســف عليهــا واحتسبهــا عنــد اللــه ثــم تسامعــت النــاس بالمــرأة حتــى
كانــوا يقصــدون صومعتهــا مــن أطــراف الــأرض ذات الطــول والعــرض فقـــال القاضـــي لأخيـــه: يـــا أخـــي
هــل قصــدت هــذه المــرأة الصالحــة لعــل اللــه يجعــل لــك علــى يديهــا شفــاء قــال: يــا أخــي احملنـــي إليهـــا
وسمـع بهـا زوج المـرأة التـي نـزل بهـا البـرص فسـار بهـا إليهـا وسمــع أهــل الشاطــر المقعــد بخبرهــا فســاروا
بـه إليهـا أيضـاً واجتمـع الجميـع عنــد بــاب صومعتهــا وكانــت تــرى جميــع مــن يأتــي صومعتهــا مــن حيــث
لا يراهــا أحــد فانتظــروا خادمهــا حتــى جــاء ورغبــوا إليـــه فـــي أن يستـــأذن لهـــم فـــي الدخـــول عليهـــا
ففعــل فتنقبــت واستتــرت ووقفــت عنــد البــاب تنظــر زوجهـــا وأخـــاه اللـــص والمـــرأة فعرفتهـــم وهـــم لا
يعرفونهــا فقالــت لهــم: يــا هــؤلاء إنكــم مــا تستريحــون ممــا بكــم حتــى تعترفــون بذنوبكــم فــإن العبــد إذا
اعتـرف بذنبـه تـاب اللـه عليـه وأعطـاه مــا هــو متوجــه إليــه. فقــال القاضــي لأخيــه: يــا أخــي تــب إلــى
اللـه ولا تصــر علــى عصيانــك فإنــه أنفــع لخلاصــك فعنــد ذلــك قــال أخ القاضــي: الــآن أقــول الحــق إنــي
فعلــت بزوجتــك مــا هــو كــذا وكــذا وهــذا ذنبــي فقالــت البرصــاء: وأنــا كانــت عنــدي امـــرأة فنسبـــت
غليهــا مــا لــم أعلمــه وضربتهــا عمــداً وهــذا ذنبــي فقــال المقعــد: وأنــا دخلــت علــى امــرأة لأقتلهــا بعـــد
===
فقالـــت المــــرأة: اللهــــم كمــــا أريتهــــم ذل المعصيــــة فأرهــــم عــــز الطاعــــة إنــــك علــــى كــــل شــــيء قديــــر
فشفاهــم اللــه عــز وجــل وجعــل القاضـــي ينظـــر إليهـــا ويتأملهـــا فسألتـــه عـــن سبـــب النظـــر فقـــال لهـــا:
كانــت لــي زوجــة ولــولا أنهــا ماتــت لقلــت أنهــا أنـــت فعرفتـــه بنفسهـــا وجعـــلا يحمـــدان اللـــه عـــز وجـــل
علـــى مـــا مـــن عليهمـــا بـــه مـــن جمـــع شملهمـــا ثـــم طفـــق كـــل مـــن أخ القاضــــي واللــــص والمــــرأة يسألونهــــا
المسامحـة فسامحـت الجميـع وعبـدوا اللـه تعالــى فــي ذلــك المكــان مــع لــزوم خدمتهــا إلــى أن فــرق المــوت
بينهم.
وممــا يحكــى أن بعــض الســادة قــال: بينمــا أنــا أطــوف بالكعبــة فــي ليلــة مظلمـــة إذ سمعـــت صوتـــاً ذي
أنيــن ينطــق عــن قلــب حزيــن وهــو يقــول: يــا كريــم لطفــك القديــم فــإن قلبــي علــى العهــد مقيـــم فتطايـــر
قلبــي لسمـــاع ذلـــك الصـــوت تطايـــراً أشرفـــت منـــه علـــى المـــوت فقصـــدت نحـــوه فـــإذا صاحبتـــه امـــرأة
فقلــت: السلــام عليــك يــا أمــة اللــه فقالــت: وعليــك السلــام ورحمــة اللــه وبركاتــه فقلـــت: أسألـــك باللـــه
العظيـم مــا العهــد الــذي قلبــك عليــه مقيــم فقالــت: لــولا أقسمــت بالجبــار مــا أطلعتــك علــى الأســرار
انظـر مـا بيـن يـدي نظــر فــإذا بيــن يديهــا صبــي نائــم يغــط فــي نومــه فقالــت: خرجــت وأنــا حامــل بهــذا
الصبـــي لأحـــج هـــذا البيـــت فركبـــت علـــى سفينـــة فهاجـــت علينـــا الأمـــواج واختلفـــت علينـــا الريــــاح
وانكسـرت بنـا السفينـة فنجـوت علــى لــوح منهــا ووضعــت هــذا الصبــي وأنــا علــى ذلــك اللــوح فبينمــا
===
وفي الليلة التاسعة والخمسين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملـــك السعيـــد أن الجاريـــة قالـــت: لمـــا انكســـرت السفينـــة نجـــوت علـــى لـــوح منهـــا
ووضعـت هـذا الصبـي وأنـا علـى ذلـك اللـوح فبينمـا هـو فـي حجـري والأمـواج تضربنــي إذ نظــرت إلــى
رجـل مـن ملاحـي السفينـة وحصـل معـي وقـال لــي: واللــه لقــد كنــت أهــواك وأنــت فــي السفينــة والــآن
قـد حصلـت معـك فمكنينـي مـن نفسـك وإلا قذفتـك فـي هـذا البحــر فقلــت: ويحــك أمــا كــان لــك ممــا
رأيــت تذكــرة وعبــرة فقــال: إنــي رأيــت مثــل ذلــك مــراراً ونجـــوت وأنـــا لا أبالـــي فقلـــت: يـــا هـــذا نحـــن
فـي بليـة ارجـو السلامـة منهـا بالطاعـة لا بالمعصيـة فألــح علــي فخفــت منــه وأردت أن أخادعــه فقلــت
لـه: مهـلاً حتـى ينـام هــذا الطفــل فأخــذه مــن حجــري وقذفــه فــي البحــر فلمــا رأيــت جرأتــه ومــا فعــل
بالصبـي طـار قلبـي وزاد كربـي فرفعـت رأسـي إلـى السمـاء وقلـت: يـا مـن يحـول بيـن المـرء وقلبــه حــل
بينـي وبيـن هـذا الأسـد إنـك علـى كـل شـيء قديـر فواللـه مـا فرغـت مـن كلامــي إلا ودابــة قــد طلعــت
مـــن البحـــر فاختطفتـــه مـــن فـــوق اللـــوح وبقيـــت وحــــدي وزاد كربــــي وحزنــــي اشفاقــــاً علــــى ولــــدي
فأنشدت وقلت:
مــــرة العيــــن حبيبــــي ولــــدي ضاع حيث الوجه أوهى جلدي
===
ليـس لـي فـي كربتـي مـن فـرج غيـــر ألطافـــك يــــا معتمــــدي
أنت يا رب تـرى مـا حـل بـي مـــن غرامـــي بفراقـــي ولــــدي
فاجمع الشمل وكـن لـي راحمـاً فرجائــي فيــك أقــوى عــددي
فبقيــت علــى تلــك الحالــة يومــاً وليلــة فلمــا كــان الصبــاح نظــرت قلــع سفينــة تلــوح مــن بعــد فمــا زالـــت
الأمــواج تقذفنــي والريــاح تسوقنــي حتــى وصلــت إلــى تلــك السفينــة التــي كنــت أرى قلعهــا فأخذنـــي
أهـل السفينـة ووضعونــي فيهــا فنظــرت فــإذا ولــدي بينهــم فتراميــت عليــه وقلــت: يــا قــوم هــذا ولــدي
فمــن أيــن كــان لكــم قالــوا: بينمــا نحــن نسيــر فــي البحــر إذ حبســت السفينـــة فـــإذا دابـــة كأنهـــا المدينـــة
العظيمـة وهــذا الصبــي علــى ظهرهــا يمــص إبهامــه فأخذنــاه فلمــا سمعــت ذلــك حدثتهــم بقصتــي ومــا
جـرى لـي وشكــرت ربــي علــى مــا أنالنــي وعاهدتــه أن لا أبــرح مــن بيتــه ولا أنثنــي عــن خدمتــه ومــا
سألتــه بعــد ذلــك شيئــاً إلا أعطانــي إيــاه فممــدت يــدي إلــى كيــس النفقــة وأردت أن أعطيهــا فقالـــت:
إليــك عنــي يــا بطــال أأحدثــك بإفضالــه وكــرم فعالــه وآخــذ الرفــد عــن يــد غيـــره فلـــم أقـــدر علـــى أن
أجعلها تقبل مني شيئاً فتركتها وانصرفت من عندها وأنا أنشد وأقول هذه الأبيات:
وكــم لــك مـــن لطـــف خفـــي يـدق خفــاه عــن فهــم الذكــي
وكـم بسـر أنـي مـن بعـد عسـر وفــرج لوعــة القلـــب الشجـــي
===
إذا ضاقت بك الأسباب يومـاً فثــق بالواحــد الصمــد العلــي
تشفــــع بالنبــــي فكــــل عبـــــد يفـــــــوز إذا تشفـــــــع بالنبـــــــي
وما زالت في عبادة بها ملازمة بيته إلى أن أدركها الموت.
وممـا يحكـى أنـه كـان مـن بنــي إسرائيــل رجــل مــن خيارهــم وقــد اجتهــد فــي عبــادة ربــه وزهــد دنيــاه
وأزالهـا عـن قلبــه وكانــت لــه زوجــة مساعــدة لــه علــى شأنــه مطيعــة لــه فــي كــل زمــان وكانــا يعيشــان
مـن عمـل الأطبــاق والمــراوح يعملــان النهــار كلــه فــإذا كــان آخــر النهــار خــرج الرجــل بمــا عملــاه فــي يــده
ومشـى بـه يمــر علــى الأزقــة والطــرق يلتمــس مشتريــاً يبيــع لــه ذلــك وكانــا يديمــان الصــوم فأصبحــا فــي
يــوم مــن الأيــام وهمـــا صائمـــان وقـــد عمـــلا يومهمـــا ذلـــك فلمـــا كـــان آخـــر النهـــار وخـــرج علـــى عادتـــه
وبيــده مــا عملــاه يطلــب مــن يشتريــه منــه فمــر ببـــاب أحـــد أبنـــاء الدنيـــا وأهـــل الرفاهيـــة والجـــاه وكـــان
الرجـــل وضـــيء الوجـــه جميـــل الصـــورة فرأتـــه امـــرأة صاحـــب الـــدار فعشقتـــه ومـــال قلبهـــا إليـــه ميــــلاً
شديــداً وكــان زوجهــا غائبــاً فدعــت خادمتهــا وقالــت لهــا: لعلــك تتحليـــن علـــى ذلـــك الرجـــل لتأتـــي
بــه عندنــا. فخرجــت الخادمــة ودعتــه لتشتـــري منـــه مـــا بيـــده وردتـــه مـــن طريقـــه. وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الخادمـــة خرجـــت إلــــى الرجــــل ودعتــــه وقالــــت: ادخــــل فــــإن
سيدتـي تريـد أن تشتـري مـن هــذا الــذي بيــدك شيئــاً بعــد أن تختبــره وتنظــر إليــه فتخيــل الرجــل أنهــا
صادقـة فــي قولهــا ولــم يــر فــي ذلــك بأســاً فدخــل وقعــد كمــا أمرتــه فأغلقــت البــاب عليــه وخرجــت
سيدتهـا مـن بيتهــا وأمسكــت بجلابيبــه وجذبتــه وأدخلتــه وقالــت لــه: كــم ذا أطلــب خلــوة منــك وقــد
عيـل صبـري مـن أجلــك وهــذا البيــت مبخــر والطعــام محضــر وصاحــب الــدار غائــب فــي هــذه الليلــة
وأنــا قــد وهبــت لــك نفســي ولطالمــا طلبتنــي الملـــوك والرؤســـاء وأصحـــاب الدنيـــا فلـــم ألتفـــت لأحـــد
منهـم وطـال أمرهـا فـي القـول والرجـل لا يرفـع رأسـه مـن الــأرض حيــاء مــن اللــه تعالــى وخوفــاً مــن أليــم
عقابه كما قال الشاعر:
ورب كبيـــرة مـــا حـــال بينـــي وبيــــن ركوبهــــا إلــــى الحيـــــاء
وكـان هــو الــدواء لهــا ولكــن إذا ذهـــب الحيـــاء فــــلا دواء
قــال: وطمــع الرجــل فــي أن يخلــص نفســه منهــا فلــم يقــدر فقــال: أريــد منــك شيئــاً فقالـــت: ومـــا هـــو
قـال: أريـد مـاء طاهـراً أصعـد بـه إلـى أعلـى موضـع فـي دارك لأقضـي بـه أمـراً وأغســل بــه درنــاً ممــا لا
يمكننــي أن أطلعــك عليــه فقالــت: الــدار متسعـــة ولهـــا خبايـــا وزوايـــا وبيـــت المطهـــرة معـــد قـــال: مـــا
غرضــي إلا الارتفــاع فقالــت لخادمتهــا: اصعــدي بــه إلــى المنظــرة العليــا مـــن الـــدار فصعـــدت بـــه إلـــى
===
أعلــى موضــع فيهــا ودفعــت لــه آنيــة المــاء ونزلــت فتوضــأ الرجــل وصلـــى ركعتيـــن ونظـــر إلـــى الـــأرض
ليلقــي نفســه فرآهــا بعيــدة فخــاف أن لا يصــل إليهـــا وقـــد يتمـــزق ثـــم تفكـــر فـــي معصيـــة اللـــه تعالـــى
وعقابـه فهـان عليــه بــذل نفســه وسفــك دمــه فقــال: إلهــي وسيــدي تــرى مــا نــزل بــي ولا يخفــى عليــك
حالــي إنــك علــى كــل شــيء قديــر ثــم إن الرجــل ألقــى نفســه مــن أعلــى المنظــرة فبعــث اللــه إليــه ملكــاً
احتملـه علـى جناحـه وأنزلـه إلـى الــأرض سالمــاً دون أن ينالــه مــا يؤذيــه فلمــا استقــر بالــأرض حمــد اللــه
عز وجل على ما أولاه من عصمته وما أناله من رحمته.
وسـار دون شـيء إلــى زوجتــه وكــان قــد أبطــأ عنهــا فدخــل وليــس معــه شــيء فسألتــه عــن سبــب
بطئـه وعمـا خـرج بـه فـي يـده ومـا فعـل بـه وكيـف رجـع بـدون شـيء فأخبرهـا بمـا عـرض لـه مـن الفتنـة
وأنـه ألقـى نفســه مــن ذلــك الموضــع فنجــاه اللــه فلقالــت زوجتــه: الحمــد للــه الــذي صــرف عنــك الفتنــة
وحـال بينـك وبيـن المحنـة ثـم قالـت: يـا رجــل إن الجيــران قــد تعــودوا منــا أن نوقــد تنــوراً كــل ليلــة فــإن
رأونـا الليلـة دون نـار وعلمـوا أننـا بـلا شــيء ومــن شكــر الــه كتــم مــا نحــن فيــه مــن الخصاصــة ووصــال
صـــوم هـــذه الليلـــة باليـــوم الماضـــي وقيامهـــا للـــه تعالـــى فقامـــت إلـــى التنـــور وملأتـــه حطبـــاً وأضرمتـــه
لتغالط به الجيران وأنشدت تقول هذه الأبيات:
سأكتم ما بي من غرامي وأشجاني وأضرم ناري كي أغالط جيراني
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والستين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن المــرأة أضرمــت النــار كــي تغالــط الجيــران نهضــت هــي وزوجهــا
فتوضــآ وقامــا إلــى الصلــاة فــإذا امــرأة مــن جاراتهــا تستــأذن فـــي أن توقـــد مـــن تنورهـــا فقـــالا لهـــا: لا
شأنــك والتنــور فلمــا دخلــت المــرأة مــن التنــور لتأخــذ النـــار نـــادت: يـــا فلانـــه أدركـــي خبـــزك قبـــل أن
يحتـــرق فقالـــت امـــرأة الرجـــل لزوجهـــا: أسمعـــت مـــا تقـــول هـــذه المـــرأة فقـــال: قومـــي وانظـــري فقامــــت
وتوجهــت للتنــور فــإذا هــو قــد امتـــلأ مـــن خبـــز نقـــي أبيـــض فأخـــذت المـــرأة الأرغفـــة ودخلـــت علـــى
زوجهــا وهــي تشكــر اللــه عــز وجــل علــى مــا أولــى مــن الخيــر العميــم والمــن الجسيــم فأكــلا مــن الخبــز
وشربــا مــن المــاء وحمــدا اللــه تعالــى ثــم قالــت المـــرأة لزوجهـــا: تعـــال ندعـــو اللـــه تعالـــى عســـاه أن يمـــن
علينـا بشـيء يغنينـا عـن كـد العيشـة وتعـب العمـل ويعيننــا بــه علــى عبادتــه والقيــام بطاعتــه قــال لهــا:
نعـم فدعـا الرجـل ربـه وأمنـت المــرأة علــى دعائــه فــإذا السقــف قــد انفــرج ونزلــت ياقوتــة أضــاء البيــت
من نورها فزادا شكراً وثناء وسرا بتلك الياقوتة سروراً كثيراً وصليا ما شاء الله تعالى.
فلمـا كـان آخـر الليـل نامـا فــرأت المــرأة فــي منامهــا كأنهــا دخلــت الجنــة وشاهــدت منابــر كثيــرة مصفوفــة
===
وكراســـي كثيـــرة منصوبـــة فقالــــت: مــــا هــــذه المنابــــر ومــــا هــــذه الكراســــي فقيــــل لهــــا: هــــذه منابــــر
الأنبيــاء وهــذه كراســي الصديقيــن والصالحيـــن فقالـــت: وأيـــن كرســـي زوجـــي فلـــان فقيـــل لهـــا: هـــذا
فنظـرت إليـه فـإذا فـي جانبـه ثلــم فقالــت: ومــا هــذا الثلــم فقيــل لهــا: هــو ثلــم الياقوتــة المنزلــة عليكمــا
من سقف بيتكما.
فانتبهـت مـن منامهـا وهـي باكيـة حزينــة علــى نقصــان كرســي زوجهــا بيــن كراســي الصديقيــن فقالــت:
أيهـا الرجـل ادع ربــك أن يــرد هــذه الياقوتــة إلــى موضعهــا فمكابــدة الجــوع والمسكنــة فــي الأيــام القلائــل
أهـون مـن ثلـم كرسيــك بيــن أصحــاب الفضائــل فدعــا الرجــل ربــه فــإذا الياقوتــة قــد ســارت صاعــدة
إلى السقف وهما ينظران إليها وما زالا على فقرهما وعبادتهما حتى لقيا الله عز وجل.
وممـــا يحكـــى أن سيـــدي إبراهيـــم الخـــواص رحمـــة اللـــه عليـــه قـــال: طالبتنـــي نفســـي فــــي وقــــت مــــن
الأوقــات بالخــروج إلــى بلــاد الكفــار فكففتهــا فلــم تكـــف وتكتـــف وعملـــت علـــى نفـــي هـــذا الخاطـــر
فلــم ينتــف فخرجــت أختــرق ديارهـــا وأجـــول أقطارهـــا والعنايـــة تكتنفنـــي والرعايـــة تحفنـــي لا ألقـــى
نصرانيــاً إلا غــض ناظــره عنــي وتباعــد منــي إلــى أن أتيــت مصــراً مــن الأمصــار فوجــدت عنـــد بابهـــا
جماعــة مـــن العبيـــد عليهـــم الأسلحـــة وبأيديهـــم الحديـــد فلمـــا رأونـــي قـــاوا علـــى القـــدوم وقالـــوا لـــي:
أطبيـــب أنـــت قلـــت: نعـــم فقالـــوا: أجـــب الملـــك واحتملونـــي إليــــه فــــإذا هــــو ملــــك عظيــــم ذو وجــــه
===
وسيــم. فلمــا دخلــت عليــه نظــر إلــي وقــال: أطبيـــب أنـــت قلـــت: نعـــم فقـــال: احملـــوه إليهـــا وعرفـــوه
بالشــرط قبــل دخولــه عليهــا فأخرجونــي وقالــوا لــي: إن للملــك ابنــة قـــد أصابهـــا إعلـــال شديـــد وقـــد
أعيـا الأطبـاء علاجهـا ومـا مـن طبيـب دخـل عليهــا وعالجهــا ولــم يفــد طبــه إلا قتلــه الملــك فانظــر مــاذا
تــرى فقلــت لهــم: إن الملــك سألنــي إليهــا فأدخلونــي عليهــا فاحتملونــي إلــى بابهــا فلمــا وصلــت قرعــوه
فإذا هي تنادي: من داخل الدار أدخلوها على الطبيب صاحب السر العجيب وأنشدت تقول:
افتحوا الباب فقد جاء الطبيب وانظروا نحوي فلي سر عجيب
فلكــــــــم مقتــــــــرب مبتعــــــــد ولكـــم مبتعـــد وهــــو قريــــب
كنتــم فيمــا بينكــم فــي غربــة فـــأراد الحـــق أنســـي بغريـــب
جمعتنـــــــــا نسبـــــــــة دينيــــــــــة فتـــــرى أي محـــــب وحبيـــــب
ودعانــــي للتلاقــــي إذا دعـــــا حجـب العـاذل عنـا والرقيــب
فاتركـوا عذلـي وخلـوا لومكــم إنني يـا ويحكـم لسـت أجيـب
لسـت ألـوي نحــو فــان غائــب إنمـــا قصـــدي بـــاق لا يغيـــب
قــال: فــإذا شيــخ كبيــر قــد فتــح البــاب بسرعـــة وقـــال: ادخـــل فدخلـــت فـــإذا بيـــت مبســـوط بأنـــواع
الرياحين وستـر مضـروب فـي زاويتـه ومـن خلفـه أنيـن ضعيـف يخـرج مـن هيكـل نحيـف فجلسـت بـإزاء
===
الستــر وأردت أن أسلــم فتذكــرت قولــه صلــى اللــه عليــه وسلــم: لا تبــدؤا اليهـــود والنصـــارى بالسلـــام
وإذا لقيتموهــم فــي طريــق فاضطروهــم إلــى أضيقــه فأمسكــت فنــادت مــن داخــل الستـــر: أيـــن سلـــام
التوحيـــد والإخلـــاص يـــا خـــواص قـــال: فتعجبـــت مـــن ذلـــك وقلـــت: مـــن أيــــن عرفتينــــي فقالــــت: إذا
صفــت القلــوب والخواطــر أعربــت الألســن عــن مخبـــآت الضمائـــر وقـــد سألتـــه البارحـــة أن يبعـــث إلـــي
وليــاً مــن أوليائــه يكــون لــي علــى يديــه الخلــاص فنوديــت مــن زوايــا بيتــي لا تحزنــي إنـــا سنرســـل إليـــك
إبراهيـم الخـواص. فقلـت لهـا: مـا خبـرك فقالـت لـي: أنـا منـذ أربـع سنيـن قـد لـاح لـي الحــق المبيــن فهــو
المحـدث والأنيـس والمقـرب والجليـس. فرمقنـي قومـي بالعيـون وظنـوا بـي الظنـون ونسبونــي إلــى الجنــون
فمــا دخــل علــي طبيــب منهــم إلا أوحشنــي ولا زائــر إلا أدهشنــي فقلــت: ومــا دليـــل ذلـــك علـــى مـــا
وصلـــت إليـــه قالـــت: براهينـــه الواضحـــة وآياتـــه اللائحـــة وإذا وضـــح لـــك السبيـــل شاهـــدت المدلــــول
والدليـــل قـــال: فبينمـــا أنـــا أكلمهـــا إذ جـــاء الشيـــخ الموكـــل بهـــا وقـــال لهــــا: مــــا فعــــل طبيبــــك قالــــت:
عرف العلة وأصاب الدواء.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والستين بعد الأربعمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الشيــخ الموكــل بهــا لمــا دخـــل عليهـــا قـــال لهـــا: مـــا فعـــل طبيبـــك
قالـت: عـرف العلـة وأصـاب الـدواء فظهـر لـي منـه البشـر والسـرور وقابلنـي بالبــر والحبــور فســار إلــى
الملــك وأخبــره فحضــه الملــك علــى إكرامـــي فبقيـــت اختلـــف إليهـــا سبعـــة أيـــام فقالـــت: يـــا أباإسحـــق
متــى تكــون الهجــرة إلـــى دار الإسلـــام فقلـــت: كيـــف يكـــون خروجـــك ومـــن يتجاســـر عليـــه فقالـــت:
الذي أدخلك علي وساقك إلي فقلت: نعم ما قلت.
فلمــا كــان الغــد خرجنــا علــى بــاب الحصــن وحجــب عنــا العيــون مــن أمــره إذا أراد شيئــاً أن يقــول لــه
كــن فيكــون قــال: فمـــا رأيـــت أصبـــر منهـــا علـــى الصيـــام والقيـــام فجـــاورت بيـــت اللـــه الحـــرام سبعـــة
أعـوام ثـم قضـت نحبهــا وكانــت أرض مكــة تربتهــا أنــزل اللــه عليهــا الرحمــات ورحــم اللــه مــن قــال هــذه
الأبيات:
ولما أتوني بالطبيب وقد بدت دلائل من دم سفوح ومن سقم
نضا الثوب عن وجهي فلم ير تحته سوى نفس من غير روح ولا جسم
فقـال لهـم ذا قـد تعــذر بــرؤه وللحب سر ليس يدرك بالوهم
فقالوا إذا لـم يعلـم النـاس مابـه ولم يك تعريف بحد ولا رسـم
فكيف يكون الطب فيه مؤثراً دعوني فإني لست أحكم بالوهم
===
وممــا يحكــى أن رجــلاً مــن خيـــار بنـــي إسرائيـــل كـــان كثيـــر المـــال ولـــه ولـــد صالـــح مبـــارك فحضـــرت
الرجـل الوفـاة فقعـد ولـده عنـد رأسـه وقــال: ياسيــدي أوصنــي فقــال: يــا بنــي لا تحلــف باللــه بــاراً ولا
فاجــراً ثــم مــات الرجــل وبقــي الولــد بعــد أبيــه فتسامــع بــه فســاق بنـــي إسرائيـــل فكـــان الرجـــل يأتيـــه
فيقـول لـي: عنـد والـدك كـذا وكـذا وأ ت تعلـم بذلـك أعطنـي مـا فـي ذماتــه وإلا فاحلــف فيقــف الولــد
علـى الوصيـة ويعطيـه جميـع مـا طلبـه فمـا زالـوا بـه حتـى فنــي مالــه واشتــد إقلالــه وكــان للولــد زوجــة
صالحــة مباركــة ولــه منهــا ولــدان صغيــران فقــال لهـــا: إن النـــاس قـــد أكثـــروا طلبـــي ومـــادام معـــي مـــا
أدفـع بـه عـن نفسـي بذلتـه والـآن لـم يبـق لـي شـيء فـإن طالبنـي مطالـب امتحنـت أنـا وأنـت فالأولـى أن
نفــوز بأنفسنــا ونذهــب إلــى موضــع لا يعرفنــا فيــه أحــد ونتعيــش بيــن أظهــر النـــاس قـــال: فركـــب بهـــا
البحر وبولديه وهو لا يعرف أين يتوجه والله يحكم ولا معقب لحكمه ولسان الحال يقول:
يا خارجاً خوف العدا من داره واليسـر قـد وافـاه عنـد فـراره
لا تجزعـــن مـــن البعـــاد فربمـــا عز الغريـب يطـول بعـد مـراره
لو قد أقام الدر فـي أصدافـه ما كان تاج الملـك بيـت قـراره
قــال: فانكســرت السفينــة وخــرج الرجــل علــى لــوح وخرجــت المــرأة علــى لــوح وخـــرج كـــل ولـــد علـــى
لــوح وفرقتهــم الأمــواج فحصلــت المـــرأة علـــى بلـــدة وحصـــل أحـــد الولديـــن علـــى بلـــدة أخـــرى والتقـــط
===
الولــد الآخــر أهــل سفينــة فــي البحــر وأمــا الرجــل فقذفتـــه الأمـــواج إلـــى جزيـــرة منقطعـــة فخـــرج إليهـــا
وتوضأ من البحر وأذن وأقام الصلاة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والستين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الرجـــل لمـــا خـــرج إلـــى الجزيـــرة وتوضـــأ مـــن البحـــر وأذن وأقـــام
الصلـاة. فـإذا قـد خـرج مـن البحـر أشخـاص بألــوان مختلفــة فصلــوا معــه ولمــا فــرغ قــام إلــى شجــرة فــي
الجزيـة فأكـل مـن ثمرهـا فـزال عنـه جوعـه ثـم وجـد عيـن مــاء فشــرب منهــا وحمــد اللــه عــز وجــل وبقــي
ثلاثـة أيـام يصلــي وتخــرج أقــوام يصلــون مثــل صلاتــه وبعــد مضــي الأيــام الثلاثــة سمــع مناديــاً يناديــه: يــا
أيهـا الرجـل الصالـح البـار بأبيــه المجــل قــدر ربــه لا تحــزن إن اللــه عــز وجــل مخلــف عليــك مــا خــرج مــن
يـدك فـإن فـي هـذه الجزيـة كنـوزاً وأمـوالاً ومنافــع يريــد اللــه أن تكــون لهــا وارثــاً وهــي فــي موضــع كــذا
وكــذا مــن هــذه الجزيــرة فاكشــف عنهــا وإنــا لنســوق إليــك السفــن فأحســـن إلـــى النـــاس وادعهـــم إليـــك
فـإن اللـه عـز وجـل يميـل قلوبهـم إليـك فقصـد ذلـك الموضـع مـن الجزيــرة وكشــف اللــه تعالــى لــه عــن تلــك
الكنــوز وصــارت أهــل السفــن تــرد عليــه فيحســن إليهــم إحسانـــاً عظيمـــاً ويقـــول لهـــم: لعلكـــم تدلـــون
علــي النــاس. فإنــي أعطيكــم كــذا وكــذا واجعــل لهــم كـــذا وكـــذا فصـــار النـــاس يأتـــون مـــن الأقطـــار
===
والأماكــن. ومــا مضــت عليــه عشــري سنيــن إلا والجزيـــرة قـــد عمـــرت والرجـــل صـــار ملكهـــا لا يـــأوي
إليه أحد إلا أحسن إليه.
وشــاع ذكــره فــي الـــأرض بالطـــول والعـــرض. وكـــان ولـــده الأكبـــر قـــد وقـــع عنـــد رجـــل علمـــه وأدبـــه
والآخـر قـد وقـع عنـد رجـل ربـاه وأحسـن تربيتـه وعلمـه طـرق التجـارة والمـرأة قـد وقعــت عنــد رجــل
مــن التجــار ائتمنهــا علــى مالــه وعاهدهــا علــى أن لا يخونهـــا وأن يعينهـــا علـــى طاعـــة اللـــه عـــز وجـــل
وكـان يسافـر بهـا فـي السفينـة إلـى البلـاد ويستصحبهـا فـي أي موضــع أراد فسمــع الولــد الأكبــر بصيــت
ذلـك الملـك فقصـده وهـو لا يعلـم مـن هـو. فلمـا دخـل عليــه أخــذه وائتمنــه علــى ســره وجعلــه كاتبــاً لــه
وسمـع الولـد الآخـر بذلـك الملـك العـادل الصالــح فقصــده وســار إليــه وهــو لا يعلــم مــن هــو أيضــاً. فلمــا
دخـل عليـه وكلـه علـى النظـر فـي أمــوره وبقــي مــدة مــن الدهــر فــي خدمتــه وكــل واحــد منهــم لا يعلــم
بصاحبـه وسمـع الرجـل التاجـر الـذي عنـد المـرأة بذلــك الملــك وبــره للنــاس وإحسانــه إليهــم فأخــذ جانبــاً
مـــن الثيـــاب الفاخـــرة وممـــا يستظـــرف مـــن تحـــف البلـــاد وأتـــى بسفينـــة والمـــرأة معـــه حتـــى وصـــل إلـــى
شاطـئ الجزيـرة ونـزل إلـى الملــك وقــدم لــه هديتــه فنظرهــا الملــك وســر بهــا ســروراً كبيــراً وأمــر للرجــل
بجائـزة سنيـة وكــان فــي الهديــة عقاقيــر أراد الملــك مــن التاجــر أن يعرفهــا لــه بأسمائهــا ويخبــره بمصالحهــا
فقال الملك للتاجر: أقم الليلة عندنا.
===
وفي الليلة الرابعة والستين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن التاجــر لمــا قــال لـــه الملـــك: أقـــم الليلـــة عندنـــا قـــال: إن لـــي فـــي
السفينـة وديعـة عاهدتهـا أن لا أوكـل أمرهـا إلـى غيـري وهـي امـرأة صالحـة تمنيـت بدعائهـا وظهــرت لــي
البركـة فـي آرائهـا فقـال الملــك: سأبعــث لهــا أمنــاء يبيتــون عليهــا ويحرســون كــل مــا لديهــا قــال: فأجابــه
لذلــك وبقــي عنــد الملــك ووجــه الملــك كاتبــه ووكيلــه إليهــا وقــال لهمــا: اذهبـــا واحرســـا سفينـــة هـــذا
الرجـل الليلـة إن شـاء اللـه تعالــى قــال: فســارا وصعــدا إلــى السفينــة وقعــد هــذا علــى مؤخرهــا وذاك
علــى مقدمهــا وذكــر اللــه عــز وجــل برهــة مــن الليــل ثــم قــال أحدهمـــا للآخـــر: يـــا فلـــان إن الملـــك قـــد
أمرنــا بالحراســة ونخــاف النــوم فتعالــى نتحــدث بأخبــار الزمــان ومــا رأينــا مــن الخيـــر والامتحـــان فقـــال
الآخــر: يــا أخــي أمــا أنــا فمــن امتحانــي أن فـــرق الدهـــر بينـــي وبيـــن أبـــي وأمـــي وأخ لـــي كـــان اسمـــه
كاسمـــك والسبـــب فـــي ذلـــك أنـــه ركـــب والدنـــا البحـــر مـــن بلــــد كــــذا وكــــذا فهاجــــت علينــــا الريــــاح
واختلفت فكسرت السفينة وفرق الله شملنا.
فلمــا سمــع الآخــر بذلــك قــال: ومــا كــان اســم والدتــك يــا أخــي قـــال: فلانـــة قـــال: ومـــا اســـم والـــدك
قـــال: فلـــان فترامـــى الـــأخ علـــى أخيـــه وقـــال لـــه: أنـــت أخـــي. واللـــه حقـــاً وجعـــل كـــل واحـــد منهمـــا
===
يحــدث أخــاه بمــا جــرى عليــه فــي صغــره والـــأم تسمـــع الكلـــام ولكنهـــا كتمـــت أمرهـــا وصبـــرت نفسهـــا
فلمــا طلــع الفجــر قــال أحدهمــا للآخــر: ســر يــا أخــي نتحــدث فـــي منزلـــي قـــال: نعـــم فســـارا وأتـــى
الرجــل فوجــد المــرأة فــي كــرب شديــد فقــال لهــا: مــا دهــاك ومــا أصابــك قالـــت: وبعثـــت إلـــي الليلـــة
مــن أرادنــي بالســوء وكنــت منهمــا فــي كــرب عظيــم فغضــب التاجــر وتوجــه للملــك وأخبــره بمـــا فعـــل
الأمينـــان فأحضرهمـــا الملـــك بسرعـــة وكــــان يحبهمــــا لمــــا تحقــــق فيهمــــا مــــن الأمانــــة والديانــــة ثــــم أمــــر
بإحضــار المــرأة حتــى تذكــر مــا كــان منهمــا مشافهـــة. فجـــيء بهـــا وأحضـــرت فقـــال لهـــا: أيتهـــا المـــرأة
مــاذا رأيــت مــن هذيــن الأمينيــن فقالــت: أيهــا الملـــك أسألـــك باللـــه العظيـــم رب العرشـــي الكريـــم. إلا
مــا أمرتهمــا يعيــدا كلامهمــا الــذي تكلمــا بــه البارحــة فقــال لهمــا الملــك: قــولا مــا قلتمــا ولا تكتمــا منـــه
شيئـاً فأعـادا كلامهمـا. وإذا بالملـك قـد قـام مــن فــوق السريــر وصــاح صيحــة عظيمــة وترامــى عليهمــا
واعتنقهمـــا. وقـــال: واللـــه أنتمـــا ولـــداي حقـــاً فكشفـــت المـــرأة عـــن وجههـــا وقالـــت: أنــــا واللــــه أمهمــــا
فاجتمعـوا جميعـاً وصـاروا فـي ألـذ عيـش وأهنـأه إلـى أن أتاهــم المــوت فسبحــان مــن إذا قصــده العبــد
نجا ولم يخب ما أمله فيه ورجا وما أحسن ما قيل في المعنى:
لكل شيء من الأشياء ميقات والأمـر فيـه أخـي محـو واثبــات
لا تجز عن لامر قد دهيـت بـه فقـد أتانـا بيسـر العســر آيــات
===
وكم مبهان عيان الناس تشنؤه مـن الهـوان تغشيــة الكرامــات
هـذا الـذي نالـه كـرب وكابـده ضر وحلت به في الوقت آفات
وفـرق الدهـر منـه شمـل الفتــه فكلهم بعد طول الجمع اشتات
أعطاه مولاه خيرا ثم جاء بهـم وفي الجميع إلى المولى اشـارات
سبحان من عمت الأكوان قدرته وأخبـــرت بتدانيــــه الدلالــــات
فهــو القريــب ولكــن لا يكيفــه عقل وليست تدانيه المسافات
حكاية حاسب كريم الدين
وممـا يحكـى أنـه كـان فـي قديـم الزمـان وسالــف العصــر والــأوان حكيــم مــن حكمــاء اليونــان وكــان ذلــك
الحكيــم يسمــى دانيــال وكــان لــه تلامــذة وجنــود وكانــت حكمــاء اليونــان يذعنــون لأمــره ويعولــون علــى
علومــه ومــع هــذا لــم يــرزق ولــداً ذكــراً فبينمــا هــو ذات ليلــة مــن الليالــي يتفكــر فــي نفســه علــى عــدم
إنجــاب ولــد يرثــه فــي علومــه مــن بعــده إذ خطــر ببالــه أن اللــه سبحانــه وتعالــى يجيــب دعــوة مــن إليـــه
أنـاب وأنـه ليـس علـى بـاب فضلـه أبـواب ويــرزق مــن يشــاء بغيــر حســاب ولا يــرد سائــلاً إذا سألــه بــل
يجـــزل الخيـــر والإحســـان لـــه فســـأل اللـــه تعالـــى الكريــــم أن يرزقــــه ولــــداً يخلفــــه مــــن بعــــده ويجــــزل لــــه
===
الإحسـان مـن عنـده ثـم رجـع إلـى بيتـه وواقـع زوجتـه فحملــت منــه فــي تلــك الليلــة. وأدرك شهــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والستين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الحكيــم اليونانــي رجــع إلـــى بيتـــه وواقـــع زوجتـــه فحملـــت منـــه
تلـك الليلـة ثـم بعـد أيـام سافـر إلـى مكـان فـي مركـب فانكســرت بــه المركــب وراحــت كتبــه فــي البحــر
وطلـع هـو علـى لـوح مـن تلـك السفينــة وكــان معــه خمــس ورقــات بقيــت مــن الكتــب التــي وقعــت منــه
فــي البحــر فلمــا رجــع إلــى بيتــه وضــع تلــك الــأوراق فــي صنــدوق وقفــل عليهــا وكانــت زوجتــه قــد
ظهــر حملهــا فقــال لهــا: اعلمــي أنــي قــد دنـــت وفاتـــي وقـــرب انتقالـــي مـــن دار الفنـــاء إلـــى دار البقـــاء
وأنــت حامــل فربمــا تلديــن بعــد موتــي صبيــاً ذكــراً فــإذا وضعتيــه فسميــه حاسبــا كريـــم الديـــن وربيـــه
أحسـن التربيـة فـإذا كبـر وقـال لـك: مـا خلـف لـي أبـي مـن الميــراث فأعطيــه هــذه الخمــس ورقــات فــإذا
قرأهــا وعــرف معناهــا يصيــر أعلــم أهــل زمانــه ثــم إنــه ودعهــا وشهــق شهقــة ففــارق الدنيــا ومــا فيهــا
رحمــة اللــه تعالــى عليــه فبكــت عليــه أهلــه وأصحابــه ثــم غسلــوه وأخرجـــوه خرجـــة عظيمـــة ودفنـــوه
ورجعوا.
===
ثــم إن زوجتــه بعــد أيــام قلائــل وضعــت ولــداً مليحــاً فسمتـــه حاسبـــا كريـــم الديـــن كمـــا أوصاهـــا بـــه
ولمـا ولدتـه أحضــرت لــه المنجميــن فحسســوا طالعــه وناظــره مــن الكواكــب ثــم قالــوا لهــا: اعلمــي أيتهــا
المــرأة أن هــذا المولــود يعيــش أيامــاً كثيــرة ولكــن بعــد شــدة تحصــل لــه فــي مبتــدا عمــره فــإذا نجــا منهــا
فإنــه يعطــى بعــد ذلــك علــم الحكمــة ثــم مضــى المنجمــون إلــى حــال سبيلهــم فأرضعتــه اللبــن سنتيــن
وفطمته.
فلمـا بلـغ خمـس سنيــن حطتــه فــي المكتــب ليتعلــم شيئــاً مــن العلــم فلــم يتعلــم فأخرجتــه مــن المكتــب
وحطتـه فـي الصنعـة فلـم يتعلـم شيئـاً مـن الصنعـة ولـم يطلـع مـن يـده شـيء مــن الشغــل فبكــت أمــه مــن
أجـل ذلــك فقــال لهــا النــاس: زوجيــه لعلــه يحمــل هــم زوجتــه ويتخــذ لــه صنعــة فقامــت وخطبــت لــه
بنتــاً وزوجتــه بهــا ومكــث علــى ذلــك الحــال مــدة مــن الزمــان وهــو لــم يتخــذ لــه صنعــة أبــداً ثــم إنهــم
كـان لهـم جيـران حطابـون فأتـوا أمـه وقالـوا لهـا: اشتـري لابنـك حمـاراً وحبـلاً وفأســاً ويــروح معنــا إلــى
الجبل فنحتطب نحن وإياه ويكون ثمن الحطب له ولنا وينفق عليكم مما يخصه.
فلمــا سمعــت أمــه ذلــك مــن الحطابيــن فرحــت فرحــاً شديــداً واشتــرت لابنهـــا حمـــاراً وحبـــلاً وفأســـاً
وأخذتــه وتوجهــت بــه إلــى الحطابيــن وسلمتــه إليهــم وأوصتهــم عليــه فقالــوا لهــا: لا تحملــي هـــم هـــذا
الولــد ربنــا يرزقــه وهــذا ابــن شيخنــا ثــم أخــذوه معهــم وتوجهــوا إلــى الجبــل فقطعــوا الحطــب وأنفقـــوا
===
على عيالهم ثـم إنهـم شـدوا حميرهـم ورجعـوا إلـى الاحتطـاب فـي ثانـي يـوم وثالـث يـوم ولـم يزالـوا علـى
هذه الحالـة مـدة مـن الزمـان فاتفـق أنهـم ذهبـوا إلـى الاحتطـاب فـي بعـض الأيـام فنـزل عليهـم مطـر عظيـم
فهربــوا إلــى مغــارة عظيمــة ليــداروا أنفسهـــم فيهـــا مـــن ذلـــك المطـــر فقـــام مـــن عندهـــم حاســـب كريـــم
الديـــن وجلـــس وحـــده فـــي مكـــان مـــن تلـــك المغـــارة وصـــار يضــــرب الــــأرض بالفــــأس فسمــــع حــــس
الــأرض خاليــة مـــن تحـــت الفـــأس فلمـــا عـــرف أنهـــا خاليـــة مكـــث يحفـــر ساعـــة فـــرأى بلاطـــة مـــدورة
وفيهــا حلقــة فلمــا رأى ذلــك فــرح ونــادى جماعتـــه الحطابيـــن وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن
الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والستين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن حاسبـــا كريـــم الديـــن لمـــا رأى البلاطـــة التـــي فيهـــا الحلقـــة فـــرح
ونـــادى جماعتـــه فحضـــروا إليـــه فـــرأوا تلـــك البلاطـــة فتسارعـــوا إليهـــا وقلعوهـــا فوجـــدوا تحتهـــا بابـــاً
ففتحــوا البــاب الــذي تحــت البلاطــة فــإذا هــو جــب ملــآن عســل نحــل فقــال الحطابــون لبعضهــم: هــذا
جـــب ملـــآن عســـلاً ومـــا لنـــا إلا أن نـــروح المدينـــة ونأتـــي بظـــروف ونعبـــي هـــذا العســـل فيهـــا ونبيعــــه
ونقتسم حقه وواحد منا يقعد ليحفظه من غيرنا.
===
فقـــال حاسبـــك أنـــا أقعـــد وأحرســـه حتــــى تروحــــوا وتأتــــوا بالظــــروف فتركــــوا حاسبــــا كريــــم الديــــن
يحــرس لهـــم الجـــب وذهبـــوا إلـــى المدينـــة وأتـــوا بظـــروف وعبوهـــا مـــن ذلـــك العســـل وحملـــوا حميرهـــم
ورجعـوا إلـى المدينـة وباعـوا ذلـك العسـل ثــم عــادوا إلــى الجــب ثانــي مــرة ومــا زالــوا علــى هــذه الحالــة
مـدة مـن الزمـان وهـم يبيعـون فـي المدينـة ويرجعـون إلــى الجــب يعبــون مــن ذلــك العســل وحاســب كريــم
الدين قاعد يحرس لهم الجب.
فقالــوا لبعضهــم يومــاً مــن الأيــام إن الــذي لقــي جــب العســل حاســب كريــم الديــن وفــي غـــد ينـــزل إلـــى
المدينـة ويدعــي علينــا ويأخــذ ثمــن العســل ويقــول: أنــا الــذي لقيتــه ومالنــا خلــاص مــن ذلــك إلا أن ننزلــه
فـي الجـب ليعبـئ العسـل الـذي بقـي فيـه ونتركـه هنـاك فيمـوت كمـداً ولا يـدري بـه أحــدا فاتفــق الجميــع
علــى هــذا الأمــر ثــم ســاروا ومــا زالــوا سائريــن حتـــى أتـــوا إلـــى الجـــب فقالـــوا لـــه: يـــا حاســـب انـــزل
الجـب وعبـئ لنـا العسـل الـذي بقــي فيــه فنــزل حاســب فــي الجــب وعبــأ لهــم العســل الــذي بقــي فيــه
وقـال لهـم اسحبونـي فمـا بقـي فيـه شــيء فلــم يــرد عليــه أحــد منهــم جوابــاً وحملــوا حميرهــم وســاروا
إلـى المدينـة وتركـوه فــي الجــب وحــده وصــار يستغيــث ويبكــي ويقــول: لاحــول ولا قــوة إلا باللــه العلــي
العظيم قد مت كمداً هذا ما كان من أمر حاسب كريم الدين.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر الحطابيــن فإنهــم لمــا وصلــوا إلــى المدينــة باعــوا العســل وراحــوا إلـــى أم حاســـب
===
وهـم يبكـون وقالــوا لهــا: يعيــش رأســك فــي ابنــك حاســب فقالــت لهــم: مــا سبــب موتــه قالــوا لهــا:
كنــا قاعديــن فــوق الجبــل فأمطــرت علينــا السمــاء مطــراً عظيمــاً فآوينــا إلــى مغــارة لنتــدارى فيهــا مـــن
ذلـك المطـر فلـم نشعــر إلا وحمــار ابنــك هــرب فــي الــوادي فذهــب خلفــه ليــرده مــن الــوادي وكــان فيــه
ذئــب عظيــم فافتــرس ابنــك وأكــل الحمــار. فلمــا سمعــت أمــه كلــام الحطابيــن لطمــت وجههـــا وحثـــت
التـراب علـى رأسهـا وأقامـت عــزاءه وصــار الحطابــون يجيئــون لهــا بالأكــل والشــرب فــي كــل يــوم هــذا
ما كان من أمر أمه.
وأمـا مـا كـان مـن أمـر الحطابيـن فإنهــم فتحــوا لهــم دكاكيــن وصــاروا تجــاراً ولــم يزالــوا فــي أكــل وشــرب
وضحك ولعب.
وأمـا مــا كــان مــن أمــر حاســب كريــم الديــن فإنــه صــار يبكــي وينتحــب فبينمــا هــو قاعــد فــي الجــب
علـى هـذه الحالـة وإذا بعقـرب كبيـر وقـع إليـه فقـام وقتلـه ثـم تفكـر فـي نفسـه وقـال: إن الجـب كـان ملآنـاً
عســلاً فمــن أيــن أتــى هــذا العقــرب فقــام ينظــر المكــان الـــذي وقـــع منـــه العقـــرب وصـــار يلتفـــت يمينـــاً
وشمـالاً فــي الجــب فــرأى المكــان الــذي وقــع منــه العقــرب يلــوح منــه النــور فأخــرج سكينــاً كانــت معــه
ووســع ذلــك المكــان حتــى صــار قــدر الطاقــة وخــرج منــه وتمشــى ساعــة فــي داخلــه فـــرأى دهليـــزاً
عظيمـاً فمشـى فيـه فــرأى بابــاً عظيمــاً مــن الحديــد الأســود وعليــه قفــل مــن الفضــة وعلــى ذلــك القفــل
===
مفتــاح مــن الذهــب فتقــدم إلــى البــاب ونظــر مــن خلالـــه فـــرأى نـــوراً عظيمـــاً يلـــوح مـــن داخلـــه فأخـــذ
المفتـاح وفتـح البـاب وعبـر إلـى داخلـه وتمشـى ساعـة حتــى وصــل إلــى بحيــرة عظيمــة فــرأى فــي تلــك
البحيـرة شيئـاً يلمـع مثـل المـاء فلـم يـزل يمشـي حتــى وصــل إليــه فــرأى تــلاً عاليــاً مــن الزبرجــد الأخضــر
وعليــه تخــت منصـــوب مـــن الذهـــب مرصـــع بأنـــواع الجواهـــر وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن
الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والستين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن حاسبـــا الديـــن كريـــم لمـــا وصـــل إلـــى التـــل وجـــده مـــن الزبرجـــد
الأخضــر وعليـــه تخـــت منصـــوب مـــن الذهـــب مرصـــع بأنـــواع الجواهـــر وحـــول ذلـــك التخـــت كراســـي
منصوبــة بعضهــا مــن الذهــب وبعضهــا مــن الفضــة وبعضهــا مــن الزمـــرد الأخضـــر فلمـــا أتـــى إلـــى تلـــك
الكراسـي تنهـد ثـم عدهـا فرآهـا اثنـي عشـر كرســي فطلــع علــى ذلــك التخــت المنصــوب فــي وســط
تلــك الكراســي وقعــد عليــه وصــار يتعجــب مـــن تلـــك البحيـــرة وتلـــك الكراســـي المنصوبـــة ولـــم يـــزل
متعجبــاً حتــى غلــب عليــه النــوم فنــام ساعــة وإذا هـــو يسمـــع نفخـــاً وصفيـــراً وهرجـــاً عظيمـــاً ففتـــح
عينيــه وقعــد فــرأى علــى الكرســي حيــات عظيمــة طــول كــل حيــة منهـــن مائـــة ذراع فحصـــل لـــه مـــن
===
ذلـك فــزع عظيــم ونشــف ريقــه مــن شــدة خوفــه ويئــس مــن الحيــاة وخــاف خوفــاً عظيمــاً ورأى عيــن
كـل حيــة تتوقــد مثــل الجمــر وهــي فــوق الكراســي والتفــت إلــى البحيــرة فــرأى فيهــا حيــات صغــار لا
يعلــم عددهــا إلا اللــه تعالــى. وبعــد ساعــة أقبلــت عليــه حيــة عظيمــة مثــل البغــل وعلــى ظهـــر تلـــك
الحيـة طبـق مـن الذهـب وفـي وسـط ذلـك الطبـق حيـة تضـيء مثـل البلـور ووجههــا وجــه إنســان وهــي
تتكلم بلسان فصيح فلما قربت من حاسب الدين سلمت عليه فرد عليها السلام.
ثــم أقبلــت حيــة مــن تلــك الحيــات التــي فــوق الكراســي إلــى ذلــك الطبـــق وحملـــت الحيـــة التـــي فوقـــه
وحطتهـا علـى كرسـي مـن تلـك الكراسـي ثـم إن تلــك الحيــة زعقــت فــي تلــك الحيــات بلغاتهــا فخــرت
جميــع الحيــات مــن فــوق كراسيهــا ودعــون لهــا وأشــارت إليهــن بالجلـــوس فجلســـن ثـــم إن الحيـــة قالـــت
لحاســـب كريـــم الديـــن لا تخـــف منـــا يـــا أيهـــا الشـــاب فإنـــي أنـــا ملكـــة الحيـــات وسلطانتهـــن فلمـــا سمــــع
حاســب كريــم الديــن ذلــك الكلــام مــن الحيــة اطمــأن قلبــه ثــم إن الحيــة أشـــارت إلـــى تلـــك الحيـــات أن
يأتـوا بشـيء مـن الأكـل فأتــوا بتفــاح وعنــب ورمــان وفستــق وبنــدق وجــوز ولــوز ومــوز وحطــوه قــدام
حاســب كريــم الديــن ثــم قالــت لــه ملكــة الحيــات: مرحبــاً بــك يــا شــاب مــا اسمــك فقــال لهــا: اسمـــي
حاســب كريــم الديــن فقالــت لــه: يــا حاســب كــل مــن هــذه الفواكــه فمــا عندنــا طعــام غيرهــا ولاتخــف
منا أبداً فلما سمع حاسب هذا الكلام من الحية أكل حتى اكتفى وحمد الله تعالى.
===
فلمــا اكتفــى مــن الأكــل رفعــوا السمــاط مــن قدامــه ثــم بعــد ذلــك قالــت لــه ملكــة الحيــات: أخبرنــي يــا
حاسـب مـن أيـن أنـت ومـن أيـن أتيـت إلـى هــذا المكــان ومــا جــرى لــك فحكــى لهــا حاســب مــا جــرى
لأبيـه وكيـف ولدتـه أمـه وألحقتـه فـي المكتـب وهـو ابـن خمـس سنيـن ولـم يتعلـم شيئـاً مـن العلــم وكيــف
حطتـه فـي الصنعــة وكيــف اشتــرت أمــه لــه الحمــار وصــار حطابــاً وكيــف لقــي جــب العســل وكيــف
تركـه رفقـاؤه الحطابـون فـي الجـب وراحـوا وكيـف نــزل عليــه العقــرب وقتلــه وكيــف وســع الشــق الــذي
نزل منـه العقـرب وطلـع مـن الجـب وأتـى إلـى البـاب الحديـدي وفتحـه حتـى وصـل إلـى ملكـة الحيـاة التـي
يكلمها ثم قال لها: وهذه حكايتي من أولها إلى آخرها والله أعلم بما يحصل لي بعد هذا كله.
فلمــا سمعــت ملكــة الحيــات حكايــة حاســب كريــم الديــن مــن أولهــا إلــى آخرهـــا قالـــت لـــه مـــا يحصـــل
لك إلا كل خير وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والستين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن ملكــة الحيــات لمــا سمعــت حكايــة حاســب كريــم الديــن مــن أولهــا
إلـى آخرهـا قالـت لـه مــا يحصــل لــك إلا كــل خيــر ولكــن أريــد منــك يــا حاســب أن تقعــد عنــدي مــدة
مـن الزمـن حتــى أحكــي لــك حكايتــي وأخبــرك بمــا جــرى لــي مــن العجائــب فقــال لهــا: سمعــاً وطاعــة
===
فيمـا تأمرينـي بـه فقالـت لـه: اعلــم يــا حاســب أنــه كــان بمدينــة مصــر ملــك مــن بنــي إسرائيــل وكــان لــه
ولـد اسمـه بولقيـا وكـان هــذا الملــك عالمــاً عابــداً مكبــاً علــى قــراءة كتــب العلــم فلمــا ضعــف وأشــرف
علـى المـوت طلعـت لـه أكابـر دولتـه ليسلمـوا عليـه فلمــا جلســوا عنــده وسلمــوا عليــه قــال لهــم. يــا قــوم
اعلمـوا أنـه قـد دنـا رحيلـي مـن الدنيـا إلـى الآخـرة ومـا لـي عندكــم شــيء أوصيكــم بــه إلا ابنــي بلوقيــا
فاستوصـــوا بـــه ثـــم قـــال أشهـــد أن لا إلـــه إلا اللـــه وشهـــق شهقــــة ففــــارق ال دنيــــا رحمــــة اللــــه عليــــه
فجهــزوه وغسلــوه ودفنــوه وأخرجــوه خرجــة عظيمــة وجعلــوا ولــده سلطانــاً عليهـــم وكـــان ولـــده عـــادلاً
في الرعيـة واستراحـت النـاس فـي زمانـه فاتفـق فـي بعـض الأيـام أنـه فتـح خزائـن أبيـه ليتفـرج فيهـا ففتـح
خزانــة مــن تلــك الخزائــن فوجــد فيهــا صــورة بــاب ففتحــه فــإذا هــي خلــوة صغيـــرة وفيهـــا عامـــود مـــن
الرخــام الأبيــض وفوقــه صنــدوق مــن الأبنــوس فأخــذه بلوقيــا وفتحــه فوجــد فيـــه صندوقـــاً آخـــر مـــن
الذهــب ففتحــه فــرأى فيــه كتابــاً ففتحــه وقــرأه فــرأى فيــه صفــة محمــد صلــى اللـــه عليـــه وسلـــم وأنـــه
يبعث في آخر الزمان وهو سيد الأولين والآخرين.
فلمـا قـرأ بلوقيـا هـذا الكتــاب وعــرف صفــات سيدنــا محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم تعلــق قلبــه بحبــه
ثــم إن بلوقيــا جمــع أكابــر بنــي إسرائيــل مــن الكهــان والأحبــار والرهبــان وأطلعهــم علــى ذلــك الكتـــاب
وقــرأه عليهــم وقـــال لهـــم: يـــا قـــوم ينبغـــي أن أخـــرج أبـــي مـــن قبـــره وأحرقـــه وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح
===
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن بلوقيــا قــال لقومــه لابــد أن أخــرج أبــي مــن قبــره وأحرقــه فقــال لــه
قومـه: لـأي شـيء تحرقــه فقــال لهــم بلوقيــا: لأنــه أخفــى عنــي هــذا الكتــاب ولــم يظهــره لــي وقــد كــان
استخرجـه مـن التـوراة ومــن صحــف إبراهيــم ووضــع هــذا الكتــاب فــي خزانــة مــن خزائنــه ولــم يطلــع
عليـه أحـد مــن النــاس فقالــوا لــه يــا ملكنــا إن أبــاك قــد مــات وهــو الــآن فــي التــراب وأمــره مفــوض إلــى
ربـه ولا تخرجـه مـن قبـره فلمـا سمـع بلوقيــا هــذا الكلــام مــن أكابــر بنــي إسرائيــل عــرف أنهــم لا يمكنونــه
مــن أبيــه فتركهــم ودخــل علــى أمــه وقــال لهــا: يــا أمــي إنــي رأيــت فــي خزائــن أبــي كتابــاً صفـــة محمـــد
صلى الله عليـه وسلـم وهـو نبـي يبعـث فـي آخـر الزمـان وقـد تعلـق قلبـي بحبـه وأنـا أريـد أن أسيـح فـي
البلاد حتى أجتمع بـه فإننـي إن لـم أجتمـع بـه مـت غرامـاً فـي حبـه ثـم نـزع ثيابـه ولبـس عبـاءة وزربونـاً
وقــال لا تنسينــي يــا أمــي مــن الدعــاء فبكــت عليــه أمــه وقالــت لـــه: كيـــف يكـــون حالنـــا بعـــدك قـــال
بلوقيا: ما بقي لي صبر أبداً وقد فوضت أمري وأمرك إلى الله تعالى.
ثـم خـرج سائحـاً نحـو الشـام ولـم يـدر بـه أحـد مـن قومـه وسـار حتــى وصــل إلــى ساحــل البحــر فــرأى
مركبـاً فنـزل فيهــا مــع الركــاب وســارت بهــم إلــى أن أقبلــوا علــى جزيــرة فطلــع الركــاب مــن المركــب إلــى
===
تلـك الجزيـرة وطلـع معهـم ثـم انفـرد عنهـم فـي الجزيـرة وقعـد تحـت شجـرة فغلـب عليـه النـوم فنــام ثــم إنــه
أفــاق مــن نومــه وقــام إلــى المركــب لينــزل فيــه فــرأى المركــب أقلــع ورأى فـــي تلـــك الجزيـــرة حيـــات مثـــل
الحمـــال ومثـــل النخـــل وهـــم يذكـــرون اللـــه عـــز وجـــل ويصلـــون علـــى محمـــد صلـــى اللـــه عليــــه وسلــــم
ويصيحــــون بالتهليــــل والتسسبيــــح فلمــــا رأى ذلــــك بلوقيــــا تعجــــب غايــــة العجـــــب وأدرك شهـــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السبعين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن بلوقيـــا لمـــا رأى الحيـــات يسبحـــون ويهللـــون تعجـــب مــــن ذلــــك
غايــة العجــب ثــم إن الحيــات لمــا رأوا بلوقيــا اجتمعــوا عليــه وقالــت لـــه حيـــة منهـــم: مـــن تكـــون أنـــت
ومــن أيــن أتيــت ومــا اسمــك وإلــى أيــن رائــح فقــال لهــا اسمــي بلوقيــا وأنــا مــن بنــي إسرائيــل وخرجـــت
هائمــاً فــي حــب محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم وفــي طلبــه فمــن تكونــون أنتــم أيتهـــا الخليقـــة الشريفـــة
فقالـت لـه الحيـات نحـن مـن سكـان جهنـم وقـد خلقنــا اللــه تعالــى نقمــة علــى الكافريــن فقــال لهــم بلوقيــا
ومــا الــذي جــاء بكــم إلــى هــذا المكــان فقالــت لــه الحيــاة اعلــم يـــا بلوقيـــا أن جهنـــم مـــن كثـــرة غليانهـــا
تتنفـس فـي السنـة مرتيـن مـرة فـي الشتـاء ومـرة فـي الصيـف واعلـم أن كثـرة الحـر مـن شــدة قيحهــا ولمــا
===
تخـرج نفسهـا ترمينـا مـن بطنهـا ولمــا تسحــب نفسهــا تردنــا إليهــا فقــال لهــم بلوقيــا: هــل فــي جهنــم أكبــر
منكـم فقالـت لـه الحيــات إننــا مــا نخــرج إلا مــع تنفسهــا لصغرنــا فــإن فــي جهنــم كــل حيــة لــو عبــر أكبــر
ما فينا في أنفها لم تحس به.
فقــال لهــم بلوقيــا: أنتــم تذكــرون اللــه وتصلــون علــى محمــد ومــن أيــن تعرفــون محمــداً صلـــى اللـــه عليـــه
وسلــم فقالــوا يــا بلوقيــا: إن اســم محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم مكتــوب علــى بــاب الجنــة ولولـــاه مـــا
خلــق اللــه المخلوقــات ولا جنــة ولا نــار ولا سمـــاء ولا أرضـــاً لـــأن اللـــه لـــم يخلـــق جميـــع الموجـــودات إلا
مــن أجــل محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم وقــرن اسمــه فــي كــل مكــان ولأجــل هــذا نحـــن نحـــب محمـــداً
صلى الله عليه وسلم.
فلمـا سمـع بلوقيـا هـذا الكلـام مـن الحيـات زاد غرامـه فـي حــب محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم وعظيــم
اشتياقـه إليـه ثــم إن بلوقيــا ودعهــم وســار حتــى وصــل إلــى شاطــئ البحــر فــرأى مركبــاً راسيــاً فــي
جنــب الجزيــرة فنــزل فيــه مــع ركابــه وســار بهــم ومــا زالــوا سائريـــن حتـــى وصلـــوا إلـــى جزيـــرة أخـــرى
فطلـع عليهـا وتمشـى ساعــة فــرأى فيهــا حيــات كبــاراً وصغــاراً لا يعلــم عددهــا إلا اللــه تعالــى وبينهــم
حيـة بيضــاء أبيــض مــن البلــور وهــي جالســة علــى طبــق مــن الذهــب وذلــك الطبــق علــى ظهــر حيــة
مثــل الفيــل وتلــك الحيــة ملكــة الحيــات وهــي أنــا يــا حاســب ثــم إن حاسبــا ســأل ملكــة الحيــات وقــال
===
فقالــت الحيــة يــا حاســب اعلــم أنــي لمــا نظــرت إلــى بلوقيــا سلمــت فــرد علــي السلــام وقلـــت لـــه: مـــن
أنــت ومــا شأنــك ومــن أيــن أقبلــت وإلــى أيــن تذهــب ومــا اسمــك فقــال أنــا مــن بنـــي إسرائيـــل واسمـــي
بلوقيـا وأنـا سائـح فـي حـب محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم وفـي طلبـه فإنـي رأيــت صفاتــه فــي الكتــب
المنزلــة ثــم إن بلوقيــا سألنــي وقـــال لـــي أي شـــيء أنـــت ومـــا شأنـــك ومـــا هـــذه الحيـــات التـــي حولـــك
فقلـت لـه يـا بلوقيـا أنـا ملكـة الحيـات وإذا اجتمعـت بمحمـد صلــى اللــه عليــه وسلــم فأقــرأه منــي السلــام
ثم إن بلوقيا ودعني ونزل في المركب حتى وصل إلى بيت المقدس.
وكـــان فـــي بيـــت المقـــدس رجـــل تمكـــن مـــن جميـــع العلـــوم وكـــان متقنـــاً لعلــــم الهندســــة وعلــــم الفلــــك
والحســاب والكيميــاء والروحانــي وكــان يقــرأ التــوراة والإنجيــل والزبـــور وصحـــف إبراهيـــم وكـــان يقـــال
لــه عفــان وقــد وجــد فــي كتــاب عنـــده أن كـــل مـــن لبـــس خاتـــم سيدنـــا سليمـــان انقـــادت لـــه الإنـــس
والجــن والطيــر والوحــوش وجميــع المخلوقــات ورأى فــي بعــض الكتــب أنـــه لمـــا توفـــي سيدنـــا سليمـــان
وضعـوه فـي تابـوت وعـدوا بـه سبعـة أبحـر وكـان الخاتـم فـي اصبعـه ولا يقـدر أحــد مــن الإنــس ولا مــن
الجــن أن يأخــذ ذلــك الخاتــم ولا يقــدر أحــد مــن أصحــاب المراكــب أن يــروح بمركــب إلــى ذلــك المكــان
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن عفــان وجــد فــي بعــض الكتــب أنــه لا يقــدر أحــد مــن الإنــس ولا
مـــن الجـــن أن يأخـــذ الخاتـــم مـــن اصبـــع سيدنـــا سليمـــان ولا يقـــدر أحــــد مــــن أصحــــاب المراكــــب أن
يسافـر بمركبـه فـي السبعـة أبحـر التـي عدوهـا بتابوتـه ووجـد فـي بعـض الكتـب أيضـاً أن بيـن الأعشـاب
عشبـاً كـل مـن أخـذ منـه شيئـاً وعصـره وأخـذ مــاءه ودهــن بــه قدميــه فإنــه يمشــي علــى أي بحــر خلقــه
اللـه تعالـى ولا تبتـل قدمــاه ولا يقــدر أحــد علــى تحصيــل ذلــك إلا إذا كانــت معــه ملكــة الحيــات ثــم إن
بلوقيـا لمـا دخـل بيـت المقـدس جلـس فـي مكـان يعبـد اللـه تعالـى فبينمــا هــو جالــس يعبــد اللــه إذ أقبــل
عليــه عفــان وسلــم عليــه فــرد عليــه السلــام ثــم إن عفــان نظــر إلــى بلوقيــا فــرآه يقــرأ فــي التـــوراة وهـــو
جالـــس يعبـــد اللـــه تعالـــى فتقـــدم إليـــه وقـــال لـــه: أيهـــا الرجـــل مـــا اسمـــك ومـــن أيـــن أتيــــت وإلــــى أيــــن
تذهــب فقــال لــه: اسمــي بلوقيــا وأنــا مــن مدينــة مصــر خرجــت سائحــاً فــي طلــب محمــد صلـــى اللـــه
عليه وسلم.
فقــال عفــان لبلوقيــا: قــم معــي إلــى منزلــي حتــى أستضيفــك فقــال سمعــاً وطاعــة فأخـــذ عفـــان بيـــد
بلوقيــا وذهــب إلــى منزلــه وأكرمــه غايــة الإكــرام وبعــد ذلــك قــال لــه أخبرنـــي يـــا أخـــي بخبـــرك مـــن أيـــن
عرفـت محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم حتـى تعلـق قلبـك بحبـه وذهبـت فـي طلبـه ومـن دلـك علــى هــذا
الطريق فحكى له بلوقيا حكايته من الأول إلى الآخر.
===
فلمــا سمــع عفــان كلامـــه كـــاد أن يذهـــب عقلـــه وتعجـــب مـــن ذلـــك غايـــة العجـــب ثـــم إن عفـــان قـــال
لبلوقيـا اجمعنـي علـى ملكـة الحيـات وأنـا أجمعـك علـى محمـد صلـى اللـه عليــه وسلــم لــأن زمــان مبعــث
محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم بعيـد وإذا ظفرنـا بملكـة الحيـات نحطهــا فــي قفــص ونــروح إلــى الأعشــاب
التـي فـي الجبـال وكـل عشـب جزنـا عليـه وهـي معنـا ينطـق ويخبـر بمنفعتــه بقــدرة اللــه تعالــى فإنــي قــد
وجـدت عنـدي فـي الكتـب أن فـي الأعشـاب عشبـاً كـل مـن أخـذه ودقـه وأخـذ مـاءه ودهـن بـه قدميـه
ومشــى علــى أي بحــر خلقــه اللــه تعالــى لــم يبتــل لــه قــدم فــإذا أخذنــا ملكــة الحيــات تدلنــا علــى ذلـــك
العشــب وإذا وجدنــاه نأخــذه وندقــه ونأخــذ مـــاءه ثـــم نطلقهـــا إلـــى حـــال سبيلهـــا وندهـــن بذلـــك المـــاء
أقدامنـا ونعـدي السبعـة أبحـر ونصـل إلـى مدفـن سيدنـا سليمـان ونأخـذ الخاتـم مـن اصبعــه ونحكــم كمــا
حكـم سيدنـا سليمـان ونصـل إلـى مقصودنــا وبعــد ذلــك ندخــل بحــر الظلمــات فنشــرب مــن مــاء الحيــاة
فيمهلنا الله إلى آخر الزمان نجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فلمـا سمــع بلوقيــا هــذا الكلــام مــن عفــان قــال يــا عفــان أنــا أجمعــك بملكــة الحيــات وأريــك مكانهــا فقــام
عفـان وصنـع لـه قفصـاً مــن حديــد وأخــذ معــه قدحيــن ومــلأ أحدهمــا خمــراً ومــلأ الآخــر لبنــاً وســار
عفان هو وبلوقيا أياماً وليالي حتـى وصـلا إلـى الجزيـرة التـي فيهـا ملكـة الحيـات فطلـع عفـان وبلوقيـا إلـى
الجزيـــرة وتمشيـــا فيهـــا وبعـــد ذلـــك وضـــع عفـــان القفـــص ونصـــب فيـــه فخـــاً وأدرك شهـــرزاد الصبــــاح
===
وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن عفـــان وضـــع القفـــص ونصـــب فيـــه فخـــاً ووضـــع فيـــه القدحيـــن
المملوءيــن خمــراً ولبنــاً ثــم تباعــدا عــن القفــص واستخفيــا ساعــة فأقبلــت ملكــة الحيـــات علـــى القفـــص
حتـى قربـت مـن القدحيـن فتأملـت فيهمـا ساعــة فلمــا شمــت رائحــة اللبــن نزلــت مــن فــوق ظهــر الحيــة
التـي هـي فوقهـا وطلعـت مـن الطبـق ودخلـت القفـص وأتـت إلـى القـدح الــذي فيــه الخمــر وشربــت منــه
فلما شربت من ذلك القدح داخت رأسها ونامت.
فلمــا رأى ذلــك عفــان تقــدم إلــى القفــص المقفــل علــى ملكــة الحيــات ثـــم أخذهـــا هـــو وبلوقيـــا وســـارا
فلمـا أفاقـت رأت روحهـا فــي القفــص مــن حديــد والقفــص علــى رأس رجــل وبجانبــه بلوقيــا فلمــا رأت
ملكـة الحيـات بلوقيـا قالـت هـذا جـزاء مـن لا يـؤذي بنـي آدم فـرد عليهـا بلوقيـا وقـال لهــا: لا تخافــي منــا
يـــا ملكـــة الحيـــات فإننـــا لا نؤذيـــك أبـــداً ولكـــن نريـــد أن تدلينـــا علـــى العشــــب كــــل مــــن أخــــذه ودقــــه
واستخـرج مـاءه ودهـن بــه قدميــه ومشــى علــى أي بحــر خلقــه اللــه تعالــى لا تبتــل قدمــاه فــإذا وجدنــا
ذلـك العشــب أخذنــاه ونرجــع بــك إلــى مكانــك ونطلقــك إلــى حــال سبيلــك ثــم إن عفــا وبلوقيــا ســارا
بملكــة الحيــات نحــو الجبــال التــي فيهــا الأعشــاب ودارا بهــا علــى جميــع الأعشــاب فصــار كــل عشـــب
===
فبينمـا همــا فــي هــذا الأمــر والأعشــاب تنطــق يمينــاً وشمــالاً وتخبــر بمنافعهــا وإذا بعشــب نطــق وقــال
أنـا العشـب الـذي كــل مــن أخذنــي ودقنــي وأخــذ مائــي ودهــن قدميــه وجــاز علــى أي بحــر خلقــه اللــه
تعالى لا تبتل قدماه.
فلمــا سمــع عفــان كلــام العشــب حــط القفــص مــن فــوق رأســه وأخـــذا مـــن ذلـــك العشـــب مـــا يكفيهمـــا
ودقـاه وعصـراه وأخـذا مـاءه وجعلــاه فــي قزازتيــن وحفظاهمــا والــذي فضــل منهمــا دهنــا بــه أقدامهمــا
ثـم إن بلوقيـا وعفـان أخـذا ملكـة الحيـات وسـارا بهـا ليالـي وأيامـاً حتـى وصـلا إلـى الجزيــرة التــي كانــت
فيهــا وفتــح عفــان بــاب القفــص فخرجــت منــه ملكــة الحيــات فلمــا خرجــت قالــت لهمــا: مــا تصنعــان
بهــذا المـــاء قـــالا لهـــا: مرادنـــا أن ندهـــن بـــه أقدامنـــا حتـــى نتجـــاوز السبعـــة أبحـــر ونصـــل إلـــى مدفـــن
سيدنا سليمان ونأخذ الخاتم من اصبعه.
فقالـــت لهمـــا ملكـــة الحيـــات: هيهـــات أن تقـــدرا علـــى أخـــذ الخاتـــم فقـــالا لهـــا: لــــأي شــــيء فقالــــت
لهمــا: لــأن اللــه تعالــى مــن علــى سيدنــا سليمــان بإعطائــه ذلــك الخاتــم وخصــه بذلــك لأنــه قــال: رب
هـب لـي ملكـاً لا ينبغـي لأحـد مـن بعـدي إنـك أنــت الوهــاب فمــا لكمــا وذلــك الخاتــم ثــم قالــت لهمــا:
لـو أخذتمـا مـن العشـب الــذي كــل مــن أكــل منــه لا يمــوت إلــى النفخــة الأولــى وهــو بيــن تلــك الأعشــاب
لكــان أنفــع لكمــا مـــن هـــذا الـــذي أخذتمـــاه فإنـــه لا يحصـــل لكمـــا منـــه مقصودكمـــا فلمـــا سمعـــا كلامهـــا
===
ندمــــا ندمــــاً عظيمــــاً وســــارا إلــــى حــــال سبيلهمــــا وأدرك شهــــرزاد الصبــــاح فسكتــــت عــــن الكلـــــام
المباح.
وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيــا وعفــان لمــا سمعــا كلــام ملكــة الحيــات ندمـــا ندمـــاً عظيمـــاً
وسارا إلى حال سبيلهما هذا ما كان من أمرهما.
وأمـــا مـــا كـــان مـــن أمـــر ملكـــة الحيـــات فإنهـــا أتــــت إلــــى عساكرهــــا فرأتهــــم قــــد ضاعــــت مصالحهــــم
وضعــف قويهــم وضعيفهـــم مـــات فلمـــا رأت الحيـــات ملكتهـــم بينهـــم فرحـــوا واجتمعـــوا حولهـــا وقالـــوا
لهـا: مـا خبـرك وأيـن كنــت فحكــت لهــم جميــع مــا جــرى لهــا مــع عفــان وبلوقيــا ثــم بعــد ذلــك جمعــت
جنودهــا وتوجهــت بهــم إلــى جبــل قــاف لأنهــا كانــت تشتــي فيـــه وتصيـــف المكـــان الـــذي رآهـــا فيـــه
حاسب كريم الدين.
ثــم إن الحيــة قالــت: يــا حاســب هــذه حكايتــي ومــا جــرى لــي فتعجــب حاســب مــن كلــام الحيــة ثــم
قــال لهــا: أريــد مــن فضلــك أن تأمــري أحــداً مــن أعوانــك أن يخرجنــي إلــى وجـــه الـــأرض وأروح إلـــى
أهلــي فقالــت لــه ملكــة الحيــات: يــا حاســب ليــس لــك رواح مــن عندنــا حتــى يدخــل الشتــاء وتـــروح
===
معنـا إلـى جبـل قـاف وتتفــرج فيــه علــى تلــال ورمــال وأشجــار وأطيــار تسبــح الواحــد القهــار وتتفــرج
على مردة وعفاريت وجان ما يعلم عددهم إلا الله تعالى.
فلمــا سمـــع حاســـب كريـــم الديـــن كلـــام ملكـــة الحيـــات صـــار مهمومـــاً مغمومـــاً ثـــم قـــال لهـــا: اعلمينـــي
بعفـان وبلوقيـا لمـا فارقــاك وســارا هــل عديــا السبعــة بحــور ووصــلا إلــى مدفــن سيدنــا سليمــان أو لا
وإذا كانـا وصـلا إلـى مدفـن سيدنـا سليمـان هــل قــدرا علــى أخــذ الخاتــم أو لا. فقالــت لــه: اعلــم أن
عفــان وبلوقيــا لمــا فارقانــي وســارا دهنــا أقدامهمــا مــن ذلـــك المـــاء ومشيـــا علـــى وجـــه البحـــر حتـــى
عديـا السبعـة أبحـر فلمـا عديــا تلــك البحــار وجــدا جبــلاً عظيمــاً شاهقــاً فــي الهــواء وهــو مــن الزمــرد
الأخضـر وفيـه عيـن تجـري وترابـه كلـه مـن المسـك فلمـا وصـلا إلـى ذلـك المكـان فرحــا وقــالا: قــد بلغنــا
مقصودنـا ثـم ســارا حتــى وصــلا إلــى جبــل عــال فمشيــا فيــه فرأيــا مغــارة مــن بعيــد فــي ذلــك الجبــل
وعليهــا قبــة عظيمــة والنــور يلــوح منهــا فلمــا رأيــا تلــك المغـــارة قصداهـــا حتـــى وصـــلا إليهـــا فدخـــلا
فرأيــا فيهــا تختــاً منصوبــاً مــن الذهــب مرصعــاً بأنــواع الجواهــر وحولــه كراســـي منصوبـــة لايحصـــي لهـــا
عــدد إلا اللــه تعالــى ورأيــا السيــد سليمــان نائمــاً فــوق ذلــك التخــت وعليــه حلــة مــن الحريـــر الأخضـــر
مزركشـة بالذهـب مرصعـة بنفيـس المعـادن مـن الجوهـر ويـده اليمنـى علـى صـدره والخاتــم فــي اصبعــه
ونــور الخاتــم يغلــب علــى نــور تلــك الجواهــر التــي فــي ذلــك المكــان ثــم إن عفــان علــم بلوقيــا أقسامـــاً
===
وعزائـم وقـال لـه: اقـرأ هـذه الأقسـام ولا تتـرك قراءتهـا حتـى آخــذ الخاتــم ثــم تقــدم عفــان إلــى التخــت
حتـى قـرب منــه وإذا بحيــة عظيمــة طلعــت مــن تحــت التخــت ورعقــت زعقــة عظيمــة فارتعــد ذلــك
المكــان مــن زعقتهــا وصــار الشــرر يطيــر مــن فمهــا ثــم إن الحيــة قالــت لعفــان: إن لــم ترجـــع أهلكتـــك
فاشتغـل عفـان بالأقسـام ولـم ينزعــج مــن تلــك الحيــة فنفخــت عليــه الحيــة نفخــة عظيمــة كــادت تحــرق
ذلك المكان وقالت: ويلك إن لم ترجع أحرقتك.
فلمـا سمـع بلوقيـا هـذا الكلـام مـن الحيـة طلـع مـن المغــارة وأمــا عفــان فإنــه لــم ينزعــج مــن ذلــك ثــم تقــدم
إلـى السيـد سليمــان ومــد يــده ولمــس الخاتــم وأراد أن يسحبــه مــن اصبــع السيــد سليمــان وإذا بالحيــة
نفخــت علــى عفــان فأحرقتــه وصــار كــوم رمــاد. وهــاذ مــا كــان مــن أمــر هــؤلاء. وأمــا مـــا كـــان مـــن
أمـــر بلوقيـــا فإنـــه وقـــع مغشيـــاً عليـــه مـــن هـــذا الأمـــر وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيـــا لمـــا رأى عفـــان احتـــرق وصـــار كـــوم رمـــاد وقـــع مغشيـــاً
عليـه وأمـر الـرب جـل جلالـه جبريـل أن يهبـط إلــى الــأرض قبــل أن تنفــخ الحيــة علــى بلوقيــا فهبــط إلــى
===
الــأرض بسرعــة فــرأى بلوقيــا مغشيــاً عليـــه ورأى عفـــان احتـــرق مـــن نفخـــة الحيـــة فأتـــى جبريـــل إلـــى
بلوقيـا وأيقظـه مــن غشيتــه. فلمــا أفــاق سلــم عليــه جبريــل وقــال لــه: مــن أيــن أتيتمــا إلــى هــذا المكــان
ف حكـى لـه بلوقيــا جميــع حكايتــه مــن الــأول إلــى الآخــر ثــم قــال لــه: اعلــم أننــي مــا أتيــت إلــى هــذا
المكــان إلا بسبــب محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم فــإن عفــان أخبرنــي أنــه يبعــث فــي آخـــر الزمـــان ولا
يجتمــع بــه إلا مــن يعيــش إلــى ذلــك الوقــت إلا مــن شــرب مــن مـــاء الحيـــاة ولايمكـــن ذلـــك إلا بالحصـــول
علـى خاتـم سليمـان عليـه السلـام فصحبتـه إلـى هـذا المكـان وحصـل لـه مـا حصـل وهاهـو قــد احتــرق
وأنا لم أحترق ومرادي أن تخبرني بمحمد أين يكون.
فقــال لــه جبريــل: يــا بلوقيــا اذهــب إلــى حــال سبيلــك فــإن زمــان محمــد بعيـــد ثـــم ارتفـــع جبريـــل إلـــى
السمـاء مـن وقتـه وأمــا بلوقيــا فإنــه صــار يبكــي بكــاء شديــداً ونــدم علــى مــا فعــل وتفكــر قــول ملكــة
الحيات: هيهـات أن يقـدر أحـد علـى أخـذ الخاتـم فتجبـر بلوقيـا فـي نفسـه وبكـى ثـم إنـه نـزل مـن الجبـل
وسـار ولـم يـزل سائـراً حتـى قـرب مـن شاطـئ البحــر وقعــد هنــاك يتعجــب مــن تلــك الجبــال والبحــار
والجزائر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الأربعمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيــا تعجــب مــن تلــك الجبــال والبحــار والجزائــر ثــم بــات تلــك
الليلــة فــي ذلــك الموضــع ولمــا أصبــح الصبــاح دهـــن قدميـــه مـــن الـــذي كانـــا أخـــذاه مـــن العشـــب ونـــزل
البحــر وصــار ماشيــاً فيــه أيامــاً وليالـــي وهـــو يتعجـــب مـــن أهـــوال البحـــر وعجائبـــه وغرائبـــه ومـــازال
ماشيــاً علــى وجــه المــاء حتــى وصــل إلــى جزيــرة كأنهــا الجنــة فطلـــع بلوقيـــا إلـــى تلـــك الجزيـــرة وصـــار
يتعجـب منهــا ومــن حسنهــا وســاح فيهــا فرآهــا جزيــرة عظيمــة ترابهــا زعفــران وحصاهــا مــن الياقــوت
والمعــادن الفاخــرة وسياجهــا الياسميــن وزرعهــا مــن أحســن الأشجــار وأبهــج الرياحيــن وأطيبهــا وفيهـــا
عيـــون جاريـــة وحطبهـــا مـــن العـــود القمـــاري والعـــود القاقلــــي وبوصهــــا مــــن قصــــب السكــــر وحولهــــا
الــورد والنرجــس والغبهــر والقرنفــل والأقحـــوان والسوســـن والبنفســـج وكـــل ذلـــك فيهـــا أشكـــال وألـــوان
وأطيارهــا تناغــي علــى تلــك الأشجــار وهــي مليحــة الصفـــات واسعـــة الجهـــات كثيـــرة الخيـــرات قـــد
حــــوت جميــــع الحســــن والمعانــــي وتغريــــد أطيارهــــا ألطــــف مــــن رنــــات المثانــــي وأشجارهــــا باسقـــــة
وأطيارهـــا ناطقـــة وأنهارهـــا دافقـــة وعيونهــــا جاريــــة ومياههــــا خاليــــة وفيهــــا الغزلــــان تمــــرح والجــــآذر
تسنــح الأطيــار علــى تلــك الأغصــان تسلــي العاشــق الولهــان فتعجــب بلوقيــا مــن هــذه الجزيــرة وعلــم
أنـه قـد تـاه عـن الطريـق التـي قـد أتـى منهـا أول مـرة حيـن كـان معـه عفـان فسـاح فـي تلـك الجزيـرة وتفــرج
فيها إلى وقت المساء.
===
فلمــا أمســى عليــه الليــل طلــع علــى شجــرة عاليــة لينــام فوقهــا وصــار يتفكــر فــي حســن تلــك الجزيـــرة
فبينمـا هـو فــوق الشجــرة علــى تلــك الحالــة إذا بالبحــر قــد اختبــط وطلــع منــه حيــوان عظيــم وصــاح
صياحــاً عظيمــاً حتــى انزعجــت حيوانــات تلــك الجزيــرة مــن صياحــه فنظــر إليــه بلوقيـــا وهـــو جالـــس
علــى الشجــرة فــرآه حيوانــاً عظيمــاً فصــار يتعجــب منــه فلــم يشعــر بعــد ساعـــة إلا وطلـــع خلفـــه مـــن
البحــر وحــوش مختلفــة الألــوان وفــي يــد كــل وحــش منهــا جوهــرة تضــيء مثــل الســراج حتــى صـــارت
الجزيرة مثل النهار من ضياء الجواهر.
وبعــد ساعــة أقبلـــت مـــن الجزيـــرة وحـــوش لا يعلـــم عددهـــا إلا اللـــه تعالـــى فنظـــر إليهـــا بلوقيـــا فرآهـــا
وحـوش الفلـاة مـن سبـاع ونمـور وفهـود وغيـر ذلـك مـن حيوانـات البــر ولــم تــزل وحــوش البــر مقبلــة حتــى
اجتمعـت مـع وحـوش البحـر فـي جانــب الجزيــرة وصــاروا يتحدثــون إلــى الصبــاح فلمــا أصبــح الصبــاح
افترقوا عن بعضهم ومضى كل واحد منهم إلى حال سبيله.
فلمــا داهــم بلوقيــا خــاف ونــزل مــن فــوق الشجــرة وســار إلــى شاطــئ البحــر ودهــن قدميــه مــن المــاء
الــذي معــه ونــزل البحــر الثانــي وســار علــى وجــه المــاء ليالـــي وأيامـــاً حتـــى وصـــل إلـــى جبـــل عظيـــم
وتحــت ذلـــك الجبـــل واد مـــا لـــه مـــن آخـــر وذلـــك الـــوادي حجارتـــه مـــن المغناطيـــس ووحوشـــه سبـــاع
وأرانــب ونمــور فطلــع بلوقيــا إلــى ذلــك الجبــل وســاح فيــه مــن مكــان إلـــى مكـــان حتـــى أمســـى عليـــه
===
المسـاء فجلـس تحـت قنـة مـن قنـن ذنـك الجبــل بجانــب البحــر وصــار يأكــل مــن السمــك الناشــف الــذي
يقذفه البحر.
فبينمـــا هـــو جالـــس يأكـــل مـــن ذلـــك السمـــك وإذ بنمـــر عظيــــم أقبــــل علــــى بلوقيــــا وأراد أن يفترســــه
فالتفــت بلوقيــا إلــى ذلــك النمــر فــرآه هاجمــاً عليــه ليفترســه فدهــن قدميــه مـــن المـــاء الـــذي معـــه ونـــزل
البحـر الثالـث هربـاً مـن ذلــك النمــر وســار علــى وجــه المــاء فــي الظلــام وكانــت ليلــة ســوداء ذات ريــح
عظيــم ومـــا زال سائـــراً حتـــى أقبـــل علـــى جزيـــرة فطلـــع عليهـــا فـــرأى فيهـــا أشجـــاراً رطبـــة ويابســـة
فأخــذ بلوقيــا مــن ثمــر تلــك الأشجــار وأكــل وحمــد اللــه تعالــى ودار فيهــا يتفـــرج إلـــى وقـــت المســـاء.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن بلوقيـا دار يتفـرج فــي تلــك الجزيــرة ولــم يــزل دائــراً يتفــرج فيهــا إلــى
وقـت المسـاء فنـام فـي تلـك الجزيـرة ولمــا أصبــح الصبــاح صــار يتأمــل فــي جهاتهــا ولــم يــزل يتفــرج فيهــا
مـدة عشـرة أيـام وبعـد ذلــك توجــه إلــى شاطــئ البحــر ودهــن قدميــه ونــزل البحــر الرابــع ومشــى علــى
المـاء ليـلاً ونهـاراً حتــى وصــل إلــى جزيــرة فــرأى أرضهــا مــن الرمــل الناعــم الأبيــض وليــس فيهــا شــيء
===
مــن الشجــر ولا مــن الــزرع فتمشــى فيهــا ساعــة فوجـــد وحشهـــا الصقـــور وهـــي معششـــة فـــي ذلـــك
الرمــل فلمــا رأى ذلــك دهــن قدميــه ونــزل فــي البحــر الخامــس وســار فـــوق المـــاء ومـــازال سائـــراً ليـــلاً
ونهــاراً حتــى أقبــل علــى جزيــرة صغيــرة أرضهــا وجبالهــا مثــل البلــور وفيهــا العــروق التــي يصنــع منهـــا
الذهـب وفيهـا أشجـار غريبـة مـا رأى مثلهـا فـي سياحتـه وأزهارهـا كلــون الذهــب فطلــع منهــا بلوقيــا
إلى تلك الجزيرة وصار يتفرج فيها إلى وقت المساء.
فلمـا جــن عليــه الظلــام صــارت الأزهــار تضــيء فــي تلــك الجزيــرة كالنجــوم فتعجــب بلوقيــا مــن هــذه
الجزيـرة وقـال: أن الأزهـار التـي فـي هـذه الجزيـرة هـي التـي تيبـس مــن الشمــس وتسقــط علــى الــأرض
فتضربهــا الريــاح فتجتمــع تحــت الحجــارة وتصيــر أكسيــراً فيأخذونهـــا ويصنعـــون منهـــا الذهـــب ثـــم إن
بلوقيـا نـام فـي تلـك الجزيـرة إلـى وقـت الصبـاح وعنـد طلــوع الشمــس دهــن قدميــه مــن المــاء الــذي معــه
ونــزل البحــر الســادس وســار ليالــي وأيامــاً حتــى أقبــل علــى جزيــرة فطلــع عليهــا وتمشــى فيهـــا ساعـــة
فــرأى فيهــا جبليــن وعليهمــا أشجــار كثيــرة وأثمــار تلــك الشجـــرة كـــرؤوس الآدمييـــن وهـــي معلقـــة مـــن
شعورهـا ورأى فيهـا أشجـاراً أخـرى أثمارهــا طيــور خضــر معلقــة مــن أرجلهــا وفيهــا أشجــار تتوقــد
مثــل النــار ولهــا فواكــه مثــل الصبــر وكــل مــن سقطــت عليــه نقطــة مــن تلــك الفواكـــه احتـــرق بهـــا ورأى
بهـا فواكـه تبكـي وفواكـه تضحــك ورأى بلوقيــا فــي تلــك الجزيــرة عجائــب ثــم إنــه تمشــي إلــى شاطــئ
===
فلمـا أظلـم الظلـام طلـع فــوق الشجــرة وصــار يتفكــر فــي مصنوعــات اللــه تعالــى فبينمــا هــو كذلــك إذا
بالبحـر قــد اختلــط وطلــع منــه نبــات البحــر وفــي يــد كــل واحــدة منهــن جوهــرة تضــيء مثــل المصبــاح
وسـرن حتـى أتيـن تلـك الشجـرة وجلسـن ولعبـن ورقصـن وطربـن فصـار بلوقيـا يتفـرج عليهـن وهــن فــي
هذه الحالة ولم يزلن في لعب إلى الصباح.
فلمــا أصبحــن نزلــن إلــى البحــر فتعجــب منهــن بلوقيــا ونــزل مــن فــوق الشجــرة ودهــن قدميــه مــن المــاء
الـذي معـه ونــزل البحــر السابــع وســار ولــم يــزل سائــراً مــدة شهريــن وهــو لا ينظــر جبــلاً ولا جزيــرة ولا
بــراً ولا واديــاً ولا ساحــلاً حتــى قطــع ذلــك البحــر وقاســى فيــه جوعــاً عظيمــاً حتــى صــار يخطـــف
السمـــك مـــن البحـــر ويأكلـــه نيئـــاً مـــن شـــدة جوعـــه. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلــــام
المباح.
وفي الليلة السابعة والسبعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن بلوقيـــا لمـــا قاســـى فـــي البحـــر الجـــوع العظيـــم وصـــار يخطـــف
السمــك مــن البحــر ويأكلــه نيئــاً مــن شــدة جوعــه ولــم يــزل سائــراً علــى هــذه الحالـــة حتـــى انتهـــى إلـــى
جزيــرة أشجارهــا كثيــرة وأنهارهـــا غزيـــرة فطلـــع إلـــى تلـــك الجزيـــرة وصـــار يمشـــي فيهـــا ويتفـــرج يمينـــاً
===
وشمــالاً وكــان ذلــك فــي وقــت الضحــى ومــا زال يتمشــى حتـــى أقبـــل علـــى شجـــرة تفـــاح فمـــد يـــده
ليأكــل مــن تلــك الشجــرة إذا بشخــص صــاح عليــه مــن تلـــك الشجـــرة وقـــال لـــه: إن تقربـــت إلـــى هـــذه
الشجــرة وأكلـــت منهـــا شيئـــاً قسمتـــك نصفيـــن فنظـــر بلوقيـــا إلـــى ذلـــك الشخـــص فـــرآه طويـــلاً طولـــه
أربعـــون ذراعـــاً بـــذراع أهـــل الزمـــان فلمـــا رآه بلوقيـــا خـــاف منـــه خوفـــاً شديــــداً وامتنــــع عــــن تلــــك
الشجرة.
ثــم قــال بلوقيــا: لــي شــيء تمنعنــي مــن الأكــل مــن هــذه الشجــرة فقــال لــه: لأنــك ابــن آدم وأبــوك نســي
عهــد اللــه فعصهــا وأكــل مــن الشجــرة فقــال لــه بلوقيــا: أي شــيء أنـــت ولمـــن هـــذه الجزيـــرة والأشجـــار
ومــا اسمــك فقــال لــه الشخــص: أنــا اسمــي شراهيــا وهــذه الأشجــار والجزيــرة للملــك صخــر وأنـــا مـــن
أعوانه وقد وكلني على هذه الجزيرة.
ثــم أن شراهيــا ســأل بلوقيــا وقــال لــه: مــن أنــت ومــن أيــن أتيـــت إلـــى هـــذه البلـــاد فحكـــى لـــه بلوقيـــا
حكايتــه مــن الــأول إلــى الآخــر فقــال لــه شراهيــا: لاتخــف ثــم جــاء لــه بشــيء مــن الأكـــل فأكـــل بلوقيـــا
حتـى اكتفـى ثـم ودعـه وسـار ولـم يـزل سائــراً مــدة عشــرة أيــام فبينمــا هــو سائــر فــي جبــال ورمــال إذ
نظـر غبـرة عاقـدة فـي الجـو فقصــد بلوقيــا صــوب تلــك الغبــرة فسمــع صياحــاً وضربــاً وهرجــاً عظيمــاً
فمشـى بلوقيـا نحـو تلـك الغبـرة حتـى وصــل إلــى واد عظيــم طولــه مسيــرة شهريــن ثــم تأمــل بلوقيــا فــي
===
جهـة ذلـك الصيـاح فــرأى أناســاً راكبيــن علــى خيــل وهــم يقتتلــون مــع بعضهــم وقــد جــرى الــدم بينهــم
حتـى صـار مثـل النهـر ولهـم أصـوات الرعـد وفـي أيديهــم رمــاح وسيــوف وأعمــدة مــن الحديــد وقســى
ونبال وهم في قتال عظيم فأخذه خوف شديد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيـــا لمـــا رأى هـــؤلاء النـــاس بأيديهـــم السلـــاح وهـــم فـــي قتـــال
عظيـــم أخـــذه الخـــوف الشديـــد وتحيـــر فـــي أمـــره فبينمـــا هـــو كذلـــك إذ رأوه فلمـــا رأوه امتنعـــوا عــــن
بعضهــم وتركــوا الحــرب ثــم أتــت إليــه طائفــة منهــم فلمــا قربــوا منــه تعجبــوا مــن خلقتــه ثـــم تقـــدم إليـــه
فـــارس منهـــم وقـــال لـــه: أي شـــيء أنـــت ومـــن أيــــن أتيــــت وإلــــى أيــــن رائــــح ومــــن دلــــك علــــى هــــذا
الطريــق حتــى وصلــت إلــى بلادنــا فقــال لــه بلوقيــا: أنــا مــن بنــي آدم وجئــت هائمـــاً فـــي حـــب محمـــد
صلــى اللــه عليــه وسلــم ولكنــي تهــت عــن الطريــق فقــال لــه الفــارس: نحــن مـــا رأينـــا ابـــن آدم قـــط ولا
أتى إلى هذه الأرض وصاروا يتعجبون منه ومن كلامه.
ثــم إن بلوقيــا سألهــم وقــال لهــم أي شــيء أنتــم أيتهــا الخلقــة قــال لــه الفــارس: نحــن مــن الجــان فقــال لــه
===
بلوقيــا: يــا أيهــا الفــارس مــا سبــب القتــال الــذي بينكــم وأيــن مسكنكــم ومــا اســم هــذا الــوادي وهــذه
الأراضــي فقــال لــه الفــارس نحــن مسكننــا الــأرض البيضــاء وفــي كــل عــام يأمرنـــا اللـــه تعالـــى أن نأتـــي
إلــى هــذه الــأرض ونغــزو الجــان الكافريــن. فقــال لــه بلوقيــا: وأيــن الــأرض البيضــاء فقـــال لـــه الفـــارس:
خلـف جبـل قـاف بمسيـرة خمســة وسبعيــن سنــة وهــذا الــأرض يقــال لهــا: أرض شــاد بــن عــاد ونحــن
أتينــا إليهــا لنغزوهــا ومــا لنــا شغــل ســوى التسبيــح والتقديــس ولنــا ملــك يقــال لـــه: الملـــك صخـــر ومـــا
يمكن إلا أن تروح معنا إليه حتى ينظرك ويتفرج عليك.
ثــم إنهــم ســاروا وبلوقيــا معهــم حتــى أتـــوا منزلهـــم فنظـــر بلوقيـــا خيامـــاً مـــن الحريـــر الأخضـــر لا يعلـــم
عددهــا إلا اللــه تعالــى ورأى بينهـــا خيمـــة منصوبـــة مـــن الحريـــر الأحمـــر واتساعهـــا مقـــدار ألـــف ذراع
وأطنابهـا مـن الحريــر الــأزرق وأوتادهــا مــن الذهــب والفضــة فتعجــب بلوقيــا مــن تلــك الخيمــة ثــم إنهــم
سـاروا بـي حتـى أقبلـوا علـى الخيمـة فــإذا هــي خيمــة الملــك صخــر. ثــم دخلــوا بــه حتــى أتــوا قــدام
الملــك صخــر فنظــر بلوقيــا إلـــى الملـــك فـــرآه جالســـاً علـــى تخـــت عظيـــم مـــن الذهـــب الأحمـــر مرصـــع
بالــدر والجواهــر وعلــى يمينــه ملــوك الجــان وعلــى يســاره الحكمــاء والأمــراء وأربـــاب الدولـــة وغيرهـــم
فلمــا رآه الملــك صخــر أمــر أن يدخلــوا بــه عنــده فدخلــوا بــه عنـــد الملـــك فتقـــدم بلوقيـــا وسلـــم عليـــه
وقبــل الــأرض بيــن يديــه فــرد عليــه السلــام الملــك صخــر ثــم قــال لــه: ادن منــي أيهــا الرجـــل فدنـــا منـــه
===
بلوقيــا حتــى صــار بيــن يديــه فعنــد ذلــك أمــر الملــك صخــر أن ينصبــوا لــه كرسيــاً بجانبــه فنصبـــوا لـــه
كرسياً بجانب الملك ثم أمره الملك صخر أن يجلس على ذلك الكرسي فجلس بلوقيا عليه.
ثـــم إن الملـــك صخـــر ســـأل بلوقيـــا وقـــال لـــه: أي شـــيء أنـــت فقـــال لـــه: أنـــا مــــن بنــــي آدم مــــن بنــــي
إسرائيـل فقـال لــه الملــك صخــر: احــك لــي حكايتــك وأخبرنــي بمــا جــرى لــك وكيــف أتيــت إلــى هــذه
الــأرض فحكــى لــه بلوقيــا جميــع مــا جــرى لـــه فـــي سياحتـــه مـــن الـــأول إلـــى ا لآخـــر فتعجـــب الملـــك
صخر من كلامه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيــا لمــا أخبــر الملــك صخــر بجميــع مــا جــرى لــه فــي سياحتــه
مــن الــأول إلــى الآخــر تعجــب مــن ذلــك ثــم أمــر الفراشيــن أن يأتــوا بسمــاط فأتــوه بــه ومـــدوه ثـــم إنهـــم
أتــوا بصوانــي مــن الذهــب الأحمــر وصوانــي مــن الفضــة وصوانــي مـــن النحـــاس وبعـــض الصوانـــي فيهـــا
خمسـون جمــلاً مسلوقــة وبعضهــا فيهــا عشــرون جمــلاً وبعضهــا فيهــا خمســون رأســاً مــن الغنــم وعــدد
الصوانـي ألــف وخمسمائــة صينيــة. فلمــا رأى بلوقيــا ذلــك تعجــب غايــة العجــب ثــم إنهــم أكلــوا وأكــل
===
بلوقيــا معهــم حتــى اكتفــى وحمــد اللــه تعالــى وبعــد ذلــك رفعــوا الطعــام وأتــوا بفواكــه فأكلــوا ثـــم بعـــد
ذلــك سبحــوا اللــه وصلـــوا علـــى نبيـــه محمـــد صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم فلمـــا سمـــع بلوقيـــا ذكـــر محمـــد
تعجــب وقـــال للملـــك صخـــر: أريـــد أن أسألـــك بعـــض مسائـــل فقـــال لـــه الملـــك صخـــر: ســـل ماتريـــد
فقــال لــه بلوقيــا: يــا ملــك أي شــيء أنتــم ومــن أيــن أصلكــم ومــن أيــن تعرفــون محمــداً صلــى اللـــه عليـــه
وسلــم حتــى تصلــون عليــه وتحبونــه فقــال لــه الملــك صخــر: يــا بلوقيــا إن اللــه تعالــى خلــق النــار سبــع
طبقــات بعضهــا فــوق بعــض وبيـــن كـــل طبقـــة مسيـــرة ألـــف عـــام وجعـــل اســـم الطبقـــة الأولـــى جهنـــم
وأعدهــا لعصــاة المؤمنيــن الذيـــن يموتـــون مـــن غيـــر توبـــة واســـم الطبقـــة الثانيـــة لظـــى وأعدهـــا للكفـــار
واسـم الطبقــة الثالثــة الجحيــم وأعدهــا ليأجــوج ومأجــوج واســم الرابعــة السعيــر وأعدهــا لقــوم إبليــس
واســم الخامســة سقــر وأعدهــا لتــارك الصلـــاة واســـم السادســـة الحطمـــة وأعدهـــا لليهـــود والنصـــارى
واسم السابعة الهاوية وأعدها للمنافقين.
فهـــذه السبـــع طبقـــات فقـــال لـــه بلوقيـــا: لعــــل جهنــــم أهــــون عذابــــاً مــــن الجميــــع لأ هــــا هــــي الطبقــــة
الفوقانيـة قـال الملـك صخـر: نعـم هــي أهــون الجميــع عذابــاً ومــع ذلــك فيهــا ألــف جبــل مــن النــار وفــي
كــل جبــل سبعــون ألــف واد مــن النــار وفــي كــل واد سبعــون ألــف مدينــة مــن النـــار وفـــي كـــل مدينـــة
سبعـون ألـف قلعـة مـن النـار وفـي كـل قلعـة سبعـون ألـف بيـت مـن النـار وفـي كــل بيــت سبعــون ألــف
===
تخـت مـن ال نـار وفـي كـل تخـت سبعـون ألـف نـوع مـن العــذاب ومــا فــي جميــع طبقــات النــار يــا بلوقيــا
أهــون عذابــاً مــن عذابهــا لأنهــا هــي الطبقــة الأولــى وأمـــا الباقـــي فـــلا يعلـــم عـــدد مـــا فيهـــا مـــن أنـــواع
العــذاب إلا اللــه تعالــى فلمــا سمــع بلوقيــا هــذا الكلــام مــن الملــك صخــر وقــع مغشيــاً عليــه فلمـــا أفـــاق
مـــن غشيتـــه بكـــى وقـــال: يـــا ملـــك كيـــف يكـــون حالنـــا فقـــال لـــه الملـــك صخـــر: يـــا بلوقيـــا لا تخــــف
والعـم أن مـن كـان يحـب محمـد لـم تحرقـه النــار وهــو معتــوق لأجــل محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم وكــل
مـــن كـــان علـــى ملتـــه تهـــرب منـــه النـــار وأمـــا نحـــن فخلقنـــا اللـــه تعالـــى مـــن النـــار وأول مـــا خلـــق اللـــه
المخلوقـات فـي جهنـم خلـق شخصيـن مـن جنــوده أحدهمــا اسمــه خليــت والآخــر اسمــه مليــت وجعــل
خليت على صورة أسد ومليت على صورة ذئب.
وكــان ذنــب مليــت علــى صــورة لأنثــى ولونهــا أبلــق وذنــب خليــت علــى صــورة ذكــر وهـــو فـــي هيئـــة
حيــة وذنــب مليــت فــي هيئــة سلحفــاة وطــول ذنــب خليــت مسيــرة عشريــن سنــة ثــم أمــر اللــه تعالــى
ذنبيهمـــا أن يجتمعـــا مـــع بعضيهمـــا ويتناكحـــا فتوالـــد منهمـــا حيـــات وعقـــارب ومسكنهمــــا فــــي النــــار
ليعذب الله بها من يدخلها.
ثـم إن تلـك الحيــات والعقــارب تناسلــوا وتكاثــروا ثــم بعــد ذلــك أمــر اللــه تعالــى ذنبــي خليــت ومليــت
أن يجتمعــــا ويتناكحــــا ثانــــي مــــرة فاجتمعــــا وتناكحــــا فحمــــل ذنــــب مليــــت مــــن ذنــــب خليــــت فلمـــــا
===
وضعـــت ولـــدت سبعـــة ذكـــور وسبـــع إنـــاث فتربـــوا حتـــى كبـــروا فلمـــا كبـــروا تـــزوج الإنـــاث بالذكـــور
وأطاعــوا والدهــم إلا واحــداً منهـــم عصـــى والـــده فصـــار دودة وتلـــك الـــدودة هـــي إبليـــس لعنـــه اللـــه
تعالــى وكــان مــن المقربيــن فإنــه عبــد اللــه تعالــى حتــى ارتفــع إلــى السمــاء وتقــرب مــن الرحمــن وصـــار
رئيس المقربين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك قــال لــه: إن إبليــس كــان عبــد اللــه تعالـــى وصـــار رئيـــس
المقربيــن ولمــا خلــق اللــه تعالــى آدم عليــه السلــام أمــر إبليــس بالسجــود لــه فامتنــع مــن ذلــك فطــرده اللـــه
تعالى ولعنه فلما تناسل جاء ت منه الشياطين.
وأمــا الستــة ذكــور الذيــن قبلهــم فهــم الجــان المؤمنــون ونحــن مــن نسلهــم وهــذا أصلنــا يــا بلوقيــا فتجــب
بلوقيـا مـن كلــام الملــك صخــر ثــم إنــه قــال: يــا ملــك أريــد منــك أن تأمــر واحــداً مــن أعوانــك ليوصلنــي
إلـى بلـادي فقـال لــه الملــك صخــر: مــا نقــدر أن نفعــل شيئــاً مــن ذلــك إلا إذا أمرنــا اللــه تعالــى ولكــن يــا
بلوقيــا إن شئـــت الذهـــاب مـــن عندنـــا فإنـــي أحضـــر لـــك فرســـاً مـــن خيلـــي وأركبـــك علـــى ظهرهـــا
وآمرهـا أن تسيــر بــك إلــى آخــر حكمــي فــإذا وصلــت إلــى آخــر حكمــي يلاقيــك جماعــة ملــك اسمــه
===
براخيــا فينظــرون الفــرس فيعرفونهــا وينزلونــك مــن فوقهـــا ويرسلونهـــا إلينـــا وهـــذا الـــذي نقـــدر عليـــه لا
غير.
فلمـا سمـع بلوقيـا هـذا الكلــام بكــى وقــال للملــك: افعــل مــا تريــد فأمــر الملــك أن يأتــوا لــه بالفــرس فأتــوا
لــه بالفــرس وأركبــوه علــى ظهرهــا وقالــوا لــه: احــذر أن تنــزل مــن فــوق ظهرهـــا أو تضربهـــا أو تصيـــح
فـي وجههـا فـإن فعلـت ذلـك أهلكتـك بـل استمـر راكبـاً عليهـا مـع السكـون حتـى تقــف بــك فانــزل عــن
ظهرهـا ورح إلـى حـال سبيلــك فقــال لهــم بلوقيــا: سمعــاً وطاعــة ثــم ركــب الفــرس وســار فــي الخيــام
مدة طويلة ولم يمـر فـي سيـره إلا علـى مطبـخ الملـك صخـر فنظـر بلوقيـا إلـى قـدور معلقـة فـي كـل قـدر
خمســون جمــلاً والنــار تلتهــب مــن تحتهــا فلمــا رأى بلوقيــا تلــك القــدور وكبرهـــا تأملهـــا وتعجـــب منهـــا
وأكثـر التعجـب والتأمـل فيهـا فنظـر إليـه الملـك فـرآه متعجبـاً مـن المطبـخ فظـن الملــك فــي نفســه أنــه جائــع
فأمـر أن يجيئــوا لــه بجمليــن مشوييــن وربطوهمــا خلفــه علــى ظهــر الفــرس ثــم إنــه ودعهــم وســار حتــى
وصـل إلـى آخـر حكـم الملـك صخـر فوقفـت الفــرس فنــزل عنهــا بلوقيــا ينفــض تــراب السفــر مــن ثيابــه.
وإذا برجــال أتــوا إليــه ونظــروا الفــرس فعرفوهــا فأخذوهــا وســاروا وبلوقيـــا معهـــم حتـــى وصلـــوا إلـــى
الملـك براخيـا فلمـا دخـل بلوقيـا علـى الملـك براخيـا سلـم عليـه فـرد عليـه السلـام ثــم إن بلوقيــا نظــر إلــى
الملـك فـرآه جالسـاً فـي صيـوان عظيـم وحولـه عساكـر وأبطــال وملــوك الجــان علــى يمينــه وشمالــه ثــم إن
===
الملـك أمـر بلوقيـا أن يدنــو منــه فتقــدم بلوقيــا إليــه فأجلســه الملــك بجانبــه وأمــر أن يأتــوا بالسمــاط فنظــر
بلوقيـا إلـى حــال الملــك براخيــا فــرآه مثــل حــال الملــك صخــر ولمــا حضــرت الأطعمــة أكلــوا وأكــل بلوقيــا
حتــى اكتفــى وحمــد اللــه تعالــى ثــم إنهــم رفعــوا الأطعمـــة وأتـــوا بالفاكهـــة فأكلـــوا ثـــم إن الملـــك براخيـــا
ســـأل بلوقيـــا وقـــال لـــه: متـــى فارقـــت الملـــك صخـــر فقـــال لـــه: مـــن مـــدة يوميـــن فقـــال الملـــك براخيــــا
لبلوقيا: أتدري مسافة كم يوم سافرت في هذين اليومين قال: لا قال: مسيرة سبعين شهراً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة الثمانين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن الملـــك براخيـــا قـــال لبلوقيـــا: إنـــك سافـــرت فـــي هذيـــن اليوميـــن
مسيــرة سبعيــن شهــراً ولكنــك لمــا ركبــت الفــرس فزعـــت منـــك وعلمـــت منـــك أنـــك ابـــن آدم وأرادت
أن ترميـــك عـــن ظهرهـــا فأثقلوهـــا بهذيـــن الجمليـــن فلمـــا سمـــع بلوقيـــا هـــذا الكلـــام مـــن الملــــك براخيــــا
تعجــب وحمــد اللــه تعالــى علــى السلامــة ثــم إن الملـــك براخيـــا قـــال لبلوقيـــا: أخبرنـــي بمـــا جـــرى لـــك
وكيــف أتيــت إلــى هــذه البلــاد فحكــى لــه بلوقيــا جميــع مــا جـــرى لـــه وكيـــف ســـاح وأتـــى إلـــى هـــذه
البلاد فلما سمع الملك كلامه تعجب منه ومكث عنده شهرين.
===
فلمـــا سمـــع حاســـب كلـــام ملكـــة الحيـــات تعجــــب غايــــة العجــــب ثــــم قــــال لهــــا: أريــــد مــــن فضلــــك
وإحسانـك أن تأمـري أحـداً مـن أعوانـك أن يخرجنــي إلــى وجــه الــأرض حتــى أروح إلــى أهلــي فقالــت
لـه ملكـة الحيـات: يـا حاسـب كريـم الديـن اعلـم أنــك متــى خرجــت إلــى وجــه الــأرض تــروح أهلــك ثــم
تدخــل الحمــام وتغتســل وبمجــرد مــا تفــرغ مــن غسلــك أمــوت أنـــا لـــأن ذلـــك يكـــون سببـــاً لموتـــي فقـــال
حاسـب: أنـا أحلـف لـك مـا أدخـل الحمـام طــول عمــري وإذا وجــب علــي الغســل أغتســل فــي بيتــي.
فقالـت لــه ملكــة الحيــات: لــو حلفــت لــي مائــة يميــن مــا أصدقــك أبــداً فــإن هــذا لا يكــون واعلــم أنــك
ابـن آدم مالـك عهـد فــإن أبــاك آدم قــد عاهــد اللــه ونقــض عهــده وكــان اللــه تعالــى خمــر طينتــه أربعيــن
صباحاً وأسجد له ملائكته وبعد ذلك الكلام نسي العهد ونسيه خالقه.
فلمـــا سمـــع حاســــب ذلــــك الكلــــام سكــــت وبكــــى ومكــــث يبكــــي مــــدة عشــــرة أيــــام ثــــم قــــال لهــــا
حاســب: أخبرينــي بالــذي جــرى لبلوقيــا بعــد قعــوده شهريــن عنــد الملــك براخيــا فقالــت لــه: اعلــم يــا
حاســب أن بلوقيــا بعــد قعــوده عنــد الملــك بارخــاي ودعـــه وســـار فـــي البـــراري ليـــلاً ونهـــاراً حتـــى
وصـل إلـى جبـل عـال فطلـع ذلـك الجبـل فـرأى فوقـه ملكـاً عظيمــاً جالســاً علــى ذلــك الجبــل وهــو يذكــر
اللـه تعالـى ويصلـي علـى محمـد وبيــن يــدي ذلــك الملــك لــوح مكتــوب فيــه شــيء أبيــض وشــيء أســود
وهـو ينظـر فـي اللـوح ولـه جناحـان أحدهمـا ممـدود بالمشـرق والآخـر ممـدود بالمغـرب فأقبـل عليــه بلوقيــا
===
وسلــم عليــه فــرد عليــه السلــام ثــم إن الملــك ســأل بلوقيــا وقــال لــه: مـــن أنـــت ومـــن أيـــن أتيـــت وغلـــى
أين رائح وما اسمك.
فقـال بلوقيـا: أنـا مـن بنـي آدم مـن قـوم بنـي إسرائيـل وأنـا سائـح فـي حـب محمـد صلـى اللـه عليــه وسلــم
واسمـي بلوقيـا فقـال الملـك: مـا الـذي جـرى لـك فـي مجيئـك إلــى هــذه الــأرض فحكــى لــه بلوقيــا جميــع
ما جرى له وما رأى في سياحته.
فلمــا سمــع الملــك مــن بلوقيــا ذلــك الكلــام تعجــب منــه ثــم إن بلوقيــا ســأل الملـــك وقـــال: أخبرنـــي أنـــت
الآخـــر بهـــذا اللـــوح وأي شـــيء مكتـــوب فيـــه ومـــا هـــذا الأمـــر الـــذي فيـــه ومـــا اسمـــك فقـــال لـــه: أنـــا
اسمي ميخائيل وأنا موكل بتصريف الليل والنهار وهذا شغلي إلى يوم القيامة.
فلمـا سمـع بلوقيــا ذلــك الكلــام تعجــب منــه ومــن صــورة ذلــك الملــك ومــن هيبتــه وعظــم خلقتــه ثــم إن
بلوقيـا ودع ذلـك الملـك وسـار ليـلاً وهـاراً حتـى وصـل إلـى مـرج عظيـم فتمشـى فـي ذلــك المــرج فــرأى
فيـه سبعـة أنهـر ورأى أشجـاراً كثيـرة فتعجـب بلوقيـا مـن ذلـك المـرج العظيـم وســار فــي جوانبــه فــرأى
فيـه شجـرة عظيمـة وتحـت تلــك الشجــرة أربعــة ملائكــة فتقــدم إليهــم بلوقيــا ونظــر إلــى خلقتهــم فــرأى
واحــداً منهــم صورتــه صــورة بنــي آدم والثانــي صورتــه صــورة وحــش والثالــث صورتــه صــورة طيــر
والرابـع صورتـه صـورة ثـور وهـم مشغولـون بذكـر اللــه تعالــى ويقــول كــل منهــم: إلهــي وسيــدي ومولــاي
===
بحقـك وبجـاه نبيـك محمـد صلـى اللـه عليـه وسلــم أن تغفــر لكــل مخلــوق خلقتــه علــى صورتــي وتسامحــه
إنك على كل شيء قدير.
فلمــا سمــع بلوقيــا منهــم ذلــك الكلــام تعجــب وســار مــن عندهــم ليــلاً ونهــاراً حتــى وصــل إلــى جبـــل
قــاف فطلــع فوقــه فــرأى هنــاك ملكــاً عظيمــاً وهــو جالــس يسبــح اللــه تعالـــى ويقدســـه ويصلـــي علـــى
محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم ورأى ذلـك الملـك فـي قبـض وبسـط أو طـي ونشـر فبينمــا هــو فــي هــذا
الأمــر إذ أقبــل عليــه بلوقيــا وسلــم عليــه فــرد الملــك عليــه السلــام وقــال لـــه: أي شـــيء أنـــت ومـــن أيـــن
أتيــت وإلــى أيــن رائــح ومــا اسمــك فقـــال بلوقيـــا: أنـــا مـــن بنـــي إسرائيـــل مـــن بنـــي آدم واسمـــي بلوقيـــا
وأنــا سائــح فلــي حــب محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم ولكــن تهــت فــي طريقــي وحكــى لـــه جميـــع مـــا
جرى.
فلمـــا فـــرغ بلوقيـــا مـــن حكايتـــه ســـأل الملـــك وقـــال لـــه: مـــن أنـــت ومـــا هـــذا الجبـــل ومـــا هـــذا الشغـــل
الــذي أنــت فيــه فقــال لــه: اعلــم يــا بلوقيــا أن هــذا جبــل قــاف المحيــط بالدنيـــا وكـــل أرض خلقهـــا اللـــه
فـي الدنيـا فقبضتهـا فـي يـدي فـإذا أراد اللـه تعالـى بتلـك الـأرض شيئـاً مـن زلزلــة أو قحــط أو خصــب
أو قتــال أو صلــح أمرنــي أن أفعلــه فأفعــل وأنــا فــي مكانـــي وأعلـــم أن يـــدي قابضـــة بعـــروق الـــأرض.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك قــال لبلوقيــا: واعلــم أن يــدي قابضــة بعــروق الــأرض فقــال
بلوقيـا للملـك: هـل خلـق اللـه فـي جبـل قـاف أرضـاً غيـر هـذه الـأرض التـي أنـت فيهــا قــال الملــك: نعــم
خلــق اللــه ارضـــاً بيضـــاء مثـــل الفضـــة ومـــا يعلـــم قـــدر اتساعهـــا إلا اللـــه سبحانـــه وتعالـــى وأسكنهـــا
ملائكــة أكلهــم وشربهــم التسبيــح والتقديــس والإكثــار مــن الصلــاة علــى محمــد صلــى اللــه عليــه وسلـــم
وفـي كـل ليلـة جمعـة يأتـون إلـى هـذا الجبـل ويجتمعـون ويدعـون اللـه تعالـى طـول الليـل إلـى وقـت الصبـاح
ويهــدون ثــواب ذلــك التسبيــح والتقديــس والعبــادات للمذنبيــن مــن أمــة محمــد صلــى اللـــه عليـــه وسلـــم
ولكن من اغتسل غسل الجمعة وهذا حالهم إلى يوم القيامة.
ثـم إن بلوقيـا ســأل الملــك وقــال لــه: هــل خلــق اللــه جبــالاً خلــف جبــل قــاف فقــال الملــك: نعــم خلــف
جبـل قـاف قـدره مسيـرة خمسمائـة عــام وهــو مــن الثلــج والبــرد وهــو الــذي منــع حــر جهنــم عــن الدنيــا
ولــولا ذلــك الجبــل لاحترقــت الدنيــا مــن حــر نــار جهنــم وخلــف جبــل قـــاف أربعـــون أرضـــاً فـــي كـــل
منهــا قــدر الدنيــا أربعــون مــرة منهــا مــا هــو مــن الذهــب ومنهــا مــا هــو مــن الفضــة ومنهـــا مـــا هـــو مـــن
الياقـوت ولكــل أرض مــن تلــك الأراضــي لــون وأسكــن اللــه فــي تلــك الأراضــي ملائكــة لا شغــل لهــم
ســوى التسبيــح والتقديــس والتهليــل والتكبيــر ويدعـــون اللـــه لأمـــة محمـــد صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم ولا
يعرفـــون حـــواء ولا آدم ولا ليـــلاً ولا نهــــاراً واعلــــم يــــا بلوقيــــا أن الــــأرض سبــــع طبــــاق بعضهــــا فــــوق
===
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك قــال لبلوقيـــا: واعلـــم يـــا بلوقيـــا أن الـــأرض سبـــع طبقـــات
بعضهــا فــوق بعــض وخلــق اللــه ملكــاً مــن الملائكــة لا يعلــم أوصافــه ولا قــدره إلا اللــه عــز وجـــل وهـــو
حامــل السبــع أراضــي علــى كاهلــه وخلـــق اللـــه تعالـــى تحـــت ذلـــك الملـــك صخـــرة وخلـــق اللـــه تعالـــى
تحــت تلــك الصخــرة نــوراً. وخلــق اللــه تعالــى تحــت ذلــك النــور حوتــاً وخلــق اللــه تعالـــى تحـــت ذلـــك
الحـوت بحـراً عظيمـاً وقـد أعلـم اللـه تعالـى عيسـى عليـه السلــام بذلــك الحــوت. فقــال لــه: يــارب أرنــي
ذلـك الحـوت حتـى أنظـر إليـه فأمـر اللـه تعالـى ملكـاً مـن الملائكـة أن يأخـذ عيسـى ويـروح بـه إلــى الحــوت
حتـى ينظــره. فأتــى ذلــك الملــك إلــى عيســى عليــه السلــام وأخــذه وأتــى بــه البحــر الــذي فيــه الحــوت
وقـال لـه: انظـر يـا عيسـى إلـى الحـوت فنظـر عيسـى إلـى الحـوت فلـم يـره فمـر الحـوت علـى عيســى مثــل
البرق.
فلمــا رأى ذلــك عيســى وقــع مغشيــاً عليــه فلمــا أفــاق أوحــى اللــه إليــه وقــال: يــا عيســـى هـــل رأيـــت
الحــوت وهــل علمــت طولـــه وعرضـــه فقـــال عيســـى: وعزتـــك وجلالـــك يـــا رب مـــا رأيتـــه ولكـــن مـــر
علـى ثـور عظيـم قـدره مسافــة ثلاثــة أيــام ولــم أعــرف مــا شــأن ذلــك الثــور فقــال اللــه لــه: يــا عيســى
===
ذلـك الـذي مـر عليـك وقـدره ثلاثـة أيـام إنمـا هـو رأس الثـور. واعلـم يـا عيسـى أننـي فـي كـل يـوم أخلــق
أربعين حوتاً مثل ذلك الحوت.
فلمــا سمــع ذلــك الكلــام تعجــب مــن قــدرة اللــه تعالــى ثــم إن بلوقيــا ســأل الملـــك وقـــال لـــه: أي شـــيء
خلـق اللـه تحـت البحـر الــذي فيــه الحــوت فقــال لــه الملــك: خلــق اللــه تحــت البحــر هــواء عظيمــاً وخلــق
اللــه تحــت الهــواء نــاراً وخلــق تحــت النــار حيــة عظيمــة اسمهــا فلــق ولــولا خــوف تلــك الحيــة مـــن اللـــه
تعالـــى لابتلعـــت جميـــع مـــا فوقهـــا مـــن الهـــواء والنـــار والملـــك ومــــا حملــــه ولــــم تحــــس بذلــــك. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الملـك قـال لبلوقيــا فــي وصــف الحيــة ولــولا خوفهــا مــن اللــه تعالــى
لابتلعــت جميــع مــا فوقهــا مــن الهــواء والنــار والملــك ومــا حملــه ولــم تحــس بذلــك ولمــا خلــق اللــه تعالــى
الحيــة أوحــى إليهــا: إنــي أريــد منــك أن أودع عنـــدك أمانـــة فاحفظيهـــا فقالـــت الحيـــة: افعـــل مـــا تريـــد
فقــال اللــه تعالــى لتلــك الحيــة: افتحــي فــاك ففتحــت فاهــا فأدخــل اللــه جهنــم فــي بطنهــا وقـــال لهـــا:
احفظــي جهنــم إلــى يــوم القيامــة فـــإذا جـــاء يـــوم القيامـــة يأمـــر اللـــه ملائكتـــه أن يأتـــوا ومعهـــم سلاســـل
===
يقــودون بهــا جهنــم إلــى المحشــر ويأمــر اللــه تعالــى جهنــم أن تفتــح أبوابهـــا فتفتحهـــا ويطيـــر منهـــا شـــرر
كبار أكبر من الجبال فلما سمع بلوقيا ذلك الكلام من ذلك الملك بكى بكاء شديداً.
ثـم إنـه ودع الملــك وســار إلــى ناحيــة الغــرب حتــى أقبــل علــى شخصيــن فرآهمــا جالسيــن وعندهمــا
بــاب عظيــم مقفــول فلمــا قــرب منهمــا رأى أحدهمـــا صورتـــه صـــورة أســـد والآخـــر صورتـــه صـــورة
ثــور فسلــم عليهمــا بلوقيــا فــردا عليــه السلــام ثــم إنهمــا قــالا لــه: أي شــيء أنــت ومــن أيــن أتيــت وإلــى
أيــن رائــح فقــال لهمــا بلوقيــا: أنــا مــن بنــي آدم وأنـــا سائـــح فـــي حـــب محمـــد صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم
ولكــن تهــت عــن طريقــي ثــم إن بلوقيــا سألهمــا وقــال لهمـــا: أي شـــيء أنتمـــا ومـــا هـــذا البـــاب الـــذي
عندكمــا فقــالا لـــه: نحـــن حـــراس هـــذا البـــاب. الـــذي تـــراه ومالنـــا شغـــل ســـوى التسبيـــح والتقديـــس
والصلــاة علــى محمــد صلــى اللــه عليــه وسلــم. فلمــا سمــع بلوقيــا هــذا الكلــام تعجــب وقــال لهمــا: أي
شـيء داخـل هـذا البــاب فقــالا: لا نــدري فقــال لهمــا: بحــق ربكمــا الجليــل أن تفتحــا لــي هــذا البــاب
حتــى أنظــر شيئــاً داخلــه فقــالا لــه: مــا نقــدر أن نفتــح هــذا البـــاب ولا يقـــدر علـــى فتحـــه أحـــد مـــن
المخلوقيـن إلا الأميـن جبريـل عليــه السلــام فلمــا سمــع بلوقيــا ذلــك تضــرع إلــى اللــه تعالــى وقــال: يــا رب
ائتنــي بالأميــن جبريــل ليفتــح لــي هــذا البــاب حتــى أنظــر مــا داخلــه فاستجــاب اللــه أمــر دعائـــه وأمـــر
الأميــن جبريــل أن ينــزل إلــى الــأرض ويفتــح بــاب مجمــع البحريــن حتـــى ينظـــر بلوقيـــا فنـــزل جبريـــل إلـــى
===
بلوقيـا وسلـم عليـه وأتـى إلــى ذلــك البــاب وفتحــه ثــم إن جبريــل قــال لبلوقيــا: ادخــل إلــى هــذا البــاب
فـإن اللـه أمرنــي أن أفتحــه لــك فدخــل بلوقيــا وســار فيــه ثــم إن جبريــل قفــل البــاب. وأدرك شهــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيــا لمــا دخــل قفـــل جبريـــل البـــاب وارتفـــع إلـــى السمـــاء ورأى
بلوقيـا داخـل البـاب بحـراً عظيمــاً نصفــه مالــح ونصفــه حلــو وحــول ذلــك البحــر جبلــان وهــذان الجبلــان
مــن الياقــوت الأحمــر وســار بلوقيـــا حتـــى أقبـــل علـــى هذيـــن الجبليـــن فـــرأى فيهمـــا ملائكـــة مشغوليـــن
بالتسبيــح والتقديــس فلمــا رآهــم بلوقيــا سلــم عليهــم فـــردوا عليـــه السلـــام فسألهـــم عـــن البحـــر وعـــن
هذيـن الجبليـن فقـال لـه الملائكـة: إن هـذا مكـان تحـت العـرش وإن هــذا البحــر يمــد كــل بحــر فــي الدنيــا
ونحــن نقســم هــذا المــاء ونسوقــه إلــى الأراضــي المالـــح للـــأرض المالحـــة والحلـــو للـــأرض الحلـــوة وهـــذان
الجبلان خلقهما الله ليحفظا هذا الماء وهذا أمرنا إلى يوم القيامة.
ثــم إنهــم سألــوه وقالـــوا لـــه: مـــن أيـــن أقبلـــت وإلـــى أيـــن رائـــح فحكـــى لهـــم بلوقيـــا حكايتـــه مـــن الـــأول
إلـى الآخـر ثـم إن بلوقيـا سألهـم عـن الطريــق فقالــوا لــه: اطلــع هنــا علــى ظهــر هــذا البحــر ليــلاً ونهــاراً
===
فبينمــا هــو سائــر وإذا هــو بشــاب مليــح سائــر علــى ظهــر البحــر فأتــى إليــه وسلـــم عليـــه فـــرد عليـــه
السلــام ثــم إن بلوقيــا لمــا فــارق الشــاب رأى أربعــة ملائكــة سائريــن علــى وجــه البحــر وسيرهـــم مثـــل
البـرق الخاطــف فتدقــم بلوقيــا ووقــف فــي طريقهــم فلمــا وصلــوا إليــه سلــم عليهــم بلوقيــا وقــال لهــم:
أريـــد أن أسألكـــم بحـــق العزيـــز الجليـــل مـــا اسمكـــم ومـــن أيـــن أنتـــم وإلــــى أيــــن تذهبــــون فقــــال واحــــد
منهـــم: أنـــا اسمـــي جبريـــل والثانـــي اسمـــه إسرافيـــل والثالـــث اسمــــه ميكائيــــل والرابــــع اسمــــه عزرائيــــل
وقــد ظهــر فــي المشــرق ثعبــان عظيــم وذلــك الثعبــان خــرب ألــف مدينــة وأكــل أهلهــا وقــد أمرنـــا اللـــه
تعالـى أن نـروح إليـه ونمسكـه ونرميـه فـي جهنـم فتعجـب منهـم بلوقيـا ومـن عظمهـم وسـار علـى عادتــه
ليــلاً ونهـــاراً حتـــى وصـــل إلـــى جزيـــرة فطلـــع عليهـــا وتمشـــى فيهـــا ساعـــة. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثمانيني بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن بلوقيــا طلــع إلــى الجزيــرة وتمشــى فيهــا ساعــة فــرأى شابــاً مليحــاً
والنـور يلـوح مـن وجهــه فلمــا قــرب منــه بلوقيــا رآه جالســاً بيــن قبريــن مبنييــن وهــو ينــوح ويبكــي فأتــى
إليـــه بلوقيـــا وسلـــم عليـــه فـــرد عليـــه السلـــام ثـــم إن بلوقيــــا ســــأل الشــــاب وقــــال لــــه: ماشأنــــك ومــــا
===
اسمـــك ومـــا هـــذان القبـــران المبنيـــان اللـــذان أنـــت جالـــس بينهمـــا ومـــا هـــذا البكـــاء الـــذي أنـــت فيـــه
فالتفــت الشــاب إلــى بلوقيــا وبكــى بكــاء شديــد حتــى بــل ثيابــه مــن دموعــه وقــال لبلوقيــا: اعلـــم يـــا
أخـي أن حكايتـي عجيبـة وقصتـي غريبــة وأحــب أن تجلــس عنــدي حتــى تحكــي لــي مــا رأيــت فــي
عمــرك ومـــا سبـــب مجيئـــك إلـــى هـــذا المكـــان ومـــا اسمـــك وإلـــى أيـــن رائـــح واحكـــي لـــك أنـــا الآخـــر
بحكايتــي فجلــس بلوقيــا عنــد الشــاب وأخبــره بجميــع مــا وقــع لــه فــي سياحتــه مــن الــأول إلــى الآخـــر
وأخبـــره كيـــف مـــات والـــده وخلفـــه وكيـــف فتـــح الخلـــوة ورأى فيهـــا الصنـــدوق وكيـــف رأى الكتــــاب
الـذي فيـه صفـة محمـد صلـى اللـه عليــه وسلــم وكيــف تعلــق قلبــه بــه وطلــع سائحــاً فــي حبــه وأخبــره
بجميـع مـا وقـع لـه إلـى أن وصـل إليـه ثـم قـال لـه: وهــذه حكايتــي بتمامهــا واللــه أعلــم ومــا أدري بالــذي
يجــري علــي بعــد ذلــك فلمــا سمــع الشــاب كلامــه تنهــد وقـــال لـــه: يـــا مسكيـــن أي شـــيء رأيـــت فـــي
عمــــرك اعلــــم يــــا بلوقيــــا أننــــي رأيــــت السيــــد سليمــــان زمانــــه ورأيـــــت شيئـــــاً لا يعـــــد ولا يحصـــــى
وحكايتـــي عجيبـــت وقصتـــي غريبـــة وأريـــد منـــك أن تقعــــد عنــــدي حتــــى أحكــــي لــــك حكايتــــي
وأخبرك بسبب قعودي هنا.
فلمــا سمــع حاســب هــذا الكلــام مــن الحيــة تعجــب وقــال: يــا ملكــة الحيــات باللـــه عليـــك أن تعتقينـــي
وتأمــري أحــد خدمــك أن يخرجنــي إلــى وجــه الــأرض واحلــف لــك يمينــاً أننــي لا أدخــل الحمــام طــول
===
عمــري فقالــت: إن هــذا الأمــر لا يكــون ولا أصدقــك فــي يمينــك فلمــا سمــع منهـــا ذلـــك الكلـــام بكـــى
وبكـــت الحيـــات جميعـــأً لأجلـــه وصـــارت تتشفـــع لـــه عنـــد الملكـــة وتقـــول لهـــا: نريـــد منـــك أن تأمـــري
إحدانـــا أن يخرجنـــه إلـــى وجـــه الـــأرض ويحلـــف لـــك يمينـــاً أنـــه لا يدخـــل الحمـــام طـــول عمـــره وكانـــت
ملكــة الحيــات اسمهــا يمليخــا فلمــا سمعــت يلميخــا منهــن ذلـــك الكلـــام أقبلـــت علـــى حاســـب وحلفتـــه
فحلف لها ثم أمرت حية أن تخرجه إلى وجه الأرض فأتته وأرادت أن تخرجه.
فلمــا أتــت تلــك الحيــة لتخرجــه قــال لملكــة الحيــات: أريــد منــك أن تحكــي لــي حكايـــة الشـــاب الـــذي
قعــد عنــده بلوقيــا ورآه جالســاً بيــن القبريــن فقالــت: اعلــم يــا حاســب أن بلوقيــا جلــس عنــد الشــاب
وحكـى لـه حكايتـه مـن أولهــا إلــى آخرهــا لأجــل أن يحكــي لــه الآخــر قصتــه ويخبــره بمــا جــرى لــه فــي
عمره ويعرفه بسبب قعوده بين القبرين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بلوقيــا لمــا حكــى للشــاب حكايتــه قــال لــه الشـــاب: وأي شـــيء
رأيـــت مـــن العجائـــب يـــا مسكيـــن أنـــا رأيـــت السيـــد سليمـــان فـــي زمانــــه ورأيــــت عجائــــب لا تعــــد
ولاتحصـى واعلـم يـا أخـي أن أبـي كــان يقــال لــه: الملــك طيغمــوس وكــان يحكــم علــى بلــاد كابــل وعلــى
===
بنـي شهلـان وهـم عشـرة آلـاف بهلـوان كـل بهلـوان منهـم يحكــم علــى مائــة مدينــة ومائــة قلعــة بأسوارهــا
وكـان يحكـم علـى سبعـة سلاطيـن ويحمــل لــه المــال مــن المشــرق إلــى المغــرب وكــان عــادلاً فــي حكمــه
وقـد أعطـاه اللـه تعالـى كـل هـذا ومـن عليـه بذلـك الملـك العظيـم ولـم يكـن لـه ولـد وكـان مـراده فـي عمـره
أن يرزقه الله ولداً ذكراً ليخلفه في ملكه بعد موته.
فاتفــق أنــه طلــب العلمــاء والمنجميــن والحكمــاء وأربــاب المعرفـــة والتقويـــم يومـــاً مـــن الأيـــام وقـــال لهـــم:
انظـروا طالعـي وهـل يرزقنـي اللـه فـي عمـري ولـداً ذكـراً فيخلفنـي فــي ملكــي ففتــح المنجمــون الكتــب
وحسبـوا طالعـه وناظــره مــن الكواكــب ثــم قالــوا لــه: اعلــم أيهــا الملــك أنــك تــرزق ولــداً ذكــراً ولا يكــون
ذلـك الولـد إلا مـن بنـت ملـك خراسـان. فلمـا سمـع طيغمـوس ذلــك منهــم فــرح فرحــاً شديــداً وأعطــى
المنجميـــن والحكمـــاء مـــالاً كثيـــراً لا يعـــد ولا يحصـــى وذهبـــوا إلـــى حـــال سبيلهـــم وكـــان عنــــد الملــــك
طيغمــوس وزيــراً كبيــراً وكــان بهلوانــاً عظيمــاً مقومــاً بألــف فــارس وكــان اسمــه عيــن زار فقـــال لـــه: يـــا
وزيــر أريــد مــن ك أن تتجهــز للسفــر إلــى بلــاد خراســان وتخطــب بنــت الملـــك بهـــروان ملـــك خراســـان
وحكــى الملــك طيغمــوس لوزيــره عيــن زار مــا أخبــره بــه المنجمــون فلمــا سمــع الوزيــر ذلــك الكلـــام مـــن
الملــك طيغمــوس ذهــب مــن وقتـــه وساعتـــه وتجهـــز للسفـــر. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن
الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الوزيــر عيــن زار قــام وتجهــز للسفــر ثــم بــرز إلــى خـــارج المدينـــة
بالعساكر والأبطال والجيوش. هذا ما كان من أمر الوزير.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر الملــك طيغمــوس فإنـــه جهـــز ألفـــاً وخمسمائـــة حمـــل مـــن الحريـــر والجواهـــر واللؤلـــؤ
واليواقيـت والذهـب والفضـة والمعـادن وجهـز شيئــاً كثيــراً مــن آلــة العــرش وحملهــا علــى الجمــال والبغــال
وسلمهـا إلـى وزيـره عيـن زار وكتـب لـه كتابـاً مضمونـه: أمـا بعـد فالسلـام علــى الملــك بهــروان اعلــم أننــا
قـد جمعنـا المنجميـن والحكمـاء وأربـاب التقاويــم فأخبرونــا أننــا نــرزق ولــداً ذكــراً ولا يكــون ذلــك الولــد
إلا مـن بنتــك. وهــا أنــا جهــزت لــك الوزيــر عيــن زار ومعــه أشيــاء كثيــرة مــن آلــة العــرس وإنــي أقمــت
وزيـري مقامـي فـي هـذه المسألـة ووكلتـه فـي قبــول العقــد وأريــد مــن فضلــك أن تقضــي للوزيــر حاجتــه
فإنهـا حاجتـي ولا تبـدي فـي ذلـك إهمـالاً ولا إمهـالاً. ومـا فعلتـه مـن الجميــل فهــو مقبــول منــك والحــذر
مـن المخالفـة فــي ذلــك واعلــم يــا ملــك بهــروان أن اللــه قــد مــن علــي بمملكــة كابــل وملكنــي علــى بنــي
شهلـان وأعطانـي ملكـاً عظيمــاً وإذا تزوجــت بنتــك أكــون أنــا وأنــت فــي الملــك شيئــاً واحــداً وأرســل
إليـك فـي كـل سنـة مـا يكفيــك مــن المــال. وهــذا قصــدي منــك ثــم إن الملــك طيغمــوس ختــم الكتــاب
وناولـه لوزيـره عيـن زار وأمـره بالسفـر إلـى بلــاد خراســان فسافــر الوزيــر حتــى وصــل إلــى قــرب مدينــة
الملك بهروان فأعلموه بقدوم وزير الملك طيغموس.
===
فلمــا سمــع الملــك بهــروان بذلـــك الكلـــام جهـــز أمـــراء دولتـــه للملاقـــاة وجهـــز معهـــم أكـــلاً وشربـــاً وغيـــر
ذلــك وأعطاهــم عليقــاً لأجــل الخيــل وأمرهــم بالمسيــر إلــى ملاقــاة الوزيــر عيــن زار. فحملـــوا الأحمـــال
وســاروا حتــى أقبلــوا علــى الوزيــر وحطــوا الأحمــال ونزلــت الجيـــوش والعساكـــر وسلـــم بعضهـــم علـــى
بعـض ومكثـوا فـي ذلـك المكـان مـدة عشـرة أيـام وهــم فــي أكــل وشــرب ثــم بعــد ذلــك ركبــوا وتوجهــوا
إلـى المدينـة وطلـع الملـك بهـروان إلـى مقابلــة وزيــر الملــك طيغمــوس وعانقــه وسلــم عليــه وأخــذه وتوجــه
بــه إلــى القلعــة ثــم إن الوزيــر قــدم الأحمـــال والتحـــف وجميـــع الأمـــوال للملـــك بهـــروان وأعطـــاه الكتـــاب
فأخــذه الملــك بهــروان وقــراه وعــرف مــا فيــه وفهــم معنــاه وفــرح فرحــاً شديــداً ورحــب بالوزيــر وقـــال
لـه: أشـر بمـا تريـد ولـو طلـب الملـك طيغمــوس روحــي لأعطيتــه إياهــا وذهــب الملــك بهــروان مــن وقتــه
وساعتـه إلـى بنتـه وأمهـا وأقاربهـا وأعلمهـم بذلـك الأمـر واستشارهـم فيـه فقالـوا لـه: افعـل مـا شئــت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك استشـــار البنـــت وأمهـــا وأقاربهـــا فقالـــوا لـــه: افعــــل مــــا
شئـت ثــم إن الملــك بهــروان رجــع إلــى الوزيــر عيــن زار وأعلمــه بقضــاء حاجتــه ومكــث الوزيــر عنــد
===
الملـك بهــروان مــدة شهريــن ثــم بعــد ذلــك قــال الوزيــر للملــك: إننــا نريــد أن تنعــم علينــا بمــا أتينــاك فيــه
ونـروح إلـى بلادنـا. فقـال الملـك للوزيـر: سمعـاً وطاعـة ثــم أمــر بإقامــة العــرس وتجهيــز الجهــاز ففعلــوا مــا
أمرهــم بــه وبعــد ذلــك أمــر بإحضــار وزرائــه وجميــع الأمــراء وأكابــر دولتـــه فحضـــروا جميعـــاً ثـــم أمـــر
بإحضـار الرهبـان والقسيـس فحضـروا وعقـدوا عقـد البنــت للملــك طيغمــوس وهيــأ الملــك بهــروان آلــة
السفـر وأعطـى بنتـه مــن الهدايــا والتحــف والمعــادن ومــا يكــل عنــه الوصــف وأمــر بفــرش أزقــة المدينــة
وزينها بأحسن زينة وسافر الوزير عين زار ببنت الملك بهروان إلى بلاده.
فلمـا وصـل الخبـر إلـى الملـك طيغمـوس أمــر بإقامــة الفــرح وزينــت المدينــة ثــم إن الملــك طيغمــوس دخــل
علــى بنــت الملــك بهــروان وأزال بكارتهــا فمــا مضــت عليــه أيــام قلائــل حتـــى علقـــت منـــه ولمـــا أتمـــت
شهرهـا وضعـت ذكـراً مثـل البـدر فـي ليلـة تمامـه فلمـا علــم الملــك طيغمــوس أن زوجتــه وضعــت ولــداً
ذكـراً مليحـاً فـرح فرحـاً شديـداً وطلـب الحكمـاء والمنجميــن وأربــاب التقاويــم وقــال لهــم: أريــد منكــم
أن تنظــروا طالــع هــذا المولــود وناظــره مــن الكواكــب وتخبرونــي بمــا يلقــاه فــي عمـــره فحســـب الحكمـــاء
والمنجمــون طالعــه وناظــره فــرأوا الولــد سعيـــداً ولكنـــه يحصـــل لـــه فـــي أول عمـــره تعـــب وذلـــك عنـــد
بلوغـه خمــس عشــرة سنــة فــإن عــاش بعدهــا رأى خيــراً كثيــراً وصــار ملكــاً عظيمــاً أعظــم مــن أبيــه
وعظم سعده وهلك ضده وعاش عيشاً هنيئاً وإن مات فلا سبيل إلى ما فات والله أعلم.
===
فلمــا سمــع الملــك ذلــك الخبــر فــرح فرحــاً شديــداً وسمــاه جانشــاه وسلمــه للمراضــع والدايـــات وأحســـن
تربيتـه فلمـا بلـغ مـن العمـر خمـس سنيـن علمـه أبـوه القـراءة وصـار يقـرأ فـي الإنجيـل وعلمــه فنــون الحــرب
والطعــن والضــرب فــي أقــل مـــن سبـــع سنيـــن وجعـــل يركـــب للصيـــد والقنـــص وصـــار بهلوانـــاً عظيمـــاً
كامـلاً فـي جميـع آلـات الفروسيـة وصـار أبـوه كلمـا سمــع بفروسيتــه فــي جميــع آلــات الحــرب يفــرح فرحــاً
شديـــداً فاتفــــق فــــي يــــوم مــــن الأيــــام أن الملــــك طيغمــــوس أمــــر عسكــــره أن يركبــــوا للصيــــد والقنــــص
فطلعـت العسكــر والجيــوش فركــب الملــك هــو وابنــه جانشــاه وســاروا إلــى البــراري والقفــار واشتغلــوا
بالصيـد والقنـص إلـى عصـر اليـوم الثالـث فسنحـت لجانشـاه غزالــة عجيبــة اللــون وشــردت قدامــه فلمــا
نظــر جانشــاه إلــى تلــك الغزالــة وهــي شــاردة قدامــه تبعهــا وأســرع فــي الجــري وراءهــا وهــي هاربـــة
فانتبـذ سبعــة مماليــك مــن مماليــك الملــك طيغمــوس وذهبــوا فــي اثــر جانشــاه فلمــا نظــروا إلــى سيدهــم
وهـــو مســـرع وراء تلـــك الغزالـــة راحـــوا مسرعيـــن وراءه وهـــم علـــى خيـــل سوابـــق ومازالـــوا سائريــــن
حتــى وصلــوا إلــى بحــر فتهاجــم الجميــع علـــى الغزالـــة ليمسكوهـــا قنصـــاً ففـــرت منهـــم الغزالـــة وألقـــت
نفسها في البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التسعين بعد الأربعمائة
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه هـــو ومماليكـــه لمــــا هجمــــوا علــــى الغزالــــة ليمسكوهــــا
قنصـــاً ففـــرت منهـــم ورمـــت نفسهـــا فـــي البحـــر وكـــان فـــي ذلـــك البحـــر مركـــب صيـــاد فنطـــت فيـــه
الغزالــة فنــزل جانشــاه ومماليكــه عــن خيولهــم إلــى المركــب وقنصــوا الغزالــة وأرادوا أن يرجعــوا إلــى البــر
وإذا بجانشـــاه ينظـــر إلـــى جزيـــرة عظيمـــة فقـــال للماليـــك الذيـــن معـــه: إنـــي أريـــد أن أذهـــب إلـــى هـــذه
الجزيـرة فقالـوا لــه سمعــاً وطاعــة وســاروا بالمركــب إلــى ناحيــة الجزيــرة حتــى وصلــوا إليهــا فلمــا وصلــوا
إليهــا طلعــوا فيهــا وســاروا يتفرجــون عليهــا. ثــم بعــد ذلــك عــادوا إلــى المركــب ونزلــوا فيهـــا وســـاروا
والغزالـة معهـم قاصديـن البــر الــذي أتــوا منــه فأمســى عليهــم المســاء وتأهبــوا فــي البحــر فهبــت عليهــم
الريـح وأجـرت المركـب فـي وسـط البحـر ونامــوا إلــى وقــت الصبــاح ثــم انتبهــوا لا يعرفــون الطريــق وهــم
لا يزالوا سائرين في البحر. هذا ما كان من أمرهم.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر الملــك طيغمــوس والــد جانشــاه فإنــه تفقــد ابنــه فلــم يــره فأمــر العسكـــر أن يـــروح
جماعـة منهـم إلـى طريـق فصـاروا دائريـن يفتشـون علـى ابــن الملــك طيغمــوس وذهــب جماعــة منهــم إلــى
البحــر فــرأوا المملــوك الــذي خلــوه عنــد الخيــل فأتــوه وسألــوه عــن سيــده وعــن الستــة مماليــك فأخبرهــم
المملـوك بمـا جـرى لهـم فأخـذوا المملـوك والخيـل ورجعــوا إلــى الملــك طيغموصــس وأخبــروه بذلــك الخبــر
فلمــا سمــع الملــك ذلــك الكلــام بكــى بكــاء شديــداً ورمـــى التـــاج مـــن فـــوق رأســـه وعـــض يديـــه ندمـــاً
===
وقــام مــن وقتــه وكتــب كتبـــاً وأرسلهـــا إلـــى الجزائـــر التـــي فـــي البحـــر وجمـــع مائـــة مركـــب وأنـــزل فيهـــا
عساكـر وأمرهـم أن يـدوروا فــي البحــر ويفتشــوا علــى ولــده جانشــاه ثــم إن الملــك أخــذ بقيــة العساكــر
والجيــوش ورجــع إلــى المدينـــة وصـــار فـــي نكـــد شديـــد ولمـــا علمـــت والـــدة جانشـــاه بذلـــك. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن والــدة جانشــاه لمــا علمــت بذلــك لطمـــت علـــى وجههـــا وأقامـــت
عزاءه. هذا ما كان من أمرهم.
وأمـا مــا كــان مــن أمــر جانشــاه والمماليــك الذيــن معــه فإنهــم لــم يزالــوا تائهيــن فــي البحــر ولــم يــزل الــرواد
دائريـن يفتشـون عليهـم فـي البحـر مـدة عشـرة أيـام فمـا وجدوهـم فرجعـوا إلـى الملــك وأعلمــوه بذلــك ثــم
إن جانشــاه والمماليــك الذيــن معــه هــب عليهــم ريـــح عاصـــف وســـاق المركـــب الـــذي هـــم فيـــه حتـــى
أوصلـه إلـى جزيـرة فطلـع جانشـاه والستـة مماليـك مـن المركـب وتمشـوا فـي تلـك الجزيـرة حتـى وصلــوا إلــى
عيـن مـاء فـي وسـط تلـك الجزيـرة فـرأوا رجـلاً جالسـاً علــى بعــد قريبــاً مــن العيــن فأتــوه وسلمــوا عليــه
فرد عليهم السلام ثم إن الرجل كلمهم بكلام مثل صفير الطير.
===
فلمــا سمــع جانشــاه كلــام الرجــل تعجــب ثــم إن الرجــل التفــت يمينــاً وشمــالاً وبينمــا هــم يتعجبـــون مـــن
ذلـك الرجـل إذ هـو انقسـم إلـى نصفيـن وراح كــل نصــف فــي ناحيــة وبينمــا هــم كذلــك إذ أقبــل عليهــم
أصنـاف رجـال لا تحصـى ولا تعــد وأتــوا مــن جانــب الجبــل وســاروا حتــى وصلــوا إلــى العيــن وصــار
كل واحد منهم منقسماً نصفين ثم إنهم أتوا جانشاه والمماليك ليأكلوهم.
فلمــا رآهــم جانشــاه يريــدون أكلهــم هــرب منهــم وهربــت معــه المماليــك فتبعهــم هـــؤلاء الرجـــال فأكلـــوا
مــن المماليــك ثلاثـــة وبقـــي ثلاثـــة مـــع جانشـــاه ثـــم إن جانشـــاه نـــزل فـــي المركـــب ومعـــه الثلاثـــة مماليـــك
ودفعـوا المركـب إلــى وســط البحــر وســاروا ليــلاً ونهــاراً وهــم لا يعرفــون أيــن تذهــب بهــم المركــب ثــم
إنهـم ذبحـوا الغزالـة وصـاروا يقتاتـون منهـا فضربتهـم الريــاح فألقتهــم إلــى جزيــرة أخــرى فنظــروا إلــى تلــك
الجزيـرة فـرأوا فيهـا أشجـاراً وأنهـاراً وأثمـاراً وبساتيـن وفيهــا مــن جميــع الفواكــه والأنهــار تجــري مــن تحــت
تلك الأشجار وهي كأنها الجنة.
فلمـــا رأى جانشـــاه تلـــك الجزيـــرة أعجبتـــه وقـــال للماليـــك: مـــن فيكـــم يطلـــع هـــذه الجزيـــرة وينظــــر لنــــا
خبرهــا فقــال مملــوك منهــم: أنــا أطلــع وأكشــف لكـــم عـــن خبرهـــا وأرجـــع إليكـــم فقـــال جانشـــاه: هـــذا
أمـر لايكـون وإنمـا تطلعـون أنتـم الثلاثـة وتكشفـون خبـر هـذه الجزيـرة وأنـا قاعـد لكــم فــي المركــب حتــى
ترجعـــوا ثـــم إن جانشـــاه أنـــزل الثلاثـــة مماليـــك ليكشفــــوا عــــن خبــــر هــــذه الجزيــــرة فطلــــع الثلاثــــة إلــــى
===
وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن المماليــك الثلاثــة لمــا طلعــوا إلــى الجزيــرة داروا فيهــا شرقــاً وغربــاً
فلـم يجـدوا فيهـا أحـداً ثـم مشـوا فيهـا إلــى وسطهــا فــرأوا علــى بعــد قلعــة مــن الرخــام الأبيــض وبيوتهــا
مـن البلـور الصافـي وفـي وســط تلــك القلعــة بستــان فيــه جميــع الفواكــه اليابســة والرطبــة مــا يكــل عنــه
الوصــف وفيــه جميــع المشمــوم ورأوا فـــي تلـــك القلعـــة أشجـــاراً وأثمـــاراً وأطيـــاراً تناغـــي علـــى تلـــك
الأشجــار وفيهــا بحيــرة عظيمــة وبجانــب البحيــرة إيــوان عظيــم وعلــى ذلـــك الإيـــوان كراســـي منصوبـــة
وفي وسط تلك الكراسي تخت منصوب من الذهب الأحمر مرصع بأنواع الجواهر واليواقيت.
فلمــا رأى المماليــك حســن تلــك القلعــة وذلــك البستــان داروا فــي تلــك القلعـــة يمينـــاً وشمـــالاً فمـــا رأوا
فيهـا أحـداً ثـم طلعـوا مـن القلعــة ورجعــوا إلــى جانشــاه وأعلمــوه بمــا رأوه فلمــا سمــع جانشــاه ابــن الملــك
منهــم هــذا الخبــر قــال: إنــه لابــد لــي مــن أن أتفــرج فــي هــذه القلعــة ثــم إن جانشـــاه طلـــع مـــن المركـــب
وطلعــت معــه المماليــك وســاروا حتــى أتــوا القلعـــة ودخلـــوا فيهـــا فتعجـــب جانشـــاه مـــن حســـن ذلـــك
المكـان ثـم داروا يتفرجــون فــي البستــان ويأكلــون مــن تلــك الفواكــه ولــم يزالــوا دائريــن إلــى وقــت المســاء
ولمـا أمسـى عليهـم المســاء أتــوا إلــى الكراســي المنصوبــة وجلــس جانشــاه علــى التخــت المنصــوب فــي
===
الوسـط وصـارت الكراسـي منصوبــة عــن يمينــه وشمالــه ثــم إن جانشــاه لمــا جلــس علــى ذلــك التخــت
صـار يتفكـر ويبكــي علــى فــراق تخــت والــده وعلــى فــراق بلــده وأهلــه وأقاربــه وبكــت حولــه الثلاثــة
مماليك.
فبينمـا هـم فـي ذلـك الأمـر إذا بصيحـة عظيمـة مـن جانـب البحـر فالتفتـوا إلـى تلــك الصيحــة فــإذا هــم
قــردة كالجــراد المنتشــر وكانــت تلــك القلعــة والجزيــرة للقــردة ثــم إن هــؤلاء القــردة لمـــا رأوا المركـــب الـــذي
أتـى فيـه جانشـاه خسفـوه علـى شاطـئ البحـر وأتـوا إلـى جانشــاه وهــو جالــس فــي القلعــة قالــت ملكــة
الحيات كل هذا يا حاسب مما يحكيه الشاب الجالس بين القبرين لبلوقيا.
فقـــال لهـــا حاســـب: ومـــا فعـــل جانشـــاه مـــع القــــردة بعــــد ذلــــك قالــــت لــــه ملكــــة الحيــــات: لمــــا طلــــع
جانشــاه جلــس علــى التخــت والمماليــك عــن يمينــه وشمالــه أقبــل عليهــم القــردة فأفزعوهــم وأخافوهـــم
خوفـاً عظيمـاً ثـم دخلـت جماعـة مــن القــردة وتقدمــوا إلــى أن قربــوا مــن التخــت الجالــس عليــه جانشــاه
وقبلـوا الــأرض بيــن يديــه ووضعــوا أيديهــم علــى صدورهــم ووقفــوا قدامــه ساعــة وبعــد ذلــك أقبلــت
جماعـة منهـم ومعهـم غزلـان فذبحوهــا وأتــوا بهــا إلــى القلعــة وسلخوهــا وقطعــوا لحمهــا وشووهــا حتــى
طابــت للأكــل وحطوهــا فــي صيـــوان مـــن الذهـــب والفضـــة ومـــدوا السمـــاط وأشـــاروا إلـــى جانشـــاه
وجماعتــه أن يأكلــوا فنــزل جانشــاه مــن فــوق التخــت وأكــل وأكلــت معــه القــرود والمماليــك حتــى اكتفـــوا
===
مــن الأكــل ثــم إن القــرود رفعــوا سمــاط الطعــام وأتـــوا بفاكهـــة فأكلـــوا منهـــا وحمـــدوا اللـــه تعالـــى ثـــم إن
جانشـــاه أشـــار إلـــى أكابـــر القـــرود بالإشـــارة وقـــال لهـــم: ماشأنكـــم ولمــــن هــــذا المكــــان فقــــال القــــردة
بالإشـارة اعلـم أن هـذا المكـان كـان لسيدنـا سليمــان بــن داود عليهمــا السلــام وكــان يأتــي إليــه فــي كــل
سنة مرة يتفرج فيه ويروح من عندنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه أخبرتـــه القـــرود عـــن القلعـــة وقالـــوا لـــه أن هـــذا المكـــان
لسيدنــا سليمــان بــن داود وكــان يأتــي إليــه فــي كــل سنــة مــرة يتفــرج ويــروح مـــن عندنـــا ثـــم قالـــت لـــه
القـرود: اعلـم أيهـا الملـك أنـك بقيـت علينـا سلطانـاً ونحـن فـي خدمتـك وكـل واشـرب وكـل مــا أمرتنــا بــه
نفعلـــه ثـــم قـــام القـــرود وقبلـــوا الـــأرض بيـــن يديـــه وانصـــرف كـــل واحـــد منهـــم إلـــى حـــال سبيلـــه ونـــام
جانشـاه فـوق التخـت ونــام المماليــك حولــه علــى الكراســي إلــى وقــت الصبــح ثــم دخــل عليــه الأربعــة
وزراء الرؤسـاء علـى القـرود وعساكرهــم حتــى امتــلأ ذلــك المكــان وصــاروا حولــه صفــاً بعــد صــف
وأتـــت الـــوزراء واشـــاروا إلـــى جانشـــاه أن يحكـــم بينهـــم بالصـــواب ثـــم صـــاح القـــرود علـــى بعضهــــم
وانصرفـوا وبقـي منهــم جانــب قــدام الملــك جانشــاه مــن أجــل الخدمــة ثــم أقبــل قــردة وهــم معهــم كلــاب
===
فـي صـورة الخيـل وفـي راس كـل كلـب منهـم سلسلـة فتعجــب جانشــاه مــن هــؤلاء الكلــاب ومــن عظــم
خلقتهــــا ثــــم إن وزراء القــــرود أشــــاروا لجانشــــاه أن يركــــب ويسيــــر معهــــم فركــــب جانشــــاه والثلاثـــــة
المماليــك وركــب معهــم عسكــر القــرود وصــاروا مثــل الجــراد المنتشــر بعضهــم راكـــب وبعضهـــم مـــاش
فتعجــب مــن أمورهــم ولــم يزالــوا سائريــن إلــى شاطــئ البحــر. فلمــا رأى جانشــاه المركــب الــذي كــان
راكبـــاً فيـــه قـــد خســـف التفـــت إلـــى وزرائـــه مـــن القـــرود وقـــال لهـــم: أيـــن المركـــب الــــذي كــــان هنــــا
فقالــوا لــه: اعلــم أيهــا الملــك أنكــم لمــا أتيتــم إلــى جزيرتنــا علمنــا بأنــك تكــون سلطانــاً علينــا وخفنــا أن
تهربوا منا إذا أتينا عندكم وتنزلوا المركب فمن أجل ذلك خسفناه.
فلمـا سمـع جانشـاه هـذا الكلـام التفـت إلـى المماليـك وقـال لهـم: مـا بقــي لنــا حيلــة فــي الــرواح مــن عنــد
هـؤلاء القـرود ولكـن نصبـر لمـا قـدر اللـه تعالـى ثـم سـاروا ومازالــوا سائريــن حتــى وصلــوا إلــى شاطــئ
نهـر وفـي جانـب ذلـك النهـر جبـل عـال فنظـر جانشـاه إلـى ذلــك الجبــل فــرأى غيلانــاً كثيــرة فالتفــت إلــى
القـــرود وقـــال لهـــم: مـــا شـــأن هـــؤلاء الغيلـــان فقـــال لـــه القـــرود: اعلــــم أيهــــا الملــــك أن هــــؤلاء الغيلــــان
أعداءنــا ونحــن أتينــا لنقاتلهــم فتعجــب جانشــاه مــن هــؤلاء الغيلــان ومــن عظــم خلقتهـــم وهـــم راكبـــون
على الخيل ورؤوس بعضهم على صورة رؤوس البقر وبعضهم على صورة الجمال.
فلمـــا رأى الغيلـــان عسكـــر القـــرود هجمـــوا عليهـــم ووقفـــوا علـــى شاطــــئ النهــــر وصــــاروا يرجمونهــــم
===
بشـي مـن الحجـارة فـي صـورة العواميـد وحصـل بينهـم حـرب عظيــم فلمــا رأى جانشــاه الغيلــان غلبــوا
لاقـرود زعـق علـى المماليـك وقـال لهـم: اطلعـوا القسـي والنشـاب وارمـوا عليهـم بالنبــال حتــى تقتلوهــم
وتردوهم عنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه قـــال لمماليكـــه: ارمـــوا الغيلـــان بالنبـــال وردوهـــم عنـــا
ففعــل المماليـــك مـــا أمرهـــم بـــه جانشـــاه حتـــى حصـــل للغيلـــان كـــرب عظيـــم وقتـــل منهـــم خلـــق كثيـــر
وانهزموا وولوا هاربين.
فلمــا رأى القــرود مــن جانشـــاه هـــذا الأمـــر نزلـــوا فـــي النهـــر وعبـــروه وجانشـــاه معهـــم وطـــردوا الغيلـــان
حتـى غابـوا عـن أعينهـم وانهزمـوا وقتـل منهـم كثيـر ولـم يـزل جانشـاه والقـرود سائريــن حتــى وصلــوا إلــى
جبـل عـال فنظـر جانشـاه إلـى ذلـك الجبـل فوجـد فيـه لوحـاً مــن المرمــر مكتوبــاً فيــه: اعلــم يــا مــن دخــل
هـــذه الـــأرض إنـــك تصيـــر سلطانـــاً علـــى هـــؤلاء القـــرود ومـــا يتأتـــى لـــك رواحـــاً مـــن عندهــــم إلا إن
رحــت مــن الــدرب الشرقــي بناحيــة الجبــل وطولــه ثلاثــة أشهــر وأنـــت سائـــر بيـــن الوحـــوش والغيلـــان
والمـردة والعفاريـت وبعـد ذلـك تنتهـي إلــى البحــر المحيــط بالدنيــا أو رحــت مــن الــدرب الغربــي وطولــه
===
أربعــة أشهــر وفــي رأســه وادي النمــل حتــى تنتهــي إلــى جبـــل عـــال وذلـــك الجبـــل يتوقـــد مثـــل النـــار
ومسيــرة عشــرة أيــام فلمــا رأى جانشـــاه ذلـــك اللـــوح. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه لمـــا رأى ذلـــك اللـــوح قـــرأه ورأى فيـــه مـــا ذكرنـــاه ورأى
فـي آخـر الكلـام ثـم تنتهـي إلـى نهـر عظيـم وهــو يجــري وجريانــه يخطــف البصــر مــن شــدة عزمــه وذلــك
النهـر فـي كـل يـوم سبـت ييبـس وبجانبـه مدينـة أهلهـا كلهــم يهــود ولــد بــن محمــد جحــود مــا فيهــم مسلــم
ومــا فــي هــذه الــأرض إلا هــذه المدينــة ومــا دمــت مقيـــم عنـــد القـــرود هـــم منصـــورون علـــى الغيلـــان
واعلم أن هذا اللوح كتبه السيد سليمان بن داود عليه السلام.
فلمــا قــرأه جانشــاه بكــى بكــاء شديــداً ثــم التفــت إلــى مماليكــه وأعلمهــم بمــا هــو مكتــوب علــى اللـــوح
وبعــد ذلــك ركــب وركــب حولــه عساكــر القــرود وصــاروا فرحانيــن بالنصـــر علـــى أعدائهـــم ورجعـــوا
إلـى قلعتهـم ومكـث جانشـاه فـي القلعـة سلطانـاً علـى القــرود سنــة ونصــف ثــم بعــد ذلــك أمــر جانشــاه
عساكـــر القـــرود أن يركبـــوا للصيـــد والقنــــص فركبــــوا وركــــب معهــــم جانشــــاه ومماليكــــه وســــاروا فــــي
===
البــراري والقفـــار ولـــم يزالـــوا سائريـــن مـــن مكـــان إلـــى مكـــان حتـــى عـــرف وادي النمـــل ورأى الإمـــارة
المكتوبة في اللوح المرمر.
فلمــا رأى ذلــك أمرهــم أن ينزلـــوا فـــي ذلـــك المكـــان فنزلـــوا ونزلـــت عساكـــر القـــرود ومكثـــوا فـــي أكـــل
وشـرب مـدة عشــرة أيــام ثــم اختلــى جانشــاه بمماليكــه ليــة مــن الليالــي وقــال لهــم: إنــي أريــد أن نهــرب
ونـروح إلـى وادي النمـل ونسيــر إلــى مدينــة اليهــود لعــل اللــه ينجينــا مــن هــؤلاء القــرود ونــروح إلــى حــال
سبيلنـا فقالـوا لـه سمعـاً وطاعـة. ثـم إنــه صبــر حتــى مضــى مــن الليــل شــيء قليــل وقــام وقامــت معــه
المماليـــك وتسلحـــوا بأسلحتهـــم وحزمـــوا أوساطهـــم بالسيـــوف والخناجـــر ومـــا أشبـــه ذلـــك مـــن آلـــات
الحرب وخرج جانشاه هو ومماليكه وساروا من أول الليل إلى وقت الصبح.
فلمـا انتبـه القــرود مــن نومهــم لــم يــروا جانشــاه ولا مماليكــه فعلمــوا أنهــم هربــوا منهــم فقالمــت جماعــة مــن
القــرود وركبــوا وســاروا ناحيــة الــدرب الشرقــي وجماعــة ركبــوا وســـاروا إلـــى وادي النمـــل. فبينمـــا
القــــرود سائريــــن إذ نظــــروا جانشــــاه والمماليــــك معــــه وهــــم مقبلــــون علــــى وادي النمــــل فلمــــا رأوهـــــم
أسرعـــوا وراءهـــم فلمـــا نظرهـــم جانشــــاه هــــرب وهربــــت معــــه المماليــــك ودخلــــوا وادي النمــــل فمــــا
مضــت ساعـــة مـــن الزمـــان إلا والقـــرود قـــد هجمـــت عليهـــم وأرادوا أن يقتلـــوا جانشـــاه هـــو ومماليكـــه
وإذا هم بنمل قد خرج من تحت الأرض مثل الجراد المنتشر كل نملة منه قدر الكلب.
===
فلمـا رأى النمــل القــرود هجــم عليهــم وأكــل منهــم جماعــة وقتــل مــن النمــل جماعــة كثيــرة ولكــن حصــل
النصـر للنمــل وصــارت النملــة تأتــي إلــى القــرد وتضربــه فتقسمــه نصفيــن وصــار العشــرة قــرود يركبــون
النملــة الواحــدة ويمسكونهـــا ويقسمونهـــا نصفيـــن ووقـــع بينهـــم حـــرب عظيـــم إلـــى وقـــت المســـاء. ولمـــا
أمسـى الوقـت هـرب جانشـاه هـو والمماليـك فـي بطـن الـوادي. وأدرك شهــرزاد الصبــاح فسكتــت عــن
الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الأربعمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أنــه لمــا أقبــل المســاء هــرب جانشــاه هــو ومماليكــه فــي بطـــن الـــوادي
إلــى الصبــاح فلمــا أصبــح الصبــاح أقبــل القــرود علــى جانشــاه فلمـــا رآهـــم زعـــق علـــى مماليكـــه وقـــال
لهـم: اضربوهـم بالسيـوف فسحـب المماليــك سيوفهــم وجعلــوا يضربــون القــرود يمينــاً وشمــالاً. فتقــدم
قـرد عظيـم لـه أنيـاب مثـل أنيـاب الفيـل وأتـى إلـى واحـد مـن المماليـك وضربـه فقسمـه نصفيــن وتكاثــرت
القــرود علــى جانشــاه فهــرب إلــى أسفــل الــوادي ورأى هنــاك نهــراً عظيمــاً وبجانبـــه نمـــل عظيـــم. فلمـــا
رأى النمـل جانشــاه مقبــلاً عليــه احتــاط بــه وإذا بمملــوك ضــرب نملــة بالسيــف فقسمهــا نصفيــن. فلمــا
رأت عساكـر النمـل ذلـك تكاثـروا علـى المملـوك وقتلـوه فبينمـا هـم فـي هـذا الأمـر إذا بالقـرود قـد أقبلــوا
===
فلمـا رأى جانشـاه اندفاعهـم عليـه نــزع ثيابــه ونــزل فــي النهــر ونــزل معــه المملــوك الــذي بقــي وعامــا فــي
المــاء إلــى وســط النهــر ثــم إن جانشــاه رأى شجــرة علــى شاطــئ النهــر مــن الجهـــة الأخـــرى فمـــد يـــده
إلـى غصـن مـن أغصانهـا وتناولـه وتعلـق بـه وطلـع إلـى البـر وأمـا المملــوك فإنــه غلــب عليــه التيــار فأخــذه
وقطعـه فـي الجبـل وصـار جانشـاه واقفـاً وحـده فـي البـر يعصـر ثيابــه وينشفهــا فــي الشمــس ووقــع بيــن
القرود والنمل قتال عظيم ثم رجع القرود إلى بلادهم. هذا ما كان من أمر القرود والنمل.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر جانشــاه فإنــه صــار يبكــي إلــى وقــت المســـاء ثـــم دخـــل مغـــارة واستكـــن فيهـــا
وقـد خـاف خوفـاً شديـداً واستوحـش لفقـد مماليكــه ثــم ســار ولــم يــزل سائــراً ليالــي وأيامــاً وهــو يأكــل
مـن الأعشـاب حتـى وصـل إلـى الجبـل الـذي يتوقـد مثـل النـار. فلمــا أتــى إليــه ســار فيــه حتــى وصــل
إلـى النهـر الـذي ينشـف كـل يـوم سبــت فلمــا وصــل إليــه رآه نهــراً عظيمــاً وبجانبــه مدينــة عظيمــة وهــي
مدينــة اليهــود التــي رآهــا مكتوبــة فــي اللــوح فأقــام هنــاك إلــى أن أتــى يــوم السبـــت ونشـــف النهـــر ثـــم
مشـى مـن النهـر حتـى وصـل إلـى مدينـة اليهـود فلـم يـر فيهـا أحــداً فمشــى فيهــا حتــى وصــل إلــى بــاب
بيـت ففتحـه ودخلــه فــرأى أهلــه ساكتيــن لا يتكلمــون أبــداً فقــال لهــم: إنــي رجــل غريــب جائــع فقالــوا
لـــه بإشـــارة: كـــل واشـــرب ولا تتكلـــم فقعـــد عندهـــم وأكـــل وشـــرب ونـــام تلـــك الليلــــة فلمــــا أصبــــح
الصباح سلم عليه صاحب البيت ورحب به وقال له: من أين أنت وإلى أين رائح
===
فلمــا سمــع جانشــاه كلــام ذلــك اليهــودي بكـــى بكـــاء شديـــداً وحكـــى لـــه قصتـــه وأخبـــره بمدينـــة أبيـــه
فتعجــب اليهــودي مــن ذلــك وقــال لــه: مــا سمعنــا بهـــذه المدينـــة قـــط غيـــر أننـــا كنـــا نسمـــع مـــن قوافـــل
التجــار أن هنــاك بلــاداً تسمــى بلــاد اليمــن فقــال جانشــاه لليهــودي: هــذه البلــاد التــي تخبــر بهــا التجــار
كــم تبعــد عــن هــذا المكــان فقــال لـــه اليهـــودي: إن تجـــار تلـــك القوافـــل يزعمـــون أن مـــدة سفرهـــم مـــن
بلادهــم إلــى هنــا سنتــان وثلاثــة أشهــر فقــال جانشــاه لليهــودي: ومتــى تأتــي القافلـــة فقـــال لـــه: تأتـــي
في السنة القابلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الأربعمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن جانشــاه لمــا ســأل اليهــودي عــن مجــيء القافلــة قــال لــه: تأتــي فــي
السنـة القابلـة فلمـا سمــع جانشــاه كلامــه بكــى بكــاء شديــداً وحــزن علــى نفســه وعلــى مماليكــه وعلــى
فــراق أمــه وأبيــه وعلــى مــا جــرى لــه فــي سفــره فقــال لــه اليهـــودي: لا تبـــك يـــا شـــاب واقعـــد عندنـــا
حتى تأتي القافلة ونحن نرسلك معها إلى بلادك.
فلمـا سمـع جانشــاه ذلــك الكلــام قعــد عنــد اليهــودي مــدة شهريــن وصــار فــي كــل يــوم يخــرج إلــى أزقــة
المدينــة ويتفـــرج فيهـــا فاتفـــق أنـــه خـــرج علـــى عادتـــه يومـــاً مـــن الأيـــام ودار فـــي شـــوارع المدينـــة يمينـــاً
===
وشمــالاً فسمــع رجــلاً ينــادي ويقــول: مــن يأخــذ ألــف دينــار وجاريــة حسنــاء بديعـــة الحســـن والجمـــال
ويعمـل لــي شغــلاً مــن وقــت الصبــاح إلــى الظهــر فلــم يجبــه أحــد فلمــا سمــع جانشــاه كلــام المنــادي قــال
فـي نفسـه: لـولا أن هـذا الشغـل خطـر مـا كـان صاحبـه يعطـي ألـف دينــار وجاريــة حسنــاء فــي شغــل
من الصبح إلى الظهر ثم إن جانشاه تمشى إلى المنادي وقال له: أنا أعمل هذا الشغل.
فلمــا سمــع المنــادي مــن جانشــاه هــذا الكلــام أخــذه وأتــى بــه إلــى بيـــت التاجـــر فدخـــل هـــو وجانشـــاه
هـذا البيـت فوجـده بيتـاً عظيمــاً ووجــد هنــاك رجــلاً يهوديــاً آخــراً جالســاً علــى كرســي مــن الأبنــوس
فوقف المنادي قدامـه وقـال لـه: أيهـا التاجـر إن لـي ثلاثـة شهـور وأنـا أنـادي فـي المدينـة فلـم يجبنـي أحـد
إلا هـذا الشـاب. فلمـا سمـع التاجـر كلـام المنــادي رحــب بجانشــاه وأخــذه ودخــل بــه إلــى مكــان نفيــس
وأشـــار إلـــى عبيـــده أن يأتـــوا لـــه بالطعـــام فمـــدوا لـــه السمــــاط وأتــــوا بأنــــواع الأطعمــــة فأكــــل التاجــــر
وجانشـاه وغسـلا أيديهمـا وأتــوا بالمشــروب فشربــا ثــم إن التاجــر قــام وأتــى لجانشــاه بكيــس فيــه ألــف
دينــار وأتــى لــه بجاريــة بديعــة الحســن والجمــال وقــال لــه: خــذ هــذه الجاريــة وهـــذا المـــال فـــي الشغـــل
الــذي تعملــه فأخــذ جانشــاه الجاريــة والمــال وأجلــس الجاريــة بجانبــه وقــال لــه التاجــر: فــي غـــد اعمـــل
لنا الشغل ثم ذهب التاجر من عنده ونام جانشاه هو والجارية في تلك الليلة.
ولمـا أصبـح الصبــاح راح إلــى الحمــام فأمــر التاجــر عبيــده أن يأتــوا لــه ببدلــة مــن الحريــر فأتــوا لــه ببدلــة
===
نفيســة مــن الحريــر وصبــروا حتــى خــرج مــن الحمــام وألبســوه البدلــة وأتــوا بــه إلــى البيــت فأمــر التاجـــر
عبيــده أن يأتــوا بالجنــك والعــود والمشــروب فأتــوا إليهمــا بذلــك فشربــا ولعبــا وضحكــا إلــى أن مضــى
مـن الليـل نصفـه وبعـد ذلـك ذهـب التاجــر إلــى حريمــه ونــام جانشــاه مــع الجاريــة إلــى وقــت الصبــاح ثــم
راح إلى الحمام.
فلمــا رجــع مــن الحمــام جــاء إليــه التاجــر وقــال: إنــي أريــد أن تعمــل لنــا الشغــل فقـــال جانشـــاه: سمعـــاً
وطاعـة فأمـر التاجـر عبيـده أن يأتـوا ببغلتيـن فأتــوا ببغلتيــن فركــب بغلــة وأمــر جانشــاه أن يركــب البغلــة
الثانيــة فركبهــا ثــم إن جانشــاه والتاجــر ســارا مــن وقــت الصبــاح إلــى وقــت الظهــر حتـــى وصـــلا إلـــى
جبـل عـال مـا لـه حـد فـي العلـو فنـزل التاجـر مـن فـوق ظهـر البغلــة وأمــر جانشــاه أن ينــزل فنــزل جانشــاه
ثـم إن التاجـر نـاول جانشـاه سكينـاً وحبـلاً وقـال لــه: أريــد منــك أن تذبــح هــذه البغلــة فشمــر جانشــاه
ثيابه وأتى إلى البغلـة ووضـع الحبـل فـي أربعتهـا ورماهـا علـى الـأرض وأخـذ السكيـن وذبحهـا وسلخهـا
وقطــع أربعتهــا ورأسهــا وصــارت كـــوم لحـــم فقـــال لـــه التاجـــر: أمرتـــك أن تشـــق بطنهـــا وتدخـــل فيـــه
وأخيــط عليــك وتقعــد هنــاك ساعــة مــن الزمــان ومهمــا تــراه فـــي بطنهـــا فأخبرنـــي بـــه فشـــق جانشـــاه
بطــن البغلــة ودخلــه وخيطهــا عليــه التاجــر ثــم تركــه وبعــد عنــه. وأدرك شهــرزاد الصبـــاح فسكتـــت
عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن التاجــر لمــا خيــط بطــن البغلــة علــى جانشـــاه وتركـــه وبعـــد عنـــه
واستخفـى فـي ذيـل الجبـل بعـد ساعـة نـزل علـى البغلـة طائـر عظيـم فاختطفهـا وطـار ثــم حطهــا علــى
أعلــى الجبــل وأراد أن يأكلهــا فأحــس جانشـــاه بالطائـــر فشـــق بطـــن البغلـــة وخـــرج منهـــا فجفـــل الطائـــر
لمـا رأى جانشـاه وطــار وراح إلــى حــال سبيلــه فقــام جانشــاه علــى قدميــه وصــار ينظــر يمينــاً وشمــالاً
فلـم يـر أحـداً إلا رجــالاً يابســة مــن الشمــس فلمــا رأى ذلــك قــال فــي نفســه: لا حــول ولا قــوة إلا باللــه
العلي العظيم.
ثـم إنـه نظـر إلـى أسفـل الجبـل فـرأى التاجـر واقفـاً تحــت الجبــل ينظــر إلــى جانشــاه فلمــا رآه قــال لــه: ارم
لي من الحجارة نحو مائتي حجر وكانت الحجارة من الياقوت والزبرجد والجواهر الثمينة.
ثـم إن جانشـاه قـال للتاجـر: دلنــي علــى الطريــق وأنــا أرمــي لــك مــرة أخــرى فلــم التاجــر تلــك الحجــارة
وحملهــا علــى البغلــة التــي كــان راكبهــا وســار ولــم يـــرد لـــه جوابـــاً وبقـــي جانشـــاه فـــوق الجبـــل وحـــده
فصـار يستغيـث ويبكـي ثـم مكـث فـوق الجبــل ثلاثــة أيــام فقــام وســار فــي عــرض الجبــل مــدة شهريــن
وهـو يأكـل مـن أعشـاب الجبـل ومـا زال سائـراً حتـى وصـل فـي سيـره إلـى طـرف الجبـل فلمـا وصـل إلـى
الجبـــل رأى واديـــاً علـــى بعـــد وفيـــه أشجـــار وأثمـــار وأطيـــار تسبـــح اللــــه الواحــــد القهــــار فلمــــا أرى
جانشـاه ذلـك الـوادي فـرح فرحـاً شديـداً فقصــده ولــم يــزل ماشيــاً ساعــة مــن الزمــان حتــى وصــل إلــى
===
شــرم فــي الجبــل ينــزل منــه السيــل فنــزل منــه وســار حتـــى وصـــل إلـــى الـــوادي الـــذي رآه وهـــو علـــى
الجبــل فنــزل الــوادي وصــار يتفــرج فيــه يمينــاً وشمــالاً ومــا زال يمشــي ويتفــرج حتــى وصــل إلـــى قصـــر
عــال شاهــق فــي الهــواء فتقــرب جانشــاه مــن ذلــك القصــر حتــى وصــل إلــى بابــه فــرأى شيخــاً مليـــح
الهيئــة يلمــع وجهــه وبيــده عكــاز مــن الياقــوت وهــو واقــف علــى بــاب القصــر فتمشــى جانشــاه حتــى
قــرب منــه وسلــم عليــه فــرد عليــه السلــام ورحــب بـــه وقـــال لـــه: اجلـــس يـــا ولـــدي فجلـــس جانشـــاه
علــى بــاب ذلــك القصــر ثــم إن الشيــخ سألــه وقــال لــه: مــن أيــن أتيــت إلــى هــذه الــأرض وابـــن آدم مـــا
داسها قط وإلى أين رائح
فلمـــا سمـــع جانشـــاه كلـــام الشيـــخ بكـــى بكـــاء شديـــداً مـــن كثـــرة مـــا قاســـاه وخنقـــه البكـــاء فقـــال لـــه
الشيـخ: يـا ولـدي اتـرك البكـاء فقــد أوجعــت قلبــي ثــم قــام الشيــخ وأتــى لــه بشــيء مــن الأكــل وحطــه
قدامـه وقـال لـه: كـل مــن هــذا فأكــل جانشــاه حتــى اكتفــى وحمــد اللــه تعالــى ثــم إن الشيــخ بعــد ذلــك
سـأل جانشـاه وقـال لـه: يـا ولــدي أريــد منــك أن تحكــي لــي حكايتــك وتخبرنــي بمــا جــرى لــك فحكــى
لـه حكايتـه وأخبـره بجميـع مـا جـرى لـه مـن أول الأمــر إلــى أن وصــل إليــه فلمــا سمــع كلامــه تعجــب منــه
عجبـــاً شديـــداً فقـــال جانشـــاه للشيـــخ: أريـــد منــــك أن تخبرنــــي بصاحــــب هــــذا الــــوادي ولمــــن هــــذا
القصــر العظيــم فقــال الشيـــخ لجانشـــاه: اعلـــم يـــا ولـــدي أن هـــذا الـــوادي ومـــا فيـــه وذلـــك القصـــر ومـــا
===
حــواه للسيــد سليمــان بــن داود عليــه السلــام وأنــا اسمـــي الشيـــخ نصـــر ملـــك الطيـــو واعلـــم أن السيـــد
سليمان وكلني بهذا القصر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الأربعمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الشيـــخ نصـــر ملـــك الطيـــور قــــال لجانشــــاه: واعلــــم أن السيــــد
سليمــان وكلنــي بهــذا القصــر وعلمنــي منطــق الطيــر وجعلنــي حاكمــاً علــى جميــع الطيـــور الذيـــن فـــي
الدنيــا وفــي كــل سنــة تأتــي الطيــور إلــى هــذا القصــر تنظــره وتــروح وهــذا سبــب قعــودي فـــي هـــذا
المكان.
فلمــا سمــع جانشــاه كلــام الشيــخ نصــر بكــى بكــاء شديــداً وقــال لــه: يــا والـــدي كيـــف تكـــون حيلتـــي
حتــى أروح إلــى بلــادي فقــال لـــه الشيـــخ: اعلـــم يـــا ولـــدي أنـــك بالقـــرب مـــن جبـــل قـــاف وليـــس لـــك
رواح مـــن هــــذا المكــــان إلا أذا أتــــت الطيــــور وأوصــــي عليــــك واحــــداً منهــــا فيوصلــــك إلــــى بلــــادك
فاقعـد عنــدي فــي هــذا المكــان وكــل واشــرب وتفــرج فــي هــذه المقاصيــر حتــى تأتــي الطيــور فقعــد
جانشـــاه عنـــد الشيـــخ نصـــر وصـــار يـــدور فـــي الـــوادي ويأكــــل مــــن تلــــك الفواكــــه ويتفــــرج ويضحــــك
===
ويلعـب ولـم يـزل مقيمـاً فـي ألـذ عيـش مـدة منالزمـان حتـى قـرب مجـيء الطيــور قــام علــى قدميــه وقــال
لجانشـاه يـا جانشـاه خـذ هـذه المفاتيـح وافتـح المقاصيــر التــي فــي هــذا القصــر وتفــرج علــى مــا فيهــا إلا
المقصــورة الفلانيــة فاحــذر أن تفتحهـــا ومتـــى خالفتنـــي وفتحتهـــا ودخلتهـــا لا يحصـــل لـــك خيـــر أبـــداً
ووصـى جانشـاه بهـذه الوصيــة وأكــد عليــه فيهــا وســار مــن عنــده لملاقــاة الطيــور فلمــا نظــرت الطيــور
الشيخ نصر أقبلت عليه وقبلت يديه جنساً بعد جنس. هذا ما كان من أمر الشيخ نصر.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر جانشــاه فإنــه قــام علــى قدميــه وصــار سائــراً يتفــرج علــى القصــر يمينــاً وشمـــالاً
وفتـح جميـع المقاصيـر التـي فـي القصـر حتـى وصـل إلـى المقصـورة التـي حـذره الشيـخ نصــر مــن فتحهــا
فنظــر إلــى بــاب تلــك المقصـــورة فأعجبـــه ورأى عليـــه قفـــلاً مـــن الذهـــب فقـــال فـــي نفســـه: إن هـــذه
المقصــورة أحســن مــن جميــع المقاصيــر التــي فــي القصــر يــا تــرى مــا يكـــون فـــي هـــذه المقصـــورة حتـــى
منعنــي الشيــخ نصــر مــن الدخــول فيهــا فلابــد أن أدخــل هــذه المقصـــورة وأنظـــر الـــذي فيهـــا ومـــا كـــان
مقدراً على العبد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخمسمائة
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن جانشــاه قــال: ومــا كــان مقــدراً علــى العبــد لابــد أن يستوفيــه ثــم
مـد يـده وفتـح المقصـورة ودخلهــا فــرأى فيهــا بحيــرة عظيمــة وبجانــب البحيــرة قصــر صغيــر وهــو مبنــي
مـــن الذهـــب والفضـــة والبلـــور وشبابيكـــه مـــن الياقـــوت ورخامــــه مــــن الزبرجــــد الأخضــــر والبلخــــش
والزمــرد واجلواهــر مرصعــة فـــي الـــأرض علـــى هيئـــة الرخـــام وفـــي وســـط ذلـــك القصـــر فسقيـــة مـــن
الذهــب ملآنــة بالمــاء وحــول تلــك الفسقيــة وحـــوش وطيـــور متنوعـــة مـــن الذهـــب والفضـــة يخـــرج مـــن
بطونهــا المــاء وإذا هــب النسيــم يدخــل فــي آذانهــا فتصفــر كـــل صـــورة بلغتهـــا وبجانـــب الفسقيـــة ليـــوان
عظيـم وعليـه تخـت عظيــم مــن الياقــوت مرصــع بالــدر والجواهــر وعلــى ذلــك التخــت خيمــة منصوبــة
مــن الحريــر الأخضــر مزركشــة بالفصــوص والمعـــادن الفاخـــرة ومقـــدار سعتهـــا خمســـون ذراعـــاً وداخـــل
تلك الخيمة مخدع فيه البساط الذي كان للسيد سليمان عليه السلام.
ورأى جانشـــاه حـــول ذلـــك القصـــر بستانـــاً عظيمـــاً وفيـــه أشجـــار وأثمـــار وأنهـــار وفـــي دائــــرة القصــــر
مـــزارع مـــن الـــورد والريحـــان والنسريـــن ومـــن كـــل مشمـــوم وإذا هبـــت الريـــاح علــــى الأشجــــار تمايلــــت
تلــك الأغصــان ورأى جانشــاه فــي ذلــك البستــان مــن جميــع الأشجــار رطبــاً ويابســاً وكـــل ذلـــك فـــي
تلــك المقصــورة. فلمــا رأى جانشــاه هــذا الأمــر تعجــب منـــه غايـــة العجـــب وصـــار يتفـــرج فـــي ذلـــك
البستـان وفـي ذلـك القصــر علــى مــا فيهمــا مــن العجائــب والغرائــب ونظــر إلــى البحيــرة فــرأى حصاهــا
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جانشــاه رأى فــي تلــك المقصــورة شيئــاً كثيــراً فتعجــب منــه ثــم
تمشـى حتـى دخـل القصـر الـذي فـي تلـك المقصـورة وطلـع علـى التخـت المنصـوب علــى الليــوان بجانــب
الفسقيــة ودخــل الخيمــة المنصوبــة فوقــه ونــام فــي تلــك الخيمــة مــدة مــن الزمــان ثــم أفــاق وقــام يتمشــى
حتـى خـرج مــن بــاب القصــر وجلــس علــى كرســي قــدام بــاب القصــر وهــو يتعجــب مــن حســن ذلــك
المكـان فبينمـا هـو جالـس إذ أقبـل عليـه مـن الجـو ثلاثـة طيــور فــي صفــة الحمــام ثــم إن الطيــور حطــوا
بجانــب البحيــرة ولعبــوا ساعــة وبعــد ذلــك نزعـــوا مـــا عليهـــم مـــن الريـــش فصـــاروا ثلـــاث بنـــات كأنهـــن
الأقمار ليس لهن في الدنيا شبيه ثم نزلن البحيرة وسبحن فيها ولعبن وضحكن.
فلمـــا رآهـــن جانشـــاه تعجـــب مـــن حسنهـــن وجمالهـــن واعتـــدال قدودهـــن ثـــم طلعـــن إلـــى البـــر ودرن
يتفرجــن فــي البستــان فلمــا رآهــن جانشــاه طلعــن إلــى البــر كـــاد عقلـــه أن يذهـــب وقـــام علـــى قدميـــه
وتمشــى حتــى وصــل إليهــن فلمــا قــرب منهــن سلــم عليهــن فــرددن عليــه السلــام ثـــم إنـــه سألهـــن وقـــال
لهــن: مــن أنتــن أيتهــا السيــدات الفاخــرات ومــن أيــن أقبلتــن فقالــت لــه الصغيــرة: نحــن أتينــا مــن ملكـــوت
===
اللـه تعالـى لنتفـرج فـي هـذا المكـان فتعجـب مــن حسنهــن ثــم قــال للصغيــرة: ارحمينــي وتعطفــي علــي
وارثـي لحالـي ومـا جـرى لـي فـي عمـري فقالـت لـه: دع عنــك هــذا الكلــام واذهــب إلــى حــال سبيلــك
فلما سمع الكلام بكى بكاء شديداً واشتدت به الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
بدت لي في البستان بالحلل الأخضر مفككة الأزرار محلولة الشعـر
فقلت لها ما الاسم قالت أنا التي كويت قلوب العاشقين على الجمر
شكوت إليها ما ألاقي من الهوى فقالت إلى صخر شكوت ولم تدر
فقلت لها إن كان قلبك صخر فقد أنبع الله الزلال من الصخر
فلمـا سمـع البنــات هــذا الشعــر مــن جانشــاه ضحكــن ولعبــن وغنيــن وطربــن ثــم إن جانشــاه أتــى إليهــن
بشــيء مــن الفواكـــه فأكلـــن وشربـــن ونمـــن مـــع جانشـــاه تلـــك الليلـــة إلـــى الصبـــاح فلمـــا أصبـــح الصبـــاح
لبســت البنــات ثيابهــن الريــش وصــرن هيئـــة الحمـــام وطـــرن ذاهبـــات إلـــى حـــال سبيلهـــن فلمـــا رآهـــن
جانشـاه طائـرات وقـد غبـن عــن عيونــه كــاد عقلــه أن يطيــر معهــن وزعــق زعقــة عظيمــة ووقــع مغشيــاً
عليه ومكث في غشيته طوال ذلك اليوم.
فبينمـا هـو طريــح علــى الــأرض وإذا بالشيــخ نصــر قــد أتــى مــن ملاقــاة الطيــور وفتــش علــى جانشــاه
ليرسلـه مـع الطيـور ويــروح إلــى بلــاده فلــم يــره فعلــم الشيــخ نصــر أنــه دخــل المقصــورة وقــد كــان الشيــخ
===
نصـر قــد قــال للطيــور: إن عنــدي ولــداً صغيــراً جــاءت بــه المقاديــر مــن بلــاد بعيــدة إلــى هــذه الــأرض
وأريــد منكــم أن تحملــوه وتوصلــوه إلــى بلــاده فقالــوا لـــه: سمعـــاً وطاعـــة ولـــم يـــزل الشيـــخ نصـــر يفتـــش
علــى جانشــاه حتــى أتــى إلــى بــاب المقصـــورة التـــي نهـــاه عـــن فتحهـــا فوجـــده مفتوحـــاً فدخـــل فـــرأى
جانشــاه مرميــاً تحــت شجــرة وهــو مغشــي عليــه فأتــاه بشــيء مــن الميــاه العطريــة ورشـــه علـــى وجهـــه
فأفاق من غشيته وصار يلتفت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الشيــخ نصــر لمــا رأى جانشــاه مرميـــاً تحـــت شجـــرة أتـــاه بشـــيء
مــن الميــاه العطريــة ورشــه علــى وجهــه فأفــاق مــن غشيتــه وصــار يلتفــت يمينــاً وشمــالاً فلــم يــر عنـــده
أحداً سوى الشيخ نصر فزادت به الحسرة وأنشد هذه الأبيات:
فبدت كبدر التم في ليلة السعد منعمـة الأطـراف ممشوقـة القـد
لها مقلة تسبي العقول بسحرها وثغر حكى الياقوت في حمرة الورد
تحدر فوق الردف أسود شعرها فإياك إياك الحباب مـن السعـد
===
وترسل سهم اللحظ من قوس حاجب يصيب ولم يخطئ ولو كان من بعد
فيا حسنها قد فاق كل ملاحة وليـس لهـا بيـن البريـة مــن نــد
فلمــا سمــع الشيــخ نصــر مــن جانشــاه هــذه الأشعــار قـــال لـــه: يـــا ولـــدي أمـــا قلـــت لـــك لا تفتـــح هـــذه
المقصـــورة ولا تدخلهـــا ولكـــن أخبنـــي يـــا ولـــدي بمـــا رأيـــت فيهـــا واحـــك لـــي حكايتـــك وعرفنـــي مـــا
جــرى لــك فحكـــى لـــه جانشـــاه حكايتـــه وأخبـــره بمـــا جـــرى لـــه مـــع الثلـــاث بنـــات وهـــو جالـــس فلمـــا
سمـع الشيـخ نصـر كلامـه قـال لـه: يـا ولــدي إن هــذه البنــات مــن بنــات الجــان وفــي كــل سنــة يأتيــن إلــى
هــذا المكــان فيلعبــن وينشرحــن إلــى وقــت العصــر ثـــم يذهبـــن إلـــى بلادهـــن فقـــال لـــه جانشـــاه: وأيـــن
بلادهن فقال له الشيخ نصر: والله يا ولدي ما أعلم أين بلادهن.
ثـم إن الشيـخ نصـر قـال لــه: قــم معــي وقــو نفســك حتــى أرسلــك إلــى بلــادك مــع الطيــور وخــل عنــك
هــذا العشــق فلمــا سمــع جانشــاه كلــام الشيــخ نصـــر صـــرخ صرخـــة عظيمـــة ووقـــع مغشيـــاً عليـــه ولمـــا
أفـاق قــال لــه: يــا والــدي أنــا لا أريــد الــرواح إلــى بلــادي حتــى أجتمــع بهــؤلاء البنــات واعلــم يــا والــدي
أنــي مــا بقيــت أذكــر أهلــي ولــو أمــوت بيــن يديــك ثــم بكــى وقـــال: أنـــا رضيـــت بـــأن أنظـــر وجـــه مـــن
عشقتها ولو في السنة مرة واحدة ثم صعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
ليت الخيال على الأحباب ما طرقا وليت هذا الهوى للناس ما خلقا
===
أصبر القلـب فـي يومـي وليلتـه وصار جسمي بنار الحب محترقا
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه لمـــا فـــرغ مـــن شعـــره وقـــع علـــى رجلـــي الشيـــخ نصـــر
وقبلهمـا وبكـى بكـاء شديـداً وقــال لــه: ارحمنــي يرحمــك اللــه وأعيننــي علــى بلوتــي يعينــك اللــه فقــال
لـــه الشيـــخ نصـــر: يـــا ولـــدي واللـــه لا أعـــرف هـــؤلاء البنـــات ولا أدري أيـــن بلادهـــن ولكـــن يــــا ولــــدي
حيث تولعـت بإحداهـن فاقعـد عنـدي إلـى مثـل هـذا العـام لأنهـن يأتيـن فـي السنـة القابلـة فـي مثـل هـذا
اليـوم فـإذا قربـت الأيـام التـي يأتيـن فيهـا فكـن فـي البستـان تحــت شجــرة حيــن ينزلــن البحيــرة ويسبحــن
فيهـا ويلعبـن ويبعـدن عـن ثيابهـن فخـذ ثيـاب التـي تريدهـا منهـن فـإذا نظرتـك يطلعــن علــى البــر ليلبســن
ثيابهــن وتقــول لــك التــي أخــذت ثيابهــا بعذوبــة كلــام وحســن ابتســام: أعطنــي ثيابــي يـــا أخـــي حتـــى
ألبسهــا وأستتــر بهــا ومتــى قبلــت كلامهــا وأعطيتهــا ثيابهــا فإنــك لا تبلــغ مــرادك منهــا أبـــداً بـــل تلبـــس
ثيابهــا وتــروح إلــى أهلهــا ولا تنظرهــا بعــد ذلــك أبــداً فــإذا ظفــرت بثيابهــا فاحفظهــا تحــت إبطـــك ولا
تعطهــا إياهــا حتــى أرجــع مــن ملاقــاة الطيــور وأوفــق بينــك وبينهــا وأرسلــك إلــى بلــادك وهــي معـــك
===
وفي الليلة الرابعة بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الشيـــخ نصـــر قـــال لجانشـــاه: احفــــظ ثيــــاب التــــي تريدهــــا ولا
تعطهــا إياهــا حتــى أرجــع مــن ملاقــاة الطيــور وأوفــق بينــك وبينهــا وأرسلــك إلــى بلــادك وهــذا الــذي
أقدر عليه يا ولدي لاغير.
فلمــا سمــع جانشــاه كلــام الشيــخ نصــر اطمــأن قلبــه وقعــد عنــده إلــى ثانــي عــام وصـــار يعـــد الماضـــي
مــن الأيــام التــي تأتــي الطيــور عقبهــا فلمــا جــاء ميعــاد مجــيء الطيــور أتــى الشيـــخ نصـــر إلـــى جانشـــاه
وقـال لـه: اعمـل بالوصيـة التـي أوصيتــك بهــا مــن أمــر ثيــاب البنــات فإننــي ذاهــب إلــى ملاقــاة الطيــور
فقــال جانشــاه: سمعــاً وطاعـــة لأمـــرك يـــا والـــدي ثـــم ذهـــب الشيـــخ نصـــر إلـــى ملاقـــاة الطيـــور وبعـــد
ذهابــه قــام جانشــاه وتمشــى حتــى دخــل البستــان واختفــى تحــت شجــرة بحيـــث لا يـــراه أحـــد وقعـــد
أول يـوم وثانـي يـوم وثالـث يـوم فلــم يأتيــن إليــه البنــات فقلــق وصــار فــي بكــاء وأنيــن ناشــيء عــن قلــب
حزيـن ولـم يـزل يبكــي حتــى أغمــي عليــه ثــم بعــد ساعــة أفــاق وجعــل ينظــر تــارة إلــى السمــاء وتــارة
ينظــر إلــى الــأرض وتــارة ينظــر إلــى البحيــرة وتـــارة ينظـــر إلـــى البـــر وقلبـــه يرتجـــف مـــن شـــدة العشـــق
فبينمـا هـو علـى هــذه الحالــة إذ أقبــل عليــه مــن الجــو ثلــاث طيــور فــي صفــة الحمــام ولكــن كــل حمامــة
===
قــدر النســر ثــم إنهــن نزلــن بجانــب البحيــرة وتلفتـــن يمينـــاً وشمـــالاً فلـــم يريـــن أحـــداً مـــن الإنـــس ولا مـــن
الجــن فنزعــن ثيابهــن ونزلــن البحيــرة وصــرن يلعبــن ويضحكــن وينشرحــن وهــن كسبائــك الفضـــة ثـــم إن
الكبيــرة منهــن قالــت لهــن: أخشــى يـــا أخواتـــي أن يكـــون أحـــداً مختفيـــاً لنـــا فـــي هـــذا القصـــر فقالـــت
الوسطـــى منهـــن: يـــا أختـــي إن هـــذا القصـــر مــــن عهــــد سليمــــان مــــا دخلــــه إنــــس ولا جــــان فقالــــت
الصغيـرة منهـن وهـي تضحـك: واللـه يـا أخواتـي إن كـان أحـد مختفيـاً فـي هـذا المكــان فإنــه لا يأخــذ إلا
أنــا ثـــم إنهـــن لعبـــن وضحكـــن وقلـــب جانشـــاه يرتجـــف مـــن فـــرط الغـــرام وهـــو مختـــف تحـــت الشجـــرة
ينظر وهن لا ينظرنه ثم إنهن سبحن في الماء حتى وصلن إلى وسط البحيرة وبعدن عن ثيابهن.
فقــام جانشــاه علــى قدميــه وهــو يجــري كالبـــرق الخاطـــف وأخـــذ ثيـــاب البنـــت الصغيـــرة وهـــي التـــي
تعلــق قلبــه بهــا وكــان اسمهــا شمســة فلمــا التفتــت رأت جانــاه فارتجفــت قلوبهـــن واستتـــرن منـــه بالمـــاء
وأتيـن إلـى قـرب البـر ثـم نظـرن إلـى وجـه جانشـاه فرأينـه كأنــه البــدر فــي ليلــة تمامــه فقلــن لــه: مــن أنــت
وكيـــف أتيـــت إلـــى هـــذا المكـــان وأخـــذت ثيـــاب السيـــدة شمســـة فقـــال لهـــن: تعاليـــن عنـــدي حتــــى
أحكـي لـك حكايتــي وأخبــرك بمــا جــرى لــي وأعلمــك بسبــب معرفتــي بــك فقالــت: يــا سيــدي وقــرة
عينــي وثمــرة فــؤادي أعطنــي ثيابــي حتــى ألبسهــا وأستتــر بهــا وأطلـــع عنـــدك فقـــال لهـــا جانشـــاه: يـــا
سيــدة الملــاح مــا يمكــن أن أعطيـــك ثيابـــك وأقتـــل نفـــس مـــن الغـــرام فـــلا أعطيـــك إلا إذا أتـــى الشيـــخ
===
نصــر ملــك الطيــور فلمــا سمعــت السيــدة شمســة كلــام جانشــاه قالــت لــه: إن كنــت لا تعطينــي ثيابـــي
فتأخــر عنــا قليــلاً حتــى يطلــع أخواتــي إلـــى البـــر ويلبســـن ثيابهـــن ويعطيننـــي شيئـــاً أستتـــر بـــه فقـــال
جانشاه: سمعاً وطاعة.
ثــم تمشــى مــن عندهــن إلــى القصــر ودخلــه فطلعــت السيــدة شمســة هــي وأخواتهــا إلـــى البـــر ولبســـن
ثيابهـن ثـم إن أخـت السيــدة شمســة الكبيــرة أعطتهــا ثيابــاً مــن ثيابهــن لا يمكنهــا الطيــران بهــا وألبستهــا
إياهـــا ثـــم قامـــت السيـــدة شمســـة وهـــي كالبـــدر الطالـــع والغـــزال الرائـــع وتمشـــت حتـــى وصلـــت إلـــى
جانشــاه فرأتــه جالســاً فــوق التخــت فسلمــت عليــه وجلســت قريبــاً منــه وقالــت لـــه: يـــا مليـــح الوجـــه
أنت الذي قتلتني وقتلت نفسك ولكن أخبرنا بما جرى لك حتى ننظر ما خبرك.
فلمــا سمــع جانشـــاه كلـــام السيـــدة شمســـة بكـــى حتـــى بـــل ثيابـــه مـــن دموعـــه فلمـــا علمـــت أنـــه مغـــرم
بحبهــا قامــت علــى قدميهــا وأخذتــه مــن يــده وأجلستــه بجانبهــا ومسحــت دموعــه بكمهـــا وقالـــت لـــه:
يـا مليـح الوجـه دع عنـك هـذا البكـاء واحـك لـي مــا جــرى لــك فحكــى لهــا مــا جــرى لــه وأخبرهــا بمــا
رآه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن السيــدة شمســة قالــت لجانشــاه: احــك لــي مــا جــرى لــك فحكــى
لهــا جميــع مــا جــرى لــه فلمــا سمعــت السيــدة شمســة منــه هــذا الكلــام تنهــدت وقالــت لــه: يــا سيــدي
إذا كنـت مغرمـاً بـي فأعطنـي ثيابـي حتــى ألبسهــا وأروح أنــا وأخواتــي إلــى أهلــي وأعلمهــم بمــا جــرى
لـك فـي محبتـي ثـم أرجـع إليـك وأحملـك إلـى بلـادك. فلمـا سمــع جانشــاه منهــا هــذا الكلــام بكــى بكــاء
شديــداً وقــال لهــا: أيحــل لــك مــن اللــه أن تقتلينـــي ظلمـــاً فقالـــت لـــه: يـــا سيـــدي بـــأي سبـــب أقتلـــك
ظلمــاً فقــال لهــا: لأنــك متــى لبســت ثيابــك ورحــت مــن عنــدي فإنــي أمــوت مــن وقتــي فلمــا سمعــت
السيــدة شمســة كلامــه ضحكــت وضحــك أخواتهــا ثــم قالــت لــه: طـــب نفســـاً وقـــر عينـــاً فلابـــد أن
أتـزوج بـك ومالـت عليـه وعانقتـه وضمتـه إلـى صدرهـا وقبلــت بيــن عينيــه وفــي خــده وتعانقــت هــي
وإيــاه ساعــة مــن الزمــان ثــم افترقــا وجلســا فــوق ذلــك التخــت فقامــت أختهـــا الكبيـــرة وخرجـــت مـــن
القصــر إلــى البستــان فأخــذت شيئــاً مــن الفواكـــه والمشمـــوم وأتـــت بـــه إليهـــم فأكلـــوا وشربـــوا وتلـــذذوا
وطربــوا وضحكــوا ولعبــوا وكــان جانشــاه بديــع الحســن والجمــال رشيــق القــد والاعتـــدال. فقالـــت لـــه
السيـدة شمسـة: يـا حبيبـي واللـه أنـا أحبـك محبـة عظيمــة ومــا بقيــت أفارقــك أبــداً فلمــا سمــع جانشــاه
كلامهـا انشـرح صـدره وضحـك سـه واستمـروا يضحكـون ويلعبـون فبينمــا هــم فــي حــظ وســرور إذا
بالشيـخ نصـر قـد أتـى مـن ملاقــاة الطيــور. فلمــا أقبــل عليهــم نهــض الجميــع إليــه قائميــن علــى أقدامهــم
===
وسلمـوا عليـه وقبلـوا يديـه فرحـب بهــم الشيــخ نصــر وقــال لهــم: اجلســوا فجلســوا ثــم إن الشيــخ نصــر
قـال للسيـدة شمسـة: إن هـذا الشـاب يحبـك محبـة عظيمــة فباللــه عليــك أن تتوصــي بــه فإنــه مــن أكابــر
الناس ومن أبناء الملوك وأبوه يحكم على بلاد كابل وقد حوى ملكاً عظيماً.
فلمــا سمعــت السيــدة شمســة كلــام الشيــخ نصــر قالــت لــه سمعــاً وطاعـــة لأمـــرك ثـــم إنهـــا قبلـــت يـــدي
الشيـخ نصـر ووقفـت قدامـه فقـال لهـا الشيـخ نصـر: إن كنـت صادقـة فـي قولـك فاحلفــي لــي باللــه أنــك
لا تخونينــه مادمــت علــى قيــد الحيـــاة فحلفـــت يمينـــاً عظيمـــاً أنهـــا لا تخونـــه أبـــداً ولابـــد أن تتـــزوج بـــه
وبعـد أن حلفـت قالـت: اعلـم يــا شيــخ نصــر أنــي لا أفارقــه أبــداً فلمــا حلفــت السيــدة شمســة للشيــخ
نصــر صــدق يمينهــا وقــال لجانشــاه: الحمــد للــه الــذي وفــق بينــك وبينهـــا ففـــرح جانشـــاه بذلـــك فرحـــاً
شديـداً ثـم قعـد جانشــاه هــو والسيــدة شمســة عنــد الشيــخ نصــر مــدة ثلاثــة أشهــر فــي أكــل وشــرب
وعلب وضحك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جانشـــاه هـــو والسيـــدة شمســـة قعـــدا عنـــد الشيـــخ نصـــر ثلاثـــة
أشهـر فـي أكـل وشــرب ولعــب وحــظ عظيــم وبعــد ثلاثــة أشهــر قالــت السيــدة شمســة لجانشــاه: إنــي
===
أريــد أن أروح إلــى بلــادك وتتـــزوج بـــي ونقيـــم فيهـــا فقـــال لهـــا سمعـــاً وطاعـــة ثـــم إن جانشـــاه شـــاور
الشيــخ نصــر وقــال لــه: إننــا نريـــد أن نـــروح إلـــى بلـــادي وأخبـــره بمـــا قالتـــه السيـــدة شمســـة فقـــال لهمـــا
الشيـــخ نصـــر: اذهبـــا إلـــى بلـــادك وتوصـــى بهـــا فقـــال جانشـــاه سمعـــاً وطاعـــة ثـــم إنهـــا طلبـــت ثوبهــــا
وقالــت: يــا شيــخ نصــر مــره أن يعطينــي ثوبــي حتــى ألبســه فقــال لــه: يــا جانشــاه أعطهــا ثوبهــا فقــال:
سمعــاً وطاعــة ثــم قــام مسرعــاً ودخــل القصــر وأتــى بثوبهــا وأعطــاه لهــا فأخذتــه منــه ولبستــه وقالــت
لجانشــاه: اركـــب فـــوق ظهـــري وغمـــض عينيـــك وسكـــر أذنيـــك حتـــى لا تسمـــع دوي الفلـــك الـــدوار
وأمسك في ثوبي الريش وأنت على ظهري بيدك واحترس على نفسك من الوقوع.
فلمـــا سمـــع جانشـــاه كلامهـــا ركـــب علـــى ظهرهـــا ولمـــا أرادت الطيـــران قـــال لهـــا الشيـــخ نصـــر: قفــــي
حتــى أصــف لــك بلــاد كابــل خوفــاً عليكمــا أن تغلطــا فــي الطريــق فوقفــت حتــى وصـــف لهـــا البلـــاد
وأوصاهـــا بجانشـــاه ثـــم ودعهمـــا وودعـــت السيــــدة شمســــة أختيهــــا وقالــــت لهمــــا. وأدرك شهــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن شمســة قالــت لأختيهــا: روحــا إلــى أهلكمــا وأعلماهــم بمــا جــرى
===
لــي مــع جانشــاه ثــم إنهــا طــارت مــن وقتهــا وساعتهــا وســـارت فـــي الجـــو مثـــل هبـــوب الريـــح والبـــرق
اللامــع وبعــد ذلــك طــارت أختاهـــا وذهبتـــا إلـــى أهليهمـــا وأعلماهمـــا بمـــا جـــرى للسيـــدة شمســـة مـــع
جانشــاه ومــن حيــن طــارت السيـــدة شمســـة ولـــم تـــزل طائـــرة مـــن وقـــت الضحـــى إلـــى وقـــت العصـــر
وجانشـاه راكـب علـى ظهرهـا وفـي وقــت العصــر لــاح لهمــا علــى بعــد واد ذو أشجــار وأنهــار فقالــت
لجانشــاه: قصــدي أن ننــزل فــي هــذا الــوادي لنتفــرج علــى مــا فيــه مــن الأشجــار والنبــات هـــذه الليلـــة
فقــال لهــا جانشــاه: افعلــي مــا تريديــن فنزلــت مــن الجــو وحطــت فـــي ذلـــك الـــوادي ونـــزل جانشـــاه مـــن
فوق ظهرها وقبلها بين عينيها ثم جلسا بجانب نهر ساعة من الزمان.
وبعــد ذلــك قامــا علــى قدميهمــا وصــارا دائريــن فــي الــوادي يتفرجــان علــى مــا فيــه ويأكلــان مـــن تلـــك
الأثمار ولم يزالا يتفرجان في الـوادي إلـى وقـت المسـاء ثـم أتيـا إلـى شجـرة ونامـا عندهـا إلـى الصبـاح ثـم
قامـــت السيـــدة شمســـة وأمـــرت جانشـــاه أن يركـــب علـــى ظهرهـــا فقـــال جانشـــاه سمعـــاً وعطاعـــة ثـــم
ركـب جانشــاه علــى ظهرهــا وطــارت بــه مــن وقتهــا وساعتهــا ولــم تــزل طائــرة مــن الصبــح إلــى وقــت
الظهــر فبينمــا همــا سائــران إذ نظــرا الإمــارات التــي أخبرهمــا الشيــخ نصــر فلمــا رأت السيـــدة شمســـة
تلـك الإمـارات نزلـت مــن أعلــى الجــو إلــى مــرج فسيــح ذي زرع مليــح فيــه غزلــان رائعــة وعيــون نابعــة
وأثمــار يانعــة وأنهــار واسعــة فلمــا نزلـــت فـــي ذلـــك المـــرج نـــزل جانشـــاه مـــن فـــوق ظهرهـــا وقبلهـــا بيـــن
===
عينيهـــا فقالـــت: يـــا حبيبـــي وقـــرة عينـــي أتـــدري مــــا المسافــــة التــــي سرناهــــا قــــال لهــــا: لا قالــــت:
مسافة ثلاثين شهراً فقال لها جانشاه: الحمد لله على السلامة.
ثـم جلـس وجلسـت بجانبــه وقعــدا فــي أكــل وشــرب ولعــب وضحــك فبينمــا همــا فــي هــذا الأمــر إذ
أقبـل عليهمـا مملوكـان أحدهمـا الـذي كــان عنــد الخيــل لمــا نــزل جانشــاه فــي مركــب الصيــاد والثانــي مــن
المماليــك الذيــن كانــوا معــه فــي الصيــد والقنــص فلمــا رأيــا جانشــاه عرفــاه وسلمــا عليــه وقــالا لــه: عــن
إذنـك نتوجــه إلــى والــدك ونبشــره بقدومــك فقــال لهمــا جانشــاه: اذهبــا إلــى أبــي وأعلمــاه بذلــك وائتيــا
بالخيام ونحـن نقعـد فـي هـذا المكـان سبعـة أيـام لأجـل الراحـة حتـى يجـيء الموكـب لملاقاتنـا وندخـل فـي
موكب عظيم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جانشـــاه قـــال للملوكيـــن: اذهبـــا إلـــى أبـــي وأعلمـــاه بــــي وائتيــــا
بالخيـام ونحـن نقعــد فــي هــذا المكــان سبعــة أيــام لأجــل الراحــة حتــى يجــيء الموكــب لملاقاتنــا وندخــل
فــي موكــب عظيــم فركــب المملوكــان خيلهمــا وذهبــا إلــى أبيــه وقــالا لــه البشــارة يــا ملــك الزمـــان فلمـــا
===
سمــع الملــك طيغمــوس كلــام المملوكيــن قــال لهمــا: بــأي شــيء تبشرانــي هــل قــدم ابنــي جانشــاه فقــالا:
نعــم إن ابنــك جانشــاه أتــى مــن غيبتــه وهــو بالقــرب منــك فــي مــرج الكرانــي. فلمــا سمــع الملـــك كلـــام
المملوكيـن فـرح فرحـاً شديـداً ووقــع مغشيــاً عليــه مــن شــدة الفــرح فلمــا أفــاق أمــر وزيــره أن يخلــع علــى
المملوكيــن كــل واحــد خلعــة نفيســة ويعطــي كــل واحــد منهمــا قــدراً مــن المـــال فقـــال لـــه الوزيـــر: سمعـــاً
وطاعـة ثـم قـام مـن وقتـه وأعطـى المملوكيـن مـا أمـره بـه الملـك وقـال لهمـا: خـذا المـال فــي نظيــر البشــارة
التـي أتيتمـا بهـا هـذه سـواء كذبتمـا أو صدقتمـا فقـال المملوكـان: نحـن مـا نكـذب وكنـا فـي هـذا الوقــت
قاعديــن عنــده وسلمنــا عليــه وقبلنــا يديــه وأمرنــا أن نأتـــي لـــه بالخيـــام وهـــو يقعـــد فـــي مـــرج الكرانـــي
سبعـة أيـام حتـى تذهـب الأمـراء والـوزراء وأكابــر الدولــة لملاقاتــه ثــم إن الملــك قــال لهمــا: كيــف حــال
ولدي فقالا له: إن ولدك معه حورية كأنها خرجت من الجنة.
فلمـــا سمـــع ذلـــك الكلـــام أمـــر بـــدق الكاســـات والبوقـــات فدقــــت البشائــــر وأرســــل الملــــك طيغمــــوس
المبشريـــن فــــي جهــــات المدينــــة ليبشــــروا أم جانشــــاه ونســــاء الأمــــراء والــــوزراء وأكابرالدولــــة فانتشــــر
المبشـرون فـي المدينـة وأعلمـوا أهلهـا بقـدوم جانشـاه ثــم تجهــز الملــك طيغمــوس بالعساكــر والجيــوش إلــى
مـــرج الكرانـــي فبينمـــا جانشـــاه جالـــس والسيـــدة شمســـة بجانبـــه وإذا بالعساكـــر أقبلــــت عليهمــــا فقــــام
جانشـاه علـى قدميـه وتمشـى حتـى قـرب منهـم فلمــا رأتــه العساكــر عرفــوه ونزلــوا عــن خيلهــم وترجلــوا
===
إليــه وسلمــوا عليــه وقبلــوا يديــه ومــا زال جانشــاه سائــراً والعساكــر قدامــه واحـــداً بعـــد واحـــد حتـــى
وصل إلى أبيه.
فلمــا نظــر الملــك طيغمـــوس ولـــده رمـــى نفســـه عـــن ظهـــر الفـــرس وحضنـــه وبكـــى بكـــاء شديـــداً ثـــم
ركـــب وركـــب ابنـــه والعساكـــر عـــن يمينـــه وشمالـــه ومـــا زالـــوا سائريـــن حتـــى أتـــوا إلـــى جانـــب النهــــر
فنزلـــت العساكــــر والجيــــوش ونصبــــوا الخيــــام والصواويــــن والبيــــارق ودقــــت الطبــــول وزمــــرت الزمــــور
وضربـــت الكاســـات وزعقـــت البوقـــات ثـــم إن الملـــك طيغمـــوس أمــــر الفراشيــــن أن يأتــــوا بخيمــــة مــــن
الحريــر الأحمــر وينصبوهــا للسيــدة شمســة ففعلــوا مــا أمرهــم بــه وقامــت السيــدة شمســة وقلعــت ثوبهــا
الريـــش وتمشـــت حتـــى وصلـــت إلـــى تلـــك الخيمـــة وجلســـت فيهـــا فبينمـــا هـــي جالســـة وإذا بالملــــك
طيغمـوس وابنـه جانشـاه بجانبـه أقبـلا عليهــا. فلمــا رأت السيــدة شمســة الملــك طيغمــوس قامــت علــى
قدميهــا وقبلــت الــأرض بيــن يديــه ثــم جلــس الملــك وأخــذ ولــده جانشــاه عـــن يمينـــه والسيـــدة شمســـة
عـن شمالـه ورحـب بالسيـدة شمسـة وسـأل ابنــه جانشــاه وقــال لــه: أخبرنــي بالــذي وقــع لــك فــي هــذه
الغيبــة فحكــى لــه جميــع مــا جــرى لــه مـــن الـــأول إلـــى الآخـــر فلمـــا سمـــع الملـــك مـــن ابنـــه هـــذا الكلـــام
تعجـب عجبـاً شديـداً والتفـت إلـى السيـدة شمسـة وقـال: الحمـد للـه الـذي وفقـك حتــى جمعــت بينــي
وبين ولدي إن هذا لهو الفضل العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك طيغمــوس قــال للسيــدة شمســة: الحمـــد للـــه الـــذي وفقـــك
حتــى جمعــت بينــي وبيــن ولــدي إن هــذا لهــو الفضــل العظيــم ولكــن أريــد منــك أن تتمنـــي علـــي مـــا
تشتهينــه حتــى أفعلــه إكرامــاً لــك فقالــت لــه السيــدة شمســة: تمنيــت عليــك عمــارة قصــر فــي وســط
بستــان والمــاء يجــري مــن تحتــه فقــال سمعــاً وطاعــة فبينمــا همــا فـــي الكلـــام وإذا بـــأم جانشـــاه أقبلـــت
ومعهـــا جميـــع نســـاء الأمـــراء والـــوزراء ونســـاء أكابـــر المدينـــة جميعــــاً فلمــــا رآهــــا جانشــــاه خــــرج مــــن
الخيمــة وقابلهــا وتعانقــا ساعــة مـــن الزمـــان ثـــم إن أمـــه مـــن فـــرط الفـــرح أجـــرت دمـــع العيـــن وأنشـــدت
هذين البيتين:
هجم السـرور علـي حتـى أنـه من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين قد صار الدمع منك سجية تبكيـن مـن فــرح ومــن أحــزان
ثــم شكيــا لبعضهمــا مــا قاسيــاه مــن البعــد وألــم الشــوق ثــم انتقــل والـــده إلـــى خيمتـــه وانتقـــل جانشـــاه
هـو وأمـه إلـى خيمتـه وجلسـا يتحدثـان مــع بعضهمــا فبينمــا همــا جالســان إذ أقبلــت المبشــرون بقــدوم
السيـــدة شمســـة وقالـــوا لـــأم جانشـــاه: إن السيـــدة شمســـة أتـــت إليـــك وهــــي ماشيــــة تريــــد أن تسلــــم
عليك.
فلمــا سمعــت أم جانشــاه هــذا الكلــام قامـــت علـــى قدميهـــا وقابلتهـــا وسلمـــت عليهـــا وقعدتـــا ساعـــة
===
مــن الزمــان ثــم قامــت أم جانشــاه مــع السيـــدة شمســـة وســـارت هـــي وإياهـــا ونســـاء الأمـــراء وأربـــاب
الدولة وما زلن سائرات حتى صولن خيمة السيدة شمسة فدخلنها وجلسن فيها.
ثــم إن الملــك طيغمــوس أجـــزل العطايـــا وأكـــرم الرعايـــا وفـــرح بابنـــه فرحـــاً شديـــداً ومكثـــوا فـــي ذلـــك
المكـان مـدة عشـرة أيـام وهـم فـي أكـل وشـرب وأهنـأ عيــش وبعــد ذلــك أمــر الملــك عساكــره أن يرحلــوا
ويتوجهــــوا إلــــى المدينــــة ثــــم ركـــــب الملـــــك وركبـــــت حولـــــه العساكـــــر والجيـــــوش وســـــارت الـــــوزراء
والحجاب عن يمينه وعن شماله وما زالوا سائرين حتى دخلوا المدينة.
وذهبــت أم جانشــاه هــي والسيــدة شمســة إلــى منزلهــم وتزينــت المدينــة بأحســن زينــة ودنـــت البشائـــر
والكاســات وذوقــوا المدينــة بالحلـــوى والحلـــل وفرشـــوا نفيـــس الديبـــاج تحـــت سنابـــك الخيـــل وفرحـــت
أربــاب الدولــة وأظهــروا التحــف وانبهــر المتفرجــون وأطعمــوا الفقــراء والمساكيــن وعملــوا فرحــاً عظيمــاً
مدة عشرة أيام وفرحت السيدة شمسة فرحاً شديداً لما رأت ذلك.
ثـم إن الملـك طيغمـوس أرسـل إلـى البنائيـن والمهندسيـن وأربـا المعرفـة وأمرهــم أن يعملــوا لــه قصــراً فــي
ذلـك البستـان فأجابــوه بالسمــع والطاعــة وشرعــوا فــي تجهيــز ذلــك القصــر ثــم إنهــم أتمــوه علــى أحســن
حـــال وحيـــن علـــم جانشـــاه بصـــدور الأمـــر ببنـــاء القصـــر أمـــر الصنـــاع أن يأتـــوا بعموديـــن مــــن الرخــــام
الأبيــض وأن ينقــروه ويجوفــوه ويجعلــوه علــى صــورة صنـــدوق ففعلـــوا مـــا أمرهـــم ثـــم إن جانشـــاه أخـــذ
===
ثـوب السيـدة شمسـة الـذي تطيـر بـه وحطـه فـي ذلـك العمـود ودفنـه علــى أســاس القصــر وأمــر البنائيــن
أن يبنـوا فوقـه القناطـر التـي عليهـا القصـر ولمـا تـم بنـاء القصـر فرشـوه وصـار قصـراً عظيمـاً فــي وســط
ذلــك البستــان والأنهــار تجــري مــن تحتــه ثــم إن الملــك طيغمــوس بعــد ذلـــك عمـــل عـــرس جانشـــاه فـــي
تلكـا لمـدة وصـار فرحـاً عظيمـاً لـم يـر لـه نظيـر وزفـوا السيــدة شمســة إلــى عريسهــا وذهــب كــل واحــد
منهم إلى حال سبيله ولما دخلت السيدة شمسة في ذلك القصر شمت رائحة ثوبها الريش.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العاشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملـــك السعيـــد أن السيـــدة شمســـة لمـــا دخلـــت ذلـــك القصـــر شمـــت رائحـــة ثوبهـــا
الريـــش الـــذي تطيـــر بـــه وعرفـــت مكانـــه وأرادت أخـــذه فصبـــرت إلـــى نصـــف الليـــل حتـــى استغـــرق
جانشـاه فـي النـوم ثـم قامـت وتوجهـت إلـى العامـود الـذي عليــه القناطــر وحفــرت بجانبــه حتــى وصلــت
إلــى العامــود الــذي فيــه الثـــوب وأزالـــت الرصـــاص الـــذي كـــان مسبوكـــاً عليـــه وأخرجـــت منـــه الثـــوب
ولبستــه وطــارت مــن وقتهــا وجلســت علــى أعلــى القصــر وقالــت لهــم: أريــد منكــم أن تحضــروا إلــي
جانشـاه حتــى أودعــه فأخبــروا جانشــاه بذلــك فذهــب إليهــا فرآهــا فــوق سطــح القصــر وهــي لابســة
===
ثوبهــا الريــش فقــال لهــا: كيــف فعلــت هــذه الفعــال فقالــت لـــه: يـــا حبيبـــي وقـــرة عينـــي وثمـــرة فـــؤادي
واللــه إنــي أحبــك محبــة عظيمــة وقــد فرحـــت فرحـــاً شديـــداً حيـــث أوصلتـــك إلـــى أرضـــك وبلـــادك
ورأيـت أمـك وأبـاك فـإن كنـت تحبنـي كمـا أحبـك فتعـال عنـدي إلـى قلعـة جوهـر تكنـي ثـم طـارت مــن
وقتها وساعتها ومضت إلى أهلها.
فلمــا سمــع جانشــاه كلـــام السيـــدة شمســـة وهـــي فـــوق سطـــح القصـــر كـــاد أن يمـــوت مـــن الجـــوع ووقـــع
مغشيـاً عليـه فمضـوا إلـى أبيــه وأعلمــوه بذلــك فركــب أبــوه وتوجــه إلــى القصــر ودخــل علــى ولــده فــرآه
مطروحـاً علـى الـأرض فبكـى الملــك طيغمــوس وعلــم أن ابنــه مغــرم بحــب السيــدة شمســة فــرش علــى
وجهه ماء ورد فأفاق فرأى أباه عند رأسه فبكى من فراق زوجته.
فقــال لــه أبــوه: مــا الــذي جــرى لــك يــا ولــدي فقــال: اعلــم يــا أبــي أن السيــدة شمســة مــن بنــات الجـــان
وأنــا أحبهــا ومغــرم بهــا وقــد عشقــت جمالهــا وكــان عنــدي ثــوب لهــا وهــي مــا تقــدر أن تطيــر بدونــه
وقـد كنـت أخـذت ذلـك الثـوب وأخفيتـه فـي عامــود علــى هيئــة الصنــدوق وسكبــت عليــه الرصــاص
ووضعتـــه علـــى أســـاس القصـــر فحفـــرت ذلـــك الأســـاس وأخذتـــه ولبستـــه وطـــارت ثـــم نزلـــت علـــى
القصــر وقالــت: إنــي أحبــك وقــد أوصلتــك إلــى بلـــادك واجتمعـــت بأبيـــك وأمـــك فـــإن كنـــت تحبنـــي
فتعـال عنـدي فـي قلعـة جوهـر تكنـي ثـم طــارت مــن سطــح القصــر وراحــت إلــى حــال سبيلهــا فقــال
===
الملــــك طيغمــــوس: يــــا ولــــدي لا تحمــــل همــــاً فإننــــا نجمــــع أربــــاب التجــــارة والسواحيــــن فـــــي البلـــــاد
ونستخبرهـم عـن تلـك القلعـة فـإذا عرفناهــا نسيــر إليهــا ونذهــب إلــى أهــل السيــدة شمســة ونرجــو مــن
الله تعالى أن يعطوك إياها وتنزوج بها.
ثــم خــرج الملــك مــن وقتــه وساعتــه وأحضــر وزراءه الأربعــة وقــال لهــم: اجمعــوا كــل مــن فـــي المدينـــة
مـن التجــار والسواحيــن واسألوهــم عــن قلعــة جوهــر تكنــي وكــل مــن عرفهــا ودل عليهــا فإنــي أعطيــه
خمسيــن ألــف دينــار فلمــا سمــع الــوزراء ذلــك الكلـــام قالـــوا لـــه سمعـــاً وطاعـــة ثـــم ذهبـــوا مـــن وقتهـــم
وساعتهــم وفعلــوا مــا أمرهـــم بـــه الملـــك وصـــاروا يسألـــون التجـــار والسواحيـــن فـــي البلـــاد عـــن قلعـــة
جوهـر تكنـي فمــا أخبرهــم أحــد فأتــوا الملــك وأخبــروه بذلــك فلمــا سمــع الملــك كلامهــم قــام مــن وقتــه
وساعتـــه وأمـــر أن يأتـــوا بابنـــه جانشـــاه مــــن الســــراري الحســــان والجــــواري ربــــات الالــــات والمحاظــــي
المطربات بما لا يوجد مثلهن عند الملوك لعله يتسلى عن السيدة شمسة فأتوا بما طلبه.
ثــم أرســـل الملـــك رواداً وجواسيـــس إلـــى جميـــع البلـــاد والجزائـــر والأقاليـــم ليسالـــوا عـــن قلعـــة جوهـــر
تكنــي فسألــوا عنهــا مــدة شهريــن فمــا أخبرهــم بهــا أحــد فرجعــوا إلـــى الملـــك وأعلمـــوه بذلـــك فبكـــى
بكــاء شديــداً وذهــب إلــى ابنــه فوجــده جالســاً بيـــن الســـراري والمحاظـــي وربـــات آلـــات الطـــرب مـــن
الجنـك والسنطيـر وغيرهمـا وهـو لا يتسلـى بهـن عـن السيـدة شمسـة فقـال لـه: يـا ولــدي مــا وجــدت مــن
===
يعـرف هـذه القلعــة وقــد أتيتــك بأجمــل منهــا فلمــا سمــع جانشــاه ذلــك الكلــام بكــى وأفــاض دمــع العيــن
وأنشد هذين البيتين:
ترحــل صبــري والغــرام مقيــم وجسمي من فرط الغرام سقيم
متى تجمع الأيام شملي بشمسة وعظمي من حر الفراق رميـم
ثـم إن الملـك طيغمـوس كـان بينـه وبيـن ملـك الهنـد عـداوة عظيمـة لـأن الملـك طيغمـوس كــان قــد تعــدى
عليـــه وقتـــل رجالـــه وسلـــب أموالـــه وكـــان ملـــك الهنـــد يقـــال لـــه: الملـــك كفيـــد ولـــه جيـــوش وعساكـــر
وأبطــال وكــان لــه ألــف بهلــوان وكــل بهلــوان منهــم يحكــم علــى ألــف قبيلــة وكــل قبيــل مــن تلـــك القبائـــل
تشمـــل علـــى أربعـــة آلـــاف فـــارس وكـــان عنـــده أربعـــة وزراء وتحتـــه ملـــوك وأكابـــر وأمـــراء وجيــــوش
كثيـــرة وكـــان يحكـــم علـــى ألـــف مدينـــة لكـــل مدينـــة ألـــف قلعـــة وكـــان ملكـــاً عظيمــــاً شديــــد البــــأس
وعساكــره قــد ملــأت جميــع الـــأرض فلمـــا علـــم الملـــك كفيـــد ملـــك الهنـــد أن الملـــك طيغمـــوس اشتعـــل
بحــب ابنــه وتــرك الحكــم والملــك وقلــت مــن عنــده العساكــر وصــار فــي هـــم ونكـــد بسبـــب اشتغالـــه
بحــب ابنــه جمــع الــوزراء والأمــراء وأربـــاب الدولـــة وقـــال لهـــم: أمـــا تعلمـــون أن الملـــك طيغمـــوس قـــد
هجـم علـى بلادنـا وقتـل أبـي وأختـي ونهـب أموالنـا ومـا منكــم أحــد إلا وقتــل لــه قريبــاً وأخــذ لــه مــالاً
ونهــب رزقــه وأســر أهلــه وإنــي سمعــت اليــوم أنــه مشغــول بحــب ابنــه جانشـــاه وقـــد قلـــت مـــن عنـــده
===
العساكـــر وهـــذا وقـــت أخـــذ الثـــأر منـــه فتأهبـــوا للسفـــر إليـــه وجهـــزوا آلـــات الحبـــر للهجـــوم عليـــه ولا
تتهاونــوا فــي هــذا الأمــر بــل نسيــر إليــه ونهجــم عليــه ونقتلـــه هـــو وابنـــه ونملـــك بلـــاده وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية عشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك كفيــد ملــك الهنــد أمــر جيوشــه وعساكــره أن يركبــوا علــى
بلــاد الملــك طيغمــوس وقــال لهــم تأهبــوا للسفــر إليـــه وجهـــزوا آلـــات الحـــرب للهجـــوم عليـــه ولا تتهاونـــوا
في هذا الأمر بل نسير إليه ونهجم عليه ونقتله هو وابنه ونملك بلاده.
فلمـا سمعـوا منـه هـذا الكلـام قالـوا سمعـاً وطاعــة وأخــذ كــل واحــد منهــم فــي تجهيــز عدتــه واستمــروا
فـــي تجهيـــز العـــدد والسلـــاح وجـــع العساكـــر ثلاثـــة أشهـــر ولمـــا تكاملـــت العساكـــر والجيـــوش والأبطـــال
دقــوا الكاســات ونفخــوا فــي البوقــات ونصبــوا البيـــارق والرايـــات ثـــم إن الملـــك كفيـــد خـــرج بالعساكـــر
والجيــوش وســار حتــى وصــل إلــى أطــراف بلــاد كابــل وهــي بلــاد الملــك طيغمـــوس ولمـــا وصلـــوا إلـــى
تلـــك البلـــاد نهبوهـــا فسقـــوا فـــي الرعيـــة وذبحـــوا الكبـــار وأســـروا الصغـــار فوصـــل الخبـــر إلــــى الملــــك
طيغموس.
===
فلمــا سمــع بذلــك الخبــر اغتــاظ غيظــاً شديــداً وجمــع أكابــر دولتــه ووزراءه وأمــراء مملكتـــه وقـــال لهـــم
اعلمــوا أن الملــك كفيــد قــد أتــى ديارنــا ونــزل بلادنـــا ويريـــد قتالنـــا ومعـــه جيـــوش وأبطـــال وعساكـــر لا
يعلم عددهم إلا الله تعالى فما الرأي عندكم
فقالـوا يــا ملــك الزمــان الــرأي عندنــا أننــا نخــرج إليــه نقاتلــه ونــرده عــن بلادنــا فقــال لهــم الملــك طيغمــوس
تجهــزوا للقتــال ثــم أخــرج لهــم مــن الـــزرد والـــدروع والخـــوذ والسيـــوف وجميـــع آلـــات الحـــرب مـــا يـــردي
الأبطـــال ويتلـــف صناديـــد الرجـــال فاجتمعـــت العساكـــر والجيـــوش والأبطـــال وتجهــــزوا للقتــــال ونصبــــوا
الرايــــات ودقــــوا الكاســــات ونفــــخ فــــي البوقــــات وضربـــــت الطبـــــول وزمـــــرت الزمـــــور وســـــار الملـــــك
طيغموس على واد يقال له وادي زهران وهو في أطراف بلاد كابل.
ثــم إن الملــك طيغمــوس كتــب كتابــاً وأرسلــه مــع رســول مــن عسكـــره إلـــى الملـــك كفيـــد مضمونـــه أمـــا
بعـد فالـذي نعـم بـه الملـك كفيـد أنــك مــا فعلــت إلا فعــل الأوبــاش ولــو كنــت ملكــاً ابــن ملــك مــا فعلــت
هـذه الفعـال ولا كنـت تجـيء بلـادي وتنهـب أمـوال النـاس وتفســق فــي رعيتــي أمــا علمــت أن هــذا كلــه
جــور منــك ولــو علمــت بأنــك تتجــارى علــى مملكتــي لكنــت أتيتــك قبــل مجيئــك بمـــدة ومنعتـــك عـــن
بلــادي ولكــن إن رجعــت وتركــت الشــر بيننــا وبينــك فبهــا ونعمــت وإن لـــم ترجـــع فابـــرز إلـــى حومـــة
الميــدان وتجلــد لــدي فـــي موقـــف الحـــرب والطعـــان ثـــم إنـــه ختـــم الكتـــاب وسلمـــه لرجـــل عامـــل مـــن
===
عسكـره وأرسـل معـه جواسيـس يتجسسـون لـه علـى الأخبـار ثــم إن الرجــل أخــذ الكتــاب وســار بــه
حتى وصل إلى الملك كفيد.
فلمــا قـــرب مـــن مكانـــه رأى خيامـــاً منصوبـــة علـــى بعـــد وهـــي مصنوعـــة مـــن الحريـــر الأطلـــس ورأى
رايــات مــن الحريـــر الـــأزرق ورأى بيـــن الخيـــام خيمـــة عظيمـــة مـــن الحريـــر الأحمـــر وحـــول تلـــك الخيمـــة
عسكـر عظيــم ومــا زال سائــراً حتــى وصــل إلــى تلــك الخيمــة فســأل عنهــا فقيــل لــه إنهــا خيمــة الملــك
كفيـــد فنظـــر الرجـــل إلـــى وســـط الخيمـــة فـــرأى الملـــك كفيـــد جالســـاً علـــى كرســـي مرصـــع بالجواهـــر
وعنده الوزراء والأمراء وأرباب الدولة.
فلمـا رأى ذلـك ظهـر الكتـاب فـي يــده فذهــب إليــه جماعــة مــن عسكــر الملــك كفيــد وأخــذوا الكتــاب
منـه وأتـوا بـه أمــام الملــك فأخــذه الملــك فلمــا قــرأه عــرف معنــاه وكتــب لــه جوابــاً أمــا بعــد فالــذي نعلــم
بــه الملــك طيغمــوس أنــه لابــد مــن أننــا نأخــذ الثـــأر ونكشـــف العـــار ونخـــرب الديـــار ونهتـــك الأســـرار
ونقتـل الكبـار ونأسـر الصغـار وفـي غـد ابـرز إلـى القتـال فـي الميـدان حتــى أريــك الحــرب والطعــان ثــم
ختــم الكتــاب وسلمــه لرســول الملــك طيغمـــوس فأخـــذه وســـار. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت
عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن الملـــك كفيـــد سلـــم رد الجـــواب الـــذي أرسلـــه الملـــك طيغمـــوس
لرسولـه فأخـذه ورجـع فلمـا وصـل إليـه قبـل الـأرض بيـن يديــه ثــم أعطــاه الكتــاب وأخبــره بمــا رآه وقــال
لــه: يــا ملــك إنــي رأيــت فرسانــاً وأبطــالاً ورجــالاً لا يحصــى لهــم عــدد ولا يقطــع لهــم مـــدد فلمـــا قـــرأ
الكتـــاب وفهـــم معنـــاه غضـــب غضبـــاً شديـــداً وأمـــر وزيـــره عيـــن زار أن يركـــب ومعـــه ألـــف فــــارس
ويهجم على عسكر الملك كفيد في نصف الليل وأن يخوضوا فيهم ويقتلوهم.
فقــال لــه الوزيــر عيــن زار: سمعــاً وطاعــة ثــم ركــب وركبـــت معـــه العساكـــر والجيـــوش وســـاروا نحـــو
الملــك كفيــد وكـــان للمـــك كفيـــد وزيـــر يقـــال لـــه غطرفـــان فأمـــره أن يركـــب ويأخـــذ معـــه خمســـة آلـــاف
فـارس ويذهــب بهــم إلــى عسكــر الملــك طيغمــوس ويهجمــوا عليهــم ويقتلوهــم فركــب الوزيــر غطرفــان
وفعــل مــا أمــره بــه الملــك كفيــد وســار بالعسكـــر نحـــو الملـــك طيغمـــوس ومازالـــوا سائريـــن إلـــى نصـــف
الليــل حتــى قطعــوا نصــف الطريــق فـــإذا بالوزيـــر غطرفـــان وقـــع بالوزيـــر عيـــن زار فصاحـــت الرجـــال
على الرجال ووقع بينهم قتال شديد القتال ومازال يقاتل بعضهم بعضاً إلى وقت الصباح.
فلمـــا أصبـــح الصبـــاح انهزمــــت عساكــــر الملــــك كفيــــد وولــــوا هاربيــــن إليــــه فلمــــا رأى ذلــــك غضــــب
غضبــاً شديــداً وقــال لهــم: يــا ويلكــم مــا الــذي أصابكــم حتــى فقدتـــم أبطالكـــم فقالـــوا لـــه: يـــا ملـــك
الزمـان إنـه لمـا ركـب الوزيـر غطرفـان وسرنـا نحـو الملـك طيغمــوس ولــم نــزل سائريــن إلــى أن نصفنــا الليــل
===
وقطعنــا نصــف الطريــق فقابلنــا عيــن زار وزيــر الملــك طيغمــوس وأقبــل علينـــا ومعـــه جيـــوش وأبطـــال
وكانــت المقابلــة بجانــب وادي زهــران فمــا نشعــر إلا ونحــن فـــي وســـط العسكـــر ووقعـــت العيـــن علـــى
العيـن وقاتلنـا قتـالاً شديـداً مـن نصـف الليـل إلـى الصبـاح وقـد قتـل خلـق كثيـر وصــار الوزيــر عيــن زار
يصيـح فـي وجــه الفيــل ويضربــه فيجفــل الفيــل مــن شــدة الضــرب ويــدوس الفرســان ويولــي هاربــاً ومــا
بقــي أحــد ينظــر أحـــداً مـــن كثـــرة مـــا يطيـــر مـــن الغبـــار وصـــار الـــدم يجـــري كالتيـــار ولـــولا أننـــا أتينـــا
هاربين لكنا قتلنا عن آخرنا.
فلمــا سمــع الملــك كيفيـــد هـــذا الكلـــام قـــال: لا باركـــت فيكـــم الشمـــس بـــل غضبـــت عليكـــم غضبـــاً
شديــداً ثـــم إن الوزيـــر عيـــن زار رجـــع إلـــى الملـــك طيغمـــوس وأخبـــره بذلـــك فهنـــأه الملـــك طيغمـــوس
بالسلامـة وفـرح فرحـاً شديـداً وأمـر بــدق الكاســات والنفــخ فــي البوقــات ثــم تفقــد عسكــره فــإذا هــم
قـد قتـل منهـم ائتــا فــارس مــن الشجعــان الشــداد ثــم إن الملــك كفيــد هيــأ عسكــره وجنــوده وجيوشــه
وأتـى الميــدان واصطفــوا صفــاً فكملــوا خمســة عشــر صفــاً فــي كــل صــف عشــرة آلــاف فــارس وكــان
معــه ثلاثمائــة بهلــوان يركبــون علــى الأفيــال وقــد انتخــب الأبطــال وصناديــد الرجـــال ونصبـــت البيـــارق
والرايات ودقت الكاسات ونفخ في البوقات وبرز الأبطال طالبين القتال.
وأمــا الملــك طيغمــوس فإنــه صــف عسكــره صفــاً بعـــد صـــف فـــإذا هـــم عشـــرة صفـــوف كـــل صـــف
===
عشــرة آلــاف فــارس وكــان معــه مائــة بهلــوان يركبــون عــن يمينــه وشمالــه ولمــا اصطفــت الصفــوف تقــدم
كـــل فـــارس موصـــوف وتصادمـــت الجيــــوش وضــــاق رحــــب الــــأرض عــــن الخيــــل وضربــــت الطبــــول
وزمـرت الزمـور ودقـت الكاســات ونفــخ فــي البوقــات وصــاح النفيــر وصمــت الــأذان مــن صهيــل الخيــل
فـي الميـدان وصاحـت الرجـال بأصواتهـم وانعقـد الغبـار علـى رؤوسهـم واقتتلــوا قتــالاً شديــداً مــن أول
النهـــار إلـــى أن أقبـــل الظلـــام ثـــم افترقـــوا وذهبـــت العساكـــر إلـــى منازلهـــم. وأدرك شهـــرزاد الصبــــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة عشرة بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن العساكـــر افترقـــوا وذهبـــوا إلــــى منازلهــــم فتفقــــد الملــــك كفيــــد
عسكــره فــإذا هــم قتــل منهــم خمســة آلــاف فــارس فغضــب غضبـــاً شديـــداً وتفقـــد الملـــك طيغمـــوس
عسكــره فــإذا هــم قــد فقــد منهــم ثلاثــة آلــاف فــارس مــن خــواص شجعانــه فلمـــا رأى ذلـــك غضـــب
غضبـــاً شديـــداً ثـــم إن الملـــك كفيـــد بـــرز إلـــى الميـــدان ثانيـــاً وفعـــل كمـــا فعـــل أول مـــرة وكـــل واحــــدم
منهمـا يطلـب النصـر لنفسـه وصـاح الملـك كفيـد علـى عسكـره وقــال: هــل فيكــم مــن يبــرز إلــى الميــدان
ويفتــح لنــا بــاب الحــرب والطعــان فــإذا ببطــل يقــال لــه بركيــك قــد أقبــل راكبــاً علــى فيــل وكــان بهلوانــاً
===
عظيمـاً ثـم تقـدم ونـزل مـن فـوق ظهـر الفيـل وقبـل الـأرض بيـن يـدي الملـك كفيـد واستأذنـه فـي البـراز ثـم
ركـــب الفيـــل وساقـــه إلـــى الميـــدان وصـــاح وقـــال: هـــل مـــن مبـــارز هـــل مـــن مناجـــز هـــل مـــن مقاتــــل
فلمــا سمــع ذلــك الملــك طيغمــوس التفــت إلــى عسكــره وقــال لهــم: مـــن يبـــرز إلـــى هـــذا البطـــل منكـــم
فـإذا بفـارس قـد بـرز مـن بيـن الصفـوف راكبـاً علـى جـواد عظيـم الخلقـة وسـار حتـى أقبـل علـى الملــك
طيغمـوس وقبـل الـأرض قدامـه واستأذنـه فـي المبـارزة ثـم توجـه إلــى بركيــك فلمــا أقبــل عليــه قــال لــه:
مــن تكــون أنــت حتــى تستهــزئ بـــي وتبـــرز إلـــي وحـــدك ومـــا اسمـــك فقـــال لـــه: اسمـــي غضنفـــر بـــن
كحيـل فقـال لـه بركيـك: كنـت أسمـع بـك وأنــا فــي بلــادي فدونــك والقتــال بيــن صفــوف الأبطــال. فلمــا
سمــع غضنفــر كلامــه سحــب عمــود الحديــد مــن تحــت فخـــذه وقـــد أخـــذ بركيـــك السيـــف فـــي يـــده
وتقاتـلا قتــالاً شديــداً ثــم إن بركيــك ضــرب غضنفــر بالسيــف فأتــت الضربــة فــي خوذتــه ولــم يصبــه
منهـا ضـرر فلمـا رأى ذلـك غضنفــر ضربــه بالعمــود فاستــوى لحمــه بلحــم الفيــل. فأتــاه شخــص وقــال
لـه: مـن أنـت حتـى تقتـل أخـي ثـم أخـذ نبلــة فــي يــده وضــرب بهــا غضنفــر فأصابــت فخــذه فسمــرت
الـدرع فيــه فلمــا رأى ذلــك غضنفــر جــر السيــف فــي يــده وضربــه فقسمــه نصفيــن فنــزل إلــى الــأرض
يخور في دمه ثم إن غضنفر ولى هارباً نحو الملك طيغموس.
فلمـا رأى ذلـك الملـك كفيـد صـاح علــى عسكــره وقــال لهــم: انزلــوا إلــى الميــدان وقاتلــوا الفرســان ونــزل
===
الملـك طيغمـوس بعسكـره وجيوشـه وقاتلـوا قتـالاً شديـداً وقــد صهلــت الخيــل وصاحــت الرجــال علــى
الرجــال وتجــردت السيــوف وتقــدم كــل فــارس موصــوف وحملــت الفرســان علــى الفرســان وفــر الجبــان
مـن موقـف الطعـان ودقــت الكاســات ونفــخ فــي البوقــات فمــا تسمــع النــاس إلا ضجــة صيــاح وقعقعــة
سلــاح وهلــك فــي ذلــك الوقــت مــن الأبطــال مــن هلــك ومــا زالـــوا علـــى هـــذا الحـــال إلـــى أن صـــارت
الشمـس فـي قبـة الفلـك ثـم إن الملـك طيغمــوس انفــرق بعساكــره وجيوشــه وعــاد لخيامــه وكذلــك الملــك
كفيد.
ثــم إن الملــك طيغمــوس تفقــد رجالــه فوجدهــم قــد قتــل منهــم خمســة آلــاف فــارس وانكســرت منهـــم
أربعــة بيــارق فلمــا علــم الملــك طيغمــوس ذلــك غضــب غضبــاً شديــداً وأمــا الملـــك كفيـــد فإنـــه تفقـــد
عسكـــره فوجدهـــم قـــد قتـــل منهـــم ستمائـــة فـــارس مـــن خـــواص شجعانـــه وانكســــرت منهــــم تسعــــة
بيــارق ثــم ارتفــع القتــال مــن بينهــم مــدة ثلاثــة أيــام وبعــد ذلــك كتــب الملـــك كفيـــد كتابـــاً وأرسلـــه مـــع
رســول مــن عسكــره إلــى ملــك يقــال لــه فاقــون الكلــب فذهــب الرســـول إليـــه وكـــان كفيـــد يدعـــي أنـــه
قريبـه مـن جهـة أمـه فلمـا علــم الملــك فاقــون بلذلــك جمــع عسكــره وجيوشــه وتوجــه إلــى الملــك كفيــد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك فاقــون جمــع عساكــره وجيوشــه وتوجـــه إلـــى الملـــك كفيـــد
فبينمـا الملـك طيغـوس جالـس فـي حظـه إذ أتـاه شخـص وقـال لـه: إنـي رايـت غبـرة ثائـرة علـى بعـد قـد
ارتفعــت إلــى الجــو فأمــر الملــك طيغمــوس جماعــة مــن عسكــره أن يكشفــوا خبــر تلــك الغبــرة فقالــوا لــه
سمعـــاً وطاعـــة وذهبـــوا ورجعـــوا وقالـــوا: أيهـــا الملـــك قـــد رأينـــا الغبـــرة وبعـــد ساعـــة ضربهـــا الهــــواء
وقطعهـا وبـان مـن تحتهـا سبعـة بيــارق تحــت كــل بيــرق ثلاثــة آلــاف فــارس وســاروا إلــى ناحيــة الملــك
كفيــد ولمــا وصــل الملــك فاقــون الكلــب إلــى الملــك كفيــد سلـــم عليـــه وقـــال لـــه: مـــا خبـــرك ومـــا هـــذا
القتــال الــذي أنــت فيـــه فقـــال لـــه الملـــك كفيـــد: أمـــا تعلـــم أن الملـــك طيغمـــوس عـــدوي وقاتـــل إخوتـــي
وأبــي وأنــا قــد جئتــه لأقاتلــه وآخــذ بثــأري منــه. فقــال الملــك فاقــون: باركــت الشمــس فيـــك ثـــم إن
الملـك كفيـد أخـذ الملـك فاقـون الكلـب وذهــب بــه إلــى خيمتــه وفــرح فرحــاً شديــداً هــذا مــا كــان مــن
أمر الملك طيغموس والملك كفيد.
وأمـا مـا كـان مــن أمــر الملــك جانشــاه فإنــه استمــر شهريــن وهــو لــم ينظــر أبــاه ولــم يــأذن بالدخــول عليــه
لأحـد مـن الجـواري اللواتـي كـن فـي خدمتـه فحصـل لـه بذلـك قلـق عظيـم فقـال لبعـض أتباعـه: مـا خبـر
أبـي حتـى أنـه لـم يأتنـي فأخبـروه بمـا جــرى لأبيــه مــع الملــك كفيــد فقــال: ائتونــي بجــوادي حتــى أذهــب
إلى أبي فقالوا له: سمعاً وطاعة وأتوا له بالجواد.
===
فلمــا حضــر جــواده قــال فــي نفســه: أنــا مشغــول بنفســي فالــرأي أن آخــذ فرســي وأسيـــر إلـــى مدينـــة
اليهـود وإذا وصلـت إليهـا يهــون اللــه علــى ذلــك التاجــر الــذي استأجرنــي للعمــل لعلــه يفعــل بــي مثــل مــا
فعل أول مرة وما يدري أحد أين تكون الخيرة.
ثــم إنــه ركـــب وأخـــذ معـــه ألـــف فـــارس. حتـــى صـــار النـــاس يقولـــون إن جانشـــاه ذاهـــب إلـــى أبيـــه
ليقاتــل معــه ومازالــوا سائريــن إلــى وقــت المســاء ثــم نزلـــوا فـــي مـــرج عظيـــم وباتـــوا بذلـــك المـــرج فلمـــا
نامـوا وعلــم جانشــاه أن عسكــره نامــوا كلهــم قــام فــي خفيــة وشــد وسطــه وركــب جــواده وســار إلــى
طريق بغداد لأنـه كـان سمـع مـن اليهـود أنـه تأتيهـم فـي كـل سنـة مرتيـن قافلـة مـن بغـداد وقـال فـي نفسـه:
إذا وصلـت إلـى بغـداد أسيـر مـع القافلــة حتــى أصــل إلــى مدينــة اليهــود وصمــم فــي نفســه علــى ذلــك
وسار إلى حال سبيله.
فلمــا استيقــظ العساكــر مــن نومهــم ولــم يــروا جانشــاه ولا جــواده ركبــوا وســاروا يفتشــون عــن جانشــاه
يمينـاً وشمـالاً فلـم يجـدوا لـه خبـر فرجعـوا إلـى أبيـه وأعلمـوه بمـا فعـل ابنـه فغضـب غضبـاً شديــداً وكــاد
الشــرر يطلــع مــن فيــه ورمــى بتاجــه مــن فــوق رأســه وقــال: لا حـــول ولا قـــوة إلا باللـــه العلـــي العظيـــم
قـد فقـدت ولـدي والعـدو قبالــي فقــال لــه الملــوك والــوزراء: اصبــر يــا ملــك الزمــان فمــا بعــد الصبــر إلا
الخير.
===
ثــم إن جانشــاه صــار مــن أجــل أبيــه وفــراق محبوبتــه حزينــاً مهمومــاً جريــح القلــب قريــح العيـــن سهـــران
الليـل والنهـار وأمـا أبــوه فلمــا علــم بفقــده مــع عساكــره وجيوشــه ورجــع عــن حــرب عــدوه وتوجــه إلــى
مدينتـه ودخلهـا وغلـق أبوابهـا وحصـن أسوارهـا وصــار هاربــاً مــن الملــك كفيــد وصــار كفيــد فــي كــل
شهــر يجــيء المدينــة طالبــاً القتـــال والخصـــام ويقعـــد عليهـــا سبـــع ليـــال وثمانيـــة أيـــام وبعـــد ذلـــك يأخـــذ
عسكره ويرجع بهم إلى الخيام ليداوي المجروحين من الرجال.
فأمـــا أهـــل مدينـــة الملـــك طيغمـــوس فإنهـــم عنـــد انصــــراف العــــدو عنهــــم يشتغلــــون بإصلــــاح السلــــاح
وتحصيــن الأســوار وتهيئــة المنجنيقــات ومكــث الملــك طيغمــوس والملــك كفيــد علــى هــذه الحالــة سبــع
سنين والحرب مستمرة بينهما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة عشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك طيغمـــوس مكـــث هـــو والملـــك كفيـــد علـــى هـــذه الحالـــة
سبع سنين. هذا ما كان من أمرهما.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر جانشــاه فإنــه لــم يــزل سائــراً يقطــع البــراري والقفـــار وكلمـــا وصـــل إلـــى بلـــد مـــن
===
البلــاد ســأل عــن قلعــة جوهــر تكنــي فلــم يخبــره أحــد بهــا وإنمــا يقولــون لــه إننــا لــم نسمــع بهــذا الاســـم
أصـلاً ثـم إنـه ســأل عــن مدينــة اليهــود فأخبــره رجــل مــن التجــار أنهــا فــي أطــراف بلــاد المشــرق وقــال
لـه فـي هـذا الشهـر ســر معنــا إلــى مدينــة شمعــون ومنهــا إلــى خــوارزم وتبقــى مدينــة اليهــود قريبــة مــن
خوارزم فإن بينهما مسافة سنة وثلاثة أشهر.
فصبــر جانشــاه حتـــى سافـــرت القافلـــة وسافـــر معهـــا إلـــى أن وصـــل إلـــى مدينـــة مرزقـــان ولمـــا دخـــل
تلـك المدينـة صـار يسـأل عـن قلعـة جوهـر تكنـي فلـم يخبـره أحـد بهـا وقالـوا لـه: مـا سمعنـا بهــذا الاســم
أصلاً وقاسى في الطريق شدة عظيمة وأهوالاً صعبة وجوعاً وعطشاً.
ثــم سافــر مــن الهنــد ولــم يــزل مسافــراً حتــى وصــل إلـــى بلـــاد خراســـان وانتهـــى إلـــى مدينـــة شمعـــون
ودخلهـــا وســـأل عـــن مدينـــة اليهـــود فأخبـــروه عنهـــا ووصفـــوا لـــه طريقهـــا فسافـــر أيامـــاً وليالــــي حتــــى
وصـل إلـى نهـر بجانـب مدينـة اليهـود وجلـس علـى شاطئـه وصبـر إلـى يـوم السبــت حتــى نشــف بقــدرة
اللـه تعالـى فعـدى منـه إلـى بيـت اليهـودي الـذي كـان فيــه أول مــرة فسلــم عليــه هــو وأهــل بيتــه ففرحــوا
بـه وأتــوا بالأكــل والشــرب ثــم قالــوا لــه: أيــن كانــت غيبتــك فقــال لهــم: بملــك اللــه تعالــى ثــم بــات تلــك
الليلـة عندهـم ولمـا كـان الغــد دار فــي المدينــة يتفــرج فــرأى مناديــاً ينــادي ويقــول: يــا معاشــر النــاس مــن
يأخــذ ألــف دينــار وجاريــة حسنــة ويعمــل عندنــا شغــل نصــف يــوم فقــال لــه جانشــاه: أنــا أعمــل فقــال
===
لـه المنـادي: اتبعنـي فتبعـه حتـى وصـل إلـى بيـت اليهــودي التاجــر الــذي وصــل إليــه أول مــرة. ثــم قــال
المنـــادي لصاحـــب البيـــت: إن هـــذا الولـــد يعمـــل الشغـــل الـــذي تريـــد فرحـــب بــــه التاجــــر وقــــال لــــه:
مرحبـاً بـك وأخـذه ودخــل بــه إلــى الحريــم وأتــاه بالأكــل والشــرب فأكــل جانشــاه وشــرب ثــم إن التاجــر
قــدم لــه الدنانيــر والجاريــة الحسنــة وباتــا معــاً تلــك الليلــة ولمــا أصبـــح الصبـــاح أخـــذ الدنانيـــر والجاريـــة
وسلمهــا لليهــودي الــذي بــات فــي بيتــه أول مــرة. ثــم رجــع إلــى التاجــر صاحــب الشغــل فركـــب معـــه
وسـاراً حتـى وصـلا إلـى جبـل عـال شاهـق العلـو ثـم إن التاجـر أخــرج حبــلاً وسكينــاً وقــال لجانشــاه:
ارم هـــذه الفـــرس علـــى الــــأرض فرماهــــا وكتفهــــا بالحبــــل وذبحهــــا وسلخهــــا وقطــــع قوائمهــــا ورأسهــــا
وشـق بطنهـا كمـا أمـره التاجـر ثـم قـال التاجـر لجانشــاه ادخــل بطــن هــذه الفــرس حتــى أخيطهــلا عليــك
ومهمـــا رأيتـــه فيـــه فقـــل لـــي عليـــه فهـــذا الشغـــل الـــذي أخـــذت أجرتـــه فدخـــل جانشـــاه بطـــن الفــــرس
وخيطهــا عليــه التاجــر ثــم ذهــب إلــى محــل بعيــد عــن الفــرس واختفــى فيــه وبعــد ساعـــة أقبـــل طيـــر
عظيـم ونــزل مــن الجــو وخطــف الفــرس وارتفــع بهــا إلــى عنــان السمــاء ثــم نــزل علــى رأس الجبــل فلمــا
استقـــر علـــى رأس الجبـــل أراد أن يأكـــل الفـــرس فلمـــا أحـــس بـــه جانشـــاه شــــق بطــــن الفــــرس وخــــرج
فجفل الطير منه وطار إلى حال سبيله.
فطلــع جانشــاه ونظــر إلــى التاجــر فــرآه واقفـــاً تحـــت الجبـــل مثـــل العصفـــور فقـــال مـــا تريـــد أيهـــا التاجـــر
===
فقـال لـه ارم بشــيء مــن هــذه الحجــار التــي حواليــك حتــى أدلــك علــى الطريــق التــي تنــزل منهــا فقــال
جانشـــاه أنـــت الـــذي فعـــل بـــي كيـــت وكيـــت مـــن مـــدة خمـــس سنيـــن قـــد قاسيـــت جوعـــاً وعطشـــاً
وحصـل لـي تعـب عظيـم وشـر كثيـر وهــا أنــت عــدت بــي إلــى هــذا المكــان وأردت هلاكــي فواللــه لا
أرمـي لـك شــيء ثــم إن جانشــاه ســار وقصــد الطريــق التــي توصــل إلــى الشيــخ نصــر ملــك الطيــور.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة عشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جانشـــاه ســـار وقصـــد الطريـــق التـــي توصـــل إلـــى الشيـــخ نصـــر
ملــك الطيــور ولــم يــزل سائــراً أيامــاً وليالــي وهــو باكــي العيـــن حزيـــن القلـــب وإذا جـــاع يأكـــل مـــن نبـــات
الــأرض وإذا عطــش يشــرب مــن أنهارهــا حتــى وصــل إلــى قصــر السيــد سليمــان فــرأى الشيــخ نصـــر
جالسـاً علـى بـاب القصـر فأقبـل عليــه وقبــل يديــه فرحــب بــه الشيــخ نصــر وسلــم عليــه ثــم قــال لــه يــا
ولــدي مــا خبــرك حتــى جئــت هــذا المكــان وكنــت قــد توجهــت مــن هنــا مـــع السيـــدة شمســـة وأنـــت
قريــر العيــن منشـــرح الصـــدر فبكـــى جانشـــاه وحكـــى لـــه مـــا جـــرى مـــن السيـــدة شمســـة لمـــا طـــارت
وقالت له: إن كنت تحبني تعال عندي في قلعة جوهر تكني.
===
فتعجــب الشيــخ نصــر مــن ذلــك وقــال: واللــه يــا ولــدي مــا أعرفهــا وحــق السيــد سليمــان ولا سمعـــت
بهــذا الاســم طــول عمــري فقــال جانشــاه كيــف أعمــل وقــد مــت مــن العشــق والغـــرام فقـــال لـــه الشيـــخ
نصر: اصبر حتى تأتي الطيور ونسألهم عن قلعة جوهر تكني لعل أحد منهم يعرفها.
فاطمــأن قلــب جانشــاه ودخــل القصــر وذهــب إلــى المقصــورة المشتملــة علــى البحيـــرة التـــي رأى فيهـــا
البنــات الثلــاث ومكــث عنــد الشيــخ نصــر مــدة مــن الزمــان فبينمــا هــو جالــس علــى عادتــه إذ قــال لــه
الشيـخ نصـر يـا ولـدي إنـه قـرب مجـيء الطيـر ففـرح جانشـاه بذلـك الخبـر ولـم تمـض إلا أيامــاً قلائــل حتــى
أقبلــت الطيــور فجــاء الشيــخ نصــر إلــى جانشــاه وقــال لــه يــا ولــدي تعلـــم هـــذه الأسمـــاء وأقبـــل علـــى
الطيور.
فجـاءت وسلمـت علـى الشيـخ نصـر جنسـاً بعــد جنــس ثــم سألهــا عــن قلعــة جوهــر تكنــي فقــال كــل
منهــا مــا سمعــت بهــذه القلعــة طــول عمــري فبكــى بكــاء شديــداً وتحســر ووقــع مغشيـــاً عليـــه فطلـــب
الشيــخ نصــر طيــراً عظيمــاً وقــال لــه أوصــل هــذا الشــاب إلــى بلــاد كابــل ووصــف لــه البلـــاد وطريقهـــا
فقال له سمعاً وطاعة.
ثـم ركـب جانشـاه علـى ظهـره وقـال لـه احتــرس علــى نفســك وإيــاك أن تميــل فتنقطــع فــي الهــواء وســد
أذنيــك مــن الريــح لئــلا يضربــك جــري الأفلــاك ودوي البحــار فقبـــل جانشـــاه مـــا قالـــه الشيـــخ نصـــر ثـــم
===
أقبـل بـه الطيـر وعــلا بــه إلــى الجــو وســار بــه يومــاً وليلــة ثــم نــزل بــه عنــد ملــك الوحــوش واسمــه شــاه
بـدوي فقـال لجانشـاه قـد تهنـا عـن البلــاد التــي وصفهــا لنــا الشيــخ نصــر وأراد أن يأخــذ جانشــاه ويطيــر
بــه فقــال لــه جانشــاه اذهــب إلــى حــال سبيلــك واتركنــي فــي هــذه الــأرض حتـــى أمـــوت وأصـــل إلـــى
بلــادي فتركــه الطيــر عنــد ملــك الوحــوش شـــاه بـــدوي وذهـــب إلـــى حـــال سبيلـــه ثـــم إن شـــاه بـــدوي
سألــه وقــال لــه مــن أنــت ومــن أيــن أقبلــت مــع هــذا الطيــر العظيــم ومــا حكايتــك فحكــى لــه جميــع مــا
جرى له من الأول إلى الآخر.
فتعجــب ملــك الوحــوش مــن حكايتــه وقــال لـــه: وحـــق السيـــد سليمـــان إنـــي مـــا أعـــرف هـــذه القلعـــة
وكــل مــن دلنــا عليهــا نكرمــه ونرسلــك إليهــا فبكــى جانشــاه بكــاء شديــداً وصبــر مــدة قليلـــة وبعدهـــا
أتــاه ملــك الوحــوش وهــو شــاه بــدوي وقــال لــه قــم يــا ولــدي وخــذ هـــذه الألـــواح واحفـــظ الـــذي فيهـــا
وإذا أتت الوحوش نسألها عن تلك القلعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن شــاه بــدوي ملـــك الوحـــوش قـــال لجانشـــاه احفـــظ مـــا فـــي هـــذه
الألــواح وإذا جــاءت الوحــوش نسألهــا عــن تلــك القلعــة فمــا مضــى غيــر ساعــة حتــى أقبلــت الوحـــوش
===
جنسـاً بعـد جنـس وصـاروا يسلمـون علـى الملــك شــاه بــدوي ثــم إنــه سألهــم عــن قلعــة جوهــر تكنــي
فقالـوا لـه جميعـاً مـا نعـرف هــذه القلعــة ولا سمعنــا بهــا فبكــى جانشــاه وتأســف علــى عــدم ذهابــه مــع
الطير الذي أتى به من عند الشيخ نصر.
فقــال لــه ملــك الوحــوش: يــا ولــدي لا تحمــل همــاً إن لــي أخــاً أكبــر منــي ويقــال لـــه الملـــك شمـــاخ وكـــان
أسيـراً عنـد السيـد سليمـان لأنـه كـان عاصيـاً عليـه وليـس أحـد مـن الجــن أكبــر منــه هــو والشيــخ نصــر
فلعلـه يعـرف هـذه القلعـة وهـو يحكـم علـى الجـان الذيـن فـي هــذه البلــاد ثــم أركبــه ملــك الوحــوش علــى
ظهـر وحــش منهــا وأرســل معــه كتابــاً إلــى أخيــه بالوصيــة عليــه ثــم إن ذلــك الوحــش ســار مــن وقتــه
وساعتـه ولـم يـزل سائـراً بجانشـاه أيامـاً وليالـي حتـى وصـل إلـى الملــك شمــاخ فوقــف ذلــك الوحــش فــي
مكــان وحــده بعيــداً عــن الملــك ثــم نـــزل جانشـــاه مـــن فـــوق ظهـــره وصـــار يتمشـــى حتـــى وصـــل إلـــى
حضــرة الملــك شمــاخ فقبــل يديــه وناولــه الكتــاب فقــرأه وعــرف معنـــاه ورحـــب بـــه وقـــال لـــه: واللـــه يـــا
ولدي إن هذه القلعة عمري ما سمعت بها ولا رأيتها فبكى جانشاه وتحسر.
فقــال لـــه الملـــك شمـــاخ: احـــك لـــي حكايتـــك وأخبرنـــي مـــن أنـــت ومـــن أيـــن أتيـــت وإلـــى أيـــن تذهـــب
فأخبــره بجميــع مــا جــرى لــه مــن الــأول إلــى الآخــر فتعجــب شمـــاخ مـــن ذلـــك وقـــال لـــه: يـــا ولـــدي أنـــا
أعـرف راهبـاً فـي الجبـل وهـو كبيـر فـي العمـر وقـد أطاعتـه جميــع الطيــور والوحــوش والجــان مــن كثــرة
===
اقسامـه لأنـه مـا زال يتلـو الأقســام علــى ملــوك الجــن حتــى أطاعــوه قهــراً عنهــم مــن شــدة تلــك الأقســام
والسحــر الــذي عنــده وجميــع الطيــور والوحــوش تسيــر إلــى خدمتــه وأنـــا قـــد كنـــت عصيـــت السيـــد
سليمـان فهـو أسرنـي عنـده ومــا غلبنــي ســوى هــذا الراهــب مــن شــدة مكــره وأقسامــه وسحــره وقــد
بقيـت فـي خدمتـه واعلـم أنـه سـاح فـي جميـع البلـاد والأقاليـم وعــرف جميــع الطــرق والجهــات والأماكــن
والقلـاع والمدائــن ومــا أظــن أنــه يخفــى عليــه مكــان فأنــا أرسلــك إليــه لعلــه يدلــك علــى هــذه القلعــة وإن
لـم يدلــك هــو عليهــا فمــا يدلــك عليهــا أحــد لأنــه قــد أطاعتــه الطيــور والوحــوش والجــان وكلهــم يأتونــه
مـن شـدة سحـره وقـد اصطنـع لـه عكـازة ثلــاث قطــع فغرزهــا فــي الــأرض ويتلــو القســم علــى القطعــة
الأولـى مـن العكــازة فيخــرج منهــا لحــم ويخــرج منهــا دم ويتلــو القســم علــى القطعــة الثانيــة فيخــرج منهــا
قمــح وشعيــر وبعــد ذلــك يخــرج العكــازة مــن الــأرض ثــم يذهـــب إلـــى ديـــره وديـــره يسمـــى ديـــر المـــاس
وهــذا الراهــب الكاهــن يخــرج مــن يــده اختــراع كــل صنعــة غريبــة وهـــو ساحـــر كاهـــن مخـــادع خبيـــث
واسمـه يغمـوس وقـد حـوى جميـع الأقسـام والعزائـم ولابـد مـن أن أرسلـك إليـه مـع طيـر عظيـم لــه أربعــة
أجنحة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة عشرة بعد الخمسمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك شمــاخ قــال لجانشــاه: ولابــد مــن أن أرسلــك إلــى الراهـــب
مـع طيـر عظيـم لـه أربعـة أجنحـة ثـم أركبـه علـى ظهـر طيـر عظيـم لـه أربعــة أجنحــة طــول كــل جنــاح
منهـا ثلاثـون ذراعـاً بالهاشمـي ولــه أرجــل مثــل أرجــل الفيــل لكنــه لا يطيــر فــي السنــة إلا مرتيــن وكــان
عنـــد الملـــك شمـــاخ عـــون يقـــال لـــه طمشـــون كـــل يـــوم يخطـــف لهـــذا الطيـــر بختيتيـــن مـــن بلـــاد العـــراق
ويفسخهمــا لــه ليأكلهمـــا فلمـــا ركـــب جانشـــاه علـــى ظهـــره وســـار بـــه ليالـــي وأيامـــاً حتـــى وصـــل إلـــى
الجبــل القلــع وديــر المــاس فنــزل جانشــاه عنــد ذلــك الديــر فــرأى يغمــوس الراهــب داخــل الكنيســـة وهـــو
يتعبــد فيهــا فتقــدم جانشــاه إليــه وقبــل الــأرض ووقــف بيــن يديــه. فلمــا رآه الراهــب قــال لـــه: مرحبـــاً
بــك يــا ولــدي يـــا غريـــب الـــدار وبعيـــد المـــزار أخبرنـــي مـــا سبـــب مجيئـــك إلـــى هـــذا المكـــان فبكـــى
جانشــاه وحكــى لــه حكايتــه مــن الــأول إلــى الآخــر. فلمــا سمـــع الراهـــب الحكايـــة تعجـــب منهـــا غايـــة
العجـب وقـال لـه: واللـه يــا ولــدي عمــري مــا سمعــت بهــذه القلعــة ولا رأيــت مــن سمــع بهــا أو رآهــا مــع
أنـي كنـت موجـوداً فـي عهـد نـوح نبـي اللـه وحكمـت مـن عهـد نـوح إلــى زمــن السيــد سليمــان بــن داود
علـى الوحـوش والطيـور والجـان ومـا أظــن أن السيــد سليمــان سمــع بهــذه القلعــة ولكــن اصبــر يــا ولــدي
حتـى تأتـي الطيـور والوحــوش وأعــوان الجــان واسألهــم لعــل أحــداً منهــم يخبرنــا بهــا ويأتينــا بخبــر عنهــا
ويهون الله تعالى عليك.
===
فقعــد جانشــاه مــدة مــن الزمــان عنــد الراهــب فبينمـــا هـــو قاعـــد إذ أقبلـــت عليـــه الطيـــور والوحـــوش
والجــان أجمعيــن وصــار جانشــاه والراهــب يسألونهــم عــن قلعــة جوهــر تكنــي فمــا أحــد منهــم قــال أنـــا
رأيتهــا أو سمعــت بهــا بــل كــان كــل منهــم يقــول مــا رأيــت هــذه القلعــة ولا سمعــت بهـــا فصـــار جانشـــاه
يبكـي وينـوح ويتضـرع إلـى اللـه تعالـى فبينمـا هـو كذلـك وإذا بطيــر قــد أقبــل آخــر الطيــور وهــو أســود
اللـون عظيـم الخلقـة ولمـا نـزل مـن أعلـى الجـو جـاء وقبـل يـدي الراهــب فسألــه الراهــب عــن قلعــة جوهــر
تكنـي فقـال لــه الطيــر: أيهــا الراهــب إننــا كنــا ساكنيــن خلــف جبــل قــاف بجبــل البلــور فــي بــر عظيــم
وكنـت أنـا وإخوتـي فراخـاً صغـاراً وأبـي وأمـي كانــا يسرحــان فــي كــل يــوم يجيئــان برزقنــا فاتفــق أنهمــا
سرحــا يومــاً مــن الأيــام وغابــا عنــا سبعــة أيــام فاشتــد علينــا الجــوع ثـــم أتيـــا فـــي اليـــوم الثامـــن وهمـــا
يبكيـان فقلنـا لهمـا: مــا سبــب غيابكمــا عنــا فقــالا: إنــه خــرج علينــا مــارد فخطفنــا وذهــب بنــا إلــى
قلعـــة جوهـــر تكنـــي وأوصلنـــا إلـــى الملـــك شهلـــان فلمـــا رآنـــا الملـــك شهلـــان أراد قتلنـــا فقلنـــا لـــه: إن
وراءنــا فراخــاً صغــاراً فأعتقنــا مــن القتــل ولــو كـــان أبـــي وأمـــي فـــي قيـــد الحيـــاة لكانـــا أخبراكـــم عـــن
القلعة.
فلمــا سمــع جانشــاه هــذا الكلــام بكــى بكــاء شديــداً وقــال للراهــب: أريــد منــك أن تأمــر هـــذا الطيـــر
أن يوصلني إلـى نحـو وكـر أبيـه وأمـه فـي جبـل البلـور خلـف جبـل قـاف فقـال الراهـب للطيـر: أيهـا لاطيـر
===
أريـد منـك أن تطيـع هـذا الولـد فـي جميـع مـا يأمـرك بـه فقـال الطيـر للراهـب سمعــاً وطاعــة لمــا تقــول ثــم
إن ذلـك الطيـر أركـب جانشـاه علـى ظهـره وطـار ولـم يـزل طائـراً بـه أيامـاً وليالـي حتـى أقبـل علــى جبــل
البلـور ثـم نـزل بـه هنـاك ومكـث برهـة مـن الزمـان ثـم أركبــه علــى ظهــره وطــار ولــم يــزل طائــراً بــه مــدة
يوميــن حتــى وصــلا إلــى الـــأرض التـــي فيهـــا الوكـــر. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
وفي الليلة التاسعة عشرة بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الطيــر لــم يــزل طائــراً بجانشــاه مـــدة يوميـــن حتـــى وصـــل بـــه إلـــى
الــأرض التــي فيهــا الوكــر ونــزل بــه هنــاك ثــم قــال لـــه: يـــا جانشـــاه هـــذا الوكـــر الـــذي كنـــا فيـــه فبكـــى
جانشاه بكاء شديداً وقـال للطيـر: أريـد منـك أن تحملنـي وتوصلنـي إلـى الناحيـة التـي كـان أبـوك وأمـك
يذهبان إليها ويجيئان منها بالرزق.
فقــال لــه الطيــر سمعــاً وطاعــة يــا جانشــاه ثــم حملــه وطــار بــه ولــم يــزل طائــراً سبــع ليالــي وثمانيــة أيـــام
حتـى وصـل بـه إلـى جبـل عـال ثـم أنزلـه مـن فـوق ظهـره فنـام فـي رأس ذلـك الجبـل فلمــا أفــاق مــن النــوم
رأى بريقـاً علـى بعـد يمـلأ نـوره الجـو فصــار متحيــراً فــي نفســه مــن ذلــك اللمعــان والبريــق ولــم يــدر أنــه
===
أمـام القلعـة التــي هــو يفتــش عليهــا وكــان بينــه وبينهــا مسيــرة شهريــن وهــي مبنيــة مــن الياقــوت الأحمــر
وبيوتهـا مـن الذهـب الأصفــر ولهــا ألــف بــرج مبنيــة مــن المعــادن النفيســة التــي تخــرج مــن بحــر الظلمــات
ولهــذا سميــت قلعــة جوهــر تكنـــي لأنهـــا مـــن نفيـــس الجواهـــر والمعـــادن وكانـــت قلعـــة عظيمـــة واســـم
ملكها شهلان وهو أبو البنات الثلاث. هذا ما كان من أمر جانشاه.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر السيــدة شمســة فإنهــا لمــا هربــت مــن عنــد جانشــاه وراحــت عنـــد أبيهـــا وأمهـــا
وأهلهــا أخبرتهــم بمــا جــرى لهــا مــع جانشـــاه وحكـــت لهـــم حكايتـــه وأعلمتهـــم أنـــه ســـاح فـــي الـــأرض
ورأى العجائــب وعرفتهــم بمحبتــه لهـــا ومحبتهـــا لـــه وبمـــا وقـــع بينهمـــا. فلمـــا سمـــع أبوهـــا وأمهـــا ذلـــك
الكلــام قــالا لهــا: مــا يحــل لــك مــن اللــه أن تفعلــي معـــه هـــذا الأمـــر ثـــم إن أباهـــا حكـــى هـــذه المسألـــة
لأعوانــه مــن مــردة الجــان وقــال لهــم: كـــل مـــن رأى منكـــم إنسيـــاً فيأتينـــي بـــه وكانـــت السيـــدة شمســـة
أخبــرت أمهــا أن جانشــاه مغــرم بهــا وقالــت لهــا: ولابــد مــن أنــه يأتينــا لأنــي لمــا طــرت مــن فــوق البيــت
قلـت لـه: إن كنـت تحبنـي فتعـال فـي قلعـة جوهـر تكنــي ثــم إن جانشــاه لمــا رأى ذلــك البريــق واللمعــان
قصـد نحـوه ليعـرف مـا هـو وكانــت السيــدة شمســة قــد أرسلــت عونــاً مــن الأعــوان فــي شغــل بناحيــة
جبــل قرمــوس فبينمــا ذلــك العــون سائــر إذ هــو نظــر مــن بعيــد شخــص أنســـي. فلمـــا رآه أقبـــل نحـــوه
وسلــم عليــه فخــاف جانشــاه مــن ذلــك العــون ورد عليــه السلــام فقــال لــه العــون: مــا اسمــك فقــال لــه:
===
اسمـــي جانشـــاه وكنـــت قبضـــت علـــى جنيـــة اسمهـــا السيـــدة شمســـة لأنـــي تعلقـــت بحسنهـــا وجمالهـــا
وكنـت أحبهـا محبـة عظيمـة ثـم إنهـا هربــت منــي بعــد دخولهــا إلــى قصــر والــدي وحكــى لــه جميــع مــا
جرى له وصار جانشاه يكلم المارد وهو يبكي.
فلمـا نظـر العـون إلـى جانشـاه وهـو يبكـي أحـرق قلبـه وقــال لــه: لا تبــك فإنــك قــد وصلــت إلــى مــرادك
واعلـم أنهـا تحبـك محبـة عظيمـة وقـد أعلمـت أباهـا وأمهـا بمبتـك لهـا وكــل مــن فــي القلعــة يحبــك لأجلهــا
فطـب نفسـاً وقـر عينـاً ثـم إن المـارد حملـه علـى كاهلـه وسـار بـه حتـى وصـل إلــى قلعــة جوهــر تكنــي
وذهـب المبشـرون إلـى الملـك شهلـان وإلـى السيـدة شمسـة وإلـى أمهــا يبشرونهــم بمجــيء جانشــاه. فلمــا
جاءتهـــم البشائـــر بذلـــك فرحـــوا فرحـــاً عظيمـــاً ثـــم إن الملـــك شهلــــان أمــــر جميــــع الأعــــوان أن يلاقــــوا
جانشــــاه وركــــب هــــو وجميــــع الأعــــوان والعفاريــــت والمــــردة إلــــى ملاقــــاة جانشــــاه. وأدرك شهــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العشرين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك شهلـــان ركـــب هـــو وجميـــع الأعـــوان والعفاريـــت والمـــردة
إلــى ملاقــاة جانشــاه فلمــا أقبــل الملــك شهلــان أبـــو السيـــدة شمـــة علـــى جانشـــاه عانقـــه ثـــم إن جانشـــاه
===
قبــل يــدي الملـــك شهلـــان فأمـــر لـــه الملـــك بخلعـــة عظيمـــة مـــن الحريـــر مختلفـــة الألـــوان مطـــرزة بالذهـــب
ومرصعـــة بالجوهـــر ثـــم ألبســـه التـــاج الـــذي مـــا رأى مثلـــه أحـــد مـــن ملـــوك الإنـــس ثـــم أمـــر لـــه بفـــرس
عظيمــة مــن خيــل ملــوك الجــان فركبهــا ثــم ركــب الأعــوان عــن يمينــه وشمالــه وســـار هـــو والملـــك فـــي
موكـب عظيـم حتـى أتــوا بــاب القصــر فنــزل الملــك ونــزل جانشــاه فــي ذلــك القصــر فــرآه قصــراً عظيمــاً
حيطانــه مبنيــة بالجواهــر واليواقيــت ونفيــس المعــادن فقــام الملــك إليــه وأجلســـه علـــى تختـــه بجانبـــه ثـــم
إنهم أتوا بالسماط فأكلوا وشربوا ثم غسلوا أيديهم.
بعـــد ذلـــك أقبلـــت عليـــه أم السيـــدة شمســـة فسلمــــت عليــــه ورحبــــت بــــه وقالــــت لــــه: قــــد بلغــــت
المقصـود مـن التعـب ونامـت عينـك بعـد السهــر والحمــد للــه علــى سلامتــك ثــم ذهبــت مــن وقتهــا إلــى
ابنتهـا السيـدة شمسـة وأتـت بهـا إلـى جانشـاه. فلمـا أقبلـت عليـه السيـدة شمسـة سلمـت عليـه وأقبلــت
عليــه وأطرقــت برأسهــا خجـــلاً منـــه ومـــن أمهـــا وأبيهـــا وأتـــى أخواتهـــا اللواتـــي كـــن معهـــا فـــي القصـــر
وقبلــوا يديــه وسلمــوا عليــه ثــم إن والــدة شمســة قالــت لــه: مرحبــاً يــا ولــدي ولكــن بنتــي شمســـة قـــد
أخطــأت فــي حقــك ولا تؤاخذهـــا بمـــا فعلـــت معـــك لأجلنـــا. فلمـــا سمـــع جانشـــاه منهـــا ذلـــك الكلـــام
صـاح ووقـع مغشيـاً عليـه فتعجـب الملـك منـه ثـم إنهــم رشــوا علــى وجهــه مــاء الــورد الممــزوج بالمســك
والزبـاد فأفـاق ونظـر إلـى السيـدة شمسـة وقـال: الحمـد للــه الــذي بلغنــي مــرادي وأطفــأ نــاري حتــى لــم
===
يبـق فـي قلبـي نـار فقالـت لـه السيـدة شمسـة: سلامتـك مـن النـار ولكـن يـا جانشـاه أريـد أن تحكــي لــي
علــى مــا جــرى لــك بعــد فراقــي وكيــف أتيــت إلــى هــذا المكــان مـــع أن أكثـــر الجـــان لا يعرفـــون قلعـــة
جوهر تكني. ونحن عاصون على جميع الملوك وما أحد عرف طريق هذا المكان ولا سمع به.
فأخبرهـا جانشـاه بجميـع مـا جــرى لــه وكيــف أتــى وأعلمهــم بمــا جــرى لأبيــه مــع الملــك كفيــد وأخبرهــم
بمــا قاســاه فــي الطريــق ومــا رآه مــن الأهــوال والعجائــب وقــال لهــا: كـــل هـــذا مـــن أجلـــك يـــا سيدتـــي
شمســـة فقـــال لـــه أبوهـــا قـــد بلغـــت المـــراد والسيــــدة شمســــة جاريــــة نهديهــــا إليــــك فلمــــا سمــــع ذلــــك
جانشـاه فـرح فرحـاً شديـداً فقالــت لــه بعــد ذلــك إن شــاء اللــه تعالــى فــي الشهــر القابــل ننصــب الفــرح
ونعمــل العــرس ونزوجــك بهــا ثــم تذهــب بهــا إلــى بلــادك ونعطيــط ألــف مـــارد مـــن الأعـــوان لـــو أذنـــت
لأقـل مـن فيهـم أن يقتـل الملـك كفيـد هـو وقومـه لفعـل ذلـك فـي لحظـة وفـي كـل عـام نرسـل إليـك قومـاً إذا
أمــرت واحــداً منهــم بإهلــاك أعــداءك جميعــاً أهلكهــم. وأدرك شهــرزاد الصبــاح فسكتــت عــن الكلــام
المباح.
وفي الليلة الحادية والعشرين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن أبــا السيــدة شمســة قــال لــه: وفــي كــل عــام نرســل إليــك قومــاً إذا
===
أمــرت أقــل واحــد منهـــم بإهلـــاك أعـــداءك جميعـــاً أهلكهـــم عـــن آخرهـــم ثـــم إن الملـــك شهلـــان جلـــس
فــوق التخــت وأمــر أربــاب الدولــة أن يعملــوا فرحــاً عظيمــاً ويزينــوا المدينـــة سبعـــة أيـــام بلياليهـــا فقالـــوا
سمعـاً وطاعـة. ثـم ذهبـوا فـي ذلـك الوقـت وأخـذوا فـي تجهيـز الأهبـة للفـرح ومكثـوا فـي التجهيـز مــدة
شهريـن وبعـد ذلـك عملـوا عرسـاً عظيمـاً للسيـدة شمســة حتــى صــار فرحــاً عظيمــاً لــم يكــن مثلــه ثــم
أدخلـوا جانشـاه علـى السيـدة شمسـة واستمـر معهـا مـدة سنتيــن فــي ألــذ عيــش وأهنــأه وأكــل وشــرب
ثــم بعــد ذلــك قــال للسيــدة شمســة: إن أبــاك قــد وعدنــا بالذهــاب إلــى بلــادي وأن نقعــد هنــاك سنـــة
وهنــا سنــة فقالــت السيــدة شمســة: سمعـــاً وطاعـــة ولكـــن اصبـــر إلـــى أول الشهـــر حتـــى نجهـــز لكمـــا
الأعــوان فأخبــرت جانشــاه بمـــا قالـــه أبوهـــا وصبـــر المـــدة التـــي عينهـــا وبعـــد ذلـــك أذن الملـــك شهلـــان
للأعــوان أن يخرجــوا فــي خدمــة السيــدة شمســة وجانشــاه حتـــى يوصلوهمـــا إلـــى بلـــاد جانشـــاه وقـــد
جهـز لهمـا تختـاً عظيمــاً مــن الذهــب الأحمــر المرصــع بالــدر والجواهــر فوقــه خيمــة مــن الحريــر الأخضــر
منقوشـة بسائـر الألـوان مرصعـة بنفـس الجواهـر يحـار فـي حسنهـا الناظـر. فطلــع جانشــاه هــو والسيــدة
شمسـة فـوق التخـت ثـم انتخـب مـن الأعـوان أربعــة ليحملــوا ذلــك التخــت فحملــوه وصــار كــل واحــد
منهـم فـي جهـة مــن جهاتــه وجانشــاه والسيــدة شمســة فوقــه ثــم إن السيــد شمســة ودعــت أمهــا وأبيهــا
وأخواتهــا وأهلهــا وقــد ركــب أبوهـــا وســـار مـــع جانشـــاه وســـارت الأعـــوان بذلـــك التخـــت ولـــم يـــزل
===
الملـــك شهلـــان سائـــراً معهـــم إلـــى وســـط النهـــار ثـــم حطـــت الأعـــوان ذلــــك التخــــت ونزلــــوا وودعــــوا
بعضهم وصار الملك شهلان يوصي جانشاه على السيدة شمسة ويوصي الأعوان عليها.
ثـــم أمـــر الأعـــوان أن يحملـــوا التخـــت فوقـــه السيـــدة شمســـة وكذلــــك جانشــــاه وســــارا ورجــــع أباهــــا
وكــان أبوهــا قــد أعطاهــا ثلاثمائـــة مـــن الســـراري الحســـان وأعطـــى جانشـــاه ثلاثمائـــة مملـــوك مـــن أولـــاد
الجـــان ثـــم إنهـــم ســـاروا مـــن ذلـــك الوقـــت بعـــد أن طلعــــوا بأجمعهــــم علــــى ذلــــك التخــــت والأعــــوان
الأربعـة قـد حملتـه وطـارت بــه بيــن السمــاء والــأرض وصــاروا يسيــرون كــل يــوم مسيــرة ثلاثيــن شهــراً
ولـم يزالــوا سائريــن علــى هــذه الحالــة مــدة عشــرة أيــام وكــان فــي الأعــوان عــون يعــرف بلــاد كابــل فلمــا
رآهـــا أمرهـــم أن ينزلـــوا علـــى المدينـــة الكبيـــرة فـــي تلـــك المدينـــة وكانــــت تلــــك المدينــــة مدينــــة الملــــك
طيغموس فنزلوا عليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الأعـــوان نزلـــوا علـــى مدينـــة الملـــك طيغمـــوس ومعهــــم جانشــــاه
والسيـدة شمسـة وكـان الملـك طيغمــوس قــد انهــزم مــن الأعــداء وهــرب مــن مدينتــه وصــار فــي حصــر
عظيم وضيق عليه الملك كفيد.
===
فلمـــا رأت السيـــدة شمســــة الملــــك طيغمــــوس ومملكتــــه فــــي ذلــــك الحــــال أمــــرت الأعــــوان أن يضربــــوا
العسكــر الذيــن حاصروهــم ضربـــاً شديـــداً ويقتلوهـــم وقالـــت للأعـــوان: لا تبقـــوا منهـــم أحـــداً ثـــم إن
جانشـــاه أومـــأ إلـــى عـــون مـــن الأعـــوان شديـــد البـــأس اسمـــه قراطـــش وأمـــره أن يجـــيء بالملـــك كفيــــد
مقيـــداً ثـــم إن الأعـــوان ســـاروا وأخـــذوا ذلـــك التخـــت معهـــم ومـــا زالـــوا سائريــــن حتــــى حطــــوا ثــــم
هجمــوا علــى الملــك كفيــد وعساكــره وصــاروا يقتلونهــم وصـــار الواحـــد يأخـــذ عشـــرة أو ثمانيـــة وهـــم
علـى ظهــر الفيلــة ويطيــر بهــم إلــى الجــو ثــم يلقيهــم فيتمزقــون فــي الهــواء وكــان بعــض الأعــوان يضــرب
العساكر بالعمد الحديد.
ثـم إن العـون الــذي اسمــه قراطــش ذهــب مــن وقتــه إلــى خيمــة كفيــد فهجــم عليــه وهــو جالــس فــوق
السريـر وأخـذه وطـار بـه إلـى الجـو فزعـق مـن هيبـة ذلـك العــون ولــم يــزل طائــراً بــه حتــى وضعــه علــى
التخـت قـدام جانشــاه فأمــر الأعــوان الأربعــة أن يقتلعــوا التخــت وينصبــوه فــي الهــواء فلــم ينتبــه الملــك
كفيــد إلا وقــد رأى نفســه مــا بيــن السمــاء والــأرض فصــار يلطــم وجهــه ويتعجــب مــن ذلــك هـــذا مـــا
كان من أمر الملك كفيد.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر الملــك طيغمــوس فإنــه لمــا رأى ابنــه كــاد يمــوت مــن شــدة الفــرح وصـــاح صيحـــة
عظيمـة ووقــع مغشيــاً عليــه فرشــوا علــى وجهــه مــاء الــورد فلمــا أفــاق تعانــق هــو وابنــه وبكيــا بكــاء
===
شديـداً ولـم يعلـم الملـك طيغمـوس بـأن الأعـوان فـي قتـال الملـك كفيـد وبعـد ذلـك قامـت السيـدة شمسـة
وتمشـت حتـى وصلـت إلـى الملـك طيغمـوس أبـي جانشــاه وقبلــت يديــه وقالــت لــه: يــا سيــدي اصعــد
إلـى أعلـى القصـر وتفـرج علـى قتـال أعـوان أبـي. فصعـد الملـك إلـى أعلـى القصـر وجلـس هــو والسيــدة
شمسـة يتفرجـان علـى حـرب الأعـوان وذلـك أنهــم صــاروا يضربــون فــي العساكــر طــولاً وعرضــاً وكــان
منهــم مــن يأخــذ العمــود الحديــد ويضــرب بــه الفيــل فينهــرس الفيــل والــذي علــى ظهـــره حتـــى صـــارت
الفيلـة لا تتميـز مـن الآدمييـن ومنهـم مـن يحيـي جماعــة وهــم هاربــون فيصيــح فــي وجوههــم فيسقطــون
ميتيــن ومنهــم مــن يقبــض علــى العشريــن فارســاً ويقلــع بهــم إلــى الجــو ويلقيهــم إلـــى الـــأرض فيتقطعـــون
قطعــــاً هــــذا وجانشــــاه ووالــــده والسيــــدة شمســــة ينظــــرون إليهـــــم ويتفرجـــــون علـــــى القتـــــال. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك طيغمــوس وابنــه جانشــاه وزوجتــه السيــدة شمســة ارتقــوا
إلـى أعلـى القصـر وصـاروا يتفرجــون علــى قتــال الأعــوان مــع عسكــر الملــك كفيــد وصــار الملــك كفيــد
ينظــر إليهــم وهـــو فـــوق التخـــت ويبكـــي ومـــازال القتـــل فـــي عسكـــره مـــدة يوميـــن حتـــى قطعـــوا عـــن
===
آخرهـم ثـم إن جانشــاه أمــر الأعــوان أن يأتــوا بالتخــت وينزلــوا بــه إلــى الــأرض فــي وســط قلعــة الملــك
طيغمـوس فأتـوا بـه وفعلـوا مـا أمرهـم بـه سيدهــم الملــك جانشــاه ثــم إن الملــك طيغمــوس أمــر عونــاً مــن
الأعــوان يقــال لــه شمــوال أن يأخــذ الملــك كفيــد ويجعلـــه فـــي السلاســـل والأغلـــال ويسجنـــه فـــي البـــرج
الأســود ففعــل شمــول مــا أمــره بــه. ثــم بعــد ذلــك بأيــام توجهــت السيــدة شمســة إلــى الملــك طيغمــوس
وتشفعـت عنـده فـي الملـك كفيـد وقالـت لـه: أطلقـه ليرجـع إلــى بلــاده وإن حصــل منــه شــر أمــرت أحــد
الأعـوان أن يخطفــه ويأتيــك بــه. فقــال لهــا سمعــاً وطاعــة ثــم أرســل إلــى شمــوال أن يحضــر إليــه الملــك
كفيـد فأتـى بـه فـي السلاسـل والأغلـال فلمـا قـدم عليـه قبـل الـأرض بيـن يديـه فأمــر الملــك طيغمــوس أن
يحلــوه مــن تلــك الأغلــال فحلــوه منهــا ثــم أركبــه علــى فـــرس عرجـــاء وقـــال لـــه: إن الملكـــة شمســـة قـــد
تشفعــت فيــك فاذهــب إلــى بلــادك وإن عــدت لمــا كنــت عليــه فإنهـــا ترســـل إليـــك عونـــاً مـــن الأعـــوان
فيأتــي بــك فســار الملــك كفيــد إلــى بلــاده وهــو فــي أســوأ حــال. وأدرك شهــرزاد الصبـــاح فسكتـــت
عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك كفيـــد ســـار إلـــى بلـــاده وهــــو فــــي أســــوأ حــــال ثــــم إن
===
جانشــاه قعــد هــو وأبــوه والسيــدة شمســة فــي ألــذ عيـــش وأهنـــأ وأطيـــب ســـرور وأوفـــاه وكـــل هـــذا
يحكيـه الشـاب الجالـس بيـن القبريـن لبلوقيـا ثـم قـال لـه: وهـا أنـا جانشـاه الــذي رأيــت هــذا كلــه يــا أخــي
يابلوقيا فتعجب بلوقيـا مـن حكايتـه. ثـم إن بلوقيـا السائـح فـي حـب محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم قـال
لجانشــاه: يــا أخــي ومـــا شـــأن هذيـــن القبريـــن ومـــا سبـــب جلوســـك بينهمـــا ومـــا سبـــب بكائـــك فـــرد
عليـه جانشـاه وقـال لـه: اعلـم يـا بلوقيـا أننـا كنـا فـي ألـذ عيـش وأهنـأ وأطيـب سـرور وأوفـاه وكنـا نقيــم
ببلادنــا سنــة وبقلعــة جوهــر تكنــي سنــة ولا نسيــر إلا ونحــن جالســون فــوق التخــت والأعــوان تحملـــه
وتطير به بين السماء والأرض.
فقــال لــه بلوقيــا: يــا أخــي يــا جانشــاه مــا كــان طــول المسافــة التــي بيــن تلــك القلعــة وبيــن بلادكـــم فـــرد
عليه جانشاه وقال لـه: كنـا نقطـع فـي كـل يـوم مسافـة ثلاثيـن شهـراً وكنـا نصـل إلـى القلعـة فـي عشـرة أيـام
ولـم نــزل علــى هــذه الحالــة مــدة مــن السنيــن فاتفــق أننــا سافرنــا علــى عادتنــا حتــى وصلنــا إلــى هــذا
المكـــان فنزلنـــا فيـــه بالتخـــت لنتفـــرج فيـــه علـــى هـــذه الجزيـــرة فجلسنـــا علــــى شاطــــئ النهــــر وأكلنــــا
وشربنـا. فقالـت السيـدة شمسـة: إنـي أريـد أن أغتسـل فـي هـذا النهـر ثـم نزعـت ثيابهـا ونـزع الجــواري
ثيابهن ونزلن في النهـر وسبحـن فيـه ثـم إنـي تمشيـت علـى شاطـئ النهـر وتركـت الجـواري يلعبـن فيـه مـع
السيـدة شمسـة فــإذا بفــرس عظيــم مــن دواب البحــر ضربهــا فــي رجلهــا مــن دون الجــواري فصرخــت
===
ووقعـت ميتــة مــن وقتهــا وساعتهــا فطلعــت الجــواري مــن النهــر هاربــات إلــى الخيمــة مــن ذلــك الفــرس
ثــم إن بعــض الجــواري حملهــا وأتــى بهــا الخيمــة وهــي ميتــة. فلمــا رأيتهــا ميتـــة وقعـــت مغشيـــاً علـــي
فرشـوا وجهـي بالمــاء فلمــا أفقــت بكيــت عليهــا وأمــرت الأعــوان أن يأخــذوا التخــت ويروحــوا بــه إلــى
أهلهـا ويعلموهـم بمـا جـرى لهـا فراحـوا إليهـم وأعلموهـم بمــا جــرى فلــم يغــب أهلهــا إلا قليــلاً حتــى أتــوا
هـذا المكـان فغسلوهـا وكفنوهـا وفـي هـذا المكـان دفنوهـا وعملـوا عزاءهـا وطلبــوا أن يأخذونــي معهــم
إلـى بلادهـم فقلـت لأبيهـا: أريــد منــك أن تحفــر لــي حفــرة بجانــب قبرهــا واجعــل تلــك الحفــرة قبــراً لــي
لعلـي إذا مـت أدفـن فيهــا بجانبهــا فأمــر الملــك شهلــان عونــاً مــن الأعــوان بذلــك ففعــل لــي مــا أردتــه ثــم
راحـوا مـن عنـدي وخلونـي هنـا أنـوح وأبكـي عليهــا وهــذه قصتــي وسبــب قعــودي بيــن هذيــن القبريــن
ثم أنشد هذين البيتين:
ما الدار مذ غبتم يا سادتي دار كلا ولا ذلك الجار الرضي جار
ولا الأنيس الذي قد كنت أعهده فيهـا أنيــس ولا الأنــوار أنــوار
فلمــا سمــع بلوقيــا هــذا الكلــام مــن جانشــاه تعجـــب. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن بلوقيـــا لمـــا سمـــع هـــذا الكلـــام مـــن جانشـــاه تعجـــب وقـــال واللـــه
كنــت أظـــن أنـــن سحـــت ودرت طائفـــاً فـــي الـــأرض واللـــه إنـــي نسيـــت الـــذي رأيتـــه بمـــا سمعتـــه مـــن
قصتــك ثــم إنــه قــال لجانشــاه: أريــد مــن فضلــك وإحسانــك يــا أخــي أن تدلنــي علــى طريـــق السلامـــة
فدله على الطريق ثم ودعه وسار وكل هذا الكلام تحكيه ملكة الحيات لحاسب كريم الدين.
فقـال لهـا حاسـب يـا ملكـة الحيـات أخبرينـي بمـا جـرى لبلوقيـا حيــن عــاد إلــى مصــر فقالــت لــه اعلــم يــا
حاســب أن بلوقيــا لمــا فــارق جانشــاه ســار ليالــي وأيامــاً حتــى وصــل إلــى بحــر عظيــم ثـــم إنـــه دهـــن
قدميــه مــن المــاء الــذي معــه ومشــى علــى وجــه المـــاء حتـــى وصـــل إلـــى جزيـــرة ذات أشجـــار وأنهـــار
كأنهــا الجنــة ودار فــي تلــك الجزيــرة فــرأى شجــرة عظيمــة ورقهــا مثــل قلــوع المراكـــب فقـــرب مـــن تلـــك
الشجـرة فـرأى تحتهــا سماطــاً ممــدوداً وفيــه جميــع الألــوان الفاخــرة مــن الطعــام ورأى علــى تلــك الشجــرة
طيــراً عظيمــاً مــن اللؤلــؤ والزمــرد الأخضـــر ورجلـــاه مـــن الفضـــة ومنقـــاره مـــن الياقـــوت الأحمـــر وريشـــه
مـــن نفيـــس المعـــادن وهـــو يسبـــح اللـــه تعالـــى ويصلـــي علـــى محمـــد صلـــى اللـــه عليـــه وسلــــم. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والعشرين بعد الخمسمائة
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن بلوقيــا لمــا طلــع إلــى الجزيــرة ووجدهــا كالجنــة تمشــي فــي جوانبهــا
ورأى فيهـا مـن العجائــب ومــن جملتهــا الطيــر الــذي هــو مــن اللؤلــؤ والزمــرد الأخضــر وريشــه مــن نفيــس
المعادن على تلك الحالة وهو يسبح الله تعالى ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم.
فلمـا رأى بلوقيـا ذلـك الطائـر العظيـم قـال لـه مــن أنــت ومــا شأنــك فقــال لــه أنــا مــن طيــور الجنــة واعلــم
يـا أخـي أن اللـه تعالـى أخـرج آدم مـن الجنـة وأخـرج معـه أربـع ورقــات استتــر بهــا فسقطــن فــي الــأرض
فوحـــدة منهـــن أكلهـــا الـــدود فصـــار منهـــا الحريـــر والثانيـــة أكلهـــا الغزلـــان فصـــار منهــــا المســــك والثالثــــة
أكلهـــا النحـــل فصـــار منهـــا العســـل والرابعـــة وقعـــت فـــي الهنـــد فصــــار منهــــا البهــــار وأمــــا أنــــا فإنــــي
سحـت فـي جميـع الـأرض إلـى أن مـن اللـه علـي بهـذا المكــان فمكثــت فيــه وإنــه فــي كــل جمعــة ويومهــا
تأتـــي الأوليـــاء والأقطـــاب الذيـــن فـــي الدنيـــا هـــذا المكـــان ويزورونـــه ويأكلـــون مـــن هـــذا الطعـــام وهـــو
ضيافـة اللـه تعالـى لهـم يضيفهـم بـه فـي كـل ليلـة ويومهـا وبعـد ذلـك يرتفـع السمــاط إلــى الجنــة ولا ينقــص
أبــداً ولا يتغيــر فأكــل بلوقيــا ولمــا فــرغ مــن الأكــل حمــد اللــه تعالــى فــإذا الخضــر عليــه السلــام قــد أقبـــل
فقام بلوقيا وسلم عليه وأراد أن يذهب.
فقــال لــه الطيــر اجلــس يـــا بلوقيـــا فـــي حضـــرة الخضـــر عليـــه السلـــام فجلـــس بلوقيـــا فقـــال لـــه الخضـــر
أخبرنــي بشأنــك واحــك لــي حكايتــك فأخبــره بلوقيــا بجميــع مــا فيــه بيــن يــدي الخضــر ثــم قـــال لـــه يـــا
===
فلمـا سمـع بلوقيـا هـذا الكلـام بكــى ثــم وقــع علــى يــد الخضــر وقبلهــا وقــال لــه أنقذنــي مــن هــذه الغربــة
وأجـرك علـى اللـه لأنـي قـد أشرفـت علـى الهلـاك ومــا بقيــت لــي حيلــة فقــال لــه الخضــر ادع اللــه تعالــى
أن يــأذن لــي أن أوصلــك إلــى مصــر قبــل أن تهلــك فبكــى بلوقيــا وتضــرع إلـــى اللـــه تعالـــى فتقبـــل اللـــه
دعاؤه وألهم الخضر عليه السلام أن يوصله إلى أهله.
فقـال الخضـر عليـه السلـام لبلوقيـا ارفـع رأسـك فقـد تقبــل اللــه دعــاؤك وألهمنــي أن أوصلــك إلــى مصــر
فتعلــق بــي واقبــض علــي بيديــك وأغمــض عينيــك فتعلــق بلوقيــا بالخضــر عليــه السلــام وقبـــض عليـــه
بيديـه وأغمــض عينيــه وخطــى عليــه السلــام خطــوة ثــم قــال لبلوقيــا افتــح عينيــك ففتــح عينيــه فــرأى
نفسـه واقفـاً علـى بـاب منزلـه ثـم التفـت ليـودع الخضـر عليـه السلــام فلــم يجــد لــه أثــراً. وأدرك شهــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والعشرين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن بلوقيـــا لمـــا أوصلـــه الخضـــر عليـــه السلـــام إلـــى بـــاب منزلـــه فتـــح
عينيـه ليودعـه فلـم يجـده فدخـل بيتـه فلمـا رأتـه أمــه صاحــت صيحــة عظيمــة ووقعــت مغشيــاً عليهــا
مــن شــدة الفــرح فرشــوا علــى وجههــا المــاء حتــى أفاقــت فلمــا أفاقــت عانقتــه وبكـــت بكـــاء شديـــداً
===
وصــار بلوقيــا تـــارة يبكـــي وتـــارة يضحـــك وأتـــاه أهلـــه وجماعتـــه وجميـــع أصحابـــه وصـــاروا يهنؤونـــه
بالسلامــة وشاعــت الأخبــار فــي البلــاد وجاءتــه الهدايــا مــن جميـــع الأقطـــار ودقـــت الطبـــول وزمـــرت
الزمور وفرحوا فرحاً شديداً.
ثـم بعـد ذلـك حكـى لهـم بلوقيـا حكايتـه وأخبرهـم بجميـع مـا جـرى لـه وكيـف أتــى بــه الخضــر وأوصلــه
إلــى بــاب منزلــه فتعجبــوا مــن ذلــك وبكــوا حتــى ملــوا مـــن البكـــاء وكـــال هـــذا تحكيـــه ملكـــة الحيـــات
لحاســب كريــم الديــن فتعجــب حاســب كريـــم الديـــن مـــن ذلـــك وبكـــى بكـــاء شديـــداً ثـــم قـــال لملكـــة
الحيــات إنــي أريــد الذهـــاب إلـــى بلـــادي فقالـــت ملكـــة الحيـــات إنـــي أخـــاف يـــا حاســـب إذا وصلـــت
بلـادك أن تنقـض العهـد وتحنـث فـي اليميـن الـذي حلفتـه وتدخـل الحمـام فحلـف يمينــاً آخــر وثيقــة أنــه لا
يدخــل الحمــام طــول عمــره فأمــرت حيــة وقالــت لهــا أخرجــي حاســب كريــم الديــن إلــى وجـــه الـــأرض
فأخذته الحية وسارت به إلى مكان حتى أخرجته على وجه الأرض من سطح جب مهجور.
ثــم مشــى حتــى وصــل إلــى المدينــة وتوجــه إلــى منزلـــه وكـــان ذلـــك فـــي آخـــر النهـــار وقـــت اصفـــرار
الشمــس ثــم طــرق البــاب فخرجــت أمــه وفتحــت البــاب فــرأت ابنهــا واقفــاً فلمــا رأتـــه صاحـــت مـــن
شــدة الفــرح وألقــت نفسهــا عليــه وبكــت فلمــا سمعــت زوجتــه بكاءهــا خرجــت إليهــا فـــرأت زوجهـــا
فسلمـت عليـه وقبلـت يديــه وفــرح بعضهــم ببعــض فرحــاً عظيمــاً ودخــل البيــت وبعــد مــا استقــر بهــم
===
الجلـوس وقعـد بيـن أهلـه سـأل عـن الحطابيـن الذيـن كانـوا معـه وراحـوا وخلـوه فــي الجــب فقالــت لــه أمــه
أنهـم أتونـي وقالـوا لـي أن ابنـك أكلـه الذئـب فـي الــوادي وقــد صــاروا تجــاراً وأصحــاب أملــاك ودكاكيــن
واتسعـت عليهـم الدنيـا وهـم فـي كـل يـوم يجيئوننـا بالأكـل والشـرب وهـذا دأبهـم إلـى الـآن فقـال لأمـه فـي
غد روحي إليهم وقولي لهم قد جاء حاسب كريم من سفره فتعالوا وقابلوه وسلموا عليه.
فلمــا أصبــح الصبــاح راحــت أمــه إلــى بيــوت الحطابيــن وقالــت لهــم مـــا وصاهـــا بـــه ابنهـــا فلمـــا سمـــع
الحطابــون ذلــك الكلــام تغيــرت ألوانهــم وقالــوا سمعــاً وطاعــة وقــد أعطاهــا كــل واحــد منهــم بدلـــة مـــن
الحريـر مطـرزة بالذهـب وقالــوا لهــا أعطــي ولــدك هــذه ليلبسهــا وقولــي لــه أنهــم فــي غــد يأتــوك عنــدك
فقالـت لهـم سمعـاً وطاعـة ثـم رجعــت مــن عندهــم إلــى ابنهــا وأعلمتــه بذلــك وبمــا أعطوهــا إيــاه هــذا
ما كان من أمر حاسب كريم الدين وأمه.
وأمـا مـا كـان مـن أمـر الحطابيـن فإنهـم جمعــوا جماعــة مــن التجــار وأعلموهــم بمــا حصــل منهــم فــي حــق
حاســـب كريـــم الديـــن وقالـــوا لهـــم كيـــف نصنـــع معـــه الـــآن فقـــال لهـــم التجـــار ينبغـــي لكـــل منكــــم أن
يعطيـه نصــف مالــه معــه وذهبــوا إليــه جميعــاً وسلمــوا عليــه وقبلــوا يديــه وأعطــوه ذلــك وقالــوا لــه هــذا
مــن بعــض إحسانــك وقــد صبرنــا بيــن يديــك فقبلــه منهــم وقــال لهــم قــد راح الــذي راح وهـــذا مقـــدر
مـن اللـه تعالـى والمقـدر يغلـب المحـذور فقالـوا لـه قـم بنـا نتفـرج فــي المدينــة وندخــل الحمــام فقــال لهــم أنــا
===
قـد صـدر منـي يميـن أننـي لا أدخـل الحمـام طـول عمـري فقالـوا قـم بنـا لبيوتنـا حتـى نضيفــك فقــال لهــم
سمعاً وطاعة.
ثـم قـام وراح معهـم إلـى بيوتهـم وصــار كــل واحــد منهــم يضيفــه ليلــة ولــم يزالــوا علــى هــذه الحالــة مــدة
سبــع ليــال وقــد صــار صاحــب أمــوال وأملــاك ودكاكيــن واجتمعــت بــه تجــار المدينــة فأخبرهــم بجميـــع
مــا جــرى لــه ومــا رآه وصــار مــن أعيــان التجــار ومكــث علــى هــذا الحــال مــدة مــن الزمــان فاتفــق إنــه
خـرج يومـاً مـن الأيـام يتمشـى فـي المدينــة فــرآه صاحــب حمــام وهــو جالــس علــى بــاب الحمــام ووقعــت
العيـن علـى العيـن فسلـم عليـه وعانقـه وقــال لــه تفضــل علــي بدخــول الحمــام وتكيــس حتــى أعمــل لــك
ضيافـة فقـال لـه صـدر منـي يميـن أننـي لا أدخـل الحمــام مــدة عمــري فحلــف الحمامــي وقــال لــه نسائــي
الثلـاث طالقـات ثلاثـاً إن لـم تدخــل معــي الحمــام وتغتســل فيــه فتحيــر حاســب كريــم الديــن فــي نفســه
وقـال: أتريـد يـا أخــي أنــك تيتــم أولــادي وتخــرب بيتــي وتجعــل الخطيئــة فــي رقبتــي فارتمــى الحمامــي
علــى رجــل حاســب كريــم الديــن وقبلهــا وقــال لــه: أنـــا فـــي جيرتـــك أن تدخـــل معـــي الحمـــام وتكـــون
الخطيئـة فـي رقبتـي أنـا واجتمـع عمـال الحمـام وكـل مـن فيـه علـى حاســب كريــم الديــن وتداخلــوا عليــه
ونزعوا عنه ثيابه وأدخلوه الحمام.
فبمجــرد مــا دخــل الحمـــام وقعـــد بجانبالحائـــط وسكـــب علـــى رأســـه مـــن المـــاء أقبـــل عليـــه عشـــرون
===
رجـلاً وقالـوا لـه: قـم يـا أيهـا الرجـل مـن عندنــا فإنــك غريــم السلطــان وأرسلــوا واحــداً منهــم إلــى وزيــر
السلطـان فـراح الرجـل وأعلـم الوزيـر فركــب الوزيــر وركــب معــه ستــون مملوكــاً وســاروا حتــى أتــوا إلــى
الحمــام واجتمعــوا بحاســب كريــم الديــن وسلــم عليــه الوزيــر ورحــب بــه وأعطــى الحمامــي مائــة دينـــار
وأمــــر أن يقدمــــوا لحاســــب حصانــــاً ليركبـــــه ثـــــم ركـــــب الوزيـــــر وحاســـــب وكذلـــــك جماعـــــة الوزيـــــر
وأخــذوه معهــم وســاروا بــه حتــى وصلــوا إلــى قصــر السلطــان فنــزل الوزيــر ومــن معــه ونـــزل حاســـب
كريـم الديـن وجلسـوا فـي القصــر وأتــوا بالسمــاط فأكلــوا وشربــوا ثــم غسلــوا أيديهــم وخلــع عليــه الوزيــر
خلعتيــن كــل واحــدة تســاوي خمســة آلــاف دينــار وقــال لــه: اعلــم أن اللــه قــد مــن علينــا بــك ورحمنـــا
بمجيئـك فـإن السلطـان كـان أشـرف علـى المـوت مــن الجــذام الــذي بــه وقــد دلــت عندنــا الكتــب علــى
أن حياتـه علـى يديــك فتعجــب حاســب مــن أمرهــم ثــم تمشــى الوزيــر وحاســب وخــواص الدولــة مــن
أبـواب القصـر السبعـة إلـى أن دخلـوا علــى الملــك وكــان يقــال لــه الملــك كــرزدان ملــك العجــم وقــد ملــك
الأقاليـم السبعــة وكــان فــي خدمتــه مائــة سلطــان يجلســون علــى كراســي مــن الذهــب الأحمــر وعشــرة
آلـــاف بهلـــوان وكـــل بهلـــوان تحـــت يـــده مائـــة نائـــب ومائـــة جلـــاد بأيديهـــم السيـــوف والأطيـــار فوجـــدوا
ذلك الملك نائماً ووجهه ملفوف في منديل وهو يئن من شدة الأمراض.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الوزيــر شمهــور أقبــل علــى حاســب وأجلســه علــى كرســي عـــن
يميــن الملــك كــرزدان وأحضـــروا السمـــاط فأكلـــوا وشربـــوا وغسلـــوا أيديهـــم ثـــم بعـــد ذلـــك قـــام الوزيـــر
شمهـور وقـام لأجلـه كـل مـن فـي المجلـس هيبـة لـه وتمشـى إلــى نحــو حاســب كريــم الديــن وقــال لــه: نحــن
فـي خدمتـك وكـل مــا طلبــت نعطيــك ولــو طلبــت نصــف الملــك أعطينــاك إيــاه لــأن شفــاء الملــك علــى
يديـك ثـم أخـذه مـن يـده وذهـب بـه إلـى الملـك فكشــف حاســب عــن وجــه الملــك ونظــر إليــه فــرآه فــي
غايــة المــرض فتعجــب مــن ذلــك ثــم إن الوزيــر نــزل علــى يــد حاســب وقبلهــا وقــال لــه: نريــد منـــك أن
تداوي هذا الملك والذي تطلبه نعطيك إياه وهذه حاجتنا عندك.
فقـال حاسـب: نعـم إنـي ابــن دانيــال نبــي اللــه لكننــي مــا أعــرف شيئــاً مــن العلــم فإنهــم وضعونــي فــي
صنعــة الطــب ثلاثيــن يومــاً فلــم أتعلــم شيئــاً مــن تلــك الصنعــة وكنــت أود لــو عرفــت شيئــاً مــن العلــم
وأداوي هذاالملـك فقـال الوزيــر: لا تطــل علينــا الكلــام فلــو جمعنــا حكمــاء المشــرق والمغــرب مــا يــداوي
الملـــك إلا أنـــت فقـــال لـــه حاســـب: كيــــف أداويــــه وأنــــا لا أعــــرف داءه ولا دواءه قــــال لــــه الوزيــــر: إن
دواء الملــك عنــدك فقــال لــه حاســب: لــو كنـــت أعـــرف دواءه لداويتـــه فقـــال لـــه الوزيـــر: أنـــت تعـــرف
دواءه معرفة تامة فإن دواءه ملكة الحيات وأنت تعرف مكانها وكنت عندها.
فلمــا سمــع حاســب هــذا الكلــام عــرف أن سبــب ذلــك دخــول الحمــام وصــار يتنـــدم حيـــث لا ينفعـــه
===
النــدم وقــال لهـــم. كيـــف يكـــون دواءه ملكـــة الحيـــات وأنـــا لا أعرفهـــا ولا سمعـــت طـــول عمـــري بهـــذا
الاسـم فقـال الوزيـر: لا تنكـر معرفتهــا فــإن عنــدي دليــلاً علــى أنــك تعرفهــا وأقمــت عندهــا سنتيــن.
فقــال حاســب: أنــا لا أعرفهــا ولارأيهــا ولا سمعــت بهـــذا الخبـــر إلا فـــي هـــذا الوقـــت منكـــم فأحضـــر
الوزيـر كتابـاً وفتحـه وصـار يحسـب ثــم قــال: إن ملكــة الحيــات تجتمــع برجــل ويمكــث عندهــا سنتيــن
ويرجـع مـن عندهـا ويطلـع علـى وجــه الــأرض فــإذا دخــل الحمــام تســود بطنــه ثــم قــال حاســب: انظــر
إلـى بطنـك فنظرإليـه فـرآه أسـود فقـال لهـم حاســب: إن بطنــي أســود مــن يــوم ولدتنــي أمــي فقــال لــه:
أنــا كنــت وكلــت علــى كــل حمــام ثلاثــة مماليــك لأجــل أن يتعهــدوا كــل مــن يدخــل الحمـــام وينظـــروا إلـــى
بطنــه ويعلمونــي بــه فلمــا دخلــت أنــت الحمــام نظــروا إلــى بطنــك فوجــدوه أســود فأرسلــوا إلــي خبـــراً
بذلــك ومــا صدقنــا أننــا نجتمــع بــك فــي هــذا اليــوم ومــا لنــا عنــدك حاجــة إلا أن ترينــا الموضــع الــذي
طلعت منه وتروح إلى حال سبيلك ونحن نقدر على إمساك ملكة الحيات وعندنا من يأتينا بها.
فلمـــا سمـــع حاســــب هــــذا الكلــــام نــــدم علــــى دخــــول الحمــــام ندمــــاً عظيمــــاً حيــــث لا ينفعــــه النــــدم
وصـار الأمـراء والـوزراء يتداخلـون علــى حاســب فــي أن يخبرهــم بملكــة الحيــات حتــى عجــزوا وهــو
يقــول: لا رأيــت هــذا الأمــر ولا سمعــت بــه. فعنــد ذلــك طلــب الوزيــر الجلــاد فأتــوه بــه فأمــره أن ينــزع
ثيــاب حاســب عنــه ويضربــه ضربــاً شديــداً ففعــل ذلــك حتــى عايــن المــوت مــن شــدة الضــرب وبعــد
===
ذلــك قــال الوزيــر: إن عندنــا دليــلاً علــى أنــك تعــرف مكــان ملكـــة الحيـــات فلـــأي شـــيء أنـــت تنكـــره
أرنــا الموضـــع الـــذي خرجـــت منـــه وابعـــد عنـــا وعندنـــا الـــذي يمسكهـــا ولا ضـــرر عليـــك ثـــم لاطفـــه
وأقامـه وأمــر لــه بخلعــة مزركشــة بالذهــب والمعــادن فامتثــل حاســب لأمــر الوزيــر وقــال لــه: أنــا أريكــم
الموضع الذي خرجت منه.
فلمـــا سمـــع الوزيـــر كلامـــه فـــرح فرحـــاً شديـــداً وركـــب هـــو والأمـــراء جميعـــاً وركـــب حاســــب كريــــم
الديـن وســار قــدام العسكــر ومازالــوا سائريــن حتــى وصلــوا إلــى الجبــل ثــم أنــه دخــل بهــم إلــى المغــارة
وبكــى وتحســن ونزلــت الأمــراء والــوزراء وتمشــوا وراء حاســب حتــى وصلــوا إلـــى البئـــر الـــذي طلـــع
منــه ثــم تقــدم الوزيــر وجلــس وأطلــق البخــور وأقســم وتــلا العزائــم ونفـــث وهمهـــم لأنـــه كـــان ساحـــراً
ماكـراً كاهنـاً يعـرف علــم الروحانــي وغيــره ولمــا فــرغ مــن عزيمتــه الأولــى قــرأ عزيمــة ثانيــة وعزيمــة ثالثــة
وكلمـا فـرغ البخـور وضـع غيـره علـى النــار ثــم قــال. اخرجــي يــا ملكــة الحيــات فــإذا البئــر قــد غــاض
ماؤهـا وانفتـح فيهـا بـاب عظيـم وخـرج منهـا صـراخ عظيــم مثــل الرعــد حتــى ظنــوا أن تلــك البئــر قــد
انهدمـت ووقـع جميـع الحاضريـن فـي الــأرض مغشيــاً عليهــم ومــات بعضهــم وخــرج مــن تلــك البئــر حيــة
عظيمــة مثــل الفيــل يطيــر مــن عينيهــا ومــن فاهــا الشــرر مثــل الجمــر وعلــى ظهرهــا طبــق مــن الذهــب
الأحمــر مرصــع بالــدر والجوهــر وفــي وســط ذلــك الطبــق حيــة تضــيء المكــان ووجههــا كوجــه إنســـان
===
وتتكمـل بأفصـح لسـان وهـي ملكـة الحيــات والتفتــت يمينــاً وشمــالاً فوقــع بصرهــا علــى حاســب كريــم
الديــن فقالــت لــه: أيــن العهــد الــذي عاهدتنــي بــه واليميــن الــذي حلفتــه لــي مــن أنــك لا تدخــل الحمــام
ولكــن لا تنفــع حيلــة فــي القــدر والــذي علــى الجبيــن مكتــوب مــا منــه مهـــروب وقـــد جعـــل اللـــه آخـــر
عمـري علـى يديـك وبهـذا حكـم اللـه وأراد أن أقتـل أنــا والملــك يشفــى مــن مرضــه ثــم إن ملكــة الحيــات
بكت بكاء شديداً وبكى حاسب لبكائها.
ولمـــا رأى الوزيـــر شمهـــور الملعـــون ملكـــة الحيـــات مـــد إليهـــا يـــده ليسمكهـــا فقالـــت لـــه: امنــــع يــــدك يــــا
ملعـون وإلا نفخـت عليـك وصيرتــك كــوم أســود ثــم صاحــت علــى حاســب وقالــت لــه: تعــال عنــدي
وخذنـي بيـدك وحطنـي فـي هــذه الصينيــة التــي معكــم واحملهــا علــى رأســك فــإن موتــي علــى يــدك
مقدر من الأزل ولا حيلة لك في دفعه.
فأخذهــا حاســب وحطهــا فــي الصينيــة وحملهــا علــى رأســـه وعـــادت البئـــر كمـــا كانـــت ثـــم ســـاروا
وحاسب حامـل الصينيـة التـي هـي علـى رأسـه فبينمـا هـم فـي أثنـاء الطريـق غـذ قالـت ملكـة الحيـات
لحاســب كريــم الديــن ســراً: يــا حاســب اسمــع مــا أقولــه لـــك مـــن النصيحـــة وإن كنـــت نقضـــت العهـــد
وحنثــت فــي اليميــن وفعلــت هــذه الأفعــال لــأن ذلــك مقــدر مــن الــأزل. فقــال لهــا: سمعــاً وطاعــة مــا
الــذي تأمريننــي بــه يــا ملكــة الحيــات فقالـــت لـــه: إذا وصلـــت إلـــى بيـــت الوزيـــر فإنـــه يقـــول لـــك اذبـــح
===
ملكـة الحيـات وقطعهــا ثلــاث قطــع فامتنــع مــن ذلــك ولا تفعــل وقــل لــه: أنــا مــا أعــرف الذبــح لأجــل أن
يذبحنــي هــو بيــده ويعمــل فــي مــا يريــد فــإذا ذبحنــي وقطعنــي يأتيــه رســول مــن عنـــد الملـــك كـــرزدان
ويطلبــه إلــى الحضــور عنــده فيضــع لحمــي فـــي قـــدر مـــن النحـــاس ويضـــع القـــدر فـــوق الكانـــون قبـــل
الذهـاب إلـى الملـك ويقـول لـك: أوقـد النـار علـى القـدر حتـى تطلـع رغـوة اللحــم فخذهــا وحطهــا فــي
قنينـة واصبـر عليهـا حتـى تبــرد واشربهــا فــإذا شربتهــا لا يبقــى فــي بدنــك وجــع فــإذا طلعــت الرغــوة
الثانية فحطها عندك في قنينـة ثانيـة حتـى يجـيء مـن عنـدك الملـك واشربهـا مـن أجـل مـرض فـي صلبـي
ثـم إنـه يعطيـك القنينتيـن ويـروح إلـى الملـك فـإذا راح إليــه فأوقــد النــار علــى القــدر حتــى تطلــع الرغــوة
الأولـى فخذهـا وحطهـا فـي قنينـة واحفظهـا عنـدك وإيـاك أن تشربهـا فـإن شربتهـا لـم يحصـل لـك خيــراً
وإذا طلعــت الرغــوة الثانيــة فحطهـــا فـــي القنينـــة الثانيـــة واصبـــر حتـــى تبـــرد واحفظهـــا عنـــدك حتـــى
تشربهــا فــإذا جــاء مــن عنــد الملــك وطلــب منــك القنينــة فأعطــه الأولــى وانظــر مــا يجــري لـــه. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن ملكــة الحيــات أوصــت حاســب كريــم الديـــن بعـــدم الشـــرب مـــن
===
الرغـوة الأولـى والمحافظـة علـى الرغـوة الثانيـة وقالـت لــه: إذا رجــع الوزيــر مــن عنــد الملــك وطلــب منــك
القنينـة الثانيـة فأعطـه الأولـى وانظـر مـا يجـري لـه ثـم بعـد ذلـك اشــرب أنــت الثانيــة فــإذا شربتهــا يصيــر
قلبـك بيـت الحكمـة ثـم بعـد ذلـك اطلـع اللحـم وحطـه فـي صينيـة مـن النحـاس وأعـط الملـك إيــاه ليأكلــه
فإذا أكله واستقر في بطنـه فاستـر وجهـه بمنديـل واصبـر عليـه إلـى وقـت الظهـر حتـى يبـرد بطنـه وبعـد
ذلـــك اسقـــه شيئـــاً مـــن الشـــراب فإنـــه يعـــود صحيحـــاً بهـــا وحافـــظ عليهـــا كـــل المحافظــــة ومــــا زالــــوا
سائرين حتى أقبلوا على بيت الوزير.
فقــال الوزيــر لحاســب: ادخـــل معـــي البيـــت فلمـــا دخـــل الوزيـــر وحاســـب وتفـــرق العساكـــر وراح كـــل
منهـم إلـى حــال سبيلــه وضــع حاســب الصينيــة التــي فيهــا ملكــة الحيــات مــن فــوق رأســه ثــم قــال لــه
الوزيـر اذبـح ملكــة الحيــات فقــال لــه حاســب: أنــا لاأعــرف الذبــح وعمــري مــا ذبحــت شيئــاً فــإن كــان
لـك غـرض فـي ذبحهـا فاذبحهـا أنـت بيـدك فقــام الوزيــر شمهــور وأخــذ ملكــة الحيــات مــن الصينيــة التــي
هـي فيهـا وذبحهـا. فلمـا رأى حاسـب ذلــك بكــى بكــاء شديــداً فضحــك شمهــور ومنــه وقــال لــه: يــا
ذاهـل العقـل كيـف تبكـي مـن أجـل ذبــح حيــة وبعــد أن ذبحهــا الوزيــر قطعهــا ثلــاث قطــع ووضعهــا فــي
قــدر مــن النحـــاس ووضـــع القـــدر علـــى النـــار وجلـــس ينتظـــر نضـــج لحمهـــا فبينمـــا هـــو جالـــس وإذا
بمملـوك أقبـل مـن عنـد الملـك وقـال لـه: إن الملـك يطلبـك فـي هـذه الساعـة. فقـال لـه: سمعــاً وطاعــة ثــم
===
قـام وأحضـر قنينتيـن لحاسـب وقـال لـه: أوقـد النـار علـى هـذا القـدر حتـى تخـرج رغـوة اللحــم الأولــى
فـإذا خرجـت فاكشفهـا مـن فـوق اللحـم وحطهـا فـي إحـدى هاتيـن القنينتيـن واصبــر عليهــا حتــى تبــرد
واشربهـا أنـت فـإذا شربتهـا صـح جسمـك ولا يبقــى فــي جســدك وجــع ولا مــرض وإذا طلعــت الرغــوة
الثانيــة فضعهــا فــي القنينــة الأخــرى واحفظهــا عنــدك حتــى أرجــع مــن عنــد الملــك وأشربهــا لــأن فـــي
صلبــي وجعــاً عســاه يبـــرأ إذا شربتهـــا ثـــم توجـــه إلـــى الملـــك بعـــد أن أكـــد علـــى حاســـب فـــي تلـــك
الوصيـة فصـار حاسـب يوقـد النــار تحــت القــدر حتــى طلعــت الرغــوة الأولــى فكشطهــا وحطهــا فــي
قنينــة مــن الاثنتيــن ووضعهــا عنـــده ولـــم يـــزل يوقـــد النـــار تحـــت القـــدر حتـــى طلعـــت الرغـــوة الثانيـــة
فكشطهــا فــي القنينــة الأخــرى وحفظهــا عنــده ولمــا استــوى اللحــم أنــزل القــدر مــن فــوق النــار وقعـــد
ينتظر الوزير.
فلمــا أقبــل الوزيــر مــن عنــد الملــك قـــال لحاســـب: أي شـــيء فعلـــت فقـــال لـــه حاســـب: قـــد انقضـــى
الشغـل فقـال لـه الوزيـر مـا فعلـت فـي القنينـة الأولـى قـال لـه: شربـت مـا فيهـا فــي هــذا الوقــت فقــال لــه
الوزيـر: أرى جسـدك لـم يتغيـر منـه شـيء. فقـال لـه حاسـب: إن جسـدي مـن فـوق إلـى قدمـي أحـس
منــه بأنــه يشتعــل مثــل النــار فكتــم الماكــر الوزيــر شمهــور الأمــر عــن حاســب خداعــاً ثــم إنــه قـــال لـــه:
هــات القنينــة الثانيــة لأشــرب مــا فيهــا لعلــي أشفــى وأبــرأ مــن هــذا المــرض الــذي فــي صلبــي ثـــم إنـــه
===
شـرب مـا فـي القنينـة الأولـى وهـو يظـن أنهـا الثانيـة فلـم يتــم شربهــا حتــى سقطــت مــن يــده وتــورم مــن
ساعته وصح فيه قول صاحب المثل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
فلمـا رأى حاســب ذلــك الأمــر تعجــب منــه وصــار خائفــاً مــن شــرب القنينــة الثانيــة ثــم تفكــر وصيــة
الحيـة وقـال فـي نفسـه: لـو كـان مـا فـي القنينـة الثانيـة مضـراً مـا كـان الوزيـر اختارهـا لنفسـه ثـم إنـه قـال:
توكلـت علـى اللـه تعالـى وشـرب مـا فيهـا ولمـا شربـه فجــر اللــه فــي قلبــه ينابيــع الحكمــة وفتــح لــه عيــن
العلـم وحصـل لـه الفـرح والسـرور وأخـذ اللحــم الــذي كــان فــي القــدر ووضعــه فــي صينيــة مــن نحــاس
وخــرج بــه مــن بيــت الوزيــر ورفــع رأســه إلــى السمــاء فــرأى السمــوات السبــع ومـــا فيهـــن إلـــى ســـدرة
المنتهـــــى ورأى كيفيـــــة دوران الفلـــــك وكشـــــف اللـــــه لـــــه عـــــن جميـــــع ذلــــــك ورأى النجــــــوم السيــــــارة
والثوابـــت وعلـــم كيفيـــة سيــــر الكواكــــب وشاهــــد هيئــــة البــــر والبحــــر واستيقــــظ مــــن ذلــــك وعلــــم
التنجيــم وعلــم الهيئــة وعلــم الفلــك وعلــم الحســاب ومـــا يتعلـــق بذلـــك كلـــه وعـــرف مـــا يترتـــب علـــى
الكسـوف والخسـوف وغيـر ذلـك ثـم نظـر إلـى الـأرض فعـرف مـا فيهـا مــن المعــادن والنبــات والأشجــار
وعلــم جميـــع مـــا لهـــا مـــن الخـــواص والمنافـــع واستنبـــط مـــن ذلـــك علـــم الطـــب وعلـــم الكيميـــاء وعلـــم
السيميـاء وعـرف صنعـة الذهـب والفضـة ولــم يــزل سائــراً بذلــك اللحــم حتــى وصــل إلــى قصــر الملــك
كـرزدان ودخـل عليـه وقبـل الـأرض بيـن يديـه وقـال لــه: تعيــش رأســك فــي وزيــرك شمهــور. فاغتــاظ
===
الملـــك غيظـــاً شديـــداً بسبـــب مـــوت وزيـــره وبكـــى بكـــاء شديــــداً وبكــــت عليــــه الــــوزراء والأمــــراء
وأكابـر الدولـة ثـم بعـد ذلـك قـال الملـك كـرزدان: إن الوزيــر شمهــور كــان عنــدي فــي هــذا الوقــت وهــو
فـي غايـة الصحـة ثـم ذهــب ليأتينــي باللحــم إن كــان طبخــه فمــا سبــب موتــه فــي هــذه الساعــة وأي
شـيء عـرض لـه مــن العــوارض فحكــى حاســب للملــك جميــع مــا جــرى لوزيــره ثــم إنــه شــرب القنينــة
وتــورم وانتفــخ بطنــه ومــات فحــزن عليــه الملــك حزنــاً شديـــداً ثـــم قـــال لحاســـب: كيـــف حالـــي بعـــد
شمهور
فقـال حاسـب: لاتحمـل همـاً يـا ملـك الزمــان فأنــا أداويــك فــي ثلاثــة أيــام ولا أتــرك فــي جسمــك شــيء
مـن الأمـراض فانشـرح صـدر الملـك كـرزدان وقـال لحاسـب: أنــا مــرادي أن أعافــى مــن هــذا البــلاء ولــو
بعـد مـدة مــن السنيــن. فقــام حاســب وأتــى بالقــدر وحطــه قــدام الملــك وأخــذ قطعــة مــن لحــم ملكــة
الحيـات وأطعمهـا للملـك كـرزدان وغطـاه ونشـر علـى وجهــه منديــلاً وقعــد عنــده وأمــره بالنــوم فنــام مــن
وقـت الظهـر إلـى وقـت المغـرب حتـى دارت قطعـة اللحـم فـي بطنـه ثـم بعـد ذلــك أيقظــه وسقــاه شيئــاً
مــن الشــراب وأمــره بالنــوم فنــام الليــل إلــى وقــت الصبــح ولمــا طلــع النهــار فعــل معـــه مـــا فعـــل بالأمـــس
حتـى أطعمـه القطـع الثلـاث علـى ثلاثــة أيــام فقــب جلــد الملــك وانقشــر جميعــه فعنــد ذلــك عــرق الملــك
حتى جرى العرق من رأسه إلى قدمه وتعافى وما بقي في جسده شيء من الأمراض.
===
وبعــد ذلــك قــال لــه حاســب: لابـــد مـــن دخـــول الحمـــام ثـــم أدخلـــه الحمـــام وغســـل جســـده وأخرجـــه
فصــار جسمــه مثــل قضيــب الفضــة وعــاد لمــا كـــان عليـــه مـــن الصحـــة وردت لـــه العافيـــة أحســـن مـــا
كانــت أولاً ثــم إنـــه لبـــس أحســـن ملبوســـه وجلـــس علـــى التخـــت وأذن لحاســـب كريـــم الديـــن فـــي أن
يجلـس معـه فجلـس بجانبـه ثـم أمـر الملـك بمـد السمــاط فمــد وأكــلا وغســلا أيديهمــا وبعــد ذلــك أمــر أن
يأتوا بالمشروب فأتوا بما طلب فشربا.
ثــم بعــد ذلــك أتــى جميــع الأمــراء والــوزراء والعسكــر وأكابــر الدولــة وعظمــاء رعيتــه وهنــوه بالعافيــة
ودقــوا الطبــول وزينــوا المدينــة مــن أجــل سلامــة الملــك ولمــا اجتمعــوا عنــده للتهنئــة قــال لهــم الملــك: يـــا
معشــر الــوزراء والأمــراء وأربــاب الدولــة هــذا حاســب كريــم الديــن داوانــي مـــن مرضـــي اعلمـــوا أنـــي
قــد جعلتــه وزيــراً أعظــم مــن مكــان الوزيــر شمهــور. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
وفي الليلة الثلاثين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك قــال لوزرائــه وأكابــر دولتـــه أن الـــذي داوانـــي مـــن مرضـــي
هـو حاسـب كريــم الديــن وقــد جعلتــه وزيــراً أعظــم مــن مكــان الوزيــر شمهــور فمــن أحبــه قــد أحبنــي
===
ومـن أكرمـه فقـد أكرمنـي ومـن أطاعـه فقـد أطاعنـي. فقالــوا لــه جميعــاً: سمعــاً وطاعــة ثــم قامــوا كلهــم
وقبلـوا يـد حاســب كريــم الديــن وسلمــوا عليــه وهنــوه بالــوزارة ثــم بعــد ذلــك خلــع عليــه خلعــة سنيــة
منسوجــة بالذهــب الأحمــر مرصعــة بالـــدر والجوهـــر أقـــل جوهـــرة فيهـــا تســـاوي خمســـة آلـــاف دينـــار
وأعطــاه ثلاثمائــة مملــوك وثلاثمائــة سريــة تضــيء مثــل الأقمــار وثلاثمائـــة جاريـــة مـــن الجيـــش وخمسمائـــة
بغلة محملة من المال وأعطاه من المواشي والغنم والجاموس والبقر ما يكل عنه الوصف.
وبعـــد هـــذا كلـــه أمـــر وزراءه وأمـــراءه وأربـــاب دولتـــه وأكابـــر مملكتــــه وعمــــوم رعيتــــه أن يهــــادوه ثــــم
ركــــب حاســــب كريــــم الديــــن وركبــــت خلفــــه الــــوزراء والأمــــراء وأربــــاب الدولــــة وجميــــع العساكـــــر
وســاروا إلــى بيتــه الــذي أخلــاه لـــه الملـــك ثـــم جلـــس علـــى كرســـي وتقدمـــت إليـــه الأمـــراء والـــوزراء
وقبلـوا يـده وهنـوه بالـوزارة وجــاء أهلــه وهنــوه بالسلامــة والــوزارة وفرحــوا بــه فرحــاً شديــداً ثــم بعــد
ذلـك أقبـل عليـه أصحابـه الحطابـون وهنـوه بالـوزارة وبعـد ذلــك ركــب وســار حتــى وصــل إلــى قصــر
الوزيـر شمهـور فختـم علـى بيتـه ووضـع يـده علـى مــا فيــه. ثــم نقلــه إلــى بيتــه وبعــد أن كــان لا يعــرف
شيئــاً مــن العلــوم ولاقــراءة الخــط صــار عالمــاً بجميــع العلــوم بقــدرة اللــه تعالــى وانتشــر علمــه وشاعــت
حكمتــه فــي جميــع البلــاد واشتهــر بالتبحــر فــي علــم الطــب والهيئــة والهندســة والتنجيـــم والكيميـــاء
والسيميــاء والروحانــي وغيــر ذلــك مــن العلــوم ثـــم إنـــه قـــال لأمـــه يومـــاً مـــن الأيـــام: يـــا والدتـــي إن أبـــي
===
دانيــال كــان عالمــاً فاضــلاً فأخبرينــي بمــا خلفــه مـــن الكتـــب وغيرهـــا. فلمـــا سمعـــت أمـــه كلامـــه أتتـــه
بالصنـدوق الـذي كـان أبـوه قـد وضـع فيـه الورقـات الخمـس الباقيـة مـن الكتـب التـي غرقـت فــي البحــر
وقالــت لــه: مــا خلــف أبــوك شــيء مــن الكتــب إلا الورقــات الخمــس التــي فــي هــذا الصنــدوق ففتــح
الصنـدوق وأخـذ منــه الورقــات الخمــس وقرأهــا وقــال لهــا: يــا أمــي إن هــذه الــأوراق مــن جملــة كتــاب
وأيـن بقيتــه فقالــت لــه: إن أبــاك كــان قــد سافــر بجميــع كتبــه إلــى البحــر فانكســر بــه المركــب وغرقــت
كتبــه ونجــاه اللــه مــن الغــرق ولــم يبــق مــن كتبــه إلا هــذه الورقـــات الخمـــس ولمـــا جـــاء أبـــوك مـــن السفـــر
كنـــت حامـــلاً بـــك فقـــال لـــي ربمـــا تلديـــن ذكـــراً فخـــذي هـــذه الـــأوراق واحفظيهـــا عنـــدك فـــإذا كبــــر
الغلــام وســأل عــن تركتـــي فأعطيـــه إياهـــا وقولـــي لـــه: إن أبـــاك لـــم يخلـــف غيرهـــا وهـــذه هـــي ثـــم إن
حاسبـاً كريـم الديـن تعلــم جميــع العلــوم ثــم بعــد ذلــك قعــد فــي أكــل وشــرب وأطيــب معيشــة وأرغــد
عيــش إلــى أن أتــاه هــادم اللــذات ومفــرق الجماعــات وهــذا آخــر مــا انتهــى إلينــا مــن حديــث حاســـب
بن دانيال رحمه الله تعالى والله أعلم.
===
حكاية السندباد
قالـت: بلغنــي أنــه كــان فــي زمــن الخليفــة أميــر المؤمنيــن هــارون الرشيــد بمدينــة بغــداد رجــل يقــال لــه
السندبـاد الحمـال وكــان رجــلاً فقيــر الحــال يحمــل تجارتــه علــى رأســه فاتفــق لــه أنــه حمــل فــي يــوم مــن
الأيــام حملــة ثقيلــة وكــان ذلــك اليــوم شديــد الحــر فتعــب مـــن تلـــك الحملـــة وعـــرق واشتـــد عليـــه الحـــر
فمــر علــى بــاب رجــل تاجــر قدامــه كنــس ورش وهنــاك هــواء معتــدل وكــان بجانـــب البـــاب مصطبـــة
عريضــة فحــط الحمــال حملتــه علــى تلــك المصطبــة ليستريــح ويشـــم الهـــواء. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الحمـــال لمـــا حـــط حملتـــه علـــى تلـــك المصطبـــة ليستريـــح ويشـــم
الهــواء خــرج عليــه مــن ذلــك البــاب نسيــم رائــق ورائحــة ذكيــة فاستلـــذ الحمـــال لذلـــك وجلـــس علـــى
جانــب المصطبــة فسمــع فـــي ذلـــك المكـــان نغـــم أوتـــار وعـــود وأصـــوات مطربـــة وأنـــواع إنشـــاد معربـــة
وسمـــع أيضـــاً أصـــوات طيـــور تناغـــي وتسبـــح اللـــه تعالــــى باختلــــاف الأصــــوات وسائــــر اللغــــات مــــن
قماري وهزار وشحارير وبلابل وفاخت وكروان.
===
فعنــد ذلــك تعجــب مــن نفســه وطــرب طربــاً شديــداً فتقــدم إلــى ذلــك فوجـــد داخـــل البيـــت بستانـــاً
عظيمــاً. ونظــر فيــه غلمانــاً وعبيــداً وخدامــاً وحشمــاً وشيئـــاً لا يوجـــد إلا عنـــد الملـــوك والسلاطيـــن
وبعـد ذلـك هبـت عليـه رائحـة أطعمـة طيبـة ذكيــة مــن جميــع الألــوان المختلفــة والشــراب الطيــب فرفــع
طرفــه إلــى السمــاء وقــال: سبحانــك يــا رب يــا خالــق يــا رزاق تــرزق مــن تشــاء بغيــر حســاب اللهــم
إنــي أستغفــرك مــن جميــع الذنــوب وأتــوب إليــك مــن العيــوب يـــا رب لا أعتـــرض عليـــك فـــي حكمـــك
وقدرتـك فإنـك لا تسـأل عمـا تفعـل وأنـت علـى كـل شــيء قديــر سبحانــك تغنــي مــن تشــاء وتعــز مــن
تشـاء وتـذل مـن تشــاء لا إلــه إلا أنــت مــا أعظــم شأنــك ومــا أقــوى سلطانــك ومــا أحســن تدبيــرك قــد
أنعمــت علــى مـــن تشـــاء مـــن عبـــادك فهـــذا المكـــان صاحبـــه فـــي غايـــة النعمـــة وهـــو متلـــذذ بالروائـــح
اللطيفــة والمآكــل اللذيــذه والمشــارب الفاخــرة فــي سائــر الصفــات وقـــد حكمـــت فـــي خلقـــك بمـــا تريـــد
ومـا قدرتـه عليهـم فمنهـم تعبـان ومنهـم مستريـح ومنهـم سعيــد ومنهــم مــن هــو مثلــي فــي غايــة التعــب
والذل وأنشد يقول:
فكــم مــن شقــي بـــلا راحـــة ينعــم فــي خيـــر فـــيء وظـــل
وأصبحــت فــي تعــب زائـــد وأمري عجيب وقد زاد حملي
وغيـــري سعيـــد بــــلا شقــــوة وما حمل الدهـر يومـاً كحملـي
===
وكـــــل الخلائـــــق مـــــن نطفـــــة أنــا مثــل هــذا وهــذا كمثلـــي
ولكـــــن شتــــــان مــــــا بيننــــــا وشتــــان بيـــــن خمـــــر وخـــــل
ولســت أقـــول عليـــك افتـــراء فأنـت حكيـم حكمـت بعــدل
فلمــا فـــرغ السندبـــاد الحمـــال مـــن شعـــره ونظمـــه أراد أن يحمـــل حملتـــه ويسيـــر إذ قـــد طلـــع عليـــه مـــن
ذلــك البـــاب غلـــام صغيـــر الســـن حســـن الوجـــه مليـــح القـــد فاخـــر الملابـــس فقبـــض علـــى يـــد الحمـــال
وقــال لــه: ادخــل كلــم سيــدي فإنــه يدعــوك فــأراد الحمــال الامتنــاع عــن الدخــول مــع الغلـــام فلـــم يقـــدر
علــى ذلــك فحــط حملتــه عنــد البــاب فــي وســط المكــان ودخــل مــع الغلــام داخــل الــدار فوجـــد داراً
مليحـة وعليهـا أنــس ووقــار ونظــر إلــى مجلــس عظيــم فنظــر فيــه مــن الســادات الكــرام والموالــي العظــام
وفيــه مــن جميــع أصنــاف الزهــر وجميــع أصنــاف المشمــوم ومــن أنــواع النقــل والفواكــه وشــيء كثيــر مـــن
أصنـاف الأطعمـة النفيسـة وفيـه مشـروب مــن خــواص دوالــي الكــروم وفيــه آلــات السمــاع والطــرب مــن
أصنــاف الجــواري الحســان كــل منهــن فــي مقامــه علــى حســب الترتيــب. وفـــي صـــدر ذلـــك المجلـــس
رجــل عظيــم محتــرم قــد لكــزه الشيــب فــي عوارضــه وهــو مليــح الصــورة حســن المنظــر وعليــه هيبــة
ووقـار وعـز وافتخـار فعنـد ذلــك بهــت السندبــاد الحمــال وقــال فــي نفســه: واللــه إن هــذا المكــان مــن
بقــع الجنــان أو أنــه يكــون قصــر ملــك أو سلطــان ثــم تـــأدب وسلـــم عليهـــم وقبـــل الـــأرض بيـــن أيديهـــم
===
وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبـــاد الحمـــال لمـــا قبـــل الـــأرض بيـــن أيديهـــم وقـــف منكـــس
الــرأس متخشــع فــأذن لــه صاحــب المكــان بالجلـــوس فجلـــس وقـــد قربـــه إليـــه وصـــار يؤانســـه بالكلـــام
ويرحـب بــه ثــم إنــه قــدم لــه شيئــاً مــن أنــواع الطعــام المفتخــر الطيــب النفيــس فتقــدم السندبــاد الحمــال
وسمـى وأكـل حتـى اكتفـى وشبـع وقـال: الحمـد للـه علـى كـل حـال ثــم إنــه غســل يديــه وشكرهــم علــى
ذلك.
فقـــال صاحـــب المكـــان: مرحبـــا بـــك ونهــــارك مبــــارك فمــــا يكــــون اسمــــك ومــــا تعانــــي مــــن الصنائــــع
فقـال لـه: يـا سيـدي اسمـي السندبــاد الحمــال وأنــا أحمــل علــى رأســي أسبــاب النــاس بالأجــرة فتبســم
صاحـب المكـان وقـال لـه: اعلـم يـا حمـال أن اسمـك مثـل اسمــي فأنــا السندبــاد البحــري ولكــن يــا حمــال
قصـدي أن تسمعنـي الأبيـات التـي كنـت تنشدهـا وأنـت علـى البـاب فاستحـى الحمـال وقــال لــه: باللــه
عليـك لا تؤاخذنـي فـإن التعـب والمشقـة وقلـة مـا فـي اليـد تعلـم الإنسـان قلـة الـأدب والسفـه. فقــال لــه:
لا تستحـي فأنـت صـرت أخـي فانشـد هـذه الأبيـات فإنهـا أعجبتنـي لمـا سمعتهــا منــك وأنــت تنشدهــا
علـى البـاب فعنـد ذلـك أنشـده الحمـال تلـك الأبيـات فأعجبتـه وطـرب لسماعهـا وقــال لــه: اعلــم أن لــي
===
قصـة عجيبـة وسـوف أخبـرك بجميـع مـا صـار لـي ومـا جـرى لـي مـن قبـل أن أصيــر فــي هــذه السعــادة
واجلـس فـي هـذا المكـان الـذي ترانـي فيـه فإنـي مــا وصلــت إلــى هــذه السعــادة وهــذا المكــان إلا بعــد
تعـب شديـد ومشقـة عظيمـة وأهـوال كثيـرة وكــم قاسيــت فــي الزمــن الــأول مــن التعــب والنصــب وقــد
سافــرت سبــع سفــرات وكــل سفــرة لهــا حكايـــة تحيـــر الفكـــر وكـــل ذلـــك بالقضـــاء والقـــدر وليـــس مـــن
المكتوب مفر ولا مهروب.
الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري وهي أول السفرات
اعلمــوا يــا ســادة يــا كــرام أنـــه كـــان لـــي أب تاجـــر وكـــان مـــن أكابـــر النـــاس والتجـــار وكـــان عنـــده مـــال
كثيـر ونـوال جزيـل وقـد مـات وأنـا ولـد صغيــر وخلــف لــي مــالاً وعقــاراً وضياعــاً فلمــا كبــرت وضعــت
يـدي علـى الجميـع وقـد أكلـت أكــلاً مليحــاً وشربــت شربــاً مليحــاً وعاشــرت الشبــاب وتجملــت بلبــس
الثيــاب ومشيــت مــع الخلــان والأصحــاب واعتقــدت أن ذلــك يــدوم لــي وينفعنــي ولــم أزل علـــى هـــذه
الحالـة مـدة مـن الزمـان ثـم إنـي رجعـت إلـى عقلـي وأفقــت مــن غفلتــي فوجــدت مالــي قــد مــال وحالــي
قــد حــال وقــد ذهــب جميـــع مـــا كـــان عنـــدي ولـــم أستفـــق لنفســـي إلا وأنـــا مرعـــوب مدهـــوش وقـــد
تفكـرت حكايـة كنــت أسمعهــا سابقــاً وهــي حكايــة سيدنــا سليمــان بــن داود عليــه السلــام فــي قولــه:
ثلاثــة خيــر مــن ثلاثــة يــوم الممــات خيــر مــن يــوم الولــادة وكلــب حــي خيــر مــن سبــع ميــت والقبــر خيـــر
===
مـن القصـر. ثـم إنـي قمـت وجمـع مـا كـان عنـدي مـن أثـاث وملبـوس وبعتـه ثـم بعــت عقــاري وجميــع مــا
تملـك يـدي فجمعـت ثلاثـة آلـاف درهـم وقـد خطـر ببالـي السفـر إلــى بلــاد النــاس وتذكــرت كلــام بعــض
الشعراء حيث قال:
بقـدر الكـد تكتسـب المعالـي ومن طلب العـلا سهـر الليالـي
يغوص البحر من طلـب اللآلـئ ويحظـــــى بالسيـــــادة والنـــــوال
ومن طلب العلا مـن غيـر كـد أضـاع العمـر فـي طلـب المحـال
فعنــد ذلــك هممــت فقمــت واشتريــت لــي بضاعــة ومتاعــاً وأسبابــاً وشيئــاً مــن أغــراض السفــر وقـــد
سمحــت لــي نفســي بالسفــر فــي البحــر فنزلــت المركــب وانحــدرت إلــى مدينــة البصــرة مــع جماعــة مــن
التجـار وسرنـا فـي البحـر أيامـاً وليالـي وقـد مررنـا بجزيـرة بعـد جزيـرة ومـن بحـر إلـى بحـر ومـن بـر إلـى بــر
وفـي كـل مكــان مررنــا بــه نبيــع ونشتــري ونقايــض بالبضائــع فيــه وقــد انطلقنــا فــي سيــر البحــر إلــى أن
وصلنــا إلــى جزيــرة كأنهــا روضــة مــن ريــاض الجنــة فأرســى بنــا صاحــب المركــب علـــى تلـــك الجزيـــرة
ورمـى مراسيهـا وشـد السقالـة فنـزل جميــع مــن كــان فــي المركــب فــي تلــك الجزيــرة وعملــوا لهــم كوانيــن
وأوقــدوا فيهــا النــار واختلفــت أشغالهــم فمنهــم مــن صــار يطبــخ ومنهــم مــن صــار يغســل ومنهـــم مـــن
صار يتفرج وكنت أنا من جملة المتفرجين في جوانب الجزيرة.
===
وقــد اجتمــع الركــاب علــى أكـــل وشـــرب ولهـــو ولعـــب فبينمـــا نحـــن علـــى تلـــك الحالـــة وإذا بصاحـــب
المركـب واقـف علــى جانبــه وصــاح بأعلــى صوتــه: يــا ركــاب السلامــة أسرعــوا واطلعــوا إلــى المركــب
وبـادروا إلـى الطلــوع واتركــوا أسبابكــم واهربــوا بأرواحكــم وفــوزوا بسلامــة أنفسكــم مــن الهلــاك فــإن
هـذه الجزيـرة التـي أنتـم عليهـا مـا هـي جزيـرة وإنمــا هــي سمكــة كبيــرة رســت فــي وســط البحــر فبنــى
عليهــا الرمــل فصــارت مثــل الجزيــرة وقــد نبتــت عليهــا الأشجــار مــن قديــم الزمــان فلمــا وقدتــم عليهـــا
النـار أحسـت بالسخونـة فتحركـت وفـي هـذا الوقــت تنــزل بكــم فــي البحــر فتغرقــون جميعــاً فاطلبــوا
النجاة لأنفسكم قبل الهلاك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن ريــس المركــب لمــا صــاح علــى الركــاب وقــال لهــم: اطلبــوا النجــاة
لأنفسكـــم واتركـــوا الأسبـــاب ولمـــا سمـــع الركـــاب كلـــام ذلــــك الريــــس أسرعــــوا وبــــادروا بالطلــــوع إلــــى
المركـــب وتركـــوا الأسبـــاب وحوائجهـــم ودسوتهـــم وكوانينهـــم فمنهـــم مـــن لحـــق المركـــب ومنهـــم مـــن لـــم
يلحقـه وقـد تحركــت تلــك الجزيــرة ونزلــت إلــى قــرار البحــر بجميــع مــا كــان عليهــا وانطبــق عليهــا البحــر
العجـاج المتلاطــم بالأمــواج وكنــت مــن جملــة مــن تخلــف فــي الجزيــرة فغرقــت فــي البحــر مــع جملــة مــن
===
غـرق ولكـن اللـه تعالـى أنقذنـي ونجانـي مـن الغـرق ورزقنـي بقطعـة خشــب كبيــرة مــن القطــع التــي كانــوا
يغسلــون فيهــا فمسكتهــا بيــدي وركبتهــا مــن حلــاوة الــروح ورفســت فــي المــاء برجلــي مثـــل المجاذيـــف
والأمواج تلعب بي يميناً وشمالاً.
وقـــد نشـــر الريـــس قلـــاع المركـــب وسافربالذيـــن طلـــع بهـــم فـــي المركـــب ولـــم يلتفـــت لمــــن غــــرق منهــــم
ومازلـت أنظـر إلــى ذلكالمركــب حتــى خفــي عــن عينــي وأيقنــت بالهلــاك ودخــل علــي الليــل وأنــا علــى
هــذه الحالــة فمكثــت علــى مــا أنــا فيــه يومــاً وليلــة وقــد ساعدنــي الريــح والأمــواج إلــى أن رســت بــي
تحـت جزيــرة عاليــة وفيهــا أشجــار مطلــة علــى البحــر فمسكــت فرعــاً مــن شجــرة عاليــة وتعلقــت بــه
بعدمـا أشرفـت علـى الهلـاك وتمسكـت بـه إلـى أن طلعـت إلـى الجزيـرة فوجـدت فـي رجلـي خـدلاً وأثــر
أكـل السمـك فـي بطونهمـا ولـم أشعـر بذلـك مـن شـدة مـا كنــت فيــه مــن الكــرب والتعــب وقــد ارتميــت
فـي الجزيـرة وأنـا مثـل الميـت وغبـت عـن وجـودي وغرقـت فـي دهشتـي ولـم أزل علـى هـذه الحالــة إلــى
ثانــي يــوم. وقــد طلعــت الشمــس علـــي وانتبهـــت فـــي الجزيـــرة فوجـــدت رجلـــي قـــد ورمتـــا فســـرت
حزينـاً علـى مـا أنـا فيـه فتـارة أزحـف وتـارة أحبـو علـى ركبــي وكــان فــي الجزيــرة فواكــه كثيــرة وعيــون
مـاء عـذب فصـرت آكـل مــن تلــك الفواكــه ولــم أزل علــى هــذه الحالــة مــدة أيــام وليــال فانتعشــت نفســي
وردت لـي روحـي وقويـت حركتـي وصـرت أتفكـر وأمشــي فــي جانــب الجزيــرة وأتفــرج بيــن الأشجــار
===
ممــا خلــق اللــه تعالــى. وقــد عملــت لــي عكــازاً مــن تلــك الأشجــار أتوكــأ عليـــه ولـــم أزل علـــى هـــذه
الحالـة إلـى أن تمشيـت يومـاً مـن الأيـام فـي جانـب الجزيـرة فلـاح لــي شبــح مــن بعيــد فظننــت أنــه وحــش
أو أنــه دابــة مــن دواب البحــر فتمشيــت إلــى نحــوه ولــم أزل أتفــرج عليــه وإذا هــو فــرس عظيــم المنظـــر
مربـوط فـي جانـب الجزيـرة علـى شاطــئ البحــر فدنــوت منــه فصــرخ علــي صرخــة عظيمــة فارتعبــت
منـه وأردت أن أرجـع وإذا برجــل خــرج مــن تحــت الــأرض وصــاح علــي واتبعنــي وقــال لــي: مــن أنــت
ومـن أيـن جئـت ومـا سبــب وصولــك إلــى هــذا المكــان فقلــت لــه: يــا سيــدي اعلــم أنــي رجــل غريــب
وكنــت فــي مركــب وغرقــت أنــا وبعــض مــن كــان فيهــا فرزقنــي اللــه بقطعــة خشــب فركبتهــا وعامــت
بي إلى أن رمتني الأمواج في هذه الجزيرة.
فلمــا سمــع كلامــي أمسكنــي مــن يــدي وقــال لــي: امــش معــي فنــزل بــي فــي ســـرداب تحـــت الـــأرض
ودخـل بــي إلــى قاعــة كبيــرة تحــت الــأرض وأجلسنــي فــي صــدر تلــك القاعــة وجــاء لــي بشــيء مــن
الطعـــام وأنـــا كنـــت جائعـــاً فأكلـــت حتـــى شبعـــت واكتفيـــت وارتاحـــت نفســـي ثـــم إنـــه سألنـــي عــــن
حالي وما جرى لي فأخبرته بجميع ما كان من أمري من المبتدأ إلى المنتهى فتعجب من قصتي.
فلمــا فرغــت مــن حكايتــي قلــت: باللــه عليــك ياسيــدي لا تؤاخذنــي فأنــا قــد أخبرتــك بحقيقــة حالــي
ومـا جـرى لـي وأنـا أشتهـي منـك أن تخبرنـي مـن أنـت ومـا سبـب جلوسـك فـي هـذه القاعــة التــي تحــت
===
فقــال لــي اعلــم أننــا جماعــة متفرقــون فــي هــذه الجزيـــرة علـــى جوانبهـــا ونحـــن سيـــاس الملـــك المهرجـــان
وتحـت أيدينـا جميـع خيولـه وفـي كـل شهـر عنـد القمـر نأتـي بالخيـل الجيـاد ونربطهـا فـي هــذه الجزيــرة مــن
كــل بكــر ونختفــي فــي هـــذه القاعـــة تحـــت الـــأرض حتـــى لا يرانـــا أحـــد فيجـــيء حصـــان مـــن خيـــول
البحــر علــى رائحــة تلــك الخيــل ويطلــع علــى البــر فلــم يــر أحــداً فيثـــب عليهـــا ويقضـــي منهـــا حاجتـــه
وينــزل عنهــا ويريــد أخذهــا معــه فــلا تقــدر أن تسيــر معــه مــن الربــاط فيصيــح عليــه ويضربهــا برأســه
ورجليــه ويصيــح فنسمــع صوتــه فنعلــم أنــه نــزل عنهــا فنطلــع صارخيــن عليـــه فيخـــاف وينـــزل البحـــر
والفــرس تحمــل وتلــد مهــراً أو مهــرة تســاوي خزنــة مــال ولا يوجــد لهــا نظيــر علــى وجـــه الـــأرض وهـــذا
وقـــت طلـــوع الحصـــان وإن شـــاء اللـــه تعالـــى آخــــذك معــــي إلــــى الملــــك المهرجــــان. وأدرك شهــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملــــك السعيــــد أن السايــــس قــــال للسندبــــاد البحــــري آخــــذك معــــي إلــــى الملــــك
المهرجـان وأفرجـك علـى بلادنـا واعلـم أنـه لـولا اجتماعـك علينـا مـا كنـت تــرى أحــداً فــي هــذا المكــان
غيرنـا وكنـت تمــوت كمــداً ولا يــدري بــك أحــد ولكــن أنــا أكــون سبــب حياتــك ورجوعــك إلــى بلــادك
===
فدعـوت لـه وشكرتـه علـى فضلـه وإحسانــه فبينمــا نحــن فــي هــذا الكلــام وإذا بالحصــان قــد طلــع مــن
البحــر وصــرخ صرخــة عظيمــة ثــم وثــب علــى الفــرس فلمــا فــرغ منهــا نـــزل عنهـــا وأراد أخذهـــا معـــه
فلـم يقـدر ورفسـت وصاحـت عليــه فأخــذ الرجــل السايــس سيفــاً بيــده ودرقــة وطلــع مــن بــاب تلــك
القاعــة وهــو يصيــح علــى رفقتــه ويقــول اطلعــوا إلــى الحصــان ويضــرب بالسيــف علــى الدرقـــة فجـــاء
جماعـة بالرمـاح صارخيـن فجفـل منهـم الحصـان وراح إلـى حـال سبيلـه ونــزل فــي البحــر مثــل الجامــوس
وغاب تحت الماء.
فعنـــد ذلــــك جلــــس الرجــــل قليــــلاً وإذا هــــو بأصحابــــه قــــد جــــاؤه ومــــع كــــل واحــــد فــــرس يقودهــــا
فنظرونــي عنــده فسألونــي عــن أمــري فأخبرتهــم بمــا حكيتــه لـــو وقربـــوا منـــي ومـــدوا السمـــاط وأكلـــوا
وعزمونــي فأكلــت معهــم ثــم إنهــم قامـــوا وركبـــوا الخيـــول وأخذونـــي إلـــى مدينـــة الملـــك المهرجـــان وقـــد
دخلـوا عليـه وأعلمـوه بقصتـي فطلبنــي فأدخلونــي عليــه وأوقفونــي بيــن يديــه فسلمــت عليــه فــرد علــي
السلـام ورحـب بـي وحيانـي بإكـرام وسألنـي عــن حالــي فأخبرتــه بجيــع مــا حصــل لــي وبكــل مــا رأيتــه
من المبتدأ إلى المنتهى.
فعنــد ذلــك تعجــب ممــا وقــع لــي وممــا جــرى لــي فعنــد ذلــك قــال لــي يــا ولــدي واللــه لقــد حصـــل لـــك
مزيـد السلامـة ولـولا طـول عمـرك مــا نجــوت مــن هــذه الشدائــد ولكــن الحمــد للــه علــى السلامــة ثــم إنــه
===
أحسـن إلـي وأكرمنـي وقربنـي إليـه وصـار يؤانسنـي بالكلـام والملاطفـة وجعلنـي عنـده عامـلاً فـي مينــاء
البحـر وكاتبـاً علـى كـل مركـب عبـر إلـى البـر وصـرت واقفـاً عنـده لأقضـي لـه مصالحـه وهــو يحســن إلــي
وينفعنــي مــن كــل جانـــب وقـــد كسانـــي كســـوة مليحـــة فاخـــرة وصـــرت مقدمـــاً عنـــده فـــي الشفاعـــات
وقضاء مصالح الناس ولم أزل عنده مدة طويلة.
وأنــا كلمــا اشــق علــى جانــب البحــر اســـأل التجـــار والمسافريـــن والبحرييـــن عـــن ناحيـــة مدينـــة بغـــداد
لعــل أحــداً يخبرنــي عنهــا فــأروح معــه إليهــا وأعــود إلــى بلــادي فلــم يعرفهــا أحــد ولــم يعــرف مــن يــروح
إليهـا وقـد تحيـرت فـي ذلـك وسئمـت مـن طــول الغربــة ولــم أزل علــى هــذه الحالــة مــدة مــن الزمــان إلــى
أن جئــت يومــاً مــن الأيــام ودخلــت علــى الملــك المهرجــان فوجــدت عنــده جماعــة مــن الهنـــود فسلمـــت
عليهـم فـردوا علـي السلـام ورحبـوا بــي وقــد سألونــي عــن بلــادي فذكرتهــا لهــم وسألتهــم عــن بلادهــم
ذركـــوا لـــي أنهـــم أجنـــاس مختلفــــة فمنهــــم الشاركيــــة وهــــم أشــــرف أجناسهــــم لا يظلمــــون أحــــداً ولا
يقهرونه.
ومنهــم جماعــة تسمــى البراهمــة وهــم قــوم لا يشربــون الخمــر أبــداً وإنمــا هـــم أصحـــاب حـــظ وصفـــاء
ولهـو وطـرب وجمـال وخيـول ومواشـي وأعلمونــي أن صنــف الهنــود يفتــرق علــى اثنيــن وسبعيــن فرقــة
فتعجبت من ذلك غاية العجب.
===
ورأيـــت فـــي مملكـــة المهرجـــان جزيـــرة مـــن جملـــة الجزائـــر يقـــال لهـــا كابـــل يسمـــع فيهـــا ضـــرب الدفــــوف
والطبــول طــول الليــل وقــد أخبرنــا أصحــاب الجزائــر والمسافريــن أنهــم أصحــاب الجــد والــرأي. ورأيـــت
فــي البحــر سمكــة طولهــا مائتــا ذراع ورأيــت أيضــاً سمكــاً وجهــه مثــل وجـــه البـــوم ورأيـــت فـــي تلـــك
السفــرة كثيــراً مــن العجائــب والغرائــب ممــا لـــو حكيتـــه لكـــم لطـــال شرحـــه ولـــم أزل أتفـــرج علـــى تلـــك
الجزائـر ومـا فيهـا إلـى أن وقفـت يومـاً مـن الأيـام علــى جانــب البحــر وفــي يــدي عكــاز حســب عاداتــي
وإذا بمركب قد أقبل وفيه تجار كثيرون.
فلمـا وصـل إلـى مينـاء المدينـة وفرضتــه وطــوى الريــس قلوعــه وأرسلــه علــى البــر ومــد السقالــة واطلــع
البحريـة جميـع مـا كـان فـي ذلـك المركـب إلـى البـر وأبطـأوا فـي تطليعـه وأنــا واقــف أكتــب عليهــم فقلــت
لصاحــب المركــب هــل بقــي فــي مركبــك شــيء فقــال نعــم يــا سيــدي معــي بضائــع فــي بطـــن المركـــب
ولكــن صاحبهــا غــرق معنــا فــي البحــر فــي بعــض الجزائــر ونحــن قادمــون فــي البحـــر وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الريــس قــال للسندبــاد البحــري أن صاحــب هــذه البضائــع غـــرق
===
وصـارت بضائعـه معنـا فغرضنـا أننـا نبيعهـا ونأخـذ ثمنهـا لأجــل أن نوصلــه إلــى أهلــه فــي مدينــة بغــداد
دار السلـــام فقلـــت للريـــس مــــا يكــــون اســــم ذلــــك الرجــــل صاحــــب البضائــــع فقــــال اسمــــه السندبــــاد
البحري وقد غرق معنا في البحر.
فلمــا سمعــت كلامــه حققــت النظـــر فيـــه فعرفتـــه وصرخـــت عليـــه صرخـــة عظيمـــة وقلـــت يـــا ريـــس
اعلــم أنــي أنــا صاحــب البضائـــع التـــي ذكرتهـــا وأنـــا السندبـــاد البحـــري الـــذي نزلـــت مـــن المركـــب فـــي
الجزيـرة مـع جملـة مـن نـزل مـن التجـار ولمـا تحركــت السمكــة التــي كنــا عليهــا وصحــت أتــت علينــا طلــع
مــن طلــع وغــرق الباقــي وكنــت أنــا مــن جملــة مــن غــرق ولكــن اللــه تعالــى سلمنــي ونجانــي مـــن الغـــرق
بقطعـة كبيـرة مـن القطـع التـي كـان الركـاب يغسلــون فيهــا. فركبتهــا وصــرت أرفــس برجلــي وساعدنــي
الريـــح والمـــوج إلـــى أن وصلـــت إلـــى هـــذه الجزيـــرة فطلعـــت فيهـــا وأعاننـــي اللـــه تعالـــى بسيـــاس الملـــك
المهرجـان فأخبرتـه بقصتـي فأنعـم علـي وجعلنـي كاتبــاً علــى مينــاء هــذه المدينــة فصــرت أنتفــع بخدمتــه
وصــار لــي عنــده قبــول وهــذه البضائــع التــي معــك بضائعــي ورزقــي قــال الريــس لا حــول ولا قـــوة إلا
باللــه العلــي العظيــم مــا بقــي لأحــد أمانــة ولا ذمــة فقلــت لــه يــا ريــس مــا سبــب ذلــك وأنــك سمعتنــي
أخبرتـك بقصتـي فقـال الريـس لأنــك سمعتنــي أقــول أن معــي بضائــع صاحبهــا غــرق فتريــد أن تأخذهــا
بــلا حــق وهــذا حــرام عليــك فإننــا رأينــاه لمــا غــرق وكــان معــه جماعــة مــن الركـــاب كثيـــرون ومـــا نجـــا
===
فقلــت لــه يــا ريــس اسمــع قصتــي وافهــم كلامــي يظهــر لــك صدقــي فــإن الكــذب سيمــة المنافقيــن ثــم
إنـي حكيـت للريـس جميـع مـا كـان منـي مـن حيـن خرجــت معــه مــن مدينــة بغــداد إلــى أن وصلنــا تلــك
الجزيـرة التـي غرقنـا فيهـا وأخبرتـه ببعـض أحـوال جــرت بينــي وبينــه فعنــد ذلــك تحقــق الريــس والتجــار
مــن صدقــي فعرفونــي وهنونــي بالسلامــة وقالــوا جميعــاً واللــه مــا كنــا نصــدق بأنــك نجــوت مـــن الغـــرق
ولكـن رزقـك اللـه عمـراً جديــداً ثــم إنهــم أعطونــي البضائــع فوجــدت اسمــي مكتوبــاً عليهــا ولــم ينقــص
منهـا شـيء ففتحتهــا وأخرجــت منهــا شيئــاً نفيســاً غالــي الثمــن وحملتــه معــي بحريــة المركــب وطلعــت
بــه إلــى الملــك علــى سبيـــل الهديـــة وأعلمـــت الملـــك بـــأن هـــذا المركـــب الـــذي كنـــت فيـــه وأخبرتـــه أن
بضائعي وصلت إلي بالتمام والكمال وأن هذه الهدية منها.
فتعجـب الملـك مـن ذلـك الأمـر غايـة العجـب وظهــر لــه صدقــي فــي جميــع مــا قلتــه وقــد أحبنــي محبــة
شديـدة وأكرمنـي إكرامـاً زائـداً ووهـب لـي شيئـاً كثيـراً فــي نظيــر هديتــي ثــم بعــت حمولتــي ومــا كــان
معي من البضائع وكسبت فيها شيئاً كثيراً واشتريت بضاعة وأسباباً ومتاعاً من تلك المدينة.
ولمـــا أراد تجـــار المركـــب السفـــر شحنـــت جميـــع مـــا كــــان معــــي فــــي المركــــب ودخلــــت عنــــد الملــــك
وشكرتـه علـى فضلـه وإحسانـه ثـم استأذنتـه فـي السفــر إلــى بلــادي وأهلــي فودعنــي وأعطانــي شيئــاً
كثيـراً عنـد سفـري مــن متــاع تلــك المدينــة فودعتــه ونزلــت المركــب وسافرنــا بــإذن اللــه تعالــى وخدمنــا
===
السعـد وساعدتنـا المقاديـر ولـم نـزل مسافريــن ليــلاً ونهــاراً إلــى أن وصلنــا بالسلامــة إلــى مدينــة البصــرة
وطلعنا إليها وأقمنا فيها زمناً قليلاً وقد فرحت بسلامتي وعودتي إلى بلادي.
وبعــد ذلــك توجهــت إلــى مدينــة بغــداد دار السلــام ومعــي الحمــول والمتــاع والأسبــاب شــيء كثيــر لـــه
قيمة عظيمة ثم جئت إلـى حارتـي ودخلـت بيتـي وقـد جـاء جميـع أهلـي وأصحابـي ثـم إنـي اشتريـت
لــي خدمــاً وحشمــاً ومماليــك وســراري وعبيــداً حتــى صــار عنــدي شــيء كثيــر واشتريــت لــي دوراً
وأماكـن وعقــاراً أكثــر مــن الــأول ثــم إنــي عاشــرت الأصحــاب ورافقــت الخلــان وصــرت أكثــر ممــا كنــت
عليــه فــي الزمــن الــأول ونسيــت جميــع مــا كنــت قاسيــت مــن التعــب والغربـــة والمشقـــة وأهـــوال السفـــر
واشتغلـت باللــذات والمســرات والمآكــل الطيبــة والمشــارب النفيســة ولــم أزل علــى هــذه الحالــة. وهــذا
ما كان في أول سفراتي وفي غد إن شاء الله تعالى أحكي لكم الثانية من السبع سفرات.
ثـم إن السندبـاد البحـري عشـى السندبـاد البـري عنـده وأمـر لـه بمائـة مثقــال ذهبــاً وقــال لــه آنستنــا فــي
هــذا النهــار فشكــره الحمــال وأخــذ معــه مــا وهبــه لــه وانصــرف إلــى حــال سبيلـــه وهـــو متفكـــر فيمـــا
يقع وما يجري للناس ويتعجب غاية العجب ونام تلك الليلة في منزله.
ولمــا أصبــح الصبــاح جــاء إلــى بيـــت السندبـــاد البحـــري ودخـــل عنـــده فرحـــب بـــه وأكرمـــه وأجلســـه
عنــده ولمــا حضــر بقيــة أصحابـــه قـــدم لهـــم الطعـــام والشـــراب وقـــد صفـــا لهـــم الوقـــت وحصـــل لهـــم
===
الطـرب فبـدأ السندبـاد البحــري بالكلــام وقــال اعلمــوا يــا إخوانــي أننــي كنــت فــي ألــذ عيــش وأصفــى
سرور على ما تقدم ذكره لكم بالأمس. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الحكاية الثانية من حكايات السندباد البحري وهي السفرة الثانية
وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا اجتمـــع عنـــده أصحابـــه قـــال لهـــم إنـــي
كنـت فـي ألـذ عيـش إلـى أن خطـر ببالـي يومـاً مـن الأيـام السفــر إلــى بلــاد النــاس واشتاقــت نفســي إلــى
التجـارة والتفـرج فـي البلـدان والجــزر واكتســاب المعــاش فهممــت فــي ذلــك الأمــر وأخرجــت مــن مالــي
شيئـاً كثيـراً اشتريـت بـه بضائـع وأسبابـاً تصلـح للسفـر وحزمتهـا وجئــت إلــى الاسحــل فوجــدت مركبــاً
مليحـاً جديـداً ولــه قلــع قمــاش مليــح وهــو كثيــر الرجــال زائــد العــدة وأنزلــت حمولتــي فيــه أنــا وجماعــة
مـن التجـار وقـد سافرنـا فـي ذلـك النهـار وطـاب لنـا السفـر ولـم نـزل مـن بحــر إلــى بحــر ومــن جزيــرة إلــى
جزيـــرة وكـــل محـــل رسونـــا عليـــه نقابـــل التجـــار وأربـــاب الدولـــة والبائعيـــن والمشتريــــن ونبيــــع ونشتــــري
ونقايض بالبضائع فيه.
ولــم نــزل علــى هــذه الحالــة إلــى أن ألقتنـــا المقاديـــر علـــى جزيـــرة كثيـــرة الأشجـــار يانعـــة الأثمـــار فائحـــة
===
الأزهـار مترنمـة الأطيـار صافيـة الأنهـار ولكــن ليــس بهــا ديــار ولا نافــخ نــار فأرســى بنــا الريــس علــى
تلـــك الجزيـــرة وقـــد طلـــع التجـــار والركـــاب إلـــى تلـــك الجزيـــرة يتفرجـــون علـــى مـــا بهـــا مــــن الأشجــــار
والأطيــار ويسبحــون اللــه الواحــد القهــار ويتعجبــون مــن قــدرة الملــك الجبــار فعنــد ذلــك طلعــت إلـــى
الجزيـرة مـع جملـة مـن طلـع وجلسـت علـى عيـن مـاء صـاف بيـن الأشجـار وكـان معـي شــيء مــن المأكــل
فجلسـت فـي هـذا المكـان آكـل مـا قسـم اللــه تعالــى لــي وقــد طــاب النسيــم بذلــك المكــان وصفــا لــي
الوقـت فأخذتنـي سنـة مـن النـوم فارتحـت فـي ذلـك المكـان وقـد استغرقـت فــي النــوم وتلــذذت بذلــك
النسيـم الطيـب والروائـح الزكيـة ثـم إنـي قمـت فلـم أجــد أحــداً لا مــن التجــار ولا مــن البحريــة فتركونــي
فـي الجزيـرة وقـد التفـت فيهـا يمينـاً وشمـالاً فلـم أجــد بهــا أحــد غيــري فحصــل عنــدي قهــر شديــد مــا
عليـه مـن مزيـد وكـادت مرارتــي تنفقــع مــن شــدة مــا أنــا فيــه مــن الغــم والحــزن والتعــب ولــم يكــن معــي
شــيء مـــن حطـــام الدنيـــا ولا مـــن المأكـــل ولا مـــن المشـــرب وصـــرت وحيـــداً وقـــد تعبـــت فـــي نفســـي
ويئســت مــن الحيــاة وبعــد ذلـــك قمـــت علـــى حيلـــي وتمشيـــت فـــي الجزيـــرة يمينـــاً وشمـــالاً وصـــرت لا
أستطيـع الجلـوس فـي محـل واحـد ثــم إنــي صعــدت علــى شجــرة عاليــة وصــرت أنظــر مــن فوقهــا يمينــاً
وشمــالاً فلــم أر غيــر سمــاء ومــاء وأشجــار وأطيــار وجــزر ورمــال ثــم حققــت النظـــر فلـــاح لـــي فـــي
الجزيـرة شـيء أبيـض عظيـم الخلقـة فنزلـت مـن فـوق الشجـرة وقصدتـه وصـرت أمشـي إلــى ناحيتــه ولــم
===
أزل سائـراً إلـى أن وصلـت غليـه وإذا بـه قبـة كبيــرة بيضــاء شاهقــة فيالعلــو كبيــرة الدائــرة فدنــوت منهــا
ودرت حولهــا فلــم أجــد لهــا بابــاً ولــم أجــد لــي قــوة ولا حركــة فــي الصعــود عليهــا مــن شــدة النعومــة
فعلمــت مكــان وقوفــي ودرت حـــول القبـــة أقيـــس دائرتهـــا فـــإذا هـــي خمســـون خطـــوة وافيـــة فصـــرت
متفكـراً فـي الحيلـة الموصلـة إلـى دخولهــا وقــد قــرب زوال النهــار وغــروب الشمــس وإذا بالشمــس قــد
خفيـت والجـو قـد أظلـم واحتجبـت الشمـس عنـي ظننـت أنـه جــاء علــى الشمــس غمامــة وكــان ذلــك
فـي زمـن الصيـف فتعجبـت ورفعـت رأسـي وتأملـت فـي ذلـك فرأيـت طيـراً عظيـم الخلقـة كبيـر الجثـة
عريـض الأجنحـة طائـراً فـي الجـو وهـو الــذي غطــى عيــن الشمــس وحجبهــا عــن الجزيــرة فــازددت مــن
ذلك عجباً ثم إني تذكرت حكاية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا زاد تعجبـــه مـــن الطائـــر الـــذي رآه فـــي
الجزيــرة تذكــر حكايــة أخبــره بهــا قديمــاً أهــل السياحــة والمسافــرون وهــي أن فــي بعــض الجزائـــر طيـــراً
عظيمـاً يقـال لـه الـرخ يـزق أولـاده بالأفيـال فتحققـت أن القبـة التـي رأيتهـا إنمـا هــي بيضــة مــن بيــض الــرخ
ثــم إنــي تعجبــت مــن خلــق اللــه تعالــى فبينمــا أنــا علــى هــذه الحالــة وإذا بذلــك الطيــر نــزل علــى تلــك
===
القبــة وحضنهــا بجناحيــه وقــد مــد رجليــه مــن خلفــه علــى الــأرض ونـــام عليهـــا فسبحـــان مـــن لا ينـــام
فعنـد ذلـك فككـت عمامتـي مـن فـوق رأسـي وثنيتهـا وفتلتهـا حتـى صـارت مثــل الحبــل وتحزمــت بهــا
وشـددت وسطـي وربطـت نفسـي فــي رجلــي ذلــك الطيــر وشددتهــا شــداً وثيقــاً وقلــت فــي نفســي
لعـل هـذا يوصلنـي إلـى بلـاد المـدن والعمــار ويكــون ذلــك أحســن مــن جلوســي فــي هــذه الجزيــرة وبــت
تلك الليلة ساهراً خوفاً من أن أنام فيطير بي على حين غفلة.
فلمـا طلـع الفجــر وبــان الصبــاح قــام الطائــر مــن علــى بيضتــه وصــاح صيحــة عظيمــة وارتفــع بــي إلــى
الجـو حتـى ظننـت أنـه وصـل إلـى عنـان السمـاء وبعــد ذلــك تنــازل بــي حتــى نــزل إلــى الــأرض وحــط
علـــى مكـــان مرتفـــع عـــال فلمـــا وصلـــت إلـــى الـــأرض أسرعـــت وفككـــت الربــــاط مــــن رجليــــه وأنــــا
أنتفض مشيـت فـي ذلـك المكـان ثـم إنـه أخـذ شيئـاً مـن علـى وجـه الـأرض فـي مخالبـه وطـار إلـى عنـان
السمــاء فتأملتــه فـــإذا هـــو حيـــة عظيمـــة الخلقـــة كبيـــرة الجســـم قـــد أخذهـــا وذهـــب بهـــا إلـــى البحـــر
فتعجبـت مـن ذلـك ثـم إنـي تمشيـت فـي ذلـك المكـان فوجـدت نفسـي فـي مكــان عــال وتحتــه واد كبيــر
واســع عميــق وبجانبــه جبــل عظيــم شاهـــق فـــي العلـــو لا يقـــدر أحـــد أن يـــرى أعلـــاه مـــن فـــرط علـــوه
وليس لأحـد قـدرة علـى الطلـوع فوقـه فلمـت نفسـي علـى مـا فعلتـه وقلـت يـا ليتنـي مكثـت فـي الجزيـرة
فإنهــا أحســن مــن هــذا المكــان القفـــر لـــأن الجزيـــرة كـــان يوجـــد فيهـــا شـــيء آكلـــه مـــن أصنـــاف الفواكـــه
===
وأشـرب مـن أنهارهــا وهــذا المكــان ليــس فيــه أشجــار ولا أثمــار ولا أنهــار فــلا حــول ولا قــوة إلا باللــه
العلي العظيم أنا كل ما أخلص من مصيبة أقع فيما هو أعظم منها وأشد.
ثــم إنــي قمــت وقويـــت نفســـي ومشيـــت فـــي ذلـــك الـــوادي فرأيـــت أرضـــه مـــن حجـــر الألمـــاس الـــذي
يثقبـون بـه المعـادن والجواهـر ويثقبـون بـه الصينـي والجــزع منــه شيئــاً ولا أن يكســره إلا بحجــر الرصــاص
وكـل تلـك الـوادي حيـات وأفــاع وكــل واحــدة مثــل النخلــة ومــن أعظــم خلقتهــا لــو جاءهــا فيــل لابتلعتــه
وتلـك الحيـات يظهـرن فـي الليـل ويختفيـن فـي النهــار خوفــاً مــن طيــر الــرخ والنســر أن يختطفهــا ويقطعهــا
ولا أدري ما سبب ذلك.
فأقمــت بتلــك الــوادي وأنــا متنــدم علــى مــا فعلتــه وقلــت فــي نفســي واللـــه إنـــي قـــد عجلـــت بالهلـــاك
علـى نفسـي وقـد ولـى النهـار علـي فصـرت أمشـي فـي تلـك الـوادي والتفـت علــى محــل أبيــت فيــه وأنــا
خائـف مـن تلـك الحيـات ونسيـت أكلـي وشربـي ومعاشــي واشتغلــت بنفســي فلــاح لــي مغــارة بالقــرب
مني فمشيـت فوجـدت بابهـا ضيقـاً فدخلتهـا ونظـرت إلـى حجـر كبيـر عنـد بابهـا فدفعتـه وسـددت بـه
بــاب تلــك المغــارة وأنــا داخلهــا وقلــت فــي نفســي قــد أمنــت لمــا دخلـــت فـــي هـــذا المكـــان وإن طلـــع
النهار اطلع وأنظر ما تفعل القدرة.
ثـم التفـت فـي داخـل المغـارة فرأيـت حيـة عظيمـة نائمـة فـي صـدر المغـارة علـى بيضهــا فاقشعــر بدنــي
===
وأقمــت رأســي وسلمــت أمــري للقضــاء والقــدر وبــت ساهــراً طــوال الليــل إلــى أن طلـــع الفجـــر ولـــاح
فأزحــت الحجــر الــذي ســددت بــه بــاب المغــارة وخرجــت منــه وأنـــا مثـــل السكـــران دائـــخ مـــن شـــدة
السهر والجوع والخوف وتمشيت في الوادي.
وبينمــا أنــا علــى هــذه الحالــة وإذا بذبيحــة قــد سقطــت مــن قدامــي ولــم أجـــد أحـــداً فتعجبـــت مـــن
ذلــك أشــد العجــب وتفكــرت حكايــة أسمعهــا مــن قديــم الزمــان مــن بعـــض التجـــار والمسافريـــن وأهـــل
السياحـة أن فــي جبــال حجــر الألمــاس الأهــوال العظيمــة ولا يقــدر أحــد أن يسلــك إليــه ولكــن التجــار
الذيـــن يجلبونـــه يعملـــون حيلـــة فـــي الوصــــول إليــــه ويأخــــذون الشــــاة مــــن الغنــــم ويذبحونهــــا ويسلخونهــــا
ويرشـون لحمهـا ويرمونـه مـن أعلـى ذلـك الجبـل إلـى أرض الـوادي فتنـزل وهـي طريـة فيلتصــق بهــا شــيء
مــن هــذه الحجــارة ثــم تتركهــا التجــار إلــى نصــف النهــار فتنــزل الطيــور مــن النســور والريــخ إلــى ذلــك
اللحـم وتأخـذه فـي مخالبهـا وتصعـد إلـى أعلـى الجبــل فيأتيهــا التجــار وتصيــح عليهــا وتصيــر مــن عنــد
ذلــك اللحــم وتخلــص منــه الحجــارة اللاصقــة بــه ويتركــون اللحــم للطيــور والوحـــوش ويحملـــون الحجـــارة
إلى بلادهم ولا أحد يقدر أن يتوصل إلى مجيء حجر الألماس إلا بهذه الحيلة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري صــار يحكــي لأصحابــه جميــع مــا حصــل لـــه
فــي جبــل المــاس ويخبرهــم أن التجــار لا يقــدرون علــى مجــيء شــيء منــه إلا بحيلـــة مثـــل الـــذي ذكـــره
ثـم قـال فلمـا نظـرت إلـى تلـك الذبيحـة تذكـرت هـذه الحكايـة قمـت وجئــت عنــد الذبيحــة فنقيــت مــن
هذه الحجارة شيئاً كثيـراً وأدخلتـه فـي جيبـي وبيـن ثيابـي وصـرت أنقـي وأدخـل فـي جيوبـي وحزامـي
وعمامتـي وبيـن حوائجـي فبينمـا أنـا علـى هـذه الحالـة وإذا بذبيحـة كبيـرة فربطـت نفســي عليهــا ونمــت
علـى ظهـري وجعلتهــا علــى صــدري وأنــا قابــض عليهــا فصــارت عاليــة علــى الــأرض وإذا بنســر نــزل
علـى تلـك الذبيحـة وقبـض عليهـا بمخالبـه وأقلـع بهـا إلـى الجـو وأنـا معلـق بهـا ولـم يــزل طائــراً بهــا إلــى أن
صعــد بهــا إلــى أعلــى الجبـــل وحطهـــا وأراد أن ينهـــش منهـــا وإذا بصيحـــة عظيمـــة عاليـــة مـــن خلـــف
ذلـك النسـر وشـيء يخبـط بالخشـب علـى ذلـك الجبـل فجفــل النســر وطــار إلــى الجــو ففككــت نفســي
مـــن الذبيحـــة وقـــد تلوثـــت ثيابـــي مـــن دمهـــا ووقفـــت بجانبهـــا وإذا بذلـــك التاجـــر الـــذي صـــاح علــــى
النسـر تقــدم إلــى الذبيحــة فرآنــي واقفــاً فلــم يكلمنــي وقــد فــزع منــي وارتعــب وأتــى الذبيحــة وقلبهــا
فلــم يجــد فيهــا شيئــاً فصــاح صيحــة عظيمــة وقــال واخيبتــاه لا حــول ولا قــوة إلا باللــه نعــوذ باللــه مــن
الشيطان الرجيم وهو يتندم ويخبط كفاً على كف ويقول واحسرتاه أي شيء هذا الحال..
فتقدمـــت إليـــه فقـــال لـــي: مـــن أنـــت ومـــا سبـــب مجيئـــك إلـــى هـــذا المكـــان فقلـــت لـــه: لا تخــــف ولا
===
تخـــش فإنـــي إنســـي مـــن خيـــار الإنـــس وكنـــت تاجـــراً ولـــي حكايـــة عظيمـــة وقصــــة غريبــــة وسبــــب
وصولـي إلـى هـذا الجبـل وهـذا الـوادي حكايـة عجيبـة فـلا تخـف فلـك مـا يسـرك منـي وأنـا معـي شـيء
كثيـر مـن حجــر الألمــاس فأعطيــك منــه شيئــاً يكفيــك وكــل قطعــة معــي أحســن مــن كــل شــيء يأتيــك
فلا تجزع ولا تخف.
فعنـــد ذلـــك شكرنـــي الرجـــل ودعـــا لــــي وتحــــدث معــــي وإذا بالتجــــار سمعــــوا كلامــــي مــــع رفيقهــــم
فجــاؤوا إلــي وكــان كـــل تاجـــر رمـــى ذبيحتـــه فلمـــا قدمـــوا علينـــا سلمـــوا علينـــا وهنؤونـــي بالسلامـــة
وأخذوني معهم وأعلمتهم بجميـع قصتـي ومـا قاسيتـه فـي سفرتـي وأخبرتهـم بسبـب وصولـي إلـى هـذه
الــوادي ثــم إنــي أعطيــت لصاحــب الذبيحــة التــي تعلقــت فيهــا شيئــاً كثيــراً ممــا كــان معــي ففـــرح بـــي
جـداً فمـا أحـد وصـل إلـى هـذا المكـان قبلـك ونجـا منــه ولكــن الحمــد للــه علــى بسلامتــي ونجاتــي مــن
وادي الحيات ووصولي إلى بلاد العمار.
ولمـا طلـع النهـار قمنـا وسرنـا علـى ذلـك الجبـل العظيـم وصرنـا ننظـر فــي ذلــك الجبــل حيــات كثيــرة ولــم
نـزل سائريــن إلــى أن أتينــا بستانــاً فــي جزيــرة عظيمــة مليحــة وفيهــا شجــر الكافــور وكــل شجــرة منهــا
يستظـــل تحتهـــا إنســـان وإذا أراد أن يأخـــذ منـــه أحـــد يثقـــب مـــن أعلـــى الشجـــرة ثقبـــاً بشــــيء طويــــل
ويتلقــى مــا ينــزل منــه فيسيــل منــه مــاء الكافــور ويعقــد مثــل الشمـــع وهـــو عســـل ذلـــك الشجـــر وبعـــد
===
وفــي تلــك الجزيــرة صنــف مـــن الوحـــوش يقـــال لـــه الكركـــدن يرعـــى فيهـــا رعيـــاً مثـــل مـــا يرعـــى البقـــر
والجامـوس فـي بلادنـا ولكـن جسـم ذلـك الوحـش أكبـر مـن جسـم الجمـل ويأكـل العلـق وهـو دابــة عظيمــة
لها قرن واحد غليظ فـي وسـط رأسهـا طولـه قـدر عشـرة أذرع وفيـه صـورة إنسـان وفـي تلـك الجزيـرة
شيء من صنف البقر.
وقــد قــال لنــا البحريــون المسافــرون وأهــل السياحــة فــي الجبــال والأراضــي أن هــذا الوحــش المسمـــى
بالكركـدن يحمــل الفيــل الكبيرعلــى قرنــه ويرعــى بــه فــي الجزيــرة والسواحــل ولا يشعــر بــه ويمــوت الفيــل
علـى قرنـه ويسيـح دهنـه مـن حـر الشمـس علـى رأسـه ويدخــل فــي عينيــه فيعمــى فيرقــد فــي جانــب
السواحـل فيجـيء لـه طيـر الريـخ فيحملـه فـي مخالبـه ويـروح بــه عنــد أولــاده ويزقهــم بــه وبمــا علــى قرنــه
وقـد رأيـت فـي تلـك الجزيـرة شيئـاً كثيـراً مـن صنـف الجامـوس ليـس لـه عندنــا نظيــر وفــي تلــك الــوادي
شـيء كثيـر مـن حجـر ألمـاس الـذي حملتـه معـي وخبأتـه فـي جيبـي وقايضونـي عليـه ببضائـع ومتــاع مــن
عندهــم وحملوهــا لــي عهــم وأعطونــي دراهــم ودنانيـــر ولـــم أزل سائـــراً معهـــم وأنـــا أتفـــرج علـــى بلـــاد
النـاس وعلـى مـا خلـق اللـه مـن واد إلـى واد ومـن مدينـة إلــى مدينــة ونحــن نبيــع ونشتــري إلــى أن وصلنــا
إلــى مدينــة البصــرة وأقمنــا بهــا أيامــاً قلائـــل ثـــم جئـــت إلـــى مدينـــة بغـــداد. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا رجـــع مـــن غيبتـــه ودخـــل مدينـــة بغـــداد
دار السلــام وجــاء إلــى حارتــه ودخــل داره ومعــه مــن صنــف حجــر الألمــاس شـــيء كثيـــر ومعـــه مـــال
ومتــاع وبضائــع لهــا صــورة وقــد اجتمــع بأهلــه وأقاربـــه ثـــم تصـــدق ووهـــب وأعطـــى وهـــادى جميـــع
أهلـه وأصحابـه وصـار يأكــل طيبــاً ويشــرب طيبــاً ويلبــس ملبســاً طيبــاً ويعاشــر ويرافــق ونســي جميــع
مـا قاســاه ولــم يــزل فــي عيــش هنــي وصفــاء خاطــر وانشــراح صــدر ولعــب وطــرب وصــار كــل مــن
سمــع بقدومــه يجــيء إليــه ويسألــه عــن حـــال السفـــر وأحـــوال البلـــاد فيخبـــره ويحكـــي لـــه مـــا لقيـــه ومـــا
قاســاه فيتعجــب مــن شــدة مــا قاســاه ويهنئــه بالسلامــة وهــذا آخــر مــا جــرى لــي ومــا اتفــق لـــي فـــي
السفرة الثانية ثم قال لهم وفي الغد إن شاء الله تعالى أحكي لكم حال السفرة الثالثة.
فلمــا فــرغ السندبـــاد البحـــري مـــن حكايتـــه للسندبـــاد البـــري تعجبـــوا مـــن ذلـــك وتشعـــوا عنـــده وأمـــر
للسندبــاد بمائــة مثقــال ذهبــاً فأخذهــا وتوجــه إلـــى حـــال سبيلـــه وهـــو يتعجـــب ممـــا قاســـاه السندبـــاد
البحـري وشكـره ودعـا لـه فـي بيتـه ولمـا أصبــح الصبــاح وأضــاء بنــوره ولــاح قــام السندبــاد البــري كمــا
أمــره ودخــل إليــه وصبــح عليــه فرحــب بــه وجلــس معــه حتــى أتـــاه باقـــي أصحابـــه وجماعتـــه فأكلـــوا
وشربوا وتلذذوا وطربوا وانشرحوا ثم ابتدأ السندباد البحري بالكلام وقال:
الحكاية الثالثة من حكايات السندباد البحري وهي السفرة
===
اعلمــوا يـــا إخوانـــي واسمعـــوا منـــي حكايـــة فإنهـــا أعجـــب مـــن الحكايـــات المتقدمـــة قبـــل تاريخـــه واللـــه
أعلــم بغيبــة واحكــم أنــي فيمـــا مضـــى وتقـــدم لمـــا جئـــت مـــن السفـــرة الثانيـــة وأنـــا فـــي غايـــة البســـط
والانشــراح فرحــان بالسلامــة وقــد كسبــت مــالاً كثيــراً كمــا حكيــت لكــم أمـــس تاريخـــه وقـــد عـــوض
اللـه علــي مــا راح منــي أقمــت بمدينــة بغــداد مــدة مــن الزمــان وأنــا فــي غايــة الحــظ والصفــاء والبســط
والانشــراح فاشتاقــت نفســي إلــى السفــر والفرجــة وتشوقــت إلــى المتجــر والكســـب والفوائـــد والنفـــس
أمــارة بالســـوء فهممـــت واشتريـــت شيئـــاً كثيـــراً مـــن البضائـــع المناسبـــة لسفـــر البحـــر وحزمتهـــا للسفـــر
وسافـرت بهــا مــن مدينــة بغــداد إلــى مدينــة البصــرة وجئــت إلــى ساحــل البحــر فرأيــت مركبــاً عظيمــاً
وفيــه تجــار وركــاب كثيــرة أهــل خيــر ونــاس ملــاح طيبــون أهــل ديــن ومعــروف وصلـــاح فنزلـــت معهـــم
في ذلك المركب وسافرنا على بركة الله تعالى بعونه وتوفيقه وقد استبشرنا بالخير والسلامة.
ولـم نـزل سائريـن مـن بحـر إلـى بحـر ومـن جزيـرة إلـى جزيـرة ومـن مدينـة إلـى مدينــة وفــي كــل مكــان مررنــا
عليــه نتفــرج ونبيــع ونشتــري ونحــن فــي غايــة الفــرح والســرور إلــى أن كنــا يومــاً مــن الأيـــام سائريـــن فـــي
وسـط البحـر العجـاج المتلاطـم بالأمـواج فـإذا بالريـس وهـو جانـب المركـب ينظـر إلــى نواحــي البحــر ثــم
إنـه لطـم وجهـه وطـوى قلـوع المركـب ورمـى مراسيـه ونتـف لحيتـه ومــزق ثيابــه وصــاح صيحــة عظيمــة
فقلنــا لــه يــا ريــس مــا الخبــر فقــال اعلمــوا يــا ركــاب السلامــة أن الريــح غلــب علينــا وعســف بنـــا فـــي
===
وســط البحــر ورمتنــا المقاديــر لســوء بختنــا إلــى جبــل القــرود ومــا وصــل إلــى هــذا المكـــان أحـــد ولـــم
يسلم منه قط وقد أحس قلبي بهلاكنا أجمعين.
فمـا استتـم قـول الريــس حتــى جاءنــا القــرود وأحاطــوا المركــب مــن كــل جانــب وهــم شــيء كثيــر مثــل
الجـراد المنتشـر فـي المركـب وعلـى البـر فخفنـا إن قتلنـا منهــم أحــداً أو طردنــاه أن يقتلونــا لفــرط كثرتهــم
والكثـرة تغلـب الشجاعـة وبقينـا خائفيــن منهــم أن ينهبــوا رزقنــا ومتاعنــا وهــم أقبــح الوحــوش وعليهــم
شعــور مثــل لبــد الأســود ورؤيتهــم تفــزع ولا يفهــم لهــم أحــد كلامــاً ولا خيــراً وهـــم مستوحشـــون مـــن
النــاس صفــر العيــون وســود الوجــوه صغــار الخلقــة طــول كــل واحــد منهــم أربعــة أشبـــار وقـــد طلعـــوا
علــى حبــال المرســاة وقطعوهــا بأسنانهــم وقطعــوا جميــع حبــال المركــب مــن كـــل جانـــب فمـــال المركـــب
مــن الريــح ورســـى علـــى جبلهـــم وصـــار المركـــب فـــي برهـــم وقبضـــوا علـــى جميـــع التجـــار والركـــاب
وطلعوا إلى الجزيرة وأخذوا المركب بجميع ما كان فيه وراحوا به.
فبينمـا نحـن فـي تلـك الجزيـرة نأكـل مـن أثمارهــا وبقولهــا وفواكههــا ونشــرب مــن الأنهــار التــي فيهــا إذ لــاح
لنـا بيـت عامـر فــي وســط تلــك الجزيــرة فقصدنــاه ومشينــا إليــه فــإذا هــو قصــر مشيــد الأركــان عالــي
الأســوار لــه بــاب بدرفتيــن مفتــوح وهــو مــن خشــب الأبانــوس فدخلنــا بــاب ذلــك القصــر فوجدنــا لــه
حظيـراً واسعـأً مثـل الحـوش الواسـع الكبيـر وفـي دائـره أبـواب كثيـرة وفــي صــدره مصطبــة عاليــة كبيــرة
===
وفيهـا أوانـي طبيـخ معلقـة علــى الكوانيــن وحواليهــا عظــام كثيــرة ولــم نــر فيهــا أحــد فتعجبنــا مــن ذلــك
غايـة العجـب وجلسنـا فـي حضيـر ذلـك القصـر. قليـلاً ثـم بعـد ذلــك نمنــا ولــم نــزل نائميــن مــن ضحــوة
النهــار إلــى غــروب الشمــس وإذ بالـــأرض قـــد ارتجـــت مـــن تحتنـــا وسمعنـــا دويـــاً مـــن الجـــو وقـــد نـــزل
علينـا مـن أعلــى القصــر شخــص عظيــم الخلقــة فــي صفــة إنســان وهــو أســود اللــون طويــل القامــة كأنــه
نحلــة عظيمــة ولــه عينــان كأنهمـــا شعلتـــان مـــن نـــار ولـــه أنيـــاب مثـــل أنيـــاب الخنازيـــر ولـــه فـــم عظيـــم
الخلقـــة مثـــل البئـــر ولـــه مشافـــر مثـــل مشافـــر الجمـــل مرخيـــة علـــى صـــدره ولـــه أذنــــان مثــــل الحراميــــن
مرخيتـــان علـــى أكتافـــه وأظافـــر يديـــه مثـــل مخالـــب السبـــع فلمـــا نظرنـــاه علـــى هـــذه الحالـــة غبنـــا عـــن
وجودنا وقوي خوفنا واشتد فزعنا وصرنا مثل الموتى من شدة الخوف والجزع والفزع.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الأربعون بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيــــد أن السندبــــاد البحــــري ورفقتــــه لمــــا رأوا هــــذا الشخــــص الهائــــل
الصـورة وحصـل لهـم غايـة الخــوف والفــزع فلمــا نــزل علــى الــأرض جلــس قليــلاً علــى المصطبــة ثــم إنــه
قـام وجـاء عندنـا ثـم قبـض علـى يـدي مـن بيـن أصحابـي التجـار ورفعنـي بيـده عـن الـأرض وحبسنـي
===
وقلبنــي فصــرت فــي يــده مثــل اللقمــة الصغيــرة وصــار يحبسنــي مثــل مــا يحبــس الجــزار ذبيحــة الغنـــم
فوجدنـــي ضعيفـــاً مـــن كثـــرة القهـــر هزيـــلاً مـــن كثـــرة التعــــب والسفــــر وليــــس فــــي شــــيء مــــن اللحــــم
فأطلقنـي مـن يـده وأخــذ واحــداً غيــري مــن رفاقــي وقلبــه كمــا قلبنــي وحبســه كمــا حبسنــي وأطلقــه
ولــم يــزل يحبسنــا ويقلبنــا واحــداً بعــد واحــد إلــى أن وصــل إلــى ريــس المركــب الــذي كنـــا فيـــه وكـــان
رجــلاً سمينــاً غليظــاً عريــض الأكتــاف صاحـــب قـــوة وشـــدة فأعجبـــه وقبـــض عليـــه مثـــل مـــا يقبـــض
الجـزار علـى ذبيحتـه ورمـاه علـى الـأرض ووضـع رجلـه علـى رقبتــه وجــاء بسيــخ طويــل فأدخلــه فــي
حلقــه حتــى أخرجــه مــن دبــره وأوقــد نــاراً شديــدة وركــب عليهــا ذلــك السيــخ المشكــوك فيـــه الريـــس
ولــم يــزل يقلبــه علــى الجمــر حتــى استــوى لحمــه وأطلعــه مــن النــار وحطــه أمامــه وفسخــه كمــا يفســـخ
الرجــل الفرخــة. وصــار يقطــع لحمــه بأظافــره ويأكــل منــه ولــم يــزل علــى هــذه الحالــة حتـــى أكـــل لحمـــه
ونهش عظمه. ولم يبق منه شيئاً ورمى باقي العظام في جنب القصر.
ثـم إنـه جلـس قليـلاً وانطـرح ونـام علــى تلــك المصطبــة وصــار يشخــر مثــل شخيــر الخــروف أو البهيمــة
المذبوحـة ولـم يـزل نائمــاً إلــى الصبــاح ثــم قــام وخــرج إلــى حــال سبيلــه. فلمــا تحققنــا بعــده تحدثنــا مــع
بعضنـا وبكينــا علــى أرواحنــا وقلنــا ليتنــا غرقنــا فــي البحــر وأكلتنــا القــرود خيــر مــن شــوي الإنســان
علــى الجمــر واللــه إن هـــذا المـــوت رديء ولكـــن مـــا شـــاء اللـــه كـــان ولا حـــول ولا قـــوة إلا باللـــه العلـــي
===
ثـم إننـا قمنـا وخرجنـا إلـى الجزيـرة لننظـر لنـا مكـان نختفـي فيـه أو نهـرب وقــد هــان علينــا أن نمــوت ولا
يشــوى لحمنــا بالنــار فلــم نجــد مكــان نختفــي فيــه وقــد أدركنـــا المســـاء فعدنـــا إلـــى القصـــر مـــن شـــدة
خوفنــا وجلسنــا قليــلاً وإذا بالـــأرض قـــد ارتجفـــت مـــن تحتنـــا وأقبـــل ذلـــك الشخـــص الأســـود وجـــاء
عندنا وصار يقلبنا واحداً بعد الآخر مثل المرة الأولى ويحبسنا حتى أعجبه واحد.
فقبــض عليــه وفعــل بــه مثــل مــا فعــل بالريــس فــي أول يــوم فشــواه وأكلــه علــى تلــك المصطبــة ولــم يـــزل
نائمــاً فــي تلــك الليلــة وهــو يشخــر مثــل الذبيحــة فلمــا طلــع النهــار قــام وراح إلــى حــال سبيلــه وتركنــا
علـى جـري عادتــه فاجتمعنــا وتحدثنــا وقلنــا لبعضنــا واللــه لــأن نلقــي أنفسنــا فــي البحــر ونمــوت غرقــاً
خيــر مــن أن نمــوت حرقــاً لــأن هــذه قتلــة شنيعـــة فقـــال واحـــد منـــا اسمعـــوا كلامـــي أننـــا نحتـــال عليـــه
ونرتاح من همه ونريح المسلمين من عدوانه وظلمه.
فقلـت لهـم اسمعـوا يـا إخوانــي إن كــان لابــد مــن قتلــه فإننــا نحــول هــذا الخشــب وننقــل شيئــاً مــن هــذا
الحطب ونعمل لنا فلكاً مثـل المركـب وبعـد ذلـك نحتـال فـي قتلـه وننـزل فـي الفلـك ونـروح فـي البحـر إلـى
أي محـل يريـده اللـه. وإننـا نقعـد فـي هـذا المكـان حتـى يمـر علينـا مركـب فننـزل فيـه وإن لــم نقــدر علــى
قتلـه ننـزل ونـروح فـي البحـر ولـو كنـا نغـرق نرتـاح مـن شوينـا علــى النــار ومــن الذبــح وإن سلمنــا سلمنــا
وإن غرقنا متنا شهداء.
===
فقالــوا جميعـــاً واللـــه هـــذا رأي سديـــد وفعـــل رشيـــد واتفقنـــا علـــى هـــذا الأمـــر وشرعنـــا فـــي فعلـــه
فنقلنـا الأخشـاب إلـى خـارج القصـر وصنعنـا فلكـاً وربطنـاه علــى جانــب البحــر ونزلنــا فيــه شيئــاً مــن
الزاد وعدنا إلى القصر.
فلمـــا كـــان وقـــت المســـاء إذا بالـــأرض قـــد ارتجفـــت بنـــا ودخــــل علينــــا الأســــود وهــــو كأنــــه الكلــــب
العقــور ثــم قلبنـــا وحبسنـــا واحـــداً بعـــد واحـــد ثـــم أخـــذ واحـــداً وفعـــل بـــه مثـــل مـــا فعـــل بسابقيـــه
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والأربعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري قــال إن الأســود أخــذ واحــداً منـــا وفعـــل بـــه
مثـل مـا فعــل بسابقيــه وأكلــه ونــام علــى المصطبــة وصــار شخيــره مثــل الرعــد فنهضنــا وقمنــا وأخذنــا
سيخيــن مــن حديــد مــن الأسيــاخ المنصوبــة ووضعناهمــا فــي النــار القويــة حتــى احمـــرا وصـــارا مثـــل
الجمــر وقبضنــا عليهمــا قبضــاً شديــداً وجئنــا بهمــا إلــى ذلــك الأســود وهــو نائــم يشخــر ووضعناهمـــا
فـي عينيـه واتكأنـا عليهمـا جميعـاً بقوتنـا وعزمنـا فأدخلناهمــا فــي عينيــه وهــو نائــم فانطمستــا وصــاح
صيحة عظيمة فارتعبت قلوبنا منه.
===
ثـم قـام مـن فـوق تلـك المصطبـة بعزمـه وصــار يفتــش علينــا ونحــن نهــرب منــه يمينــاً وشمــالاً فلــم ينظرنــا
وقـد عمـي بصـره فخفنـا منـه مخافـة شديـدة وأيسنـا فـي تلـك الساعـة بالهلـاك ويأسنـا مــن النجــاة فعنــد
ذلـك قصـد البـاب وهـو يتحسـس وخــرج منــه وهــو يصيــح ونحــن فــي غايــة الرعــب منــه وإذا بالــأرض
ترتج من تحتنا من شدة صوته.
فلمـــا خـــرج مـــن القصـــر وراح إلـــى حـــال سبيلـــه وهـــو يـــدور علينـــا ثـــم إنـــه رجـــع ومعـــه أنثــــى أكبــــر
وأوحـــش منـــه خلقـــة فلمــــا رأينــــاه والــــذي معــــه أفظــــع حالــــة منــــه خفنــــا غايــــة الخــــوف فلمــــا رأونــــا
أسرعنــا ونهضنــا ففككنــا الفلــك الــذي صنعنــاه ونزلنــا فيــه ودفعنــاه فــي البحــر وكــان مـــع كـــل واحـــد
منهـم صخـرة عظيمــة وصــارا يرجماننــا بهــا إلــى أن مــات أكثرنــا مــن الرجــم وبقــي منــا ثلاثــة أشخــاص
أنا واثنان وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والأربعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا نـــزل فـــي الفلـــك هـــو وأصحابـــه وصـــار
يرجمهـم السـود ورفيقتـه فمـات أكثرهـم ولـم يبـق منهــم إلا ثلاثــة أشخــاص فطلــع بهــم الفلــك إلــى جزيــرة
قـال فمشينـا إلـى آخـر النهـار فدخـل علينـا ونحــن علــى هــذه الحالــة فنمنــا قليــلاً واستيقظنــا مــن نومنــا
===
وإذا بثعبان عظيم الخلقة كبيـر الجثـة واسـع الجـوف قـد أحـاط بنـا وقصـد واحـداً فبلعـه إلـى أكتافـه ثـم
بلـع باقيـه فسمعنـا أضلاعـه تتكسـر فـي بطنـه وراح فـي حـال سبيلـه فتعجبنـا مـن ذلـك غايــة العجــب
وحزنـا علـى رفيقنــا وصرنــا فــي غايــة الخــوف علــى أنفسنــا وقلنــا واللــه هــذا أمــر عجيــب وكــل موتــة
أشنــع مــن السابقــة وكنــا فرحنــا بسلامتنــا مـــن الأســـود فمـــا تمـــت الفرحـــة ولا حـــول ولا قـــوة إلا باللـــه
واللـه قــد نجونــا مــن الأســود ومــن الغــرق فكيــف تكــون نجاتنــا مــن هــذه الآفــة المشؤومــة ثــم إننــا قمنــا
فمشينــا فــي الجزيــرة وأكلنــا مــن ثمرهــا وشربنــا مــن أنهارهــا ولــم نــزل فيهــا إلــى وقــت المســاء فوجدنـــا
صخرة عظيمة عالية فطلعناها ونمنا فوقها وقد طلعت أنا على فروعها.
فلمــا دخــل الليــل وأظلــم الوقــت جــاء الثعبــان وتلفــت يمينــاً وشمــالاً ثــم إنــه قصــد تلــك الشجــرة التـــي
نحـن عليهــا ومشــى حتــى وصــل إلــى رفيقــي وبلعــه حتــى أكتافــه والتــف بــه علــى الشجــرة فسمعــت
عظامـه تتكسـر فـي بطنـه ثـم بلعـه بتمامـه وأنـا أنظـر بعينـي ثـم إن الثعبـان نــزل مــن فــوق الشجــرة وراح
إلى حال سبيله ولم أزل على تلك الشجرة في تلك الليلة.
فلمـــا طلـــع النهـــار وبـــان النـــور ونزلـــت مـــن فـــوق الشجـــرة وأنـــا مثـــل الميـــت مـــن كثـــرة الخـــوف والفـــزع
وأردت أن ألقــي بنفســي فـــي البحـــر وأستريـــح مـــن الدنيـــا فلـــم تهـــن علـــي روحـــي لـــأن الـــروح عزيـــزة
فربطــت خشبــة عريضــة علــى أقدامــي بالعــرض وربطــت واحــدة مثلهــا علــى جنبــي الشمـــال ومثلهـــا
===
علـى جنبـي اليميـن ومثلهـا علـى بطنـي وربطـت واحـدة طويلـة عريضـة مـن فـوق رأســي بالعــرض مثــل
التي تحـت أقدامـي وصـرت أنـا فـي وسـط هـذا الخشـب وهـو محتـاط بـي مـن كـل جانـب وقـد شـددت
ذلــك شـــداً وثيقـــاً وألقيـــت نفســـي بالجميـــع علـــى الـــأرض فصـــرت نائمـــاً بيـــن تلـــك الأخشـــاب وهـــي
محيطة بي كالمقصورة.
فلمــا أمســى الليــل أقبــل الثعبــان علــى جــري عادتــه ونظــر إلـــي وقصدنـــي فلـــم يقـــدر أن يبلغنـــي وأنـــا
علـى تلـك الحالـة والأخشـاب حولـي مـن كـل جانـب فـدار الثعبـان حولـي فلـم يستطـع الوصــول إلــي وأنــا
أنظـر بعينـي وقـد صـرت كالميـت مـن شـدة الخـوف والفــزع وصــار الثعبــان يبعــد عنــي ويعــود إلــي ولــم
يـزل علـى هـذه الحالـة وكلمـا أراد الوصـول إلـي ليبتلعنـي تمنعــه تلــك الأخشــاب المشــدودة علــي مــن كــل
جانـــب ولـــم يـــزل كذلـــك مـــن غـــروب الشمـــس إلـــى أن طلـــع الفجـــر وبـــان النـــور وأشرقــــت الشمــــس
فمضى الثعبان إلى حال سبيله وهو في غاية من القهر والغيظ.
فعنــد ذلــك مــددت يــدي وفككــت نفســي مـــن تلـــك الأخشـــاب وأنـــا فـــي حكـــم الأمـــوات مـــن شـــدة
ماقاسيـت مـن ذلــك الثعبــان ثــم إنــي قمــت ومشيــت فــي الجزيــرة حتــى انتهيــت إلــى آخرهــا فلاحــت
لـي منـي التفاتـة إلـى ناحيـة البحـر فرأيـت مركبـاً علـى بعـد فـي وســط اللجــة فأخــذت فرعــاً كبيــراً مــن
شجرة ولوحت به إلى ناحيتهم وأنا أصيح عليهم.
===
فلمــا رأونــي قالــوا لابـــد أننـــا ننظـــر مـــا يكـــون هـــذا لعلـــه إنســـان إنهـــم قربـــوا منـــي وسمعـــوا صياحـــي
عليهـم فجـاءوا إلـي وأخذونـي معهـم فــي المركــب وسألونــي عــن حالــي فأخبرتهــم بجميــع مــا جــرى لــي
مــن أولــه إلــى آخــره وماقاسيتــه مــن الشدائــد فتعجبــوا مــن ذلــك غايــة العجــب ثــم إنهـــم ألبسونـــي مـــن
عندهم ثياباً وستروا عورتي.
وبعــد ذلــك قدمـــوا لـــي شيئـــاً مـــن الـــزاد حتـــى اكتفيـــت وسقونـــي مـــاء بـــارداً عذبـــاً فانتعـــش قلبـــي
وارتاحــت نفســي وحصــل لــي راحــة عظيمــة وأحيانــي اللــه تعالــى بعــد موتـــي فحمـــدت اللـــه تعالـــى
علـى نعمـه الوافـرة وشكرتـه وقويـت همتـي بعدمـا كنـت أيقنـت بالهلـاك حتـى تخيـل لــي أن جميــع مــا أنــا
فيـه منـام ولـم نـزل سائريـن وقـد طـاب لنـا الريـح بــإذن اللــه تعالــى إلــى أن أشرفنــا علــى جزيــرة يقــال لهــا
جزيـــرة السلاهطـــة فأوقـــف الريـــس المركـــب عليهـــا. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عــــن الكلــــام
المباح.
وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن المركــب الــذي نــزل فيــه السندبـــاد البحـــري رســـى علـــى جزيـــرة
فنــزل منــه جميــع التجــار فالتفــت إلــي صاحــب المركـــب وقـــال لـــي اسمـــع كلامـــي أنـــت رجـــل غريـــب
===
فقيــر وقــد أخبرتنـــا أنـــك قاسيـــت أهـــوالاً كثيـــرة ومـــرادي أنفعـــك بشـــيء يعينـــك علـــى الوصـــول إلـــى
بلادك وتبقى تدعو لي فقلت له نعم ولك مني الدعاء.
فقــال اعلــم أنــه كــان معنــا رجــل مسافــر فقدنــاه ولــم نعلــم هــل بالحيــاة أم مــات ولـــم نسمـــع عنـــه خبـــراً
ومــرادي أن أدفــع لـــك حمولـــة لتبيعهـــا فـــي هـــذه الجزيـــرة وتحفظهـــا وأعطيـــك شيئـــاً فـــي نظيـــر تعبـــك
وخدمتـك ومـا بقـي منهـا نأخـذه إلـى أن تعـود إلــى مدينــة بغــداد فنســأل عــن أهلــه وندفــع إليهــم بقيتهــا
وثمــن مــا بيــع منهــا فهــل لــك أن تتسلمهــا وتنــزل بهـــا هـــذه الجزيـــرة فتبيعهـــا مثـــل التجـــار فقلـــت سمعـــاً
وطاعـة لـك يـا سيـدي ولـك الفضـل والجميـل ودعـوت لــه وشكرتــه علــى ذلــك فعنــد ذلــك أمــر الحاليــن
والبحرية بإخراج تلك البضائع إلى الجزيرة وأن يسلموها إلي.
فقــال كاتــب المركــب يــا ريــس مــا هــذه الحمــول التـــي أخرجهـــا البحريـــة والحمالـــون واكتبهـــا باســـم مـــن
مـن التجـار. فقـال اكتـب عليهـا اسـم السندبـاد البحـري الـذي كــان معنــا وغــرق فــي الجزيــرة ولــم يأتنــا
عنــه خبــر فنريــد أن يبيعهــا هــذا الغريــب ونحمــل ثمنهــا ونعطيــه شيئــاً منــه نظيــر تعبــه وبيعــه والباقـــي
نحملـه معنـا حتـى نرجـع إلـى مدينـة بغـداد فـإن وجدنـاه أعطينـاه إيـاه وإن لـم نجـده ندفعـه إلــى أهلــه فــي
مدينة بغداد فقال الكاتب كلامك مليح ورأيك رجيح.
فلمـا سمعـت كلــام الريــس وهــو يذكــر أن الحمــول باسمــي قلــت فــي نفســي واللــه أنــا السندبــاد البحــري
===
وأنـا غرقـت فـي الجزيـرة مـع جملـة مـن غـرق ثـم إنــي تجلــدت وصبــرت إلــى أن طلــع التجــار مــن المركــب
واجتمعـوا يتحدثـون ويتذاكـرون فـي أمـور البيــع والشــراء فتقدمــت إلــى صاحــب المركــب وقلــت لــه يــا
سيـدي هـل تعـرف كيـف كـان صاحــب الحمــول التــي سلمتهــا إلــي لأبيعهــا فقــال لــي لا أعلــم لــه حــالاً
ولكنـه كـان رجـلاً مـن مدينـة بغــداد يقــال لــه السندبــاد البحــري وقــد أرسينــا علــى جزيــرة مــن الجزائــر
فغرق منا فيها خلق كثير وفقد بجملتهم ولم نعلم له خبراً إلى هذا الوقت.
فعنـد ذلـك صرخـت صرخـة عظيمـة وقلـت لـه يـا ريــس السلامــة اعلــم أنــي أنــا السندبــاد البحــري لــم
أغــرق ولكــن لمــا أرسيــت علــى الجزيــرة وطلــع التجـــار والركـــاب طلعـــت أنـــا مـــع جملـــة النـــاس ومعـــي
شـيء آكلـه بجانـب الجزيـرة ثـم إنـي تلـذذت بالجلـوس فـي ذلـك المكــان فأخذتنــي سنــة مــن النــوم فنمــت
وغرقـت فـي النـوم ثـم إنـي قمــت فلــم أجــد المركــب ولــم أجــد أحــداً عنــدي وهــذا المــال مالــي وهــذه
البضائـع بضائعـي وجميـع التجـار الذيـن يجلبـون حجـر الألمـاس رأونــي وأنــا فــي جبــل الألمــاس ويشهــدون
لي بأني أنـا السندبـاد البحـري كمـا أخبرتهـم بقصتـي ومـا جـرى لـي معكـم فـي المركـب وأخبرتكـم بأنكـم
نسيتموني في الجزيرة نائماً وقمت فلم أجد أحداً وجرى لي ما جرى.
فلمـا سمـع التجـار والركـاب كلامـي اجتمعـوا علـي فمنهـم مـن صدقنــي ومنهــم مــن كذبنــي فبينمــا نحــن
كذلـــك وإذا بتاجـــر مـــن التجـــار حيـــن سمعنـــي أذكـــر وادي الألمـــاس نهـــض وتقـــدم عنـــدي وقــــال لهــــم
===
اسمعـوا يـا جماعـة كلامـي إنـي لمـا كنـت ذكـرت لكـم أعجــب مــا رأيــت فــي أسفــاري لمــا ألقينــا الذبائــح
في وادي الألمـاس وألقيـت ذبيحتـي معهـم علـى جـري عادتـي طلـع علـى ذبيحتـي رجـل متعلـق بهـا ولـم
تصدقونـي بـل كذبتمونـي فقالــوا لــه نعــم حكيــت لنــا علــى هــذا الأمــر ولــم نصدقــك فقــال لهــم التاجــر
هـذا الــذي تعلــق فــي ذبيحتــي وقــد أعطانــي شــيء مــن حجــر الألمــاس الغالــي الثمــن الــذي لا يوجــد
نظيـره وعوضنـي أكثـر مـا كـان يطلـع لـي فـي ذبيحتـي وقـد استصحبـه معـي إلـى أن وصلنـا إلـى مدينــة
البصـــرة وبعـــد ذلـــك توجـــه إلـــى بلـــاده وودعنـــا ورجعنـــا إلـــى بلادنــــا وهــــو هــــذا وأعلمنــــا أن اسمــــه
السندبــاد البحــري وقــد أخبرنــا بذهــاب المركــب وجلوســه فــي هــذه الجزيــرة واعلمــوا أن هــذا الرجـــل
مـا جاءنـا هنـا إلا لتصدقـوا كلامـي ممـا قلتـه لكــم وهــذه البضائــع كلهــا رزقــه فإنــه أخبــر بهــا فــي وقــت
اجتماعه علينا وقد ظهر صدقه في قوله.
فلمـا سمـع الريـس كلـام ذلــك التاجــر قــام علــى حيلــه وجــاء عنــدي وحقــق فــي النظــر ساعــة وقــال مــا
علامــة بضائعــك فقلــت لــه اعلــم أن علامــة بضائعــي مــا هــو كــذا وكــذا وقــد أخبرتــه بأمـــر السندبـــاد
البحــري فعانقنـــي وسلـــم علـــي وهنأنـــي بالسلامـــة وقـــال لـــي يـــا سيـــدي إن قصتـــك عجيبـــة وأمـــرك
غريـــب ولكـــن الحمـــد للـــه الـــذي جمـــع بيننـــا وبينـــك ورد بضائعـــك ومالـــك عليـــك. وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري لمــا تبيــن للريــس والتجــار أنــه هــو بعينــه وقــال
لـه الريـس الحمـد للـه الـذي رد بضائعـك ومالـك عليـك قـال فعنـد ذلـك تصرفـت فــي بضائعــي بمعرفتــي
وربحـت بضائعـي فـي تلـك السفـرة شيئـاً كثيـراً وفرحـت بذلـك فرحـاً عظيمــاً وهنــأت بالسلامــة وعــاد
مالـي إلـي ولـم نـزل نبيـع ونشتــري فــي الجزائــر إلــى أن وصلنــا إلــى بلــاد السندبــاد وبعنــا فيهــا واشترينــا
ورأيـت فـي ذلـك البحـر شيئـاً كثيــراً مــن العجائــب والغرائــب لا تعــد ولا تحصــى ومــن جملــة مــا رأيــت
فـي ذلـك البحـر سمكـة علـى صفـة البقـرة وشيئــاً علــى صفــة الحميــر ورأيــت طيــراً يخــرج مــن صــدف
البحر. ويبيض ويفرخ على وجه الماء ولا يطلع من البحر على وجه الأرض أبداً.
وبعـد ذلـك لـم نـزل مسافريـن بـإذن اللـه تعالـى وقـد طـاب لنـا الريـح والسفــر إلــى أن وصلنــا إلــى اببصــرة
وقــد أقمــت فيهــا أيامــاً قلائــل وبعــد ذلــك جئــت إلــى مدينــة بغــداد فتوجهــت إلــى حارتـــي ودخلـــت
بيتي وسلمـت علـى أهلـي وأصحابـي وأصدقائـي وقـد فرحـت بسلامتـي وعودتـي إلـى بلـادي وأهلـي
ومدينتـي وديــاري وتصدقــت ووهبــت وكســوت الأرامــل والأيتــام. وجمعــت أصحابــي وأحبابــي ولــم
أزل علــى هــذه الحالــة فــي أكــل وشــرب ولهــو وضــرب وأنــا آكــل وأشــر طيبــاً وأعاشــر وأخالــط وقــد
نسيــت جميــع مــا جــرى لــي ومــا قاسيــت مــن الشدائــد والأهــوال وكسبــت شيئــاً فــي هــذه السفــرة لا
يعـد ولا يحصـى وهـذا أعجـب مـا رأيــت فــي هــذه السفــرة وفــي غــد إن شــاء اللــه تعالــى تجــيء إلــي
===
وأحكــي لــك حكايــة السفــرة الرابعــة فإنهــا أعجــب مــن هــذه السفــرات ثـــم إن السندبـــاد البحـــري أمـــر
بــأن يدفعـــوا إليـــه مائـــة مثقـــال مـــن الذهـــب علـــى جـــري عادتـــه وأمـــر بمـــد السمـــاط فمـــدوه وتعشـــى
الجماعــة وهــم يتعجبــون مــن تلــك الحكايــة ومــا جــرى فيهــا ثــم إنهــم بعــد العشــاء انصرفـــوا إلـــى حـــال
سبيلهـــم وقـــد أخـــذ السندبـــاد الحمـــال مـــا أمـــر لـــه مـــن الذهـــب وانصــــرف إلــــى حــــال سبيلــــه وهــــو
متعجب مما سمعه من السندباد البحري وبات في بيته.
ولمـا أصبـح الصبــاح وأضــاء بنــوره ولــاح قــام السندبــاد الحمــال وصلــى الصبــح وتمشــى إلــى السندبــاد
البحـــري وقـــد دخـــل عليـــه وتلقـــاه بالفـــرح والانشـــراح وأجلســـه عنـــده إلـــى أن حضـــر بقيــــة أصحابــــه
وقدموا الطعام فأكلوا وشربوا وانبسطوا فبدأهم بالكلام وحكى لهم الحكاية الرابعة.
الحكاية الرابعة من حكايات السندباد البحري وهي السفرة الرابعة
قـــال السندبـــاد البحـــري: اعلمـــوا يـــا إخوانـــي أنـــي لمــــا عــــدت إلــــى مدينــــة بغــــداد واجتمعــــت علــــى
أصحابـي وأحبابـي وصـرت فـي أعظـم مـا يكـون مــن الهنــاء والســرور والراحــة وقــد نسيــت مــا كنــت
فيـه لكثـرة الفوائـد وغرقـت فـي اللهـو والطــرب ومجالســة الأحبــاب والأصحــاب وأنــا فــي ألــذ مــا يكــون
مـن العيــش فحدثتنــي نفســي الخبيثــة بالسفــر إلــى بلــاد النــاس وقــد اشتقــت إلــى مصاحبــة الأجنــاس
والبيـع والمكاسـب فهممـت فــي ذلــك الأمــر واشتريــت بضاعــة نفيســة تناســب البحــر وحزمــت حمــولاً
===
كثيــرة زيــادة عــن العــادة وسافــرت مــن مدينــة بغــداد إلــى مدينــة البصــرة ونزلـــت حمولتـــي فـــي المركـــب
واصطحبــت بجماعــة مــن أكابــر البصــرة وقــد توجهنــا إلــى السفــر وسافــر بنــا المركــب علــى بركــة اللـــه
تعالى في البحـر العجـاج المتلاطـم بالأمـواج وطـاب لنـا السفـر ولـم نـزل علـى هـذه الحالـة مـدة ليالـي وأيـام
مــن جزيــرة إلــى جزيــرة ومــن بحــر إلــى بحــر. إلــى أن خرجــت علينــا ريــح مختلفــة يومــاً مــن الأيــام فرمــى
الريس مراسي المركب وأوقفه في وسط البحر خوفاً عليه من الغرق.
فبينمــا نحــن علــى هــذه الحالــة ندعــو ونتضــرع إلــى اللــه تعالــى إذ خــرج علينـــا ريـــح عاصـــف شديـــد
مــزق القلــع وقطعــه قطعــاً وغــرق النــاس وجميـــع حمولهـــم ومـــا معهـــم مـــن المتـــاع والأمـــوال وغرقـــت أنـــا
بجملـة مـن غـرق. وعمـت فـي البحـر نصـف نهـار وقـد تخليـت عـن نفسـي فيسـر اللــه تعالــى لــي قطعــة
لــوح خشــب مــن ألــواح المركــب فركبتهــا أنــا وجماعــة مــن التجــار. وأدرك شهــرزاد الصبــاح فسكتـــت
عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري بعـــد أن غـــرق المركــــب وطلــــع علــــى لــــوح
خشـب هـو وجماعـة مـن التجـار قـال اجتمعنـا علـى بعضنـا ولـم نــزل راكبيــن علــى ذلــك اللــوح ونرفــس
===
فلمــا كــان ثانــي يــوم ضحــوة نهــار ثــار علينــا ريــح وهــاج البحــر وقــوي المــوج والريــح فرمانــا المــاء علــى
جزيـرة ونحـن مثـل الموتـى مـن شــدة السهــر والتعــب والبــرد والجــوع والخــوف والعطــش وقــد مشينــا فــي
جوانــب تلــك الجزيــرة فوجدنــا فيهــا نباتــاً كثيــراً. فأكلنــا منــه شيئــاً يســد رمقنــا ويقيتنـــا. وبتنـــا تلـــك
الليلة على جانب الجزيرة.
فلمـا أصبـح الصبـاح وأضـاء بنـوره ولـاح قمنـا ومشينـا فـي الجزيــرة يمينــاً وشمــالاً فلــاح لنــا عمــارة علــى
بعد فسرنا في تلـك الجزيـرة قاصديـن تلـك العمـارة التـي رأيناهـا مـن بعـد ولـم نـزل سائريـن إلـى أن وقفنـا
علـى بابهـا. فبينمـا نحـن واقفـون هنـاك إذ خـرج علينـا مـن ذلــك البــاب جماعــة عــراة ولــم يكلمونــا وقــد
قبضـوا علينـا وأخذونـا عنـد ملكهـم فأمرنــا بالجلــوس فجلسنــا وقــد أحضــروا لنــا طعامــاً لــم نعرفــه ولا
فـي عمرنـا رأينـا مثلـه فلـم تقبلـه نفسـي ولـم آكـل منـه شيئـاً دون رفقتــي وكــان قلــة أكلــي منــه لطفــاً مــن
الله تعالى حتى عشت إلى الآن.
فلمــا أكــل أصحابــي مــن ذلــك الطعــام ذهلــت عقولهــم وصــاروا يأكلــون مثــل المجانيــن وتغيــرت أحوالهــم
وبعــد ذلــك أحضــروا لهــم دهــن النارجيــل فسقوهــم منــه ودهنوهــم منــه فلمـــا شـــرب أصحابـــي مـــن
ذلــك الدهــن زاغــت أعينهــم مــن وجوههـــم وصـــاروا يأكلـــون مـــن ذلـــك الطعـــام بخلـــاف أكلهـــم المعتـــاد
فعنــد ذلــك احتــرت فــي أمرهــم وصــرت أتأســف عليهــم وقــد صــار عنـــدي هـــم عظيـــم مـــن شـــدة
===
الخــوف علــى نفســي مــن هــؤلاء العرايــا وقــد تأملتهــم فــإذا هــم قــوم مجــوس وملــك مدينتهــم غــول وكــل
مــن وصــل إلــى بلادهــم أو رأوه فــي الــوادي أو الطرقــات يجيئــون بــه إلــى ملكهـــم ويطعمونـــه مـــن ذلـــك
الطعــام ويدهنونــه بذلــك الدهــن فيتســع جوفــه لأجــل أن يأكــل كثيـــراً ويذهـــل عقلـــه وتنطمـــس فكرتـــه
ويصيـر مثـل الإبـل فيزيـدون لـه الأكـل والشـرب مـن ذلــك الطعــام والدهــن حتــى يسمــن ويغلــظ فيذبحونــه
ويشوونه ويطعمونه لملكهم. وأما أصحاب الملك فيأكلون من لحم الإنسان بلا شوي ولا طبخ.
فلمــا نظــرت منهــم ذلــك الأمــر صــرت فـــي غايـــة الكـــرب علـــى نفســـي وعلـــى أصحابـــي وقـــد صـــار
أصحابـي مـن فـرط مـا دهشــت عقولهــم لا يعلمــون مــا يفعــل بهــم وقــد سلموهــم إلــى شخــص فصــار
يأخذهـم كـل يـوم ويخـرج يرعاهـم فـي تلــك الجزيــرة مثــل البهائــم وأمــا أنــا فقــد صــرت مــن شــدة الخــوف
والجوع ضعيفاً سقيم الجسم وصار لحمي يابساً على عظمي.
فلمــا رأونــي علــى هــذه الحالــة تركونــي ونسونــي ولــم يتذكرنــي منهــم أحــد ولا خطــرت لهــم علــى بـــال
إلــى أن تحيلــت يومــاً مــن الأيــام وخرجــت مــن ذلــك المكــان ومشيــت فــي تلــك الجزيــرة ولــم أزل سائـــراً
حتـــى طلـــع النهـــار وأصبـــح الصبـــاح وأضـــاء بنـــوره ولــــاح وطلعــــت الشمــــس علــــى رؤوس الروابــــي
والبطــاح وقــد تعبــت وجعــت وعطشــت فصــرت آكــل مــن الحشيــش والنبــات الــذي فــي الجزيـــرة ولـــم
أزل آكــل مــن ذلــك النبــات حتــى شبعــت وانســد رمقــي وبعــد ذلــك قمــت ومشيــت فــي الجزيــرة ولــم
===
أزل علـى هـذه الحالـة طـول النهـار والليـل وكلمــا أجــوع آكــل مــن النبــات ولــم أزل علــى هــذه الحالــة مــدة
سبعة أيام بلياليها.
فلمــا كانــت صبيحــة اليــوم الثامــن لاحــت منــي نظــرة فرأيــت شبحــاً مـــن بعيـــد فســـرت إليـــه ولـــم أزل
سائراً إلى أن حصلتـه بعـد غـروب الشمـس فحققـت النظـر فيـه بعـد وأنـا بعيـد عنـه وقلبـي خائـف مـن
الــــذي قاسيتــــه أولاً وثانيــــاً وإذا هــــم جماعــــة يجمعــــون حــــب الفلفــــل فلمـــــا قربـــــت منهـــــم ونظرونـــــي
تسارعــوا إلــي وجــاءوا عنــدي وقــد أحاطونــي مــن كــل جانــب وقالــوا لــي مــن أنـــت ومـــن أيـــن أقبلـــت
فقلـت لهـم اعلمـوا يـا جماعـة أنـي رجـل غريـب مسكيـن وأخبرتهــم بجميــع مــا كــان مــن أمــري ومــا جــرى
لي من الأهوال والشدائد وما قاسيته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والأربعين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملــــك السعيــــد أن السندبــــاد البحــــري لمــــا رأى الجماعــــة الذيــــن يجمعــــون حــــب
الفلفــل فــي الجزيــرة وسألــوه عــن حالــه حكــى لهــم جميــع مــا جــرى لــه ومــا قاســاه مـــن الشدائـــد فقالـــوا
واللـه هـذا أمـر عجيـب ولكـن كيـف خلاصتــك مــن الســودان وكيــف مــرورك عليهــم فــي هــذه الجزيــرة
وهـم خلــق كثيــرون ويأكلــون النــاس ولا يسلــم منهــم أحــد ولا يقــدر أن يجــوز عليهــم أحــد. فأخبرتهــم
===
بمــا جــرى لــي معهــم وكيـــف أخـــذوا أصحابـــي وأطعموهـــم الطعـــام ولـــم آكـــل منـــه فهنونـــي بالسلامـــة
وصـاروا يتعجبـون ممـا جــرى لــي ثــم أجلسونــي عندهــم حتــى فرغــوا مــن شغلهــم وأتونــي بشــيء مــن
الطعام فأكلت منه وكنت جائعاً وارتحت عندهم ساعة من الزمان.
وبعــد ذلــك أخذونــي ونزلــوا بــي فــي مركــب وجــاؤوا إلــى جزيرتهــم ومساكنهــم وقــد عرضونـــي علـــى
ملكهــم فسلمــت عليــه ورحــب بــي وأكرمنــي وسألنــي عــن حالــي فأخبرتــه بمــا كــان مــن أمــري. ومـــا
جـرى لـي ومـا اتفـق لـي مـن يـوم خروجـي مـن مدينـة بغـداد إلـى حيـن وصلـت إليـه فتعجــب ملكهــم مــن
قصتـي غايـة العجـب هـو ومـن كـان حاضـراً فـي مجلســه ثــم إنــه أمرنــي بالجلــوس عنــده فجلســت وأمــر
بإحضـار الطعـام فأحضـروه فأكلـت منـه علـى قـدر كفايتـي وغسلــت يــدي وشكــرت فضــل اللــه تعالــى
وحمدته وأثنيت عليه.
ثــم إنــي قمــت مــن عنــد ملكهــم وتفرجــت فــي مدينتــه فــإذا هــي مدينــة عامــرة كثيــرة الأهـــل والمـــال.
كثيــرة الطعــام والأســواق والبضائـــع والبائعيـــن والمشتريـــن ففرحـــت بوصولـــي إلـــى تلـــك المدينـــة وارتـــاح
خاطــري واستأنســت بأهلهــا وصــرت عندهــم وعنــد ملكهــم معـــززاً مكرمـــاً زيـــادة عـــن أهـــل مملكتـــه
مــن عظمــاء مدينتــه ورأيــت جميــع أكابرهــا وأصاغرهــا يركبــون الخيــل الجيـــاد الملـــاح مـــن غيـــر ســـروج
فتعجبت من ذلك.
===
ثـم إنـي قلــت للملــك لــأي شــيء يــا مولــاي لــم تركــب علــى ســرج فــإن فيــه راحــة للراكــب وزيــادة قــوة
فقــال لــي: كيــف يكــون الســرج هــذا شــيء عمرنــا مــا رأينــاه ولا ركبنــا عليــه فقلــت لــه: هـــل لـــك أن
تـأذي أن أصنـع لـك سرجـاً تركـب عليـه وتنظــر حظــه فقــال لــي افعــل فقلــت لــه أحضــر لــي شيئــاً مــن
الخشب فأمر لي بإحضار جميع ما طلبته.
فعنــد ذلـــك طلبـــت نجـــاراً شاطـــراً وجلســـت عنـــده وعلمتـــه صنعـــة الســـرج وكيـــف يعملـــه ثـــم إنـــي
أخـذت صوفـاً ونقشتـه وصنعـت منـه لبـداً وأحضــرت جلــداً وألبستــه الســرج وصقلتــه ثــم إنــي ركبــت
سيــوره وشــددت شريحتـــه وبعـــد ذلـــك أحضـــرت الحـــداد ووصفـــت لـــه كيفيـــة الركـــاب فـــدق ركابـــاً
عظيمــاً وبردتــه وبيضتــه بالقصديــر ثــم إنــي شــددت لــه أهدابــاً مــن الحريــر وبعــد ذلــك قمــت وجئــت
بحصـان مــن خيــار خيــول الملــك وشــددت عليــه الســرج وعلقــت فيــه الركــاب وألجمتــه بلجــام وقدمتــه
إلـى الملـك فأعجبـه ولــاق بخاطــره وشكرنــي وركــب عليــه وقــد حصــل لــه فــرح شديــد بذلــك الســرج
وأعطاني شيئاً كثيراً في نظير عملي له.
فلمـا نظرنـي وزيـره عملــت ذلــك الســرج طلــب منــي واحــداً مثلــه فعملــت لــه سرجــاً مثلــه وقــد صــار
أكابــر الدولــة وأصحــاب المناصــب يطلبــون منــي الســروج فأفعــل لهــم وعلمــت النجــار صنعــة الســـرج
والحـــداد صنعـــة الركـــاب وصرنـــا نعمـــل الســـروج والركابـــات ونبيعهـــا للأكابـــر والمخاديـــم وقـــد جمعـــت
===
مــن ذلــك مــالاً كثيــراً وصــار لــي عندهــم مقامــاً كبيــراً وأحبونــي محبــة زائـــدة وبقيـــت صاحـــب منزلـــة
عاليــة عنــد الملــك وجماعتــه وعنــد أكابــر البلــد وأربــاب الدولــة إلــى أن جلســت يومــاً مــن الأيــام عنــد
الملك وأنا في غاية السرور والعز.
فبينمــا أنــا جالــس قــال لــي الملــك اعلــم يــا هــذا أنــك صــرت معــزوزاً مكرمــاً عندنـــا وواحـــداً منـــا ولا
نقــدر علــى مفارقتــك ولا نستطيــع خروجــك مــن مدينتنــا ومقصــودي منـــك شـــيء تطيعنـــي فيـــه ولا
تــرد قولــي فقلــت لــه: ومــا الــذي تريـــد أيهـــا الملـــك فإنـــي لا أرد قولـــك لأنـــه صـــار لـــك فضـــل وجميـــل
وإحســان علـــي والحمـــد للـــه أنـــا صـــرت مـــن بعـــض خدامـــك فقـــال أريـــد أن أزوجـــك عندنـــا زوجـــة
حسنــة مليحــة ظريفــة صاحبــة مــال وجمــال وتصيــر مستوطنــاً عندنــا وأسكنــك عنــدي فـــي قصـــري
فلا تخالفني ولا ترد كلامي.
فلمـا سمعـت كلـام الملـك استحييــت منــه وسكــت ولــم أرد عليــه جوابــاً مــن كثــرة الحيــاء فقــال لــي لمــا
لا تــرد علــي يــا ولــدي! فقلــت يــا سيـــدي الأمـــر أمـــرك يـــا ملـــك الزمـــان فأرســـل مـــن وقتـــه وساعتـــه
وأحضـر القاضـي والشهـود وزوجنـي فـي ذلــك الوقــت بامــرأة شريفــة القــدر عاليــة النســب كثيــرة المــال
والنــوال عظيمــة الأصــل بديعــة الجمـــال والحســـن صاحبـــة أماكـــن وأملـــاك وعقـــارات. وأدرك شهـــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري بعــد أن زوجــه الملــك وعقـــد لـــه علـــى امـــرأة
عظيمـــة قـــال: ثـــم إنـــه أعطانـــي بيتـــاً عظيمـــاً مليحـــاً بمفـــرده وأعطانـــي خدامــــاً وحشمــــاً ورتــــب لــــه
جرايــات وجوامــك وصــرت فــي غايــة الراحــة والبســط والانشــراح ونسيـــت جميـــع مـــا حصـــل لـــي مـــن
التعــب والمشقــة والشــدة وقلــت فــي نفســي إذا سافــرت إلــى بلــادي آخذهــا معــي وكــل شــيء مقـــدر
علـى الإنسـان لابـد منـه ولـم يعلـم بمـا يجـري لـه وقـد أحببتهـا وأحبتنـي محبـة عظيمـة ووقـع الوفـاق بينـي
وبينهـا وقـد أقمنـا فـي ألـذ عيـش وأرغـد مـورد ولــم نــزل علــى هــذه الحالــة مــدة مــن الزمــن فأفقــد اللــه
زوجـة جـاري وكـان صاحبـاً لـي فدخلـت إليـه لأعزيـه فـي زوجتـه فرأيتـه فــي أســوأ حــال وهــو مهمــوم
تعبـان السـر والخاطـر فعنـد ذلـك عزيتـه وسليتـه وقلـت لـه لا تحــزن علــى زوجتــك اللــه يعوضــك خيــراً
منهـا ويكـون عمـرك طويـلاً إن شـاء اللــه تعالــى فبكــى بكــاء شديــداً وقــال يــا صاحبــي: كيــف أتــزوج
بغيرهــا أو كيــف يعوضنــي اللــه خيــراً منهــا وأنــا بقــي مــن عمــري يــوم واحــد فقلــت لــه يــا أخــي ارجــع
لعقلـك ولا تبشـر علـى روحـك بالمـوت فإنـك طيـب بخيــر وعافيــة فقــال لــي يــا صاحبــي وحياتــك فــي
غد تعدمني وما بقيت عمرك تنظرني فقلت له وكيف ذلك
فقـال لـي فـي هـذا النهـار يدفنـون زوجتـي ويدفنونـي معهـا فـي القبـر فإنهـا عادتنـا فـي بلادنـا إذا ماتــت
المـــرأة يدفنـــون معهـــا زوجهـــا بالحيـــاة وإن مـــات الرجـــل يدفنـــون معـــه زوجتـــه بالحيـــاة حتـــى لا يتلــــذذ
===
فقلــت لــه باللــه إن هــذه العــادة رديئــة جـــداً ومـــا يقـــدر عليهـــا أحـــد فبينمـــا نحـــن فـــي ذلـــك الحديـــث
وإذا بغالـب أهـل المدينـة قـد حضـروا وصـاروا يعـزون صاحبـي فـي زوجتــه وفــي نفســه وقــد شرعــوا
فــي تجهيزهــا علــى جــري عادتهــم فأحضــروا تابوتــاً وحملــوا فيــه المـــرأة وذلـــك الرجـــل معهـــم وخرجـــوا
بهما إلى خـارج المدينـة وأتـوا إلـى مكـان فـي جانـب الجبـل علـى البحـر وتقدمـوا إلـى مكـان ورفعـوا عنـه
حجــراً كبيــراً فبــان مــن تحــت ذلــك الحجــر خــرزة مــن الحجــر مثــل خــرزة البئــر فرمــوا تلــك المــرأة فيهــا
وإذا هــو جــب كبيــر تحــت الجبـــل ثـــم إنهـــم جـــاؤوا بذلـــك الرجـــل وربطـــوه تحـــت صـــدره فـــي سلبـــة
وأنزلـوه فـي ذلــك الجــب وأنزلــوا عنــده كــوز مــاء عــذب كبيــر وسبعــة أرغفــة مــن الــزاد ولمــا أنزلــوه فــك
نفسـه مـن السلبـة فسحبـوا السلبــة وغطــوا فــم البئــر بذلــك الحجــر الكبيــر مثــل مــا كــان وانصرفــوا إلــى
حـال سبيلهـم وتركـوا صاحبـي عنـد زوجتــه فقلــت فــي نفســي واللــه إن هــذا المــوت أصعــب منالمــوت
الأول ثم إني جئت عند ملكهم وقلت له يا سيدي كيف تدفنون الحي مع الميت في بلادكم.
فقـال لـي اعلـم أن هـذه عادتنــا فــي بلادنــا إذا مــات الرجــل ندفــن معــه زوجتــه وإذا ماتــت المــرأة ندفــن
معهـا زوجهـا بالحيـاة حتـى لا نفـرق بينهمـا فـي الحيـاة ولا فـي الممــات وهــذه العــادة عــن أجدادنــا فقلــت
يـا ملـك الزمـان وكــذا الرجــل الغريــب مثلــي إذا ماتــت زوجتــه عندكــم تفعلــون بــه مثــل مــا فعلتــم بهــذا
فقال لي نعم ندفنه معها ونفعل به كما رأيت.
===
فلمــا سمعــت ذلــك الكلــام منــه انشقــت مرارتـــي مـــن شـــدة الغـــم والحـــزن علـــى نفســـي وذهـــل عقلـــي
وصــرت خائفــاً أن تمــوت زوجتــي قبلـــي فيدفنونـــي معهـــا وأنـــا بالحيـــاة ثـــم إنـــي سليـــت نفســـي لعلـــي
أمـوت أنـا قبلهـا ولـم يعلــم أحــد السابــق مــن اللاحــق وصــرت أتلاهــى فــي بعــض الأمــور. فمــا مضــت
مدة يسيرة بعد ذلك حتى مرضت زوجتي وقد مكثت أياماً قلائل وماتت.
فاجتمـــع غالـــب النـــاس يعزوننـــي ويعـــزون أهلهـــا فيهـــا وقـــد جاءنـــي الملـــك يعزينـــي فيهـــا علـــى جـــري
عادتهـــم ثـــم إنهـــم جـــاؤوا لهـــا بغاسلـــة فغسلوهـــا وألبسوهـــا أفخـــر مـــا عندهـــا مـــن الثيـــاب والمصـــاغ
والقلائـد والجواهـر مـن المعـادن. فلمـا ألبسـوا زوجتـي وحطوهـا فـي التابـوت وحملوهـا وراحـوا بهـا إلــى
ذلـــك الجبـــل ورفعـــوا الحجـــر عـــن فـــم الجـــب وألقوهـــا فيـــه وأقبـــل جميـــع أصحابــــي وأهــــل زوجتــــي
يودعوننــي فــي روحــي وأنــا أصيــح بينهــم أنــا رجــل غريــب وليــس لــي صبــر علــى عادتكـــم وهـــم لا
يسمعـون قولـي ولا يلتفتـون إلـى كلامـي. ثـم إنهـم أمسكونــي وربطونــي بالغضــب وربطــوا معــي سبعــة
أقــراص مــن الخبــز ومــاء عــذب علــى جــري عادتهــم وأنزلونــي فــي ذلــك البئـــر فـــإذا هـــو مغـــارة كبيـــرة
تحـت ذلـك الجبـل وقالـوا لـي فــك نفســك مــن الحبــال فلــم أرض أن أفــك نفســي فرمــوا علــي الحبــال ثــم
غطـوا فـم المغـارة بذلـك الحجـر الكبيـر الـذي كـان عليهــا وراحــوا إلــى حــال سبيلهــم. وأدرك شهــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن السندبـاد البحـري لمــا حطــوه فــي المغــارة مــع زوجتــه التــي ماتــت
وردوا بـاب المغـارة وراحـوا إلـى حـال سبيلهـم قـال وأمـا أنــا فإنــي رأيــت فــي تلــك المغــارة أمواتــاً كثيــرة
ورائحتهـا منتنـة كريهـة فلمـت نفسـي علـى فعلتـي وقلــت: واللــه إنــي أستحــق جميــع مــا يجــري لــي ومــا
يقــع لــي ثــم إنــي صــرت لا أعــرف الليــل مــن النهـــار وصـــرت أتقـــوت باليسيـــر ولا آكـــل حتـــى يكـــاد أن
يقطعنـي الجـوع ولا أشــرب حتــى يشتــد بــي العطــش وأنــا خائــف أن يفــرغ مــا عنــدي مــن الــزاد والمــاء
وقلـت لا حـول ولا قــوة إلا باللــه العلــي العظيــم أي شــيء بلانــي بالــزواج فــي هــذه المدينــة وكلمــا أقــول
خرجـت مـن مصيبـة أقـع فــي مصيبــة أقــوى منهــا واللــه إن هــذا المــوت مــوت مشــؤوم يــا ليتنــي غرقــت
فـي البحـر أو مـت فـي الجبـال كـان أحسـن لـي مـن هــذا المــوت الــرديء ولــم أزل علــى هــذه الحالــة ألــوم
نفسـي ونمـت علـى عظـام الأمـوات واستعنـت باللـه حتـى أحـرق قلبـي الجـوع وألهبنـي العطــش فقعــدت
وحسست على الخبز وأكلت منه شيئاً قليلاً وتجرعت عليه شيئاً قليلاً من الماء.
ثـم إنـي قمـت ووقفــت علــى حيلــي وصــرت أمشــي فــي جانــب تلــك المغــارة فرأيتهــا متسعــة الجوانــب
خاليـة البطـون ولكـن فـي أرضهـا أمـوات كثيـرة وعظـام رميمـة مـن قديــم الزمــان فعنــد ذلــك عملــت لــي
مكانـاً فـي جانـب المغـارة بعيــداً عــن الموتــى الطرييــن وصــرت أنــام فيــه وقــد قــل زادي ومــا بقــي معــي
إلا شـيء يسيـر وقـد كنـت آكـل فـي كــل يــوم أو أكثــر أكلــة وأشــرب شربــة خوفــاً مــن فــراغ المــاء والــزاد
===
مــن عنــدي قبــل موتــي ولــم أزل علــى هــذه الحالــة إلــى أن جلســت يومــاً مــن الأيــام فبينمــا أنـــا جالـــس
متفكـــر فـــي نفســـي كيـــف أفعـــل إذا فـــرغ زادي والمـــاء مـــن عنـــدي وإذا بالصـــرة قـــد تزحزحــــت مــــن
مكانهــا ونــزل منــه النــور عنــدي فقلـــت يـــا تـــرى مـــا الخبـــر وإذا بالقـــوم واقفـــون علـــى رأس البئـــر وقـــد
أنزلــوا رجــلاً ميتــاً وامــرأة معــه بالحيــاة وهــي تبكــي وتصيـــح علـــى نفسهـــا وقـــد أنزلـــوا عندهـــا شيئـــاً
كثيـراً مـن الـزاد والمـاء فصـرت انظـر المـرأة وهـي لـم تنظرنـي وقـد غطـوا فـم البئـر بالحجـر وانصرفــوا إلــى
حال سبيلهم.
فقمــت أنــا وأخــذت فــي يــدي قصبــة رجــل ميـــت وجئـــت إلـــى المـــرأة وضربتهـــا فـــي وســـط رأسهـــا
فوقعـت علـى الـأرض مغشيــاً عليهــا فضربتهــا ثانيــاً وثالثــاً فماتــت فأخــذت خبزهــا ومــا معهــا ورأيــت
عليهـا شيئـاً كثيـراً مـن الحلـي والحلـل والقلائـد والجواهـر والمعـادن ثـم إنــي أخــذت المــاء والــزاد الــذي مــع
المـرأة وقعـدت فـي الموضـع الـذي كنـت عملتـه فـي جانـب المغـارة لأنـام فيـه وصــرت آكــل مــن ذلــك الــزاد
شيئـاً قليـلاً علـى قـدر مـا يقوتنـي حتـى لا يفـرغ بسرعـة فأمـوت مـن الجـوع والعطــش وأقمــت فــي تلــك
المغــارة مــدة مــن الزمــان وأنــا كــل مــن دفنــوه أقتــل مــن دفــن معــه بالحيــاة وآخــذ أكلــه وشربــه أتقــوت بـــه
إلـى أن كنـت نائمـاً يومـاً مـن الأيـام فاستيقظــت مــن منامــي وسمعــت شيئــاً يكركــب فــي جانــب المغــارة
فقلــت مــا يكــون هــذا ثــم إنــي قمــت ومشيــت نحــوه ومعــي قصبــة رجــل ميـــت فلمـــا أحـــس بـــي فـــر
===
وهـرب منـي فـإذا هـو وحـش فتبعتـه إلـى صـدر المغـارة فبـان لــي نــور مــن مكــان صغيــر مثــل النجمــة
تارة يبين لي وتارة يخفى عني.
فلمـا نظرتـه قصـدت نحـوه وبقيــت كلمــا أتقــرب منــه يظهــر لــي نــور منــه ويتســع فعنــد ذلــك تحققــت أنــه
خـرق فـي تلـك المغـارة ينفـذ للخـلاء فقلـت فـي نفسـي لابـد أن يكـون لهـذا المكــان حركــة إمــا أن يكــون
مدفنـاً ثانيـاً مثـل الـذي نزلونـي منــه وإمــا أن يكــون تخريــق مــن هــذا المكــان ثــم إنــي تفكــرت فــي نفســي
ساعـة مـن الزمـان ومشيـت إلـى ناحيـة النـور وإذا بـه ثقـب فـي ظهـر الجبـل مـن الوحـوش ثقبــوه وصــاروا
يدخلــون منــه إلــى هــذا المكــان ويأكلــون الموتــى حتــى يشبعــون ويطلعــون مــن ذلــك الثقـــب فلمـــا رأيتـــه
هـدأت واطمأنـت نفســي وارتــاح قلبــي وأيقنــت بالحيــاة بعــد الممــات وصــرت كأنــي فــي المنــام ثــم إنــي
عالجــت حتــى طلعــت مــن ذلــك الثقــب فرأيــت نفســي علــى جانــب البحــر المالـــح فـــوق جبـــل عظيـــم
وهــو قاطــع بيــن البحريــن وبيــن الجزيــرة والمدينــة ولا يستطيــع أحــد الوصــول إليــه فحمــدت اللـــه تعالـــى
وشكرته وفرحت فرحاً عظيماً وقوي قلبي.
ثـم إنـي بعـد ذلـك رجعـت مـن الثقــب إلــى المغــارة ونقلــت جميــع مــا فليهــا مــن الــزاد والمــاء الــذي كنــت
وفرتــه ثــم إنــي أخــذت مــن ثيــاب الأمــوات ولبســـت شيئـــاً منهـــا غيـــر الـــذي كـــان علـــي وأخـــذت ممـــا
عليهــم شيئــاً كثيــراً مــن أنــواع العقــود والجواهـــر وقلائـــد اللؤلـــؤ والمصـــاغ مـــن الفضـــة والذهـــب المرصـــع
===
بأنـواع المعـادن والتحـف وربطتـه فـي ثيـاب الموتـى وطلعتهـا مــن الثقــب إلــى ظهــر الجبــل ووقفــت علــى
جانـب البحـر وبقيــت فــي كــل يــوم أنــزل المغــارة وأطلــع وكــل مــن دفنــوه آخــذ زاده ومــاؤه وأقتلــه ســواء
كــان ذكــراً أو أنثــى وأطلــع مــن ذلــك الثقــب فأجلــس علــى جانــب البحــر لأنتظــر الفــرج مــن اللــه تعالـــى
وإذا بمركـب يجـوز علـي وصـرت أنقـل مـن تلـك المغـارة كـل شــيء رأيتــه مــن المصــاغ وأربطــه فــي ثيــاب
الموتــى ولــم أزل علــى هــذه الحالــة مـــدة مـــن الزمـــان. وأدرك شهـــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبـــاد البحـــري ســـار ينقـــل مـــن تلـــك المغـــارة مـــا يلقـــاه فيهـــا
مــن مصــاغ وغيــره ويجلــس علــى جانــب البحــر مــدة مــن الزمــان قــال فبينمــا أنــا جالــس يومــاً مــن الأيــام
علــى جانــب البحــر وأنــا متفكــر فــي أمـــري وإذا بمركـــب سائـــر فـــي وســـط البحـــر العجـــاج المتلاطـــم
بالأمـواج فأخـذت فـي يـدي ثوبـاً أبيـض مـن ثيـاب الموتـى وربطتـه فـي عكـاز وجريـت بـه علـى شاطـئ
البحــر وصــرت أشيــر إليهــم بذلــك الثــوب حتـــى لاحـــت منهـــم التفاتـــة فرأونـــي وأنـــا فـــي رأس الجبـــل
فجــاؤوا إلــي وسمعــوا صوتــي وأرسلــوا إلــي زورقــاً مــن عندهــم وفيــه جماعــة مـــن المركـــب ولـــم نـــزل
===
مسافريــن مـــن جزيـــرة إلـــى جزيـــرة ومـــن بحـــر إلـــى بحـــر وأنـــا أرجـــو النجـــاة وصـــرت فرحانـــاً بسلامتـــي
وكلما أتفكر قعودي في المغارة مع زوجتي يغيب عقلي.
وقــد وصلنـــا بقـــدرة اللـــه تعالـــى مـــع السلامـــة إلـــى مدينـــة البصـــرة فطلعـــت إليهـــا وأقمـــت فيهـــا أيامـــاً
قلائــــل وبعدهــــا جئــــت إلــــى مدينــــة بغــــداد فجئــــت إلــــى حارتــــي ودخلــــت داري وقابلــــت أهلــــي
وأصحابـي وسألـت عنهـم ففرحـوا بسلامتـي وهنونـي وقـد خزنـت جميـع مـا كـان معـي مـن الأمتعـة فـي
حواصلــي وتصدقــت ووهبــت وكســوت الأيتــام والأرامــل وصــرت فـــي غايـــة البســـط والســـرور وقـــد
عــدت لمــا كنــت عليــه مــن المعاشــرة والمرافقــة ومصاحبــة الإخــوان واللهــو والطــرب وهـــذا أعجـــب مـــا
صــار لــي فــي السفــرة الرابعــة ولكــن يــا أخــي تعــش عنــدي وخــذ عادتــك وفــي غـــد تجـــيء عنـــدي
فأخبرك بمـا كـان لـي ومـا جـرى لـي فـي السفـرة الخامسـة فإنهـا أعجـب وأغـرب ممـا سبـق ثـم أمـر لـه بمائـة
مثقــال ذهــب ومـــد السمـــاط وتعشـــى الجماعـــة وانصرفـــوا إلـــى حـــال سبيلهـــم وهـــم متعجبـــون غايـــة
العجب وكل حكاية أعظم من التي قبلها.
وقـد راح السندبـاد الحمــال إلــى منزلــه وبــات فــي غايــة البســط والانشــراح وهــو متعجــب ولمــا أصبــح
الصبــاح وأضــاء نــوره ولــاح قــام السندبــاد البــري وصلــى الصبــح وتمشــى إلــى أن دخــل دار السندبــاد
البحـري وصبــح عليــه. فرحــب بــه وأمــره بالجلــوس عنــده حتــى جــاءه بقيــة أصحابــه فأكلــوا وشربــوا
===
وتلــــذذوا وطربــــوا ودارت بينهــــم المحادثــــات فابتـــــدأ السندبـــــاد البحـــــري بالكلـــــام. وأدرك شهـــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الحكاية الخامسة من حكايات السندباد البحري وهي السفرة الخامسة
وفي الليلة الخمسين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري ابتــدأ بالكلــام فيمــا جـــرى ومـــا وقـــع لـــه فـــي
الحكايـة الخامســة فقــال اعلمــوا يــا إخوانــي أنــي لمــا رجعــت مــن السفــرة الرابعــة وقــد غرقــت فــي اللهــو
والطـرب والانشـراح وقــد نسيــت جميــع مــا كنــت لقيتــه ومــا جــرى لــي ومــا قاسيتــه مــن شــدة فرحــي
بالمكســب والربــح والفوائــد فحدثتنــي نفســي بالسفـــر والتفـــرج فـــي بلـــاد النـــاس وفـــي الجزائـــر فقمـــت
وهممــت فــي ذلــك الوقــت واشتريــت بضاعـــة تناســـب البحـــر وحزمـــت الحمـــول وســـرت مـــن مدينـــة
بغـــداد وتوجهـــت إلـــى مدينـــة البصـــرة ومشيـــت علـــى جانـــب الساحـــل فرأيــــت مركبــــاً كبيــــراً مليحــــاً
فأعجبنـي فاشتريتـه وكانـت عدتـه جديـدة واكتريــت لــه ريســاً وبحريــة ونظــرت عليــه عبيــدي وغلمانــي
وأنزلـت فيـه حمولـي وجاءنـي جماعـة مــن التجــار فنزلــوا حمولهــم فيــه ودفعــوا لــي الأجــرة وسرنــا ونحــن
فـي غايـة الفـرح والسـرور وقـد استبشرنـا بالسلامـة والكسـب ولـم نـزل مسافريــن مــن جزيــرة إلــى جزيــرة
===
ومـن بحـر إلـى بحـر ونحـن نتفـرج فـي الجـزر والبلـدان ونطلـع إليهـا نبيـع فيهــا ونشتــري ولــم نــزل علــى هــذه
الحالـة إلـى أن وصلنـا يومـاً مـن الأيــام إلــى جزيــرة خاليــة مــن السكــان. وليــس فيهــا أحــد وهــي خــراب
وفيها قبة عظيمة بيضاء كبيرة الحجم فطلعنا نتفرج عليها وإذا هي بيضة رخ كبيرة.
فلمـــا طلـــع التجـــار إليهـــا وتفرجـــوا عليهـــا ولـــم يعلمـــوا أنهـــا بيضـــة رخ فضربوهـــا بالحجـــارة فكســـرت
ونـــزل منهـــا مـــاء كثيـــر وقـــد بـــان منهـــا فـــرخ الـــرخ فسحبـــوه منهـــا وطلعـــوه مـــن تلـــك البيضــــة وذبحــــوه
وأخـذوا منـه لحمـاً كثيـراً وأنـا فـي المركـب ولـم أعلــم ولــم يطلعونــي علــى مــا فعلــوه فعنــد ذلــك قــال لــي
واحــد مــن الركــاب يــا سيــدي قــم تفــرج علــى هــذه البيضــة التــي تحسبنهــا قبــة فقمــت لاتفــرج عليهـــا
فوجــدت التجــار يضربــون البيضــة فصحــت عليهــم لا تفعلــوا هـــذا الفعـــل فيطلـــع طيـــر الـــرخ ويكســـر
مركبنا ويهلكنا فلم يسمعوا كلامي.
فبينمــا هــم علـــى هـــذه الحالـــة وإذا بالشمـــس قـــد غابـــت عنـــا والنهـــار أظلـــم وصـــار فوقنـــا غمامـــة
أظلـم الجـو منهـا فرفعنـا رؤوسنــا لننظــر مــا الــذي حــال بيننــا وبيــن الشمــس فرأينــا أجنحــة الــرخ هــي
التــي حجبــت عنــا ضــوء الشمــس حتــى أظلــم الجــو وذلــك أنــه لمــا جـــاء الـــرخ رأى بيضـــه انكســـرت
تبعنــا وصــاح علينــا فجــاءت رفيقتــه وصــارا حائميـــن علـــى المركـــب يصرخـــان علينـــا بصـــوت أشـــد
مــن الرعــد فصحــت أنــا علــى الريــس والبحريــة وقلــت لهــم: ادفعــوا المركــب واطلبــو السلامــة قبـــل أن
===
فلمــا رآنــا الـــرخ سرنـــا فـــي البحـــر غـــاب عنـــا ساعـــة مـــن الزمـــان وقـــد سرنـــا وأسرعنـــا فـــي السيـــر
بالمركــب نريــد الخلــاص منهمــا والخــروج مــن أرضهمــا وإذا بهمـــا قـــد تبعانـــا وأقبـــلا علينـــا وفـــي رجـــل
كــل واحــد منهمــا صخــرة عظيمــة مــن الجبــل فألقـــى الصخـــرة التـــي كـــان معـــه علينـــا فجـــذب الريـــس
المركـب وقـد أخطأهــا نــزول الصخــرة بشــيء قليــل فنزلــت فــي البحــر تحــت المركــب فقــام بنــا المركــب
وقعد من عظم وقوعها في البحر وقد رأينا قعر البحر من شدة عزمها.
ثــم إن رفيقــة الــرخ ألقــت علينــا الصخــرة التــي معهــا وهــي أصغـــر مـــن الأولـــى فنزلـــت بالأمـــر المقـــدر
علــى مؤخــر المركــب فكسرتــه وطيــرت الدفــة عشريــن قطعــة وقــد غــرق جميــع مــا كـــان فـــي المركـــب
بالبحـر فصـرت أحـاول النجـاة مـن حلـاوة الــروح فقــدر اللــه تعالــى لــي لوحــاً مــن ألــواح المركــب فتعلقــت
فيــه وركبتــه وصــرت أقــذف عليــه برجلــي والريــح والمــوج يساعدانــي علــى السيــر وكــان المركـــب قـــد
غـرق بالقـرب مـن جزيـرة فـي وسـط البحـر فرمتنـي المقاديـر بــإذن اللــه تعالــى إلــى تلــك الجزيــرة فطلعــت
عليهــا وأنــا علـــى آخـــر نفـــس وفـــي حالـــة المـــوت مـــن شـــدة مـــا قاسيتـــه مـــن التعـــب والمشقـــة والجـــوع
والعطش.
ثــم إنــي انطرحــت علــى شاطــئ البحــر ساعــة مــن الزمــان حتــى ارتاحــت نفســي واطمــأن قلبــي ثــم
مشيــت فــي تلــك الجزيـــرة فرأيتهـــا كأنهـــا روضـــة مـــن ريـــاض الجنـــة أشجارهـــا يانعـــة وأنهارهـــا دافقـــة
===
وطيورهــا مغــردة تسبــح مــن لــه العــزة والبقــاء وفــي تلــك الجزيــرة شــيء كثيـــر مـــن الأشجـــار والفواكـــه
وأنـــواع الأزهـــار فعنـــد ذلـــك أكلـــت مـــن الفواكــــه حتــــى شبعــــت وشربــــت مــــن تلــــك الأنهــــار حتــــى
رويت وحمدت الله تعالى على ذلك واثنيت عليه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري حمــد اللــه وأثنــى عليــه وقـــال ولـــم أزل علـــى
هـذه الحالـة قاعـداً فــي الجزيــرة إلــى أن أمســى المســاء وأقبــل الليــل وأنــا مثــل القتيــل ممــا حصــل لــي مــن
التعـب والخـوف ولـم أسمـع فـي تلـك الجزيـرة صوتـاً ولـم أر فيهـا أحـداً ولـم أزل راقـداً فيهـا إلـى الصبــاح
ثـم قمـت علـى حيلـي ومشيـت بيـن تلـك الأشجـار ساقيـة علـى عيـن مـاء جاريـة وعنـد تلـك الساقيــة
شيــخ جالــس مليـــح وذلـــك الشيـــخ مؤتـــزر بـــإزار مـــن ورق الأشجـــار فقلـــت فـــي نفســـي لعـــل هـــذا
الشيـخ طلـع إلـى هـذه الجزيـرة وهـو مـن الغرقــى الذيــن كســر بهــم المركــب ثــم دنــوت منــه وسلمــت عليــه
فـرد الشيـخ علـي السلـام بالإشـارة ولـم يتكلـم فقلـت لـه يـا شيـخ مــا سبــب جلوســك فــي هــذا المكــان
فحــرك رأســه وتأســف وأشــار لــي بيــده يعنــي احملنــي علــى رقبتــك وانقلنــي مــن هــذا المكــان إلـــى
===
جانــب الساقيــة الثانيــة فقلــت فــي نفســي اعمــل مــع هــذا معروفــاً وأنقلــه إلــى المكــان الــذي يريــده لعـــل
ثوابـه يحصـل لـي فتقدمـت إليـه وحملتـه علـى أكتافـي وجئـت إلـى المكـان الـذي أشـار لـي إليـه وقلـت لـه
انزل على مهلـك فلـم ينـزل عـن أكتافـي وقـد لـف رجليـه علـى رقبتـي فنظـرت إلـى رجليـه فرأيتهمـا مثـل
جلــد الجامــوس فــي الســواد والخشونــة ففزعــت منــه وأردت أن أرميــه مــن فــوق أكتافـــي فقـــرط علـــى
رقبتـي برجليـه وخنقنـي بهمــا حتــى اســودت الدنيــا فــي وجهــي وغبــت عــن وجــودي ووقعــت علــى
الـأرض مغشيـاً علـي مثـل الميـت فرفــع ساقيــه وضربنــي علــى ظهــري وعلــى أكتافــي فحصــل لــي ألــم
شديـد فنهضـت قائمـاً بـه وهـو راكـب فــوق أكتافــي وقــد تعبــت منــه فأشــار لــي بيــده أن ادخــل بيــن
الأشجــار فدخلــت إلــى أطيــب الفواكــه وكنــت إذا خالفتــه يضربنــي برجليــه ضربــاً أشــد مــن ضـــرب
الأسواط.
ولـم يـزل يشيـر إلـي بيـده إلـى كــل مكــان أراده وأنــا أمشــي بــه إليــه وإن توانيــت أو تمهلــت يضربنــي وأنــا
معـه شبـه الأسيـر وقـد دخلنـا فـي وسـط الجزيـرة بيـن الأشجـار وصـار يبـول ويغـوط علــى أكتافــي ولا
ينــزل ليــلاً ولا نهــاراً وإذا أراد النــوم يلــف رجليــه علــى رقبتــي وينــام قليــلاً ثــم يقـــوم ويضربنـــي فأقـــوم
مسرعــاً بــه ولا أستطيــع مخالفتــه مــن شــدة مــا أقاســي منــه وقــد لمــت نفســي علــى مــا كــان منــي مــن
حمله والشفقة عليه.
===
ولـم أزل معـه علـى هــذه الحالــة وأنــا فــي أشــد مــا يكــون مــن التعــب وقلــت فــي نفســي أنــا فعلــت مــع
هـذا خيـراً فانقلــب علــي شــراً واللــه مــا بقيــت أفعــل مــع أحــد خيــراً طــول عمــري وقــد صــرت أتمنــى
الموت من الله تعالى في كل وقت وكل ساعة من كثرة ما أنا فيه من التعب والمشقة.
ولــم أزل علــى هــذه الحالــة مــدة مــن الزمــان إلــى أن جئــت بــه يومــاً مــن الأيــام إلـــى مكـــان فـــي الجزيـــرة
فوجــدت فيــه يقطينــاً كثيــراً ومنــه شــيء يابــس فأخــذت منــه واحـــدة كبيـــرة يابســـة وفتحـــت رأسهـــا
وصفيتهـا إلـى شجـرة العنـب فملأتهـا منهـا وسـددت رأسهــا ووضعتهــا فــي الشمــس وتركتهــا مــدة أيــام
حتـى صـارت خمـراً صافيـاً وصـرت كـل يـوم أشــرب منــه لأستعيــن بــه علــى تعبــي مــع ذلــك الشيطــان
المريـد وكلمـا سكـرت منهـا تقـوى همتـي فنظرنـي يومـاً مـن الأيـام وأنــا أشــرب فأشــار لــي بيــده مــا هــذا
فقلت له هذا شيء مليح يقوي القلب ويشرح الخاطر.
ثـــم إنـــي جريـــت بـــه ورقصـــت بيـــن الأشجــــار وحصــــل لــــي نشــــوة مــــن السكــــر فصفقــــت وغنيــــت
وانشرحــت فلمــا رآنــي علـــى هـــذه الحالـــة أشـــار لـــي أن أناولـــه اليقطينـــة ليشـــرب منهـــا فخفـــت منـــه
وأعطيتهــا لــه فشــرب مــا كــان باقيــاً فيهــا ورماهــا علــى الــأرض وقــد حصــل لـــه طـــرب فصـــار يهتـــز
علـى أ: تافـي ثـم إنـه سكـر وغـرق فـي السكـر وقـد ارتخـت جميـع أعضائـه وفرائصـه وصـار يتمايـل مـن
فــوق أكتافــي فلمــا علمــت بسكــره وأنــه غــاب عــن الوجــود مــددت يــدي إلــى رجليـــه وفككتهمـــا مـــن
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والخمسين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري لمــا ألقــى الشيطــان عــن أكتافــه علــى الـــأرض
قـال فمـا صدقـت أن خلصــت نفســي ونجــوت مــن الأمــر الــذي كنــت فيــه ثــم إنــي خفــت منــه أي يقــوم
مــن سكــره ويؤذينــي وأخــذت صخــرة عظيمــة مــن بيــن الأشجــار وجئــت إليــه فضربتــه علـــى رأســـه
وهـو نائـم فاختلـط لحمــه بدمــه وقــد قتــل فــلا رحمــة اللــه عليــه وبعــد ذلــك مشيــت فــي الجزيــرة وقــد
ارتـاح خاطـري وجئـت إلـى المكـان الـذي كنـت فيـه علـى ساحـل البحـر ولـم أزل فـي تلـك الجزيــرة آكــل
مــن أثمارهــا وأشــرب مــن أنهارهــا مــدة مــن الزمــان وأنــا أترقــب مركبــاً يمــر علــي إلــى أن كنــت جالســـاً
يومـاً مـن الأيـام متفكـراً فيمــا جــرى لــي ومــا كــان مــن أمــري وأقــول فــي نفســي يــا تــرى هــل يبقينــي اللــه
سالماً ثم أعود إلى بلادي وأجتمع بأهلي وأصحابي
وإذا بمركـب قـد أقبـل مـن وسـط البحـر العجـاج المتلاطــم بالأمــواج ولــم يــزل سائــراً حتــى رســى علــى
تلـك الجزيــرة وطلــع منــه الركــاب إلــى الجزيــرة فمشيــت إليهــم فلمــا نظرونــي أقبلــوا علــي كلهــم مسرعيــن
واجتمعـوا حولـي وقـد سألونـي عـن حالـي ومـا سبـب وصولـي إلــى تلــك الجزيــرة فأخبرتهــم بأمــري ومــا
===
جـرى لــي فتعجبــوا مــن ذلــك غايــة العجــب وقالــوا إن هــذا الرجــل الــذي ركــب علــى أكتافــك يسمــى
شيـخ البحـر ومـا أحـد دخـل تحـت أغضائـه وخلــص منــه إلا أنــت والحمــد للــه علــى سلامتــك ثــم إنهــم
جـاؤوا إلـي بشـيء مـن الطعـام فأكلـت حتـى اكتفيـت وأعطونــي شيئــاً مــن الملبــوس لبستــه وستــرت بــه
عورتي.
ثـم أخذونـي معهـم فـي المركـب وقـد سرنـا أيامـاً وليالـي فرمتنــا المقاديــر علــى مدينــة عاليــة البنــاء جميــع
بيوتهــا مطلــة علــى البحــر وتلـــك المدينـــة يقـــال لهـــا مدينـــة القـــرود وإذا دخـــل الليـــل يأتـــي النـــاس الذيـــن
هـم ساكنـون فـي تلـك المدينـة فيخرجــون مــن هــذه الأبــواب التــي علــى البحــر ثــم ينزلــون فــي زوارق
ومراكـب ويبيتـون فـي البحـر خوفـاً مـن القـرود أن ينزلـوا عليهـم فـي الليـل مـن الجبـال فطلعــت أتفــرج فــي
تلـك المدينـة فسافـر المركـب ولـم أعلــم فندمــت علــى طلوعــي إلــى تلــك المدينــة وتذكــرت رفقتــي ومــا
جرى لي مع القرود أولاً وثانياً فقعدت أبكي وأنا حزين.
فتقــدم إلــي رجــل مــن أصحــاب هــذه البلــد. وقــال يــا سيــدي كأنــك غريــب فــي هــذه الديــار فقلـــت
نعـم أنــا غريــب ومسكيــن وكنــت فــي مركــب قــد رســى علــى تلــك المدينــة فطلعــت منــه لأتفــرج فــي
المدينــة وعــدت إليــه فلــم أره. فقــال قــم وســر معنــا انــزل الــزورق فإنـــك إن قعـــدت فـــي المدينـــة ليـــلاً
أهلكتــك القــرود فقلـــت لـــه سمعـــاً وطاعـــة وقمـــت مـــن وقتـــي وساعتـــي ونزلـــت معهـــم فـــي الـــزورق
===
فلمـا أصبـح الصبـاح رجعـوا بالـزورق إلــى المدينــة وطلعــوا وراح كــل واحــد منهــم إلــى شغلــه ولــم تــزل
هـذه عادتهـم كـل ليلـة وكـل مـت تخلـف منهـم فـي المدينـة بالليــل جــاء إليــه القــرود وأهلكــوه وفــي النهــار
تطلـع القـرود إلـى خـارج المدينـة فيأكلـون مـن أثمـار البساتيـن ويرقـدون فـي الجبـال إلــى وقــت المســاء ثــم
يعـودون إلـى المدينـة وهـذه المدينـة فــي أقصــى بلــاد الســودان ومــن أعجــب مــا وقــع لــي مــن أهــل هــذه
المدينـة أن شخصـاً مـن الجماعـة الذيـن بـت معهـم فـي الـزورق قـال لـي يـا سيـدي أنـت غريـب فـي هــذه
الديــار فهــل لــك صنعــة تشتغــل فيهــا فقلــت لا واللــه يــا أخــي ليــس لــي صنعــة ولســـت أعـــرف عمـــل
شــيء وأنــا رجــل تاجــر صاحــب مــال ونــوال وكــان لــي مركــب ملكــي مشحونــاً بأمــوال كثيــرة وبضائـــع
فكسر في البحـر وغـرق جميـع مـا كـان فيـه ومـا نجـوت مـن الغـرق إلا بـإذن اللـه فرزقنـي اللـه بقطعـة لـوح
ركبتهـا فكانـت السبـب فـي نجاتـي مـن الغـرق فعنـد ذلـك قـام الرجـل وأحضـر لـي مخلــاة مــن قطــن وقــال
لــي خــذ هــذه المخلــاة واملأهــا حجــارة زلــط مــن هــذه المدينــة واخـــرج مـــع جماعـــة مـــن أهـــل المدينـــة
وأنـا أرافقـك بـه وأوصيهـم عليـك وافعـل كمـا يفعلـون فلعلـك أن تعمــل بشــيء تستعيــن بــه علــى سفــرك
وعودتك إلى بلادك.
ثـم إن ذلـك الرجــل أخذنــي وأخرجنــي إلــى خــارج المدينــة فنقيــت حجــارة صغيــرة مــن الزلــط وملــأت
تلـك المخلـاة وإذا بجماعــة خارجيــن مــن المدينــة فأرفقنــي بهــم وأوصاهــم علــي وقــال لهــم هــذا رجــل
===
غريـب فخـذوه معكـم وعلمـوه اللقـط فلعلــه يعمــل بشــيء يتقــوت بــه ويبقــى لكــم الأجــر والثــواب فقالــوا
سمعـاً وطاعــة ورحبــوا بــي وأخذونــي معهــم وســاروا وكــل واحــد منهــم معــه مخلــاة مثــل المخلــاة التــي
معـي مملــوءة زلطــاً ولــم نــزل سائريــن إلــى أن وصلنــا إلــى واد واســع فيــه أشجــار كثيــرة عاليــة لا يقــدر
أحد على أن يطلع عليها وفي تلك الوادي قرود كثيرة.
فلمــا رأتنــا هــذه القــرود نفــرت منــا وطلعــت تلــك الأشجــار فصــاروا يرجمــون القــرود بالحجـــارة التـــي
معهــم فــي المخالــي والقــرود تقطــع مــن ثمــار تلــك الأشجــار وترمــي بهــا هـــؤلاء الرجـــال فنظـــرت تلـــك
الثمــار التــي ترميهــا القــرود وإذا هــي جــوز هنــدي فلمــا رأيــت ذلــك العمــل مــن القــوم اختــرت شجـــرة
عظيمـة عليهـا قـرود كثيـرة وجئــت إليهــا وصــرت أرجــم هــذه القــرود فتقطــع ذلــك الجــوز وترمينــي بــه
فأجمعه كما يفعل القوم فما فرغت الحجارة من مخلاتي حتى جمعت شيئاً كثيراً.
فلمـا فــرغ القــوم مــن هــذا العمــل لمــوا جميــع مــا كــان معهــم وحمــل كــل واحــد منهــم مــا أطاقــه ثــم عدنــا
إلـى المدينـة فـي باقـي يومنـا فجئـت إلـى الرجــل صاحبــي الــذي أرفقنــي بالجماعــة وأعطيتــه جميــع مــا
جمعـت وشكـرت فضلـه فقـال لـي خـذ هـذا بعـه وانتفـع بثمنـه ثـم أعطانـي مفتـاح مكـان فــي داره وقــال
لـي ضـع فـي هــذا المكــان هــذا الــذي بقــي معــك مــن الجــوز واطلــع فــي كــل يــوم مــع الجماعــة مثــل مــا
طلعــت هــذا اليــوم والــذي تجــيء بــه ميــز منــه الــرديء وبعــه وانتفــع بثمنــه واحفظــه عنــدك فـــي هـــذا
===
المكـان فلعلـك تجمـع منـه شيئـاً يعينـك علـى سفــرك فقلــت لــه أجــرك علــى اللــه تعالــى وفعلــت مثــل مــا
قـال لـي ولـم أزل فـي كــل يــوم أمــلأ المخلــاة مــن الحجــارة وأطلــع مــع القــوم وأعمــل مثــل مــا يعملــون وقــد
صاروا يتواصون بي ويدلوننـي علـى الشجـرة التـي فيهـا الثمـر الكثيـر ولـم أزل علـى هـذا الحـال مـدة مـن
الزمـان وقـد اجتمــع عنــدي شــيء كثيــر مــن الجــوز الهنــدي الطيــب وبعــت شيئــاً كثيــراً وكثــر عنــدي
ثمنـه وصـرت أشتـري كـل شـيء رأيتــه ولــاق بخاطــري وقــد صفــا وقتــي وزاد فــي المدينــة حظــي ولــم
أزل على هذه الحالة مدة من الزمان.
فبينمــا أنــا واقــف علــى جانــب البحــر وإذا بمركــب قــد ورد إلــى تلــك المدينــة ورســى علــى الساحــل
وفيهـــا تجـــار معهـــم بضائـــع فصـــاروا يبيعـــون ويشتـــرون ويقايضـــون علـــى شــــيء مــــن الجــــوز الهنــــدي
وغيــره فجئــت عنــد صاحبــي وأعلمتــه بالمركــب الــذي جــاء وأخبرتــه بأنــي أريـــد السفـــر إلـــى بلـــادي
فقــال الــرأي لــك فودعتــه وشكرتــه علــى إحسانــه لـــي ثـــم إنـــي جئـــت عنـــد المركـــب وقابلـــت الريـــس
واكتريت معه وأنزلت ما كان معي من الجوز وغيره في ذلك المركب وقد ساروا بالمركب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد الخمسمائة
===
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري لمــا نــزل مــن مدينــة القــرود فــي المركــب وأخــذ
مـا كـان معـه مـن الجـوز الهنـدي وغيـره واكتـرى مـع الريـس قـال وقـد سـاروا بالمركـب فـي ذلـك اليـوم ولـم
نـزل سائريـن مـن جزيـرة إلــى جزيــرة ومــن بحرإلــى بحــر إلــى أن وصلنــا البصــرة فطلعــت فيهــا وأقمــت بهــا
مـدة يسيـرة ثـم توجهـت إلــى مدينــة بغــداد ودخلــت حارتــي وجئــت إلــى بيتــي وسلمــت علــى أهلــي
وأصحابـــي فهنونـــي بالسلامـــة وخزنـــت جميـــع مـــا كـــان معـــي مـــن البضائـــع والأمتعـــة وكســـوت الأيتـــام
والأرامــل وتصدقــت ووهبــت وهاديــت أهلــي وأصحابــي وأحبابــي وقــد عــوض اللــه علــي بأكثــر ممــا
راح منـي أربـع مـرات وقـد نسيـت مـا جـرى لـي ومـا قاسيتـه مـن التعــب بكثــرة الربــح والفوائــد وعــدت
لمـا كنـت عليــه فــي الزمــن الــأول مــن المعاشــر والصحبــة وهــذا أعجــب مــا كــان مــن أمــري فــي السفــرة
الخامسـة ولكـن تعشـوا وفـي غـد تعالـوا أخبركـم بمـا كـان فــي السفــرة السادســة فإنهــا أعجــب مــن هــذه
فعند ذلك مدوا السماط وتعشوا.
فلمــا فرغـــوا مـــن العشـــاء أمـــر السندبـــاد للحمـــال بمائـــة مثقـــال مـــن الذهـــب فأخذهـــا وانصـــرف وهـــو
متعجــب مــن ذلــك الأمــر وبــات السندبــاد الحمــال فــي بيتــه ولمــا أصبــح الصبـــاح قـــام وصلـــى الصبـــح
ومشـى إلـى أن وصـل إلـى دار السندبـاد البحـري فدخـل عليـه وأمــره بالجلــوس فجلــس عنــده ولــم يــزل
يتحدث معه حتى جاء بقية أصحابه فتحدثوا ومدوا السماط وشربوا وتلذذوا وطربوا.
===
وابتــدأ السندبــاد البحــري يحدثهــم بحكايــة السفـــرة السادســـة فقـــال لهـــم اعلمـــوا يـــا إخوانـــي وأحبائـــي
وأصحابـي أنـي لمـا جئـت مـن تلـك السفــرة الخامســة ونسيــت مــا كنــت قاسيتــه بسبــب اللهــو والطــرب
والبسـط والانشـراح وأنـا فـي غايـة الفـرح والسـرور ولـم أزل علـى هــذه الحالــة إلــى أن جلســت يومــاً مــن
الأيام في حظ وسرور وانشراح زائد.
فبينمــا أنــا جالــس إذا بجماعــة مــن التجــار وردوا علــي وعليهــم آثــار السفــر فعنــد ذلــك تذكـــرت أيـــام
قدومــي مــن السفــر وفرحــي بدخولــي بلقــاء أهلــي وأصحابــي وأحبائـــي وفرحـــي ببلـــادي فاشتاقـــت
نفســي إلــى السفــر والتجــارة فعزمــت علــى السفــر واشتريــت لــي بضائــع نفيســـة فاخـــرة تصلـــح للبحـــر
وحملــت حمولــي وسافــرت مــن مدينــة بغــداد إلـــى مدينـــة البصـــرة فرأيـــت سفينـــة عظيمـــة فيهـــا تجـــار
وأكابــر ومعهــم بضائــع نفيســـة فنزلـــت حمولـــي معهـــم فـــي هـــذه السفينـــة وسرنـــا بالسلامـــة مـــن مدينـــة
البصرة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن السندبــاد البحــري لمــا جهــز حمولــه ونزلهــا فــي المركــب مــن مدينــة
===
البصـــرة وسافـــر قـــال ولـــم نـــزل مسافريـــن مـــن مكـــان إلـــى مكـــان ومـــن مدينـــة إلـــى مدينـــة ونحـــن نبيـــع
ونشتـــري ونتفـــرج علـــى بلـــاد النـــاس وقـــد طـــاب لنـــا السعـــد والسفـــر واغتنمنـــا المعـــاش إلـــى أن كنــــا
سائريــن يومــاً مــن الأيــام وإذا بريــس المركــب صــرخ وصــاح ورمـــى عمامتـــه ولطـــم علـــى وجهـــه ونتـــف
لحيته ووقع في بطن المركب من شدة الغم والقهر.
فاجتمـع عليـه جميـع التجـار والركــاب وقالــوا لــه يــا ريــس مــا الخبــر فقــال لهــم الريــس اعلمــوا يــا جماعــة
أننـا قـد تهنـا بمركبنـا وخرجنـا مـن البحـر الـذي كنـا فيـه ودخلنـا بحـر لـم نعـرف طرقـه وإذا لـم يقيـض اللـه
لنـا شيئـاً يخلصنـا مــن هــذا البحــر هلكنــا جميعــاً فادعــوا اللــه تعالــى أن ينجينــا مــن هــذا الأمــر ثــم إن
الريـــس قـــام وصعــــد علــــى الصــــاري وأراد أن يحــــل القلــــوع فقــــوي الريــــح علــــى المركــــب فــــرده علــــى
مؤخــره فانكســرت دفتــه قــرب جبــل عــال فنــزل الريـــس مـــن الصـــاري وقـــال لا حـــول ولا قـــوة إلا باللـــه
العلـي العظيـم لا يقـدر أحـد أن يمنـع المقـدور واعلمـوا أننــا قــد وقعنــا فــي مهلكــة عظيمــة ولــم يبــق لنــا
منهـــا خلـــاص ولا نجـــاة فبكـــى جميــــع الركــــاب علــــى أنفسهــــم وودع بعضهــــم بعضــــاً لفــــراغ أعمارهــــم
وانقطـع رجاؤهـم ومـال المركـب علـى ذلـك الجبــل فانكســر وتفرقــت الواحــة فغــرق جميــع مــا فيــه ووقــع
التجـار فـي البحـر فمنهــم مــن غــرق ومنهــم مــن تمســك بذلــك الجبــل وطلــع عليــه وكنــت أنــا مــن جملــة
مــن طلــع علــى ذلــك الجبــل وإذا فيــه جزيــرة كبيـــرة عندهـــا كثيـــر مـــن المراكـــب المكســـرة وفيهـــا أرزاق
===
كثيــرة علــى شاطــئ البحــر مــن الــذي يطرحــه البحــر مــن المراكــب التــي كســرت وغــرق ركابهـــا وفيهـــا
شيء كثير يحير العقل والفكر من المتاع والأموال التي يلقيها البحر على جوانبها.
فعنــد ذلــك طلعــت علــى تلــك الجزيــرة ومشيــت فيهــا. فرأيــت فــي وسطهــا عيـــن مـــاء عـــذب حـــار
خـارج مـن تحـت أول ذلـك الجبـل وداخـل فــي آخــره مــن الجانــب الثانــي فعنــد ذلــك طلــع جميــع الركــاب
علـى ذلـك الجبـل إلـى الجزيـرة وانتشـروا فيهــا وقــد ذهلــت عقولهــم مــن ذلــك وصــاروا مثــل المجانيــن مــن
كثـرة مـا أروا فـي الجزيـرة مـن الأمتعـة والأمـوال علـى ساحـل البحـر. وقـد رأيـت فـي وسـط تلــك العيــن
شيئـاً كثيـراً مـن أصنـاف الجواهـر والمعـادن واليواقيــت اللآلــئ الكبــار الملوكيــة وهــي مثــل الحصــى فــي
مجاري الماء في تلك الغيطان وجميع أرض تلك العين تبرق من كثرة ما فيها من المعادن وغيرها.
ورأينـا كثيـراً فـي تلـك الجزيـرة مـن أعلـى العــود العــود الصينــي والعــود القمــاري وفــي تلــك الجزيــرة عيــن
نابعـة مـن صنـف العنبـر الخـام وهـو يسيـل مثـل الشمـع علـى جانــب تلــك مــن شــدة حــر الشمــس ويمتــد
علـى ساحـل البحـر فتطلـع الهوايـش مـن البحـر وتبتلعـه وتنـزل فــي البحــر فيحمــي فــي بطونهــا فتقذفــه
مـن أفواههـا فـي البحـر فيجمــد علــى وجــه المــاء فعنــد ذلــك يتغيــر لونــه وأحوالــه فتقذفــه الأمــواج إلــى
جانب البحر فيأخذه السواحون والتجار الذين يعرفونه فيبيعونه.
وأمــا العنبــر الخالــص مــن الابتلــاع فإنــه يسيــل علــى جانـــب تلـــك العيـــن ويتجمـــد بأرضـــه وإذا طلعـــت
===
عليــه الشمـــس يسيـــح وتبقـــى منـــه رائحـــة ذلـــك الـــوادي كلـــه مثـــل المســـك وإذا زالـــت عنـــه الشمـــس
يجمـد وذلـك المكـان الـذي هـو فيــه هــذا العنبــر الخــام لا يقــدر أحــد علــى دخولــه ولا يستطيــع سلوكــه
فــإن الجبــل محــاط بتلــك الجزيــرة ولا يقــدر أحــد علــى صعــود الجبــل ولــم نــزل دائريــن فــي تلــك الجزيــرة
نتفـرج علـى مـا خلـق اللـه تعالـى فيهـا مـن الـأرزاق ونحـن متحيـرون مــن أمرنــا وفيمــا نــراه وعندنــا خــوف
شديد.
وقـد جمعنـا علـى جانـب الجزيــرة شيئــاً قليــلاً مــن الــزاد فصرنــا نوفــره ونأكــل منــه فــي كــل يــوم أو يوميــن
أكلــة واحــدة ونحــن خائفــون أن يفــرغ الــزاد منــا فنمــوت كمــداً مــن شــدة الجــوع والخــوف وكــل مــن مـــات
منـا نغسلــه ونكفنــه فــي ثيــاب وقمــاش مــن الــذي يطرحــه البحــر علــى جانــب الجزيــرة حتــى مــات منــا
خلــق كثيــر ولــم يبــق منــا إلا جماعــة قليلــة فضعفنــا بوجــع البطــن مــن البحــر وأقمنــا مـــدة قليلـــة فمـــات
جميــع أصحابــي ورفقائــي واحــداً بعــد واحــد وكــل مــن مــات منهــم ندفنـــه وبقيـــت فـــي تلـــك الجزيـــرة
وحــدي وبقــي معــي زاد قليــل بعــد أن كــان كثيــراً فبكيــت علــى نفســـي وقلـــت يـــا ليتنـــي مـــت قبـــل
رفقائي وكانوا غسلوني ودفنوني فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحــري لمــا دفــن رفقـــاءه جميعـــاً وصـــار فـــي الجزيـــرة
وحـده قـال: ثـم إنـي أقمـت مـدة يسيـرة ثـم قمـت حفـرت لنفسـي حفـرة عميقــة فــي جانــب تلــك الجزيــرة
وقلـت فـي نفسـي إذا ضعفـت وعلمــت أن المــوت قــد أتانــي أرقــد فــي هــذا القبــر فأمــوت فيــه ويبقــى
الريـح يسـف الرمـل علـي فيغطينـي وأصيـر مدفونـاً فيـه وصـرت ألـوم نفسـي علـى قلــة عقلــي وخروجــي
مــن بلــادي ومدينتــي وسفــري إلــى البلــاد بعــد الـــذي قاسيتـــه أولاً وثانيـــاً وثالثـــاً ورابعـــاً وخامســـاً ولا
سفــرة مــن الأسفــار إلا وأقاســي فيهــا أهــوالاً وشدائــداً أشــق وأصعــب مــن الأهـــوال التـــي قبلهـــا ومـــا
أصـــدق بالنجـــاة والسلامـــة وأتـــوب عـــن السفـــر فـــي البحـــر وعـــن عـــودي إليـــه ولســـت محتاجــــاً لمــــال
وعنـدي شـيء كثيـر والـذي عنـدي لا أقـدر أن أفنيــه ولا أضيــع نصفــه فــي باقــي عمــري وعنــدي مــا
يكفينـي وزيـادة ثـم إنـي تفكـرت فـي نفسـي وقلـت واللـه لابـد أن هـذا النهـر لــه أول وآخــر ولابــد لــه مــن
مكـان يخـرج منـه إلـى العمـار والـرأي السديـد عنـدي أن أعمـل لـي فلكــاً صغيــراً علــى قــدر مــا أجلــس
فيـه وأنـزل وألقيـه فـي هـذا النهـر وأسيـر بـه فـإن وجـدت خلاصـاً أخلـص وأنجـو بـإذن اللـه تعالـى وإن لـم
أجد لي خلاصاً أموت داخل هذا النهر أحسن من هذا المكان وصرت أتحسر على نفسي.
ثــم إنــي قمــت وسعيــت فجمعـــت أخشابـــاً مـــن تلـــك الجزيـــرة مـــن خشـــب العـــود الصينـــي والقمـــاري
وشددتهـا علـى جانــب البحــر بحبــال المراكــب التــي كســرت وجئــت بألــواح مساويــة مــن ألــواح المراكــب
===
ووضعتهـا فـي ذلـك الخشـب وجعلـت ذلـك الفلـك فـي عـرض ذلــك النهــر أو أقــل مــن عرضــه وشددتــه
طيبـاً مكينـاً وقـد أخـذت معـي مـن تلـك المعـادن والجواهــر والأمــوال واللؤلــؤ الكبيــر الــذي مثــل الحصــى
وغيــر ذلــك مــن الــذي فــي تلــك الجزيــرة وشيئــاً مــن العنبــر الخــام الخالــص الطيــب ووضعتــه فــي ذلـــك
الفلـك ووضعـت فيـه جميـع مـا جمعتـه مـن الجزيـرة وأخـذت معــي جميــع مــا كــان باقيــاً مــن الــزاد ثــم إنــي
ألقيــت ذلــك الفلــك فــي هــذا النهــر وجعلــت لــه خشبتيــن علــى جنبيــه مثـــل المجاديـــف وعملـــت بقـــول
بعض الشعراء:
ترحـل عـن مكــان فيــه ضيــم وخـل الـدار تنعـي مــن بناهــا
فإنــك واجــد أرضــاً بـــأرض ونفسك لم تجـد نفسـاً سواهـا
ولا تجــــــزع لحادثــــــة الليالــــــي فكــل مصيبـــة يأتـــي انتهاهـــا
ومـــن كانـــت منيتــــه بــــأرض فليس يموت في أرض سواهـا
ولا تبعـث رسولـك فــي مهــم فمــا لنفــس ناصحــة سواهـــا
وســرت بذلــك الفلــك فــي النهــر وأنــا متفكــر فيمــا يصيــر إليــه أمــري ولــم أزل سائــراً إلــى المكــان الــذي
يدخـل فيـه النهـر تحـت ذلــك الجبــل وأدخلــت الفلــك فــي هــذا المكــان وقــد صــرت فــي ظلمــة شديــدة
فأخذتنـي سنـة مـن النـوم مـن شـدة القهـر فنمـت علـى وجهـي فـي الفلـك ولـم يـزل سائـراً بـي وأنـا نائــم لا
===
أدري بكثيــر ولا قليــل حتــى استيقظــت فوجــدت نفســـي فـــي النـــور ففتحـــت عينـــي فرأيـــت مكانـــاً
واسعــاً وذلــك الفلــك مربــوط علـــى جزيـــرة وحولـــي جماعـــة مـــن الهنـــود والحبشـــة فلمـــا رأونـــي قمـــت
نهضـوا إلـي وكلمونـي بلسانهـم فلـم أعـرف مـا يقولـون وبقيـت أظـن أنـه حلـم وأن هـذا فـي المنـام مـن شـدة
ما كنت فيه من الضيق والقهر.
فلمـا كلمونـي ولـم أعـرف حديثهـم ولـم أرد عليهـم جوابـاً تقـدم إلـي رجـل منهـم وقـال لــي بلســان عربــي
السلـام عليـك يـا أخانـا مـن أنـت ومــن أيــن جئــت ومــا سبــب مجيئــك إلــى هــذا المكــان ونحــن أصحــاب
الـــزرع والغيطـــان وجئنـــا لنسقـــي غيطاننـــا وزرعنـــا فوجدنـــاك نائمـــاً فـــي الفلـــك فأمسكنـــاه وربطنـــاه
عندنـا حتـى تقـوم علـى مهلـك فأخبرنــا مــا سبــب وصولــك إلــى هــذا المكــان فقلــت لــه باللــه عليــك يــا
سيـدي ائتنــي بشــيء مــن الطعــام فإنــي جائــع وبعــد ذلــك اسألنــي عمــا تريــد فأســرع وأتانــي بالطعــام
فأكلــت حتــى شبعــت واسترحــت وسكــن روعــي وازداد شبعــي وردت لــي روحــي فحمــدت اللـــه
تعالـى علـى كـل حـال وفرحـت بخروجـي مـن ذلـك النهـر ووصولـي إليهــم وأخبرتهــم بجميــع مــا جــرى لــي
من أوله إلى آخره وما لقيته في ذلك النهار وضيقه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا طلـــع مـــن الفلـــك علـــى جانــــب الجزيــــرة
ورأى فيها جماعة من الهنود والحبشة واستراح من تعبه سألوه عن خبره فأخبرهم بقصته.
ثـم إنهـم تكلمــوا مــع بعضهــم وقالــوا لابــد أن نأخــذه معنــا ونعرضــه علــى ملكنــا ليخبــره بمــا جــرى لــه.
قـال: فأخذونـي معهـم وحملـوه معـي الفلـك بجميـع مــا فيــه مــن المــال والنــوال والجواهــر والمعــادن والمصــاغ
وأدخلونـي علـى ملكهـم وأخبـروه بمـا جـرى فسلـم علـي ورحـب بـي وسألنـي عـن حالــي ومــا اتفــق لــي
مـن الأمـور فأخبرتـه بجميـع مـا كــان مــن أمــري ومــا لاقيتــه مــن أولــه إلــى آخــره فتعجــب الملــك مــن هــذه
الحكاية غاية العجب وهنأني بالسلامة.
فعنــد ذلــك قمــت واطلعــت مــن ذلــك الفلــك شيئــاً كثيــراً مــن المعــادن والجواهــر والعــود والعنبــر الخـــام
وأهديتــه إلــى الملــك. فقبلــه منــي وأكرمنــي إكرامــاً زائــداً وأنزلنـــي فـــي مكـــان عنـــده وقـــد صاحبـــت
أخيارهـم وأكابرهــم وأعزونــي معــزة عظيمــة وصــرت لا أفــارق دار الملــك وصــار الــواردون إلــى تلــك
الجزيـرة يسألوننـي عـن أمــور بلــادي فأخبرهــم بهــا. وكذلــك أسألهــم عــن أمــور بلادهــم فيخبرونــي بهــا
إلـى أن سألنـي ملكهـم يومـاً مـن الأيــام عــن أحــوال بلــادي. وعــن أحــوال حكــم الخليفــة فــي بلــاد مدينــة
بغـداد فأخبرتـه بعدلـه فـي أحكامـه فتعجـب مـن أمـوره وقـال لـي واللـه إن هــذا الخليفــة لــه أمــور عقليــة
وأحـوال مرضيـة وأنـت قـد حببتنـي فيـه ومــرادي أن أجهــز لــه هديــة وأرسلهــا معــك إليــه فقلــت سمعــاً
===
وطاعــة يــا مولانــا أوصلهــا إليــه وأخبــره أنــك محــب صــادق ولــم أزل مقيمــاً عنــد ذلــك الملــك وأنـــا فـــي
غايــة العــز والإكــرام وحســن المعيشــة مـــدة مـــن الزمـــان إلـــى أن كنـــت جالســـاً يومـــاً مـــن الأيـــام فـــي دار
الملـك فسمعـت بخبــر جماعــة مــن تلــك المدينــة أنهــم جهــزوا لهــم مركبــاً يريــدون السفــر فيــه إلــى نواحــي
مدينة البصرة فقلت في نفسي ليس لي أوفق من السفر مع هؤلاء الجماعة.
فأسرعـت مــن وقتــي وساعتــي وقبلــت يــد ذلــك الملــك وأعلمتــه بــأن مــرادي السفــر مــع الجماعــة فــي
المركـب الــذي جهــزوه لأنــي اشتقــت إلــى أهلــي وبلــادي فقــال لــي الملــك الــرأي لــك وإن شئــت الإقامــة
عندنــا فعلــى الــرأس والعيــن وقــد حصـــل لنـــا أنســـك فقلـــت واللـــه يـــا سيـــدي لقـــد غمرتنـــي بجميلـــك
وإحسانك ولكن قد اشتقت إلى أهلي وبلادي وعيالي.
فلمـا سمـع كلامـي أحضـر التجــار الذيــن جهــزوا المركــب وأوصاهــم علــي ووهــب لــي شيئــاً كثيــراً مــن
عنــده ودفــع عنــي أجــرة المركــب وأرســل معــي هديـــة عظيمـــة إلـــى الخليفـــة هـــارون الرشيـــد بمدينـــة
بغداد.
ثــم إنــي ودعـــت الملـــك ووعـــدت جميـــع أصحابـــي الذيـــن كنـــت أتـــردد عليهـــم ثـــم نزلـــت المركـــب مـــع
التجــار وسرنــا وقــد طـــاب لنـــا الريـــح والسفـــر ونحـــن متوكلـــون علـــى اللـــه سبحانـــه وتعالـــى ولـــم نـــزل
مسافريـن مـن بحـر إلـى بحـر ومـن جزيـرة إلـى جزيـرة إلـى أن وصلنـا بالسلامـة بـإذن اللـه إلـى مدينـة البصــرة
===
فطلعـت مـن المركـب ولـم أزل مقيمـاً بــأرض البصــرة أيامــاً وليالــي حتــى جهــزت نفســي وحملــت حمولــي
وتوجهــت إلــى مدينــة بغــداد دار السلــام فدخلــت علــى الخليفــة هــارون الرشيـــد وقدمـــت إليـــه تلـــك
الهدية وأخبرته بجميع ما جرى لي.
ثـم خزنـت جميـع أموالـي وأمتعتــي ودخلــت حارتــي وجاءنــي أهلــي وأصحابــي وفرقــت الهدايــا علــى
جميـع أهلـي وتصدقـت ووهبـت وبعــد مــدة مــن الزمــان أرســل إلــي الخليفــة فسألنــي عــن سبــب تلــك
الهديـة ومـن أيـن هـي فقلــت: يــا أميــر المؤمنيــن واللــه لا أعــرف المدينــة التــي هــي منهــا اسمــاً ولا طريقــاً
ولكـن لمـا غـرق المركـب الـذي كنـت فيــه طلعــت علــى جزيــرة وصنعــت لــي فلكــاً ونزلــت فيــه فــي نهــر
كــان فــي وســط الجزيــرة وأخبرتــه بمــا جــرى لــي فيهــا وكيــف كــان خلاصــي مــن ذلــك النهــر إلــى تلــك
المدينــــة وبمــــا جــــرى لــــي فيهــــا وبسبــــب إرســــال الهديــــة فتعجــــب مــــن ذلــــك غايــــة العجـــــب وأمـــــر
المؤرخـون أن يكتبــوا حكايتــي ويجعلوهــا فــي خزائنــه ليعتبــر بهــا كــل مــن رآهــا ثــم إنــه أكرمنــي إكرامــاً
زائداً.
أقمـت بمدينـة بغـداد علــى مــا كنــت عليــه فــي الزمــن الــأول ونسيــت جميــع مــا جــرى لــي ومــا قاسيتــه
مـن أولـه إلـى آخـره ولـم أزل فـي لـذة عيـش ولهـو وطـرب فهـذا مـا كـان مـن أمــري فــي السفــرة السادســة
يـا إخوانـي وإن شــاء اللــه تعالــى فــي غــد أحكــي لكــم حكايــة السفــر السابعــة فإنهــا أعجــب وأغــرب
===
مـن هـذه السفـرات ثـم إنــه أمــر بمــد السمــاط وتعشــوا عنــده وأمــر السندبــاد البحــري للسندبــاد الحمــال
بمائة مثقال من الذهب فأخذها وانصرف الجماعة وهم متعجبون من ذلك غاية العجب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الحكاية السابعة من حكايات السندباد البحري وهي السفرة السابعة
وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا حكـــى حكايـــة سفرتـــه السادســـة وراح
كــل واحــد إلــى حــال سبيلــه بــات السندبــاد الحمـــال فـــي منزلـــه ثـــم صلـــى الصبـــح وجـــاء إلـــى منـــزل
السندباد البحري وأقبل الجماعة.
فلمـا تكلمـوا ابتـدأ السندبـاد البحـري بالكلـام فــي حكايــة السفــرة السابعــة وقــال اعلمــوا يــا جماعــة أنــي
لمـــا رجعـــت مـــن السفـــرة السادســـة وعـــدت لمـــا كنـــت عليـــه فـــي الزمـــن الـــأول وأنــــا متواصــــل الهنــــاء
والسـرور ليـلاً ونهـاراً وقـد حصــل لــي مكاســب كثيــرة وفوائــد عظيمــة فاشتاقــت نفســي إلــى الفرجــة
فـي البلـاد وإلـى ركـوب البحـر وعشــرة التجــار وسمــاع الأخبــار فهممــت بذلــك الأمــر وحزمــت أحمــالاً
بحريــة مــن الأمتعــة الفاخــرة وحملتهــا مــن مدينــة بغــداد إلــى مدينــة البصــرة فرأيــت مركبــاً محضــراً للسفـــر
===
وفيــه جماعــة مــن التجــار العظــام فنزلـــت معهـــم واستأنســـت بهـــم وسرنـــا بسلامـــة وعافيـــة قاصديـــن
السفـر وقـد طـاب لنـا الريـح حتـى وصلنـا إلـى مدينــة الصيــن ونحــن فــي غايــة الفــرح والســرور نتحــدث
مع بعضنا في أمر السفر والمتجر.
فبينمــا نحــن علــى هــذه الحالــة وإذا بريــح عاصــف هــب مــن مقــدم المركــب ونـــزل علينـــا مطـــر شديـــد
حتـى ابتلينـا وابتلـت حمولنـا فغطينــا الحمــول باللبــاد والخيــش خوفــاً علــى البضاعــة مــن التلــف بالمطــر
وصرنــا ندعــوا اللــه تعالــى ونتضــرع إليــه فــي كشــف مــا نــزل بنــا ممــا نحــن فيــه فعنـــد ذلـــك قـــام ريـــس
المركـب وشـد حزامـه وتشمـر وطلــع علــى الصــاري وصــار يلتفــت يمينــاً وشمــالاً وبعــد ذلــك نظــر إلــى
أهـل المركـب ولطـم علـى وجهـه ونتـف لحيتــه فقلنــا يــا ريــس مــا الخبــر فقــال لنــا اطلبــوا مــن اللــه تعالــى
النجـاة ممـا وقعنـا وابكـوا علـى أنفسكـم وودعـوا بعضكـم واعلمـوا أن الريـح قـد غلـب علينـا ورمانــا فــي
آخر بحار الدنيا.
ثــم إن الريــس نــزل مــن فــوق الصــاري وفتــح صندوقــه وأخـــرج منـــه كيســـاً قطنـــاً وفكـــه وأخـــرج منـــه
ترابـاً مثـل الرمـاد وبلـه بالمـاء وصبـر عليـه قليـلاً وشمـه ثــم إنــه أخــرج مــن ذلــك الصنــدوق كتابــاً صغيــراً
وقـرأ فيـه وقـال لنـا اعلمـوا يـا ركـاب أن فـي هـذا الكتـاب أمـراً عجيبـاً يـدل علـى أن كـل مـن وصــل إلــى
هـذه الـأرض لـم ينـج منهـا بـل يهلـك فـإن هــذه الــأرض تسمــى إقليــم الملــوك وفيهــا قبــر سيدنــا سليمــان
===
بـن داود عليهمـا السلـام وفيـه حيــات عظــام الخلقــة هائلــة المنظــر فكــل مركــب وصــل إلــى هــذا الإقليــم
يطلع له حوت من البحر فيبتلعه بجميع ما فيه.
فلمــا سمعنــا هــذا الكلــام مــن الريــس تعجبنــا غايـــة العجـــب مـــن حكايتـــه فلـــم يتـــم الريـــس كلامـــه لنـــا
حتــى صــار المركــب يترفـــع بنـــا عـــن المـــاء ثـــم ينـــزل وسمعنـــا صرخـــة عظيمـــة مثـــل الرعـــد القاصـــف
فارتعبنــا منهــا وصرنــا كالأمــوات وأيقنــا بالهلــاك فــي ذلــك الوقــت وإذا بحــوت قـــد أقبـــل علـــى المركـــب
كالجبـل العالــي ففزعنــا منــه وقــد بكينــا علــى أنفسنــا بكــاء شديــداً وتجهزنــا للمــوت وصرنــا ننظــر إلــى
ذلـك الحـوت ونتعجـب مـن خلقتــه الهائلــة وإذا بحــوت ثــان قــد أقبــل علينــا فمــا رأينــا أعظــم خلقــة منــه
ولا أكبر.
فعنــد ذلــك ودعنــا بعضنــا ونحــن نبكـــي علـــى أرواحنـــا وإذا بحـــوت ثالـــث قـــد أقبـــل وهـــو أكبـــر مـــن
الاثنيــن اللذيــن جــاءا قبلــه وصرنــا لا نعــي ولا نعقــل وقــد اندهشــت عقولنــا مــن شـــدة الخـــوف والفـــزع
ثـم إن هـذه الحيتــان الثلاثــة صــاروا يــدورون حــول المركــب وقــد أهــوى الحــوت الثالــث ليبتلــع المركــب
بكــل مــا فيــه وإذا بريــح عظيــم ثــار فقــام المركــب ونــزل علــى شعــب عظيــم فانكســر وتفرقـــت جميـــع
الألواح وغرقت جميع الحمول والتجار والركاب في البحر.
فخلعـت أنـا جميـع مـا علـي مـن الثيـاب ولـم يبـق علـي غيـر ثـوب واحـد ثـم عمــت قليــلاً فلحقــت لوحــاً
===
مــن ألــواح المركــب وتعلقــت بــه ثــم إنــي طلعــت عليــه وركبتــه وقـــد صـــارت الأمـــواج والأريـــاح تلعـــب
بـي علـى وجـه المـاء وأنـا قابـض علـى ذلـك اللـوح والمـوج يرفعنـي ويحطنـي وأنـا فــي أشــد مــا يكــون مــن
المشقـة والخـوف والجـوع والعطـش وصـرت ألـوم نفسـي علــى مــا فعلتــه وقــد تعبــت نفســي بعــد الراحــة
وقلـت لروحـي يـا سندبــاد يــا بحــري أنــت لــم تتــب كــل مــرة تقاســي فيهــا الشدائــد والتعــب ولــم تتــب
عــن سفــر البحــر وإن تبــت تكــذب فــي التوبــة فقــاس كــل مــا تلقـــاه فإنـــك تستحـــق جميـــع مـــا يحصـــل
لك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن السندبـاد البحــري لمــا غــرق فــي البحــر ركــب لوحــاً مــن الخشــب
وقـال فـي نفسـه أستحـق جميـع مـا يجـري لـي وكـل هـذا مقـدر علـي مـن اللـه تعالـى حتـى أرجـع عمـا أنـا
فيــه مــن الطمــع وهــذا الــذي أقاسيــه مــن طمعــي فــإن عنــدي مــالاً كثيــراً ثـــم إنـــه قـــال وقـــد رجعـــت
لعقلـي وقلـت إنـي فـي هـذه السفـرة قـد تبـت إلـى اللـه تعالـى توبـة نصوحـاً عـن السفـر ومـا بقيـت عمــري
أذكره على لساني ولا علـى بالـي ولـم أزل أتضـرع إلـى اللـه تعالـى وأبكـي ثـم إنـي تذكـرت فـي نفسـي مـا
===
كنــت فيــه مــن الراحــة والســرور واللهــو والطــرب والانشــراح ولــم أزل علــى هــذه الحالــة أول وثانــي يـــوم
إلـى أن طلعـت علـى جزيـرة عظيمـة فيهـا شـيء كثيـر مـن الأشجـار والأنهـار فصــرت آكــل مــن ثمــر تلــك
الأشجــار وأشــرب مــن مــاء تلــك الأنهــار حتــى انتعشــت وردت لــي روحــي وقويــت همتــي وانشــرح
صـدري ثـم مشيـت فــي الجزيــرة فرأيــت فــي جانبهــا الثانــي نهــراً عظيمــاً مــن المــاء العــذب ولكــن ذلــك
النهر يجري جرياً قوياً:
فتذكـرت أمـر الفلـك الـذي كنـت فيـه سابقـاً وقلـت فـي نفسـي لابـد أن أعمـل لـي فلكــاً مثلــه لعلــي أنجــو
مـن هـذا الأمـر فـإن نجـوت بـه حصـل المـراد وتبـت إلــى اللــه تعالــى مــن السفــر وإن هلكــت ارتــاح قلبــي
مــن التعــب والمشقــة ثــم إنــي قمــت فجعلــت أخشابــاً مــن تلــك الأشجــار مــن خشـــب الصنـــدل العـــال
الـــذي لا يوجـــد مثلـــه وأنـــا لا أدري أي شـــيء هـــو ولمــــا جمعــــت تلــــك الأخشــــاب تخليــــت بأغصــــان
ونبـات مـن هــذه الجزيــرة وفتلتهــا مثــل الحبــال وشــددت بهــا الفلــك وقلــت إن سلمــت فمــن اللــه ثــم إنــي
أنزلـت فـي ذلـك الفلـك وسـرت بـه فـي ذلـك النهـر حتـى خرجـت مـن آخـر الجزيـرة ثــم بعــدت عنهــا ولــم
أزل سائـراً أول يـوم وثانـي يـوم وثالـث يـوم بعـد مفارقــة الجزيــرة وأنــا نائــم ولــم آكــل فــي هــذه المــدة شيئــاً
ولكـــن إذا عطشـــت شربـــت مـــن ذلـــك النهـــر وصـــرت مثـــل الفـــرخ الدايـــخ مـــن شــــدة التعــــب والجــــوع
حتى انتهى بي الفلك إلى جبل عال والنهر داخل من تحته.
===
فلمــا رأيــت ذلـــك خفـــت علـــى نفســـي مـــن الضيـــق الـــذي كنـــت أنـــا فيـــه أول مـــرة فـــي النهـــر السابـــق
وأردت أن أوقـف الفلـك وأطلـع منـه إلـى جانــب الجبــل فغلبنــي المــاء فجــذب الفلــك وأنــا فيــه ونــزل بــه
حــت الجبــل فلمــا رأيــت ذلــك أيقنــت بالهلــاك وقلــت لا حــول ولا قــوة إلا باللــه العلــي العظيــم ولــم يـــزل
الفلــك سائــراً مسافــة يسيــرة ثــم طلــع إلــى مكــان واســع وإذا هــو واد كبيــر والمــاء يهــدر فيــه ولـــه دوي
مثــل دوي الرعــد وجريــان مثــل جريــان الريــح فصــرت قابضــاً علــى ذلــك الفلــك بيــدي وأنـــا خائـــف أن
أقــع فوقــه والأمــواج تلعــب يمينــاً وشمــالاً فــي وســط ذلــك المكــان ولـــم يـــزل الفلـــك منحـــدراً مـــع المـــاء
الجاري في ذلـك الـوادي وأنـا لا أقـدر علـى منعـه ولا أستطيـع الدخـول بـه فـي جهـة البـر إلـى أن رسـى
بي على جانب مدينة عظيمة المنظر مليحة البناء فيها خلق كثير.
فلمـا رأونـي وأنـا فـي ذلـك الفلـك منحـدر فـي وسـط النهـر مـع التيـار رمــوا علــي الشبكــة والحبــال فــي
ذلـك الفلـك ثـم أطلعـوا الفلـك مـن ذلـك النهـر إلـى البـر فسقطـت بينهــم وأنــا مثــل الميــت مــن شــدة الجــوع
والسهر والخـوف فتلقانـي مـن بيـن هـؤلاء الجماعـة رجـل كبيـر فـي السـن وهـو شيـخ عظيـم ورحـب بـي
ورمى لي ثيابـاً كثيـرة جميلـة فستـرت بهـا عورتـي ثـم إنـه أخذنـي وسـار بـي وأدخلنـي الحمـام وجـاء لـي
بالأشربـة والروائـح الذكيـة ثـم بعـد خروجنـا مـن الحمـام أخذنـي إلـى بيتـه وأدخلنـي فيـه ففــرح بــي أهــل
بيته ثـم أجلسنـي فـي مكـان ظريـف وهيـأ لـي شيئـاً مـن الطعـام الفاخـر فأكلـت حتـى شبعـت وحمـدت
===
وبعـــد ذلـــك قـــدم لـــي غلمانـــه مـــاء ساخنـــاً فغسلـــت يـــدي وجاءنــــي حواريــــه بمناشــــف مــــن الحريــــر
فنشفـت يـدي ومسحـت فمـي ثـم إن ذلـك الشيـخ قـام مــن وقتــه وأخلــى لــي مكانــاً منفــرداً وحــده فــي
جانــب داره وألــزم غلمانــه وجواريــه بخدمتــي وقضــاء حاجتــي وجميــع مصالحــي فصـــاروا يتعهدوننـــي
ولــم أزل علــى هــذه الحالــة عنــده فــي دار الضيافــة ثلاثــة أيــام وأنــا علــى أكــل طيـــب وشـــرب طيـــب
ورائحة طيبة حتى ردت لي روحي وسكن روعي وهدأ قلبي وارتاحت نفسي.
فلمـا كـان اليـوم الرابـع تقـدم إلـي الشيـخ وقـال لـي آنستنـا يـا ولــدي والحمــد للــه علــى سلامتــك فهــل لــك
أن تقـوم مــع إلــى ساحــل البحــر وتنــزل الســوق فتبيــع البضاعــة وتقبــض ثمنهــا لعلــك تشتــري بهــا شيئــاً
تتجر فيه.
فسكــت قليــلاً وقلــت فــي نفســي ليــس معــي بضاعــة ومــا سبــب هــذا الكلــام قــال الشيــخ يــا ولـــدي
لا تهتـم ولا تفكـر فقـم بنـا إلـى السـوق فـإن رأينـا مــن يعطيــك فــي بضاعتــك ثمنــاً يرضيــك أقبضــه لــك
وإن لـم يجـيء فيهـا شـيء يرضيـك أحفظهـا لـك عنـدي فـي حواصلـي حتــى تجــيء أيــام البيــع والشــراء
فتفكـرت فـي أمـري وقلـت لعقلــي طاوعــه حتــى تنظــر أي شــيء تكــون هــذه البضاعــة ثــم إنــي قلــت
لـه سمعـاً وطاعـة يـا عـم الشيـخ والـذي تفعلـه فيـه البركـة ولا يمكننـي مخالفتـك فـي شـيء ثـم إنـي جئـت
معـه إلـى السـوق فوجدتـه قـد فـك الفلـك الــذي جئــت فيــه وهــو مــن خشــب الصنــدل وأطلــق المنــادي
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والخمسين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن السندبـــاد البحـــري لمـــا ذهـــب مـــع الشيـــخ إلـــى شاطـــئ البحـــر
ورأى الفلــك الــذي جــاء فيــه مــن خشــب الصنــدل مفكوكــاً وراء الدلـــال يدلـــل عليـــه التجـــار وفتحـــوا
بـاب سعـره وتزايـدوا فيـه إلـى أن بلــغ ثمنــه ألــف دينــار وبعــد ذلــك توقــف التجــار عــن الزيــادة فالتفــت
لـي الشيــخ وقــال اسمــع يــا ولــدي هــذا سعــر بضاعتــك فــي مثــل هــذه الأيــام فهــل تبيعهــا بهــذا السعــر
أو تصبــر وأنــا احفظهــا لــك عنــدي فــي حواصلــي حتــى يجــيء أوان زيادتهــا فــي الثمـــن فنبيعهـــا لـــك
فقلــت لــه يــا سيــدي الأمــر أمــرك فافعــل مــا تريــد فقــال يــا ولـــدي أتبيعنـــي هـــذا الخشـــب بزيـــادة مائـــة
دينار ذهباً فوق ما أعطى فيه التجار فقلت له بعتك وقبضت الثمن.
فعنـد ذلـك أمـر غلمانـه بنقـل الخشـب إلـى حواصلـه ثـم إنـي رجعـت معــه إلــى بيتــه فجلسنــا وعــد لــي
جميــع ثمــن ذلــك الخشــب وأحضــر لــي أكياســاً ووضــع المــال فيهــا وقفــل عليهــا بقفــل حديـــد وأعطانـــي
مفتاحـه وبعـد مـدة أيـام وليالـي قـال الشيـخ يــا ولــدي إنــي أعــرض عليــك شيئــاً وأشتهــي أن تطاوعنــي
فيـه فقلـت لـه ومـا ذاك الأمـر فقـال لـي اعلـم أنـي بقيـت رجـلاً كبيـر السـن وليـس لــي ولــد ذكــر وعنــدي
===
بنــت صغيــرة الســن ظريفــة الشكــل لهـــا مـــال كثيـــر وجمـــال فأريـــد أن أزوجهـــا لـــك وتقعـــد معهـــا فـــي
بلادنــا ثــم إنــي أملكــك جميــع مــا هــو عنــدي ومــا تمسكــه يــدي فإنــي بقيــت رجــلاً كبيــراً وأنــت تقــوم
مقامـي فسكـت ولـم أتكلـم فقـال لـي أطعنـي يـا ولـدي فـي الـذي أقولـه لــك فــإن مــرادي لــك الخيــر فــإن
أطعتنـي زوجتـك ابنتـي وتبقـى مثـل ولـدي وجميـع مـا فـي يــدي ومــا هــو ملكــي يصيــر لــك وإن أردت
التجارة والسفر إلى بلادك لا يمنعك أحد وهذا مالك تحت يدك فافعل به ما تريد وما تختاره.
فقلــت لــه واللــه يــا عــم الشيــخ أنــت أمــرت مثــل والــدي وأنــا قاسيــت أهــوالاً كثيــرة ولـــم يبـــق لـــي رأي
ولا معرفة فالأمر أمرك في جميع ما تريد.
فعنــد ذلــك أمــر الشيــخ غلمانــه بإحضــار القاضـــي والشهـــود فأحضرهـــم وزوجنـــي ابنتـــه وعمـــل لنـــا
وليمـة عظيمـة وفرحـاً كبيــراً وأدخلنــي عليهــا فرأيتهــا فــي غايــة الحســن والجمــال بقــد واعتــدال وعليهــا
شــيء كثيــر مــن أنــواع الحلــي والحلــل والمعــادن والمصــاغ والعقــود والجواهــر الثمينــة التــي قيمتهـــا ألـــوف
الألوف من الذهب ولا يقدر أحد على ثمنها.
فلمـا دخلـت عليهـا أعجبتنـي ووقعـت المحبـة بيننـا وأقمـت معهـا مــدة مــن الزمــان وأنــا فــي غايــة الأنــس
والانشــراح وقــد توفــي والدهــا إلــى رحمــة اللــه تعالــى فجهزنــاه ودفنــاه ووضعــت يــدي علـــى مـــا كـــان
معـه وصـار جميـع غلمانـه غلمانـي وتحـت يـدي فــي خدمتــي وولانــي التجــار مرتبتــه لأنــه كــان كبيرهــم
===
فلمـا خالطــت أهــل تلــك المدينــة وجدتهــم تنقلــب حالتهــم فــي كــل شهــر فتظهــر لهــم أجنحــة يطيــرون
بهـا إلـى عنـان السمـاء ولا يبقـى متخلفـاً فـي ذلـك المدينــة غيــر الأطفــال والنســاء فقلــت فــي نفســي إذا
جــاء رأس الشهــر أســأل أحــداً منهــم فلعلهــم يحملونــي معهــم إلـــى أيـــن يروحـــون فلمـــا جـــاء رأس ذلـــك
الشهـر تغيـرت ألوانهـم وانقلبـت صورهـم فدخلـت علـى واحــد منهــم وقلــت لــه باللــه عليــك أن تحملنــي
معـك حتـى أتفـرج وأعـود معكـم فقـال لـي هـذا شـيء لا يمكـن فلـم أزل أتداخـل عليـه حتـى أنعـم علـي
بذلـك وقـد رافقتهـم وتعلقـت بـه فطـار بـي فـي الهـواء ولـم أعلـم أحـداً مـن أهــل بيتــي ولا مــن غلمانــي
ولا مـن أصحابـي ولـم يـزل طائـراً بـي ذلـك الرجـل وأنـا علـى أكتافـه حتــى عــلا بــي فــي الجــو فسمعــت
تسبيـح الأملـاك فـي قبــة الأفلــاك فتعجبــت مــن ذلــك وقلــت سبحــان اللــه فلــم أستتــم التسبيــح حتــى
خرجـت نـار مـن السمـاء كـادت تحرقهـم فنزلـوا جميعـاً وألقونـي علـى جبـل عــال وقــد صــاروا فــي غلبــة
الغيـظ منـي وراحــوا وخلونــي فصــرت وحــدي فــي ذلــك الجبــل فلمــت نفســي علــى مــا فعلــت وقلــت
لا حـول ولا قـوة إلا باللـه العلـي العظيــم إنــي كلمــا أخلــص مــن مصيبــة أقــع فــي مصيبــة أقــوى منهــا ولــم
أزل فــي ذلــك ولا أعلــم أيــن أذهــب وإذا بغلاميــن سائريــن كأنهمـــا قمـــران وفـــي يـــد كـــل واحـــد منهمـــا
قضيب من ذهب يتعكز عليه.
فتقدمـــت إليهمــــا وسلمــــت عليهمــــا فــــردا علــــي السلــــام فقلــــت لهمــــا باللــــه عليكمــــا مــــن أنتمــــا ومــــا
===
شأنكمـا فقـالا لـي نحـن مـن عبـاد اللـه تعالـى ثــم إنهمــا أعطيانــي قضيبــاً مــن الذهــب الأحمــر الــذي كــان
معهمــا وانصرفــا فــي حــال سبيلهمــا وخليانــي فصـــرت أسيـــر علـــى رأس الجبـــل وأنـــا أتعكـــز بالعكـــاز
وأتفكـر فـي أمـر هذيـن الغلاميـن وإذا بحيـة قـد خرجـت مــن تحــت ذلــك الجبــل وفــي فمهــا رجــل بلعتــه
إلـى تحـت صرتـه وهـو يصيـح ويقـول مـن يخلصنــي يخلصــه اللــه مــن كــل شــدة فتقدمــت إلــى تلــك الحيــة
وضربتهــــا بالقضيــــب الذهبــــي علــــى رأسهــــا فرمــــت الرجــــل مــــن فمهــــا. وأدرك شهــــرزاد الصبـــــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السندبــاد البحـــري لمـــا ضـــرب الحيـــة بالقضيـــب الذهـــب الـــذي
كـان بيـده وألقـت الرجـل مـن فمهـا قــال فتقــدم إلــي الرجــل وقــال حيــث كــان خلاصــي علــى يديــك مــن
هـذه الحيـة فمـا بقيـت أفارقـك وأنـت صـرت رفيقـي فـي هـذا الجبـل فقلـت لـه مرحبـاً وسرنـا فـي ذلــك
الجبـل وإذا بقـوم أقبلـوا علينـا فنظـرت إليهـم فـإذا فيهـم الرجـل الـذي كـان حملنـي علـى أكتافـه وطـار بــي
فتقدمـــت إليـــه واعتـــذرت لـــه وتلطفــــت بــــه وقلــــت لــــه يــــا صاحبــــي مــــا هكــــذا تفعــــل الأصحــــاب
بأصحابهـم فقـال لـي الرجـل أنـت الــذي أهلكتنــا بتسبيحــك علــى ظهــري فقلــت لــه لا تؤاخذنــي فإنــي
===
لـم أكـن أعلـم بهـذا الأمـر ولكننـي لا أتكلـم بعـد ذلـك أبـداً فسمـح بأخـذي معـه ولكـن اشتـرط علــي أن
لا أذكـر اللـه ولا أسبحـه علـى ظهــره ثــم إنــه حملنــي وطــار بــي مثــل الــأول حتــى أوصلنــي إلــى منزلــي
فتلقتنـي زوجتـي وسلمـت علـي وهنتنــي بالسلامــة وقالــت لــي احتــرس مــن خروجــك بعــد ذلــك مــع
هــؤلاء الأقــوام ولا تعاشرهــم فإنهــم إخــوان الشياطيـــن ولا يعلمـــون ذكـــر اللـــه تعالـــى فقلـــت لهـــا كيـــف
حــال أبيــك معهــم فقالــت لــي إن أبــي ليـــس منهـــم ولا يعمـــل مثلهـــم والـــرأي عنـــدي حيـــث مـــات أبـــي
أنـك تبيـع جميـع مـا عندنـا وتأخـذ بثمنـه بضائـع ثــم تسافــر إلــى بلــادك وأهلــك وأنــا أسيــر معــك وليــس
لي حاجة بالقعود هنا في هذه المدينة بعد أمي وأبي.
فعنـد ذلــك صــرت أبيــع مــن متــاع ذلــك الشيــخ شيئــاً بعــد شــيء وأنــا أترقــب أحــداً يسافــر مــن تلــك
المدينــة وأسيــر معــه فبينمــا أنــا كذلــك وإذا بجماعــة فــي المدينــة أرادوا السفــر ولـــم يجـــدوا لهـــم مركبـــاً
فاشتروا خشباً وصنعوا لهم مركباً كبيراً فاكتريت معهم ودفعت إليهم الأجرة بتمامها.
ثـم نزلـت زوجتـي وجميـع مـا كـان معنـا فـي المركـب وتركنــا الأملــاك والعقــارات فسرنــا ولــم نــزل سائريــن
فـي البحـر مـن جزيـة إلـى جزيـرة ومـن بحـر إلـى بحـر وقـد طـاب لنــا ريــح السفــر حتــى وصلنــا بالسلامــة
إلـى مدينـة البصـرة فلـم أقـم بهـا بـل اكتريـت مركبــاً آخــر ونقلــت إليــه جميــع مــا كــان معــي وتوجهــت إلــى
مدينــة بغــداد ثــم دخلــت حارتــي وجئــت داري وقابلــت أهلــي وأصحابــي وأحبابــي وخزنــت جميــع
===
مـا كـان معـي مـن البضائــع فــي حواصلــي وقــد حســب أهلــي مــدة غيابــي عنهــم فــي السفــرة السابعــة
فوجدوها سبعاً وعشرين سنة حتى قطعوا الرجاء مني.
فلمـا جئـت وأخبرتهـم بجميـع مـا كــان مــن أمــري ومــا جــرى لــي صــاروا كلهــم يتعجبــون مــن ذلــك الأمــر
عجبـاً كبيـراً وقـد هنونـي بالسلامـة ثـم إنـي تبـت إلـى اللـه تعالـى عـن السفـر فـي البـر والبحـر بعـد هــذه
السفـرة السابعـة التــي هــي غايــة السفــرات وقاطعــة الشهــوات وشكــرت اللــه سبحانــه وتعالــى وحمدتــه
وأثنيـت عليـه حيـث أعادنـي إلـى أهلـي وبلـادي وأوطانـي فانظـر يـا سندبـاد يـا بــري مــا جــرى لــي ومــا
وقـع لـي ومـا كـان مـن أمـري فقــال السندبــاد البــري للسندبــاد البحــري باللــه عليــك لاتؤاخذنــي بمــا كــان
منـي فـي حقـك ولـم يزالـوا فـي مـودة مـع بسـط زائـد وفـرح وانشـراح إلـى أن أتاهـم هـادم اللـذات ومفـرق
الجماعات ومخرب القصور ومعمر القبور وهو كأس الموت فسبحان الحي الذي لا يموت.
===
حكاية في شأن الجن والشياطين المسجونين في القماقم
من عهد سليمان عليه الصلاة والسلام
بلغنــي أيضــاً أنــه كـــان فـــي قديـــم الزمـــان وسالـــف العصـــر والـــأوان بدمشـــق الشـــام ملـــك مـــن الخلفـــاء
يسمــــى عبــــد الملــــك بــــن مــــروان وكــــان جالســــاً يومــــاً مــــن الأيـــــام وعنـــــده أكابـــــر دولتـــــه مـــــن الملـــــوك
والسلاطيــن فوقعــت بينهــم مباحثــة فــي حديــث الأمــم السالفــة وتذكــروا أخبــار سيدنــا سليمـــان بـــن
داود عليهمـا السلـام ومـا أعطـاه اللـه تعالـى مـن الملـك والحكـم فـي الإنـس والجـن والطيــر والوحــش وغيــر
ذلـك وقالـوا قـد سمعنـا ممـن كــان قبلنــا أن اللــه سبحانــه وتعالــى لــم يعــط أحــد مثــل مــا أعطــى سيدنــا
سليمـان وأنـه وصـل إلـى شـيء لـم يصـل إليـه أحـد حتـى أنـه كـان يسجـن الجــن والمــردة والشياطيــن فــي
قماقـــم مــــن النحــــاس ويسبــــك عليهــــم بالرصــــاص ويختــــم عليهــــم بخاتمــــة. وأدرك شهــــرزاد الصبــــاح
فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الخليفـــة عبـــد الملـــك بـــن مـــروان لمـــا تحـــدث مـــع أعوانـــه وأكابـــر
===
دولتــه وتذكــروا سيدنــا سليمــان ومــا أعطــاه اللــه مــن الملــك قــال أنــه وصــل إلــى شــيء لــم يصــل غليــه
أحـد حتـى أنـه كـان يسجـن المـردة والشياطيـن فـي قماقـم مـن النحـاس ويسبـك عليهـم بالرصـاص ويختـم
عليهـم بخاتمـة وأخبـر طالـب أن رجـلاً نـزل فـي مركـب مـع جماعـة وانحــدروا إلــى بلــاد الهنــد ولــم يزالــوا
سائريـن حتـى طلـع عليهـم ريـح فوجههـم ذلـك الريـح إلـى أرض مـن أراضــي اللــه تعالــى وكــان ذلــك فــي
سواد الليل.
فلمــا أشــرق النهــار خــرج إليهــم مــن مغــارات تلــك الــأرض أقـــوام ســـود الألـــوان عـــراة الأجســـاد كأنهـــم
وحــوش لا يفقهــون خطابــاً لهــم ملــك مــن جنسهــم وليــس منهــم أحــد يعــرف العربيــة غيــر ملكهــم فلمــا
رأوا المركـب ومـن فيهـا خـرج إليهـم فـي جماعــة مــن أصحابــه فسلــم عليهــم ورحــب بهــم وسألهــم عــن
دينهــم فأخبــروه بحالهــم فقــال لهــم لا بــأس عليكــم وحيــن سألهــم عــن دينهــم كــان كــل منهــم علــى ديــن
من الأديان سألهم عن دين الإسلام وعن بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فقــال أهــل المركــب نحــن لا نعــرف مــا تقــول ولا نعــرف شيئــاً مــن هــذا الديـــن فقـــال لهـــم الملـــك إنـــه لـــم
يصـل إلينـا أحـد مـن بنـي آدم قبلكـم ثـم إنــه ضيفهــم بلحــم الطيــور والوحــوش والسمــك لأنــه ليــس لهــم
طعـام غيـر ذلـك ثـم إن أهـل المركـب نزلـوا يتفرجــون فــي تلــك المدينــة فوجــدوا بعــض الصياديــن أرخــى
شبكتــه فــي البحــر ليصطــاد سمكــاً ثـــم رفعهـــا فيهـــا قمقـــم مـــن نحـــاس مرصـــص مختـــوم عليـــه بخاتـــم
===
سليمــان بــن داود عليهمــا السلــام فخــرج بــه الصيــاد وكســره فخـــرج منـــه دخـــان أزرق التحـــق بعنـــان
السمـاء فسمعنـا صوتـاً منكـراً يقـول التوبـة التوبـة يـا نبـي اللـه ثـم صـار مــن ذلــك الدخــان شخــص هائــل
المنظر مهول الخلقة تلحق رأسه الجبل ثم غاب عن أعينهم.
فأمــا أهــل المركـــب فكـــادت تنخلـــع قلوبهـــم وأمـــا الســـودان فلـــم يفكـــروا فـــي ذلـــك فرجـــع رجـــل إلـــى
الملــك وسألــه عــن ذلــك فقـــال لـــه اعلـــم أن هـــذا مـــن الجـــن الذيـــن كـــان سليمـــان بـــن داود إذا غضـــب
عليهــم سجنهــم فــي هــذه القماقــم ورصــص عليهــم ورماهــم فــي البحــر فــإذا رمــى الصيــاد الشبكـــة
يطلــع بهــا القماقــم فــي غالــب الأوقــات فــإذا كســرت يخــرج منهــا جنــي ويخطــر ببالــه أن سليمــان حـــي
فيتـوب ويقـول التوبـة يــا نبــي اللــه فتعجــب أميــر المؤمنيــن عبــد الملــك بــن مــروان مــن هــذا الكلــام وقــال
سبحـان اللـه لقـد أوتـي سليمـان ملكـاً عظيمـاً وكـان ممـن حضـر فـي ذلـك المجلـس النابغــة الذبيانــي فقــال
طالب فيما أخبرته والديل على صدقه قول الحكيم الأول:
وفـي سليمـان إذ قـال الإلـه لـه قم بالخلافة واحكم حكم مجتهد
فمن أطاعك فأكرمـه بطاعتـي ومن أبى عنك فاحبسه إلى الأبد
وكـان يجعلهـم فـي قماقـم مـن النحـاس ويرميهـم فـي البحــر فاستحســن أميــر المؤمنيــن هــذا الكلــام وقــال
واللــه إنــي لأشتهــي أن أرى شيئــاً مــن هــذه القماقــم فقــال لــه طالــب بــن سهـــل يـــا أميـــر المؤمنيـــن إنـــك
===
قـادر علـى ذلـك وأنـت مقيـم فـي بلـادك فأرســل إلــى أخيــك عبــد العزيــز بــن مــروان أن يأتيــك بهــا مــن
بلـاد الغــرب بــأن يكتــب إلــى موســى أن يركــب مــن بلــاد الغــرب إلــى هــذا الجبــل الــذي ذكرنــاه ويأتيــك
مــن هــذه القماقــم بمــا تطلــب فــإن البــر متصــل مــن آخــر ولايتــه بهــذا الجبــل فاستصــوب أميــر المؤمنيـــن
رأيـه وقـال يـا طالـب صدقـت فيمـا قلتـه وأريـد أن تكـون أنـت رسولـي إلـى موسـى بـن نصيـر فـي هـذا
الأمـر ولــك الرايــة البيضــاء وكــل مــا تريــده مــن مــال أو جــاه أو غيــر ذلــك وأنــا خليفتــك فــي أهلــك قــال
حباً وكرامة يا أمير المؤمنين فقال له سر على بركة الله تعالى وعونه.
ثـم أمـر أن يكتبـوا لـه كتابـاً لأخيـه عبـد العزيــز نائبــه فــي مصــر وكتابــاً آخــر إلــى موســى نائبــه فــي بلــاد
الغــرب يأمــره بالسيــر فــي طلــب القماقــم السليمانيــة بنفســه ويستخلــف ولــده علــى البلــاد ويأخــذ معــه
الأدلة وينفق المال وليستكثر من الرجال ولا يلحقه في ذلك فترة ولا يحتج بحجة.
ثـم ختـم الكتابيـن وسلمهمـا إلـى طالــب بــن سهــل وأمــره بالسرعــة ونصــب الرايــات علــى رأســه ثــم إن
الخليفـة أعطـاه الأمـوال والركائـب والرجـال ليكونــوا أعوانــاً لــه فــي طريقــه وأمــر بإجــراء النفقــة علــى بيتــه
مــن كــل مــا يحتــاج إليــه وتوجــه طالــب يطلــب مصــر. وأدرك شهــرزاد الصبـــاح فسكتـــت عـــن الكلـــام
المباح.
===
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن طالــب بــن سهــل ســار هــو وأصحابــه يقطعــون البلــاد مــن الشــام
إلــى أن دخلــوا مصــر فتلقــاه أميــر مصــر وأنزلــه عنــده وأكرمــه غايــة الإكــرام فــي مـــدة إقامتـــه عنـــده ثـــم
بعث معه دليلاً إلى الصعيد الأعلى حتى وصلوا إلى الأمير موسى بن نصير.
فلمــا علــم بــه خــرج إليــه وتلقــاه وفــرح بـــه فناولـــه الكتـــاب فأخـــذه وقـــرأه وفهـــم معنـــاه ووضعـــه علـــى
رأسـه وقـال سمعــاً وطاعــة لأميــر المؤمنيــن ثــم إنــه اتفــق رأيــه علــى أن يحضــر أربــاب دولتــه فحضــروا
فسألهــم عمــا بــدا لهــم فــي الكتــاب فقالــوا أيهــا الأميــر إن أردت مــن يدلــك علــى طريـــق ذلـــك المكـــان
فعليــك بالشيــخ عبــد الصمـــد بـــن عبـــد القـــدوس الصمـــودي فإنـــه رجـــل عـــارف وقـــد سافـــر كثيـــراً
خبيـر بالبــراري والقفــار والبحــار وسكانهــا وعجائبهــا والأرضيــن وأقطارهــا فعليــك بــه فإنــه يرشــدك
إلى ما تريده.
فأمـر بإحضـاره فحضـر بيـن يديـه فـإذا هـو شيـخ كبيـر قـد أهرمـه تـداول السنيــن والأعــوام فسلــم عليــه
الأميـر موسـى وقـال لــه يــا شيــخ عبــد إن مولانــا أميــر المؤمنيــن عبــد الملــك بــن مــروان قــد أمرنــا بكــذا
وكــذا وأنــا قليــل المعرفــة بتلــك الــأرض وقــد قيــل لــي أنـــك عـــارف بتلـــك البلـــاد والطرقـــات فهـــل لـــك
رغبة في قضاء حاجة أمير المؤمنين.
فقــال الشيــخ اعلــم أيهــا الأميــر أن هــذه الطريــق وعــرة بعيــدة الغيبــة قليلــة المسالــك فقــال لــه الأميــر كـــم
===
مسيــرة مسافتهــا فقــال مسيــرة سنتيــن ذهابــاً ومثلهــا إيابــاً وفيهـــا شدائـــد وأهـــوال وغرائـــب وعجائـــب
وأنـــت رجـــل مجاهـــد وبلادنـــا بالقـــرب مـــن العـــدو فربمـــا تخـــرج النصـــارى فـــي غيبتــــك والواجــــب أن
تستخلـف فـي مملكتـك مـن يدبرهـا قـال نعـم فاستخلـف ولـده هــارون عوضــاً عنــه فــي مملكتــه وأخــذ
عليـه عهـداً وأمـر الجنـود أن لا يخالفـون بـل يطاوعـوه فـي جميـع مـا يأمرهـم بــه فسمعــوا كلامــه وأطاعــون
وكــان ولــده هــارون شديــد البـــأس همامـــاً جليـــلاً وبطـــلاً كمينـــاً وأظهـــر لـــه الشيـــخ عبـــد الصمـــد أن
الموضــع الــذي فيــه حاجــة أميــر المؤمنيــن مسيــرة أربعــة أشهــر وهــو علــى ساحــل البحـــر وكلـــه منـــازل
تتصل ببعضها وفيها عشب وعيون فقال قد يهون الله علينا ذلك ببركتك يا نائب أمير المؤمنين.
فقــال الأميــر موســى هــل تعلــم أن أحــداً مـــن الملـــوك وطـــئ هـــذه الـــأرض قبلنـــا قـــال لـــه نعـــم يـــا أميـــر
المؤمنيـن هـذه الـأرض لملــك الاسكندريــة داران الرومــي ثــم ســاروا ولــم يزالــوا سائريــن إلــى أن وصلــوا
إلـى قصـر فقـام تقـدم بنـا إلـى هـذا القصـر الـذي هـو عبـرة لمــن اعتبــر فتقــدم الأميــر موســى إلــى القصــر
ومعهــم الشيــخ عبــد الصمــد وخــواص أصحابــه حتــى وصلــوا إلــى بابــه فوجــدوه مفتوحــاً ولــه أركـــان
طويلــة ودرجــات وفــي تلــك الدرجــات درجتــان ممتدتــان وهمــا مــن الرخــام الملــون الـــذي لـــم يـــر مثلـــه
والسقــوف والحيطــان منقوشــة بالذهــب والفضــة والمعـــدن وعلـــى البـــاب لـــوح مكتـــوب فيـــه باليونانـــي
فقـال الشيـخ عبـد الصمـد هـل أقـرأه يـا أميــر المؤمنيــن فقــال لــه تقــدم واقــرأ بــارك اللــه فيــك فمــا حصــل
===
قــوم تراهــم بعــد مــا صنعـــوا يبكي على الملـك الـذي نزعـوا
فالقصـــر فيــــه منتهــــى خبــــر عن سادة في الترب قد جمعـوا
أبادهـــــــم مــــــــوت وفرقهــــــــم وضيعوا في التـراب مـا جمعـوا
كأنمـــــــا حطــــــــوا رحالهــــــــم ليستريحــــوا سرعــــة رجعـــــوا
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الشيــخ عبــد الصمــد لمــا قــرأ هــذه البيــات بكــى الأميـــر موســـى
حتـى غشـي عليـه وقـال لـه لا إلـه إلا اللـه الحـي الباقـي بـلا زوال ثـم إنــه دخــل القصــر فتحيرمــن حسنــه
وبنائــه ونظــر إلــى مــا فيــه مــن الصــور والتماثيــل وإذا علــى البـــاب الثانـــي أبيـــات مكتوبـــة فقـــال الأميـــر
موسى تقدم أيها الشيخ واقرأ فتقدم وقرأ فإذا هي:
كــم معشــر فــي قبابهـــا نزلـــوا علــى قديــم الزمــان وارتحلـــوا
انظر إلـى مـا بغيرهـم صنعـت حــوادث الدهــر إذ بهــم نزلــوا
سمـــوا كـــل مـــا لهــــم جمعــــوا وخلفـــوا حـــظ ذاك وارتحلـــوا
===
فبكــى الأميــر موســى بكــاء شديــداً واصفــرت الدنيــا فــي وجهــه ثــم قــال لقــد خلقنــا لأجــل هــذا ثـــم
تأملـــوا القصـــر فــــإذا هــــو قــــد خــــلا مــــن السكــــان وعــــدم الأهــــل والقطــــان دوره مرصعــــات وجهاتــــه
مقفـرات وفـي وسطـه قبـة عاليـة شاهقـة فـي الهـواء وحواليهـا أربعمائـة قبـر فبكــى الأميــر موســى ومــن
معــه ثــم دنـــا مـــن القبـــة فـــإذا لهـــا ثمانيـــة أبـــواب مـــن خشـــب الصنـــدل بمساميـــر مـــن الذهـــب مكوكبـــة
بكواكب الفضة مرصعة بالمعادن من أنواع الجواهر مكتوب على الباب الأول هذه الأبيات:
ما قد تركت فما خلفته كرمـاً بل بالفضاء وحكم في الورى جاري
فطالما كنت مسروراً ومغتبطاً احمي حماي كمثل الضيغم الضاري
لا أستقـر ولا أسخــى بخردلــة شحاً عليه ولو ألقيت في النار
حتـى رميـت بأقـدار مقــدرة شحاً عليه ولو ألقيت في النار
إن كان موتي محتوماً على عجل فلم أطق دفعـه عنـي بإكثـاري
فلمــا سمــع الأميــر موســى هـــذه الأبيـــات بكـــى بكـــاء شديـــداً حتـــى غشـــي عليـــه فلمـــا أفـــاق دخـــل
القبــة فــرأى فيهــا قبــراً طويــلاً هائــل المنظــر وعليــه لــوح مـــن الحديـــد الصينـــي فدنـــا منـــه الشيـــخ عبـــد
الصمد وقرأ فإذا فيـه مكتـوب بسـم اللـه الدائـم الأبـدي الأبـد بسـم اللـه الـذي لـم يلـد ولـم يولـد ولـم يكـن
لـــه كفـــواً أحـــد بســـم ذي العـــزة والجبــــروت باســــم الحــــي الــــذي لا يمــــوت. وأدرك شهــــرزاد الصبــــاح
===
وفي الليلة الرابعة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الشيــخ عبــد الصمــد لمــا قــرأ مــا ذكرنــاه رأى مكتوبـــاً فـــي اللـــوح
أمـا بعـد أيهـا الواصـل إلـى هـذا المكـان اعتبـر بمــا تــرى مــن حــوادث الزمــان وطــوارق الحدثــان ولا تغتــر
بالدنيــــا وزينتهــــا وزورهــــا وبهتانهــــا وغرورهـــــا وزخرفهـــــا فمنهـــــا ملاقـــــاة مكـــــارة غـــــدارة أمورهـــــا
مستعـارة تأخــذ المعــار مــن المستعيــر فهــي كأضغــاث النائــم وحلــم الحاكــم كأنهــا ســراب بقيعــة يحسبــه
الظمــآن مــاء يزخرفهــا الشيطــان للإنســان إلــى الممــات فهــذه صفــات الدنيــا فــلا تثــق بهـــا ولا تمـــل إليهـــا
فإنهـا تخـون مـن استنـد إليهـا وعـول فـي أمـوره عليهـا لا تقـع فـي حبالهـا ولا تتعلـق بأذيالهــا فإنــي ملكــت
أربعـة آلـاف حصـان أحمـر فـي دار وتزوجــت ألــف بنــت مــن بنــات الملــوك نواهــد أبكــار كأنهــن القمــار
ورزقـــت ألـــف ولـــد كأنهـــن الليـــوث العوابـــس وعشـــت مـــن العمـــر ألـــف سنـــة منعـــم البـــال والأســــرار
وجمعــت مــن الأمــوال مــا يعجــز عنــه ملــوك الأقطــار كــان ظنـــي فـــي النعيـــم يـــدوم لـــي بـــلا زوال فلـــم
أشعــر حتــى نــزل بنــا هــادم اللــذات ومفــرق الجماعــات وموحــش المنافــل ومخــرب الــدور العامــرات وإن
سألت عن اسمي فإني كوش بن شداد ابن عاد الأكبر في ذلك اللوح مكتوب أيضاً هذه الأبيات:
أن تذكروني بعد طول زمانـي وتقلــــــب الأيــــــام والحدثـــــــان
===
دانت لي الزمر الصعاب بأسرها والشام مـن مصـر إلـى عدنـان
قد كنـت فـي عـز أذل ملوكهـا وتخاف أهل الأرض من سلطان
فبكـى الأميـر موسـى حتـى غشـي عليـه لمــا رأى مــن مصــارع القــوم قــال فبينمــا هــو يطوفــون بنواحــي
القصــر ويتأملــون فــي مجالســه ومتنزهاتــه وإذا بمائــدة علــى أربعــة قوائــم مــن المرمــر مكتــوب عليهــا قـــد
أكــل علــى هــذه المائـــدة ألـــف ملـــك أعـــور وألـــف ملـــك سليـــم العينيـــن كلهـــم فارقـــوا الدنيـــا وسكنـــوا
الأرمــاس والقبــور وســار العسكــر والشيــخ عبـــد الصمـــد أمامهـــم يدلهـــم علـــى الطريـــق حتـــى مضـــى
ذلـك اليــوم كلــه وثانيــة وثالثــة وإذا هــم برابيــة عاليــة فنظــروا إليهــا فــإذا عليهــا فــارس مــن نحــاس وفــي
رأس رمحـه سنـان عريـض بـراق يكـاد يخطـف البصـر متـوب عليــه أيهــا الواصــل إلــي إن كنــت لا تعــرف
الطريـق الموصلـة إلـى مدينــة النحــاس فافــرك كــف الفــارس فإنــه يــدور ثــم يقــف فــأي جهــة وقــف إليهــا
فاسلكها ولا خوف عليك ولا حرج فإنها توصلك إلى مدينة النحاس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأميــر موســى فــرك كـــف الفـــارس فـــدار كأنـــه البـــرق الخاطـــف
===
وتوجـه إلـى غيـر الجهـة التـي كانـوا فيهـا فتوجـه القـوم فيهـا وسـاروا فـإذا هــي طريــق حقيقيــة فسلكوهــا
ولم يزالوا سائرين يومهم وليلتهم حتى قطعوا بلاداً بعيدة.
فبينمــا هــم سائــرون يومــاً مــن الأيــام وإذا هــم بعمــود مــن الحجـــر الأســـود وفيـــه شخـــص غائـــص فـــي
الـأرض إلـى إبطيـه ولـه جنـان عظيمـان وأربـع أيـادي يـدان منهــا كأيــدي الآدمييــن ويــدان كأيــدي السبــاع
فيهمــا مخالــب ولــه شعــر فــي رأســه كأنــه أذنــاب الخيــل ولــه عينــان كأنهمــا مرآتــان ولــه عيــن ثالثــة فــي
جبهتــه كعيــن فهــد يلــوح منهــا شـــرار النـــار وهـــو أســـود طويـــل وينـــادي سبحـــان رب حكـــم النبـــلاء
العظيم والعذاب الأليم إلى يوم القيامة.
فلمــا عاينــه القــوم طــارت عقولهــم واندهشــوا لمـــا رأوا مـــن صفتـــه وولـــوا فقـــال الأميـــر موســـى للشيـــخ
عبــد الصمــد مــا هــذا قــال لا أدري مــا هــو فقــال ادن منــه وابحــث عــن أمــره فلعلــه يكشــف عــن أمــره
ولعلــك تطلــع علــى خبــره فقــال الشيــخ عبــد الصمــد أصلــح اللــه الأميــر إننــا نخــاف منــه قــال لا تخافــوا
فإنـه مكفـوف عنكـم وعـن غيركـم بمــا هــو فيــه فدنــا منــه الشيــخ عبــد الصمــد وقــال لــه أيهــا الشخــص
مــا اسمــك ومــا شأنــك ومــا الــذي جعلــك فــي هــذا المكــان علــى هــذه الصــورة فقــال لــه أمــا أنــا فإنــي
عفريــت مــن الجــن واسمــي داهــش بــن الأعمــش وأنــا مكفــوف ههنــا بالعظمــة محبــوس بالقــدرة معــذب
إلى ما شاء الله عز وجل.
===
قـال الأميـر موسـى يـا شيـخ عبـد الصمـد اسألـه مــا سبــب سجنــه فــي هــذا العمــود فسألــه عــن ذلــك
فقــال لــه العفريــت إن حديثــي عجيــب وذلــك أنــه كــان لبعــض أولــاد إبليــس صنـــم مـــن العقيـــق الأحمـــر
وكنــت موكــلاً بــه وكــان يعبــده ملــك مــن ملـــوك البحـــر جليـــل القـــدر عظيـــم الخطـــر يقـــود مـــن عساكـــر
الجـان ألـف ألـف يضربـون بيـن يديـه بالسيـوف ويجيبـون دعوتـه فـي الشدائـد وكـان الجـان الـذي يطعيونــه
تحــت أمـــري وطاعتـــي يتبعـــون قولـــي إذا أمرتهـــم وكانـــوا كلهـــم عصـــاة عـــن سليمـــان بـــن داود عليهمـــا
السلـام وكنـت أدخـل فــي جــوف الصنــم فآمرهــم وأنهاهــم وكانــت ابنــة ذلــك الملــك تحــب ذلــك الصنــم
كثيـرة السجـود لـه منهمكـة علــى عبادتــه وكانــت أحســن أهــل زمانهــا ذات حســن وجمــال وبهــاء وكمــال
فوصفتهــا لسليمــان عليــه السلــام فأرســل إلــى أبيهــا يقــول لــه زوجنــي ابنتـــك واكســـر صنمـــك العقيـــق
وأشهــد أن لا إلــه إلا اللــه وأن سليمــان نبــي اللــه فــإن أنــت فعلــت ذلـــك كـــان لـــك مـــا لنـــا وعليـــك مـــا
علينــا وإن أنــت أبيــت أتيتــك بجنــود لا طاقــة لــك بهــا فاستعــد للســؤال جوابــاً والبــس للمـــوت جلبابـــاً
فســوف أسيــر لــك بجنــود تمــلأ الفضـــاء وتـــدرك كالأمـــس الـــذي مضـــى فلمـــا جـــاءه رســـول سليمـــان
عليه السلام طغى وتجبر وتعاظم في نفسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والستين بعد الخمسمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك تجبـــر وتعاظـــم فـــي نفســـه وتكبـــر ثـــم قـــال لوزرائـــه مـــاذا
تقولـون فــي أمــر سليمــان بــن داود فإنــه أرســل يطلــب ابنتــي وأن أكســر صنــم العقيــق وأن أدخــل فــي
دينـه فقالـوا أيهـا الملـك العظيـم هــل يقــدر سليمــان أن يفعــل بــك وأنــت فــي وســط هــذا البحــر العظيــم
فـإن هـو سـار إليـك لايقـدر عليـك فـإن مـردة الجـن يقاتلـون معـك وتستعيـن عليــه بصنمــك الــذي تعبــده
فإنــه يعينــك وينصــرك والصـــواب أن تشـــاور ربـــك فـــي ذلـــك - يعنـــون بـــه الصنـــم العقيـــق الأحمـــر -
وتسمــع مــا يكــون جوابــه فــإن أشـــار عليـــك أن تقاتلـــه فقاتلـــه وإلا فـــلا فعنـــد ذلـــك ســـار الملـــك مـــن
وقتــه وساعتــه ودخــل علــى صنمــه بعــد أن قـــرب القربـــان وذبـــح الذبائـــح وخـــر لـــه ساجـــداً وجعـــل
يبكي ويقول شعراً:
يـا رب إنـي عــارف بقدركــا وهــا سليمـــان يـــروم كسركـــا
يــا رب إنــي طالــب لنصركــا فأمــــر فإنــــي طائـــــع لأمركـــــا
ثـم قـال ذلـك العفريـت الـذي نصفـه فـي العمـود للشيـخ عبـد الصمـد ومـن حولــه يسمــع فدخلــت أنــا فــي
جوف الصنم من جهلي وقلة عقلي وعدم اهتمامي بأمر سليمان وجعلت أقول شعراً:
أمــا أنــا فلســت منــه خائــف لأنـــــي بكـــــل أمـــــر عـــــارف
وإن يـرد حربـي فإنـي زاحـف وإننـــي للـــروح منـــه خاطـــف
===
فلمــا سمــع الملــك جوابـــي لـــه قـــوي قلبـــه وعـــزم علـــى حـــرب سليمـــان نبـــي اللـــه عليـــه السلـــام وعلـــى
مقاتلتـــه فلمـــا حضـــر رســـول سليمـــان ضربـــه ضربـــاً وجيعـــاً ورد عليـــه رداً شنيعـــاً وأرســــل يهــــدده
ويقـول لـه مـع الرســول: لقــد حدثتــك نفســك بالأمانــي أتوعدنــي بــزور الأقــوال فإمــا أن تسيــر إلــي وإمــا
أن أسير إليك ثم رجع الرسول إلى سليمان وأعلمه بجميع ما كان من أمره وما حصل له.
فلمــا سمــع نبــي اللــه سليمــان ذلــك قامــت قيامتــه وثـــارت عزيمتـــه وجهـــز عساكـــره مـــن الجـــن والإنـــس
والوحـوش والطيـر والهــوام وأمــر وزيــره الدمريــاط ملــك الجــن أن يجمــع مــردة الجــن مــن كــل مكــان فجمــع
لـه مـن الشياطيــن ستمائــة ألــف وأمــر آصــف بــن برخيــا أن يجمــع عساكــره مــن الإنــس فكانــت عدتهــم
ألـــف أو يزيـــدون وأعـــدوا العـــدة والسلــــاح وركــــب هــــو وجنــــوده مــــن الجــــن والإنــــس علــــى البســــاط
والطيـر فـوق رأسـه طائـرة والوحـوش مـن تحــت البســاط سائــرة حتــى نــزل بساحتــك وأحــاط بجزيرتــك
وقد ملأ الأرض بالجنود.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العفريــت قــال لمــا نـــزل نبـــي اللـــه سليمـــان عليـــه السلـــام بجيوشـــه
===
حــول الجزيــرة أرســل إلــى ملكنــا يقــول لــه: هــا أنــا قــد أتيــت فــاردد عــن نفســـك مـــا نـــزل وإلا فادخـــل
تحـت طاعتــي وأقــر برسالتــي واكســر صنمــك واعبــد الواحــد المعبــود وزوجنــي ابنتــك بالحلــال وقــل
أنـت ومـن معـك أشهـد أن لا إلـه إلا اللـه وأشهـد أن سليمــان نبــي اللــه فــإن قلــت ذلــك كــان لــك الأمــان
والسلامــة وإن أبيــت فــلا يمنعــك تحصنــك منــي فــي هــذه الجزيــرة فــإن اللــه تبــارك وتعالــى أمـــر الريـــح
بطاعتي فأمرها أن تحملني إليك بالبساط وأجعلك عبرة ونكالاً لغيرك.
فجــاء الرســول وبلغــه رسالــة نبــي اللــه سليمــان عليــه السلــام فقــال لــه: ليــس لهــذا الأمــر الـــذي طلبـــه
منــي سبيــل فأعلمــه أنــي خــارج إليــه. فعــاد الرســول إلــى سليمـــان ورد عليـــه الجـــواب ثـــم إن الملـــك
أرسـل إلـى أرضـه وجمـع لـه مـن الجـن الذيــن كانــوا تحــت يــده ألــف ألــف وضــم إليهــم غيرهــم مــن المــردة
والشياطيــن الذيــن فــي جزائــر البحــار ورؤس الجبــال ثــم جهــز عساكــره وفتـــح خزائـــن السلـــاح وفرقهـــا
عليهم.
أمــا نبــي اللــه سليمــان عليــه السلــام فإنــه رتــب جنــوده وأمــر الوحــوش أن تنقســـم شطريـــن علـــى يميـــن
القـــوم وعلـــى شمالهـــم وأمـــر الطيـــور أن تكـــون فـــي الجزائـــر وأمرهـــا عنـــد الحملـــة أن تختلـــف أعينهـــم
بمناقيرهــا وأن تضــرب وجوههــم بأجنحتهــا وأمــر الوحــوش أن تفتــرس خيولهــم فقالــوا السمــع والطاعـــة
لله ولك يا نبي الله.
===
ثـــم إن سليمـــان نصـــب لـــه سريـــراً مـــن المرمــــر مرصعــــاً بالجوهــــر مصفحــــاً بصفائــــح الذهــــب الأحمــــر
وجعــل وزيــره آصــف بــن برخيــا علــى الجانــب الأيمــن ووزيــره الدمريـــاط علـــى الجانـــب الأيســـر وملـــوك
الإنــس علــى يمينــه وملــوك الجــن علــى يســاره والوحــوش والأفاعـــي والحيـــات أمامـــه ثـــم زحفـــوا علينـــا
زحفـة واحـدة وتحاربنـا معـه فـي أرض واسعـة مـدة يوميـن ووقــع البــلاء فــي الثالــث فنفــذ فينــا قضــاء
اللـه تعالــى وكــان أول مــن حمــل علــى سليمــان أنــا وجنــودي وقلــت لأصحابــي الزمــوا مواطنكــم حتــى
أبـرز إليهـم وأطلـب قتـال الدمريــاط وإذا بــه قــد بــرز كأنــه الجبــل العظيــم ونيرانــه تلتهــب ودخانــه مرتفــع
فأقبــل ورمانــي بشهــاب مــن نــار فغلــب سهمــه علــى نــاري وصــرخ صرخـــة عظيمـــة تخيلـــت منهـــا أن
السماء انطبقت علي واهتزت لصوته الجبال.
ثــم أمــر أصحابــه فحملــوا علينــا حملــة واحــدة وحملنــا عليهــم وصــرخ بعضنـــا علـــى بعـــض وارتفعـــت
النيـران وعـلا الدخــان وكــادت القلــوب أن تنفطــر وقامــت الحــرب علــى ســاق وصــارت الطيــور تقاتــل
في الهواء والوحوش تقاتل في الثرى وأنا أقاتل الدمرياط حتى أعياني وأعييته.
ثــم بعــد ذلــك ضعفــت وخذلــت أصحابــي وجنـــودي وانهزمـــت عشائـــري وصـــاح نبـــي اللـــه سليمـــان
هـذا الجبــار العظيــم النحــس الذميــم فحملــت الإنــس علــى الإنــس والجــن علــى الجــن ووقعــت بملكنــا
الهزيمـــة وكنـــا لسليمـــان غنيمـــة وحملــــت العساكــــر علــــى جيوشنــــا والوحــــوش حولهــــم يمينــــاً وشمــــالاً
===
والطيــــور فــــوق رؤوسنــــا تخطــــف أبصــــار القــــوم تـــــارة بمخالبهـــــا وتـــــارة بمناقيرهـــــا وتـــــارة تضـــــرب
بأجنحتهــا فــي وجــوه القــوم والوحــوش تنهــش الخيـــول وتفتـــرس الرجـــال حتـــى أكثـــر القـــوم علـــى وجـــه
الـأرض كجــذوع النخــل وأمــا أنــا فطــرت مــن بيــن أيــادي الدمريــاط فتبعنــي مسيــرة ثلاثــة أشهــر حتــى
لحقني ووقعت كما ترون.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
حكاية مدينة النحاس
وفي الليلة الثامنة والستين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن الجنــي الــذي فــي العامــود لمــا حكــى لهــم حكايتــه مــن أولهــا إلــى
أن سجـن فـي العامـود قالـوا لـه أيـن الطريـق الموصلـة إلــى مدينــة النحــاس فأشــار لنــا إلــى طريــق المدينــة
وإذا بيننــا وبينهــا خمســة وعشــرون بابــاً لا يظهــر منهــا بــاب واحــد ولا يعــرف لـــه أثـــر وسورهـــا كأنـــه
قطعــة مــن جبــل أو حديــد صــب فــي قالــب فنــزل القــوم ونــزل الأميـــر موســـى والشيـــخ عبـــد الصمـــد
واجتهـدوا أن يعرفـوا لهـا بابـاً ويجــدوا لهــا سبيــلاً فلــم يصلــوا إلــى ذلــك فقــال الأميــر موســى يــا طالــب
كيــف الحيلــة فــي دخــول هــذه المدينــة فلابــد أن نعــرف لهــا بابــاً ندخــل منــه فقــال طالــب أصلـــح اللـــه
الأمير لنستريح يومين أو ثلاثة وندبر الحيلة إن شاء الله تعالى في الوصول إليها والدخول فيها.
قــال: فعنــد ذلــك أمــر الأميــر موســى بعــض غلمانــه أن يركــب جمــلاً ويطــوف حــول المدينـــة لعلـــه يطلـــع
علـى أثـر بـاب أو موضـع قصـر فـي المكــان الــذي هــم فيــه نازلــون فركــب بعــض غلمانــه وســار حولهــا
يوميـن بلياليهمـا يجــد السيــر ولا يستريــح فلمــا كــان اليــوم الثالــث أشــرف علــى أصحابــه وهــو مدهــوش
لما رأى من طولها وارتفاعها ثم قال أيها الأمير إن أهون موضع فيها هذا الموضع.
===
ثــم إن الأميــر موســى أخــذ طالــب بــن سهــل والشيــخ عبــد الصمــد وصعــد علــى جبــل مقابلهــا وهـــو
مشـرف عليهـا فلمـا طلعـوا ذلـك الجبـل رأوا مدينــة لــم تــر العيــون أعظــم منهــا قصورهــا عاليــة وقبابهــا
زاهيـــة ودورهـــا عامـــرات وأنهارهـــا جاريـــات وأشجارهـــا مثمـــرات وأنهارهــــا يانعــــات وهــــي مدينــــة
بأبـواب منيعـة خاليـة مـدة لا حـس فيهـا ولا انــس يصفــر البــوم فــي جهاتهــا ويحــوم الطيــر فــي عرضاتهــا
وينمق الغراب في نواحيها وشوارعها ويبكي على من كان فيها.
فوقــف الأميــر موســى يتنــدم علــى خلوهــا مــن السكــان وخرابهــا مــن الأهـــل والقطـــان وقـــال سبحـــان
مــن لا تغيــره الدهــور والأزمــان خالــق الخلــق بقدرتــه فبينمــا هــو يسبــح اللــه عــز وجــل إذ حانــت منــه
التفاتــة إلــى جهــة وغــذا فيهــا سبعــة ألــواح مــن الرخــام الأبيــض وهــي تلــوح مــن البعــد فدنــا منـــه فـــإذا
هــي منقوشــة مكتوبــة فأمــر أن تقــرأ كتابتهــا فتقــدم الشيـــخ عبـــد الصمـــد وتأملهـــا وقرأهـــا فـــإذا فيهـــا
وعــظ واعتبــار وزجـــر لـــذوي الأبصـــار مكتـــوب علـــى اللـــوح الـــأول بالقلـــم اليونانـــي يـــا ابـــن آدم مـــاذا
أغفلــك عــن أمــر هــو أمامــك قــد ألهتــك عنــه سنينــك وأعوانــك أمــا علمــت أن كــأس المنيــة لـــك يتـــرع
وعــن قريــب لــه تتجــرع فانظــر لنفســك قبــل دخولــك رمســـك أيـــن مـــن ملـــك البلـــاد وأذل العبـــاد وقـــاد
الجيــوش نــزل بهــم واللــه هــادم اللــذات ومفــرق الجماعــات ومخـــرب المنـــازل العامـــرات فنقلهـــم مـــن سعـــة
القصور إلى ضيق القبور وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
===
وأصبحوا رهن قبر بالذي عملوا عادوا رميماً به من بعد ما دثروا
أين العساكر ما ردت وما نفعت وأين ما جمعوا فيها وما ادخروا
أتاهم رب العرش على عجـل لم ينجهـم منـه أمـوال ولا وزر
فبكـى الأميـر موسـى وجـرت دموعــه علــى خــده وقــال: واللــه إن الزهــد فــي الدنيــا هــو غايــة التوفيــق
ونهايـة التحقيـق ثـم إنـه أحضـر دواة وقرطاسـاً وكتـب مــا علــى اللــوح الــأول ثــم إنــه دنــا مــن اللــوح الثانــي
وإذا عليــه مكتــوب يــا ابــن آدم مــا غــرك بقديــم الــأزل ومــا ألهــاك عــن حلــول الأجـــل ألا تعلـــم أن الدنيـــا
دار بـــوار مـــا لأحـــد فيهـــا قـــرار وأنـــت ناظـــر إليهـــا ومكـــب عليهـــا أيـــن الملـــوك الذيــــن عمــــروا العــــراق
وملكـــوا الآفـــاق أيـــن مـــن عمـــروا أصفهـــان وبلـــاد خراســـان دعاهــــم داعــــي المنايــــا فأجابــــوه وناداهــــم
منـادي الفنــاء فلبــوه ومــا نفعهــم مــا بنــوا وشيــدوا ولا رد عنهــم مــا جمعــوا وعــددوا وفــي أسفــل اللــوح
مكتوب هذه الأبيات:
أين الذيـن بنـوا لـذاك وشيـدوا غرفـــاً بـــه لـــم يحكهـــا بنيــــان
جمعوا العساكر والجيوش مخافة مـــن ذل تقديـــر الإلــــه فهانــــوا
أيـن الأكاسـرة المنـاع حصونهــم تركــوا البلــاد كأنهــم مــا كانــوا
فبكى الأمير وقال والله لقد خلقنا لأمر عظيم ثم كتب ما عليه ودنا من اللوح الثالث.
===
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأميــر موســى دنــا مــن اللــوح الثالــث فوجــد فيــه مكتوبــاً يــا ابـــن
آدم أنــت بحــب الدنيــا لــاه وعــن أمـــر ربـــك ســـاه كـــل يـــوم مـــن عمـــرك مـــاض وأنـــت قانـــع وراض فقـــدم
الزاد ليوم الميعاد واستعد لرد الجواب بين يدي رب العباد وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
أين الـذي عمـر البلـاد بأسرهـا سنداً وهنداً واعتـدى وتجبـرا
والزنج والحبـش استقـاد لأمـره والنـوب لمــا أن طغــى وتكبــرا
لا تنتظـر خيــراً بمــا فــي قبــره هيهـات أن تلقـى بذلـك مخبــرا
فدعته من ريب المنون حوادث لـم ينجـه مـن قصـره مـا عمــرا
فبكـى الأميـر موســى بكــاء شديــداً ثــم دنــا مــن اللــوح الرابــع فــرأى مكتوبــاً عليــه يــا ابــن آدم كــم يملــك
مولــاك وأنــت خائــض فــي بحــر لهــواك كــل يــوم أوحــى إليــك أنـــك لا تمـــوت يـــا ابـــن آدم لا تغرنـــك أيامـــك
ولياليــك وساعاتــك الملهيــة وغفلاتهــا واعلــم أن المــوت لــك مرصــداً وعلــى كتفــك صاعــداً مــا مــن يــوم
يمضـــي إلا صبحـــك صباحـــا ومســـاك مســـاء فاحـــذر مـــن هجمتـــه واستعـــد لـــه فكأنــــي بــــك وقــــد
جعلـت طـول حياتـك وضعـت لـذات أوقاتـك فاسمـع مقالــي وثــق بمولــى الموالــي ليــس للدنيــا ثبــوت إنمــا
===
أين من أسـس الـذرى وبناهـا وتولــــى مشيدهــــا ثــــم عــــلا
أين أهل الحصون من سكنوها كلهم عن تلك الصياصي تولى
أصبحوا في القبور رهنـاً ليـوم فيــه حقــاً كــل السرائــر تبلـــى
ليـس يبقـى سـوى الإلـه تعالـى وهـــو مـــازال للكرامـــة أهــــلا
فبكـى الأميـر موسـى وكتـب ذلـك ونـزل مـن فـوق الجبـل وقـد صـور الدنيــا بيــن عينيــه فلمــا وصــل إلــى
العسكـر وأقامـوا يومهـم يدبـرون الحيلـة فــي دخــول المدنيــة فقــال الأميــر موســى لوزيــره طالــب بــن سهــل
ولمـن حولـه مــن خواصــه كيــف تكــون الحيلــة فــي دخــول المدينــة لننظــر عجائبهــا لعلنــا نجســد فيهــا مــا
نتقرب به إلى أمير المؤمنين.
فقــال طالــب بــن سهــل أدام اللــه نعمــة الأميـــر نعمـــل سلمـــاً ونصعـــد عليـــه لعلنـــا نصـــل إلـــى البـــاب مـــن
الداخـل فقـال الأميــر موســى هــذا مــا خطــر ببالــي وهــو نعــم الــرأي ثــم إنــه عــاد بالنجاريــن والحداديــن
وأمرهــم أن يســووا الأخشــاب ويعملــوا سلمــاً مصفحــاً بصفائــح الحديــد ففعلــوه وأحكمــوه ومكثــوا فـــي
عملــه شهـــراً كامـــلاً واجتمعـــت عليـــه الرجـــال فأقامـــوه وألصقـــوه بالســـور فجـــاء مساويـــاً لـــه كأنـــه قـــد
عمل له قبل ذلك اليوم.
فتعجـب الأميـر موسـى منـه وقـال بــارك اللــه فيكــم كأنكــم قستمــوه عليــه مــن حســن صنعتكــم ثــم إن
===
الأميــر موســى قـــال للنـــاس مـــن يطلـــع منكـــم علـــى هـــذا السلـــم ويصعـــد فـــوق الســـور ويمشـــي عليـــه
ويتحايـل فـي نزولـه إلـى أسفـل المدينــة لينظــر كيــف الأمــر ثــم يخبرنــا بكيفيــة فتــح البــاب فقــال أحدهــم
أنـا أصعـد عليـه أيهـا الأميـر وأنـزل أفتحـه فقـال لـه الأميـر موسـى اصعـد بــارك اللــه فيــك فصعــد الرجــل
علـى السلـم حتـى صـار فـي أعلـاه ثــم قــام علــى قدميــه وشخــص إلــى المدينــة وصفــق بكفيــه وصــاح
بأعلى صوته وقال أنت مليح ورمى بنفسه من داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه.
فقـال الأميـر موسـى هــذا فعــل العاقــل فكيــف يكــون فعــل المجنــون إن كنــا نفعــل هــذا بجميــع أصحابنــا
لـم يبـق منهـم أحـد فنعجـز عـن قضـاء حاجتنـا وحاجـة أميـر المؤمنيـن ارحلـوا فـلا حاجـة لنـا بهـذه فقـال
بعضهـم لعـل غيـر هــذا أثبــت منــه فصعــد ثــان وثالــث ورابــع وخامــس فمــا زالــوا يصعــدون مــن ذلــك
السلــم إلــى الســور واحــداً بعــد واحــد إلــى أن راح منهــم اثنــي عشــر رجــلاً وهــم يفعلـــون كمـــا فعـــل
الأول.
فقـال اليــخ عبــد الصمــد مــا لهــذا الأمــر غيــري وليــس المجــرب كغيــر المجــرب فقــال لــه الأميــر موســى لا
تفعــل ذلــك ولا أمكنــك مــن الطلــوع إلــى هــذا الســور لأنــك إذا مــت كنــت سببــاً لموتنــا كلنــا ولا يبقـــى
منـا أحـد لأنـك أنـت دليـل القـوم فقـال لــه الشيــخ عبــد الصمــد لعــل ذلــك يكــون علــى يــدي بمشيئــة اللــه
تعالى فاتفق القوم كلهم على صعوده.
===
ثــم إن الشيــخ عبــد الصمــد قــام ونشــط نفســه وقــال بســم اللـــه الرحمـــن الرحيـــم ثـــم إنـــه صعـــد علـــى
السمـــل وهـــو يذكـــر اللـــه تعالـــى ويقـــرأ آيـــات النجـــاة إلـــى أن بلـــغ أعلـــى الســـور ثـــم إنــــه صفــــق بيديــــه
وشخــص ببصــره فصــاح عليــه القــوم جميعــاً وقالــوا أيهــا الشيــخ عبــد الصمــد لا تفعــل ولا تلـــق نفســـك
وقالــوا إنــا للــه وإنــا إليــه راجعــون إن وقــع الشيـــخ عبـــد الصمـــد هلكنـــا بأجمعنـــا ثـــم إن الشيـــخ عبـــد
الصمـد ضحـك ضحكـاً زائـداً وجلــس ساعــة طويلــة يذكــر اللــه تعالــى ويتلــو آيــات النجــاة ثــم إنــه قــام
علــى حيلــه ونــادى بأعلــى صوتــه أيهــا الأميــر لا بــأس عليكــم فقــد صــرف اللــه عــز وجــل عنــي كيـــد
الشيطـــان ومكـــره ببركـــة بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــم فقـــال لـــه الأميـــر مـــا رأيـــت أيهـــا الشيــــخ قــــال لمــــا
وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار وهن يناديني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السبعون بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الشيـــخ عبـــد الصمـــد قـــال لمـــا وصلـــت أعلـــى الســــور رأيــــت
عشــر جــوار كأنهــن الأقمــار وهــن يشـــرن بأيديهـــن أن تعـــال إلينـــا وتخيـــل لـــي أن تحتـــي بحـــراً مـــن المـــاء
فـــأردت أن ألقـــي نفســـي كمـــا فعـــل أصحابنـــا فرأيتهـــم موتـــى فتماسكـــت عنهــــم وتلــــوت شيئــــاً مــــن
===
كتـاب اللـه تعالــى فصــرف اللــه عنــي كيدهــن وانصرفــن عنــي فلــم أرم نفســي ورد اللــه عنــي كيدهــن
وسحرهــن ولاشــك إن هــذا سحـــر مكيـــة صنعهـــا أهـــل تلـــك المدينـــة ليـــردوا عنهـــا كـــل مـــن أراد أن
شـرف عليهـا ويـروم الوصـول إليهـا وهـؤلاء أصحابنـا مطروحـون موتــى ثــم إنــه مشــى علــى الســور إلــى
أن وصـل إلـى البرجيـن النحاسييـن فـرأى لهمـا بابيـن مــن الذهــب ولا قفــل عليهمــا وليــس فيهمــا علامــة
للفتـح ثـم وقـف الشيـخ أمــام البــاب وتأمــل فــرأى فــي وســط البــاب صــورة فــارس مــن نحــاس لــه كــف
ممـدود كأنـه يشيـر بـه وفيـه خـط مكتـوب فقـرأه الشيـخ عبـد الصمـد فـإذا فيـه افــرك المسمــار الــذي فــي
سـرة الفـارس اثنـي عشـر فركـة فـإن البـاب ينفتـح فتأمــل الفــارس فــإذا فــي سرتــه مسمــار محكــم متقــن
مكيـن ففركـه اثنـي عشـر فركـة فانفتـح البــاب فــي الحــال ولــه صــوت كالرعــد فدخــل منــه الشيــخ عبــد
الصمــد وكــان رجــلاً فاضــلاً عالمــاً بجميــع اللغــات والأقلــام فمشـــى إلـــى أن دخـــل دهليـــزاً طويـــلاً نـــزل
منـــه علـــى درجـــات فوجـــده بدكـــك حسنـــة وعليهـــا أقـــوام موتـــى وفـــوق رؤوسهـــم التــــروس المكلفــــة
والحسامــات المرهفــة والقســى الموتــرة والسهــام المفوقــة وخلــف البــاب عامــود مــن حديــد ومتاريــس مــن
خشب وأقفال رقيقة وآلات محكمة.
فقـال الشيــخ عبــد الصمــد فــي نفســه لعــل المفاتحــي عنــد هــؤلاء القــوم ثــم نظــر بعينــه وإذا هــو بشيــخ
يظهـر أنـه أكبرهـم سنـاً وهـو علـى دكـة عاليــة بيــن القــوم الموتــى فقــال الشيــخ عبــد الصمــد ومــا يدريــك
===
أن تكــون مفاتيــح هــذه المدينــة مــع هــذا الشيــخ ولعلــه بــواب المدينــة وهــؤلاء مــن تحــت يــده فدنــا منـــه
ورفع ثيابه وإذا بالمفاتيح معلقة في وسطه.
فلمــا رآهــا الشيــخ عبــد الصمــد فــرح فرحــاً شديــدأً وكــاد عقلــه أن يطيــر مـــن الفرحـــة ثـــم إن الشيـــخ
عبـــد الصمـــد أخـــذ المفاتيــــح ودنــــا مــــن البــــاب وفتــــح الأقفــــال وجــــذب البــــاب والمتاريــــس والآلــــات
فانفتحـت وانفتـح البـاب بصـوت كالرعـد لكبـره وهولـه وعظـم آلاتـه فعنــد ذلــك كبــر الشيــخ وكبــر القــوم
معـه واستبشـروا وفرحـوا وفـرح الأميــر بسلامــة الشيــخ عبــد الصمــد وفتــح بــاب المدينــة وقــد شكــره
القـوم علـى مـا فعلـه فبـادر العسكـر كلهـم بالدخـول مـن بـاب فصــاح عليهــم الأميــر موســى وقــال لهــم يــا
قوم لا نأمن إذا دخلنا كلنا من أمر يحدث ولكن يدخل النصف ويتأخر النصف.
ثـم إن الأميـر موسـى دخـل مـن البــاب ومعــه نصــف القــوم وهــم حاملــون آلــات الحــرب فنظــر القــوم إلــى
أصحابهــم وهــم ميتــون فدفنوهـــم ورأوا البوابيـــن والخـــدم والحجـــاب والنـــواب راقديـــن فـــوق الفـــراش
الحريـر موتـى كلهـم ودخلـوا إلـى سـوق المدينـة فنظـروا سوقـاً عظيمـة عاليـة الأبنيـة لا يخــرج بعضهــا عــن
بعــض والدكاكيــن مفتحــة والموازيــن معلقــة والنحــاس مصفوفــاً والخانــات ملآنــة مــن جميــع البضائــع ورأوا
التجــار موتــى علــى دكاكينهـــم وقـــد يبســـت منهـــم الجلـــود ونخـــرت منهـــم العظـــام وصـــاروا عبـــرة لمـــن
اعتبر.
===
ونظــروا إلــى أربعــة أســواق مستقلـــات كالهشيـــم مملـــوءة بالمـــال فتركوهـــا ومضـــوا إلـــى ســـوق الخـــز وإذا
فيــه مــن الحريــر والديبــاج مـــا هـــو منســـوج بالذهـــب الأحمـــر والفضـــة البيضـــاء علـــى اختلـــاف الألـــوان
وأصحابــه موتــى رقــود علــى انطــاع الأديــم يكــادون أن ينطقــوا فتركوهــم ومضــوا إلـــى ســـوق الجواهـــر
واللؤلــــؤ والياقــــوت فتركــــوه ومضــــوا إلــــى ســــوق الصيارفــــة فوجدوهــــم موتــــى وتحتهــــم أنـــــواع الحريـــــر
والابريســــم ودكاكينهــــم مملــــوءة مــــن الذهــــب والفضــــة فتركوهــــم ومضــــوا إلــــى ســــوق العطاريــــن فــــإذا
دكاكينهــم مملــوءة بأنــواع العطريـــات ونوافـــح المســـك والعنبـــر العـــود والكافـــور وغيـــر ذلـــك وأهلهـــا كلهـــم
موتى وليس عندهم شيء من المأكول.
! فلمـــا طلعـــوا مـــن ســـوق العطاريـــن وجــــدوا قريبــــاً منــــه قصــــراً مزخرفــــاً متقنــــاً فدخلــــوه فوجــــدوا
أعلامــاً منشــورة وسيوفــاً مجــردة وقسيــاً موتــرة وترســاً معلقــة بسلاســـل مـــن الذهـــب والفضـــة وخـــوذاً
مطليــــة بالذهــــب الأحمــــر وفــــي دهاليــــز ذلــــك القصــــر دكــــك مــــن العــــاج المصفــــح بالذهــــب الوهـــــاج
الابريســم وعليهــا رجــال قــد يبســت منهــم الجلــود علــى العظــام يحتسبهـــم الجاهـــل قيامـــاً ولكنهـــم مـــن
عـدم القــوت ماتــوا وذاقــوا الحمــام فعنــد ذلــك وقــف الأميــر موســى يسبــح اللــه تعالــى ويقدســه وينظــر
إلــى حســن ذلــك القصــر ومحكــم بنائــه وعجيــب صنعــه بأحســـن صفـــة وأتقـــن هندســـة وأكثـــر نقشـــة
باللازورد الأخضر مكتوب على دائرة هذه الأبيات:
===
وقدم الـزاد مـن خيـر تفـوز بـه فكل ساكن داراً سوف يرتحل
وانظر إلى معشر زانوا منازلهم فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا
بنـوا فمـا نفـع البنيـان وادخـروا لم ينجهم مالهم لما انقضى الأجل
كم أملوا غير مقدور لهم فمضوا إلـى القبـور ولـم ينفعهـم الأمـل
واستنزلوا من أعالي عز رتبتهم لذل ضيق لحد سـاء مـا نزلـوا
فجاءهم صارخ من بعد ما دفنوا أيـن الأســرة والتيجــان والحلــل
أين الوجوه التي كانـت محجبـة من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حسب سائلهم أما الخدود فعندها الورد منتقل
قد طال ما أكلوا يوماً وما شربوا فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
فبكى الأمير موسى حتى غشي عليه وأمر بكتابة هذا الشعر ودخل القصر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والسبعون بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأميــر موســى دخــل القصــر فــرأى حجـــرة كبيـــرة وأربـــع مجالـــس
===
عاليـة كبـاراً متقابلـة واسعــة منقوشــة بالذهــب والفضــة مختلفــة وفــي وسطهــا فسقيــة كبيــرة مــن المرمــر
وعليهــا خيمــة مــن الديبــاج وفــي تلــك المجالــس جهــات وفــي تلــك الجهــات فساقــي مزخرفــة وحيضــان
مرخمــة ومجــار تجــري مــن تحــت تلــك المجالــس وتلــك الأنهــر الأربعــة تجــري وتجتمـــع فـــي بحيـــرة عظيمـــة
مرخمة باختلاف الألوان.
ثــم قــال الأميــر موســى للشيــخ عبــد الصمــد ادخــل بنــا هــذه المجالــس فدخلــوا المجلــس الــأول فوجــدوه
مملـــوءاً مـــن الذهـــب والفضـــة البيضـــاء واللؤلـــؤ والجواهـــر واليواقيـــت والمعـــادن النفيســـة ووجـــدوا فيهـــا
صناديــق مملــوءة مـــن الديبـــاج الأحمـــر والأصفـــر والأبيـــض ثـــم إنهـــم انتقلـــوا إلـــى المجلـــس الثانـــي ففتحـــوا
خزانــة فيــه فــإذا هــي مملــوءة بالسلــاح وآلــات الحــرب مــن الخــوذ المذهبــة والـــدروع الداوديـــة والسيـــوف
الهنديـــة والرمـــاح الخطيـــة والدبابيـــس الخوارزميـــة وغيرهـــا مـــن أصنـــاف آلـــات الحــــرب والكفــــاح ثــــم
انتقلــوا إلــى المجلــس الثالــث فوجــدوا فيــه خزائــن عليهــا أقفــال مغلقــة وفوقهــا ستـــارات منقوشـــة بأنـــواع
الطــراز ففتحــوا منهــا خزانــة فوجدوهــا مملــوءة بالــآت الطعــام والشــراب مــن أصنـــاف الذهـــب والفضـــة
وسكـارج البلـور والأقـداح المرصعـة باللؤلـؤ الرطــب وكاســات العقيــق وغيــر ذلــك فجعلــوا يأخــذون مــا
يصلح لهم من ذلك ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه.
فلمــا عزمــوا علــى الخــروج مــن تلــك المجالــس رأوا هنــا بابــاً مــن الصــاج متداخــلاً فيــه العــاج والأبنــوس
===
وهـو مصفــح بالذهــب الوهــاج فــي وســط ذلــك القصــر وعليــه ستــر مسبــول مــن حريــر منقــوش بأنــواع
الطــراز وعليــه أقفــال مــن الفضــة البيضــاء تفتــح بالحيلــة بغيــر مفتــاح فتقــدم الشيــخ عبــد الصمـــد إلـــى
تلـك الأقفـال وفتحهـا بمعرفتـه وشجاعتــه وبراعتــه فدخــل القــوم مــن دهليــز مرخــم وفــي جوانــب ذلــك
الدهليـز بواقـع عليهـا صـور مـن أصنـاف الوحـوش والطيــور وكــل ذلــك مــن ذهــب أحمــر وفضــة بيضــاء
وأعينها من الدر واليواقيت تحير كل من رآها ثم وصلوا إلى قاعة مصنوعة.
فلمـا رآهـا الأميـر موسـى والشيــخ عبــد الصمــد اندهشــا مــن صنعتهــا ثــم إنهــم عبــروا فوجــدوا قاعــة
مصنوعــة مــن رخــام مصقــول منقــوش بالجواهــر يتوهــم الناظــر إليهــا أن فــي طريقهــا مــاء جاريــة لــو مــر
عليـه لزلــق فأمــر الأميــر موســى الشيــخ عبــد الصمــد أن يطــرح عليهــا شــيء حتــى يتمكنــوا أن يمشــوا
عليهـا ففعـل ذلـك وتحيــل حتــى عبــروا فوجــدوا فيهــا قبــة عظيمــة مبنيــة بحجــارة مطليــة بالذهــب لــم
يشاهـد القـوم فـي جميـع مـا رأوه أحسـن منهـا. وفـي وسـط تلـك القبـة قبــة عظيمــة مــن المرمــر بدائرهــا
شبابيــك منقوشــة مرصعــة بقضبــان الزمــرد لا يقــدر عليهــا أحــد مــن الملــوك وفيهــا خيمــة مـــن الديبـــاج
منصوبــة علــى أعمـــدة مـــن الذهـــب الأحمـــر وفيهـــا طيـــور وأرجلهـــا مـــن الزمـــرد الأخضـــر وتحـــت كـــل
طيـــر شبكـــة مـــن اللؤلـــؤ الرطـــب مجللـــة علـــى فسقيـــة وموضـــوع علـــى الفسقيـــة سريـــر مرصـــع بالــــدر
والجواهـر والياقـوت وعلـى السريــر جاريــة كأنهــا الشمــس الضاحيــة لــم يــر الــراؤون أحســن منهــا وعليهــا
===
ثـوب مـن اللؤلـؤ الرطـب وعلـى رأسهـا تـاج مـن الذهـب الأحمـر وعصابــة مــن الجوهــر وفــي عنقهــا عقــد
مــن الجوهــر وفــي وسطــه جواهــر مشرقــة. وعلــى جوانبهــا جوهرتــان نورهمــا كنـــور الشمـــس وهـــي
كأنها ناظرة إليهم تتأملهم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأميــر موســى لمــا رأى هــذه الجاريــة تعجــب غايــة العجــب مـــن
جمالهــا وتحيـــر مـــن حسنهـــا وحمـــرة خديهـــا وســـواد شعرهـــا يظـــن الناظـــر أنهـــا بالحيـــاة وليســـت ميتـــة
فقالــوا لهــا السلــام عليــك أيتهــا الجاريــة فقــال لهــا طالـــب بـــن سهـــل أصلـــح اللـــه شأنـــك أعلـــم أن هـــذه
الجاريـة ميتـة لا روح فيهـا فمـن أيــن لهــا أن تــرد السلــام ثــم إن طالــب بــن سهــل قــال لــه أيهــا الأميــر إنهــا
صـورة مدبـرة بالحكمـة وقـد قلعـت عيناهـا بعـد موتهـا وجعـل تحتهـا زئبــق وأعيدتــا إلــى مكانهمــا فهمــا
يلمعــان كأنمـــا يحركهمـــا الهـــدب يتخيـــل للناظـــر أنهـــا ترمـــش بعينيهـــا وهـــي ميتـــة فقـــال الأميـــر موســـى
سبحــان الــذي قهــر العبــاد بالمــوت وأمــا السريــر الــذي عليــه الجاريـــة فلـــه درج وعلـــى الـــدرج عبـــدان
أحدهمــا أبيــض والآخـــر أســـود بيـــد أحدهمـــا آلـــة مـــن الفولـــاذ وبيـــد الآخـــر سيـــف مجوهـــر يخطـــف
===
الأبصـار وبيـن يـدي العبديـن لـوح مـن ذهــب وفيــه كتابــة تقــرأ وهــي: بســم اللــه الرحمــن الرحيــم الحمــد
للـه خالـق الإنسـان وهـو رب الأربـاب ومسبـب الأسبـاب بسـم اللـه الباقــي السرمــدي بســم اللــه مقــدر
القضــاء والقــدر يــا ابــن آدم مــا أجهلــك بطــول الأمـــل ومـــا أسهـــاك عـــن حلـــول الأجـــل. أمـــا علمـــت أن
المــوت لـــك قـــد دعـــا وإلـــى قبـــض روحـــك قـــد سعـــى فكـــن علـــى أهبـــة الرحيـــل وتـــزود مـــن الدنيـــا
فستفارقهـا بعـد قليـل. أيـن آدم أبـو البشـر أيــن نــوح ومــا نســل أيــن الملــوك الأكاســرة والقياصــرة أيــن ملــوك
الهنـــد والعـــراق أيـــن ملـــوك الآفـــاق أيــــن ملــــوك العمالقــــة أيــــن الجبابــــرة لقــــد خلــــت منهــــم الديــــار وقــــد
فارقـوا الأهـل والأوطــان أيــن ملــوك العجــم والعــرب لقــد ماتــوا بأجمعهــم وصــاروا رممــاً أيــن الســادة ذوو
الرتــب لقــد ماتــوا جميعــاً أيــن قــارون وهامــان أيــن شــداد بــن عـــاد بـــن كنعـــان وذووا الأوتـــاد قرضهـــم
اللــه قــارض الأعمــار وخلــى منهــم الديــار فهــل قدمــوا ليــوم الميعــاد واستعــدوا لجـــواب رب العبـــاد يـــا
هـذا إن كنـت لا تعرفنـي فأنـا أعرفـك باسمـي ونسبـي أنـا ترمزيـن بنــت عمالقــة الملــوك مــن الذيــن عدلــوا
فـي اليلـاد وملكـت مـا لـم يملكـه أحـد مـن الملـوك وعدلـت فــي القضيــة وأنصفــت بيــن الرعيــة وأعطيــت
ووهبـت وقـد عشـت زمنـاً طويـلاً فــي ســرور وعيــش رغيــد وأعتقــت الجــواري والعبيــد حتــى نــزل
بـي طـارق وحلـت بيـن يـدي الرزايـا وذلـك أنـه قـد تواتــرت علينــا سبــع سنيــن لــم ينــزل علينــا مــاء مــن
السمــاء ولا نبــت لنــا عشــب علــى وجـــه الـــأرض فأكلنـــا مـــا كـــان عندنـــا مـــن القـــوت فلـــم يجـــدوه ثـــم
===
عـادوا غلينـا بالمــال بعــد طــول الغيبــة فحينئــذ أظهرنــا أموالنــا وذخائرنــا وأغلقنــا أبــواب الحصــون التــي
بمدينتنــا وسلمنــا الحكــم لربنــا وفوضنــا أمرنــا لمالكنــا فمتنـــا جميعـــاً كمـــا ترانـــا وتركنـــا مـــا عمرنـــا ومـــا
ادخرنـا فهـذا هـو الخبـر ومـا بعـد العيـن إلا الأثــر وقــد نظــروا فــي أسفــل اللــوح فــرأوا مكتوبــاً فيــه هــذه
الأبيات:
بنـــي آدم لا يهـــزأ بـــك الأمــــل عن كل ما ادخرت كفاك ترتحلوا
أراك ترغب في الدنيا وزينتها وقد سعى قبلك الماضون والأول
قد حصلوا المال من حل ومن حرم فلم يرد القضا لما انتهى الأجل
قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعوا فخلفوا المال والبنيان وارتحلـوا
إلى قبور وضيق في الثرى رقدوا وقد أقاموا به رهناً بمـا عملـوا
كأنما الركب قد حطوا رحالهمو في جنح ليل بـدار مـا بهـا نـزل
فقال صاحبها يا قوم ليس لكم فيها مقام فشدوا بعد ما نزلوا
فكلهم خائف أضحى بها وجلا ولا يطيــب لــه حـــل ومرتحـــل
فقدم الزاد من خير تسير غدا وليـس إلا بتقـوى ربـك العمــل
===
والركـن الوثيـق وإن المـوت هـو الحـق المبيـن والوعـد اليقيـن فــراع فيــه يــا هــذا المرجــع والمــآب واعتبــر بمــن
سلـف قبلـك فـي التـراب وبـادر إلـى سبيـل الميعـاد أمــا تــرى الشيــب إلــى القبــر دعــاك وبيــاض شعــرك
علــى نفســك قــد نعــاك فكــن علــى يقظــة الرحيــل والحســـاب يـــا ابـــن آدم مـــا أقســـى قلبـــك فمـــا غـــرك
بربـك أيـن الأمـراء السالفـة العبـرة لمـن يعتبـر أيــن ملــوك الصيــن أهــل البــأس والتمكيــن أيــن عــاد بــن شــداد
ومــا بنــى وعمــر ابــن النمــوردو الــذي طغــى وتجبــر أيــن فرعــون الــذي جحــد وكفــر كلهـــم قـــد قهرهـــم
المــوت علــى الاثــر فمـــا بقـــي صغيـــراً ولا كبيـــراً ولا أنثـــى ولا ذكـــر قرضهـــم قـــارض الأعمـــار ومكـــور
الليـــل علـــى النهـــار اعلـــم أيهـــا الواصـــل إلـــى هــــذا المكــــان ممــــن رآنــــا أنــــه لا يغتــــر بشــــيء مــــن الدنيــــا
وحطامهـــا فإنهـــا غـــدارة مكـــارة ودار بـــور وغـــرو فطوبـــى لعبـــد ذكـــر ذنبــــه وخشــــي ربــــه وأحســــن
المعاملـة وقـدم الـزاد ليـوم المعـاد فمـن وصـل إلــى مدينتنــا ودخلهــا وسهــل اللــه عليــه دخولهــا فيأخــذ مــن
المـال مـا يقـدر عليـه ولا يمـس مــن فــوق جســدي شيئــاً فإنــه ستــر لعورتــي وجهــازي مــن الدنيــا فليتــق
اللـــه ولا يسلـــب منـــه شيئـــاً فيهلـــك نفســـه وقـــد جعلـــت ذلـــك نصيحـــة منـــي إليـــه وأمانـــة منـــي لديــــه
والسلام فأسأل الله أن يكفيكم شر البلايا والسقام.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأميــر موســى لمــا سمــع هــذا الكلــام بكــى بكــاء شديــداً حتـــى
غشــي عليــه فلمــا أفــاق كتــب جميــع مــا رآه واعتبـــر بمـــا شاهـــده ثـــم قـــال لأصحابـــه ائتـــوا بالأعـــدال
واملوهـا مـن هـذه الأمـوال وهـذه الأوانـي والتحـف والجواهــر فقــال طالــب بــن سهــل للأميــر موســى أيهــا
الأميـر اتـرك هـذه الجاريـة بمـا عليهـا وهـو شـيء لا نظيـر لـه ولا يوجـد فـي وقـت مثلـه أوفــى مــا أخــذت
مـن الأمـوال وأحسـن هديـة تتقـرب إلـى أميـر المؤمنيـن فقـال الأميـر موسـى يـا هـذا ألـم تسمــع مــا أوصــت
بــه الجاريــة فــي هــذا اللــوح لاسيمــا وقــد جعلتــه أمانــة ومــا نحــن مــن أهــل الخيانــة فقــال الوزيــر طالـــب
وهــل لأجــل هــذه الكلمــات تتــرك الأمــوال وهــذه الجواهــر وهــي ميتــة فمــاذا ستصنــع بهــذا وهـــو زيـــن
الدنيـا وجمـال الأحيـاء ويكفـي ثـوب مـن القطـن نستـر بـه هـذه الجاريـة فهــي أحــق بــه منهــا يــا مــن السلــم
وصعـد علـى الـدرج حتـى صـار بيـن العموديـن ووصـل بيــن الشخصيــن وإذا بأحــد الشخصيــن ضربــه
فـي ظهـره والآخـر بالسيـف الـذي فـي يـده ورمـى رأســه ووقــع ميتــاً فقــال الأميــر موســى لا رحــم اللــه
لــك مضجعــاً لقــد كــان هــذه الأمــوال مــا فيــه كفايــة والطمـــع لاشـــك يـــزري بصاحبـــه ثـــم أمـــر بدخـــول
العساكــر فدخلــوا وحملــوا الجمـــال مـــن تلـــك الأمـــوال والمعـــادن ثـــم إن الأميـــر موســـى أمرهـــم أن يغلقـــوا
البـاب كمـا كـان ثـم ســاروا علــى الساحــل حتــى أشرفــوا علــى جبــل عــال مشــرف علــى البحــر وفيــه
مغــارات كثيــرة وإذا فيهــا قــوم مــن الســود وعليهــم نطــوح وعلــى رؤوسهــم برانــس مــن نطــوح لا يعـــرف
===
كلامهـم فلمــا رأوا العسكــر جفلــوا منهــم وولــوا هاربيــن إلــى تلــك المغــارات ونساؤهــم وأولادهــم علــى
أبواب المغارات.
فقالالأميــر موســى يــا شيــخ عبـــد الصمـــد مـــا هـــؤلاء القـــوم فقـــال هـــؤلاء طلبـــة أميـــر المؤمنيـــن فنزلـــوا
وضربـت الخيـام وحطـت الأمـوال فمـا استقـر بهـم المكـان حتــى نــزل ملــك الســودان مــن الجبــل ودنــا مــن
العسكـر وكـان يعـرف العربيـة فلمـا وصـل إلـى الأميـر موسـى سلـم عليـه فـرد عليــه السلــام وأكرمــه فقــال
ملــك الســودان للأميــر موســى أنتــم مــن الإنــس أم مــن الجــن فقــال الأميــر موســى أمــا نحـــن فمـــن الإنـــس
وأما أنتم فلا شك أنكم من الجن لانفرادكم في هذا الجبل المنفرد عن الخلق ولعظم خلقكم.
فقــال ملــك الســودان بــل نحــن قــوم آدميــون مــن أولــاد حــام بــن نــوح عليــه السلــام وأمــا هــذا البحــر فإنــه
يعـرف بالكركـر فقـال لـه الأميـر موسـى ومـن أيـن لكـم علـم ولـم يبلغكـم نبـي أو وحـي إليـه فـي مثـل هــذه
الـأرض فقـال اعلـم أيهـا الأميـر أنـه يظهـر لنـا مـن هـذا البحــر شخــص لــه نــور تضــيء لــه الآفــاق فينــادي
بصـوت يسمعــه البعيــد والقريــب يــا أولــاد حــام استحيــوا ممــن يــرى ولا يــرى وقولــوا لا إلــه إلا اللــه محمــد
رسـول اللــه وأنــا أبــو العبــاس الخضــر وكنــا قبــل ذلــك نعبــد بعضنــا فدعانــا إلــى عبــادة رب العبــاد ثــم
قـال للأميـر موسـى وقـد علمنــا كلمــات نقولهــا فقــال الأميــر موســى ومــا هــذه الكلمــات قــال هــي لا إلــه
إلا اللـه وحـده لا شريـك لـه لـه الملـك ولـه الحمـد يحيــي ويميــت وهــو علــى كــل شــيء قديــر ومــا نتقــرب
===
إلـى اللـه عـو وجـل إلا بهــذه الكلمــات ولا نعــرف غيرهــا وكــل ليلــة جمعــة نــرى نــوراً علــى وجــه الــأرض
ونسمـع صوتـاً يقـول سبـوح قـدوس رب الملائكـة والـروح ماشـاء اللـه كـان ومـا لـم يشـأ لــم يكــن كــل نعمــة
فضل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فقـال لـه الأميـر موسـى نحـن أصحـاب ملـك الإسلـام عبــد الملــك بــن مــروان وقــد جئنــا بسبــب القماقــم
النحـاس التـي عندكـم فـي بحركـم وفيهـا الشياطيـن محبوسـة مـن عهـد سليمـان عليهمـا السلــام وقــد أمــر
أن نأتيه بشيء منها يبصره ويتفرج عليه.
فقـال لـه ملـك السـودان حبـاً وكرامـة ثـم أضافهــم بلحــوم السمــك وأمــر الغواصيــن أن يخرجــوا مــن البحــر
شيئـاً مـن القماقـم السليمانيـة فأخرجـوا لهـم اثنـي عشــر قمقمــاً ففــرح الأميــر موســى بهــا والشيــخ عبــد
الصمـــد والعساكـــر لأجـــل قضـــاء حاجـــة أميـــر المؤمنيـــن ثـــم إن الأميـــر موســـى وهـــب لملـــك الســـودان
مواهــب كثيــرة وأعطــاه عطايــا جزيلـــة وكذلـــك ملـــك الســـودان أهـــدى إلـــى الأميـــر موســـى هديـــة مـــن
عجائب البحر على صفة الآدميين وقال له إن ضيافتكم في هذه ثلاثة أيام من لحوم هذا السمك.
فقـال الأميـر موسـى لابـد أن نحمــل معنــا شيئــاً حتــى ينظــر إليــه أميــر المؤمنيــن فيطمئــن خاطــره بذلــك
أكثــر مــن القماقــم السليمانيــة ثــم ودعــوه وســاروا حتــى وصلـــوا إلـــى بلـــاد الشـــام فدخلـــوا علـــى أميـــر
المؤمنيــن عبــد الملــك بـــن مـــروان فحدثـــه الأميـــر بجميـــع مـــا رآه ومـــا وقـــع لـــه مـــن الأشعـــار والأخبـــار
===
فقــال لــه أميــر المؤمنيــن ليتنــي كنـــت معكـــم حتـــى أعايـــن مـــا عاينتـــم ثـــم أخـــذ القماقـــم وجعـــل يفتـــح
قمقمــاً بعــد قمقــم والشياطيــن يخرجــون منهــا ويقولـــون التوبـــة يـــا نبـــي اللـــه ومـــا نعـــود لمثـــل ذلـــك أبـــداً
فتعجـــب عبـــد الملـــك بـــن مـــروان مـــن ذلـــك وأمـــا بنـــات البحـــر اللواتـــي أهداهـــا لهـــم ملـــك الســـودان
فإنهــم صنعــوا لهــا حيضانــاً مــن خشــب وملأوهــا مــاء ووضعوهــا فيهــا فماتــت مــن شــدة الحــر ثــم إن
أمير المؤمنين أحضر الأموال وقسمها بين المسلمين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن أميــر المؤمنيــن عبــد الملــك بــن مــروان لمــا رأى القماقــم ومـــا فيهـــا
تعجـب مـن ذلـك غايـة العجـب وأمـر بإحضـار الأمـوال وقسمهـا بيـن المسلميـن وقــال لــم يعــط اللــه أحــداً
مثـــل مــــا أعطــــى سليمــــان بــــن داود عليهــــم السلــــام ثــــم إن الأميــــر موســــى يســــأل أميــــر المؤمنيــــن أن
يستخلـف ولـده مكانـه علـى بلـاده وهـو يتوجـه إلـى القـدس الشريـف يعبــد اللــه فيــه فولــى أميــر المؤمنيــن
ولـده وتوجـه إلـى القــدس الشريــف ومــات فيــه وهــذا آخــر مــا انتهــى إلينــا مــن حديــث مدينــة النحــاس
على التمام والله أعلم.
===
وقـد بلغنـا أيضـاً أنــه كــان فــي قديــم الزمــان وسالــف العصــر والــأوان ملــك مــن ملــوك الزمــان كــان كثيــر
الجنـد والأعـوان وصاحـب جـاه وأمـوال ولكنـه بلـغ مـن العمـر مـدة ولـم يـرزق ولـداً ذكــراً فلمــا فلــق الملــك
توسـل النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم إلـى اللـه تعالـى وسألـه بجـاه الأنبيـاء والأوليـاء والشهــداء مــن عبــاده
المقربيـن أن يرزقـه بولـد ذكـر حتـى يــرث الملــك مــن بعــده ويكــون قــرة عينــه ثــم قــام مــن وقتــه وساعتــه
ودخـل قاعـة جلوسـه وأرسـل إلـى زوجتــه فواقعهــا فحملــت بــإذن اللــه تعالــى ومكثــت مــدة حتــى آن
أوان وضعهــا فولــدت ولــداً ذكــراً وجهــه مثــل دورة القمــر ليلــة أربعــة عشــر فتربــى ذلــك الغلـــام إلـــى أن
بلـــغ مـــن العمـــر خمـــس سنيـــن وكـــان عنـــد ذلـــك الملـــك رجـــل حكيـــم مـــن الحكمـــاء الماهريـــن يسمــــى
السندبـاد فسلـم إليـه ذلـك الغلـام فلمـا بلـغ مـن العمـر عشــر سنيــن علمــه الحكمــة والــأدب إلــى أن صــار
ذلك الولد ليس أحد في هذا الزمان يناظره في العلم والأدب والفهم.
فلمـــا بلـــغ والـــده ذلـــك أحضـــر لـــه جماعـــة مـــن فرســـان العـــرب يعلمونـــه الفروسيـــة فمهـــر فيهـــا وصــــال
وجال فـي حومـة الميـدان إلـى أن فـاق أهـل زمانـه وسائـر اقرانـه ففـي بعـض الأيـام نظـر ذلـك الحكيـم فـي
النجــوم فرآهــا طالــع الغلــام وأنـــه متـــى عـــاش سبعـــة أيـــام وتكلـــم بكلمـــة صـــار فيهـــا هلاكـــه فذهـــب
الحكيـم إلــى الملــك والــده وأعلمــه بالخبــر فقــال لــه والــده فمــا يكــون الــراي والتدبيــر يــا حكيــم فقــال لــه
الحكيـم أيهـا الملــك الــرأي والتدبيــر عنــدي أن تجعلــه فــي مكــان نزهــة وسمــاع آلــات مطربــة يكــون فيهــا
===
فأرســل الملــك إلــى جاريــة مــن خواصــه وكانــت أحســن الجــواري فسلــم إليهــا الولـــد وقـــال لهـــا خـــذي
سيــدك فــي القصــر واجعليــه عنــدك ولا ينــزل مــن القصــر إلا بعــد سبعــة أيــام تمضــي فأخذتــه الجاريــة
وأجلستـه فـي ذلـك القصـر وكـان فـي القصـر أربعـون حجـرة وفـي كـل حجـرة عشــر جــوار وكــل جاريــة
معهــا آلــة مـــن آلـــات الطـــرب إذا ضربـــت واحـــدة منهـــن ترقـــص مـــن نغمتهـــا ذلـــك القصـــر وحواليـــه نهـــر
جــار مــزروع شاطئــه بجميــع الفواكــه والمشمومـــات وكـــان ذلـــك الولـــد فيـــه مـــن الحســـن والجمـــال مـــا لا
يوصــف فبــات ليلــة واحــدة فرأتــه الجاريــة محظيــة والــده فطـــرق العشـــق قلبهـــا فلـــم تتمالـــك أن رمـــت
نفسها عليه.
فقـال لهـا الولـد إن شــاء اللــه تعالــى حيــن أخــرج عنــد والــدي أخبــره بذلــك فيقتلــك فتوجهــت الجاريــة
إلــى الملــك ورمــت نفسهــا بالبكــاء والنحيــب فقـــال لهـــا مـــا خبـــرك يـــا جاريـــة كيـــف سيـــدك أمـــا هـــو
طيـب فقالـت يــا مولــاي إن سيــدي راودنــي عــن نفســي وأراد قتلــي علــى ذلــك فمنعتــه وهربــت منــه
وما بقيت أرجع إليه ولا إلى القصر أبداً.
فلمــا سمــع والــده ذلــك الكلــام حصــل لــه غيــظ عظيــم فأحضـــر عنـــده الـــوزراء وأمرهـــم بقتلـــه فقالـــوا
لبعضهـم إن الملـك صمـم علـى قتـل ولـده وإن قتلـه ينـدم عليــه بعــد قتلــه لا محالــة فإنــه عزيــز عنــده ومــا
جاء هـذا الولـد إلا بعـد اليـأس ثـم بعـد ذلـك يرجـع عليكـم باللـوم فيقـول لكـم تدبـروا لـي تدبيـراً يمنعنـي
===
فتقـدم الوزيـر الـأول وقـال أنـا أكفيكـم شـر الملـك فـي هـذا اليــوم فقــام ومضــى إلــى أن دخــل علــى الملــك
وتمثـل بيـن يديـه ثـم استأذنـه فـي الكلـام فـأذن لـه فقـال لـه أيهـا الملـك لــو قــدر أنــه كــان لــك ألــف ولــد لــم
تسمــح نفســك فــي أن تقتــل واداً منهــم بقــول جاريــة فإنهــا إمــا أن تكــون صادقــة أو كاذبــة ولعـــل هـــذه
مكيــدة منهــا لولــدك فقــال وهــل بلغــك شــيء مــن كيدهــن أيهــا الوزيــر قـــال نعـــم بلغنـــي أيهـــا الملـــك أنـــه
كـــان ملـــك مـــن ملـــوك الزمـــان مغرمـــاً بحـــب النســـاء فبينمـــا هـــو قاعـــد فـــي قصـــره يومـــاً مـــن الأيـــام إذ
وقعـت عينـه علـى جاريـة وهـي علـى سطــح بيتهــا وكانــت ذات حســن وجمــال فلمــا رآهــا لــم يتمالــك
نفســـه مـــن المبحـــة فســـأل عـــن ذلـــك البيـــت فقالـــوا لـــه هـــذا البيـــت لوزيـــرك فلـــان فقــــام مــــن ساعتــــه
وأرســل إلــى الوزيــر فلمــا حضــر بيــن يديــه أمــره أن يسافــر فــي بعــض جهــات المملكــة ليطلــع عليهــا ثــم
يعنود فسافر الوزير كما أمره الملك.
فلمــا رأتــه الجاريــة عرفتــه فوثبــت علــى قدميهــا وقبلـــت يديـــه ورجليـــه فرحبـــت بـــه ووقفـــت بعيـــداً
عنــه مشتغلــة بخدمتــه ثــم قالــت يــا مولانــا مــا سبــب القـــدوم المبـــارك ومثلـــي لا يكـــون لـــه ذلـــك فقـــال
سببـه أن عشقـك والشـوق إليـك قـد أرمانــي علــى ذلــك فقبلــت الــأرض بيــن يديــه ثانيــاً وثالثــاً وقالــت
لـه يـا مولــاي أنــا لا أصلــح أن أكــون جاريــة لبعــض خــدام الملــك فمــن أيــن يكــون لــي عنــدك هــذا الحــظ
حتــى صــرت عنــدك بهــذه المنزلــة فمــد الملــك يــده إليهــا فقالــت هــذا الأمــر لا يفوتنــا ولكــن صبــراً أيهـــا
===
الملـك وأقـم عنـدي هـذا اليـوم كلـه حتـى أصنـع لــك شيئــاً تأكلــه قــال فجلــس الملــك علــى مرتبــة وزيــره
ثــم نهضــت قائمــة وأتتــه بكتــاب فيــه مــن المواعــظ والــأدب ليقــرأ فيـــه حتـــى تجهـــز لـــه الطعـــام فأخـــذه
الملـــك وجعـــل يقـــرأ فيـــه فوجـــد فيـــه مـــن المواعـــظ والحكـــم ومـــا زجـــره عـــن الزنـــا وكســـر همتـــه عـــن
ارتكاب المعاصي.
فلمــا جهــزت لــه الطعــام قدمتــه بيــن يديــه وكانــت عنــده الصحــون تسعيــن صحنــاً فجعـــل الملـــك يأكـــل
مــن كــل صحــن ملعقــة والطعــام أنــواع مختلفــة وطعمهــا واحــد فتعجــب الملـــك مـــن ذلـــك غايـــة العجـــب
ثــم قــال أيتهــا الجاريــة أرى هــذه الأنــواع كثيـــرة وطعمهـــا واحـــد فقالـــت لـــه الجاريـــة أسعـــد اللـــه الملـــك
هــذا مثــل ضربتــه لــك لتعتبــر بــه فقــال لهــا ومــا سببــه فقالــت أصلــح اللـــه حـــال مولانـــا الملـــك إن فـــي
قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهن واحد.
فلمــا سمــع الملــك هــذا الكلــام خجــل منهــا وقــام مــن وقتــه وخــرج مـــن المنـــزل ولـــم يتعـــرض لهـــا بســـوء
ومــن خجلــه نســي خاتمــه عندهــا تحــت الوســادة ثــم توجــه إلــى قصــره فلمــا جلــس الملــك فــي قصـــره
حضـر الوزيـر فـي ذلـك الوقـت وتقـدم إلـى الملــك وقبــل الــأرض بيــن يديــه وأعلمــه بحــال مــا أرسلــه إليــه
ثـم سـار الوزيـر إلـى أن دخـل بيتـه وقعـد علـى مرتبتـه ومـد يـده تحـت الوسـادة فلقـي خاتـم الملـك تحتهــا
فرفعــه الوزيــر وحملــه علــى قلبــه وانعــزل عــن الجاريــة مــدة سنــة كاملــة ولـــم يكلمهـــا وهـــي لا تعلـــم مـــا
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الوزيــر انعــزل عــن الجاريــة مــدة سنــة كاملــة ولــم يكلمهــا وهــي لا
تعلـم مـا سبـب غيظـه فلمـا طـال بهـا المطـال ولـم تعلـم مـا سبــب ذلــك أرسلــت إلــى أبيهــا وأعلمتــه بمــا
جــرى لهــا معــه مــن انعزالــه عنهــا مــدة سنــة كاملــة فقــال لهـــا أبوهـــا إنـــي أشكـــوه حيـــن تكـــون بحضـــرة
الملــك فدخــل يومــاً مــن الأيــام فوجــده بحضــرة الملــك وبيـــن يديـــه قاضـــي العسكـــر فادعـــى عليـــه فقـــال
أصلــح اللــه تعالــى حــال الملــك إنــه كــان لــي روضــة حسنــة غرزتهــا بيــدي وأنفقــت عليهــا مالــي حتــى
أثمـرت وطــاب جناهــا فأهديتهــا لوزيــرك هــذا فأكــل منهــا مــا طــاب لــه ثــم رفضهــا ولــم يسقهــا فيبــس
زهرهــا وذهــب رونقهــا وتغيــرت حالتهــا فقــال الوزيــر أيهــا الملــك صـــدق هـــذا فـــي مقالتـــه إنـــي كنـــت
أحفظهــا وآكــل منهــا فذهبــت يومــاً إليهــا فرايــت أثــر الســد هنــاك فخفــت علــى نفســي فعزلــت نفســـي
عنها ففهم الملك أن الأثر الذي وجده الوزير هو خاتم الملك الذي نسيه في البيت.
فقــال الملــك عنــد ذلــك لوزيــره ارجــع أيهــا الوزيــر لروضتــك وأنــت آمــن مطمئــن فــإن الأســـد لـــم يقربهـــا
وقــد بلغنــي أنــه وصــل إليهــا ولكــن لــم يتعــرض لهــا بســوء وحرمــة آبائــي وأجــدادي فقــال الوزيــر عنــد
===
ذلك سمعاً وطاعـة ثـم إن الوزيـر رجـع إلـى بيتـه وأرسـل إلـى زوجتـه وصالحهـا ووثـق بصيانتهـا وبلغنـي
أيهــا الملــك أيضــاً أن تاجــراً كــان كثيــر الأسفــار وكانــت لــه زوجــة جميلــة يحبهــا ويغــار عليهـــا مـــن كثـــرة
المحبة فاشترى لها درة فكانت الدرة تعلم سيدها بما يجري في غيبته.
فلمــا كــان فــي بعــض أسفــاره تعلقــت امـــرأة التاجـــر بغلـــام كـــان يدخـــل عليهـــا فتكرمـــه وتواصلـــه مـــدة
غيــاب زوجهــا فلمــا قــدم زوجهــا مــن سفـــره وأعلمتـــه الـــدرة بمـــا جـــرى وقالـــت لـــه يـــا سيـــدي غلـــام
تركي كان يدخل على زوجتك في غيابك فتكرمه غاية الإكرام فهم الرجل بقتل زوجته.
فلمـا سمعـت ذلــك قالــت لــه يــا رجــل اتــق اللــه وارجــع إلــى عقلــك هــل يكــون لطيــر عقــل أو فهــم وإن
أردت أن أبيــن لــك ذلــك لتعــرف كذبهــا مــن صدقهــا فامــض هــذه الليلـــة ونـــم عنـــد بعـــض أصدقائـــك
فـــإذا أصبحـــت فتعـــال واسألهـــا حتـــى تعلـــم هـــل تصـــدق هـــي فيمـــا تقـــول أو تكـــذب فقـــام الرجـــل
وذهب إلى بعض أصدقائه فبات عنده.
فلمــا كــان الليــل عمــدت زوجــة الرجــل إلــى قطعــة نطــع غطــت بــه قفــص الــدرة وجعلــت تـــرش علـــى
ذلــك النطــع شيئـــاً مـــن المـــاء وتـــروح عليـــه بمروحـــة وتقـــرب إليهـــا الســـراج علـــى صـــورة لمعـــان البـــرق
وصارت تدير الرحى إلى أن أصبح الصباح.
فلمــا جــاء زوجهــا قالــت لــه يــا مولــاي اســـأل الـــدرة فجـــاء زوجهـــا إلـــى الـــدرة يحدثهـــا ويسألهـــا عـــن
===
ليلتهـا الماضيـة فقالـت لـه الـدرة يــا سيــدي ومــن كــان ينظــر أو يسمــع فــي تلــك الليلــة الماضيــة فقــال لهــا
لــأي شــيء فقالــت يــا سيــدي مــن كثــرة المطــر والريــح والرعــد والبــرق فقــال لهــا كذبــت إن الليلــة التــي
مضــت مــا كــان فيهــا شــيء مــن ذلــك فقالــت الــدرة مــا أخبرتــك إلا بمــا عاينــت وشاهـــدت وسمعـــت
فكذبهــا فــي جميــع مــا قالتــه عــن زوجتــه وأراد أن يصالـــح زوجتـــه فقالـــت واللـــه مـــا اصطلـــح حتـــى
تذبـح هـذه الـدرة التـي كذبـت علـي فقـام الرجـل إلـى الـدرة وذبحهـا ثـم أقـام بعـد ذلـك مــع زوجتــه مــدة
أيـام قلائـل ثـم رأى فـي بعـض الأيـام ذلـك الغلــام التركــي وهــو خــارج مــن بيتــه فعلــم صــدق قــول الــدرة
وكـذب زوجتـه فنـدم علـى ذبـح الـدرة ودخـل مــن وقتــه وساعتــه علــى زوجتــه وذبحهــا وأقســم علــى
نفســه أنـــه لا يتـــزوج بعدهـــا امـــرأة مـــدة حياتـــه ومـــا أعلمتـــك أيهـــا الملـــك إلا لتعلـــم أن كيدهـــن عظيـــم
والعجلة تورث الندامة فرجع الملك عن قتل ولده.
فلمـا كـان فـي اليـوم الثانـي دخلـت عليـه الجاريــة وقبلــت الــأرض بيــن يديــه وقالــت لــه أيهــا الملــك كيــف
أهملـت حقـي وقـد سمــع الملــوك عنــك أنــك أمــرت بأمــر ثــم نقضــه وزيــرك وطاعــة الملــك مــن نفــاذ أمــره
وكل واحد يعلم عدلك وإنصافك فانصفني من ولدك.
فقــد بلغنــي أن رجــلاً قصــاراً يخــرج كــل يــوم إلــى شاطـــئ الدجلـــة يقصـــر القمـــاش ويخـــرج معـــه ولـــده
فينـزل النهـر ليعـوم فيـه مـدة إقامتـه ولـم ينهـه والـده عـن ذلـك فبينمـا هـو يعـوم يومــاً مــن الأيــام غــذ تعبــت
===
سواعــده فغــرق فلمــا نظــر إليــه أبــوه وثــب عليــه وترامــى إليــه فلمــا أمسكــه أبــوه تعلــق بـــه ذلـــك الولـــد
فغـرق الـأب والابـن جميعـاً فكذلـك أنـت أيهـا الملـك إذا لــم تنــه ولــدك وتأخــذ حقــي منــه أخــاف عليــك
أن تغرق كل منكما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيــــد أن الجاريــــة لمــــا حكــــت للملــــك حكايــــة القصــــار وولــــده وقالــــت
أخــاف أن تغــرق أنــت وولــدك أيضــاً قالـــت وكذلـــك بلغنـــي مـــن كيـــد الرجـــال أن رجـــلاً عشـــق امـــرأة
كانــت ذات حســن وجمــال وكــان لهــا زوج وكانــت تلــك المــرأة صالحــة عفيفــة ولــم يجــد الرجــل العاشــق
إليهـا سبيـلاً فطـال عليـه الحـال ففكـر فـي الحيلـة وكـان لـزوج المـرأة غلـام ربـاه فـي بيتـه وذلـك الغلـام أميـن
عنــده فجــاء إليــه ذلــك العاشــق ومــا زال يلاطفــه بالهديــة والإحســان إلـــى أن صـــار الغلـــام طوعـــاً لـــه
فيمــا يطلبــه منــه فقــال لــه يومــاً مــن الأيــام يــا فلــان أمــا تدخــل بــي منزلكـــم إذا خرجـــت سيدتـــك منـــه
فقال له نعم.
فلمـا خرجـت سيدتـه إلـى الحمـام وخـرج سيـده إلـى الدكـان جـاء الغلـام إلــى صاحبــه وأخــذ بيــده إلــى
===
أن أدخلـه المنـزل ثـم عــرض عليــه جميــع مــا فــي المنــزل وكــان العاشــق مصممــاً علــى مكيــدة يكيــد بهــا
المـرأة فأخـذ بيـاض بيضـه معـه فـي إنـاء ودنـا مـن فـراش الرجـل وسكبـه علـى الفــراش مــن غيــر أن ينظــر
إليــه الغلــام ثــم خــرج مــن المنــزل ومضــى إلــى حــال سبيلــه ثــم بعــد ساعــة دخــل الرجــل فأتــى الفــراش
ليستريـح عليـه فوجـد فيـه بلـلاً فأخـذه بيــده فلمــا رآه ظــن فــي عقلــه أنــه منــي رجــل فنظــر إلــى الغلــام
بعين الغضب ثم قـال لـه أيـن سيدتـك فقـال لـه ذهبـت إلـى الحمـام وتعـود فـي هـذه الساعـة فتحقـق ظنـه
وغلب على عقله أنه مني رجل فقال للغلام أخرج في هذه الساعة وأحضر سيدتك.
فلمــــا حضــــرت بيــــن يديــــه وثــــب قائمــــاً إليهــــا وضربهـــــا ضربـــــاً عنيفـــــاً ثـــــم كتفهـــــا وأراد أن يذبحهـــــا
فصاحــت علــى الجيــران فأدركوهــا فقالــت لهــم إن هــذا الرجــل يريــد أن يذبحنــي ولا أعــرف لــي ذنبــاً
فقــام عليــه الجيــران وقالــوا لــه ليــس لــك عليهــا سبيـــل إمـــا أن تطلقهـــا وإمـــا أن تمسكهـــا بمعـــروف فإنـــا
نعـرف عفافهـا وهـي جارتنـا مـدة طويلـة ولـم نعلـم عليهـا سـوءاً أبـداً فقـال إنـي رأيـت فـي فراشــي منيــاً
كمني الرجال وما أدري سبب ذلك فقام رجل من الحاضرين وقال له أرني ذلك.
فلمــا رآه الرجــل قــال أحضــر لــي نـــاراً ووعـــاء فلمـــا أحضـــر لـــه ذلـــك أخـــذ البيـــاض قلـــاه علـــى النـــار
وأكـــل منـــه الرجـــل وأطعـــم الحاضريـــن فتحقـــق الحاضـــرون أنهـــا بيـــاض بيـــض فعلـــم الرجـــل أنــــه ظلــــم
زوجتــه وأنهــا بريئــة مــن ذلــك ثــم دخــل عليــه الجيـــران وصالحـــوه هـــو وإياهـــا بعـــد أن طلقهـــا وبطلـــت
===
فاعلـم أيهــا الملــك أن هــذا مــن كيــد الرجــال فأمــر الملــك بقتــل ولــده فتقــدم الوزيــر الثانــي وقبــل الــأرض
بيــن يديــه وقــال لــه أيهــا الملــك لا تعجــل علــى قتــل ولــدك فــإن أمــه مــا رزقتــه إلا بعــد يــأس ونرجــو أن
يكـون ذخيـرة فـي ملكـك وحافظـاً علـى مالـك فتصبـر أيهـا الملـك لعـل لـه حجـة يتكلــم بهــا فــإن عجلــت
علـى قتلــه ندمــت كمــا نــدم الرجــل التاجــر قــال لــه الملــك وكيــف كــان ذلــك ومــا حكايتــه يــا وزيــر قــال
بلغنــي أيهــا الملــك أنــه كــان تاجــر لطيــف فــي مأكلــه ومشربــه فسافــر يومــاً مــن الأيــام إلـــى بعـــض البلـــاد
فبينمــا هــو يمشــي فــي اسواقهــا وإذا بعجــوز معهــا رغيفــان فقـــال لهـــا هـــل تبيعيهمـــا فقالـــت لـــه نعـــم
فساومها بأرخص ثمن واشتراهما منها وذهب بهما منزله فأكلهما ذلك اليوم.
فلمــا أصبــح الصبــاح عــاد إلــى ذلــك المكــان فوجــد العجــوز ومعهـــا الرغيفـــان فاشتراهمـــا أيضـــاً منهـــا
ولـم يـزل كذلـك مـدة عشريـن يومـاً ثـم غابـت العجـوز عنـه فســأل عنهــا فلــم يجــد لهــا خبــراً فبينمــا هــو
ذات يــوم مــن الأيــام فــي بعــض شــوارع المدينــة إذ وجدهــا فوقــف وسلـــم عليهـــا وسألهـــا عـــن سبـــب
غيابهـا وانقطـاع الرغيفيـن عنــه فلمــا سمعــت العجــوز كلامــه تكاسلــت عــن رد الجــواب فأقســم عليهــا
أن تخبره عن أمرها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن التاجــر لمــا أقســم علــى العجــوز أن تخبــره عــن أمرهــا فقالــت لـــه
يـا سيـدي اسمـع منـي الجـواب ومـا ذلـك غـلا أنـي كنـت أخـدم إنسانـاً وكانـت بــه أكلــة فــي صلبــه وكــان
عنـده طبيــب يأخــذ الدقيــق ويلتــه بسمــن ويجعلــه علــى الموضــع الــذي فيــه الوجــع طــوال ليلتــه إلــى أن
يصبــح الصبــاح فأخــذ ذلــك الدقيــق واجعلــه رغيفيــن وأبيعهمــا لــك أو لغيــرك وقــد مــات ذلــك الرجـــل
فانقطع عني الرغيفين.
فلمـــا سمـــع التاجـــر ذلـــك الكلـــام قـــال إنـــا للــــه وإنــــا إليــــه راجعــــون ولا حــــول ولا قــــوة إلا باللــــه العلــــي
العظيــم ولــم يــزل ذلــك التاجــر يتقيــأ إلــى أن مــرض ونــدم ولــم يفــده النــدم وبلغنــي أيهــا الملــك مـــن كيـــد
النســاء أن رجــلاً كــان يقــف بالسيــف علــى رأس ملــك مــن الملــوك وكــان لذلــك الرجــل جاريـــة يهواهـــا
فبعـث إليهـا يومـاً مــن الأيــام علامــة برسالــة علــى العــادة بينهمــا فجلــس الغلــام عندهــا ولاعبهــا فمالــت
إليه وضمته إلى صدرها فطلب منها المجامعة فطاوعته.
فبينمـا همـا كذلـك وإذا بسيــد الغلــام قــد طــرق البــاب فأخــذت الغلــام ورمتــه فــي طابــق عندهــا ثــم
فتحـت البـاب فدخـل وسيفـه بيـده فجلـس علـى فـراش المـرأة فأقبلــت عليــه تمازحــه وتلاعبــه وتضمــه
إلــى صدرهــا وتقبلــه فقــام الرجــل إليهــا وجامعهــا وإذا بزوجهــا يــدق علــى البـــاب فقـــال لهـــا مـــن هـــذا
قالــت زوجــي فقــال لهــا كيــف أفعــل وكيــف الحيلــة فــي ذلــك فقالــت لــه قــم ســل سيفــك وقــف فــي
===
الدهليــز ثــم سبنــي واشتمنــي فــإذا دخــل زوجــي عليــك فاذهــب وامضــي إلــى حــال سبيلــك ففعــل
ذلك.
فلما دخل زوجها رأى خازندار الملك واقفاً وسيفه مسلول بيده وهو يشتم زوجته ويهددها.
فلمــا رآه الخازنــدار استحــى وأغمــد سيفــه وخــرج مــن البيــت فقــال الرجــل لزوجتــه مــا سبـــب ذلـــك
فقالــت لــه يــا رجــل مــا ابــرك هــذه الساعــة التــي أتيــت فيهــا قــد أعتقــت نفســاً مؤمنــة مـــن القتـــل ومـــا
ذاك إلا أننــي كنــت فــوق السطــح أغــزل وإذا بغلــام قــد دخــل علــي مطــروداً ذاهــب العقــل وهــو يلهـــث
خوفـاً مـن القتـل وهـذا الرجـل مجـرد سيفــه وهــو يســرع وراءه ويجــد فــي طلبــه فوقــع الغلــام علــي وقبــل
يدي ورجلي وقال يا سيدتي أعتقيني ممن يريد قتلي ظلماً فخبأته في الطابق الذي عندنا.
فلمــا رأيــت هــذا الرجــل قـــد دخـــل وسيفـــه مسلـــول أنكرتـــه منـــه حيـــن طلبـــه منـــي فصـــار يشتمنـــي
ويهددنــي كمــا رأيــت والحمــد للــه الــذي لــي فإنــي كنــت حائــرة وليــس عنــدي أحــد ينقذنــي فقـــال لهـــا
زوجها نعم ما فعلت يا امرأة أجرك على الله فيجازيك بفعلك خيراً.
ثـم إن زوجهــا ذهــب إلــى الطابــق ونــادى الغلــام وقــال لــه اطلــع لا بــأس عليــك فطلــع مــن الطابــق وهــو
خائــف والرجـــل يقـــول لـــه ارح نفســـك لابـــأس عليـــك وصـــار يتوجـــع لمـــا أصابـــه والغلـــام يدعـــو لذلـــك
الرجل ثم خرجا جميعاً ولم يعلمه بما دبرته هذه المرأة.
===
فاعلــم أيهــا الملــك أن هــذا مــن جملــة كيــد النســـاء فإيـــاك والركـــون إلـــى قولهـــن فرجـــع الملـــك عـــن قتـــل
ولده.
فلمــا كــان اليــوم الثالــث دخلــت الجاريــة علــى الملــك وقبلــت الـــأرض بيـــن يديـــه وقالـــت لـــه أيهـــا الملـــك
خــذ لــي حقــي مــن ولــدك ولا تركـــن إلـــى قـــول وزرائـــك فـــإن وزرائـــك اليـــوم لا خيـــر فيهـــم ولا تكـــن
كالملك الذي ركن إلى وزير السوء من وزرائه فقال لها: وكيف كان ذلك
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد ذا الــرأي الرشيـــد أن ملكـــاً مـــن الملـــوك كـــان لـــه ولـــد يحبـــه ويكرمـــه
غايــة الإكــرام ويفضلــه علــى سائــر أولــاده فقــال لـــه يومـــاً مـــن الأيـــام يـــا أبـــت إنـــي اريـــد أن أذهـــب إلـــى
الصيــد والقنــص فأمــر بتجهيــزه وأمــر وزيــراً مــن وزراءه إن يخــرج معــه فــي خدمتــه ويقضـــي لـــه جميـــع
مهماتــه فــي سفــره فأخــذ ذلــك الوزيـــر جميـــع مـــا يحتـــاج إليـــه الولـــد فـــي السفـــر وخـــرج معهمـــا الخـــدم
والنــواب والغلمــان وتوجهــوا إلــى الصيــد حتــى وصلــوا إلــى أرض مخضــرة ذات عشــب ومرعــى وميـــاه
الصيــد فيهــا كثيــرة فتقــدم ابــن الملــك للوزيــر وعرفــه بمــا أعجبــه مــن التنـــزه فأقامـــوا بتلـــك الـــرض مـــدة
أيــام وابــن الملــك فــي أطيــب عيــش وأرغــده ثــم أمرهــم ابــن الملــك بالانصــراف فاعترضتــه غزالــة قـــد
انفـردت عـن رفقتهــا فاشتاقــت نفســه إلــى اقتناصهــا وطمــع فيهــا فقــال للوزيــر إنــي أريــد أن أتبــع هــذه
الغزالـة فقـال لــه الوزيــر افعــل مــا بــدا لــك فتبعهــا الولــد منفــرداً وحــده وطلبهــا طــول النهــار إلــى المســاء
===
ودخــل الليــل فصعــدت الغزالــة إلــى محــل وعــر وأظلــم علــى الولــد الليــل وأراد الرجــوع فلــم يعـــرف أيـــن
يذهـب فبقـي محيـراً فـي نفسـه ومـا زال راكبـاً علـى ظهـر فرسـه إلـى أن أصبـح الصبــاح ولــم يلــق فرجــاً
لنفسـه ثـم سـار ولـم يـزل سائـراً خائفـاً جائعـاً عطشانـاً وهـو لا يــدري أيــن يذهــب حتــى انتصــف عليــه
النهـار وحميـت الرمضـاء وإذا هـو قــد أشــرف علــى مدينــة عاليــة البنيــان مشيــدة الأركــان وهــي قفــرة
خراب ليس فيها غير البوم والغراب.
فبينمــا هــو واقــف عنــد تلــك المدينــة يتعجــب مــن رسومهــا إذ لاحـــت منـــه نظـــرة فـــرأى جاريـــة ذات
حســن وجمــال تحــت جــدار مــن جدرانهــا وهــي تبكــي فدنـــا منهـــا وقـــال لهـــا مـــن تكونـــي فقالـــت لـــه
أنــا بنــت التميمــة ابنــة الطبــاخ ملــك الــأرض الشهبــاء خرجــت ذات يــوم مــن الأيـــام أقضـــي حاجـــة لـــي
فاختطفنـــي عفريـــت مـــن الجـــن وطـــار بيـــن السمـــاء والـــأرض فنـــزل عليـــه شهـــب مـــن نــــار فاحتــــرق
فسقطت ههنا ولي ثلاثة أيام بالجوع والعطش فلما نظرتك طمعت في الحياة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن ابــن الملــك لمــا خاطبتــه بنــت الطبــاخ وقالــت لــه نظرتــك طمعــت
===
فــي الحيــاة أدركــت ابــن الملــك علهــا الرأفــة فأركبهــا وراءه علــى جــواده وقــال لهــا طيبــي نفســـاً وقـــري
عيناً إن ردني الله سبحانه وتعالى إلى قومي وأهلي أرسلتك إلى أهلك.
ثــم ســار ابــن الملــك يلتمــس الفــرج فقالــت لــه الجاريــة التــي وراءه يــا ابـــن الملـــك أنزلنـــي حتـــى أقضـــي
حاجـة تحـت هـذا الحائـط فوقـف وأنزلهـا ثـم انتظرهــا فتــوارت فــي الحائــط ثــم خرجــت بأشنــع منظــر
فلما رآها ابن الملك اقشعر بدنه وطار عقله وخاف منها وتغيرت حالته.
ثـم وثبـت تلـك الجاريـة لتركـب وراء ظهــره علــى الجــواد وهــي فــي صــورة أقبــح مــا يكــون مــن الصــور
ثـم قالـت لـه يـا ابـن الملـك مـا لـي أراك قــد تغيــر وجهــك فقــال لهــا إنــي تذكــرت أمــراً أهمنــي فقالــت لــه
استعـن عليــه بجيــوش أبيــك وأبطالــه فقــال لهــا إن الــذي أهمنــي لا تزعجــه الجيــوش ولا يهتــم بالأبطــال
فقالـــت استعـــن عليـــه بمـــال أبيـــك وذخائـــره فقـــال لهـــا إن الــــذي أهمنــــي لا يقنــــع بالمــــال ولا بالذخائــــر
فقالـت: إنكـم تزعمـون أن لكـم فـي السمـاء إلهـاً يـرى أنـه قـادر علـى كـل شـيء فقـال لهـا نعــم مــا لنــا إلا
هو فقالت له ادعه لعله يخلصك مني.
فرفـع ابـن الملـك طرفـه إلـى السمــاء وأخلــص بقلبــه الدعــاء وقــال: اللهــم إنــي استعنــت بــك علــى هــذا
الأمـــر الـــذي أهمنـــي وأشـــار بيـــده إليهـــا فسقطـــت علـــى الـــأرض محروقـــة مثـــل الفحمـــة فحمـــد اللــــه
وشكـره ومـا زال يجـد فـي المسيـر واللـه سبحانـه وتعالـى يهـون عليــه العسيــر ويدلــه فــي الطــرق إلــى أن
===
أشــرف علــى بلــاده ووصــل إلــى ملــك أبيــه بعــد أن كــان قــد يئــس مـــن الحيـــاة وكـــان ذلـــك كلـــه بـــرأي
الوزيـر الـذي سافـر معـه لأجـل أن يهلكـه فـي سفرتـه فنصــره اللــه تعالــى وإنمــا أخبرتــك أيهــا الملــك لتعلــم
أن وزراء السوء لا يصفون النية ولا يحسنون الطوية مع ملوكهم فكن من ذلك الأمر على حذر.
فاقبـــل عليهمـــا الملـــك وسمـــع كلامهـــا وأمـــر بقتـــل ولـــده فدخـــل الوزيـــر الثالـــث وقـــال أنـــا أكفيكـــم شـــر
الملـك فـي هـذا النهـار ثـم إن الوزيـر دخـل علـى الملــك وقبــل الــأرض بيــن يديــه وقــال لــه أيهــا الملــك إنــي
ناصحــك ومشفــق عليــك وعلــى دولتــك ومشيـــر عليـــك بـــرأي سديـــد وهـــو أن لا تعجـــل علـــى قتـــل
ولـدك وقـرة عينـك وثمـرة فـؤادك فربمـا كـان ذنبـه أمـراً هينـاً قـد عظمتـه عنـدك هـذه الجاريـة فقــد بلغنــي
أن أهل قريتين أفنوا بعضهم على قطرة عسل.
فقـال لـه الملـك وكيـف ذلـك فقـال لـه اعلـم أيهــا الملــك أنــه بلغنــي أن رجــلاً صيــاداً كــان يصيــد الوحــوش
فــي البريــة فدخــل يومــاً مــن الأيــام كهفــاً مــن كهــوف الجبــل فوجــد فيــه حفــرة ممتلئـــة عســـل نحـــل فجمـــع
شيئـاً مـن ذلـك العسـل فـي قربـة كانـت معـه ثـم حملـه علـى كتفـه وأتـى بـه إلـى المدينـة ومعـه كلـب صيـد
وكـــان ذلـــك الكلـــب عزيـــزاً عليـــه فوقـــف الرجـــل الصايـــد علـــى دكـــان زيــــات وعــــرض عليــــه العســــل
فاشتــراه صاحــب الدكــان ثــم فتــح القربـــة وأخـــرج منهـــا العســـل لينظـــره فقطـــرت القربـــة قطـــرة عســـل
فسقــط عليهــا طيــر وكــان الزيــات لــه قــط فوثــب علــى الطيـــر فـــرآه كلـــب الصيـــاد فوثـــب علـــى القـــط
===
فقتلــه فوثــب الزيــات علــى كلــب الصيــاد فقتلــه فوثــب الصيــاد علــى الزيـــات فقتلـــه وكـــان للزيـــات قريـــة
وللصيـــاد قريـــة فسمعـــوا بذلـــك فأخـــذوا أسلحتهـــم وعددهـــم وقامـــوا علـــى بعضهـــم بعضــــاً والتقــــى
الصفان فلم يزل السيف دائراً بينهم إلى أن مات منهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
وقــد بلغنــي أيهـــا الملـــك مـــن جملـــة كيـــد النســـاء أن امـــرأة دفـــع لهـــا زوجهـــا درهمـــاً لتشتـــري بـــه أرز
فأخــذت منــه الدرهــم وذهبــت بــه إلــى بيــاع الــأرز فأعطاهــا الــأرز وجعــل يلاعبهــا ويغامزهــا ويقــول
لهـا: إن الــأرز لا يطيــب إلا بالسكــر فــإن أردتيــه فادخلــي عنــدي قــدر ساعــة فدخلــت المــرأة عنــده
فـي الدكـان فقـال بيـاع الـأرز لعبــده زن لهــا بدرهــم سكــر وأعطــاه سيــده رمــزاً فأخــذ العبــد المنديــل
مـن المـرأة وفـرغ منـه الـأرز وجعـل فــي موضعــه ترابــاً وجعــل بــدل السكــر حجــراً وعقــد المنديــل وتركــه
عندها.
فلمــا خرجــت المــرأة مــن عنــده أخــذت مندليهــا وانصرفـــت إلـــى منزلهـــا وهـــي تحســـب أن الـــذي فـــي
منديلها أرزاً وسكراً.
فلمـــا وصلـــت إلــــى منزلهــــا ووضعــــت المنديــــل بيــــن يــــدي زوجهــــا وجــــد فيــــه ترابــــاً وحجــــراً فلمــــا
أحضـــرت القـــدر قـــال لهـــا زوجهـــا هـــل نحـــن قلنـــا لـــك إن عندنـــا عمــــارة حتــــى جئــــت لنــــا بتــــراب
وحجــر! فلمــا نظــرت إلــى ذلــك علمــت أن عبــد البيــاع نصــب عليهــا وكانـــت قـــد أتـــت بالقـــدر فـــي
===
يدهـا فقالــت لزوجهــا يــا رجــل مــن شغــل البــال الــذي أصابنــي لاجــيء بالغربــال فجئــت بالقــدر فقــال
لهـا زوجهـا وأي شـيء أشغـل بالــك قالــت لــه يــا رجــل إن الدرهــم الــذي كــان معــي سقــط منــي فــي
السـوق فاستحيـت مـن النـاس أن أدور عليـه ومـا هــان علــي أن الدرهــم يــروح منــي فجمعــت التــراب
مـــن ذلـــك الموضـــع الـــذي فيـــه الدرهــــم وأردت أن أغربلــــه وكنــــت رائحــــة أجــــيء بالغربــــال فجئــــت
بالقدر.
ثـم ذهبـت وأحضـرت الغربـال وأعطتـه لزوجهـا وقالـت لــه غربلــه فــإن عينــك أصــح مــن عينــي: فقعــد
الرجـل يغربـل فـي التـراب إلـى أن امتـلأ وجهـه ودقنـه مـن المغبــار وهــو لا يــدري مكرهــا ومــا وقــع منهــا
فهـذا أيهـا الملــك مــن جملــة كيــد النســاء وانظــر إلــى قــول اللــه تعالــى إن كيدهــن عظيــم وقولــه سبحانــه
وتعالى إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
فلمــا سمــع الملــك مــن كلــام الوزيــر مــا أقنعــه وأرضــاه وزجــره عــن هــواه وتأمــل مــا تلــاه عليـــه مـــن آيـــات
الله سطعت أنوار الصحية على سماء عقله وخلده ورجع عن تصميمه على قتل ولده.
فلمــا دخــل اليــوم الرابــع دخلــت الجاريــة علــى الملــك وقبلــت الـــأرض بيـــن يديـــه وقالـــت لـــه أيهـــا الملـــك
السعيـد ذو الـرأي الرشيـد: قـد أظهـرت لــك حقــي عيانــاً فظلمتنــي وأهملــت مقاصصــة غريمــي ولــدك
ومهجـة قلبـك وســوف ينصرنــي اللــه سبحانــه وتعالــى كمــا نصــر اللــه ابــن الملــك علــى وزيــر أبيــه فقــال
===
بلغنـي أيهـا الملـك أنـه كـان ملـك مـن الملـوك الماضيـة لـه ولـد ولــم يكــن لــه مــن الأولــاد غيــره فلمــا بلــغ ذلــك
الولــد زوجــه بابنــة ملــك آخــر وكانــت جاريــة ذات حســن وجمــال وكــان لهــا ابــن عــم قــد خطبهـــا مـــن
أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه.
فلمـا علــم ابــن عمهــا أنهــا تزوجــت بغيــره أخذتــه الغيــرة فاتفــق رأي ابــن عــم الجاريــة أن يرســل الهدايــا
إلــى وزيــر الملــك الــذي تــزوج بهــا ابنــه فأرســل إليــه هدايــا عظيمــة وأنفــذ إليــه أمــوالاً كثيــرة وسألــه أن
يحتـال علـى قتـل ابـن الملـك بمكيــدة تكــون سببــاً لهلاكــه أو يتلطــف بــه حتــى يرجــع عــن زواج الجاريــة
وبعـث يقـول لـه أيهـا الوزيـر لقـد حصـل عنــدي مــن الغيــرة علــى ابنــة عمــي مــا حملنــي علــى هــذا الأمــر
فلمـا وصلـت الهدايـا إلـى الوزيـر قبلهـا وأرسـل إليـه يقـول لـه طــب نفســاً وقــر عينــاً فلــك عنــدي كــل مــا
تريده ثم إن الملك أبا الجارية أرسل إلى ابن الملك بالحضور إلى مكانه لأجل الدخول على ابنته.
فلمـا وصـل الكتـاب إلـى ابـن الملـك أذن لـه أبـوه فـي المسيــر وبعــث معــه الوزيــر الــذي جــاءت لــه الهدايــا
وأرســل معهمــا ألــف فــارس وهدايــا ومحامــل وسرادقــات وخيامــاً فســـار الوزيـــر مـــع ابـــن الملـــك وفـــي
ضميـره أن يكيـده بمكيـدة وأضمـر لـه فـي قلبـه السـوء فلمـا صـاروا فــي الصحــراء تذكــر الوزيــر أن فــي
هــذا الجبــل عينــاً جاريــة مــن تعــرش بالزهــراء وكــل مــن شــرب منهــا إذا كــان رجــلاً يصيــر امــرأة فلمـــا
تذكــر الوزيــر أنــزل العسكــر بالقــرب منهــا وركــب الوزيــر جــواده ثــم قــال لابــن الملــك هــل لـــك أن تـــروح
===
معـي نتفـرج علـى عيــن مــاء فــي هــذا المكــان فركــب ابــن الملــك وســار هــو ووزيــر أبيــه وليــس معهمــا
أحـد وابـن الملـك لا يـدري مـا سبـق لـه فـي الغيـب ولـم يـزالا سائريـن حتـى وصـلا إلـى تلـك العيـن فنــزل
ابن الملك من فوق جواده وغسل يديه وشرب منها وإذا به قد صار امرأة.
فلمــا عــرف ذلــك صــرخ وبكــى حتــى غشــي عليــه فأقبــل عليــه الوزيــر يتوجـــع لمـــا أصابـــه ويقـــول مـــا
الــذي أصابــك فأخبــره الولــد بمــا جــرى لــه فلمــا سمــع الوزيــر كلامــه توجــع لـــه وبكـــى لمـــا أصـــاب ابـــن
الملــك ثــم قــال لــه يعيــذك اللــه تعالــى مــن هــذا الأمــر كيـــف حلـــت بـــك هـــذه المصيبـــة وعظمـــت بـــك
تلــك الرزيــة ونحـــن سائـــرون بفرحـــة لـــك حيـــث تدخـــل علـــى ابنـــة الملـــك والـــآن لا أدري هـــل نتوجـــه
إليها أم لا والرأي لك فما تأمر به.
فقـال الولـد ارجـع إلـى أبـي وأخبـره بمـا أصابنـي فإنـي لا أبـرح مــن هنــا حتــى يذهــب عنــي هــذا الأمــر
أو أمـــوت بحسرتـــي فكتـــب الولـــد كتابــــاً إلــــى أبيــــه يعلمــــه بمــــا جــــرى لــــه ثــــم أخــــذ الوزيــــر الكتــــاب
وانصــرف راجعــاً إلــى مدينــة الملــك وتــرك العسكــر والولــد ومــا معــه مــن الجيــوش عنــده وهـــو فرحـــان
في الباطن بما فعل بابن الملك.
فلمـــا دخـــل الوزيـــر علـــى الملـــك أعلمـــه بقضيـــة ولـــده وأعطـــاه كتابـــه فحـــزن الملـــك علـــى ولـــده حزنــــاً
شديــداً ثــم أرســل إلــى الحكمــاء وأصحــاب الأســرار أن يكشفـــوا لـــه عـــن هـــذا الأمـــر الـــذي حصـــل
===
لولــده فمــا أحــد رد عليــه جوابــاً ثــم إن الوزيــر أرســل إلــى ابـــن عـــم الجاريـــة يبشـــره بمـــا حصـــل لابـــن
الملــك فلمــا وصــل إليــه الكتــاب فــرح فرحــاً شديــداً وطمــع فــي زواج ابنــة عمــه وأرســـل إلـــى الوزيـــر
هدايــا عظيمــة وأمــوالاً كثيــرة وشكــره شكــراً زائــداً وأمــا ابــن الملــك فإنــه أقــام علـــى تلـــك العيـــن مـــدة
ثلاثـة أيـام بلياليهـا لا يأكـل ولا يشـرب واعتمـد فيمـا أصابـه علــى اللــه سبحانــه وتعالــى الــذي مــا خــاب
مـن توكــل عليــه فلمــا كــان فــي الليلــة الرابعــة غــذ هــو بفــارس علــى رأســه تــاج وهــو فــي صفــة أولــاد
الملوك.
فقــال لــه الفــارس مــن أتــى بــك أيهــا الغلــام إلــى هنــا فأعلمــه الولـــد بمـــا أصابـــه وأنـــه كـــان مسافـــراً إلـــى
زوجتــه ليدخــل عليهــا وأعلمــه أن الوزيــر قــد أتــى بـــه إلـــى عيـــن المـــاء ليشـــرب منهـــا فحصـــل لـــه مـــا
حصــل وكلمــا تحــدث الغلــام يغلبــه البكــاء فيبكــي فلمــا سمــع الفـــارس كلامـــه رثـــى لحالـــه وقـــال لـــه إن
وزيـر أبيـك هـو الـذي رمــاك فــي هــذه المصيبــة لــأن هــذه العيــن لا يعلــم بهــا أحــد مــن البشــر إلا رجــل
واحـد ثـم إن الفـارس أمـره أن يركـب معـه فركـب الولــد وقــال لــه الفــارس امــض معــي إلــى منزلــي فأنــت
ضيفي في هذه الليلة.
فقـال لـه الولـد أعلمنـي مـن أنـت حتــى أسيــر معــك فقــال لــه أنــا ابــن ملــك الجــن وأنــت ابــن ملــك الإنــس
فطــب نفســـاً وقـــر عينـــاً بمـــا يزيـــل همـــك وغمـــك فهـــو علـــي هيـــن فســـار معـــه الولـــد مـــن أول النهـــار
===
وأهمـل جيوشـه وعساكـره ومـازال سائـراً معـه إلـى نصـف الليـل فقـال لـه ابــن ملــك الجــن قطعنــا مسييــرة
سنـة للمجـد المسافـر فتعجـب ابـن الملـك مــن ذلــك وقــال لــه كيــف العمــل والرجــوع إلــى أهلــي فقــال لــه
ليـس هـذا مـن شأنـك إنمـا هـو مـن شأنـي وحيـن تبـرأ مـن علتـك تعـود إلـى أهلـك فــي أســرع مــن طرفــة
العيــن وذلــك علــي هيــن فلمــا سمـــع الغلـــام مـــن الجنـــي هـــذا الكلـــام طـــار مـــن شـــدة الفـــرح وظـــن أنـــه
أضغاث أحلام وقال سبحان القدير على أن يرد الشقي سعيد وفرح بذلك فرحاً شديداً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن ابـن ملـك الجـن قـال لابـن ملـك الإنــس فحيــن تبــرأ مــن علتــك تعــود
إلى أهلك في أسـرع مـن طرفـة عيـن ففـرح بذلـك ولـم يـزالا سائريـن حتـى انتهيـا إلـى عيـن مـاء تسيـل مـن
جبــال ســود فقــال للشــاب انــزل فنـــزل الشـــاب مـــن فـــوق جـــواده ثـــم قـــال لـــه اشـــرب مـــن هـــذه العيـــن
فشـــرب منهـــا فصـــار لوقتـــه وساعتـــه ذكـــراً كمـــا كـــان أولاً بقـــدرة اللـــه تعالــــى ففــــرح الشــــاب فرحــــاً
شديـداً مـا عليــه مــن مزيــد ثــم قــال لــه يــا أخــي مــا يقــال لهــذه العيــن فقــال لــه يقــال لهــا عيــن النســاء لا
تشـرب منـه امـرأة إلا صــارت رجــلاً فاحمــد اللــه واشكــره علــى العافيــة واركــب جــوادك فسجــد ابــن
===
الملــك شكــراً للــه تعالــى ثــم ركــب وســارا يجــدان السيــر بقيــة يومهمـــا حتـــى رجعـــا إلـــى أرض ذلـــك
الجني فبات الشاب عنده في أرغـد عيـش ولـم يـزالا فـي أكـل وشـرب إلـى أن جـاء الليلـن ثـم قـال لـه ابـن
ملــك الجــن أتريــد أن ترجــع إلــى أهلــك فــي هــذه الليلــة فقــال نعــم أريــد ذلــك لأنــي محتـــاج إليـــه فدعـــا
ابـن ملـك الجـن بعبـد لـه مـن عبيـد أبيـه اسمـه راجـز وقـال لـه خـذ هـذا الفتــى مــن عنــدي واحملــه علــى
عاتقــك ولا تخــل الصبــاح يصبــح عليــه إلا وهــو عنــد صهــره وزوجتـــه فقـــال لـــه العبـــد سمعـــاً وطاعـــة
وحباً وكرامة ثم غاب العبد عنه ساعة وأقبل وهو في صورة عفريت.
فلمــا رآه الفتــى طــار عقلــه واندهــش فقــال ابــن ملــك الجــن لا بـــأس عليـــك اركـــب جـــوادك واعـــل بـــه
فـوق عاتقـه فقـال الشـاب بـل اركـب أنـا واتـرك الجـواد عنــدك ثــم نــزل الشــاب عــن الجــواد وركــب علــى
عاتقـه فقـال لـه ابـن ملـك الجـن أغمـض عينيـك وطـار العبـد بيـن السمـاء والـأرض ولـم يـزل طائـراً بـه ولـم
يـدر الشـاب بنفسـه فمـا جـاء ثلـث الليـل الأخيـر إلا وهـو علـى قصـر صهــره فلمــا نــزل علــى قصــره قــال
لــه العفريــت انــزل فنــزل وقــال افتــح عينيــك فهــذا قصــر صهــرك وابنتــه ثــم تركـــه ومضـــى فلمـــا أضـــاء
النهــار وسكــن الشــاب مــن روعــه نــزل مــن فـــوق القصـــر فلمـــا نظـــره صهـــره قـــام إليـــه وتلقـــاه وتعجـــب
حيـث رآه فـوق القصـر ثـم قـال لــه إنــا رأينــا النــاس تأتــي مــن الأبــواب وأنــت تنــزل مــن السمــاء فقــال لــه
قد كان الذي أراده الله سبحانه وتعالى فتعجب الملك من ذلك وفرح بسلامته.
===
فلمــا طلعــت الشمــس أمــر صهــره وزيــره أن يعمــل الولائــم العظيمـــة فعمـــل الولائـــم واستقـــام العـــرس ثـــم
دخـل علـى زوجتـه وأقـام مـدة شهريـن ثـم ارتحـل بهـا إلـى مدينــة أبيــه وأمــا ابــن عــم الجاريــة فإنــه هلــك
مـن الغيـرة والحسـد لمـا دخـل بهـا ابـن الملـك ونصـره اللـه سبحانـه وتعالـى عليـه وعلـى وزيـر أبيــه بزوجتــه
علــى أتــم حــال وأكمــل ســرور فتلقــاه أبــوه بعسكــره ووزرائــه وأنــا أرجــو اللــه تعالـــى أن ينصـــرك علـــى
وزرائــك أيهــا الملــك وأنــا أسألـــك أن تأخـــذ حقـــي مـــن ولـــدك فلمـــا سمـــع الملـــك ذلـــك منهـــا أمـــر بقتـــل
ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الجاريــة لمــا حكــت للملــك وقالــت أسألـــك أن تأخـــذ حقـــي مـــن
ولـدك أمـر بقتلـه وكــان ذلــك فــي اليــوم الرابــع فدخــل علــى الملــك الوزيــر الرابــع وقبــل الــأرض بيــن يديــه
وقــال ثبــت اللــه الملــك وأيــده أيهــا الملــك تــأن فــي هــذا الأمــر الــذي عزمــت عليـــه لـــأن العاقـــل لا يعمـــل
عملاً حتى ينظر في عاقبته وصاحب المثل يقول:
مــن لــم ينظـــر فـــي العواقـــب فمــــا الدهــــر لــــه بصاحـــــب
===
وبلغنــي أيضــاً أيهــا الملــك السعيــد مــن كيــد النســاء حكايـــة أخـــرى قـــال لـــه الملـــك ومـــا بلغـــك قـــال لـــه
بلغنـي أيهـا الملــك أن امــرأة ذات حســن وجمــال وبهــاء وكمــال لــم يكــن لهــا نظيــر فنظرهــا بعــض الشبــان
المغاويــن فتعلــق بهــا وأحبهــا محبــة عظيمــة وكانــت تلــك المــرأة عفيفــة عــن الزنـــا وليـــس لهـــا فيـــه رغبـــة
فاتفــق أن زوجهــا سافــر يومــاً مــن الأيــام إلــى بعــض البلــاد فصــار الشـــاب كـــل يـــوم يرســـل إليهـــا مـــرات
عديـدة ولـم تجبـه فقصــد الشــاب عجــوزاً كانــت ساكنــة بالقــرب منــه فسلــم عليهــا وقعــد يشكــو إليهــا
مــا أصابــه مــن المحبــة ومــا هــو عليــه مــن عشــق المــرأة وأخبرهــا أنــه مــراده وصالهــا فقالـــت لـــه العجـــوز
أنـا أضمـن لــك ذلــك ولابــأس عليــك وأنــا أبلغــك مــا تريــد إن شــاء اللــه فلمــا سمــع الشــاب كلامهــا دفــع
لها ديناراً ثم انصرف إلى حال سبيله.
فلمـــا أصبـــح الصبـــاح دخلـــت العجـــوز علـــى المـــرأة وجـــدت معهـــا عهـــداً ومعرفـــة وصـــارت العجـــوز
تتــردد إليهــا فــي كــل يــوم وتتغــدى وتتعشــى عندهــا وتأخــذ مــن عندهــا بعــض الطعـــام إلـــى أولادهـــا
وصــارت تلــك العجــوز تلاعبهــا وتباسطهــا إلــى أن أفســدت حالهــا وصــارت لا تقــدر علـــى مفارقـــة
العجــوز ساعـــة واحـــدة فاتفـــق فـــي بعـــض الأيـــام أن العجـــوز وهـــي خارجـــة مـــن عنـــد المـــرأة كانـــت
تأخـذ خبـزاً وتجعـل فيــه شحمــاً وفلفــلاً وتطعمــه إلــى كلبــة مــدة أيــام فجعلــت الكلبــة تتبعهــا مــن أجــل
الشفقـة والحسنـة فأخــذت لهــا يومــاً شيئــاً كثيــراً مــن الفلفــل والشحــم وأطعمتــه لهــا فمــا أكلتــه صــارت
===
عيناهـا تدمـع مـن حـرارة الفلفــل ثــم تبعتهــا الكلبــة وهــي تبكــي فتعجبــت منهــا الصبيــة غايــة العجــب
ثم قالت للعجوز يا أمي ما سبب بكاء هذه الكلبة
فقالـت لهـا يـا بنتــي هــذه لهــا حكايــة عجيبــة فإنهــا كانــت صبيــة وكانــت صاحبتــي ورفيقتــي وكانــت
صاحبــة حســن وجمــال وبهــاء وكمــال وكــان قــد تعلــق بهــا شــاب فـــي الحـــارة وزاد بهـــا حبـــاً وشغفـــاً
حتـى لــزم الوســادة وأرســل إليهــا مــرات عديــدة لعلهــا تــرق لــه وترحمــه فأبــت فنصحتهــا وقلــت لهــا يــا
بنتي أطيعيه في جميع ما قاله وارحميه واشفقي عليه فما قبلت نصيحتي.
فلمــا قــل صبــر هــذا الشــاب شكــا لبعــض أصحابــه فعملــوا لهــا سحـــراً وقلبـــوا صورتهـــا مـــن صـــورة
البشـر إلـى صــورة الكلــاب فلمــا رأت مــا حصــل لهــا ومــا هــي فيــه مــن الأحــوال وانقلــاب الصــورة ولــم
تجـد مـن المخلوقيـن مـن يشفـق عليهـا غيـري جاءتنـي إلــى منزلــي وصــارت تستعطــف بــي وتقبــل يــدي
ورجلـي وتبكـي وتنتحـب فعرفتهــا وقلــت لهــا كثيــراً مــا نصحتــك فلــم يفــدك نصحــي شيئــاً. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجــوز صــارت تحكــي للمــرأة خبــر الكلبــة وتعرفهــا عــن حالهــا
===
بمكـــر وخـــداع لأجـــل موافقتهـــا لغـــرض تلـــك العجـــوز وجعلـــت تقـــول لهـــا لمــــا جاءتنــــي هــــذه الكلبــــة
المسحـورة وبكـت قلـت لهــا: كــم نصحتــك ولكــن يــا بنتــي لمــا رايتهــا فــي هــذه الحالــة أشفقــت عليهــا
وأبقيتها عندي فهي على هذه الحالة وكلما تتفكر حالتها الأولى تبكي على نفسها.
فلمــا سمعــت الصبيــة كلــام العجــوز حصــل لهــا رعــب كبيــر وقالــت لهــا يــا أمــي واللــه إنــك خوفتينـــي
بهــذه الحكايــة فقالــت لهــا العجـــوز مـــن أي شـــيء تخافيـــن فقالـــت لهـــا إن شابـــاً مليحـــاً متعلقـــاً بحبـــي
وأرسـل إلـي مـرات وأنـا أمتنـع منـه وأنـا اليـوم أخـاف أن يحصــل لــي مثــل مــا حصــل لهــذه الكلبــة فقالــت
لها العجوز احذري يـا بنتـي أن تخالفـي فإنـي أخـاف عليـك كثيـراً وإذا كنـت لـم تعرفـي محلـه فأخبرينـي
بصفتـه وأنــا أجــيء بــه إليــك ولا تخلــي قلــب أحــد يتغيــر عليــك فوصفتــه لهــا وجعلــت تتغافــل وتريهــا
أنها لم تعرفه وقالت لها لما أقوم واسأل عنه.
فلمـا خرجـت مـن عندهـا ذهبـت إلـى الشـاب تفتـش عليـه فلـم تقـف لـه علـى خبـر وقالــت فــي نفسهــا
كيـف العمـل أيـروح الأكـل الـذي فعلتـه خسـارة والوعـد الـذي وعدتنـي بــه مــن الدراهــم ولكــن لــم أخــل
هـذه الحيلـة تـروح بـلا شـيء بـل أفتـش لهـا علـى غيـره وأجـيء بـه إليهـا فبينمـا هــي كذلــك تــدور فــي
الشــارع إذا نظــرت شابــاً حسنــاً جميــلاً علــى وجهــه أثــر السفــر فتقدمــت إليــه وسلمــت عليــه وقالــت
لـه هـل لـك طعــام وشــراب وصبيــة مهيــأة فقــال لهــا الرجــل وأيــن هــذا قالــت عنــدي فــي بيتــي فســار
===
معهـــا الرجـــل والعجـــوز وهـــي لا تعلـــم أنـــه زوج الصبيـــة حتـــى وصلـــت إلــــى البيــــت ودقــــت البــــاب
ففتحـت لهـا الصبيـة البـاب فدخلـت وهـي تجـري لتتهيـأ بالملبـوس والبخـور فأدخلتـه العجـوز فـي قاعــة
الجلوس وهي في كيد عظيم.
فلمــا دخلــت المــرأة عليــه ووقــع بصرهــا عليــه والعجــوز قاعــدة عنــده بــادرت المـــرأة بالحيلـــة والمكيـــدة
ودبـرت لهـا أمـر فـي الوقـت والساعـة ثـم سحبــت الخــف مــن رجلهــا وقالــت لزوجهــا مــا هكــذا العهــد
الـذي بينـي وبينـك فكيـف تخوننـي وتفعـل معـي هـذا الفعــل فإنــي لمــا سمعــت بحضــورك جربتــك بهــذه
العجــوز فأوقعتــك فيمــا حذرتــك منــه وقــد تحققــت أمــرك وإنــك نقضـــت العهـــد الـــذي بينـــي وبينـــك
وكنـت قبـل الـآن أظـن أنـك طاهـر حتـى شاهدتـك بعينـي مـع هـذه العجـوز وإنــك تتــردد علــى النســاء
الفاجــرات وصــارت تضربــه بالخــف علــى رأســه وهــو يتبــرأ مــن ذلــك ويحلــف لهــا أنــه مــا خانهــا مـــدة
عمـره ولا فعـل فعـلاً ممـا اتهمتـه بـه ولـم يـزل يحلـف لهـا أيمانــاً باللــه تعالــى وهــي تضربــه وتبكــي وتصــرخ
وتقـــول تعالـــوا إلـــي يـــا مسلميـــن فيمســـك فمهـــا بيـــده وهـــي تعضـــه وصـــار متذلـــلاً لهـــا ويقبــــل يديهــــا
ورجليهـــا وهـــي لا ترضـــى عليـــه ولا تكـــف يدهـــا عـــن صفعـــه ثـــم إنهـــا غمـــزت العجـــوز أن تمســــك
يدها عنه فجاءتها العجوز وصارت تقبل يديها ورجليها إلى أن أجلستهما.
فلمــا جعــل الــزوج يقبــل يــد العجــوز ويقــول لهــا جــزاك اللــه كــل خيــر حيــث خلصتينــي منهـــا فصـــارت
===
العجــــوز تتعجــــب مــــن حيلــــة المــــرأة وكيدهــــا وهــــاذ أيهــــا الملــــك مــــن جملــــة مكــــر النســـــاء وحيلهـــــن
وكيدهن فلما سمعه الملك انتصح بحكايته ورجع عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثمانين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الوزيـر الرابــع لمــا حكــى الحكايــة للملــك رجــع عــن قتــل ولــده فلمــا
كـان فـي اليـوم الخامــس دخلــت الجاريــة علــى الملــك بيدهــا قــدم فيــه ســم واستغاثــت ولطمــت علــى
خديهــا ووجههــا وقالـــت لـــه أيهـــا الملـــك إمـــا أن تنصفنـــي وتأخـــذ حقـــي مـــن ولـــدك وإلا أشـــرب هـــذا
القــدح الســم وأمــوت ويبقــى ذنبــي معلقــاً بــك إلــى يــوم القيامـــة فـــإن وزراءك هـــؤلاء ينسبوننـــي الكيـــد
والمكــر وليــس فــي الدنيــا أمكـــر منهـــم أمـــا سمعـــت أيهـــا الملـــك حديـــث الصائـــغ مـــع الجاريـــة فقـــال مـــا
جرى منهما يا جارية.
فقالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أنــه كــان رجــل صائــغ مولعــاً بالنســـاء وشـــرب الخمـــر فدخـــل يومـــاً
مـن الأيـام عنـد صديـق لـه فنظـر إلـى حائـط مـن حيطـان بيتـه فـرأى فيهـا صــورة جاريــة منقوشــة لــم يــر
الــراؤون أحســن ولا أجمــل ولا أظــرف منهــا فأكثــر الصائــغ مــن النظـــر إليهـــا وتعجـــب مـــن حســـن هـــذه
===
الصـورة ووقـع حـب هـذه الصـورة فـي قلبـه إلـى أن مـرض واشـرف علـى الهلـاك فجــاءه أحــد أصدقائــه
يزوره فلما جلس عنده سأله عن حاله وما يشكو منه.
فقـال لـه يـا أخـي إن مرضــي كلــه وجميــع مــا أصابنــي مــن العشــق وذلــك أنــي عشقــت صــورة منقوشــة
فــي حائــط فلــان أخــي فلامــه الصديــق وقــال لــه إن هــذا مــن قلــة عقلــك فكيــف تعشــق صـــورة فـــي
حائـــط لا تضـــر ولا تنفـــع ولا تنظـــر ولا تسمـــع ولا تأخـــذ ولا تمنـــع فقـــال لـــه مـــا صورهـــا المصــــور إلا
علــى مثــال امــرأة جميلــة فقــال لــه صديقــه لعــل الــذي صورهــا اخترعهــا مــن رأســه فقــال لــه هاأنــا فـــي
حبهـا ميـت علـى كــل حــال وإن كــان لهــذه الصــورة شبيــه فــي الدنيــا فأنــا أرجــو اللــه تعالــى أن يمدنــي
بالحياة إلى أن أراه.
فلمـا قـام الحاضـرون سألــوا عمــن صورهــا فوجــدوه قــد سافــر إلــى بلــد مــن البلــدان فكتبــوا لــه كتابــاً
يشكـون لـه فيـه حــال صاحبهــم ويسألونــه عــن تلــك الصــورة ومــا سببهــا وهــل هــو اخترعهــا مــن ذهنــه
أو رأى لهــا شبيهــاً فــي الدنيــا فأرســل إليهــم أنــي صــورت هــذه الصــورة علـــى شكـــل جاريـــة مغنيـــة
لبعض الوزراء وهي بمدينة كشمير بإقليم الهند.
فلمــا سمــع الصائــغ بالخبــر وكــان ببلــاد الفــرس تجهــز وســار متوجهــاً إلــى بلــاد الهنـــد فوصـــل إلـــى تلـــك
المدينـة مـن بعـد جهـد جهيـد فلمــا دخــل تلــك المدينــة واستقــر فيهــا ذهــب يومــاً مــن الأيــام عنــد رجــل
===
عطــار مــن أهــل تلــك المدينــة واستقــر فيهــا ذهــب يومــاً مــن الأيــام عنــد رجــل عطـــار مـــن أهـــل تلـــك
المدينــة وكــان ذلــك العطــار حاذقــاً فطنــاً لبيبــاً فسألـــه الصائـــغ عـــن ملكهـــم وسيرتـــه فقـــال لـــه العطـــار
أمـا ملكنـا فعـادل حسـن السيــرة محســن لأهــل دولتــه منصــف لرعيتــه ومــا يكــره فــي الدنيــا إلا السحــرة
فـإذا وقـع فـي يـده ساحـراً أو ساحـرة ألقاهمـا فـي جـب خـارج المدينـة ويتركهمـا بالجـوع إلـى أن يموتـا ثـم
سألــه عــن وزرائــه فذكــر لــه سيــرة كــل وزيــر ومــا هــو عليــه إلــى أن أنجــز الكلـــام إلـــى الجاريـــة المغنيـــة
فقال له عند الوزير الفلاني فصبر بعد ذلك أياماً حتى أخذ بتدبير الحيلة.
فلمـا كــان فــي ليلــة ذات مطــر ورعــد وعاصفــة ذهــب الصائــغ وأخــذ معــه عــدة مــن اللصــوص وتوجــه
إلـى دار الوزيـر سيـد الجاريـة وعلـق فيـه السلــم بكلاليــب ثــم طلــع إلــى أعلــى القصــر فلمــا وصــل إليــه
نـزل إلـى ساحتـه فـرأى جميـع الجـواري نائمـات كــل واحــدة علــى سريرهــا ورأى سريــراً مــن المرمــر عليــه
جاريــة كأنهــا البــدر إذا أشــرف فــي ليلــة أربعــة عشــر فقصدهــا وقعــد عنــد رأسهــا وكشــف الستـــر
علهيـا فـإذا عليهــا ستــر مــن ذهــب وعنــد رأسهــا شمعــة وتحــت رجليهــا شمعــة كــل شمعــة منهمــا فــي
شمعـدان مـن الذهـب وهاتـان الشمعتــان مــن العنبــر وتحــت الوســادة حــق مــن الفضــة فيــه جميــع حليهــا
وهـــو مغطـــى عنـــد رأسهـــا فأخـــرج سكينـــاً وضـــرب بهـــا كفــــل الجاريــــة فجرحهــــا جرحــــاً واضحــــاً
فانتبهـــت فزعـــة مرعوبـــة فلمـــا رأتـــه خافـــت مــــن الصيــــاح فسكتــــت وظنــــت أنــــه يريــــد أخــــذ المــــال
===
فقالـت لـه خـذ الحـق والـذي فيـه وليـس لـك بقتلــي نفــع وأنــا فــي جيرتــك وفــي حسبــك فتنــاول الرجــل
الحق بما فيه وانصرف.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الصائــغ طلــع قصــر الوزيــر وضــرب الجاريــة علــى كفلهــا فجرحهــا
وأخـذ الحـق الـذي فيـه حليهـا وانصــرف فلمــا أصبــح الصبــاح لبــس ثيابــه وأخــذ معــه الحــق الــذي فيــه
الحلـي ودخـل بـه علـى ملـك تلـك المدينـة ثـم قبـل الـأرض بيـن يديـه وقـال: أيهـا الملــك إننــي رجــل ناصــح
لـك وأنـا مـن أرض خراسـان وقــد أتيــت مهاجــراً إلــى حضرتــك لمــا شــاع مــن حســن سيرتــك وعدلــك
فــي رعيتــك فـــأردت أن أكـــون تحـــت لوائـــك وقـــد وصلـــت إلـــى هـــذه المدينـــة آخـــر النهـــار فوجـــدت
البـاب مغلوقـاً فنمـت مـن خارجـه فبينمـا أنـا بيـن النائـم واليقظــان إذ رأيــت أربــع نســوة إحداهــن راكبــة
مكنســة والأخــرى راكبــة مروحــة فعلمــت أيهــا الملـــك أنهـــن سحـــرة يدخلـــن مدينتـــك فدنـــت إحداهـــن
مني ورفستني برجلها وضربتني بذنـب ثعلـب كـان فـي يدهـا فأوجعتنـي مـن الضـرب فضربتهـا بسكيـن
كانــت معـــي فأصابـــت كفلهـــا وهـــي موليـــة شـــاردة فلمـــا جرحتهـــا انهزمـــت قدامـــي فوقـــع منهـــا هـــذا
===
الحــق بمــا فيــه فأخذتــه وفتحتــه فرأيــت فيــه هــذا الحلــي النفيــس فخــذه فليــس لـــي بـــه حاجـــة لأنـــي
رجــل سائــح فــي الجبــال وقــد رفضــت الدنيــا عــن قلبــي وزهدتهــا بمــا فيهــا وإنــي قاصــد وجـــه اللـــه
تعالى ثم ترك الحق بين يدي الملك وانصرف.
فلمـا خـرج مـن عنـد الملـك فتــح الملــك ذلــك الحــق وأخــرج جميــع الحلــي منــه وصــار يقلبــه بيــده فوجــد
فيـه عقـداً كـان أنعـم بـه علـى الوزيــر سيــد الجاريــة فدعــا الملــك بالوزيــر فلمــا حضــر بيــن يديــه قــال لــه
هــذا العقـــد الـــذي أهديتـــه إليـــك فلمـــا رآه عرفـــه وقـــال للملـــك نعـــم وأنـــا أهديتـــه إلـــى جاريـــة مغنيـــة
عندي.
فقــال لــه الملــك أحضــر لــي تلــك الجاريــة فأحضرهـــا فلمـــا حضـــرت الجاريـــة بيـــن يـــدي الملـــك قـــال لـــه
اكشــف عــن كفلهــا وانظــر هــل فيــه جــرح أم لا فكشـــف الوزيـــر عنـــه فـــرأى فيـــه جـــرح سكيـــن فقـــال
الوزيــر للملــك نعــم يــا مولــاي فيهــا الجــرح فقــال الملــك للوزيــر هــذه ساحــرة كمــا قــال لــي الرجــل الزاهـــد
بــلا شــك ولا ريــب ثــم أمــر الملــك بــأن يجعلوهــا فــي جــب السحــرة فأرسلوهــا إلــى الجــب فــي ذلــك
النهار.
فلمــا جــاء الليــل عــرف الصائــغ أن حيلتــه قــد تمــت جــاء إلــى حــارس الجــب وبيــده كيـــس فيـــه ألـــف
دينـار وجلــس مــع الحــارس يتحــدث إلــى ثلــث الليــل الــأول ثــم دخــل مــع الحــارس فــي الكلــام وقــال لــه
===
اعلــم يــا أخــي أن هــذه الجاريــة بريئــة مــن هــذه البليــة التــي ذكروهــا وأنـــا الـــذي أوقعتهـــا وقـــص عليـــه
القصــة مــن أولهــا إلــى آخرهــا ثــم قــال لــه يــا أخــي خــذ هــذا الكيــس فــإن فيــه ألــف دينــار وأعطنـــي
الجاريـة أسافـر بهـا إلـى بلــادي فهــذه الدنانيــر أنفــع لــك مــن حبــس الجاريــة واغتنــم أجرنــا ونحــن الاثنــان
ندعو لك بالخير والسلامة.
فلمـا سمـع حكايتـه تعجـب غايـة العجــب مــن هــذه الحيلــة وكيــف تمــت ثــم أخــذ الحــارس الكيــس بمــا
فيـه وتركهـا لـه وشـرط عليـه أن لا يقيـم بهـا فـي هـذه المدينـة ساعـة واحــدة فأخذهــا الصائــغ مــن وقتــه
وســار وجعــل يجــد فــي السيــر إلــى أن وصــل إلــى بلــاده وقــد بلــغ مــراده فانظـــر أيهـــا الملـــك إلـــى كيـــد
الرجــال وحيلتهــم ووزراؤك يردونــك عــن أخـــذ حقـــي وفـــي غـــد أوقـــف أنـــا وأنـــت بيـــن يـــدي حاكـــم
عادل ليأخذ حقي منك أيها الملك.
فلمـا سمـع الملـك كلامهــا أمــر بقتــل ولــده فدخــل عليــه الوزيــر الخامــس وقبــل الــأرض بيــن يديــه ثــم قــال
أيهـا الملـك العظيـم الشـأن تمهـل ولا تعجـل علـى قتـل ولــدك فــرب عجلــة أعقبــت ندامــة وأخــاف عليــك
أن تنــدم ندامــة الــذي لــم يضحــك بقيــة عمــره فقــال لــه الملــك وكيــف ذلــك أيهــا الوزيــر قــال بلغنــي أيهــا
الملــك أنــه كــان رجــل مــن ذوي البيــوت والنعــم وكــان ذا مــال وخــدم وعبيــد وأملــاك فمــات إلــى رحمـــة
اللــه تعالــى وتــرك ولــداً صغيــراً فلمــا كبــر الولــد أخـــذ فـــي الأكـــل والشـــرب وسمـــاع الطـــرب والأغانـــي
===
وتكـــرم وأعطـــى وأنفـــق الأمـــوال التـــي خلفهـــا لـــه أبـــوه حتـــى ذهـــب بالمـــال جميعــــه. وأدرك شهــــرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الولــد لمــا أذهــب المــال الــذي خلفــه لــه أبــوه ولــم يبــق منــه شـــيء
رجــع علــى بيــع العبيــد والجــواري والأملــاك وأنفــق جميــع مــا كــان عنـــده مـــن مـــال أبيـــه وغيـــره فافتقـــر
حتـــى صـــار يشتغـــل مـــع الفعلـــة فمكـــث علـــى ذلـــك مـــدة سنـــة فبينمـــا هـــو جالـــس يومـــاً مـــن الأيـــام
تحــت حائــط ينتظـــر مـــن يستأجـــره وإذا هـــو برجـــل حســـن الوجـــه والثيـــاب فدنـــا مـــن الشـــاب وسلـــم
عليه.
فقـال لـه الولــد يــا عــم هــل أنــت تعرفنــي قبــل الــآن فقــال لــه: لا أعرفــك يــا ولــدي أصــلاً بــل أرى آثــار
النعمــة عليــك وأنــت فــي هــذه الحالــة فقــال لــه يــا عــم نفــذ القضــاء والقــدر فهــل لــك يـــا عـــم ياصبيـــح
الوجـه مـن حاجـة تستخدمنـي فيهـا فقــال لــه يــا ولــدي أريــد أن أستخدمــك فــي شــيء يسيــر قــال لــه
الشـاب ومـا هـو يـا عـم فقـال لــه عنــدي عشــرة مــن الشيــوخ فــي دار واحــدة وليــس عندنــا مــن يقضــي
حاجتنــا ولــك عندنــا مــن المأكــل والمشــرب مــا يكفيــك لتقــوم بخدمتنــا ولــك عندنــا مــا يصــل إليــك مـــن
===
الخيـر والدراهـم ولعـل اللـه يـرد عليـك نعمتـك بسببنـا فقـال لـه الشـاب سمعـاً وطاعـة ثـم قـال لـه الشيـخ:
لــي عليــك شــرط فقــال لــه الشــاب: ومــا شرطــك يــا عــم فقــال لــه: يـــا ولـــدي أن تكـــون كاتمـــاً لسرنـــا
فيمـا ترانـا عليـه وإذا رأيتنـا نبكـي فـلا تسألنـا عـن سبـب بكاؤنـا فقــال لــه الشــاب نعــم يــا عــم فقــال لــه
الشيـخ يـا ولـدي سـر بنـا علـى بركـة اللـه تعالـى فقــام الشــاب خلــف الشيــخ إلــى أن أوصلــه إلــى الحمــام
فأدخلـه فيـه وأزال عـن بدنـه مـا عليـه مـن القشـف ثــم أرســل الشيــخ رجــلاً فأتــى لــه بحلــة حسنــة مــن
القماش فألبسه إياها ومضى به إلى منزله عند جماعته.
فلمــا دخــل الشــاب وجدهــا داراً عاليــة البنيـــان مشيـــدة الأركـــان واسعـــة بمجالـــس متقالبـــة وقاعـــات
في قاعـة فسقيـة مـن المـاء عليهـا طيـور تغـرد وشبابيـك تطـل مـن كـل جهـة علـى بستـان حسـن فـي تلـك
الـــدار فأدخلـــه الشيـــخ فـــي أحـــد المجالـــس فوجـــده منقوشـــاً بالرخـــام الملـــون ووجــــد سقفــــه منقوشــــاً
باللـــازورد والذهـــب الوهـــاج وهـــو منقـــوش ببســـط الحريـــر ووجـــد فيـــه عشـــرة مـــن الشيـــوخ قاعديـــن
متقابليــن وهــم لابســون ثيــاب الحــزن يبكــون وينتحبــون فتعجــب الشـــاب مـــن أمرهـــم وهـــم أن يســـأل
الشيـخ فتذكـر الشـرط فمنـع لسانـه ثـم إن الشيــخ سلــم إلــى الشــاب صندوقــاً فيــه ثلاثــون ألــف دينــار
وقـال لـه يـا ولـدي أنفــق علينــا مــن هــذا الصنــدوق وعلــى نفســك وأنــت أميــن واحفــظ مــا استودعتــك
فيه.
===
فقــال الشــاب سمعـــاً وطاعـــة ولـــم يـــزل الشـــاب ينفـــق عليهـــم مـــدة أيـــام وليـــال ثـــم مـــات واحـــداً منهـــم
فأخـذه أصحابـه وغسلـوه وكفنـوه ودفنـوه فـي روضـة خلـف الــدار ولــم يــزل المــوت يأخــذ منهــم واحــداً
بعـد واحـد إلـى أن بقــي الشيــخ الــذي استخــدم ذلــك الشــاب فاستمــر هــو والشــاب فــي تلــك الــدار
وليس معهما ثالث وأقاما على ذلك مدة من السنين ثم مرض الشيخ.
فلمـا يئـس الشـاب مـن حياتـه أقبـل عليـه وتوجـع لـه ثـم قـال لــه: يــا عــم أنــا خدمتكــم ومــا كنــت أقصــر
فـي خدمتكـم مـرة واحـدة طيلـة اثنـي عشـرة سنـة وأنـا أنصــح لكــم وأخدمكــم بجهــدي وطاقتــي فقــال
لـه الشيـخ: نعـم يـا ولـدي خدمتنــا إلــى أن توفيــت هــذه المشايــخ إلــى رحمــة اللــه عــز وجــل ولا بــد لنــا
مـن المـوت فقـال الشـاب يـا سيـدي أنـت علــى خطــر وأريــد منــك أن تعلمنــي مــا سبــب بكائكــم ودوام
انتحابكم وحزنكم وتحمركم.
فقــال لــه يــا ولــدي مــا لــك بذلــك مــن حاجــة ولا تكلفنــي مــا لا أطيــق فإنـــي سألـــت اللـــه تعالـــى أن لا
يبلــي أحــداً ببليتـــي فـــإن أردت أن تسلـــم ممـــا وقعنـــا فيـــه فـــلا تفتـــح ذلـــك البـــاب وأشـــار إليـــه بيـــده
وحــذره منــه وإن أردت أن يصيبـــك مـــا أصابنـــا فافتحـــه فإنـــك تعلـــم بسبـــب مـــا رأيـــت منـــا لكنـــك
تندم حيث لا ينفعك الندم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الشيــخ الــذي بقــي مــن العشــرة قــال للشــاب إحــذر أن تفتــح هــذا
البـاب فتنـدم حيـث لا ينفعـك النـدم ثـم تزايـدت العلــة علــى الشيــخ فمــات فغسلــه الشــاب بيــده وكفنــه
ودفنـه عنـد أصحابــه وقعــد الشــاب فــي ذلــك الموضــع وهــو مختــوم علــى مــا فيــه وهــو مــع ذلــك قلــق
متفكـر فيمـا كـان فيـه الشيـوخ فبينمـا هـو يتفكـر يومـاً مـن الأيـام فـي كلــام الشيــخ ووصيتــه لــه بعــد فتــح
البــاب إذ خطــر ببالــه أنــه ينظــر إليــه فقــام إلــى تلــك الجهــة وفتــش حتــى رأى بابــاً لطيفــاً قـــد عشـــش
عليه العنكبوت وعليه أربعة أقفال من البولاد.
فلمـا نظـره تذكـر مـا حــذره منــه الشيــخ فانصــرف عنــه وصــارت نفســه تــراوده علــى فتــح البــاب وهــو
يمنعهـا مـدة سبعـة أيـام وفـي اليـوم الثامـن غلبـت عليـه نفسـه وقـال لابـد أن أفتـح البـاب وأنظـر أي شــيء
يجــري علــي منــه فــإن قضــاء اللــه تعالــى وقــدره لا يــرده شــيء ولا يكــون أمــر مـــن الأمـــور إلا بإرادتـــه
فنهــض وفتــح البــاب بعــد أن كســر الأقفــال فلمــا فتـــح البـــاب رأى دهليـــزاً ضيقـــاً فجعـــل يمشـــي فيـــه
مقـدار ثلـاث ساعـات وإذا بـه قــد خــرج علــى شاطــئ نهــر عظيــم فتعجــب الشــاب مــن ذلــك وصــار
يمشـي علـى ذلـك الشاطـئ وينظـر يمينـاً وشمـالاً وإذا بعقـاب كبيـر قـد نـزل مـن الجـو فحمـل ذلـك الشـاب
فـي مخالبـه وطـار فيـه بيـن السمـاء والـأرض إلــى أن أتــى بــه إلــى جزيــرة فــي وســط البحــر فألقــاه فيهــا
وانصرف عنه ذلك العقاب فصار الشاب متحيراً في أمره ولا يدري أين يذهب.
===
فبينمـا هـو جالـس يومـاً مـن الأيـام وإذا بقلـع مركـب قـد لــاح لــه فــي البحــر كالنجمــة فــي السمــاء فتعلــق
خاطــر الشــاب بالمركــب لعــل نجاتــه تكــون فيــه وصــار ينظــر إليــه حتــى وصــل إلــى قريــة فلمـــا وصـــل
رأى زورقــــاً مــــن العــــاج والأبنــــوس ومجاذيفــــه مــــن الصنــــدل والعــــود وهــــو مصفــــح جميعــــه بالذهـــــب
الوهــاج وفيــه عشــر مــن الجــواري الأبكــار كأنهــم القمــار فلمــا نظرنــه الجــواري طلعــن إليــه مـــن الـــزورق
وقبلــن يــده وقلــن أنــت الملــك العريــس ثــم تقدمــت إليــه جاريــة وهــي كالشمــس الضاحيــة فــي السمـــاء
الصافية وفي يدها منديل حرير فيه خلعة ملوكية وتاج من الذهب مرصع بأنواع اليواقيت.
فتقدمـت إليـه وألبستـه وتوجتـه وحملتــه علــى الأيــدي إلــى ذلــك الــزورق فوجــد فيــه أنواعــاً مــن بســط
الحريـر الملـون ثـم نشـرن القلـوع وسـرن فـي لجـج البحـر قـال الشـاب: فلمـا سـرت معهـم اعتقـدت أن هــذا
منـام ولا أرى أيـن يذهبـن بـي فلمـا أشرفـن علـى البـر رأيــت البــر قــد امتــلأ بعساكــر لا يعلــم عدتهــم إلا
اللـه سبحانـه وتعالــى وهــم متدرعــون ثــم قدمــوا إلــي خمســة مــن الخيــل المسمومــة بســروج مــن ذهــب
مرصعة بأنواع اللآلئ والفصوص الثمينة فأخذت منها فرساً فركبته والأربعة سرات معي.
ولمــا ركبــت انعقــدت علــى رأســي الرايــات والأعلــام ودقـــت الطبـــول وضربـــت الكاســـات ثـــم ترتبـــت
العساكرميمنــة وميســرة وصــرت أردد هــل أنـــا نائـــم أو يقظـــان ولـــم أزل سائـــراً لا أصـــدق بمـــا أنـــا فيـــه
مـــن الموكـــب بـــل أظـــن أنـــه أضغـــاث أحلـــام حتـــى أشرفنـــا علـــى مـــرج أخضـــر فيـــه قصـــور وبساتيـــن
===
وأشجــار وأزهــار وأطيــار تسبــح الواحــد القهــار فبينمــا هــم كذلــك وإذا بعسكــر قــد بــرز مـــن بيـــن
تلــك القصــور والبساتيــن مثــل السيــل إذا انحــدر إلــى أن مــلأ ذلــك المــرج فلمــا دنــوا منـــي وقفـــت تلـــك
العساكــر وإذا بملــك منهــم قــد تقــدم بمفــرده راكبــاً وبيــن يديــه بعــض خواصـــه مشـــاة فلمـــا قـــرب الملـــك
مــن الشــاب نــزل عـــن جـــواده فلمـــا رأى الملـــك نـــزل عـــن جـــواده نـــزل الآخـــر ثـــم سلمـــا علـــى بعضهمـــا
أحسـن سلـام ثـم ركبـوا خيولهــم فقــال الملــك للشــاب ســر بنــا فإنــك ضيفــي فســار معــه الشــاب وهــم
يتحدثون والمواكب مرتبة وهي تسير بين أيديهما إلى قصر الملك ثم نزلوا ودخلوا جميعاً..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثمانين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك لمــا أخــذ الشـــاب ســـار هـــو وإيـــاه بالموكـــب حتـــى دخـــلا
القصــر ويــد الشــاب فــي يــد الملــك ثــم أجلســه علــى كرســي مــن الذهــب وجلــس عنــده فلمــا كشــف
ذلـك الملـك اللثـام عـن وجهـه إذا هــو جاريــة كأنهــا الشمــس الضاحيــة فــي السمــاء الصافيــة ذات حســن
وجمـال وبهـاء وكمـال وعجـب ودلـال فنظـر الشـاب إلـى نعمـة عظيمــة وسعــادة جسيمــة وصــار الشــاب
متعجبـــاً مـــن حسنهـــا وجمالهـــا ثـــم قالـــت لـــه اعلـــم أيهـــا الملـــك أنـــي ملكـــة هــــذه الــــأرض وكــــل هــــذه
===
العساكـــر التـــي رأيتهـــا وجميـــع مـــا رأيتـــه مــــن فــــارس أو راجــــل فهــــو مــــن نســــاء ليــــس فيهــــن رجــــال
والرجــال عندنــا فــي هــذه الــأرض يحرثــون ويزرعــون ويحصــدون ويشتغلـــون بعمـــارة الـــأرض وعمـــارة
البلــاد ومصالــح النــاس مــن سائــر الصناعــات وأمــا النســـاء فهـــن الحكـــام وأربـــاب المناصـــب والعساكـــر
فتعجـب الشـاب مــن ذلــك غايــة العجــب فبينمــا هــم كذلــك وإذا بالوزيــر قــد دخــل وإذا هــي عجــوز
شمطاء وهي محتشمة ذات هيبة ووقار.
فقالــت لهــا الملكــة أحضــري لنــا القاضــي والشهــود فمضــت العجــوز لذلــك ثــم عطفــت علـــى الشـــاب
تنادمـــه وتؤانســـه وتزيـــل وحشتـــه بكلـــام لطيـــف ثـــم أقبلـــت عليـــه وقالـــت لـــه أترضـــى أن أكــــون لــــك
زوجـــة فقـــام وقبـــل الـــأرض بيـــن يدهـــا فمنعتـــه فقـــال لهـــا: يــــا سيدتــــي أنــــا أقــــل مــــن الخــــدم الذيــــن
يخدمونــك فقالــت لــه أمــا تــرى جميــع مــا نظرتـــه مـــن الخـــدم والعساكـــر والمـــال والخزائـــن والذخائـــر فقـــال
لهــا نعــم فقالــت لــه جميــع ذلــك بيــن يديــك تتصــرف فيــه بحيـــث تعطـــي وتهـــب مـــا بـــدا لـــك ثـــم إنهـــا
أشـارت إلـى بـاب مغلـق وقالـت لـه ذلـك تتصـرف فيـه إلا هـذا البــاب فــلا تفتحــه فــإذا فتحتــه ندمــت
حيث لا ينفعك الندم فما استتمت كلامها إلا والوزير والقاضي والشهود معها.
فلمـا حضـروا وكلهــن عجائــز ناشــرات الشعــر علــى أكتافهــن وعليهــن هيبــة ووقــار قــال: فلمــا أحضــرن
بيــن يــدي الملكــة أمرتهــن أن يعقــدن العقــد تزويــج فزوجنهــا الشــاب وعملــت الولائــم وجمعـــت العساكـــر
===
فلمــا أكلــوا وشربــوا دخـــل عليهـــا ذلـــك الشـــاب فوجدهـــا بكـــراً عـــذراء فـــأزال بكارتهـــا وأقـــام معهـــا
سبعـة أعـوام فـي ألـذ عيـش وأهنـأه وأطيبـه فتذكـر ذات يـوم مـن الأيـام فتـح البـاب وقـال لـو لـم يكـن فيــه
ذخائــر جميلــة أحســن ممــا رأيــت مــا منعتنــي عنـــه ثـــم قـــام وفتـــح البـــاب وإذا الطائـــر الـــذي حملـــه مـــن
ساحل البحر وحطه في الجزيرة فلما نظره ذلك الطائر قال له لا مرحباً بوجه لا يفلح أبداً.
فلمــا نظــره وسمــع كلامــه هــرب منــه فتبعــه وخطفــه وطــار بـــه بيـــن السمـــاء والـــأرض مسافـــة ساعـــة
وحطـه فـي المكـان الـذي خطفـه منـه ثـم غـاب عنـه فجلـس مكانـه ثـم رجـع إلـى عقلـه وتذكــر مــا نظــره
قبــل ذلــك مــن النعمــة والعــز والكرامــة وركــوب العسكــر أمامــه والأمــر والنهــي فجعــل يبكــي وينتحـــب
ثــم أقــام علــى ساحــل البحــر الــذي وضعــه فيــه ذلــك الطائــر مـــدة شهريـــن وهـــو يتمنـــى أن يعـــود إلـــى
زوجتــه فبينمــا هــو ذات ليلــة مــن الليالـــي سهـــران حزيـــن متفكـــر وإذا بقائـــل يقـــول وهـــو يسمـــع صوتـــه
ولا يرى شخصه وهو ينادي ما أعظم اللذات هيهات أن يرجع إليك ما فات فأكثر الحسرات.
فلمـا سمعـه ذلـك الشـاب يئـس مـن لقــاء تلــك الملكــة ومــن رجــوع النعمــة التــي كــان فيهــا إليــه ثــم دخــل
الــدار التــي كــان فيهــا المشايــخ وعلــم أنهــم قــد جــرى لهــم مثــل مــا جــرى لــه وهــذا الــذي كــان سبــب
بكائهــم وحزنهــم فعذرهــم بعــد ذلــك ثــم إن الشــاب أخــذه الحــزن والهــم ودخــل ذلــك المجلــس ومــازال
يبكــي وينــوح وتــرك المأكــل والمشــرب والروائــح الطيبــة والضحــك إلــى أن مــات ودفنــوه بجانــب المشايـــخ
===
فاعلـم أيهــا الملــك أن العجلــة ليســت محمــودة وإنمــا هــي تــورث الندامــة وقــد نصحتــك بهــذه النصيحــة
فلما سمع الملك ذلك الكلام اتعظ وانتصح ورجع عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الملـك لمـا سمــع حكايــة الوزيــر رجــع عــن قتــل ولــده فلمــا كــان فــي
اليـوم السـادس دخلـت الجاريـة علــى الملــك وفــي يدهــا سكيــن مسلولــة وقالــت اعلــم يــا سيــدي: أنــك
لا تقبــل شكايتــي وتــرع حقــك وحرمتــك فيمــن تعــدى علـــي وهـــم وزراؤك الذيـــن يزعمـــوا أن النســـاء
صاحبـات حيـل ومكـر وخديعــة ويقصــدون بذلــك ضيــاع حقــي وإهمــال الملــك النظــر فــي حقــي وهــا
أنــا أحقــق بيــن يديــك أن الرجــال أمكــر مــن النســاء بحكايــة ابــن ملــك مـــن المولـــك حيـــث خـــلا بزوجـــة
تاجر فقال لها الملك وأي شيء جرى له معها
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أنــه كــان تاجــراً مــن التجــار غيــوراً وكــان عنــده زوجــة ذات حســن
وجمـال فمـن كثـرة خوفـه وغيرتـه عليهـا لـم يسكـن بهــا فــي المدائــن وإنمــا عمــل لهــا خــارج المدينــة قصــراً
منفــرداً وحــده عــن البنيــان وقــد أعلــى بنيانــه وشيــد أركانــه وحصــن أبوابــه وأحكــم إقفالــه فــإذا أراد
===
الذهـاب إلـى المدينـة قفـل الأبـواب وأخـذ مفاتيحهـا معــه وعلقهــا فــي رقبتــه فبينمــا هــو يومــاً مــن الأيــام
فــي المدينــة إذ خــرج ابــن ملــك تلــك المدينــة يتنــزه خارجهــا ويتفــرج علــى الفضــاء فنظـــر ذلـــك الخـــلاء
وصـار يتأمـل فيــه زمانــاً طويــلاً لعينــه ذلــك القصــر فنظــر فيــه جاريــة عظيمــة تطــل مــن بعــض طيقــان
القصــر فلمــا نظرهــا صــار متحيــر فــي حسنهـــا وجمالهـــا وأراد الوصـــو إليهـــا فلـــم يمكنـــه ذلـــك فدعـــا
بغلـام مـن غلمانـه فأتـاه بـداوة وورقـة وكتـب عليهـا شـرح حالـه مـن المحبــة وجعلهــا فــي سنــان نشابــة ثــم
رمـــى النشابـــة داخـــل القصـــر فنزلـــت عليهـــا وهـــي تمشـــي فـــي بستـــان فقالـــت لجاريـــة مـــن جواريهـــا
أسرعي إلى هذه الورقة وناولينيها وصارت تقرأ الخط.
فلمــا قرأتهــا وعرفــت مـــا ذكـــره لهـــا مـــن الـــذي أصابـــه مـــن المحبـــة والشـــوق والغـــرام كتبـــت لـــه جـــواب
ورقتــه وذكــرت لــه أنــه قــد وقــع عندهــا مــن المحبــة أكثــر ممــا عنــده ثــم أطلــت عليــه مــن طاقـــة القصـــر
فرأتـه فألقـت إليـه الجـواب واشتـد بهـا الشـوق فلمــا نظــر إليهــا جــاء تحــت القصــر وقــال لهــا: ارمــي مــن
عنـدك خيطـاً لأربـط فيـه هـذا المفتـاح حتـى تأخذيــه عنــدك فرمــت لــه خيطــاً وربــط فيــه المفتــاح ثــم
انصـرف إلـى وزرائـه فشكـا إليهـم محبـة تلـك الجاريـة وأنـه قـد عجـز عــن الصبــر عنهــا فقــال لــه بعضهــم
ومــا التدبيــر الــذي تأمرنــي لــه ابــن الملــك أريــد منــك رأن تجعلنــي فــي صنـــدوق وتودعـــه عنـــد هـــذا
التاجــر فــي قصــره وتجعــل أن ذلــك الصنــدوق لــك حتـــى أبلـــغ أربـــي مـــن تلـــك الجاريـــة مـــدة أيـــام ثـــم
===
ثــم إن ابــن الملــك لمــا توجــه إلــى منزلــه جعــل نفســه داخـــل صنـــدوق كـــان عنـــده وأغلـــق الوزيـــر عليـــه
وأتـى بـه إلـى قصـر التاجـر فلمــا حضــر التاجــر بيــن يــدي الوزيــر قبــل يديــه وقــال لــه التاجــر لعــل لمولانــا
الوزيـر خدمــة أو حاجــة نفــوز بقضائهــا فقــال لــه الوزيــر أريــد منــك أن تجعــل هــذا الصنــدوق فــي أعــز
مــان عنــدك فقــال التاجــر للحامليــن احملــوه فحملــوه ثــم أدخلــه التاجــر فــي القصــر ووضعــه فــي خزانــة
عنـده ثـم بعــد ذلــك خــرج إلــى بعــض أشغالــه فقامــت الجاريــة إلــى الصنــدوق وفتحتــه بالمفتــاح الــذي
معهـا فخـرج منـه شـاب مثـل القمـر فلمـا رأتــه لبســت أحســن ملبوسهــا وذهبــت بــه إلــى قاعــة الجلــوس
وقعــدت معــه فــي أكــل وشــرب مــدة سبعــة أيــام وكلمـــا يحضـــر زوجهـــا تجعلـــه فـــي الصنـــدوق وتقفـــل
عليه.
فلمــا كــان فــي بعــض الأيــام ســأل الملــك ولـــده فخـــرج الوزيـــر مسرعـــاً إلـــى بيـــت التاجـــر وطلـــب منـــه
الصندوق.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الوزيـــر لمـــا حضـــر إلـــى منـــزل التاجـــر طلـــب الصنـــدوق فجـــاء
===
التاجــر إلــى قصــره علــى خلــاف العــادة وهــو مستعجــل فطــرق البــاب فأحســت بــه الجاريـــة فأخـــذت
ابــن الملــك وأدخلتــه فــي الصنــدوق وذهلــت عــن قفلــه فلمــا وصــل التاجــر إلـــى المنـــزل هـــو والحاملـــون
حملــوا الصنــدوق مــن غطائــه فانفتــح وكــان فيــه ابــن الملــك راقــداً فلمــا رآه التاجـــر وعرفـــه خـــرج إلـــى
الوزيـر وقـال لـه ادخـل أنــت وخــذ ابــن الملــك فــلا يستطيــع أحــد منــا أن يمسكــه فدخــل الوزيــر وأخــذه
ثم انصرفوا جميعاً.
فلمـا انصرفـوا أطلـق التاجــر الجاريــة وأقســم علــى نفســه أن لا يتــزوج أبــداً وبلغنــي أيضــاً أيهــا الملــك أن
رجـلاً مـن الظرفـاء دخـل السـوق فوجــد غلامــاً ينــادى عليــه للبيــع فاشتــراه وجــاء بــه إلــى منزلــه وقــال
لزوجتــه استوصــي بــه فأقــام الغلــام مــدة مــن الزمــان فلمــا كـــان فـــي بعـــض الأيـــام قـــال الرجـــل لزوجتـــه
أخرجـي غـداً إلــى البستــان وتفرجــي وتنزهــي وانشرحــي فقالــت حبــاً وكرامــة فلمــا سمــع الغلــام ذلــك
عمـد إلـى طعـام وجهـزه فـي تلـك الليلـة وإلـى شـراب ونقـل وفاكهـة ثـم توجــه إلــى البستــان وجعــل ذلــك
الطعــام تحــت شجــرة وجعــل ذلــك الشــراب تحـــت شجـــرة والفواكـــه والنقـــل تحـــت شجـــرة فـــي طريـــق
زوجة سيده.
فلمــا أصبــح أمــر الرجــل الغلــام أن يتوجــه مــع سيدتــه إلــى ذلــك البستــان وأمــر بمـــا يحتاجـــون إليـــه مـــن
المأكــل والمشــرب والفواكــه ثــم طلعــت الجاريــة وركبـــت فرســـاً والغلـــام معهـــا حتـــى وصلـــوا إلـــى ذلـــك
===
البستــان فلمــا دخلــوا نعــق غــراب فقــال لـــه الغلـــام صدقـــت فقالـــت لـــه سيدتـــه هـــل أنـــت تعـــرف مـــا
يقــول الغــراب فقــال لهــا نعــم يــا سيدتــي قالــت لــه فمــا يقــول قــال لهــا يــا سيدتــي يقـــول إن تحـــت هـــذه
الشجــرة طعامــاً تعالــوا كلــوه فقالــت لــه أراك تعــرف لغــات الطيــر فقــال لهــا نعــم فتقدمــت الجاريـــة إلـــى
تلــك الشجــرة فوجــدت طعامــاً مجهـــزاً فلمـــا أكلـــوه تعجبـــت منـــه غايـــة العجـــب واعتقـــدت أنـــه يعـــرف
لغات الطير.
فلمـــا أكلـــوا ذلـــك الطعـــام تفرجـــوا فـــي البستـــان فنعـــق الغـــراب فقـــال لـــه الغلــــام صدقــــت فقالــــت لــــه
سيدتـه أي شـيء يقـول قـال يـا سيدتـي يقـول إن تحــت الشجــرة الفلانيــة كــوز مــاء ممســك وخمــراً عتيقــاً
فذهبــت هــي وإيــاه فوجــدا ذلــك فتزايــدت عجبــاً وعظــم الغلــام عندهــا فقعـــدت مـــع الغلـــام يشربـــان
فلمــا شربــا مشيــا فــي ناحيــة البستــان فنعــق الغــراب فقــال لــه الغلــام صدقــت فقالـــت لـــه سيدتـــه أي
شـيء يقـول هـذا الغــراب قــال يقــول إن تحــت الشجــرة الفلانيــة فواكهــة ونقــلاً فذهبــا إلــى تلــك الشجــرة
فوجـــدا ذلـــك فأكـــلا مـــن تلـــك الفواكـــه والنقـــل ثـــم مشيـــا فـــي البستـــان فنعـــق الغـــراب فأخــــذ الغلــــام
حجــراً ورمــاه بــه فقالــت مالــك تضربــه ومــا الــذي قالــه قــال يــا سيدتــي إنــه يقــول كلامـــاً مـــا أقـــدر أن
أقولـه قالـت قـل ولا تستـح منـي أنـا مـا بينـي وبينـك شـيء فصـار يقـول لا وهـي تقــول قــل ثــم أقسمــت
عليـه فقـال لهـا إنــه يقــول لــي افعــل بسيدتــك مثــل مــا يفعــل بهــا زوجهــا فلمــا سمعــت كلامــه ضحكــت
===
حتـى استلقــت علــى قفاهــا ثــم قالــت لــه حاجتــك هينــة لا أقــدر أن أخالفــك فيهــا ثــم توجهــت نحــو
شجــرة مــن الأشجــار وفرشــت تحتهــا الفـــرش ونادتـــه ليقضـــي لهـــا حاجتهـــا وإذا بسيـــده خلفـــه ينظـــر
إليــه فنــاداه وقــال لــه يـــا غلـــام مـــا لسيدتـــك راقـــدة هنـــاك تبكـــي فقـــال يـــا سيـــدي وقعـــت مـــن فـــوق
شجرة فماتت وما ردها عليك الله سبحانه وتعالى فرقدت هاهنا ساعة لتستريح.
فلمــا رأت الجاريــة زوجهــا فــوق رأسهــا قامـــت وهـــي متمـــردة تتوجـــع وتقـــول آه يـــا ظهـــري يـــا جنبـــي
تعالـــوا إلـــي يـــا أحبائـــي مـــا بقيـــت أعيـــش فصـــار زوجهـــا مبهوتــــاً ثــــم نــــادى الغلــــام وقــــال لــــه هــــات
لسيدتــك الفـــرس واركبهـــا فلمـــا ركبـــت أخـــذ الـــزوج بركابهـــا والغلـــام بركابهـــا الثانـــي ويقـــول لهـــا واللـــه
يعافيــك ويشفيــك وهــذا أيهــا الملــك مــن جملــة حيــل الرجــال ومكرهـــم فـــلا يـــرد وزراؤك عـــن نصرتـــي
والأخـذ بحقــي ثــم بكيــت فلمــا رأى الملــك بكاءهــا وهــي عنــده أعــز جواريــه أمــر بقتــل ولــده فدخــل
عليــه الوزيــر الســادس وقبــل الــأرض بيــن يديــه وقــال لــه أعــز اللــه تعالــى الملــك إنـــي ناصحـــك ومشيـــر
عليك بالتمهل في أمر ولدك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الخمسمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن الوزيـــر الســـادس قـــال لـــه أيهـــا الملـــك تمهـــل فـــي أمـــر ولـــدك فـــإن
الباطــل كالدخــان والحــق مشيـــد الأركـــان ونـــور الحـــق يذهـــب ظلـــام الباطـــل واعلـــم أن مكـــر النســـاء
عظيـم وقـد قـال اللـه فـي كتابـه العزيـز إن كيدهـن عظيــم وقــد بلغنــي حديــث امــرأة فعلــت مــع أربــاب
الدولـة مكيـدة مـا سبقهــا بمثلهــا أحــد قــط فقــال الملــك وكيــف كــان ذلــك قــال الوزيــر بلغنــي أيهــا الملــك
أن امـرأة مـن بنـات التجـار كـان لهــا زوج كثيــر الأسفــار فسافــر زوجهــا إلــى بلــاد بعيــدة وأطــال الغيبــة
فــزاد عليهــا الحــال فعشقــت غلامــاً ظريفــاً مــن أولــاد التجــار وكانــت تحبــه ويحبهــا محبـــة عظيمـــة ففـــي
بعــض الأيــام تنــازع الغلــام مــع رجــل فشكــا الرجــل إلــى والــي تلــك البلــد فسجنـــه فبلـــغ خبـــره زوجـــة
التاجـــر معشوقتـــه فطـــار عقلهـــا عليـــه فقامـــت ولبســـت أفخـــر ملبوسهـــا ومضـــت إلــــى منــــزل الوالــــي
فسلمـت عليـه ودفعـت لـه ورقـة تذكــر فيهــا أن الــذي سجنتــه وحبستــه هــو أخــي فلــان الــذي تنــازع
مــع فلــان والجماعــة الذيــن شهــدوا عليــه قــد شهــدوا باطــلاً وقــد سجـــن فـــي سجنـــك وهـــو مظلـــوم
وليس عندي من يدخل علي ويقوم بحالي غيره واسأل من فضل مولانا إطلاقه من السجن.
فلمــا قــرأ الوالــي الورقــة ثــم نظــر إليهــا فعشقهــا وقــال لهــا أدخلــي المنــزل حتــى أحضـــره بيـــن يـــدي ثـــم
أرسلــه إليــك فتأخذينــه فقالــت لــه يــا مولانــا ليــس لــي أحــد إلا اللــه تعالــى وأنــا امـــرأة غريبـــة لا أقـــدر
علــى دخــول منــزل أحــد فقــال لهــا الوالــي لا أطلقــه لــك حتــى تدخلــي المنــزل وأقضــي حاجتــي منـــك
===
فقالـت لـه وإن أردت ذلـك فلابـد أن تحضـر عنـدي فـي منزلـي وتقعـد وتنــام وتستريــح نهــارك كلــه فقــال
لها وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني ثم خرجت من عنده وقد اشتغل قلب الوالي.
فلمـا خرجــت دخلــت علــى قاضــي البلــد وقالــت لــه يــا سيدنــا القاضــي قــال لهــا نعــم قالــت لــه انظــر
فـي أمـري وأجـرك علـى اللـه فقـال لهـا مـن ظلمـك قالـت لـه يـا سيـدي لـي أخ وليـس لـي أحـد غيـره وهـو
الذي كلفني الخـروج إليـك لـأن الوالـي قـد سجنـه وشهـدوا عليـه بالباطـل أنـه ظالـم وإنمـا أطلـب منـك أن
تشفـع لـي عنـد الوالـي فلمـا نظرهـا القاضـي عشقهـا فقـال لهــا ادخلــي المنــزل عنــد الجــواري واستريحــي
معنـا ساعـة ونحـن نرسـل إلـى الوالـي بـأن يطلـق أخـاك ولـو كنـا نعـرف الدراهـم التـي عليــه كنــا دفعناهــا
مــن عندنــا لأجــل قضــاء حاجتنـــا لأنـــك أعجبتينـــا مـــن حســـن كلامـــك فقالـــت لـــه إذا كنـــت أنـــت يـــا
مولانـــا تفعـــل ذلـــك فمـــا نلـــوم الغيـــر فقـــال لهـــا القاضـــي إن لــــم تدخلــــي منزلنــــا فاخرجــــي إلــــى حــــال
سبيلـك فقالـت لـه إن أردت ذلـك يـا مولانـا فيكـون عنــدي فــي منزلــي أستــر وأحســن مــن منزلــك فــإن
فيــه الجــواري والخــدم والداخــل والخــارج وأنــا امــرأة مــا أعــرف شيئـــاً مـــن هـــذا الأمـــر لكـــن الضـــرورة
تحـــوج فقـــال لهـــا القاضـــي وأيـــن منزلـــك فقالـــت لـــه فـــي الموضـــع الفلانـــي وواعدتـــه علـــى اليـــوم الـــذي
وعـدت فيـه الوالـي ثـم خرجـت مـن عنـد القاضـي إلـى منـزل الوزيـر فرفعــت إليــه قصتهــا وشكــت إليــه
ضـرورة أخيهـا وأنـه سجنـه الوالــي فراودهــا الوزيــر عــن نفسهــا فقــال لهــا نقضــي حاجتنــا منــك ونطلــق
===
لـك أخـاك. فقالـت لـه إن أردت فيكـون عنـدي فـي منزلـي فإنـه أستـر لـي ولــك ولــأن المنــزل لــي بعيــداً
وأنـت تعـرف مـا نحتـاج إليـه مـن النظافـة والظرافــة فقــال لهــا الوزيــر وأيــن منزلــك فقالــت لــه فــي الموضــع
الفلانـي وواعدتـه علـى ذلـك اليـوم ثـم خرجـت مــن عنــده إلــى ملــك تلــك المدينــة ورفعــت إليــه قصتهــا
وسألتــه إطلــاق أخيهــا فقــال لهــا مــن حبســه قالــت لــه حبســه الوالــي فلمــا سمــع الملــك كلامهــا رشقتــه
بسهـام العشـق فـي قلبـه فأمرهـا أن تدخـل معـه القصـر حتــى يرســل إلــى الوالــي ويخلــص أخاهــا فقالــت
لـه أيهـا الملـك هـذا أمـر يسهـل عليـك إمـا باختيـار وإمـا قهـراً عنــي فــإن كــان الملــك أراد ذلــك منــي فإنــه
من سعد حظي ولكن إذا جاء إلى منزلي يشرفني بنقل خطواته الكرام كما قال الشاعر:
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما زيارة من جلت مكارمه عندي
فقال لها الملك لا نخالف لك أمراً فواعدته في اليوم الذي واعدت فيه غيره وعرفته منزلها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التسعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن المـــرأة لمـــا أجابـــت الملـــك وعرفتـــه منزلهـــا وواعدتـــه علـــى ذلـــك
اليــوم الــذي واعــدت فيــه الوالــي والقاضــي والوزيــر ثــم خرجــت مــن عنــده فجــاءت إلـــى رجـــل نجـــار
===
وقالــت لــه أريــد منــك أن تصنــع لــي خزانــة بأربــع طبقــات بعضهــا فــوق بعــض كــل طبقــة ببـــاب يقفـــل
عليهـــا وأخبرنـــي بقـــدر أجرتـــك فأعطيـــك فقـــال لهـــا أربعـــة دنانيــــر وإن أنعمــــت علــــي أيتهــــا السيــــدة
المصونـة بالوصـال فهــو الــذي أريــد ولا آخــذ منــك شيئــاً فقالــت لــه إن كــان ولا بــد فاعمــل لــي خمــس
طبقــات بأقفالهــا فقــال: حبــاً وكرامــة وواعدتــه أن يحضــر لهــا الخزانــة فــي ذلــك اليــوم بعينـــه فقـــال لهـــا
النجــار يــا سيدتــي اقعــدي حتــى تأخــذي حاجتــك فــي هــذه الساعــة وأنــا بعــد ذلــك أجـــيء علـــى
مهلـي فقعـدت عنـده حتـى عمـل لهـا الخزانـة بخمـس طبقـات وانصرفـت إلـى منزلهـا فوضعتهــا فــي المحــل
الـذي فيــه الجلــوس ثــم إنهــا أخــذت أربعــة ثيــاب وحملتهــا إلــى الصبــاغ فصبــغ كــل ثــوب لونــاً وكــل لــون
خلاف الآخر وأقبلت على تجهيز المأكول والمشروب والمشموم والفواكه والطيب.
فلمــا جــاء يــوم الميعــاد لبســت أفخــر ملبوسهــا وتزينــت وتطيبـــت ثـــم فرشـــت المجلـــس بأنـــواع البســـط
الفاخــرة وقعــدت تنتظــر مــن يأتــي وإذا بالقاضــي دخــل عليهــا قبــل الجماعـــة فلمـــا رأتـــه قامـــت واقفـــة
علــى قدميهــا وقبلــت الــأرض بيــن يديــه وأخذتــه وأجلستــه علــى ذلــك الفــراش ونامـــت معـــه ولاعبتـــه
فـأراد منهـا قضـاء الحاجـة فقالـت لــه يــا سيــدي اخلــع ثيابــك وعمامتــك والبــس هــذه الغلالــة الصفــراء
واجعـــل هـــذا القنـــاع علـــى رأســـك حتـــى أحضـــر المأكـــول والمشـــروب وبعـــد ذلـــك تقضـــي حاجتـــك
فأخـــذت ثيابـــه وعمامتـــه ولبـــس الغلالـــة والقنـــاع وإذا بطـــارق يطـــرق البـــاب فقـــال لهـــا القاضــــي مــــن
===
هــذا الــذي يطــرق البــاب فقالــت لــه هــذا زوجــي فقــال لهـــا وكيـــف العمـــل وأيـــن أروح أنـــا فقالـــت لـــه
لا تخــاف فإنــي أدخلــك هــذه الخزانـــة فقـــال لهـــا افعلـــي مـــا بـــدا لـــك فأخذتـــه مـــن يـــده وأدخلتـــه فـــي
الطبقـة السفلـى وأقفلــت عليــه ثــم إنهــا خرجــت إلــى البــاب وفتحتــه وإذا هــو الوالــي فلمــا رأتــه قبلــت
الــأرض بيـــن يديـــه وأخذتـــه بيدهـــا وأجلستـــه علـــى ذلـــك الفـــراش وقالـــت لـــه يـــا سيـــدي إن الموضـــع
موضعـك والمحــل محلــك وأنــا جاريتــك ومــن بعــض خدامــك وأنــت تقيــم هــذا النهــار عنــدي فاخلــع مــا
عليــك مــن الملبــوس والبــس هــذا الثــوب الأحمــر فإنــه ثــوب النــوم وقــد جعلــت علــى رأســه خلقـــاً مـــن
خرقــة كانــت عندهــا فلمــا أخــذت ثيابــه أتــت إليــه فــي الفــراش ولاعبتــه ولاعبهــا فلمــا مــد يـــده إليهـــا
قالـت لـه يـا مولانـا هـذا النهـار نهـارك ومــا أحــد يشاركــك فيــه ولكــن مــن فضلــك وإحسانــك كتــب لــي
ورقـــة بإطلـــاق أخـــي مـــن السجـــن حتـــى يطمئـــن خاطـــري فقـــال لهـــا السمــــع والطاعــــة علــــى الــــرأس
والعيـن وكتـب كتابـاً إلـى خازنـداره يقـول فيـه ساعــة وصــول هــذه المكاتبــة إليــك تطلــق فلانــاً مــن غيــر
إمهــال ولا إهمــال ولا ترجــع حاملهــا بكلمــة ثــم ختمهــا وأخذتهــا منــه ثــم أقبلــت تلاعبــه علـــى الفـــراش
وإذا بطــــارق يطــــرق البــــاب فقــــال لهــــا مــــن هــــذا قالــــت زوجــــي قــــال: كيــــف أعمـــــل فقالـــــت لـــــه:
ادخـل هـذه الخزانـة حتـى أصرفـه وأعـود إليـك. فأخذتـه وأدخلتـه فـي الطبقـة الثانيـة وقفلــت عليــه كــل
هذا والقاضي يسمع كلامها.
===
ثـم خرجـت إلـى البــاب وفتحتــه وإذا هــو الوزيــر قــد أقبــل فلمــا رأتــه قبلــت الــأرض بيــن يديــه وتلقتــه
وخدمتــه وقالــت لــه يــا سيــدي: لقــد شرفتنــا بقدومــك فــي منزلنــا يــا سيدنــا فــلا أعدمنــا اللــه هـــذه
الطلعـة ثــم أجلستــه علــى الفــراش وقالــت لــه اخلــع ثيابــك وعمامتــك والبــس هــذه التخفيفــة فخلــع مــا
كــان عليــه وألبستــه غلالــة زرقــاء وطرطــور أحمــر فلمــا لبسهــا الوزيــر لاعبتـــه علـــى الفـــراش ولاعبهـــا
وهو يريد قضاء الحاجة منها وهي تمنعه وتقول له: يا سيدي هذا لا يفوتنا.
فبينمــا هــم فــي الكلــام وإذا بطــارق يطــرق البـــاب فقـــال لهـــا مـــن هـــذا فقالـــت لـــه زوجـــي فقـــال لهـــا
كيـف التدبيـر فقالـت قـم وادخــل هــذه الخزانــة حتــى اصــرف زوجــي وأعــود إليــك ولا تخــف ثــم إنهــا
أدخلتـه الطبقـة الثالثـة وقفلــت عليــه وخرجــت ففتحــت البــاب وإذا هــو الملــك دخــل فلمــا رأتــه قبلــت
الـأرض بيـن يديـه وأخـذت بيـده وأدخلتـه فـي صـدر المكـان وأجلستـه علـى الفـراش وقالـت لــه شرفتنــا
أيها الملك ولو قدمنا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك لمــا دخــل دار المــرأة قالـــت لـــه لـــو أهدينـــا لـــك الدنيـــا ومـــا
===
فيهـا مــا تســاوي خطــوة مــن خطواتــك إلينــا فلمــا جلــس علــى الفــراش قالــت لــه: أعطنــي أذنــاً أكلمــك
كلمــة واحـــدة فقـــال لهـــا تكلمـــي مـــا شئـــت فقالـــت لـــه استـــرح يـــا سيـــدي واخلـــع ثيابـــك وعمامتـــك
وكانـت ثيابـه فـي ذلـك الوقـت تسـاوي ألـف دينـار فلمـا خلعهـا ألبستـه ثوبـاً خلقــاً قيمتــه عشــرة دراهــم
بـلا زيــادة وأقبلــت تؤانســه وتلاعبــه هــذا كلــه والجماعــة الذيــن فــي الخزانــة يسمعــون مــا يحصــل منهمــا
ولا يقــدر أحــد أن يتكلـــم فلمـــا مـــد الملـــك يـــده إلـــى عنقهـــا وأراد أن يقضـــي حاجتـــه منهـــا قالـــت لـــه
هــذا الأمــر لا يفوتنــا وقــد كنـــت قبـــل الـــآن وعـــدت حضرتـــك بهـــذا المجلـــس فلـــك عنـــدي مـــا يســـرك
فبينمـــا همـــا يتحدثـــان وإذا بطـــارق يطـــرق البـــاب فقـــال لهـــا مـــن هـــذا قالـــت لـــه زوجـــي فقـــال لهــــا
اصرفيـه عنـا كرمـاً منـا وإلا فاطلـع إليـه أصرفـه قهـراً فقالـت لـه لا يكـون ذلـك يــا مولانــا بــل اصبــر حتــى
أصرفــه بحســن معرفتـــي فقـــال لهـــا وكيـــف أفعـــل أنـــا فأخذتـــه مـــن يـــده وأدخلتـــه فـــي الطبقـــة الرابعـــة
وقفلت عليه ثم خرجت إلى الباب ففتحته وإذا هو النجار.
فلمــا دخــل وسلــم عليهــا قالــت لــه أي شــيء هــذه الخزائــن التــي عملتهــا فقــال لهــا مــا لهــا يــا سيدتــي
فقالــت لــه إن هــذه الطبقــة ضيقــة فقــال لهــا هــذه واسعــة فقالــت لــه ادخـــل وانظرهـــا فإنهـــا لا تسعـــك
فقـال لهـا هــذه تســع أربعــة ثــم دخــل النجــار فلمــا دخــل قفلــت عليــه الطبقــة الخامســة ثــم إنهــا قامــت
وأخـذت ورقـة الوالـي ومضـت بهـا إلــى الخازنــدار فلمــا أخذهــا قبلهــا وأطلــق لهــا الرجــل عشيقهــا مــن
===
الحبـس فأخبرتـه بمـا فعلتـه فقـال لهـا وكيـف تفعلــي قالــت لــه نخــرج مــن هــذه المدينــة إلــى مدينــة أخــرى
وليـس لنـا بعــد هــذا الفعــل إقامــة هنــا ثــم جهــزوا مــا كــان عندهمــا وحملــاه علــى الجمــال وسافــرا مــن
ساعتهمـا إلـى مدينـة أخـرى وأمـا القـوم فإنهـم أقامـوا فــي طبقــات الخزانــة ثلاثــة أيــام بــلا أكــل فانحصــروا
لـأن لهـم ثلاثـة أيـام لـم يبولـوا فبــال النجــار علــى رأس السلطــان وبــال السلطــان علــى رأس الوزيــر وبــال
الوزيـــر علـــى رأس الوالـــي وبـــال الوالـــي علـــى رأس القاضـــي فصـــاح القاضـــي وقــــال أي شــــيء هــــذه
النجاسـة أمـا يكفينــا مــا نحــن فيــه حتــى تبولــوا علينــا فرفــع الوالــي صوتــه وقــال عظــم اللــه أجــرك أيهــا
القاضــي فلمــا سمعــه عــرف أنــه الوالــي ثــم إن الوالــي رفــع صوتــه وقــال مــا بـــال هـــذه النجاســـة فرفـــع
الوزيــر صوتــه وقــال عظــم اللــه أجــرك أيهــا الوالــي فلمــا سمعـــه الوالـــي عـــرف أنـــه الوزيـــر ثـــم إن الوزيـــر
رفــع صوتــه وقــال مــا بــال هــذه النجاســة فرفــع الملــك صوتــه وقــال عظــم اللــه أجــرك أيهــا الوزيــر. ثــم
إن الملـك لمـا سمـع كلــام الوزيــر عرفــه ثــم سكــت وكتــم أمــره ثــم إن الوزيــر قــال لعــن اللــه هــذه المــرأة بمــا
فعلـــت معنـــا أحضـــرت جميـــع أربـــاب الدولـــة عندهـــا مـــا عـــدا الملـــك فلمـــا سمعهـــم الملـــك قـــال لهــــم
اسكتـوا فأنـا أول مـن وقـع فـي شبكـة هـذه العاهـرة الفاجـرة فلمــا سمــع النجــار قولهــم قــال لهــم وأنــا أي
شـــيء ذنبـــي قـــد عملـــت لهـــا خزانـــة بأربعـــة دنانيـــر ذهبـــاً وجئـــت أطلـــب الأجـــرة فاحتالــــت علــــي
وأدخلتنــي هــذه الطبقــة وقفلتهــا علــي ثــم إنهــم صــاروا يتحدثــون مــع بعضهــم وسلــوا الملــك بالحديــث
===
فجــاء جيـــران ذلـــك المنـــزل فـــرأوه خاليـــاً فقـــال بعضهـــم لبعـــض بالأمـــس كانـــت جارتنـــا زوجـــة فلـــان
فيـه والـآن لـم نسمـع فـي هـذا الموضـع صـوت أحـد ولا نـرى فيـه أنسيـاً فاكســروا هــذه الأبــواب وانظــروا
حقيقـة الأمـر لئـلا يسمـع الوالـي أو الملـك فيسجننـا فنكـون نادميــن علــى أمــر لــم نفعلــه قبــل ذلــك ثــم إن
الجيــران كســروا الأبــواب ودخلــوا فــرأوا خزانــة مــن خشــب ووجــدوا رجــالاً تئــن مــن الجــوع والعطـــش
فقالـوا لبعضهـم هـل يوجـد جنــي فــي هــذه الخزانــة فقــال واحــد منهــم نجمــع لهــا حطبــاً ونحرقهــا بالنــار
فصاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الجيـــران لمـــا أرادوا أن يحملـــوا الحطـــب ويحرقـــوا الخزانـــة صـــاح
عليهـــم القاضـــي وقـــال لا تفعلـــوا ذلـــك فقـــال الجيـــران لبعضهـــم إن الجـــن يتصــــورون ويتكلمــــون بكلــــام
الإنـس فلمـا سمعهـم القاضـي قـرأ شيئـاً مـن القـرآن العظيـم ثـم قــال للجيــران ادنــوا مــن الخزانــة التــي نحــن
فيهـا فلمـا دنـوا منهـا قـال لهـم أنـا فلــان وفلــان ونحــن هنــا جماعــة فقــال الجيــران للقاضــي ومــن جــاء بــك
هنــا فأعلمنــا الخبــر مــن أولــه إلــى آخــره فاحضــروا لهــم نجــاراً ففتـــح للقاضـــي خزانتـــه وكذلـــك الوالـــي
===
فلمـا طلعـوا نظــر بعضــه لبعــض وصــار كــل منهــم يضحــك علــى الآخــر ثــم إنهــم خرجــوا وطلبــوا المــرأة
فلــم يقفــوا لهــا علــى خبــر وقــد أخــذت جميــع مــا كــان عليهــم فأرســل كــل منهــم إلـــى جماعتـــه يطلـــب
ثيابـــاً فأحضـــروا لهـــم ملبوســـاً ثـــم خرجـــوا مستوريـــن بـــه علـــى النـــاس فانظـــر يـــا مولانـــا الملــــك هــــذه
المكيدة التي فعلتها هذه المرأة مع هؤلاء القوم.
وقـد بلغنـي أيضـاً أنـه كـان رجـل يتمنـى فـي عمـره أن يـرى ليلـة القـدر فنظـر ليلـة مـن الليالـي إلـى السمـاء
فــرأى الملائكــة وأبــواب السمــاء قــد فتحــت ورأى كــل شــيء ساجــد فــي محلــه فلمـــا رأى ذلـــك قـــال
لزوجتــه يــا فلانــة إن اللــه قــد أرانــي ليلــة القـــدر ونـــذرت إن رأيتهـــا أدعـــو ثلـــاث دعـــوات مستجابـــات
فأنـا أشـاورك فمــاذا أقــول فقالــت المــرأة قــل اللهــم كبــر لــي ذكــري فقــال ذلــك فصــار ذكــره مثــل ضــرف
القــرع حتــى صــار ذلــك الرجــل لا يستطيــع القيــام بــه وكانــت زوجتــه إذا أراد أن يجامعهـــا تهـــرب منـــه
مــن موضــع إلــى موضــع فقــال لهــا الرجــل كيــف العمــل فهــذه أمنيتــك لأجــل شهوتــك فقالــت لــه أنـــا مـــا
أشتهــي أن يبقــى بهــذا الطـــول فرفـــع الرجـــل رأســـه إلـــى السمـــاء وقـــلا اللهـــم أنقذنـــي مـــن هـــذا الأمـــر
وخلصنـي منـه فصـار الرجـل ممسوحـاً ليـس لـه ذكـر فلمــا رأتــه زوجتــه قالــت لــه ليــس لــي بــك حاجــة
حيــث صــرت بــلا ذكــر فقــال لهــا هــذا كلــه مــن شــؤم رأيــك وســوء تدبيــرك كــان لــي عنــد اللــه ثلـــاث
دعـــوات أنـــال بهـــا خيـــرات الدنيـــا والآخـــرة فذهبـــت دعوتـــان وبقيـــت دعـــوة واحـــدة فقالـــت ادع اللــــه
===
علـى مـا كنــت عليــه أولاً فدعــا ربــه فعــاد كمــا كــان فهــذا أيهــا الملــك بسبــب ســوء تدبيــر المــرأة وإنمــا
ذكــرت لــك ذلــك لتحقــق غفلــة النســاء وسخافـــة عقولهـــن وســـوء تدبيرهـــن فـــلا تسمـــع قولهـــا وتقتـــل
ولدك مهجة قلبك وتمحو ذكرك من بعدك فانتهى الملك عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن الملــك انتهــى عــن قتــل ولــده فلمــا كــان فــي اليــوم السابــع حضــرت
الجاريـة صارخـة بيـن يـدي الملـك وأضرمـت نـاراً قالـت لـه إن لـم تنصفنـي مـن ولـدك ألقيــت نفســي فــي
هــذه النـــار فقـــد كرهـــت الحيـــاة وقبـــل حضـــوري كتبـــت وصيتـــي وتصدقـــت بمالـــي وعزمـــت علـــى
المــوت فتنــدم كــل النــدم كمــا نــدم الملــك علـــى عـــذاب حارســـة الحمـــام فقـــال لهـــا الملـــك وكيـــف كـــان
ذلك.
فقالــت لـــه الجاريـــة: بلغنـــي أيهـــا الملـــك أن امـــرأة كانـــت عابـــدة زاهـــدة ناسكـــة وكانـــت تدخـــل قصـــر
ملــك مــن الملــوك يتبركــون بهــا وكــان لهــا عندهـــم حـــظ عظيـــم فدخلـــت يومـــاً مـــن الأيـــام ذلـــك القصـــر
علــى جــري عادتهــا وجلســت بجانــب زوجــة الملــك فناولتهــا عقــداً قيمتــه ألــف دينــار وقالـــت لهـــا يـــا
===
جاريــة خــذي هــذا العقــد عنــدك واحرسيــه حتــى أخــرج مــن الحمــام فآخــذه منــك وكــان الحمــام فــي
القصـر فأخذتـه الجاريـة وجلسـت فـي موضـع فـي منـزل الملكـة حتـى تدخــل الحمــام الــذي عندهــا فــي
المنـــزل وتخـــرج ثـــم وضعـــت ذلـــك العقـــد تحـــت سجـــادة وقامـــت تصلـــي فجـــاء طيــــر وأخــــذ العقــــد
وجعلــه فــي شــق مــن زوايــا القصــر وقــد خرجــت الحارســة لحاجــة تقضيهــا وترجــع ولــم تعلــم بذلـــك
فلمــا خرجــت زوجــة الملــك مــن الحمــام طلبــت العقــد مــن تلــك الحارســة فلـــم تجـــده وجعلـــت تفتـــش
عليـه فلـم تجـد لـه خبـراً ولـم تقـع لـه علـى أثـر فصــارت الحارســة تقــول واللــه يــا بنتــي مــا جاءنــي أحــد
وحيــن أخذتــه وضعتــه تحــت السجــادة ولــم أعلــم هــل أحــد مــن الخـــدم عاينـــه واستغفلنـــي وأنـــا فـــي
الصلــاة وأخــذه والعلــم فــي ذلــك للــه تعالــى فلمــا سمــع الملــك بذلــك أمــر زوجتـــه أن تعـــذب الحارســـة
بالنار والضرب الشديد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الخمسمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك لمـــا أمـــر زوجتـــه أن تعـــذب الحارســـة بالنـــار والضـــرب
الشديـد عذبتهـا بأنـواع العــذاب فلــم تقــر بشــيء ولــم تتهــم أحــداً فبعــد ذلــك أمــر الملــك بسجنهــا وأن
===
يجعلوهـا فـي القيـود فحبسـت ثــم إن الملــك جلــس يومــاً مــن الأيــام فــي وســط القصــر والمــاء محــدق بــه
وزوجتـــه بجانبـــه فوقعـــت عينـــه علـــى طيـــر وهـــو يسحـــب ذلـــك العقـــد مـــن شـــق مـــن زوايـــا القصـــر
فصـــاح علـــى جاريـــة عنـــده فأدركـــت ذلـــك الطيــــر وأخــــذت العقــــد منــــه فعلــــم الملــــك أن الحارســــة
مظلومـة فنـدم علـى مـا فعـل معهـا وأمـر بإحضارهــا فلمــا حضــرت أخــذ يقبــل رأسهــا ثــم صــار يبكــي
ويستغفـر ويتنـدم علـى مــا فعــل معهــا ثــم أمــر لهــا بمــال جزيــل فأبــت أن تأخــذه ثــم سامحتــه وانصرفــت
مــن عنــده وأقسمــت علــى نفسهــا أن لا تدخــل منــزل أحــد وساحــت فــي الجبــال والأوديــة تعبـــد اللـــه
تعالى إلى أن ماتت.
وبلغنــي أيضــاً مــن كيـــد الرجـــال والنســـاء حكايـــة أعجـــب مـــن هـــذه الحكايـــات كلهـــا فقـــال لهـــا الملـــك
هـات مـا عنـدك فقالـت اعلـم أيهــا الملــك أن جاريــة مــن جــواري الملــك ليــس لهــا نظيــر فــي زمانهــا فــي
الحسـن والجمــال والقــد والاعتــدال والبهــاء والدلــال والأخــذ بعقــول الرجــال وكانــت تقــول ليــس لــي نظــر
فـي زمانـي وكـان جميــع أولــاد الملــوك يخطبونهــا فلــم تــرض أن تأخــذ واحــداً منهــم وكــان اسمهــا الدنمــاء
وكانــت تقــول لا يتزوجنـــي إلا مـــن يقهرنـــي فـــي حومـــة الميـــدان بالضـــرب والطعـــان فـــإن غلبنـــي أحـــد
تزوجتــه بطيــب قلبــي وإن غلبتــه أخــذت فرســه وسلاحــه وثيابــه وكتبــت علــى جبهتــه هـــذا عتيـــق
فلانـــة وكـــان أبنـــاء الملـــوك يأتـــون إليهـــا مـــن كـــل مكـــان بعيـــد وقريـــب وهـــي تغلبهـــم وتعيبهـــم وتأخـــذ
===
أسلحتهــم ولسعتهــا بالنــار فسمـــع بهـــا ابـــن ملـــك مـــن ملـــوك العجـــم يقـــال لـــه بهـــرام فأعجـــب بهـــا مـــن
مسافة بعيدة واستصحب معه مالاً وخيلاً ورجالاً وذخائر من ذخائر الملوك حتى يصل إليها.
فلمــا حضــر عندهــا أرســل إلــى والدهــا هديــة سنــة فأقبــل عليــه الملــك وأكرمــه غايــة الإكــرام ثـــم إنـــه
أرســل إليــه مــع وزرائــه أنــه يريــد أن يخطــب ابنتــه فأرســل إليــه والدهــا وقــال لــه يــا ولــدي أمــا ابنتـــي
الدنمــاء فليــس لــي عليهــا حكــم لأنهــا أقسمــت علــى نفسهــا أنهــا لا تتـــزوج إلا مـــن يقهرهـــا فـــي حومـــة
الميـدان فقــال لــه ابــن الملــك وأنــا مــا سافــرت مــن مدينتــي إلا علــى هــذا الشــرط فقــال الملــك فــي غــد
تلتقـــي معهـــا فلمـــا جـــاء الغـــد أرســـل والدهـــا إليهـــا واستأذنهـــا فلمـــا سمعـــت ذلـــك تأهبـــت للحــــرب
ولبست آلة حربها إلى الميدان فخرج ابن الملك إلى لقائها وعزم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن ابـــن الملـــك خـــرج للقائهـــا وعـــزم علـــى تجربهـــا فتسامعـــت النـــاس
بذلـــك فأتـــت مـــن كـــل مكـــان فحضـــروا فـــي ذلـــك اليـــوم وخرجـــت الدنمـــاء وقـــد لبســـت وتمنطقـــت
وتنقبـت فبــرز لهــا ابــن الملــك وهــو فــي أحســن حالــة وأتقــن آلــة مــن آلــات الحــرب وأكمــل عــدة فحمــل
===
كـل واحــد منهمــا علــى الآخــر ثــم تجــاولا طويــلاً واعتركــا مليــاً فنظــرت منــه مــن الشجاعــة والفروسيــة
مــا لــم تنظــره مــن غيــره فخافــت علــى نفسهــا أن يخجلهــا بيــن الحاضريــن وعلمــت أنـــه لا محالـــة غالبهـــا
فــأرادت مكيدتــه وعملــت لــه الحيلــة فكشفــت عــن وجههــا وإذا هــو أضــوأ مــن البــدر فلمــا نظــر إليهــا
ابـن الملــك اندهــش فيــه وضعفــت قوتــه وبطلــت عزيمتــه فاقتلعتــه مــن سرجــه وصــار فــي يدهــا مثــل
العصفـور فـي مخلـب العقـاب وهـو ذاهـل فـي صورتهـا لا يـدري مـا يفعــل بــه فأخــذت جــواده وسلاحــه
وثيابه وسمته بالنار وأطلقت سبيله.
فلمــا فــاق مــن غشيتــه مكــث أيامــاً لا يأكـــل ولا يشـــرب ولا ينـــام مـــن القهـــر وتمكـــن حـــب الجاريـــة مـــن
قلبـه فصـرف عبيـده إلـى والـده وكتـب لـه كتابـاً أنـه لا يقـدر أن يرجــع إلــى بلــده حتــى يظفــر بحاجتــه أو
يمــوت دونهــا فلمــا وصلــت المكاتبــة إلـــى والـــده حـــزن عليـــه وأراد أن يبعـــث إليـــه بالجيـــوش والعساكـــر
فمنعـه الـوزراء مـن ذلـك وصبــروه ثــم إن ابــن الملــك استعمــل فــي غرضــه الحيلــة فجعــل نفســه شيخــاً
هرمـاً وقصـد بستـان بنـت الملـك لأنهـا كانـت تدخــل أكثــر أيامهــا فيــه فاجتمــع ابــن الملــك بالخولــي وقــال
لـه: إنـي رجـل غريــب مــن بلــاد بعيــدة وكنــت مــدة شبابــي خولــي وإلــى الــآن أحســن الفلاحــة وحفــظ
النبات والمشموم ولا يحسنه أحد غيري.
فلمــا سمعــه الخولــي فــرح بــه غايــة الفــرح فأدخلــه البستــان ووصــى عليــه جماعتــه فأخــذ فــي الخدمـــة
===
وتربيــة الأشجــار والنظــر فــي مصالـــح أثمارهـــا وبينمـــا هـــو كذلـــك يومـــاً مـــن الأيـــام وإذا بالعبيـــد قـــد
ركضــوا ومعهــم البغـــال عليهـــم الفـــراش والأوانـــي فســـأل عـــن ذلـــك فقالـــوا لـــه إن بنـــت الملـــك تريـــد أن
تتفــرج علــى ذلــك البستــان فمضــى وأخــذ الحلــي والحلــل التــي كانــت معـــه مـــن بلـــاده وجـــاء بهـــا إلـــى
البستان وقعد فيه ووضع قدامه شيئاً من تلك الذخائر وصار يرتعش ويظهر أن ذلك من الهرم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الخمسمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن ابـن ملـك العجـم لمـا جعـل نفسـه شيخـاً كبيــراً وقعــد فــي البستــان
ووضـع بيـن يديـه الحلـي والحلــل وأظهــر أنــه يرتعــش مــن الكبــر والهــرم والضعــف فلمــا كــان بعــد ساعــة
حضـر الجـواري والخـدم ومعهـن ابنـة الملـك فـي وسطهــن كأنهــا القمــر بيــن النجــوم فأقبلــن وجعلــن يــدرن
البستــان ويقطفــن الأثمــار فرأيــن رجــلاً قاعــداً تحــت شجــرة مــن الأشجـــار فقصدنـــه وهـــو ابـــن الملـــك
ونظرنــه وإذا بــه شيــخ كبيــر يرتعــش بيديــه ورجليـــه وبيـــن يديـــه حلـــي وذخائـــر مـــن ذخائرالملـــوك فلمـــا
نظرنـه تعجبـن مـن أمـره فسألتـه عـن هـذه الحلـي مـا يصنـع بـه فقــال لهــن هــذه الحلــي أريــد أن أتــزوج بهــا
واحـدة منكـن فتضاحكــن عليــه وقلــن لــه إذا تزوجتهــا مــا تصنــع بهــا. فقــال كنــت أقبلهــا قبلــة واحــدة
===
وأطلقهــا فقالــت لــه ابنـــة الملـــك زوجتـــك بهـــذه الجاريـــة فقـــام إليهـــا وهـــو يتوكـــأ علـــى عصـــا ويرتعـــش
ويتعثر فقبلها ودفع لها تلك الحلي والحلل ففرحت الجارية وتضاحكن عليه ثم ذهبن إلى منازلهن.
فلمـا كـان فـي اليـوم الثانـي دخلـن البستــان وجئــن نحــوه فوجدنــه جالســاً فــي موضعــه وبيــن يديــه حلــي
وحلــل وأكثــر مــن الــأول فقعـــدن عنـــده وقلـــن لـــه أيهـــا الشيـــخ مـــا تصنـــع بهـــذه الحلـــي فقـــال أتـــزوج بـــه
واحـــدة منكـــن مثـــل البارحـــة فقالـــت لـــه ابنـــة الملـــك قـــد زوجتـــك هـــذه الجاريـــة فقــــام إليهــــا وقبلهــــا
وأعطاهــا تلــك الحلــي والحلــل وذهبــن إلــى منزلهــن فلمــا رأت ابنـــة الملـــك الـــذي أعطـــاه للجـــواري مـــن
الحلي والحلل قالت في نفسها أنا كنت أحق بذلك وما علي بذلك من بأس.
فلمــا أصبــح الصبــاح خرجــت مــن منزلهــا وحدهــا وهـــي فـــي صـــورة جاريـــة مـــن الجـــواري وأخفـــت
نفسهــا إلــى أن أتــت إلــى الشيــخ فلمــا حضــرت بيــن يديــه قالــت يــا شيــخ أنــا ابنــة الملــك هـــل تريـــد أن
تتـزوج بـي فقـال لهـا حبـاً وكرامـة وأخـرج لهـا الحلــي والحلــل مــا هــو أعلــى قــدراً وأغلــى ثمنــاً ثــم دفعــه
وقــام ليقبلهــا وهــي آمنـــة مطمئنـــة فلمـــا وصـــل إليهـــا قبـــض عليهـــا بشـــدة وضـــرب بهـــا الـــأرض وأزال
بكارتهــا وقــال لهــا مــا تعرفينــي فقالــت لــه مــن أنــت فقــال لهــا أنــا بهــرام ابــن ملـــك العجـــم قـــد غيـــرت
صورتـي وتغربـت عـن أهلـي ومملكتــي مــن أجلــك فقامــت مــن تحتــه وهــي ساكتــة لا تــرد عليــه جوابــاً
ولا تبــدي لــه خطابــاً ممــا أصابهــا وقالــت فــي نفسهــا إن قتلتــه فمــا يفيــد قتلــه ثــم تفكــرت فـــي نفسهـــا
===
وقالـــت مـــا يسعنـــي فـــي ذلـــك إلا الهـــرب معـــه إلـــى بلـــاده فجعلـــت مالهـــا وذخائرهـــا وأرسلـــت إليـــه
وأعلمته بذلك لأجل أن يتجهز أيضاً ويجمع ماله وتعاهدا على ليلة يسافرا فيها.
ثــم ركبــا الخيــل وســارا تحــت جنــح الليــل فلمــا أصبـــح الصبـــاح حتـــى قطعـــا بلـــاداً بعيـــدة ولـــم يـــزالا
سائريــن حتــى وصــلا إلــى بلــاد العجـــم قـــرب مدينـــة أبيـــه فلمـــا سمـــع والـــده تلقـــاه بالعساكـــر والجنـــود
وفـرح غايـة الفـرح ثـم بعـد أيـام قلائـل أرسـل إلـى والـد الدنمــاء هديــة سنيــة وكتــب لــه كتابــاً يخبــره فيــه
أن ابنتــه عنــده ويطلــب جهازهــا فلمــا وصلــت الهدايــا إليــه تلقاهــا وأكــرم مــن حضــر بهــا غايــة الإكــرام
وفرح بذلك فرحاً شديداً ثم أولم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الخمسمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملـــك السعيـــد أن الملـــك أبـــا الدنمـــاء فـــرح فرحـــاً شديـــداً وأولـــم الولائـــم وأحضـــر
القاضــي والشهــود وكتــب كتابهـــا علـــى ابـــن الملـــك وخلـــع علـــى الرســـل الذيـــن حضـــروا بالكتـــاب مـــن
عنـد ابـن ملـك العجـم وأرسـل إلــى ابنتــه جهازهــا ثــم أقــام معهــا ابــن ملــك العجــم حتــى فــرق بينهمــا
المــوت فانظــر أيهـــا الملـــك كيـــد الرجـــال للنســـاء وأنـــا لـــن أرجـــع عـــن حقـــي إلـــى أن أمـــوت فأمـــر الملـــك
===
بقتـل ولـده فدخـل الوزيـر السابـع فلمــا حضــر بيــن يديــه قبــل الــأرض بيــن يديــه وقــال أيهــا الملــك أمهلنــي
حتـى أقـول لـك هـذه النصيحـة فـإن مـن صبـر وتأنـى أدرك الأمــل ونــال مــا تمنــى ومــن استعجــل يحصــل
لـه النـدم وقــد رأيــت مــا تعهدتــه هــذه الجاريــة مــن تحميــل الملــك ركــوب الأهــوال والمملــوك المغمــور مــن
فضلــك وإنعامــك ناصــح لــك وأنــا أيهــا الملــك أعــرف مــن كيــد النســاء مــا لا يعرفـــه أحـــد غيـــري وقـــد
بلغنـي مـن ذلـك حديـث العجـوز وولـد التاجـر فقــال لــه الملــك وكيــف كــان ذلــك يــا وزيــر فقــال: بلغنــي
أيهــا الملــك أن تاجــراً كـــان كثيـــر المـــال وكـــان لـــه ولـــد يعـــز عليـــه فقـــال الولـــد لوالـــده يومـــاً مـــن الأيـــام يـــا
والـدي أتمنـى عليـك أمنيـة تفـرج عنــي بهــا فقــال لــه أبــوه مــا هــي يــا ولــدي حتــى أعطيكهــا ولــو كانــت
نـور عينـي لأبلغـك بـه مقصـودك فقـال لـه الولـد أتمنـى عليـك أن تعطينــي شيئــاً مــن المــال أسافــر بــه مــع
التجـار إلـى بلـاد بغـداد لأتفـرج عليهــا وأنظــر قصــور الخلفــاء لــأن أولــاد التجــار وصفــوا لــي ذلــك وقــد
اشتقـت أن أنظـر إليهــا فقــال لــه والــده يــا بنــي مــن لــه صبــر علــى غيبتــك فقــال لــه الولــد أنــا قلــت لــك
هــذه الكلمــة ولا بــد مــن المسيــر إليهــا برضــا أو بغيـــر رضـــا فإنـــه وقـــع فـــي نفســـي وجـــد لا يـــزول إلا
بالوصول إليها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن ابـن التاجــر قــال لأبيــه لابــد مــن السفــر والوصــول إلــى بغــداد فلمــا
تحقـق منـه ذلـك جهـز لـه متجــراً بثلاثيــن ألــف دينــار وسفــره مــع التجــار الذيــن يثــق بهــم ووصــى عليــه
التجـار ثـم إن والـده ودعـه ورجـع إلـى منزلـه ومــازال الولــد مسافــراً مــع رفقائــه التجــار إلــى أن وصلــوا
إلـى مدينـة بغـداد دار السلـام فلمـا بلغوهـا دخــل الولــد سوقهــا واكتــرى لــه داراً حسنــة مليحــة أذهلــت
عقلــه وأدهشــت ناظــره فيهـــا الطيـــور تغـــرد والمجالـــس يقابـــل بعضهـــا بعضـــاً وأرضهـــا مرخمـــة بالرخـــام
الملـون وسقوفهـا مذهبـة باللـازورد المعدنــي فســأل البــواب عــن مقــدار أجرتهــا كــم فــي الشهــر فقــال لــه
عشـرة دنانيـر فقـال لـه الولـد هـل أنـت تقـول حقـاً أو تهـزأ بـي فقــال لــه البــواب واللــه لا أقــول إلا حقــاً فــإن
كل من سكن هذه الدار لا يسكنها إلا جمعة أو جمعتين.
فقـال لـه الولـد ومــا السبــب فــي ذلــك فقــال يــا ولــدي كــل مــن سكنهــا لا يخــرج منهــا إلا مريضــاً أو ميتــاً
وقـد اشتهـرت هـذه الـدار بهـذه الأشيـاء عنـد جميـع النــاس فلــم يتقــدم أحــد علــى سكنهــا وقــد قلــت
أجرتهـــا لهـــذا القـــدر فلمـــا سمـــع الولـــد ذلـــك تعجـــب منـــه غايـــة العجـــب وقـــال لابـــد أن يكـــون لهـــذه
الـــدار سبـــب مـــن الأسبـــاب حتـــى يحصـــل فيهـــا ذلـــك المـــرض أو المـــوت ثـــم تفكـــر الولـــد فـــي نفســـه
واستعــاذ باللــه مــن الشيطــان الرجيــم وأزال ذلــك الوهــم مــن خاطــره وسكنهــا وبــاع واشتــرى ومضــى
عليـه مـدة أيـام فـي الـدار ولـم يصبـه شـيء ممــا قــال لــه ذلــك البــواب فبينمــا هــو جالــس يومــاً مــن الأيــام
===
علـــى بـــاب الـــدار إذ مـــرت عليـــه عجـــوز شمطـــاء كأنهـــا الحيـــة الرقطـــاء وهــــي تكثــــر مــــن التسبيــــح
والتقديــــس وتزيــــل الحجــــارة والــــأذى مــــن الطريــــق فــــرأت الولــــد جالســــاً علــــى البــــاب فنظـــــرت إليـــــه
وتعجبت من أمره فقال لها الولد يا امرأة هل تعرفينني أو تشبهين علي.
فلمــا سمعــت كلامــه هرولــت إليــه وسلمــت عليــه وقالـــت لـــه كـــم لـــك ساكنـــاً فـــي هـــذه الـــدار فقـــال
لهـا يـا أمـي مــدة شهريــن فقالــت: مــن هــذا تعجبــت وأنــا يــا ولــدي لا أعرفــك ولا تعرفنــي ولا شبهــت
عليــك بــل إنــي تعجبــت مــن أنــه لا أحــد غيــرك يسكنهــا إلا ويخـــرج منهـــا ميتـــاً أو مريضـــاً ومـــا أشـــك
أنــك يــا ولــدي مخاطــر بشبابـــك هـــلا طلعـــت القصـــر ونظـــرت مـــن المنظـــرة التـــي فيـــه ثـــم إن العجـــوز
مضـت إلـى حـال سبيلهـا فلمـا فارقتـه العجـوز صـار الولـد متفكـراً فــي كلامهــا وقــال فــي نفســه أنــا مــا
طلعـت أعلــى القصــر ولا أعلــم أن بــه منظــرة ثــم دخــل مــن وقتــه وساعتــه وجعــل يطــوف فــي أركــان
البيــت حتــى رأى فــي ركــن منهــا بابــاً لطيفــاً معششــاً عليــه العنكبــوت بيــن الأشجــار فلمــا رآه الولــد
قــال فــي نفســه لعــل العنكبــوت مــا عشــش علــى هــذا البــاب إلا لــأن المنيــة داخلــه فتمســك بقــول اللــه
تعالى قـل لـن يصيبنـا إلا مـا كتـب اللـه لنـا ثـم فتـح ذلـك البـاب وطلـع فـي سلـم لطيـف حتـى وصـل إلـى
أعلاه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الغلــام طلــع السلــم حتــى وصــل إلــى أعلــاه فــرأى منظــرة فجلــس
فيهـــا يستريـــح ويتفـــرج فنظـــر إلـــى موضـــع لطيـــف نظيـــف بأعلـــاه مقعـــد منيـــف يشـــرف علــــى جميــــع
بغــداد وفــي ذلــك المقعــد جاريــة كأنهــا حوريــة فأخـــذت بمجامـــع قلبـــه وذهبـــت بعقلـــه ولبـــه وأورثتـــه
ضـر أيـوب وحـزن يعقـوب فلمـا نظــر الولــد وتأملهــا بالتحقيــق قــال فــي نفســه لعــل النــاس يذكــرون أنــه لا
يسكــن هــذه الــدار واحــداً غــلا مــات أو مــرض بسبــب هــذه الجاريــة فيــا ليــت شعــري كيـــف يكـــون
خلاصـي فقـد ذهـب عقلـي ثـم نـزل مـن أعلـى القصـر متفكـراً فــي أمــره فجلــس فــي الــدار فلــم يستقــر
قـراره ثـم خـرج وجلـس علـى البـاب متحيـراً فــي أمــره وإذا بالعجــوز ماشيــة وهــي تذكــر وتسبــح فــي
الطريق.
فلمــا رآهـــا الولـــد قـــام واقفـــاً علـــى قدميـــه وبدأهـــا بالسلـــام والتحيـــة وقـــال لهـــا يـــا أمـــي كنـــت بخيـــر
وعافيـــة حتـــى أشــــرت علــــي بفتــــح البــــاب فرأيــــت المنظــــرة وفتحتهــــا ونظــــرت أعلاهــــا فرأيــــت مــــا
أدهشنـي والـآن أظـن أنـي هالـك وأنـا أعلـم أنـه ليـس لـي طبيــب غيــرك فلمــا سمعتــه ضحكــت وقالــت
لـه لابـأس عليـك إن شـاء اللـه تعالـى فلمـا كلمتـه بذلـك الكلـام قـام الولــد ودخــل الــدار وخــرج لهــا وفــي
كمـه مائــة دينــار وقــال لهــا خذيهــا يــا أمــي وعاملينــي معاملــة الســادات للعبيــد وبالعجــل أدركينــي وإذا
مت فأنت المطالبة بدمي يوم القيامة.
===
فقالــت لــه العجــوز حبــاً وكرامــة وإنمــا أريـــد منـــك يـــا ولـــدي أن تساعدنـــي بمعاملـــة لطيفـــة فيهـــا تبلـــغ
مـرادك فقـال لهـا ومـا تريديــن يــا أمــي فقالــت وأريــد منــك أن تعيننــي وتــروح إلــى ســوق الحريــر وتســأل
عــن دكــان أبــي الفتــح بــن قيــدام فــإذا دلــوك عليــه فاقعــد علــى دكانــه وسلــم عليــه وقـــل لـــه أعطينـــي
القنــاع الــذي عنــدك مرسومــاً بالذهــب فإنــه مــا عنــده فــي دكانــه أحســن منــه فاشتـــري منـــه يـــا وليـــد
بأغلـى ثمـن واجعلـه عنـدك حتـى أحضـر إليــك فــي غــد إن شــاء اللــه تعالــى ثــم إن العجــوز انصرفــت
وبــات الولــد تلــك الليلــة يتقلــب علــى جمــر الغضــى فلمــا أصبــح الصبــاح أخــذ الولـــد فـــي جيبـــه ألـــف
دينـار وذهـب بهــا إلــى ســوق الحريــر وســأل عــن دكــان أبــي الفتــح فأخبــره بــه رجــل مــن التجــار فلمــا
وصــل إليــه رأى بيــن يديــه غلمانــه وخدمــاً وحشمــاً ورأى عليــه وقــاراً وهــو فــي سعــة مــال ومــن تمــام
نعمتـه تلـك الجاريـة التـي مـا مثلهـا عنـد أبنـاء الملـوك ثـم إن الولـد لمــا نظــره سلــم عليــه فــرد عليــه السلــام
ثــم أمــره بالجلــوس عنــده فقــال لــه الولــد يــا أيهــا التاجــر أريــد منــك القنــاع الفلانــي لأنظـــره فأمـــر التاجـــر
العبــد أن يأتيــه بربطــة مــن الحريــر مــن صـــدر الدكـــان فأتـــاه بهـــا ففتحهـــا وأخـــرج منهـــا عـــدة قناعـــات
فتحيـر الولـد مـن حسنهـا ورأى ذلـك القنـاع بعينـه فاشتـراه بخمسيـن دينــاراً وانصــرف بــه مســروراً إلــى
داره.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن الولـــد لمـــا اشتـــرى القنـــاع مـــن التاجـــر أخـــذه وانصـــرف بـــه إلـــى
داره وإذا هــو بالعجــوز قــد أقبلــت فلمــا رآهــا قــام لهــا علــى قدميــه وأعطاهــا ذلــك القنــاع ثــم قالــت
لــه احضــر لــي جمــرة نــار فأحضــر الولــد النــار فقربــت طــرف القنــاع مــن الجمـــرة فأحرقـــت طرفـــه ثـــم
طوتـه كمـا كـان وأخذتـه وانصرفـت بـه إلـى بيـت أبـي الفتـح فلمــا وصلــت طرقــت البــاب فلمــا سمعــت
الجاريـــة صوتهـــا قامـــت وفتحـــت البـــاب وكانـــت للعجـــوز صحبـــة بـــأم الجاريـــة وهـــي تعرفهـــا وذلـــك
بسبـب أنهـا رفيقـة أمهـا فقالـت لهـا الجاريـة ومـا حاجتــك يــا أمــي إن والدتــي خرجــت مــن عنــدي إلــى
منزلهـا فقالـت لهــا العجــوز يــا بنتــي أنــا عارفــة أن أمــك ليســت عنــدك وأنــا كنــت عندهــا فــي الــدار
ومــا جئــت إليــك إلا خــوف فــوات وقــت الصلــاة فأريــد الوضــوء عنــدك فإنــي أعلــم منــك أنــك نظيفــة
ومنزلك طاهر فأذنت لها الجارية بالدخول عندها.
فلمـــا دخلـــت سلمـــت عليهـــا ودعـــت لهـــا ثـــم أخـــذت الإبريـــق ودخلـــت بيــــت الخــــلاء ثــــم توضــــأت
وصلــت فــي موضــع وقامــت بعــد ذلـــك للجاريـــة وقالـــت لهـــا يـــا بنتـــي أظـــن أن هـــذا الموضـــع الـــذي
صليـت فيــه مشــى فيــه الخــدم وأنــه نجــس فانظــر لــي موضعــاً آخــر لأصلــي فيــه فإنــي أبطلــت الصلــاة
التـي صليتهـا فأخذتهـا الجاريـة مـن يدهـا وقالـت لهــا تعالــي يــا أمــي صلــي علــى فراشــي الــذي يجلــس
عليــه زوجــي فلمــا أوقفتهــا علــى الفــراش قامــت تصلــي وتدعــو وتركــع ثــم غافلـــت الجاريـــة وجعلـــت
===
ذلــك القنــاع تحــت المخــدة مــن غيــر أن تنظرهــا ولمــا فرغــت مــن الصلــاة دعــت لهــا وقامــت فخرجــت
مـن عندهـا فلمـا كـان آخــر النهــار دخــل التاجــر زوجهــا فجلــس علــى الفــراش فأتتــه بطعــام فأكــل منــه
كفايتـه وغسـل يديـه ثـم اتكــأ علــى الوســادة وإذا بطــرف القنــاع خــارج مــن تحــت المخــدة فأخرجــه مــن
تحتهــا فلمــا نظــره عرفــه فظــن الجاريــة بالفحشــاء فناداهــا وقــال لهــا مــن أيــن لــك هــذا القنـــاع فحلفـــت
لـه أيمانـاً وقالـت لـه أنـه لـم يأتنـي أحـد غيـرك فسكـت التاجـر خوفـاً مـن الفضيحـة وقـال فــي نفســه متــى
فتحت هذا الباب افتضحت في بغداد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن التاجــر قــال فــي نفســه متــى فتحــت هــذا البــاب افتضحــت فــي
بغــداد لــأن ذلــك التاجــر كـــان جليـــس الخليفـــة فلـــم يسعـــه إلا السكـــوت ولـــم يخاطـــب بكلمـــة واحـــدة
وكـان اسـم الجاريـة محظيـة فناداهـا وقـال لهـا قـد بلغنـي أن أمـك راقـدة ضعيفـة مـن وجــع قلبهــا وجميــع
النســاء عندهــا يتباكيــن عليهــا وقــد أمرتــك أن تخرجــي إليهــا فمضــت الجاريــة إلــى أمهــا فلمــا دخلـــت
الـدار وجـدت أمهـا طيبــة فجلســت ساعــة وغــذا بالحماليــن قــد أقبلــوا عليهــا بنقــل حوائجهــا مــن دار
===
التاجــر فنقلــوا جميــع مــا فــي الــدار مــن الأمتعــة فلمــا رأت ذلــك أمهــا قالــت يــا بنتــي أي شــيء جـــرى
لك فأنكرت منها ذلك ثم بكت أمها وحزنت على فراق بنتها من ذلك الرجل.
ثــم إن العجــوز بعــد مــدة مــن الأيــام جــاءت إلــى الجاريــة وهــي فـــي المنـــزل فسلمـــت عليهـــا باشتيـــاق
وقالـت لهـا مـا لـك يــا بنتــي يــا حبيبتــي قــد شوشــت فكــري ودخلــت علــى أم الجاريــة فقالــت لهــا يــا
أختـي مـا الخبـر ومـا حكايـة البنـت مــع زوجهــا فإنــه قــد بلغنــي أنــه طلقهــا فــأي شــيء لهــا مــن الذنــب
يوجــب هــذا كلــه فقالــت لــه أم الجاريــة لعــل زوجهــا يرجــع إليهــا ببركتــك فادعــي لهـــا يـــا أختـــي فإنـــك
صوامــة قوامــة طــول ليلــك ثــم إن البنــت لمــا اجتمعــت هــي وأمهــا والعجـــوز فـــي البيـــت وتحدثـــن مـــع
بعضهـن قالـت لهـا العجـوز يـا بنتـي لا تحملـي همـاً إن شــاء اللــه تعالــى أجمــع بينــك وبيــن زوجــك فــي
هـذه اليـام ثـم خرجــت إلــى الولــد وقالــت لــه هــيء لنــا مجلســاً مليحــاً فإنــي آتيــك بهــا فــي هــذه الليلــة
فنهـض الولـد وأحضـر مـا يحتاجـان إليـه مـن الأكـل والشـرب وقعـد فـي انتظارهمـا فجـاءت العجــوز إلــى
أم الجاريــة وقالــت لهــا يــا أختــي عندنــا فــرح فأرسلــي البنـــت معـــي لتتفـــرج ويـــزول مـــا بهـــا مـــن الهـــم
والغــم ثــم ارجــع بهــا إليــك مثــل مــا أخذتهــا مــن عنــدك. فقامــت أم الجاريــة وألبستهــا أفخــر ملبوسهــا
وزينتهـــا بأحســـن الزينـــة مـــن الحلـــي والحلـــل وخرجـــت مـــع العجـــوز وذهبـــت أمهـــا معهــــا إلــــى البــــاب
وصــارت توصــي العجــوز وتقــول لهــا إحــذري أن ينظرهــا أحــد مـــن خلـــق اللـــه تعالـــى فإنـــك تعلميـــن
===
منزلــة زوجهــا عنــد الخليفــة ولا تتعوقــي وارجعـــي بهـــا فـــي أســـرع وقـــت فأخذتهـــا العجـــوز إلـــى أن
وصلـت بهـا إلــى منــزل الولــد والجاريــة تظــن أنــه منــزل العــرس فلمــا دخلــت الــدار ووصلــت إلــى قاعــة
الجلوس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الجاريــة لمـــا دخلـــت الـــدار ووصلـــت إلـــى قاعـــة الجلـــوس وثـــب
الولـــد إليهـــا وعانقهـــا وقبـــل يديهـــا ورجليهـــا فاندهشـــت الجاريـــة مـــن حســـن الولــــد وتخيلــــت أن ذلــــك
المكـان وجميـع مــا فيــه مــن مشمــوم ومأكــول ومشــروب منــام فلمــا نظــرت العجــوز اندهاشهــا قالــت لهــا
اسـم اللـه عليـك يـا بنتــي فــلا تخافــي وأنــا قاعــدة لا أفارقــك ساعــة واحــدة وأنــت تصلحيــن لــه وهــو
يصلــح لـــك فقعـــدت الجاريـــة وهـــي فـــي شـــدة الخجـــل فلـــم يـــزل الولـــد يلاعبهـــا ويضاحكهـــا ويؤنسهـــا
بالأشعــار والحكايــات حتــى انشــرح صدرهـــا وانبسطـــت فأكلـــت وشربـــت ولمـــا طـــاب لهـــا الشـــرب
أخذت العود وغنت ولحسن الولد مالت وحنت.
فلمــا رأى الولــد منهــا ذلــك سكــر مــن غيــر مــدام وهانــت عليــه روحــه وخرجــت العجــوز مـــن عنـــده
===
ثـم أتتهمـا فـي الصبـاح وصبحـت عليهمـا ثـم قالـت للجاريـة كيـف كانـت ليلتـك يــا سيدتــي فقالــت لهــا
كانــت طيبــة بطــول أياديــك وحســن تعريضــك ثــم قالــت لهــا قومــي نـــروح إلـــى أمـــك فلمـــا سمـــع الولـــد
كلـــام العجـــوز خـــرج لهـــا مائـــة دينـــار وقـــال لهـــا خليهـــا عنــــدي هــــذه الليلــــة فخرجــــت العجــــوز مــــن
عندهمـا ثـم ذهبـت إلـى والـدة الجاريـة وقالـت بنتـك تسلـم عليـك وأم العروسـة قــد حلفــت عليهــا أنهــا
تبيــت عندهــا هــذه الليلـــة فقالـــت لهـــا أمهـــا يـــا أختـــي سلمـــي عليهمـــا وإذا كانـــت الجاريـــة منشرحـــة
لذلــك فلابــأس ببياتهــا حتــى تنبســـط وتجـــيء علـــى مهلهـــا مـــا أخـــاف عليهـــا إلا مـــن القهـــر مـــن جهـــة
زوجهــا ومازالــت العجــوز تعمــل لــأم الجاريــة حيلــة بعــد حيلـــة إلـــى أن مكثـــت سبعـــة أيـــام وكـــل يـــوم
تأخذ من الولد مائة دينار.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجـــوز مكثـــت أسبـــوع تأخـــذ فـــي كـــل يـــوم مائـــة دينـــار فلمـــا
مضت هذه الأيـام قالـت أم الجاريـة للعجـوز هـات لـي ابنتـي فـي هـذه الساعـة فـإن قلبـي مشغـول عليهـا
وقـد طالــت مــدة غيبتهــا وتوهمــت مــن ذلــك فخرجــت العجــوز مــن عندهــا غضبانــة مــن كلامهــا ثــم
===
جـاءت إلـى الجاريـة ووضعـت يدهـا فـي يدهـا ثـم خرجتـا مــن عنــد الولــد وهــو نائــم علــى فراشــه مــن
سكــر المــدام إلــى أن وصلتــا إلــى أم الجاريــة فالتفتــت أمهــا إليهــا ببســط وانشـــراح وفرحـــت بهـــا غايـــة
الفـرح وقالـت لهـا يـا بنتـي إن قلبـي مشغـول بـك ووقعـت فـي حـق أختـي بكلـام أوجعتهـا بـه فقالـت لهــا
قومـي وقبلـي يديهـا ورجليهـا فإنهـا كانـت لـي كالخـادم فـي قضـاء حاجتـي وإن تفعلـي مـا أمرتـك بـه فمــا
أنــا بنتــك ولا أنــت أمــي فقامــت مــن وقتهــا وصالحتهــا ثــم إن الولــد قــام مــن سكــره فلـــم يجـــد الجاريـــة
لأنـه استبشـر بمـا نالـه لمـا بلـغ مقصـوده ثـم إن العجـوز ذهبـت إلـى الولــد وسلمــت عليــه وقالــت لــه مــاذا
رأيــت فقــال لهــا نعــم مــا فعلتيــه مــن الــرأي والتدبيــر ثــم قالــت لــه تعــال نصلــح مــا أفسدنــاه ونــرد هـــذه
الجاريـة إلــى زوجهــا فإننــا كنــا سبــب الفــراق بينهمــا فقــال لهــا وكيــف أفعــل قالــت تذهــب إلــى دكــان
التاجـر وتقعـد عنـده وتسلـم وأنـا أفـوت علـى الدكـان فلمـا تنظرنـي قـم إلـي مـن الدكــان بسرعــة واقبــض
علـي واجذبنـي مـن ثيابـي واشتمنـي وخوفنـي وطالبنـي بالقنـاع وقـل للتاجـر أنــت يــا مولــاي مــا تعــرف
القنــاع الــذي اشتريتــه منــك بخمسيــن دينــاراً فقــد حصــل يــا سيــدي أن جارتـــي لبستـــه فاحتـــرق مـــن
طرفـه فأعطتـه جاريتـي لهــذه العجــوز تعطيــه لأحــد يرتيــه لهــا فأخذتــه ومضــت ولــم أرهــا مــن ذلــك
اليوم.
فقــال لهــا الولــد حبــاً وكرامــة ثــم إن الولــد تمشــى مــن وقتــه وساعتــه إلــى دكــان التاجــر وجلــس عنــده
===
ساعــة وإذا بالعجــوز جائــزة علــى الدكــان وبيدهــا مسبحــة تسبــح بهــا فلمــا رآهــا قـــام علـــى رجليـــه
وجذبهــا مــن ثيابهــا وصــار يشتمهــا ويسبهـــا وهـــي تكلمـــه بلطافـــة وتقـــول لـــه يـــا ولـــدي أنـــت معـــذور
فاجتمــع أهــل الســوق عليهمــا وقالــوا مــا اخلبــر فقـــال يـــا قـــوم إننـــي اشتريـــت مـــن هـــذا التاجـــر قناعـــاً
بخمسيــن دينـــاراً ولبستـــه الجاريـــة ساعـــة واحـــدة فقعـــدت تبخـــره فطـــارت شـــرارة فأحرقـــت طرفـــه
فدفعنـاه إلـى هـذه العجـوز علـى أنهـا تعطيــه لمــن يرتيــه وتــرده لنــا فمــن ذلــك الوقــت مــا رأيناهــا أبــداً.
فقالــت العجــوز صــدق هــذا الولــد نعــم إنــي أخذتــه منــه ودخلــت بــه بيتــاً مـــن البيـــوت التـــي أدخلهـــا
علـى عادتـي فنسيتـه فـي موضـع مـن تلـك الأماكـن ولـم أدر فـي أي موضـع هـو وأنـا امـرأة فقيـرة وخفــت
من صاحبه فلم أواجهه كل كل هذا والتاجر زوج المرأة يسمع كلامهما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الولـــد لمـــا قبـــض علـــى العجـــوز وكلمهـــا مــــن قبــــل القنــــاع كمــــا
أعلمتــه كــان التاجــر زوج المــرأة يسمــع الكلــام مــن أولــه إلــى آخــره فلمــا اطلــع التاجــر علــى الخبــر الـــذي
دبرتـه هـذه العجـوز المكـارة مـع الولــد قــام التاجــر علــى قدميــه ثــم قــال اللــه أكبــر أستغفــر اللــه العظيــم
===
مــن ذنوبــي ومــا توهمــه خاطــري وحمــد اللــه الــذي كشــف لــه عــن الحقيقــة ثــم أقبــل التاجــر وقـــال لهـــا
هـل تدخليـن عندنـا فقالـت لـه يـا ولـدي أنـا أدخـل عنــدك وعنــد غيــرك لأجــل الحسنــة ومــن ذلــك اليــوم
لـم يعطنـي أحـد خبـر ذلـك القنـاع فقـال التاجـر هـل سألـت أحـداً عنــه فــي بيتنــا فقالــت لــه يــا سيــدي
إنـي رحــت البيــت وسألــت فقالــوا لــي أن الزوجــة قــد طلقهــا التاجــر فرجعــت ولــم أســأل أحــداً بعــد
ذلــك إلــى هــذا اليــوم فالتفــت التاجــر إلــى الولــد وقــال أطلــق سبيــل هــذه العجــوز فــإن القنــاع عنـــدي
وأخرجــه مــن الدكــان وأعطـــاه للرتـــى قـــدام الحاضريـــن ثـــم بعـــد ذلـــك ذهـــب إلـــى زوجتـــه وأعطاهـــا
شيئـاً مـن المـال وأرجعهـا إلـى نفسـه بعــد أن بالــغ فــي الاعتــذار إليهــا واستغفــر اللــه وهــو لا يــدري بمــا
فعلت العجوز فهذا من جملة كيد النساء أيها الملك.
قـــال الوزيـــر وقـــد بلغنـــي أيضـــاً أيهـــا الملـــك أن بعـــض أولـــاد الملـــوك خـــرج منفـــرداً بنفســـه ليتفـــرج فمــــر
بروضـــة خضـــراء ذات أشجـــار وأثمـــار وأنهـــار تجـــري خلـــال تلـــك الروضــــة فاستحســــن الولــــد ذلــــك
الموضـــع وجلـــس فيـــه وأخـــرج مـــن النقـــل الـــذي كـــان معـــه وجعــــل يأكــــل وهــــو كذلــــك إذ رأى دخانــــاً
عظيمـــاً طالعـــاً إلـــى السمـــاء مـــن ذلـــك المكـــان فخـــاف ابـــن الملـــك وقــــام فصعــــد علــــى شجــــرة مــــن
الأشجـــار واختفـــى فيهـــا فلمـــا طلـــع فوقهـــا رأى عفريتـــاً طلـــع مـــن وســـط ذلـــك النهـــر وعلـــى رأســـه
صنــدوق مــن الرخــام وعليــه قفــل فوضعــه فــي تلـــك الروضـــة وفتـــح ذلـــك الصنـــدوق فخرجـــت منـــه
===
جاريـة كأنهـا الشمـس الضاحيـة فـي السمـاء الصافيـة وهـي مـن الإنـس فأجلسهــا بيــن يديــه يتفــرج عليهــا
ثـم حـط رأســه علــى حجرهــا فنــام فأخــذت رأســه وحطتــه علــى الصنــدوق وقامــت تتمشــى فلــاح
منهـا نظـرة إلـى تلـك الشجـرة فـرأت ابــن الملــك فأومــأت إليــه بالنــزول فامتنــع مــن النــزول فأقسمــت عليــه
وقالـت لـه إن لـم تنـزل وتفـض بـي الـذي أقولــه لــك نبهــت العفريــت مــن النــوم وأعلمتــه بــك فيهلكــك مــن
ساعتـــك فخـــاف الولـــد منهـــا فنـــزل فلمـــا نـــزل قبلـــت يديـــه ورجليـــه وراودتـــه عــــن قضــــاء حاجتهــــا
فأجابها إلى سؤالها.
فلمــا فــرغ مــن قضــاء حاجتهــا قالــت لــه أعطنــي هــذا الخاتــم الــذي بيــدك فأعطاهــا الخاتــم فصرفتـــه
علـى منديـل حيـري كـان معهـا وفيـه عـدة مـن الخواتـم تفـوق عـن ثمانيـن وجعلـت ذلـك الخاتــم مــن جملتهــا
فقال:
ومـا تصنعيـن بهـذه الخواتـم التـي معـك فقالـت لــه إن هــذا العفريــت اختطفنــي مــن قصــر أبــي وجعلنــي
فـي هـذا الصنـدوق وقفـل علــي بقفــل معــه ووضعنــي فيــه علــى رأســه حيثمــا توجــه ولا يكــاد يصبــر
عنـي ساعـة واحـدة مـن شـدة غيرتــه علــي ويمنعنــي ممــا أشتهيــه فلمــا رأيــت ذلــك منــه حلفــت أنــي لا
أمنـع أحـداً مـن وصالـي وهـذه الخواتـم التـي معـي علـى قـدر عـدة الرجـال الذيــن واصلونــي لــأن كــل مــن
واصلنـي آخـذ خاتمـه فأجعلــه فــي هــذا المنديــل ثــم قالــت لــه توجــه إلــى حــال سبيلــك لا تنظــر أحــد
===
غيــرك فإنــه سيقــوم فــي هــذه الساعــة فمــا صــدق الولــد بذلــك إلا وانصــرف إلــى حــال سبيلــه حتـــى
وصل إلى منزل أبيه والملك لم يعلم بكيد الجارية لابنه ولم تخف من ذلك ولم تحسب له حساباً.
فلمــا سمــع الملــك أن خاتــم ولــده ضــاع أمـــر أن يقتـــل ذلـــك الولـــد ثـــم قـــام مـــن موضعـــه فدخـــل قصـــره
وإذا بالـــوزراء راجعـــوه عـــن قتـــل ولـــده فلمــــا كــــان ذات ليلــــة أرســــل الملــــك إلــــى الــــوزراء يدعوهــــم
فحضــروا جميعــاً فقــام إليهــم الملــك وتلقاهــم وشكرهـــم علـــى مـــا كـــان منهـــم مـــن مراجعتـــه فـــي قتـــل
ولـده وكذلـك شكرهـم الولـد وقـال لهـم نعـم مـا دبرتـم لوالـدي فـي بقـاء نفســي وســوف أجازيكــم بخيــر
إن شـاء اللـه تعالـى ثـم إنالولـد بعـد ذلــك أخبرهــم بسبــب ضيــاع خاتمــه فدعــوا لــه بطــول البقــاء وعلــو
الارتقــاء ثــم انصرفــوا مــن المجلــس فانظــر أيهــا الملــك كيــد النســاء ومــا تفعلــه الرجــال فرجـــع الملـــك عـــن
قتـــل ولـــده فلمـــا أصبـــح الصبـــاح جلســـن وفـــي اليـــوم الثامـــن دخـــل عليـــه ولـــده ويـــده فـــي يـــد مؤدبـــه
السندبـــاد وقبـــل الـــأرض بيـــن يديـــه ثـــم تكلـــم بأفصـــح لســـان ومـــدح والـــده ووزراءه وأربـــاب دولتـــه
وشكرهــم وأثنــى عليهــم وكــان حاضــراً بالمجلــس العلمــاء والأمــراء والجنــد وأشــراف النـــاس فتعجـــب
الحاضرون من فصاحة ابن الملك وبلاغته وبراعته في نطقه.
فلمـا سمـع والـده ذلـك فـرح بـه فرحـاً شديـداً زائـداً ثـم نــاداه وقبلــه بيــن عينيــه ونــادى مؤدبــه السندبــاد
وسألـه عـن سبـب صمـت ولـده مـدة سبعـة أيـام فقـال لــه المــؤدب: يــا مولانــا الإصلــاح فــي أنــه لا يتكلــم
===
فإنـي خشيـت عليـه مـن القتـل فـي تلـك المـدة وكنـت يـا سيـدي أعـرف هـذا الأمــر يــوم ولادتــه فإنــي لمــا
رأيـت طالعـه دلنـي علـى جميـع ذلــك وقــد زال عنــه الســوء بسعــادة الملــك ففــرح الملــك وقــال لوزرائــه:
لــو كنــت قتلــت ولــدي هــل يكــون الذنــب علــي أو علــى الجاريــة أو علــى المــؤدب السندبـــاد فسكـــت
الحاضرون عن رد الجواب فقال مؤدب الولد السندباد لولد الملك: رد الجواب يا ولدي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن السندبـــاد لمـــا قـــال لابـــن الملـــك رد الجـــواب يـــا ولـــدي قـــال ابـــن
الملـك: إنـي سمـت أن رجــلاً مــن التجــار حــل بــه ضيــف فــي منزلــه فأرســل جاريتــه لتشتــري لــه مــن
السـوق لبنـاً فـي جـرة فأخــذت اللبــن فــي جرتهــا وأرادت الرجــوع إلــى منــزل سيدهــا فبينمــا هــي فــي
الطريـق غـذ مـرت عليهـا حـدأة طائـرة وفـي مخلبهـا حيـة تعصرهـا بـه فقطـرت نقطــة مــن الحيــة فــي الجــرة
وليــس عنــد الجاريــة خبــر بذلــك فلمــا وصلــت إلــى المنــزل أخــذ السيــد منهــا اللبــن وشــرب منـــه هـــو
وضيوفـه فمـا استقـر اللبـن فـي جوفهـم حتـى ماتـوا جميعــاً فانظــر أيهــا الملــك لمــن كــان الذنــب فــي هــذه
القضيـــة فقـــال أحـــد الحاضريـــن الذنـــب للجماعـــة الذيــــن شربــــوا وقــــال آخــــر: الذنــــب للجاريــــة التــــي
===
تركــت الجــرة مكشوفــة مــن غيـــر غطـــاء فقـــال السندبـــاد مـــؤدب الغلـــام: مـــا تقـــول أنـــت فـــي ذلـــك يـــا
ولــدي فقــال ابــن الملــك: أقــول إن القــوم أخطــأوا ليــس الذنــب ذنــب للجاريــة ولا للجماعـــة وإنمـــا آجـــال
القوم فرغت مع أرزاقهم وقدرت منيتهم بسبب ذلك الأمر.
فلمــا سمــع ذلــك الحاضــرون تعجبــوا منــه غايــة العجــب ورفعــوا أصواتهــم بالدعــاء لابــن الملـــك وقالـــوا
لـه: مولانـا قـد تكلمـت بجـواب ليـس لـه نظيـر وأنـت عالـم أهـل زمانـك الــآن. فلمــا سمــع ابــن الملــك قــال
لهــم: لســت بعلــام وإن الشيــخ الأعمــى وابــن الثلــاث سنيــن وابــن الخمــس سنيــن أعلــم منـــي فقـــال لـــه
الجماعــة الحاضــرون: حدثنــا بحديــث هــؤلاء الذيـــن هـــم أعلـــم منـــك يـــا غلـــام فقـــال لهـــم ابـــن الملـــك:
بلغنـي أنـه كـان تاجـر مــن التجــار كثيــر الأمــوال والأسفــار إلــى جميــع البلــدان فــأراد المسيــر إلــى بعــض
البلــدان فســأل مــن جــاء منهــا وقــال لهــم: أي بضاعــة فيهــا كثيــرة الكســب فقالــوا لــه حطــب الصنـــدل
فإنه يباع غالياً فاشترى التاجر بجميع ما عنده من المال حطب صندل وسافر إلى تلك المدينة.
فلمـــا وصـــل إليهـــا كـــان قدومـــه إليهـــا آخـــر النهـــار وإذا بعجـــوز تســـوق غنمـــاً لهـــا فلمــــا رأت التاجــــر
قالــت لــه مــن أنــت أيهــا الرجــل فقــال لهــا: أنــا رجــل تاجــر غريــب. فقالــت لــه: إحــذر مــن أهــل ذلـــك
البلـــد فإنهــــم قــــوم مكــــارون لصــــوص يخدعــــون الغريــــب ليظفــــروا بــــه ويأكلــــوا مــــا كــــان منهــــم وبعــــد
نصحتـــك ثـــم فارقتـــه فلمـــا أصبـــح الصبـــاح تلقـــاه رجـــل مـــن أهـــل المدينـــة فسلـــم عليـــه وقـــال لـــه يــــا
===
سيـدي مــن أيــن قدمــت فقــال لــه قدمــت مــن البلــد الفلانيــة قــال لــه مــا حملــت معــك مــن التجــارة قــال
لــه خشــب صنــدل فإنــي سمعــت أن لــه عندكــم فقــال لــه الرجــل لقــد أخطــأ مــن أشــار عليـــك بذلـــك
فإننا لا نوقد تحت القدر إلا بأي خشب فقيمته عندنا هو والحطب سواء.
فلمـا سمــع التاجــر كلــام الرجــل تأســف ونــدم وصــار بيــن مصــدق ومكــذب ثــم نــزل ذلــك التاجــر فــي
بعـــض خانـــات المدينـــة وصـــار يوقـــد الصنـــدل تحـــت القـــدر فلمـــا رآه ذلــــك الرجــــل قــــال أتبيــــع هــــذا
الصنــدل كــل صــاع بمــا تريــده نفســك فقــال لــه بعتــك فحــول الرجــل جميــع مــا عنــده مـــن الصنـــدل فـــي
منزلـه وقصـد البائـع أن يأخــذ ذهبــاً بقــدر مــا يأخــذ المشتــري فلمــا أصبــح الصبــاح تمشــى التاجــر فــي
المدينـة فلقيـه رجـل أزرق العينيـن مــن أهــل تلــك المدينــة هــو أعــور فتلــق بالتاجــر وقــال لــه أنــت الــذي
أتلـف عينـي فـلا أطلقـك أبـداً فأنكـر التاجـر ذلـك وقـال لـه إن هـذا الأمـر لا يتـم فاجتمــع النــاس عليهمــا
وسألــوا الأعــور المهلــة إلــى غــد ويعطيــه ثمــن عينــه فأقــام الرجــل التاجــر لــه ضامنـــاً حتـــى أطلقـــوه ثـــم
مضــى التاجــر وقــد انقطــع نعلــه مــن مجاذبــة الرجــل الأعــور فوقــف علــى دكــان الاسكـــاف ودفعـــه لـــه
وقــال لــه أصلحــه لــي ولــك عنــدي مــا يرضيــك ثــم انصــرف عنــه وإذا بقـــوم قاعديـــن يلعبـــون فجلـــس
عندهــم مــن الهــم والغــم فسألــوه اللعــب معهــم فأوقعـــوا عليـــه الغلـــب وغلبـــوه وخيـــروه أمـــا إن يشـــرب
البحر وإما أن يخرج من ماله جميعاً فقام التاجر وقال أمهلوني إلى غد.
===
ثـم مضـى التاجــر وهــو مهمــوم علــى مــا فعــل ولا يــدري كيــف يكــون حالــه فقعــد فــي موضــع متفكــراً
مغمومـــاً مهمومـــاً وإذا بالعجـــوز جائـــزة عليـــه فنظـــرت نحـــو التاجـــر فقالـــت لـــه لعـــل أهـــل تلـــك المدينــــة
ظفــروا بــك فإنــي أراك مهمومــاً مــن الــذي أصابــك فحكـــى لهـــا جميـــع مـــا جـــرى مـــن أولـــه إلـــى آخـــره
فقالــت لــه مــن الــذي عمــل عليــك فــي الصنــدل فــإن الصنــدل عندنــا قيمتــه كـــل رطـــل بعشـــرة دنانيـــر
ولكــن أنـــا أدبـــر لـــك رأيـــاً أرجـــو بـــه أن يكـــون ذلـــك فيـــه خلـــاص نفســـك وهـــو أن تسيـــر نحـــو البـــاب
الفلانـي فـإن فـي ذلـك الموضـع شيخـاً أعمـى مقعـد أو هـو عالـم عـارف كبيـر خبيـر وكـل النــاس تحضــر
عنــده يسألونــه عمــا يريدونــه فيشيــر إليهــم ممـــا يكـــون لهـــم فيـــه الصلـــاح لأنـــه عـــارف بالمكـــر والسحـــر
والنصــب وهــو شاطــر فتجتمــع الشطــار عنـــده بالليـــل فاذهـــب عنـــده وأخـــف نفســـك مـــن غرمائـــك
بحيـث تستمـع كلامهـم ولا يرونــك فإنــه يخبرهــم بالغالبــة والمغلوبــة لعلــك تسمــع منــه حجــة يخلصــك مــن
غرمائك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن العجـوز قالـت للتاجـر اذهــب الليلــة إلــى العالــم الــذي يجتمــع عليــه
===
أهـــل البلـــد اخـــف نفســـك لعلـــك تسمــــع منــــه حجــــة تخلصــــك مــــن غرمائــــك فانصــــرف التاجــــر مــــن
عندهـا إلـى الموضـع الـذي أخبرتـه بـه وأخفـى نفسـه ثـم نظـر إلـى الشيـخ وجلـس قريبـاً منــه فمــا كــان إلا
ساعــة وقـــد حضـــر جماعتـــه الذيـــن يتحاكمـــون عنـــده فلمـــا صـــاروا بيـــن يـــدي الشيـــخ سلمـــوا عليـــه
وسلـم بعضهـم علـى بعـض وقعـدوا حولــه فلمــا رآهــم التاجــر ووجــد غرمــاءه الأربعــة مــن جملــة الذيــن
حضـروا فقــدم لهــم الشيــخ شيئــاً مــن الأكــل فأكلــوا ثــم أقبــل كــل واحــد منهــم بخبــره بمــا جــرى لــه فــي
يومـه فتقـدم صاحـب الصنـدل وأخبـر الشيـخ بمـا جـرى لـه فـي يومــه مــن أنــه اشتــرى صنــدلاً مــن رجــل
بغيـر قيمتـه واستقـر البيـع بينهمـا علـى مـلء صـاع ممــا يحــب فقــال لــه الشيــخ قــد غلبــك خصمــك فقــال
لــه كيــف يغلبنــي قــال الشيــخ إذا قــال لــك أنــا آخــذ ملئهــا ذهبــاً أو فضـــة فهـــل أنـــت تعطيـــه قـــال نعـــم
أعطيــه وأكــون أنــا الرابــح فقــال لــه الشيــخ فــإذا قــال لــك أنــا آخــذ مــلء صــاع براغيــث النصــف ذكــور
والنصف إناث فماذا تصنع فعلم أنه مغلوب.
ثـم تقـدم الأعـور وقـال يــا شيــخ: إنــي رأيــت اليــوم رجــلاً أزرق العينيــن وهــو غريــب البلــاد فتقاربــت
إليـه وتعلقـت بـه وقلــت لــه أنــت قــد أتلفــت عينــي ومــا تركتــه حتــى ضمنــه لــي جماعــة أنــه يعــود إلــي
ويرضينــي فــي عينــي فقــال لــه الشيــخ لــو أراد غلبــك لغلبــك قــال وكيــف يغلبنــي قــال يقــول لـــك اقلـــع
عينـك وأنــا أقلــع عينــي ونــزل كــلاً منهمــا فــإن تســاوت عينــي بعينــك فأنــت صــادق فيمــا ادعيتــه ثــم
===
يغـرم ديـة عينـك وتكـون أنـت أعمــى ويكــون هــو بصيــراً بعينــه الثانيــة فعلــم أنــه يغلبــه بهــذه الحجــة ثــم
تقــدم الإسكــاف وقــال لــه يــا شيــخ إنــي رأيــت رجــلاً أعطانــي نعلــه وقــال لـــي أصلحـــه فقلـــت لـــه ألا
تعطينــي الأجــرة فقــال لــي أصلحــه ولــك عنــدي مــا يرضيــك وأنــا لا يرضينــي إلا جميــع مالــه فقـــال لـــه
الشيــخ إذا أراد أن يأخــذ نعلــه منــك ولا يعطيــك شيئــاً أخــذه فقــال لــه وكيــف ذلــك قــال يقــول لـــك إن
السلطــــان هزمــــت أعــــداؤه وضعفــــت أضــــداده وكثــــرة أولــــاده وأنصـــــاره أرضيـــــت أم لا فـــــإن قلـــــت
رضيــت أخـــذ نعلـــه منـــك وانصـــرف وإن قلـــت لا أخـــذ نعلـــه وضـــرب بـــه وجهـــك وقفـــاك فعلـــم أنـــه
مغلـوب ثـم تقـدم الرجــل الــذي لعــب معــه بالمراهنــة وقــال يــا شيــخ إنــي لقيــت رجــلاً فراهنتــه وغلبتــه
فقلـت لـه إن شربـت هـذا البحـر فأنـا أخـرج عــن جميــع مالــي لــك وإن تشربــه فاخــرج عــن جميــع مالــك
لـي فقــال لــه الشيــخ لــو أراد غلبــك لغلبــك فقــال لــه وكيــف ذلــك قــال يقــول لــك أمســك لــي فــم البحــر
بيـدك وناولـه لـي وأنـا أشربـه فـلا تستطيـع ويغلبـك بهـذه الحجـة فلمـا سمـع التاجـر ذلـك عــرف مــا يحتــج
به على غرمائه ثم قاموا من عند الشيخ وانصرف التاجر إلى محله.
فلمــا أصبــح الصبــاح أتــاه الــذي راهنــه علــى شـــرب البحـــر فقـــال لـــه التاجـــر ناولنـــي فـــم البحـــر وأنـــا
أشربـــه فلـــم يقـــدر فغلبـــه التاجـــر وفـــدى الراهـــن نفســـه بمائـــة دينـــار وانصـــرف ثـــم جـــاءه الإسكـــاف
وطلــب منــه مــا يرضيــه فقــال لــه التاجــر إن السلطـــان غلـــب أعـــداءه وأهلـــك أضـــداده وكثـــرت أولـــاده
===
وأنصـــاره أرضيـــت أم لا قـــال نعـــم رضيـــت فأخـــذ مركوبـــه بـــلا أجـــرة وانصـــرف ثــــم جــــاءه الأعــــور
وطلـب منـه ديـة عينـه فقـال لـه التاجـر اقلـع عينـك وأنــا أقلــع عينــي ونزنهمــا فــإن استوتــا فأنــت صــادق
فخـذ ديـة عينـك فقـال لـه الأعـور أمهلنـي ثـم صالـح التاجـر علـى مائـة دينــار وانصــرف ثــم جــاءه الــذي
اشتــرى الصنــدل فقــال لــه خــذ ثمـــن صنـــدلاً بصـــاع مـــن غيـــره فـــإن أردت خـــذه ملـــأه ذهبـــاً أو فضـــة
فقــال لــه التاجـــر أنـــا لا آخـــذه لأملـــاه براغيـــث النصـــف ذكـــوراً والنصـــف إنـــاث فقـــال لـــه أنـــا لا أقـــدر
علـى شـيء مـن ذلـك فغلبـه التاجـر وفــدى المشتــري نفســه بمائــة دينــار بعــد أن رجــع لــه صندلــه وبــاع
التاجر الصندل كيف أراد وقبض ثمنه من تلك المدينة إلى بلده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة بعد الستمائة
قالــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الرجـــل التاجـــر لمـــا بـــاع صندلـــه وقبـــض ثمنـــه سافـــر مـــن تلـــك
المدينـة إلـى مدينتـه ثـم قـال ابـن الملـك وأمـا ابـن الثلـاث سنيـن فإنـه كـان رجـل فاســق مغــرم بالنســاء قــد
سمـع بامـرأة ذات جمـال وهـي ساكنـة فـي مدينـة غيـر مدينتـه فسافـر إلـى المدينـة التـي هــي فيهــا وأخــذ
معـه هديــة وكتــب لهــا رقعــة تصــف لهــا شــدة مــا يقاسيــه مــن الشــوق والغــرام وقــد حملــه حبــه إياهــا
===
علــى المهاجــرة إليهــا والقــدوم عليهــا فأذنــت لــه بالذهــاب إليهــا فلمـــا وصـــل إلـــى منزلهـــا ودخـــل عليهـــا
قامــت لــه علــى قدميهــا وتلقتــه بالإكــرام والاحتــرام وقبلــت يديــه وضيفتــه ضيافـــة لا مزيـــد عليهـــا مـــن
المأكــول والمشــروب ولهــا ولــد صغيــر لــه مـــن العمـــر ثلـــاث سنيـــن فتركتـــه واشتغلـــت بتحضيـــر الطبـــخ
فقــال لهــا الرجــل قومــي بنــا ننــام فقالــت لــه إن ولـــدي قاعـــد فقـــال لهـــا هـــذا ولـــد صغيـــر لا يفهـــم ولا
يعرف أن يتكلم فقالت له لو علمت معرفته ما تكلمت.
فلمــا علــم الولــد أن الــأرز استــوى بكــى بكــاء شديــداً فقالــت لــه أمــه مــا يبكيــك يــا ولــدي فقــال لهـــا
اغرفـي لـي مـن الـأرز واجعلـي لـي فيـه سمنـاً فغرفـت وجعلـت عليـه السمـن فأكـل الولــد ثــم بكــى ثانيــاً
فقالــت لــه أمــه مــا يبكيــك يــا ولــدي فقــال لهــا يــا أمــاه اجعلــي لــي عليــه سكــراً فقـــال لـــه الرجـــل وقـــد
اغتـــاظ منـــه مـــا ت إلا ولـــد مشـــؤوم فقـــال لــــه الولــــد: واللــــه يــــا مشــــؤوم مــــا أنــــت إلا حيــــث تعبــــت
وسافـرت مـن بلـد إلـى بلـد فـي طلـب الزنـا وأمـا أنـا فبكائـي مـن أجـل شـيء كـان فـي عينــي فأخرجتــه
بالدموع وأكلت بعد ذلك أرزاً وسمناً وسكراً وقد اكتفيت فمن المشؤوم منا.
فلمــا سمــع الرجــل ذلـــك خجـــل مـــن كلـــام ذلـــك الولـــد الصغيـــر ثـــم أدركتـــه الموعظـــة فتـــاب مـــن وقتـــه
وساعتـه ولـم يتعـرض لهـا بشـيء وانصـرف إلـى بلـده ولـم يـزل تائبـاً إلـى أن مـات ثـم قـال ابـن الملـك وأمــا
ابـن الخمـس سنيـن فإنـه بلغنـي أيهـا الملـك أن أربعـة مـن التجـار اشتركـوا فـي ألـف دينـار وقــد خلطوهــا
===
بينهــم وجعلوهــا فــي كيــس واحــد فذهبــوا بهــا ليشتـــروا بضاعـــة فلقـــوا فـــي طريقهـــم بستانـــاً حسنـــاً
فدخلــوه وتركــوا الكيــس عنــد حارســة البستــان وقالــوا لهــا: لا تدفعــي هــذا الكيـــس إلا إذا حضرنـــا
جميعـاً فلمـا دخلـوا تفرجـوا فـي ناحيـة البستـان وأكلـوا وشربــوا وانشرحــوا فقــال واحــد منهــم: أنــا معــي
طيـب تعالــوا نغســل رؤوسنــا مــن هــذا المــاء الجــاري ونتطيــب قــال آخــر يحتــاج إلــى مشــط قــال آخــر
نســأل الحارســة لعــل أن يكــون عندهــا مشــط فقــام واحــد منهــم إلــى الحارســة وقــال لهــا ادفعـــي لـــي
الكيــس فقالتلــه حتـــى تحضـــروا كلكـــم أو يأمرنـــي رفقـــاؤك أن أعطيـــك إيـــاه وكـــان رفقـــاؤه مـــن مكـــان
بحيـث تراهـم الحارسـة وتسمـع كلامهـم فقـال الرجــل لرفقائــه مــا هــي راضيــة أن تعطينــي شيئــاً فقالــوا
لهـــا أعطيـــه فلمـــا سمعـــت كلامهـــم أعطتـــه الكيـــس فأخـــذه الرجـــل وخـــرج هاربـــاً منهــــم فلمــــا أبطــــأ
عليهـم جـاءوا إلـى الحارسـة وقالـوا لهـا مالـك لـم تعطيـه المشـط قالـت لهــم: مــا طلــب منــي إلا الكيــس
ولــم أعطــه إيــاه إلا بإذنكــم وخــرج مــن هنــا إلــى حــال سبيلــه فلمــا سمعــوا كلــام الحارســة لطمــوا علــى
وجوههــم وقبضــوا عليهــا بأيديهــم وقالــوا لهــا نحــن مــا أذنـــاك إلا بإعطـــاء المشـــط فقالـــت لهـــم مـــا ذكـــر
لــي مشطــاً فقبضــوا عليهــا ودفعوهــا إلــى القاضــي فلمــا حضــروا بيــن يديــه قصــوا عليـــه القصـــة فألـــزم
الحارسة بالكيس وألزم بها جماعة من غرمائها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن القاضـــي لمـــا ألـــزم الحارســـة بالكيــــس وألــــزم بهــــا جماعــــة مــــن
غرمائهــا خرجــت وهــي حيرانــة لــم تعــرف طريقــاً فلقيهــا غلــام لــه مــن العمــر خمــس سنيــن فلمــا رآهـــا
الغلــام وهــي حيرانــة قــال لهــا مــا بالــك يــا أمــاه فلــم تــرد عليــه جوابــاً واستحقرتــه لصغـــر سنـــه فكـــرر
عليهـا الكلـام أولاً وثانيـاً وثالثـاً فقالـت لــه إن جماعــة دخلــوا علــى البستــان ووضعــوا عنــدي كيســاً فيــه
ألـــف دينـــار وشرطـــوا علـــي أن لا أعطـــي أحـــداً الكيـــس إلا بحضورهـــم كلهـــم ثــــم دخلــــوا البستــــان
يتفرجــون ويتنزهــون فيــه فخــرج واحــد منهــم وقــال أعطنــي الكيــس فقلــت لــه حتــى يحضـــر رفقـــاؤك
فقـال لـي قـد أخـذت الـإذن منهـم فلـم أرض أن أعطيـه الكيـس فصـاح علــى رفقائــه وقــال لهــم مــا هــي
راضيـة أن تعطيـه شيئـاً فقالـوا لــي أعطيــه وكانــوا بالقــرب منــي فأعطيتــه الكيــس فأخــذه وخــرج إلــى
حال سبيله.
فاستبطـأه رفقــاؤه فخرجــوا إلــي وقالــوا لــأي شــيء لــم تعطيــه المشــط فقلــت لهــم مــا ذكــر لــي مشطــاً
ومــا ذكــر لـــي إلا الكيـــس فقبضـــوا علـــي ودفعونـــي إلـــى القاضـــي وألزمنـــي بالكيـــس فقـــال لهـــا الغلـــام
أعطينـي درهمـاً آخـذ بـه حلــاوة وأنــا أقــول لــك شيئــاً يكــون فيــه الخلــاص فأعطتــه درهمــاً وقالــت لــه
مـا عنـدك مـن القـول فقـال لهـا الغلـام ارجعـي إلـى القاضـي وقولـي لـه كــان بينــي وبينهــم أنــي لا أعطيهــم
الكيــس إلا بحضورهــم الأربعــة قــال فرجعــت الحارســة إلــى القاضـــي وقالـــت لـــه مـــا قالـــه لهـــا الغلـــام
===
فقــال لهــم القاضــي أكــان بينكــم وبينهــا هكــذا قالــوا نعــم فقـــال لهـــم القاضـــي أحضـــروا لـــي رفيقكـــم
وخـذوا الكيـس فخرجــت الحارســة سالمــة ولــم يحصــل لهــا ضــرر وانصرفــت إلــى حــال سبيلهــا فلمــا
سمــع الملــك كلــام ولــده والــوزراء ومــن حضــر ذلــك المجلــس قالــوا للملــك يــا مولانـــا إن ابنـــك هـــذا أبـــرع
أهـل زمانـه فدعـوا لـه وللملـك فضـم الملـك ولـده إلـى صــدره وقبلــه بيــن عينيــه وسألــه عــن قضيتــه مــع
الجاريــة فحلــف ابــن الملــك باللــه العظيــم وبنبيــه الكريــم أنهـــا هـــي التـــي راودتـــه عـــن نفسهـــا فصدقـــه
الملـك فــي قولــه وقــال لــه حكمتــك فيهــا إن شئــت فاقتلهــا وإلا فافعــل بهــا مــا تشــاء فقــال الولــد لأبيــه
انفيهــا مــن المدينــة وقعــد ابــن الملــك مــع والــده فــي أرغــد عيــش وأهنــأه إلـــى أن أتاهـــم هـــادم اللـــذات
ومفرق الجماعات وهذا آخر ما انتهى إلينا من قصة الملك وولده والجارية والوزراء السبعة.
===
حكاية جودر بن التاجر عمر وأخويه
وبلغنـي أيضـاً أن رجـلاً تاجـراً اسمــه عمــر وقــد خلــف مــن الذريــة ثلاثــة أولــاد أحدهــم يسمــى سالمــاً
والأصغــر يسمــى جــودراً والأوســط يسمــى سليمــاً ورباهــم إلــى أن صــاروا رجــالاً لكنــه كــان يحـــب
جـــودراً أكثـــر مـــن أخويـــه فلمـــا تبيـــن لهمـــا أنـــه يحـــب جـــودراً أخذتهمـــا الغيـــرة وكرهـــا جــــودراً فبــــان
لأبيهمــا أنهمـــا يكرهـــان أخاهمـــا وكـــان والدهـــم كبيـــر الســـن وخـــاف أنـــه إذا مـــات يحصـــل مشقـــة مـــن
أخويــه فأحضــر جماعــة مـــن أهلـــه وأحضـــر جماعـــة قساميـــن مـــن طـــرف القاضـــي وجماعـــة مـــن أهـــل
العلــم وقــال هاتــوا لــي مالــي وقماشــي فأحضــروا لــه جميــع المــال والقمــاش فقــال يــا نــاس اقسمــوا هـــذا
المــال والقمــاش أربعــة أقســام بالوضــع الشرعـــي فقسمـــوه فأعطـــى كـــل ولـــد قسمـــاً وأخـــذ هـــو قسمـــاً
وقـال هـذا مالـي وقسمتـه بينهـم ولـم يبـق لهـم عنــدي ولا عنــد بعضهــم شــيء فــإذا مــت لا يقــع بينهــم
اختلــاف لأنــي قسمــت بينهـــم الميـــراث فـــي حـــال حياتـــي وهـــذا المـــال الـــذي أخذتـــه أنـــا فإنـــه يكـــون
لزوجتي أم هذه الأولاد لتستعين به على معيشتها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة بعد الستمائة
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن التاجــر لمــا قســم مالــه وقماشــه علــى أربعــة أقســـام أعطـــى كـــل
ولــد مــن الأولــاد الثلاثــة قسمــاً وأخــذ هــو القســم الرابــع وقــال القســم يكـــون لزوجتـــي أم هـــذه الأولـــاد
لتستعيـن بـه علـى معيشتهـا ثـم بعـد مـدة قليلـة مـات والدهـم فمــا أحــد رضــي بمــا فعــل والدهــم عمــر
بـل طلبـوا الزيـادة مـن جـودر وقالـوا لـه إن مـال أبينــا عنــدك فترافــع معهــم إلــى الحكمــاء وجــاء المسلمــون
الذيــن كانــوا حاضريــن وقــت القسمــة وشهــدوا بمــا علمــوا ومنعهــم الحاكــم عــن بعضهــم فخســر جـــودر
جانبـاً مـن المـال وخسـر إخوتـه كذلـك بسبـب النـزاع فتركــوه مــدة ثــم مكــروا بــه ثانيــاً فتراجــع معهــم إلــى
الحكـام فخسـروا جملـة مـن المـال أيضـاً مـن أجـل الحكـام ومازالـوا يطلبـون أذيتـه مـن ظالـم إلـى ظالـم وهــم
يخســـرون ويخســـر حتـــى أطعمـــوا مالهـــم للظالميـــن وصـــار الثلاثـــة فقـــراء ثـــم جـــاء أخـــواه إلــــى أمهمــــا
وضحــاك عليهــا وأخــذا مالهــا وضرباهـــا وطرداهـــا فجـــاءت إلـــى ابنهـــا جـــودر وقالـــت لـــه قـــد فعـــل
أخــواك معــي كــذا وكــذا وأخــذوا مالــي وصــارت تدعــو عليهمــا فقــال لهــا جــودر: يــا أمـــي لا تدعـــي
عليهمــا فاللــه يجــازي كــل منهمــا بعملــه ولكـــن يـــا أمـــي أنـــا بقيـــت فقيـــراً وأخـــواي فقيـــران والمخاصمـــة
تحتـاج لخسـارة المـال وقـد اختصمـت أنــا وإياهمــا كثيــراً بيــن يــدي الحكــام ولــم يفدنــا شيئــاً بــل خسرنــا
جميـع مـا خلفـه لنـا والدنـا وهتكتنــا النــاس بسبــب الشهــادة هــل بسببــك اختصــم وإياهمــا ونترافــع إلــى
الحكــام فهــذا شــيء لا يكــون إنمــا تقعديــن عنــدي والرغيــف الــذي آكلــه أخليــه لــك وادعــي لــي واللـــه
===
ان يبـغ ذو جهـل عليـك فخلــه وارقب زمان الانتقـام الباغـي
وتجنب الظلم الوخيم فلو بغـى جبل علـى جبـل لـدك الباغـي
وصــار يطيــب خاطــر أمـــه حتـــى رضيـــت ومكثـــت عنـــده فأخـــذه لـــه شبكـــة وصـــار يذهـــب إلـــى
البحــر والبــرك وإلــى كــل مكــان فيــه مــاء وصــار يذهــب كــل يــوم إلــى جهــة فصــار يعمـــل يومـــاً بعشـــرة
ويومــاً بعشريــن ويومــاً بثلاثيــن ويصرفهــا علــى أمــه ويأكــل طيبــاً ويشــرب طيبـــاً ولا صنعـــة ولا بيـــع ولا
شـــراء لأخويـــه ودخـــل عليهمـــا الساحـــق والماحــــق والبــــلاء اللاحــــق وقــــد ضيعــــا الــــذي أخــــذاه مــــن
أمهمـــا وصـــارا مـــن الصعاليـــك المتاعيـــس عريانيـــن فقــــراء يأتيــــان إلــــى أمهمــــا ويتواضعــــان لهــــا زيــــادة
ويشكــوان إليهــا الجـــوع وقلـــب الوالـــدة رؤوف فتطعمهمـــا عيشـــاً معفنـــاً وإن كـــان هنـــاك طبيـــخ بائـــت
تقــــول لهمــــا كلــــاه سريعــــاً وروحــــا قبــــل أن يأتــــي أخوكمــــا أنــــه مــــا يهــــون عليــــه ويقســــى قلبــــه علـــــي
وتفضحانــي معـــه فيأكلـــان باستعجـــال ويروحـــان فدخـــلا علـــى أمهمـــا يومـــاً مـــن الأيـــام فحطـــت لهمـــا
طبيخـــاً وعيشــــاً ليأكــــلا وإذا بأخيهمــــا جــــودر داخــــل فاستحــــت أمــــه وخجلــــت منــــه وخافــــت أن
يغضـب عليهـا وأطرقـت رأسهـا إلــى الــأرض حيــاء مــن ولدهــا فتبســم فــي وجوههــم وقــال مرحبــاً يــا
اخوانـــي نهـــار مبـــارك مـــاذا جــــرى حتــــى زرتمانــــي فــــي هــــذا النهــــار المبــــارك واعتنقهمــــا ووادهمــــا
وصــار يقــول مــا كــان رجائــي أن توحشانــي ولا تجيئــا عنــدي ولا تطــلا علــي ولا علــى أمكمــا فقــالا:
===
يـا أخانـا إننـا اشتقنـا إليـك ولا منعنــا إلا الحيــاء ممــا جــرى بيننــا وبينــك ولكــن ندمنــا كثيــراً وهــذا فعــل
الشيطان لعنه الله تعالى ولا لنا بركة إلا أنت وأمنا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العاشرة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جـــودراً لمـــا دخـــل منزلـــه ورأى أخويـــه رحـــب بهمـــا وقـــال لهمـــا
مـا لـي بركـة إلا أنتمـا فقالـت لـه أمـه يـا ولـدي بيـض اللـه وجهـك وكثـر اللــه خيــرك وأنــت الأكثــر يــا ولــدي
فقـال مرحبـاً بكمـا عنــدي واللــه كريــم والخيــر عنــدي كثيــر واصطلــح معهمــا وباتــا عنــده وتعشيــا معــه
وثانــي يــوم أفطــرا وجــودر حمــل الشبكــة وراح علــى بــاب الفتــاح وراح أخــواه فغابــا إلــى الظهـــر وأتيـــا
فقدمــت لهمــا أمهمــا الغــذاء وفــي المســاء أتــى أخوهمــا وجــاء باللحــم والخضــار وصــاروا علــى هــذه
الحالـــة مـــدة شهـــر وجـــودر يصطـــاد سمكـــاً ويبيعـــه ويصـــرف ثمنـــه علــــى أمــــه وأخويــــه وهمــــا يأكلــــان
ويبرجسـان فاتفـق يـوم مـن الأيـام أن جــودراً أخــذ الشبكــة إلــى البحــر فرماهــا وجذبهــا فطلعــت فراغــة
فطرحهــا ثانيــة فطلعــت فارغــة فقــال فــي نفســه إن هــذا المكــان مــا فيـــه سمـــك ثـــم انتقـــل إلـــى غيـــره
ورمى فيه الشبكة فطلعت فارغة ثم انتقل إلى غيره.
===
ولـم يـزل ينتقـل مـن الصبـاح إلـى المسـاء ولـم يصطـد ولا صيـدة واحــدة فقــال عجائــب هــل السمــك فــرغ
مــن البحــر أو مــا السبــب ثـــم حمـــل الشبكـــة علـــى ظهـــره ورجـــع مغمومـــاً مقهـــوراً حامـــلاً هـــم أخويـــه
وأمـه ولـم يـدر بـأي شــيء يعيشهــم فأقبــل علــى طابونــة فــرأى الخلــق علــى العيــش مزدحميــن وبأيديهــم
الدراهــم ولا يلتفــت إليهــم الخبــاز فوقــف وتحســر فقــال لــه الخبــاز مرحبــاً بــك يــا جــودر وهــل تحتـــاج
عيشـاً فسكـت فقـال لـه إن لـم يكـن معـك دراهـم فخـذ كفايتـك وعلــى مهلــك فقــال لــه أعطنــي بعشــرة
أنصـاف عيشـاً فقـال لـه خـذ وهـذه عشـرة أنصـاف أخـر وفـي غـد هــات لــي بالعشريــن سمكــاً فقــال لــه
علـى الـرأس والعيـن فأخــذ العيــش والعشــرة أنصــاف أخــذ بهــا لحمــة وخضــاراً وقــال فــي غــد يفرجهــا
المولـى وراح منزلـه وطبخــت أمــه الطعــام وتعشــى ونــام وثانــي يــوم أخــذ الشبكــة فقالــت لــه أمــه اقعــد
افطر قال أفطري أنت واخوتي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية عشرة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودراً قــال لأمــه أفطــري أنـــت وأخـــوي ثـــم ذهـــب إلـــى البحـــر
ورمـى الشبكـة أولاً وثانيـاً وثالثـاً وتنقـل ومـا زال كذلـك إلـى العصــر ولــم يقــع لــه شــيء فحمــل الشبكــة
===
ومضـــى مقهـــوراً وطريقـــه لا يكـــون إلا علـــى الخبـــاز فلمـــا وصـــل جـــودر رآه الخبـــاز فعـــد لـــه العيـــش
والفضـة وقـال لـه تعـال خـذ وروح إن مـا كـان معـك فـي اليـوم يكـون فـي غــد فــأراد أن يعتــذر لــه فقــال
لـه رح مثلـي مـا يحتـاج لعـد ولـو كنـت اصطـدت شيئــاً لرأيتــه معــك فلمــا رأيتــك فارغــاً علمــت أنــه مــا
حصـل لـك شـيء وإن كـان فـي غـد لـم يحصـل لـك شـيء تعـال خـذ عيشـاً ولا تستـح وعلـى مهلـك ثـم
إنـه ثالـث يـوم تابـع البـرك إلــى العصــر فلــم يــر فيهــا شيئــاً فــراح إلــى الخبــاز وأخــذ منــه العيــش والفضــة
ومـا زال علـى هـذه الحالـة مـدة سبعـة أيـام ثـم إنـه تضايـق فقـال فـي نفسـه رح اليـوم إلـى بركـة قـارون ثــم
إنـه أراد أن يرمـي الشبكـة فلــم يشعــر إلا وقــد أقبــل عليــه مغربــي راكــب علــى بغلــة وهــو لابــس حلــة
عظيمــة وعلــى ظهــر البغلــة خــرج مزركــش وكــل مــا علــى البغلــة مزركــش فنــزل مــن فــوق ظهــر البغلــة
وقال السلام عليك يا جودر يا ابن عمر فقال له وعليك السلام يا سيدي الحاج.
فقـال لـه المغربـي يـا جـودر إن لـي عنـدك حاجـة فـإن طاوعتنـي تنـال خيـراً كثيــراً وتكــون بسبــب ذلــك
صاحبي وتقضـي لـي حوائجـي فقـال لـه يـا سيـدي الحـاج قـول لـي أي شـيء فـي خاطـرك وأنـا أطاوعـك
ومـا عنـدي خلـاف فقـال لـه اقــرأ الفاتحــة فقرأهــا معــه وبعــد ذلــك أخــرج لــه قيطانــاً مــن حريــر وقــال لــه
كتفنـي وشـد كتفـي شـداً قويـاً وارمنـي فـي البركـة واصبـر علـي قليـلاً فـإن رأيتنــي أخرجــت يــدي مــن
المـاء قبــل أن أبيــن فاطــرح الشبكــة علــي واجذبنــي سريعــاً وإن رأيتنــي أخرجــت رجلــي فاعلــم أنــي
===
ميـت فاتركنـي وخـذ البغلـة والخـرج وامـض إلـى سـوق التجـار تجــد يهوديــاً اسمــه شميعــة فأعطــه البغلــة
وهـو يعطيـك مائـة دينــار فخذهــا واكتــم الســر وروح إلــى حــال سبيلــك فكتفــه كتافــاً شديــداً فصــار
يقول له شد الكتاف.
ثم إنـه قـال لـه ادفعنـي إلـى أن ترمينـي فـي البركـة فدفعـه ورمـاه فيهـا فغطـس ووقـف ينتظـره ساعـة مـن
الزمــان وإذا بالمغربــي خرجــت رجلــاه فعلــم أنـــه مـــات فأخـــذ البغلـــة وتركـــه وراح إلـــى ســـوق التجـــار
فـرأى اليهـودي جالسـاً علـى كرســي فــي بــاب الحاصــل فلمــا رأى البغلــة قــال اليهــودي إن الرجــل هلــك
ثــم قــال مــا هلكــه إلا الطمـــع وأخـــذ منـــه البغلـــة وأعطـــاه مائـــة دينـــار وأوصـــاه أن يكتـــم الســـر فأخـــذ
جـودر الدنانيـر وراح فأخـذ مـا يحتــاج إليــه مــن العيــش مــن الخبــاز وقــال لــه خــذ هــذا الدينــار فأخــذه
وحسب الذي له وقال له عندي بعد ذلك عيش يومين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية عشر بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الخبـــاز لمـــا حاســـب جـــودر علـــى العيـــش وقـــال لـــه بقـــي لـــك
عنـدي مـن الدينـار عيـش يوميـن انتقـل مــن عنــده إلــى الجــزار وأعطــاه دينــار آخــر وأخــذ اللحمــة وقــال
===
لـه خـل عنـدك بقيـة الدينـار تحـت الحسـاب وأخـذ الخضــار وراح فــرأى أخويــه يطلبــان مــن أمهــم شيئــاً
يأكلونـه وهـي تقـول لهمـا اصبـرا حتـى يأتـي أخوكمـا فمـا عنـدي شـيء فدخــل عليهــم وقــال لهــم خــذوا
كلــوا فوقعــوا علــى العيــش مثــل الغيلــان ثــم إن جــودر أعطــى أمــه بقيــة الذهــب وقــال خــذي يـــا أمـــي
وإذا جــاء أخــواي فأعطهمــا ليشتريــا ويأكــلا فــي غيابــي وبــات تلــك الليلــة ولمـــا أصبـــح أخـــذ الشبكـــة
وراح إلــى بركــة قــارون ووقـــف وأراد أن يطـــرح الشبكـــة وإذا بمغربـــي آخـــر أقبـــل وهـــو راكـــب بغلـــة
ومهيـا أكثـر مـن الـذي مـات ومعـه خـرج وحقـان فـي الخـرج فـي كـل عيـن منـه حـق وقـال السلـام عليـك يــا
جودر فقال عليك السلام يا سيدي الحاج.
فقـال هــل جــاءك بالأمــس مغربــي راكــب بغلــة مثــل هــذه البغلــة فخــاف وأنكــر وقــال مــا رأيــت أحــداً
خوفـاً أن يقـول راح إلـى أيـن فـإن قلــت لــه غــرق فــي البركــة ربمــا يقــول لــي أنــت أغرقتــه فمــا وسعــه إلا
الإنكار فقـال يـا مسكيـن هـذا أخـي وسبقنـي قـال مـا معـي خبـر قـال أمـا كتفتـه أنـت ورميتـه فـي البركـة
وقــال لــك إن خرجــت يــداي ارم علــي الشبكــة واسحبنــي بالعجــل وإن خرجــت رجلــاي أكــون ميتـــاً
فخــذ أنــت البغلــة وأديهــا إلــى اليهــودي شميعــة وهــو يعطيــك مائــة دينــار وقــد خرجـــت رجلـــاه وأنـــت
أخــذت البغلــة وأديتهــا إلــى اليهــودي وأعطــاك مائــة دينــار فقــال حيــث إنــك تعــرف ذلـــك فلـــأي شـــيء
تسألنـي قـال مـرادي أن تفعـل بـي مـا فعلـت بأخـي واخـرج لـه قيطانـاً مـن حريـر وقـال لـه كتفنـي وارمنــي
===
إن جــرى لــي مثــل مــا جــرى لأخــي فخــذ البغلــة ووديهــا إلــى اليهــودي وخــذ منــه مائــة دينــار فقــال لـــه
تقــدم فتقــدم فكتفــه ودفعــه فوقــع فــي البركــة فغطــس فانتظــر ساعــة فطلعــت رجلــاه فقــال مــات فـــي
داهية إن شاء الله كل يوم يجيئني المغاربة وأنا أكتفهم ويموتون ويكفيني من كل ميت مائة دينار.
ثــم إنــه أخــذ البغلــة وراح فلمـــا رآه اليهـــودي قـــال لـــه مـــات الآخـــر قـــال لـــه تعيـــش رأســـك قـــال هـــذا
جــزاء الطماعيــن وأخــذ البغلـــة منـــه وأعطـــاه مائـــة دينـــار فأخذهـــا وتوجـــه إلـــى أمـــه فأعطاهـــا إياهـــا
فقالــت لــه يــا ولــدي مــن أيـــن لـــك هـــذا فأخبرهـــا بكـــل مـــا جـــرى فقالـــت لـــه: مـــا بقيـــت تـــروح بركـــة
قــارون فإنــي أخــاف مــن المغاربــة فقــال لهــا يــا أمــي أنــا مــا أرميهــم إلا برضاهــم وكيــف يكـــون العمـــل
هــذه صنعــة يأتينــا منهــا كــل يــوم مائــة دينـــار وارجـــع سريعـــاً فواللـــه لا أرجـــع عـــن ذهابـــي إلـــى بركـــة
قــارون حتــى ينقطــع أثـــر المغاربـــة ولا يبقـــى منهـــم أحـــد ثـــم إنـــه فـــي اليـــوم الثالـــث راح ووقـــف وإذا
بمغربــي راكــب بغلــة ومعــه خــرج ولكنــه مهيــأ أكثــر مــن الأوليــن وقــال السلــام عليــك يــا جـــودر يـــا ابـــن
عمر فقال في نفسه من أين كلهم يعرفونني ثم رد عليه السلام.
فقــال: هــا جــاز علــى هــذا المكــان مغاربــة قــال لــه اثنــان قــال لــه: أيــن راحــا قــال كتفتهمـــا ورميتهمـــا
فـي هـذه البركـة فغرقـا والعاقبـة لـك أنـت الآخـر فضحـك ثـم قـال يـا مسكيـن كـل حـي ووعـده ونـزل عـن
البغلــة وقــال يــا جــودر اعمــل معــي كمـــا عملـــت معهمـــا وأخـــرج القيطـــان الحريـــر فقـــال لـــه جـــودر أدر
===
يديــك حتــى أكتفــك فإنــي مستعجــل وراح علــى الوقــت فــأدار لــي يديـــه فكتفتـــه ودفعتـــه فوقـــع فـــي
البركـــة ووقـــف ينتظـــر وإذا بالمغربـــي أخـــرج لـــه يديـــه وقـــال لـــه ارم الشبكـــة يـــا مسكيـــن فرمـــى عليـــه
الشبكـة وجذبـه وإذا هـو قابـض فـي يديـه سمكتيـن لونهمـا أحمـر مثـل المهرجـان فـي كـل يـد سمكــة وقــال
لـه افتـح الحقيـن فوضـع فـي كـل حـق سمكـة وسـد عليهمـا فـم الحقيـن ثـم إنــه حصــن جــودر وقبلــه ذات
اليميــن وذات الشمــال فــي خديــه وقــال لـــه اللـــه ينجيـــك مـــن كـــل شـــدة واللـــه لـــولا أنـــك رميـــت علـــي
الشبكة وأخرجتني لكنـت مـا زلـت قابضـاً علـى هاتيـن السمكتيـن وأنـا غاطـس فـي المـاء حتـى أمـوت
ولا أقـدر أن أخـرج مـن المـاء فقـال لـه يـا سيــدي الحــاج باللــه عليــك أن تخبرنــي بشــأن اللذيــن غرقــا أولاً
بحقيقة هاتين السمكتين وبشأن اليهود.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة عشر بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جـــودراً لمـــا ســـأل المغربـــي وقـــال لـــه أخبرنـــي عـــن اللذيـــن غرقـــا
أولاً قــال لــه يــا جــودر إن اللذيــن غرقــا أولاً أخــواي أحدهمــا اسمــه عبـــد السلـــام والثانـــي اسمـــه عبـــد
الأحـد وأنــا أسمــي عبــد الصمــد واليهــودي أخونــا اسمــه عبــد الرحيــم ومــا هــو يهــودي إنمــا هــو مسلــم
===
مالكــي وكــان والدنــا علمنــا الرمــوز وفتــح الكنــوز والسحــر وصرنــا نعالـــج حتـــى خدمتنـــا مـــردة الجـــن
والعفاريـت ونحـن أربعـة اخــوة والدنــا اسمــه عبــد الــودود ومــات أبونــا وخلــف لنــا شيئــاً كثيــراً فقسمــن
الذخائــر والأمــوال والأرصــاد حتــى وصلنــا إلــى الكتــب فقسمناهــا فوقـــع بيننـــا اختلـــاف فـــي كتـــاب
اسمــه أساطيــر الأوليـــن ليـــس لـــه مثيـــل ولا يقـــدر لـــه علـــى ثمـــن ولا يعـــادل بجواهـــر لأنـــه مذكـــور فيـــه
سائــر الكنــوز وحــل الرمــوز وكــان أبونــا يعمــل فيــه ونحــن نحفــظ منــه شيئــاً قليــلاً وكــل منــا غرضــه أن
يملكه حتى يطلع على ما فيه.
فلمــا وقــع الخلــاف بيننــا حضــر مجلسنــا شيــخ أبينــا الـــذي كـــان ربـــاه وعلمـــه السحـــر والكهانـــة وكـــان
اسمـه الكهيــن الأبطــن فقــال لنــا هاتــوا الكتــاب فأعطينــاه الكتــاب فقــال أنتــم أولــاد ولــدي ولا يمكــن أن
أظلــم منكــم أحــداً فليذهــب مــن أراد أن يأخـــذ هـــذا الكتـــاب إلـــى معالجـــة فتـــح الشمـــردل ويأتينـــي
بدائــر الفلــك والمكحلــة والخاتــم والســف فــإن الخاتــم لــه مــارد يخدمــه اسمــه الرعـــد يملـــك بـــه الـــأرض
بالطـول والعـرض يقـدر علـى ذلـك وأمــا السيــف فإنــه لــو جــرد علــى جيــش وهــزه حاملــه لهــزم الجيــش
وإن قــال لــه وقــت هــزه اقتــل هــذا الجيــش فإنــه يخــرج مــن ذلـــك السيـــف بـــرق مـــن نـــار فيقتـــل جميـــع
الجيوش.
وأمـــا دائـــر الفلـــك فـــإن الـــذي يملكهـــا إن شـــاء أن ينظـــر جميـــع البلـــاد مـــن المشـــرق إلــــى المغــــرب فإنــــه
===
ينظرهـا ويتفـرج عليهـا وهـو جالــس فــأي جهــة أرادهــا يوجــه الدائــرة إليهــا وينظــر فــي الدائــرة فإنــه يــرى
تلــك الجهــة وأهلهــا كــأن الجميــع بيــن يديــه وإذا غضــب علــى مدينــة ووجــه الدائــرة إلــى الشمــس وأراد
احتراق تلك المدينة فإنها تحترق.
وأمــا المكحلــة فــإن كــل مــن اكتحــل منهــا يـــرى كنـــوز الـــأرض ولكـــن لـــي عليكـــم شـــرط وهـــو أن كـــل
مـن عجـز علـى فتـح هـذا الكنـز ليــس لــه فــي الكتــاب استحقــاق ومــن فتــح هــذا الكنــز وأتانــي بهــذه
الذخائــر الأربعــة فإنــه يستحــق أن يأخــذ هــذا الكتــاب فرضينــا بالشــرط فقــال لنــا يــا أولـــادي اعلمـــوا
أن كنـز الشمـردل تحـت حكـم أولـاد الملـك الأحمــر وأبوكــم أخبرنــي أنــه كــان عالــج فتــح ذلــك الكنــز فلــم
يقدر ولكـن هربـوا منـه أولـاد الملـك الأحمـر إلـى بركـة فـي أرض مصـر تسمـى بركـة قـارون وغاصـوا فـي
البركة فلحقهم إلى مصر ولم يقدر عليهم بسبب انسيابهم في تلك البركة لأنها مرصودة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة عشر بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الكهيــن الأبطــن لمــا أخبــر الأولــاد بذلــك الخبـــر قـــال لهـــم ثـــم إنـــه
رجــع مغلوبــاً ولــم يقــدر علــى فتــح كنـــز الشمـــردل مـــن أولـــاد الملـــك الأحمـــر فلمـــا عجـــز أبوكـــم عنهـــم
===
جاءنـي وشكـا إلـي فضربـت لـه تقويمـاً فرأيـت هـذا الكنـز لا يفتــح إلا علــى وجــه غلــام مــن أبنــاء مصــر
اسمــه جــودر بــن عمــر فإنــه يكــون سببــاً فــي قبــض أولـــاد الملـــك الأحمـــر وذلـــك الغلـــام يكـــون صيـــاداً
والاجتمـــاع بـــه يكـــون علـــى بركـــة ولا ينفعـــك ذلـــك الرصــــد إلا إذا كــــان جــــودر يكتشــــف صاحــــب
النصيـب ويرميــه فــي البركــة فيتحــارب مــع أولــاد الملــك الأحمــر والــذي يسلــم تظهــر يــداه فيحتــاج إلــى
جـودر ليرمـي عليــه الشبكــة ويخرجــه مــن البركــة فقــال إخواتــي نحــن نــروح ولــو هلكنــا وأنــا قلــت أروح
أيضـاً وأمـا أخونـا الـذي فـي هيئـة يهـودي فإنـه قـال أنـا ليـس لـي غـرض فاتفقنـا معـه علـى أنـه يتوجــه إلــى
مصـر فـي صفـة يهـودي تاجـر حتــى إذا مــات أحــد منــا فــي البركــة ويأخــذ البغلــة والخــرج منــه ويعطيــه
مائة دينار.
فلمـا أتـاك الـأول قتلـه أولـاد الملـك الأحمـر وقتلــوا أخــي الثانــي وأنــا لــم يقــدروا علــي فقبضتهــم فقــال أيــن
قبضتهـم قـال: أمـا رأيتهـم قـد حبستهـم فـي الحقيـن قـال هـذا سمـك قـال لــه المغربــي ليــس هــذا سمكــاً
إنمــا هــم عفاريــت بهيئــة السمــك ولكــن يــا جــودر اعلــم أن فتــح هــذا الكنــز لا يكــون إلا علــى يديـــك
فهـل تطاوعنـي وتـروح معـي إلـى مدينـة فـاس ومكنـاس وتفتـح الكنـز وأعطيـك مــا تطلــب وأنــت بقيــت
أخــي فــي عهــد اللــه وترجــع إلــى عيالــك مجبــور القلــب فقــال: يــا سيــدي الحــاج أنــا فــي رقبتــي أمــي
وأخواي.
===
وفي الليلة الخامسة عشر بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودراً قــال للمغربــي أنــا فــي رقبتــي أمــي وأخـــواي وأنـــا الـــذي
أجـري عليهـم وإن رحـت معـك فمــن يطعمهــم العيــش فقــال لــه هــذه حجــة باطلــة فــإن كــان مــن شــأن
المصــروف فنحــن نعطــي ألــف دينــار تعطــي أمــك إياهــا لتصرفهـــا حتـــى ترجـــع إلـــى بلـــادك وأنـــت إن
غبــت ترجــع قبــل أربعــة أشهــر فلمـــا سمـــع جـــودر بالألـــف دينـــار قـــال هـــات يـــا حـــاج الألـــف دينـــار
اتركهــا عنــد أمــي وأروح معــك فأخــرج لــه الألــف دينــار فأخذهــا إلــى أمــه وأخبرهـــا بمـــا جـــرى بينـــه
وبيـن المغربـي وقـال لهـا خـذي هـذه اللـف دينــار واصرفــي منهــا عليــك وعلــى أخــواي وأنــا مسافــر مــع
المغربـي إلـى الغـرب فأغيـب أربعـة أشهـر ويحصـل لــي خيــر كثيــر فادعــي لــي يــا والدتــي فقالــت لــه يــا
ولــدي توحشنــي وأخــاف عليــك فقــال يــا أمــي مــا علــى مــن يحفظــه اللــه بــأس والمغربــي رجــل طيــب
وصــار يشكــر لهــا حالــه فقالــت اللــه يعطــف عليــك رح معــه يــا ولــدي لعلــه يعطيــك شيئــاً فــودع أمـــه
وراح.
ولمــا وصــل عنــد المغربــي عبــد الصمــد قـــال لـــه هـــل شـــاورت أمـــك قـــال نعـــم ودعـــت لـــي فقـــال لـــه
اركـب وارئـي فركـب علـى ظهـر البغلـة وسافـرا مـن الظهـر إلـى العصـر فجـاع جـودر ولـم يـر مــع المغربــي
===
شيئــاً يؤكـــل فقـــال هـــل أنـــك جائـــع قـــال نعـــم فنـــزل مـــن فـــوق ظهـــر البغلـــة هـــو وجـــودر ثـــم قـــال نـــزل
الخــروج فنزلــه ثــم قــال لــه أي شــيء تشتهــي يــا أخــي فقــال لــه أي شــيء كــان قــال لــه باللــه عليــك أن
تقـول لـي أي شـيء تشتهـي قـال عيشـاً وجبنـاً قـال يـا مسكيــن العيــش والجبــن مــا هــو مقامــك فاطلــب
شيئـاً طيبـاً قـال جـودر أنــا عنــدي فــي هــذه الساعــة كــل شــيء طيــب فقــال لــه أتحــب الفــراخ المحمــرة
قــال نعــم قــال أتحــب الــأرز بالعســل قــال نعـــم قـــال أتحـــب اللـــون الفلانـــي حتـــى سمـــى لـــه مـــن الطعـــام
أربعـة وعشريـن لونـاً ثــم قــال فــي بالــه هــل هــو مجنــون مــن أيــن يجــيء لــي بالأطعمــة التــي مساهــا ومــا
عنـده مطبـخ ولا طبـاخ لكـن قـل لـه يكفـي فقـال لــه: يكفــي هــل أنــت تجعلنــي أشتهــي الألــوان ولا أنظــر
شيئاً
فقـال المغربـي مرحبـاً بـك يـا جـودر وحـط بيـده فـي الخـرج فأخـرج صحنـاً مـن الذهـب فيــه كبــاب ومــا
زال يخـرج مـن الخــرج حتــى أخــرج الأربعــة والعشريــن لونــاً التــي ذكرهــا بالتمــام والكمــال فبهــت جــودر
فقــال كــل يــا مسكيــن فقــال: يــا سيــدي أنــت جاعــل فــي هــذا الخــرج مطبخــاً وناســاً تطبــخ فضحــك
المغربـي وقـال هـذا مرصـود لـه خـادم لـو نطلـب فــي كــل ساعــة ألــف لــون يجــيء بهــا الخــادم ويحضرهــا
في الوقت فقال نعم هذا الخرج.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن جــودراً قــال نعــم هــذا الخــرج ثــم إنهمــا أكــلا حتــى اكتفيــا والــذي
فضـل كبـاه ورد الصحـون الفارغـة فـي الخـرج وحـط يـده فأخـرج إبريقــاً فشربــا وتوضيــا وصليــا العصــر
ورد الإبريـق فـي الخـرج ثـم إنــه حــط فيــه الحقيــن وحملــه علــى تلــك البغلــة وركــب وقــال اركــب حتــى
نسافــر ثــم إنــه قــال يــا جــودر هــل تعلــم مــا قطعنــا مــن مصــر إلــى هنــا قــال لــه واللــه لا أدري فقــال لــه
قطعنــا مسيــرة شهــر كامــل قــال وكيــف ذلــك قــال لــه يــا جــودر اعلــم أن البغلــة التــي تحتنــا مــاردة مـــن
مـردة الجـن تسافـر فـي اليـوم مسافـة سنـة ولكـن مـن شـأن خاطـرك مشـت علـى مهلهـا ثـم ركبــا وسافــرا
إلى المغرب.
فلمــا أمسيــا أخــرج مــن الخــرج العشــاء وفــي الصبــاح أخــرج الفطــور ومـــا زالا علـــى هـــذه الحالـــة مـــدة
أربعـة أيـام وهمـا يسافـران إلـى نصـف الليـل وينزلـان فينامـان ويسافــران فــي الصبــاح وجميــع مــا يشتهــي
جــودر يطلبــه مــن المغربــي فيخرجــه لــه مــن الخـــرج وفـــي اليـــوم الخامـــس وصـــلا إلـــى فـــاس ومكنـــاس
ودخـلا المدينـة فلمـا دخــلا صــار كــل مــن قابــل المغربــي يسلــم عليــه ويقبــل يــده ومــا زالا كذلــك حتــى
وصـل إلـى بـاب فطرقـه وإذا بالبـاب قـد فتــح وبــان منــه بنــت كأنهــا القمــر فقــال لهــا يــا رحمــة يــا بنتــي
افتحـي لنـا القصـر قالـت علـى الـرأس والعيـن يـا أبـت ودخلـت تهــز أعطافهــا فطــار عقــل جــودر وقــال:
مـا هـذه إلا بنـت ملـك ثــم إن البنــت فتحــت القصــر فأخــذ الخــرج مــن فــوق البغلــة وقــال لهــا انصرفــي
===
بــارك اللــه فيــك وإذا بالــأرض قــد انشقــت ونزلــت البغلــة ورجعـــت الـــأرض كمـــا كانـــت فقـــال جـــودر
يـا ستـار الحمـد للـه الـذي نجانـا مــن فــوق ظهرهــا ثــم إن المغربــي قــال لا تعجــب يــا جــودر فإنــي قلــت
لك إن البغلة عفريت لكن اطلع بنا القصر.
فلمــا دخــلا ذلــك القصــر اندهــش جــودر مــن كثــرة الفــرش الفاخــر وممــا رأى فيــه مــن التحــف وتعاليـــق
الجواهـــر والمعـــادن فلمـــا جلســـا أمـــر البنـــت وقـــال يـــا رحمـــة هـــات البقجـــة الفلانيـــة فقامــــت وأقبلــــت
ببقجــة ووضعتهــا بيــن يــدي أبيهــا ففتحهــا وأخــرج منهــا حلــة تســاوي ألــف دينـــار وقـــال لـــه البـــس يـــا
جـودر مرحبـاً بـك فلبــس الحلــة وصــار كنايــة عــن ملــك مــن ملــوك الغــرب ووضــع الخــرج بيــن يديــه ثــم
مـد يـده وأخـرج منــه صحنــاً فيــه ألــوان مختلفــة حتــى صــارت سفــرة فيهــا أربعــون لونــاً فقــال يــا مولــاي
تقدم وكل ولا تؤاخذنا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن المغربــي لمــا أدخـــل جـــودراً القصـــر مـــد لـــه سفـــرة فيهـــا أربعـــون
لونــاً وقــال لــه تقــدم وكــل ولا تؤاخذنــا نحــن لا نعــرف أي شــيء تشتهــي مــن الأطعمــة فقــل مــا تشتهـــي
===
ونحــن نحضــره إليــك مــن غيــر تأخيــر فقــال لــه واللــه يـــا سيـــدي الحـــاج إنـــي أحـــب سائـــر الأطعمـــة ولا
أكـره شيئـاً فــلا تسألنــي عــن شــيء فهــات جميــع مــا يخطــر ببالــك وأنــا مــا علــي إلا الأكــل ثــم إنــه أقــام
عنـده عشريـن يومـاً كـل يـوم يلبسـه حلــة والأكــل مــن الخــرج والمغربــي لا يشتيــر مــن اللحــم ولا عيشــاً ولا
يطبــخ ويخــرج كــل مـــا يحتاجـــه مـــن الخـــرج حتـــى أصنـــاف الفاكهـــة ثـــم إن المغربـــي فـــي اليـــوم الحـــادي
والعشريــن قــال يــا جــودر قــم بنــا فــإن هــذا هــو اليــوم الموعــود لفتــح كنــز الشمـــردل فقـــام معـــه ومشيـــا
إلــى آخــر المدينــة ثــم خرجــا منهــا فركــب جــودر بغلــه وركــب المغربــي بغلــة ولـــم يـــزالا مسافريـــن إلـــى
وقــت الظهــر فوصــلا إلــى نهــر مــاء جــار فنــزل عبــد الصمــد وقــال انــزل يــا جــودر فنـــزل ثـــم إن عبـــد
الصمـد قـال هيـا وأشـار بيــده إلــى عبديــن فأخــذا البغلتيــن وراح كــل عبــد مــن طريــق ثــم غابــا قليــلاً
وقـد أقبـل أحدهمـا بخيمـة فنصبهـا وأقبـل الثانـي بفـرش وفرشـه فـي الخيمـة ووضـع فـي دائرهــا وسائــد
ومسانــد ثــم ذهــب واحــد منهمـــا وجـــاء بالحقيـــن الذيـــن فيهـــا السمكتـــان والثانـــي جـــاء بالخـــرج فقـــام
المغربـــي وقـــال تعـــال يـــا جـــودر فأتـــى وجلـــس بجانبـــه وأخـــرج المغربــــي مــــن الخــــرج صحــــون الطعــــام
وتغذيــا وبعــد ذلــك أخــذ الحقيــن ثــم إنــه عــزم عليهمــا فصــارا مــن داخــل يقولــان لبيــك يــا كهيــن الدنيـــا
ارحمنـــا وهمـــا يستغيثـــان وهـــو يعـــزم عليهمـــا فصـــارا قطعـــاً وتطايـــرت قطعهمـــا فظهــــر منهمــــا اثنــــان
مكتفــان يقولــان: الأمــان يــا كهيــن الدنيــا مــرادك أن تعمــل فينــا أي شــيء فقــال مـــرادي أن أحرقكمـــا أو
===
إنكمــا تعاهدانــي علــى فتــح كنــز الشمــردل فقــالا نعاهـــدك ونفتـــح لـــك الكنـــز لكـــن بشـــرط أن تحضـــر
جـودر الصيــاد فــإن الكنــز لا يفتــح إلا علــى وجهــه ولا يقــدر أحــد أن يدخــل فيــه إلا جــودر بــن عمــر
فقــال لهمــا الــذي تذكرانــه قــد جئــت بــه وهــو ههنــا يسمعكمــا وينتظركمــا فعاهــداه علــى فتـــح الكنـــز
وأطلقهما.
ثــم إنــه أخــرج قصبــة وألواحـــاً مـــن العقيـــق الأحمـــر وجعلهـــا علـــى القصبـــة وأخـــذ مجمـــرة ووضـــع فيهـــا
فحمـاً ونفخهـا نفخـة واحـدة فأوقـد فيهـا النـار وأحضــر البخــور وقــال يــا جــودر أنــا أتلــو العزيمــة وألقــي
البخــور فـــإذا ابتـــدأت بالعزيمـــة لا أقـــدر أن أتكلـــم فتبطـــل العزيمـــة ومـــرادي أن أعلمـــك كيـــف تصنـــع
حتـى تبلـغ مـرادك فقـال لـه: اعلـم أنــي متــى عزمــت وألقيــت البخــور ونشــف المــاء مــن النهــر وبــان لــك
مــن الذهــب قــدر بــاب المدينــة بحلقتيــن مــن المعــدن فانــزل إلــى البــاب واطرقــه طرقــة خفيفـــة واصبـــر
مـــدة واطـــرق الثانيـــة طرقـــة أثقـــل مـــن الأولـــى واصبـــر مـــدة واطرقــــه ثلــــاث طرقــــات متتابعــــات وراء
بعضهــا فإنـــك تسمـــع قائـــلاً يقـــول مـــن يطـــرق بـــاب الكنـــوز وهـــو لـــم يعـــرف أن يحـــل الرمـــوز فقـــل أنـــا
جـودر الصيـاد بـن عمـر فيفتـح لـك البــاب ويخــرج لــك شخــص بيــده سيــف ويقــول لــك إن كنــت ذلــك
الرجــل فمــد عنقــك حتــى أرمــي رأســـك فمـــد لـــه عنقـــك ولا تخـــف فإنـــه متـــى رفـــع يـــده بالسيـــف
وضربــك وقــع بيــن يديــك وبعــد مــدة تــراه شخصــاً مــن غيــر روح وأنـــت لا تتألـــم بالضربـــة ولا يجـــري
===
عليــك شــيء وأمــا إذا خالفتــه فإنــه يقتلــك ثــم إنــك إذ أبطلــت رصـــده بالامتثـــال فادخـــل حتـــى تـــرى
بابــاً آخــر فاطرقــه يخــرج لــك فــارس راكــب علــى فــرس وعلــى كتفــه رمــح فيقــول أي شــيء أوصلــك
إلـى هـذا المكـان الـذي لا يدخلــه أحــد مــن الإنــس ولا مــن الجــن ويهــز عليــك الرمــح فافتــح لــه صــدرك
فيضربــك ويقــع فــي الحــال فتــراه جسمــاً مـــن غيـــر روح وإن خالفـــت قتلـــك ثـــم ادخـــل البـــاب الثالـــث
يخـرج لــك آدمــي وفــي يــده قــوس ونشــاب ويرميــك بالقــوس فافتــح لــه صــدرك ليضربــك ويقــع قدامــك
جسماً من غير روح وإن خالفت قتلك ثم ادخل الباب الرابع.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة عشرة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن المغربـــي قـــال لجـــودر فادخـــل البـــاب الرابـــع واطرقـــه يفتـــح لـــك
ويخـرج لـك سبـع عظيـم الخلقـة ويهجـم عليـك ويفتــح فمــه يريــك أنــه يقصــد أكلــك فــلا تخــف ولا تهــرب
منـه فـإذا وصـل إليــك فأعطــه يــدك فإنــه لا يصيبــك شــيء ثــم ادخــل البــاب الخامــس يخــرج لــك عبــد
أســـود ويقـــول لـــك مـــن أنـــت فقـــل لـــه أنـــا جـــودر فيقــــول لــــك إن كنــــت ذلــــك الرجــــل فافتتــــح البــــاب
الســادس فتقــدم إلــى البــاب وقــل لــه يــا عيســى قــل لموســى يفتـــح البـــاب فيفتـــح البـــاب فادخـــل تجـــد
===
ثعبانين أحدهمـا علـى الشمـال وآخـر علـى اليميـن كـل واحـد منهمـا يفتـح فـاه ويهجمـان عليـك فـي الحـال
فمــد إليهمــا يديــك فيعــض كــل واحــد منهمــا فــي يــد وإن خالفــت قتلــاك ثــم ادخــل إلــى البــاب السابــع
واطرقــه تخــرج لــك أمــك وتقــول لــك مرحبــاً يــا ابنــي قــدم حتــى أسلــم عليــك فقــل لهــا خليــك بعيـــدة
عنـي واخلعـي ثيابـك فتقـول لـك أنـا أمـك ولـي عليـك حـق الرضاعـة والتربيـة كيـف تعرينـي فقــل لهــا إن
لـم تخلعـي ثيابـك قتلتـك وانظـر جهـة يمينـك تجـد سيفـاً معلقـاً علـى الحائـط فخـذه واسحبـه عليهــا وقــل
لهــا اخلعــي فتصيــر تخادعــك وتتواضــع إليــك فــلا تشفــق عليهـــا فكلمـــا تخلـــع شيئـــاً قـــل لهـــا اخلعـــي
الباقي ولم تزل تهددها بالقتل حتى تخلع جميع ما عليها وتسقط.
وحينئــذ تكــون قــد حللــت وأبطلــت الأرصــاد وقــد أمنــت علــى نفســك فادخــل تجــد الذهــب كامنــاً
داخــل الكنــز فــلا تعتــن بشــيء منــه وإنمــا تــرى مقصــورة فــي صــدر الكنــز وعليهـــا ستـــارة فاكشـــف
الستـارة فإنـك تـرى الكهيـن الشمـردل راقــد علــى سريــر مــن الذهــب وعلــى رأســه شــيء مــدور يلمــع
مثـل القمـر فهـو دائـرة الفلـك وهـو مقلـد بالسيـف وفـي إصبعـه خاتــم وفــي رقبتــه سلسلــة فيهــا مكحلــة
فهـات الأربـع ذخائــر وإيــاك أن تنــس شيئــاً ممــا أخبرتــك بــه ولا تخــاف فتنــدم ويخشــى عليــك ثــم كــرر
عليــه الوصيــة ثانيــاً وثالثــاً ورابعــاً حتــى قــال حفظــت كــل مـــا قلتـــه لـــي لكـــن مـــن يستطيـــع أن يواجـــه
هــذه الأرصــاد التــي ذكرتهــا ويصيــر علـــى هـــذه الأهـــوال العظيمـــة فقـــال لـــه يـــا جـــودر لا تخـــف إنهـــم
===
أشبــاح مــن غيــر أرواح وصــار يطمنــه فقــال جـــودر توكلـــت علـــى اللـــه ثـــم إن المغربـــي عبـــد الصمـــد
ألقــى البخــور وصــار يعــزم مــدة وإذا بالمـــاء قـــد ذهـــب وبانـــت أرض النهـــر وظهـــر بـــاب الكنـــز فنـــزل
البـاب وطرقـه فسمـع قائـلاً يقـول: مــن يطــرق أبــواب الكنــز ولــم يعــرف أن يحــل الرمــوز فقــال أنــا جــودر
بـن عمـر فانفتـح البـاب وخـرج لـه الشخـص وجـرد السيـف وقـال لـه مــد عنقــك فمــد عنقــه وضربــه ثــم
وقـــع وكذلـــك الثانـــي إلـــى أن أبطـــل أرصـــاد السبعـــة أبـــواب وخرجـــت أمـــه وقالـــت لـــه سلامــــات يــــا
ولــدي فقــال لهــا أنــت لا شـــيء قالـــت أنـــا أمـــك ولـــي عليـــك حـــق الرضاعـــة والتربيـــة حملتـــك تسعـــة
أشهــر يــا ولــدي فقــال لهــا اخلعــي ثيابــك فقالــت أنــت ولــدي وكيــف تعرينــي قــال لهـــا اخلعـــي ثيابـــك
وإلا أرمــي رأســك بهــذا السيـــف ومـــد يـــده فأخـــذ السيـــف وشهـــره عليهـــا وقـــال لهـــا إن لـــم تخلعـــي
قتلتـك وطـال بينهمـا وبينــه العلــاج ثــم إنــه لمــا أكثــر عليهــا التهديــد خلعــت شــيء فقــال اخلعــي الباقــي
وعالجهـا كثيـراً حتـى خلعـت شـيء آخـر ومـا زالا علـى هـذه الحالـة وهـي تقـول يــا ولــدي خابــت فيــك
التربيـة حتـى لـم يبـق عليهـا شـيء غيـر اللبـاس فقالـت يـا ولـدي هــل قلبــك حجــر فتفضحنــي بكشــف
العورة يا ولدي أما هذا حرام فقال صدقت فلا تخلعي اللباس.
فلمــا نطــق بهــذه الكلمــة صاحـــت وقالـــت قـــد غلـــط فاضربـــوه فنـــزل عليـــه ضـــرب مثـــل قطـــر المطـــر
واجتمعـت عليـه خـدام الكنــز فضربــوه علقــة لــم ينساهــا فــي عمــره ودفعــوه فرمــوه خــارج بــاب الكنــز
===
وانغلقـت أبـواب الكنـز كمـا كانـت فلمـا رمـوه خـارج البــاب أخــذه المغربــي فــي الحــال وجــرت الميــاه كمــا
كانت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة عشرة بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودر لمــا ضربــه خـــدام الكنـــز ورمـــوه خـــارج البـــاب وانغلقـــت
الأبـواب وجـرى النهـر كمــا كــان أولاً قــام عبــد الصمــد المغربــي فقــرأ علــى جــودر حتــى أفــاق وصحــا
مــن سكرتــه فقــال لــه أي شــيء عملــت يــا مسكيــن فقــال لــه أبطلــت الموانـــع كلهـــا ووصلـــت إلـــى أمـــي
ووقـع بينـي وبينهـا معالجـة طويلـة وصـارت يـا أخـي تخلـع ثيابهــا حتــى لــم يبــق عليهــا إلا اللبــاس فقالــت
لا تفضحنــي فــإن كشــف العــورة حـــرام فتركـــت لهـــا اللبـــاس شفقـــة عليهـــا وإذا بهـــا صاحـــت وقالـــت
غلـــط فاضربـــوه فخـــرج لـــي نـــاس لا أدري أيـــن كانـــوا ثـــم إنهـــم ضربونـــي علقـــة حتـــى أشرفـــت علـــى
المـوت ودفعونـي ولـم أدر بعـد ذلـك مــا جــرى لــي فقــال لــه أمــا قلــت لــك لا تخالــف مــا قلتــه لــك والــآن
قـد أسأتنـي وأسـأت نفسـك فلـو خلعـت لباسهـا كنـا بلغنـا المـراد ولكــن حينئــذ تقيــم عنــدي إلــى العــام
القابــل لمثــل هـــذا اليـــوم ونـــادى العبديـــن فـــي الحـــال فحـــلا الخيمـــة وحملاهـــا ثـــم غابـــا قليـــلاً ورجعـــا
===
بالبغلتيـن فركـب كـل واحـد بغلـة ورجعـا إلـى مدينـة فـاس فأقـام عنـده فــي أكــل طيــب وكــل يــوم يلبســه
حلـة فاخــرة إلــى أن فرغــت السنــة وجــاء ذلــك اليــوم فقــال لــه المغربــي هــذا هــو اليــوم الموعــود فامــض
بنا قال له نعم فأخذه إلى خارج المدينة فرأيا العبدين بالبغلتين.
ثــم ركبــا وســارا حتــى وصــلا إلــى النهـــر فنصـــب العبـــدان الخيمـــة وفرشـــا وأخـــرج المغربـــي السفـــرة
فتغذيــا وبعــد ذلــك أخــرج القصبــة والألــواح مثــل الــأول وأوقــد النــار وأحضــر لــه البخـــور وقـــال لـــه يـــا
جــودر مــرادي أن أوصيــك فقــال لــه يــا سيــدي الحــاج إن كنـــت نسيـــت العلقـــة أكـــون نسيـــت الوصيـــة
فقــال لــه هــل أنــت حافــظ الوصيــة قــال: نعــم قــال احفــظ روحــك ولا تظــن أن المــرأة أمــك وإنمـــا هـــي
رصـد فـي صـورة أمـك ومرادهـا أن تغلطــك وإن كنــت أول مــرة طلعــت حيــاً فإنــك فــي هــذه المــرة إن
غلطت يرموك قتيلاً قال إن غلطت أستحق أن يحرقوني.
ثــم إن المغربــي وضــع البخــور وعــزم فنشـــف النهـــر فتقـــدم جـــودر إلـــى البـــاب ورقـــه فانفتـــح وأبطـــل
الأرصــاد السبعــة إلـــى أن وصـــل إلـــى أمـــه فقالـــت مرحبـــاً يـــا ولـــدي فقـــال لهـــا مـــن أيـــن أنـــا ولـــدك يـــا
معلونـة اخلعـي فجعلـت تخادعــه وتخلــع شيئــاً بعــد شــيء حتــى لــم يبــق عليهــا غيــر اللبــاس وصــارت
شبحـــاً بـــلا روح فدخـــل ورأى الذهـــب كيمانـــاً فلـــم يعتـــن بشـــيء ثـــم أتـــى المقصـــورة ورأى الكهيـــن
الشمـردل راقـداً متقلــداً بالسيــف والخاتــم فــي اصبعــه والمكحلــة فــي صــدره ورأى دائــرة الفلــك فــوق
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العشرون بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جـــودر أخـــذ المكحلــــة وخــــرج وإذا بنوبــــة دقــــت لــــه وصــــار
الخـدام ينادونـه هنيـت بمـا أعطيـت يـا جـودر ولـم تـزل النوبـة تـدق إلـى أن خـرج مــن الكنــز ووصــل إلــى
المغربــي فأبطــل العزيمــة البخــور وقــام وحضنــه وسلــم عليــه وأعطــاه جــودر الأربعــة ذخائـــر فأخذهـــا
وصـاح علـى العبديــن فأخــذا الخيمــة وردهــا ورجــع بالبغلتيــن فركباهمــا ودخــل مدينــة فــاس فأحضــر
الخـرج وجعـل يطلـع منـه الصحـون وفيهـا الألــوان وكملــت قدامــه سفــرة الطعــام وقــال يــا أخــي يــا جــودر
كـل فأكـل حتـى اكتفـى وفـرغ بقيـة الأطعمـة ثـم جـاؤا بصحـون غيرهـا ورمـوا الفــوارغ فــي الخــرج ثــم إن
المغربـي عبـد الصمـد قـال يـا جــودر أنــت فارقــت أهلــك وبلــادك مــن أجلنــا وقضيــت حاجتنــا وســار
لــك علينــا أمنيــة مــا تطلــب فــإن اللــه تعالــى أعطــاك ونحــن السبـــب فاطلـــب مـــرادك ولا تستـــح فإنـــك
تستحق.
فقـال يـا سيـدي تمنيـت علـى اللــه ثــم عليــك أن تعطينــي الخــرج فجــاء بــه وقــال خــذه فإنــه حقــك ولــو
كنــت تمنيــت غيــره لأعطينــاك إيــاه ولكــن يــا مسكيــن هــذا مــا يفيــدك غيـــر الأكـــل وأنـــت تعبـــت معنـــا
===
ونحــن وعدنــاك أن نرجعــك إلــى بلــادك مجبــور الخاطــر والخــرج هــذا تأكـــل منـــه ونعطيـــك خرجـــاً آخـــر
ملآنـاً مـن الذهـب والجواهـر ونوصلـك إلـى بلـادك فتصيـر تاجــراً واكــس نفســك وعيالــك ولا تحتــاج إلــى
مصــروف وكــل أنــت وعيالــك مــن هــذا الخــرج وكيفيــة العمــل بــه أنـــك تمـــد يـــدك فيـــه وتقـــول بحـــق مـــا
عليـك مــن الأسمــاء العظــام يــا خــادم هــذا الخــرج أن تأتينــي باللــون الفلانــي فإنــه يأتيــك بمــا تطلبــه ولــو
طلبـت كـل يــوم ألــف لــون ثــم إنــه أحضــر عبــداً ومعــه بغلــة ومــلأ بــه خرجــاً عينــاً مــن الذهــب وعينــاً
مـن الجواهـر والمعـادن وقــال لــه اركــب هــذه البغلــة والعبــد يمشــي قدامــك فإنــه يعرفــك الطريــق إلــى أن
يوصلــك إلــى بــاب دارك فــإذا وصلــت فخــذ الخرجيــن وأعطيــه البغلــة فإنــه يأتــي بهــا ولا تظهــر أحـــد
على سرك واستودعناك الله.
فقــال لــه كتــر اللــه خيــرك وحــط الخرجيــن علــى ظهــر البغلـــة وركـــب والعبـــد مشـــى قدامـــه وصـــارت
البغلــة تتبــع العبــد طــول النهــار وطــول الليــل وثانــي يــوم ي الصبــاح دخـــل مـــن بـــاب القصـــر فـــرأى أمـــه
قاعـدة تقـول شيئـاً للـه فطــار عقلــه ونــزل مــن فــوق ظهــر البغلــة ورمــى روحــه عليهــا فلمــا رأتــه بكــت
ثم إنـه أركبهـا علـى ظهـر البغلـة ومشـى فـي ركابهـا إلـى أن وصـل إلـى البيـت فأنـزل أمـه وأخـذ الخرجيـن
وتــرك البغلــة للعبـــد فأخذهـــا وراح لسيـــده لـــأن العبـــد الشيطـــان والبغلـــة شيطـــان وأمـــا مـــا كـــان مـــن
جــودر فإنـــه صعـــب عليـــه كـــون أمـــه تســـأل فلمـــا دخـــل البيـــت قـــال لهـــا هـــل أخـــواي طيبـــان قالـــت
===
طيبـان قـال لـأي شـيء تسأليـن فــي الطريــق قالــت يــا ابنــي مــن جوعــي قــال لهــا أنــا أعطيتــك قبــل مــا
أسافــر مائــة دينــار فــي أول يــوم ومائـــة دينـــار فـــي ثانـــي يـــوم وأعطيتـــك ألـــف دينـــار يـــوم أن سافـــرت
فقالت له يا ولدي إن أخويك قد مكرا علي وأخذاهما مني وقالا مرادنا أن نشتير بها شيئاً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنــــي أيهــــا الملــــك السعيــــد أن أم جــــودر قالــــت إن أخويــــك مكــــرا علــــي فأخذاهمــــا منــــي
وطردانـي فصـرت أسـال فـي الطريـق مـن شــدة الجــوع فقــال يــا أمــي مــا عليــك بــأس حيــث جئــت فــلا
تحملــي همــاً أبــداً هــذا خــرج ملــآن ذهبــاً وجواهـــر والخيـــر كثيـــر فقالـــت يـــا ولـــدي أنـــت مسعـــد اللـــه
يرضـى عليـك ويزيـدك مـن فضلـه قـم يـا ابنـي هـات لنـا عيشـاً فإنـي بائتـة بشــدة الجــوع مــن غيــر عشــاء
فضحـك وقـال لهــا مرحبــاً بــك يــا أمــي فاطلبــي أي شــيء أحضــره لــك فــي هــذه الساعــة ولا أحتــاج
لشرائـه مـن السـوق ولا لمـن يطبـخ فقالـت يـا ولـدي مــا أنــا ناظــرة شيئــاً فقــال معــي فــي الخــرج مــن جميــع
الألـــوان فقالـــت يـــا ولـــدي كـــل شـــيء حضـــر يســـد الرمـــق قـــال صدقـــت فعنـــد عــــدم الموجــــود يقنــــع
الإنســـان بأقـــل الشـــيء وأمـــا إذا كـــان الموجـــود حاضـــراً فـــإن الإنســــان يشتهــــي أن يأكــــل مــــن الشــــيء
===
قالــت لــه يــا ولــدي عيشــاً سخنــاً وقطعــة جبــن فقــال يـــا أمـــي مـــا هـــذا مـــن مقامـــك فقالـــت لـــه أنـــت
تعــرف مقامــي فالــذي مــن مقامــي أطعمنــي منــه فقــال يــا أمــي أنــت مــن مقامــك اللحـــم المحمـــر والفـــراخ
المحمـرة والـأرز المفلفــل ومــن مقامــك المنبــار المحشــي والقــرع المحشــي والخــروف المحشــي والضلــع المحشــي
والكنافــة بالمكســرات والعســل والسكــر والقطايــف والبقلــاوة فظنــت أنــه يضحــك عليهــا ويسخـــر منهـــا
فقالــت لــه يــوه يــوه أي شــيء جـــرى لـــك هـــل أنـــت تحلـــم وإلا جننـــت فقـــال لهـــا مـــن أيـــن علمـــت أنـــي
جننت قالت له لأنك تذكر لي جميع الألوان الفاخرة فمن يقدر على ثمنها ومن يعرف أن يطبخها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن أم جــودر لمــا قالــت لــه ومــن يعــرف يطبخهــا فقـــال لهـــا وحياتـــي
لابـد أن أطعمـك مـن جميـع الـذي ذكرتـه لــك فــي هــذه الساعــة فقالــت لــه هاأنــا ناظــرة شيئــاً فقــال لهــا
هــات الخــرج فجــاءت بالخــرج وجستــه فرأتــه فارغــاً وقدمتــه إليـــه فصـــار يمـــد يديـــه ويخـــرج صحونـــاً
ملآنــة حتــى أنــه أخــرج لهــا جميــع مــا ذكـــره فقالـــت لـــه أمـــه يـــا ولـــدي إن الخـــرج صغيـــر وكـــان فارغـــاً
وليـس فيـه شـيء وقـد أخرجـت منـه هــذه الأطعمــة كلهــا فهــذه الصحــون أيــن كانــت فقــال لهــا يــا أمــي
===
اعلمــي أن هــذا الخــرج أعطانيــه المغربــي وهــو مرصــود ولــه خــادم إذا أراد الإنســان شيئــاً وتــلا عليـــه
الأسماء وقال يا خادم هذا الخرج هات لي اللون الفلاني فإنه يحضره.
فقالــت لــه أمـــه هـــل أمـــد يـــدي وأطلـــب منـــه شيئـــاً قـــال مـــدي يـــدك فمـــدت يدهـــا وقالـــت بحـــق مـــا
عليـك مـن الأسمـاء يـا خـادم هـذا الخــرج أن تجــيء لــي بضلــع محشــي فــرأت الصحــن صــار فــي الخــرج
فمــدت يدهــا فأخذتــه فوجـــدت فيـــه ضلعـــاً محشيـــاً نفيســـاً ثـــم طلبـــت العيـــش وطلبـــت كـــل شـــيء
أرادتـه مـن أنـواع الطعـام فقـال لهـا يـا أمـي بعـد أن تفرغـي مـن الأكـل أفرغـي بقيــة الأطعمــة فــي صحــون
غيـر هـذه الصحـون وارجعـي الفـوارغ فـي الخـرج فـإن الرصـد علـى هـذه الحالـة واحفظـي الخـرج فنقلتـه
وحفظتــه وقــال لهــا يــا أمــي اكتمــي الســر وأبقيــه عنــدك وكلمــا احتجـــت لشـــيء أخرجيـــه مـــن الخـــرج
وتصدقــي وأطعمــي أخــواي ســواء كــان فــي حضــوري أو فــي غيابـــي وجعـــل يأكـــل هـــو وإياهـــا وإذا
بأخويـه داخلـان عليـه وكـان بلغهـم الخبـر مـن رجـل مـن أولـاد حارتــه قــال لهــم أخوكــم أتــى وهــو راكــب
على بغلة وقدامه عبد وعليه حلة ليس لها نظير.
فقـالا لبعضهمـا يــا ليتنــا مــا كنــا شوشنــا علــى أمنــا لابــد أنهــا تخبــره بمــا عملنــا فيهــا يــا فضيحتنــا منــه
فقـــال واحـــد منهمـــا أمنـــا شفوقـــة فـــإن أخبرتـــه فأخونـــا أشفـــق منهـــا علينــــا وإذا اعتذرنــــا إليــــه يقبــــل
عذرنــا ثــم دخــلا عليــه فقــام لهمــا علــى الأقــدام وسلــم عليهمــا غايــة السلــام وقــال لهمـــا اقعـــدا وكـــلا
===
فقعــدا وأكــلا وكانــا ضعيفيــن مــن الجـــوع فمـــا زالا يأكلـــان حتـــى شبعـــا فقـــال لهمـــا جـــودر يـــا أخـــواي
خــذا منــه بقيــة الطعــام وفرقــاه علــى الفقــراء والمساكيــن فقـــالا يـــا أخانـــا خلـــه لنتعشـــى بـــه فقـــال لهمـــا
وقـت العشـاء يأتيكمــا أكثــر منــه فأخرجــا بقيــة الأطعمــة وصــارا يقولــان لكــل فقيــر جــاز عليهمــا خــذ
وكل حتى لم يبق شيء ورد الصحون وقال لأمه حطيها في الخرج.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودر لمــا انتهــى أخويــه مــن الغــداء قــال لأمـــه حطـــي الصحـــون
فـي الخـرج وعنـد المسـاء دخــل القاعــة وأخــرج مــن الخــرج سماطــاً أربعيــن لونــاً وطلــع فلمــا جلــس بيــن
أخويــه قــال لأمــه هــات العشــاء فلمــا دخلــت رأت الصحــون ممتلئــة فحطـــت السفـــرة ونقلـــت الصحـــون
شيئـاً بعـد شـيء حتـى كملــت الأربعيــن صحنــاً فتعشــوا وبعــد العشــاء قــال خــذوا وأطعمــوا الفقــراء
والمساكيــن فأخــذوا بقيـــة الأطعمـــة وفرقوهـــا وبعـــد العشـــاء خـــرج لهـــم حلويـــات فأكلـــوا منهـــا والـــذي
فضــل منهــم قــال أطعمــوه للجيــران وفــي ثانــي يــوم الفطـــور كذلـــك ومـــا زالـــوا علـــى هـــذه الحالـــة مـــدة
عشرة أيام ثم قال سالـم لسليـم مـا سبـب هـذا المـر إن أخانـا يخـرج لنـا ضيافـة فـي الصبـح وضيافـة فـي
===
الظهـر وضيافـة فـي المغـرب وفـي آخـر الليـل يخـرج حلويـات وكـل شــيء يفرقــه علــى الفقــراء وهــذا فعــل
السلاطيـن ومـن أيـن أتتــه هــذه السعــادة ألا نســأل عــن هــذه الأطعمــة المختلفــة وعــن هــذه الحلويــات ولا
نراه يشتري شيئاً أبداً ولا يوقد ناراً وليس له مطبخ ولا طباخ.
فقــال أخــوه واللــه لا أدري ولكــن هــل تعــرف مــن يخبرنـــا بحقيقـــة هـــذا الأمـــر قـــال لـــه لا يخبرنـــا إلا أمنـــا
فدبـرا لهـا حيلـة ودخـلا علـى أمهمـا فـي غيـاب أخيهمـا وقـالا يــا أمنــا نحــن جائعــان فقالــت لهمــا أبشــرا
ودخلـت القاعـة وطلبــت مــن خــادم الخــرج وأخرجــت لهمــا أطعمــة سخنــة فقــالا يــا أمنــا هــذا الطعــام
سخــن وأنــت لــم تطبخــي ولــم تنفخــي فقالــت لهمــا إنــه مــن الخــرج فقـــال لهـــا أي شـــيء هـــذا الخـــرج
فقالـت لهمــا إن الخــرج مرصــود والطلــب مــن الرصــد وأخبرتهمــا بالخبــر وقالــت لهمــا اكتمــا الســر فقــالا
لهـا السـر مكتـوم يـا أمنـا ولكــن علمينــا كيفيــة ذلــك فعلمتهمــا وصــارا يمــدان أياديهمــا ويخرجــان الشــيء
الـذي يطلبانـه وأخوهمـا ليـس عنـده خبـر بذلـك فلمـا علمـا بصفـة الخـرج قـال سالـم لسليـم يـا أخــي إلــى
متـى ونحـن عنـد جـودر فـي صفــة الخداميــن ونأكــل صدقتــه ألا نعمــل عليــه حيلــة ونأخــذ هــذا الخــرج
ونفوز به فقال كيف تكون الحيلة قال نبيع أخانا لرئيس بحر السويس.
فقـــال لـــه: وكيـــف نصنـــع حتـــى نبيعـــه فقـــال أروح أنـــا وأنـــت لذلــــك الرئيــــس ونعزمــــه مــــع اثنيــــن مــــن
جماعتــه والــذي أقولــه لجــودر تصدقنــي فيــه وآخــر الليــل أريــك مــا أصنــع ثــم اتفقــا علــى بيــع أخيهمــا
===
وراحـا بيـت رئيـس بحـر السويـس ودخـل سالـم وسليــم وقــالا لــه يــا رئيــس جئنــاك فــي حاجــة تســك
فقـال خيـراً قـالا لـه نحـن أخـوان ولنـا أخ ثالــث معكــوس لا خيــر فيــه ومــات أبونــا وخلــف لنــا جانبــاً مــن
المـال ثـم إننـا قسمنـا المـال وأخـذ هـو مـا نابـه مـن الميـراث فصرفـه فـي الفسـق والفسـاد ولمــا افتقــر تسلــط
علينــا وصــار يشكونــا إلــى الظلمــة ويقــول أنتمــا أخذتمـــا مالـــي ومـــال أبـــي وبقينـــا نتراجـــع إلـــى الحكـــام
وخسرنـا المـال وصبــر علينــا مــدة واشتكانــا ثانيــاً حتــى أفقرنــا ولــم يرجــع عنــا وقــد قلقنــا منــه والمــراد
أنك تشتريه منا.
فقـال هـل تقـدران أن تحتـالا عليـه وتأتيانـي بـه إلـى هنـا وأنــا أرسلــه سريعــاً إلــى البحــر فقــالا مــا نقــدر
أن نجــيء بــه ولكــن أنــت تكــون ضيفنــا وهــات معــك اثنيــن مــن غيــر زيــارة فحيــن ينــام نتعــاون عليـــه
نحـن الخمسـة فتقبضـه ونجعـل فـي فمـه العلقـة وتأخـذه تحـت الليـل وتخــرج بــه مــن البيــت وافعــل معــه مــا
شئــت فقــال لهمــا: سمعــاً وطاعــة أتبيعانــه بأربعيــن دينــاراً فقــالا لــه: نعــم وبعــد العشــاء تأتــوا الحــارة
الفلانيــة فتجــدوا خادمنــا ينتظركــم فقعــد علــى بــاب الزاويــة ليعيــد العشــاء وإذا بهــم قــد أقبلــوا عليــه
فأخذهــم ودخــل بهــم إلــى البيــت فلمــا رآهــم جــودر قــال لهــم مرحبــاً بكـــم وأجلسهـــم وعمـــل معهـــم
صحبـة وهـو لا يعلـم مـا فـي الغيـب منهـم ثـم إنـه طلـب العشـاء مـن أمـه فجعلـت تخـرج مــن الخــرج وهــو
يقـــول هـــات اللـــون الفلانـــي حتـــى صـــار قدامهـــم أربعـــون لونـــاً فأكلـــوا حتـــى اكتفـــوا ورفعـــت السفــــرة
===
والبحريـة يظنـون أن هـذا الإكـرام مـن عنـد سالـم فلمـا مضـى ثلـث الليـل أخـرج لهـم الحلويـات وسالـم هـو
الــذي يخدمهــم وجــودر وسليـــم قاعـــدان إلـــى أن طلبـــوا المنـــام فقـــام جـــودر ونـــام ونامـــوا حتـــى غفـــل
فقامـوا وتعاونـوا عليـه فلـم يفـق إلا والعلقـة فـي فمـه وكتفــوه وحملــوه وخرجــوا بــه مــن القصــر تحــت جنــح
الليل.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودر لمــا أخــذوه وحملــوه وخرجــوا بــه مــن تحـــت القصـــر تحـــت
الليـل أرسلـوه إلـى السويـس وحطـوا فـي رجليـه القيـد وأقـام يخــدم وهــو ساكــت ولــم يــزل يخــدم خدمــة
الأســارى والعبيــد سنــة كاملــة هــذا مــا كــان مــن أمــر جــودر وأمــا مــا كــان مــن أمـــر أخويـــه فإنهمـــا لمـــا
أصبحــا دخــلا علــى أمهمــا وقــالا لهــا يــا أمنــا أخانــا جــودر لــم يستيقــظ فقالــت لهمــا أيقظــاه قـــالا لهـــا
أيـن هـو راقـد قالـت لهمـا عنـد الضيــوف قــالا لعلــه راح مــع الضيــوف ونحــن نائمــان يــا أمــي كــان أخانــا
ذاق الغربــة ورغــب فــي دخــول الكنــوز وقـــد سمعنـــاه يتكلـــم مـــع المغاربـــة فيقولـــون لـــه نأخـــذك معنـــا
ونفتــح لــك الكنــز فقالــت هــل اجتمــع مــع المغاربــة قالــوا لهــا أمــا كانــوا ضيوفــاً عندنـــا قالـــت لعلـــه راح
===
معهـم ولكـن اللـه يرشـد طريقـه هــذا مسعــد لابــد أن يأتــي بخيــر كثيــر وبكــت وعــز عليهــا فراقــه فقــالا
لهــا يــا ملعونــة أتحبيــن جــودراً كــل هــذه المحبــة ونحــن إن غبنــا أو حضرنـــا فـــلا تفرحـــي بنـــا ولا تحزنـــي
علينــا أمــا نحــن ولــداك كمــا أن جــودر ابنــك فقالــت أنتمــا ولــاداي ولكــن أنتمــا شقيــان ولا لكمـــا علـــي
فضــل ومــن يــوم مــات أبوكمــا مــا رأيــت منكمــا خيــراً وأمــا جــودر فقــد رأيــت منــه خيــراً كثيــراً وجبــر
بخاطري وأكرمني فيحق لي أن أبكي عليه لأن خيره علي وعليكما.
فلمــا سمعــا هــذا الكلــام شتماهــا وضرباهــا ودخـــلا وصـــارا يفتشـــان علـــى الخـــرج حتـــى عثـــروا بـــه
وأخـذا الجواهـر مـن العيـن الأولـى والذهـب مـن العيـن الثانيـة والخـرج المرصـود وقــالا لهــا هــذا مــال أبينــا
فقالــت لا واللــه إنمــا هــو مــال أخيكمــا جــودر وجــاء بــه مــن بلــاد المغاربــة فقــالا لهــا كذبـــت بـــل هـــذا
مــال أبينــا نتصــرف فيــه فقسمــاه بينهمــا ووقــع الاختلــاف بينهمــا فــي الخــرج المرصــود فقـــال سالـــم أنـــا
آخـــذه وقـــال سليـــم أنـــا آخـــذه ووقعـــت بينهمـــا المعانـــدة فقالـــت أمهمـــا يــــا ولــــداي الخــــرج الــــذي فيــــه
الجواهــر والذهــب قسمتمــاه وهــذا لا ينقســم ولا يعــادل بمــال وإن انقطــع قطعتيــن بطـــل رصـــده ولكـــن
اتركـاه عنـدي وأنـا أخـرج لكمـا مـا تأكلانـه فـي كـل وقـت وأرضـى بينكمــا باللقمــة وإن كسوتمانــي شيئــاً
مــن فضلكمــا وكــل منكمــا يجعــل لــه معاملــة مــع النــاس وأنتمــا ولــداي وأنــا أمكمـــا وخلونـــا علـــى حالنـــا
فربمـــا يأتـــي أخوكمـــا فيحصـــل لكمـــا منـــه الفضيحـــة فمـــا قبـــلا كلامهـــا وباتــــا يختصمــــان تلــــك الليلــــة
===
فسمعهمـا رجـل قـواس مـن أعــوان الملــك وكــان معزومــاً فــي بيــت بجنــب بيــت جــودر طاقتــه مفتوحــة
فطــل القــواس مــن الطاقــة وسمــع جميـــع الخصـــام ومـــا قالـــوه مـــن الكلـــام والقسمـــة فلمـــا أصبـــح الصبـــاح
دخـل ذلــك الرجــل القــواس علــى الملــك وكــان اسمــه شمــس الدولــة وكــان ملــك مصــر فــي ذلــك العصــر
فلمـا دخـل عليـه القـواس أخبـره بمـا قــد سمعــه فأرســل الملــك إلــى أخــوي جــودر وجــاء بهمــا ورماهمــا
تحـت العـذاب فأقـروا وأخـذوا الخرجيـن منهمـا ووضعهمــا فــي السجــن ثــم إنــه عيــن إلــى أم جــودر مــن
الجرايات في كل يوم ما يكفيها هذا ما كان من أمرهم.
وأمـا مـا كــان مــن أمــر جــودر فإنــه أقــام سنــة كاملــة يخــدم فــي السويــس وبعــد سنــة كانــوا فــي مركــب
فخـرج عليهـم ريـح رمـى المركـب الـذي هـم فيـه علـى جبـل فانكســر وغــرق جميــع مــا فيــه ولــم يحصــل
البــر إلا جــودر والبقيــة ماتــوا فلمــا حصــل البــر سافــر حتــى وصــل إلــى نجــع عــرب فسألــوه عــن حالـــه
فأخبرهـم أنـه كـان بحريـاً بمركـب وحكـى لهـم قصتـه وكـان فـي النجـع رجـل تاجــر مــن أهــل جــدة فحــن
عليـه وقـال لـه تخـدم عندنـا يـا مصـري وأنـا أكسـوك وآخــذك معــي إلــى جــدة فخــدم عنــده وسافــر معــه
إلـى أن وصـلا إلـى جـدة فأكرمـه إكرامـاً كثيـراً ثـم إن سيــده التاجــر طلــب الحــج فأخــذه معــه إلــى مكــة
فلمـــا دخلاهـــا راح جـــودر يطـــوف البيـــت الحـــرام فبينمـــا هـــو يطـــوف وإذا بصاحبــــه المغربــــي عبــــد
الصمد يطوف.
===
وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودر لمــا كــان ماشيــاً فــي الطــواف وإذا هــو بصاحبــه المغربــي
عبــد الصمــد يطــوف فلمــا رآه سلــم عليــه وسألــه عــن حالــه فبكــى ثــم أخبـــره بمـــا جـــرى لـــه فأخـــذه
معــه إلــى أن دخــل منزلــه وأكرمــه وألبســه حلـــة ليـــس لهـــا نظيـــر وقـــال لـــه زال عنـــك الشـــر يـــا جـــودر
وضــرب لــه تخــت رمــل فبــان لــه الــذي جــرى لأخويــه فقــال لــه اعلــم يــا جــودر أن أخويــك جــرى لهمــا
كــذا وكــذا وهمــا محبوســان فــي سجــن ملــك مصــر ولكـــن مرحبـــاً بـــك حتـــى تقضـــي مناسكـــك ولا
يكون إلا خيراً.
فقـال لـه ائــذن لــي يــا سيــدي حتــى أروح آخــذ خاطــر التاجــر الــذي أنــا عنــده واجــيء غليــك فقــال:
هـــل عليـــك مـــال قـــال لا فقـــال رح خـــذ بخاطـــره وتعـــال فـــي الحـــال إن العيـــش لــــه حــــق عنــــد أولــــاد
الحلــال فــراح وأخــذ بخاطــر التاجــر وقــال لــه إنــي اجتمعــت علــى أخــي فقــال لـــه رح هاتـــه فنعمـــل لـــه
ضيافـة فقـال لــه مــا يحتــاج فإنــه مــن أصحــاب النعــم وعنــده خــدم كثيــر فأعطــاه عشريــن دينــاراً وقــال
لـه ابـرئ ذمتـي فودعـه وخـرج مـن عنـده فـرأى رجـلاً فقيـراً فأعطـاه العشريـن دينــاراً ثــم إنــه ذهــب إلــى
عبـد الصمـد المغربـي فأقـام عنــده حتــى قضــى مناســك الحــج وأعطــاه الخاتــم الــذي أخرجــه مــن كنــز
===
الشمـردل وقــال لــه خــذ هــذا الخاتــم أنــه يبلغــك مــرادك لــأن خادمــه اسمــه الرعــد القاصــف فجميــع مــا
تحتـاج إليـه مـن حوائـج الدنيــا فأدعكــه يظهــر لــك الخــادم وجميــع مــا تأمــره بــه يفعلــه لــك ودعكــه قدامــه
فظهـر لـه الخـادم ونــادى لبيــك يــا سيــدي أي شــيء تطلــب فتعطــى فهــل تعمــر مدينــة خربــة أو تخــرب
مدينة عامرة أو تقتل ملكاً أو تكسر عسكراً فقال المغربي يا رعد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والعشرين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الخــادم قــال للمغربــي مــا تطلــب قـــال لـــه: يـــا رعـــد هـــذا صـــار
سيدك فاستـوص بـه ثـم صرفـه وقـال لـه ادعـك الخاتـم فيحضـر بيـن يديـك خادمـه فأمـره بمـا فـي مـرادك
فإنــه لا يخالفــك وامــض إلـــى بلـــادك واحتفـــظ عليـــه فإنـــك تكيـــد بـــه أعـــداءك ولا تجهـــل مقـــدار هـــذا
الخاتــم فقــال لــه يــا سيــدي عــن إذنــك أسيــر إلــى بلــادي قــال لــه ادعــك هــذا الخاتــم يظهــر لــك الخــادم
فاركـب علـى ظهـره وإن قلـت لـه أوصلنـي فـي هـذا اليـوم إلـى بلـادي فـلا يخالـف أمــرك ثــم ودع جــودر
عبـد الصمـد ودعـك الخاتـم فحضـر لـه الرعـد القاصـف وقـال لـه لبيـك اطلـب تعطـى فقـال لـه أوصلنـي
إلـى مصـر فـي هـذا اليـوم فقـال لـه لـك ذلـك وحملـه وطـار بـه مـن وقـت الظهـر إلــى نصــف الليــل ثــم نــزل
===
فـي بيـت أمـه وانصـرف فدخـل علـى أمـه فلمـا رأتـه قامــت وبكــت وسلمــت عليــه وأخبرتــه بمــا جــرى
لأخويـه مـن الملـك وكيـف ضربهمـا وأخـذا الخـرج المرصـود والخــرج الذهــب والجواهــر فلمــا سمــع جــودر
ذلـك لـم يهـن عليـه أخـواه فقــال لأمــه لا تحزنــي علــى ذلــك ففــي هــذه الساعــة أريــك مــا أصنــع وأجــيء
بأخـواي ثـم إنـه دعـك الخاتـم فحضـر لــه الخــادم وقــال: لبيــك اطلــب تعطــى فقــال لــه أمرتــك أن تجــيء
بأخـواي مـن سجـن الملــك فنــزل إلــى الــأرض ولــم يخــرج إلا مــن وســط السجــن وصــارا يتمنيــان المــوت
وأحدهمــا يقــول للآخــر واللــه يــا أخــي قــد طالــت علينــا المشقــة وإلــى متــى ونحـــن فـــي هـــذا السجـــن
فالموت فيه راحة لنا.
فبيمنـا همــا كذلــك وإذا بالــأرض قــد انشقــت وخــرج لهمــا الرعــد القاصــف وحمــل الاثنيــن ونــزل بهمــا
في الـأرض فغشـي عليهـا مـن شـدة الخـوف فلمـا أفاقـا وجـدا أنفسهمـا فـي بيتهمـا ورأيـا أخاهمـا جـودر
جالســاً وأمــه فــي جانبــه فقــال لهمـــا سلامـــات يـــا أخـــواي أنسيتمانـــي فطأطـــأا وجهيهمـــا فـــي الـــأرض
وصــارا يبكيــان فقــال لهمــا لا تبكيــان فالشيطــان والطمــع ألجأكمــا إلــى ذلــك وكيـــف تبيعانـــي ولكنـــي
أتسلى بيوسف فإنه فعل به اخوته أبلغ من فعلكما معي حيث رموه في الجب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودر قــال لأخويــه كيــف فعلتمــا معــي هـــذا الأمـــر ولكـــن توبـــا
إلـى اللـه واستغفـراه فيغفـر لكمــا الغفــور الرحيــم وقــد عفــوت عنكمــا ومرحبــاً بكمــا ولا بــأس عليكمــا
وجعــل يأخــذ بخاطرهمــا حتــى طيــب قلوبهمــا وصــار يحكــي لهمــا جميـــع مـــا قاســـاه ومـــا حصـــل لـــه
إلــى أن اجتمــع بالشيــخ عبــد الصمــد وأخبرهمــا بالخاتــم فقــالا يــا أخانــا لا تؤاخذنــا فــي هــذه المــرة إن
عدنـا لمـا كنـا فيــه فافعــل بنــا مــرادك فقــال لا بــأس عليكمــا ولكــن أخبرانــي بمــا فعــل بكمــا الملــك فقــالا
ضربنــا وأخــذ الخرجيــن منــا فقــال مــا أبالــي بذلــك ودعــك الخاتــم فحضــر لــه الخـــادم فلمـــا رآه أخـــواه
خافـا منـه وظنـا أنـه يأمـر الخـادم بقتلهمـا فذهبـا إلـى أمهمـا وصــارا يقولــان يــا أمنــا نحــن فــي عرضــك يــا
أمنـا اشفعـي فينـا فقالـت لهمـا يـا ولـداي لا تخافـا ثــم إنــه قــال للخــادم أمرتــك أن تأتينــي بجميــع مــا فــي
خزانــة الملــك مــن الجواهــر وغيرهـــا ولا تبقـــي فيهـــا شيئـــاً وتأتـــي بالخـــرج المرصـــود والخـــرج والجواهـــر
الذيــن أخذهمــا مــن أخــواي فقـــال السمـــع والطاعـــة وذهـــب فـــي الحـــال وجمـــع مـــا فـــي الخزانـــة وجـــاء
بالخرجيــن وأمانتهمــا ووضــع جميــع مــا كــان فــي الخزانــة قــدام جــودر وقــال يــا سيـــدي مـــا بقيـــت فـــي
الخزانــة شيئــاً فأمــر أمــه أن تحفــظ خــرج الجواهــر وحــط الخــرج المرصــود قدامــه وقـــال للخـــادم أمرتـــك
أن تبنـي لـي فـي هـذه الليلـة قصـراً عاليـاً وتزوقــه بمــاء الذهــب وتفرشــه فرشــاً فاخــراً ولا يطلــع النهــار
إلا وأنـت خالــص مــن جميعــه فقــال لــه لــك ذلــك ونــزل فــي الــأرض وبعــد ذلــك أخــرج جــودر الأطعمــة
===
وأمـــا مـــا كـــان مـــن أمـــر الخـــادم فإنـــه جمـــع أعوانـــه وأمرهـــم ببنـــاء القصـــر فصـــار البعـــض منهــــم يقطــــع
الحجــارة والبعــض يبنــي والبعــض يبيــض والبعــض ينقــش والبعـــض يفـــرش فلمـــا طلـــع النهـــار حتـــى تـــم
انتظـام القصـر ثـم طلـع الخـادم إلـى جـودر وقـال: يـا سيـدي إن القصـر كمـل وتـم نظامــه فــإن كنــت تطلــع
تتفــرج عليــه فاطلــع فطلــع هــو وأمــه وأخــواه فــرأوا أن القصــر ليـــس لـــه نظيـــر يحيـــر العقـــول مـــن حســـن
نظافـة ففـرح بـه جـودر وكــان علــى قارعــة الطريــق ومــع ذلــك لــم يتكلــف عليــه شــيء فقــال لأمــه هــل
تسكنيـن فـي هـذا القصـر فقالـت يـا ولــدي أسكــن ودعــت لــه فدعــك الخاتــم وإذا بالخــادم يقــول لبيــك
فقـال أمرتـك أن تأتينـي بأربعيـن جاريـة بيضــاً ملاحــاً وأربعيــن جاريــة ســوداً وأربعيــن مملوكــاً وأربعيــن
عبــداً فقــال لــك ذلــك وذهــب مـــع أربعيـــن مـــن أعوانـــه إلـــى بلـــاد الهنـــد والسنـــد وصـــاروا كلمـــا رأوا
بنتـاً جميلـة يخطفونهـا أو غلامـاً يخطفونـه ونفـذ أربعيـن عونـاً آخـر فجـاءوا بجــوار ســود ظــراف وأربعيــن
جاءوا بعبيد وأتى الجميع دار جودر فملؤوها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن الأعــوان جــاءوا بالجــواري والعبيــد ودخلــوا علــى جــودر فقــال يــا
===
رعــد هــات لكــل شخــص حلــة مــن أفخــر الملبــوس قــال حاضــر وقــال هــات حلــة تلبسهــا أمــي وحلـــة
ألبسهـــا أنـــا فأتـــى بالجميـــع وألبـــس الجـــواري وقـــال لهــــم هــــذه سيدتكــــم فقبلــــوا يدهــــا ولا تخالفوهــــا
واخدموهـا بيضـاً وســوداً وألبــس المماليــك وقبلــوا يــد جــودر وألبــس أخويــه وصــار جــودر كنايــة عــن
ملـك وأخـواه مثـل الـوزراء وكـان بيتـه واسعـاً فأسكـن سالــم وجاريــة فــي جهــة وسكــن هــو وأمــه فــي
القصر الجديد وصار كل منهم في محله مثل السلطان هذا ما كان من أمرهم.
وأمــا مــا كــان مــن خازنــدار الملــك فإنــه أراد أن يأخــذ بعــض مصالــح مــن الخزانــة فدخــل فلــم يـــر فيهـــا
شيئاً بل وجدها كقول من قال:
كانت خاليات نحل وهي عامرة لما خلا نحلها صارت خاليات
فصــاح صيحــة عظيمــة ووقــع مغشيــاً عليــه فلمــا أفــاق خــرج مــن الخزانــة وتــرك بابهــا مفتوحـــاً ودخـــل
علـى الملـك شمـس الدولـة وقـال يـا أميـر المؤمنيـن الـذي نعلمـك بـه أن الخزانـة قـد فرغـت فــي هــذه الليلــة
فقـال لـه مـا صنعـت بأموالـي التـي فـي خزانتـي فقـال واللـه مـا صنعــت فيهــا شيئــاً ولا أدري مــا سبــب
فراغهـــا بالأمـــس دخلتهـــا فرأيتهـــا ممتلئـــة واليـــوم دخلتهـــا فرأيتهـــا فارغـــة ليـــس فيهـــا شــــيء والأبــــواب
مغلوقـة ولا ثقبـت ولا كسـر جنبهـا ولـم يدخلهــا ســارق فقــال هــل راح منهــا الخرجــان فقــال نعــم فطــار
عقله من رأسه.
===
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن خازنــدار الملــك لمــا دخــل عليــه وأعلمــه أن مــا فــي الخزانــة ضــاع
وكذلــك الخرجــان طــار عقلــه مــن رأســه إلا والقــواس الـــذي بلغـــه سابقـــاً علـــى سليـــم وسالـــم داخـــل
علــى الملــك وقــال يــا ملــك الزمــان طــول الليــل وأنــا أتفـــرج علـــى بنائيـــن يبنـــون فلمـــا طلـــع عنهـــا النهـــار
رأيـت قصـراً مبنيـاً ليـس لـه نظيـر فسألـت لمـن هـذا القصـر فقيـل لـي إن جــودر أتــى وبنــى هــذا القصــر
وعنــده مماليــك وعبيــد وجــاء بأمــوال كثيــرة وخلــص أخويــه مــن السجــن وهــو فــي داره كأنـــه السلطـــان
فقـال الملـك انظـروا السجـن فنظـروه فلـم يـروا سالـم وسليـم فرجعـوا وأعلمــوه بمــا جــرى فقــال الملــك بأنــه
غريمـي فالـذي خلـص سالـم وسليـم مـن السجـن هـو الــذي أخــذ مالــي فقــال الوزيــر يــا سيــدي مــن هــو
قــال أخوكــم جــودر وأخــذ الخرجيــن ولكــن يــا وزيــر أرســل لهــم أميـــر بخمسيـــن رجـــلاً يقبضـــوا عليـــه
وعلــى أخويــه ويضعــون الختــم علــى مالــه ويأتــون بهــم حتــى أشنقهــم جميعــاً وغضــب غضبــاً شديـــداً
وقـال هيـا بالعجـل ابعـث لهـم أميـر يأتينـي بهـم لأقتلهـم فقـال الوزيـر احلـم فـإن اللـه حليـم لا يعجــل علــى
عبـده إذا عصـاه فـإن الـذي يبنـي قصـراً فـي ليلـة واحـدة كمـا قالـوا لـن يقـضِ عليـه أحـد فـي الدنيـا وإنــي
أخـاف علـى الملـك أن يجـري لـه مشقـة مـن جــودر فاصبــر حتــى أدبــر لــك تدبيــراً وتنظــر حقيقــة الأمــر
===
والـذي فـي مـرادك أنـت لاحقـه يـا ملـك الزمــان فقــال الملــك دبــر لــي تدبيــراً يــا وزيــر قــال لــه: أرســل لــه
أميــراً واعزمــه ثــم تظهــر لــه الــود واسألــه عـــن حالـــه وبعـــد ذلـــك ننظـــر إن كـــان عزمـــه شديـــداً نحتـــال
عليــه وإن كــان عزمــه ضعيفــاً فاقبــض عليــه وافعــل بــه مــرادك فقــال الملـــك أرســـل اعزمـــه فأمـــر أميـــراً
اسمــه الأميــر عثمــان أن يــروح إلــى جــودر ويعزمــه ويقــول لــه الملــك يدعــوك للضيافــة وقـــال لـــه الملـــك لا
تجــيء إلا بــه وكــان ذلــك الأميــر أحمــق متكبــراً فــي نفســه فلمــا نــزل رأى قـــدام بـــاب القصـــر طواشيـــاً
جالسـاً علـى كرسـي فـي بـاب القصـر فلمـا وصــل الأميــر عثمــان إلــى القصــر لــم يقــم لــه وكــأن لــم يكــن
مقبلاً عليه أحد ومع ذلك كان مع الأمير عثمان خمسون رجلاً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثلاثين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الطواشـي لمـا رأى الأميـر عثمـان لـم يعتـن بــه وكــأن لــم يكــن مقبــلاً
عليــه أحــد وكــان مــع الأميــر عثمــان خمســـون رجـــلاً وقـــال: يـــا عبـــد أيـــن سيـــدك قـــال: فـــي القصـــر
وصـار يكلمـه وهـو متكـئ فغضـب الأميــر عثمــان وقــال لــه: يــا عبــد النحــس أمــا تستحــي منــي وأنــا
أكلمـــك وأنـــت مضطجـــع مثـــل العلـــوق فقـــال لـــه: امـــش لا تكــــن كثيــــر الكلــــام فلمــــا سمــــع منــــه هــــذا
===
الكلــام حتــى امتــزج بالغضــب وسحــب الدبــوس وأراد أن يضـــرب الطواشـــي ولـــم يعلـــم أنـــه شيطـــان
فلمـــا رآه سحـــب الدبـــوس قـــام واندفـــع عليـــه وأخـــذ منـــه الدبـــوس وضربـــه أربـــع ضربـــات فلمــــا رآه
الخمســون رجــلاً صعــب عليهـــم ضـــرب سيدهـــم فسحبـــوا السيـــوف وأرادوا أن يقتلـــوا العبـــد فقـــال
لهـم: أتسحبـون السيـوف يـا كلـاب وقـام عليهـم وصـار كـل مـن لطشــه دبوســاً يهشمــه ويغرقــه فــي الــدم
فانهزمـوا قدامـه ومـا زالـوا هاربيـن وهـو يضربهـم إلــى أن بعــدوا عــن بــاب القصــر ورجــع وجلــس علــى
كرسيه ولم يبال بأحد.
وأمــا مــا كــان مــن أمــر الأميــر عثمــان وجماعتــه فإنهــم رجعــوا مهزوميــن مضروبيــن إلــى أن وقفــوا قـــدام
الملـك شمـس الدولـة وأخبـره بمـا جـرى لهـم وقــال الأميــر عثمــان: يــا ملــك الزمــان لمــا وصلــت إلــى بــاب
القصـر رأيــت طواشيــاً جالســاً علــى البــاب علــى كرســي مــن الذهــب وهــو متكبــر فلمــا رآنــي مقبــلاً
عليـه اضطجـع بعــد أن كــان جالســاً واحتقرنــي ولــم يقــم لــي فصــرت أكلمــه فيجيبنــي وهــو مضطجــع
فأخذتنـي الحـدة وسحبـت الدبــوس وأردت ضربــه فأخــذ الدبــوس منــي وضربنــي وضــرب جماعتــي
وبطحهـم فهربنـا قدامـه ولـم نقـدر عليـه فحصــل للملــك غيــظ وقــال: ينــزل إليــه مائــة رجــل فنزلــوا إليــه
وأقبلـوا عليـه فقــام لهــم بالدبــوس ومــا زال يضــرب فيهــم حتــى هربــوا مــن قدامــه فرجــع وجلــس علــى
الكرســي فرجــع المائــة رجــل ولمــا وصلــوا إلــى الملــك وأخبــروه وقالـــوا لـــه: يـــا ملـــك الزمـــان هربنـــا مـــن
===
قدامـه خوفــاً منــه فقــال الملــك: تنــزل مائتــان فنزلــوا فكسرهــم ثــم رجعــوا فقــال الملــك للوزيــر: ألزمتــك
أيهــا الوزيــر أن تنــزل بخمسمائــة رجــل وتأتينــي بهــذا الطواشــي سريعــاً وتأتـــي بسيـــده جـــودر وأخويـــه
فقــال: يــا ملــك الزمــان لا أحتــاج لعسكــر بــل أروح إليــه وحــدي مــن غيــر سلــاح فقــال لـــه: رح وافعـــل
الـذي تـراه مناسبـاً فرمـى الوزيــر السلــاح ولبــس حلــة بيضــاء وأخ فــي يــده مسبحــة ومشــى وحــده مــن
غيــر تــأن حتــى وصــل إلــى قصــر جــودر فــرأى العبـــد جالســـاً فلمـــا رآه أقبـــل عليـــه مـــن غيـــر سلـــاح
وجلــس جنبــه بــأدب ثــم قــال: السلــام عليكــم فقــال: وعليكــم السلــام يــا انســي مــا تريــده فلمــا سمعــه
يقــول يــا انســي مــا تريــده علــم أنــه مــن الجـــن فارتعـــش مـــن خوفـــه وقـــال لـــه: يـــا سيـــدي هـــل سيـــدك
جــودر هنــا قــال: نعــم فــي القصــر فقــال لــه: يــا سيــدي اذهــب إليــه وقــل لــه إن الملــك شمـــس الدولـــة
يدعوك وعامل لك ضيافة ويقرؤك السلام ويقول لك شرف منزله واحضر ضيافته.
فقـال لـه: قــف أنــت هنــا حتــى أشــاوره فوقــف الوزيــر متأدبــاً وطلــع المــارد مــن القصــر وقــال لجــودر:
اعلـم يـا سيـدي أن الملــك أرســل إليــك أميــراً فضربتــه وكــان معــه خمســون رجــلاً فهزمتهــم ثــم أرســل
مائـــة رجـــل فضربتهـــم ثـــم أرســـل مائتـــي رجـــل فهزمتهـــم ثـــم أرســـل إليـــك الوزيــــر مــــن غيــــر سلــــاح
يدعــوك إليــه لتأكــل مــن ضيافتــه فمـــاذا تقـــول فقـــال لـــه: رح هـــات الوزيـــر إلـــى هنـــا فنـــزل مـــن القصـــر
وقـال لـه: يـا وزيـر كلـم سيـدي فقـال علـى الـرأس ثـم إنـه طلـع ودخـل علـى جـودر فـرآه أعظــم مــن الملــك
===
جالسـاً علـى فـراش لا يقـدر الملــك أن يفــرش مثلــه فتحيــر فكــره مــن حســن القصــر ومــن نقشــه وفرشــه
حتــى كــان الوزيــر بالنسبــة غليــه فقيــر فقبــل الــأرض ودعــا لــه فقــال لــه: مــا شأنــك أيهــا الوزيــر فقـــال:
يــا سيــدي إن الملــك شمــس الدولــة حبيبـــك يقـــرؤك السلـــام ومشتـــاق إلـــى النظـــر لوجهـــك وقـــد عمـــل
لــك ضيافــة تجبــر خاطــره فقــال جــودر حيــث كــان حبيــب فسلــم عليـــه وقـــل لـــه يجـــيء هـــو عنـــدي
فقــال لــه: علــى الــرأس ثــم أخــرج الخاتــم ودعكــه فحضــر الخــادم فقــال لــه: هــات لــي حلــة مــن خيـــار
الملبــوس فاحضــر لــه حلــة فقــال: البــس هــذه يــا وزيــر فلبسهــا ثــم قـــال لـــه: رح أعلـــم الملـــك بمـــا قلتـــه
فنـزل لابسـاً تلـك الحلـة التـي لـم يلبـس مثلهـا ثـم دخــل علــى الملــك وأخبــره بحــال جــودر وشكــل القصــر
ومــا فيــه وقــال إن جــودراً عزمــك فقــال: قومــوا يـــا عسكـــر فقامـــوا كلهـــم علـــى الأقـــدام وقـــال اركبـــوا
خيلكــم وهاتــوا جــوادي حتــى نــروح إلــى جــودر ثـــم إن الملـــك ركـــب وأخـــذ العساكـــر وتوجهـــوا إلـــى
بيــت جــودر وأمــا جـــودر فإنـــه قـــال للمـــارد: مـــرادي أن تأتـــي لنـــا مـــن أعوانـــك عفاريـــت فـــي صفـــة
الإنـس يكونـوا عسكـراً ويقفـون فـي ساحـة البيـت حتـى يراهـم الملــك فيرعبونــه ويفزعونــه فيرتجــف قلبــه
ويعلــم أن سطوتــي أعظــم مــن سطوتــه فأحضــر مائتيــن فـــي صفـــة عسكـــر متقلديـــن بالسلـــاح الفاخـــر
وهــم شــداد غلــاظ فلمــا وصـــل الملـــك رأى القـــوم الشـــداد الغلـــاظ فخـــاف قلبـــه منهـــم ثـــم إنـــه طلـــع
القصـر ودخـل علـى جــودر فــرآه جالســاً جلســة لــم يجلسهــا ملــك ولا سلطــان فسلــم عليــه وتمنــى بيــن
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد الستمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جــودراً لمــا دخــل عليــه الملــك لــم يقــم لــه ولــم يعتبــره ولــم يقــل لــه
اجلــس بــل تركــه واقفــاً حتــى داخلــه الخــوف فصـــار لا يقـــدر أن يجلـــس ولا يخـــرج وصـــار يقـــول فـــي
نفسـه لـو كــان خائفــاً منــي مــا كــان تركنــي عــن ابلــه وربمــا يؤذينــي بسبــب مــا فعلــت مــع أخويــه ثــم إن
جـودراً قــال: يــا ملــك الزمــان ليــس شيئــاً مثلكــم أن يظلــم النــاس ويأخــذ أموالهــم فقــال: يــا سيــدي لا
تؤاخذنـي فـإن الطعـم أحوجنـي إلــى ذلــك ونفــذ القضــاء ولــولا الذنــب مــا كانــت المغفــرة وصــار يعتــذر
إليه على ما سلف منه ويطلب منه العفو والسماح حتى من جملة الاعتذار أنشد هذا الشعر:
يا أصيل الجدود سمح السجايا لا تلمنــي فيمــا حصـــل منـــي
إن تكــن ظالمــاً فعنــك عفونــا وإن أكــن ظالمــاً فعفــوك عنــي
ومـا زال يتواضــع بيــن يديــه حتــى قــال لــه: عفــا اللــه عنــك وأمــره بالجلــوس فجلــس وخلــع عليــه ثيــاب
الأمــان وأمــر أخويــه بمــد السمــاط وبعــد أن أكلــوا كســى جماعــة الملــك وأكرمهــم وبعــد ذلــك أمــر الملــك
بالمسيــر فخــرج مــن بيــت جــودر وصــار كــل يــوم يأتــي إلــى بيــت جــودر ولا ينصـــب الديـــوان إلا فـــي
===
بيــت جــودر وزادت بينهمــا العشــرة والمحبــة ثــم إنهــم قامــوا علـــى هـــذه الحالـــة مـــدة وبعـــد ذلـــك خـــلا
بوزيـره وقـال لـه يـا وزيـر أنـا خائــف أن يقتلنــي جــودر ويأخــذ الملــك منــي فقــال لــه: يــا ملــك الزمــان أمــا
مـن قضيـة أخـذ الملـك فـلا تخـف فـإن حالـة جـودر التـي هـو فيهــا أعظــم مــن حالــة الملــك وأخــذ الملــك
حطـه فـي قـدره فـإن كنـت خائفـاً أن يقتلـك فـإن لــك بنتــاً فزوجهــا لــه وتصيــر أنــت وإيــاه حالــة واحــدة
فقال لـه: يـا وزيـر أنـت تكـون واسطـة بينـي وبينـه فقـال لـه: اعزمـه عنـدك ثـم إننـا نسهـر فـي قاعـة وأمـر
بنتـك أن تتزيـن بأفخـر الثيـاب وتمـر عليـه مـن بـاب القاعـة فإنـه متـى رآهـا عشقهـا فـإذا فهمنـا منــه ذلــك
فأنــا أميــل عليــه وأخبــره أنهــا ابنتــك وأدخــل وأخــرج معــه فــي الكلــام بحيــث انــه لــم يكــن عنــدك خبـــر
بشـيء مـن ذلـك حتـى يخطبهـا منـك ومتـى زوجتـه البنـت صــرت أنــت وإيــاه شيئــاً واحــداً وتأمــن منــه
وإن مات ترث منه الكثير.
فقـال لـه: صدقـت يـا وزيـر وعمـل الضيافـة وعزمـه فجـاء إلـى سرايـا السلطـان وقعـدوا فــي القاعــة فــي
أنــس زائــد إلــى آخــر النهــار وكــان الملــك أرســل إلــى زوجتـــه أن تزيـــن البنـــت بأفخـــر زينـــة وتمـــر بهـــا
علـــى بـــاب القاعـــة فعملـــت كمـــا قـــال ومـــرت بالبنــــت فنظرهــــا جــــودر وكانــــت ذات حســــن وجمــــال
وليـــس لهـــا نظيـــر فلمـــا حقـــق جـــودر النظـــر فيهـــا قـــال: آه وتفكفكـــت أعضـــاؤه واشتـــد بــــه العشــــق
والغــرام وأخــذه الوجــد والهيــام واصفــر لونــه فقــال لــه الوزيــر: لا بـــأس عليـــك يـــا سيـــدي مـــا لـــي أراك
===
متغيــراً متواجعــاً فقــال: يــا وزيــر هــذه البنـــت بنـــت مـــن فإنهـــا سلبتنـــي وأخـــذت عقلـــي فقـــال: هـــذه
بنــت حبيبــك الملــك فــإن كانــت أعجبتــك أنــا أتكلــم مــع الملــك يزوجــك إياهــا. فقــال: يـــا وزيـــر كلمـــه
وأنـا وحياتــي أعطيــك مــا تطلــب وأعطــي الملــك مــا يطلبــه فــي مهرهــا ونصيــر أحبابــاً وأصهــاراً فقــال
لــه الوزيــر: لابــد مــن حصــول غرضــك ثــم إن الوزيــر حــدث الملــك ســراً وقــال لــه: يـــا ملـــك الزمـــان إن
جـودراً حبيبـك يريـد القـرب منـك وقـد توسـل بـي إليــك أن تزوجــه ابنتــك السيــدة آسيــة فــلا تخيبنــي
واقبــل سياقــي مهمــا تطلبــه فــي مهرهــا يدفعــه فقــال الملـــك: المهـــر قـــد وصلنـــي والبنـــت جاريـــة فـــي
خدمته وأنا أزوجه إياها وله الفضل في القبول.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك شمــس الدولـــة لمـــا قـــال لـــه وزيـــره إن جـــودر يريـــد القـــرب
منـه بتزويجـه ابنتـك قـال لـه المهـر قـد وصلنـي والبنـت جاريـة فـي خدمتـه ولـه الفضـل فـي القبــول وباتــوا
تلـك الليلـة ثـم أصبــح الملــك نصــب ديوانــاً وأحضــر فيــه الخــاص والعــام وحضــر شيــخ الإسلــام وجــودر
خطــب البنــت وقــال: المهــر قــد وصــل وكتبـــوا الكتـــاب فأرســـل جـــودر لإحضـــار الخـــرج الـــذي فيـــه
===
الجواهــر وأعطــاه للملــك فــي مهــر ابنتــه ودقــت الطبــول وغنــت الزمــور وانتظمــت عقــود الفــرح ودخـــل
علــى البنــت وصــار هـــو والملـــك شيئـــاً واحـــداً وأقامـــا مـــع بعضهمـــا مـــدة مـــن الأيـــام ثـــم مـــات الملـــك
فصـارت العساكـر تطلـب جـودراً للسلطنــة ولــم يزالــوا يرغبونــه وهــو يمتنــع منهــم حتــى رضــي فجعلــوه
سلطانـــاً فأمـــر ببنـــاء جامـــع علـــى قبـــر الملـــك شمـــس الدولـــة ورتــــب لــــه الأوقــــاف وهــــو فــــي خــــط
البندقيين وكان بيت جودر في حارة اليمانية.
فلمـا تسلطـن بنـى أبنيـة وجامعـاً وقــد سميــت الحــارة باسمــه وصــار اسمهــا الجودريــة وأقــام ملكــاً مــدة
وجعـل أخويـه وزيريـن فقـال سالمـاً لسليـم: يـا أخــي إلــى متــى هــذا الحــال فهــل نقضــي عمرنــا كلــه ونحــن
خادمـــان لجـــودر ولا نفـــرح بسيـــادة ولا سعـــادة مـــادام جـــودر حيـــاً قـــال: وكيـــف نصنـــع حتــــى نقتلــــه
ونأخـذ منـه الخاتـم والخـرج فقـال سليـم لسالـم: أنـت أعـرف منـي فدبـر لنـا حيلــة لعلنــا نقتلــه بهــا فقــال:
إذا دبــرت لــك حيلــة علــى قتلــه هــل ترضــى أن أكــون سلطانــاً وأنــت وزيــر ميمنــة ويكـــون الخاتـــم لـــي
والخــرج لــك قــال: رضيــت فاتفقــا علــى قتــل جــودر مــن شــأن حـــب الدنيـــا والرياســـة ثـــم إن سليمـــاً
وسالمــاً دبــرا حيلــة لجــودر وقــالا لــه: يــا أخانــا يجــب أن نفتخـــر بـــك فتدخـــل بيوتنـــا وتأكـــل ضيافتنـــا
وتجبـر خاطرنــا فصــارا يخادعانــه ويقــولا لــه اجبــر خاطرنــا وكــل ضيافتنــا فقــال لا بــأس فالضيافــة فــي
بيــت مــن منكــم قــال سالـــم: فـــي بيتـــي وبعدمـــا تأكـــل ضيافتـــي تأكـــل ضيافـــة أخـــي قـــال: لا بـــأس
===
وذهــب مــع سليــم إلــى بيتــه فوضــع لــه الضيافــة وحــط فيهــا الســم فلمــا أكــل تفتــت لحمــه مــع عظمـــه
فقـام سالـم ليأخـذ الخاتـم مـن إصبعـه فعصـى منـه فقطـع إصبعـه بالسكيـن ثـم إنـه دعـك الخاتـم فحضــر
لـه المـارد وقـال: لبيـك فاطلـب مـا تريـد فقـال لـه: أمسـك أخـي واقتلــه واحمــل الاثنيــن المسمــوم والمقتــول
وارمهمـا قـدام العسكـر فأخـذ سليمـاً وقتلـه وحمــل الاثنيــن وخــرج بهمــا ورماهمــا قــدام أكابــر العسكــر
وكانـوا جالسيـن علـى السفــرة فــي مقعــد البيــت يأكلــون. فلمــا نظــروا جــودراً وسليمــاً مقتوليــن والوزيــر
هـذه الفعـال فقـال لهـم: أخوهـم سالـم وإذا بسالـم أقبــل عليهــم وقــال: يــا عسكــر كلــوا وابنسطــوا فإنــي
ملكـت الخاتـم مـن أخـي جـودر وهـذا المـارد خـادم الخاتـم قدامكـم وأمرتــه بقتــل أخــي سليــم حتــى لا
ينازعنـي فـي الملـك لأنـه خائـن وأنـا أخــاف أن يخوننــي وهــذا جــودر صــار مقتــولاً وأنــا بقيــت سلطانــاً
عليكم هل ترضون بي وإلا أدعك الخاتم فيقتلكم خادمه كباراً وصغاراً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن سالمــاً لمــا قــال للعسكــر: هــل ترضــون بــي عليكـــم سلطانـــاً وإلا
أدعــك الخاتــم فيقتلكــم خادمــه كبــاراً وصغــاراً وذهــب نــاس فــي تلـــك الجنـــازة ونـــاس مشـــوا قدامـــه
===
بالموكــب ولمــا وصلــوا إلــى الديــوان جلــس علــى الكرســي وبايعــوه علــى الملــك وبعــد ذلــك قــال: أريـــد
أن أكتـب كتابـي علـى زوجـة أخـي فقالـوا: حتــى تنقضــي العــدة فقــال: أنــا لا أعــرف عــدة ولا غيرهــا
وحيــاة رأســي لابــد أن أدخــل عليهــا هــذه الليلــة فكتبــوا لــه الكتــاب وأرسلــوا أعلمــوا زوجـــة جـــودر
بنـــت الملـــك شمـــس الدولـــة فقالـــت: دعـــوه ليدخــــل فلمــــا دخــــل عليهــــا أظهــــرت لــــه الفــــرح وأخذتــــه
بالترحيـب وحطـت لـه السـم فـي المــاء فأهلكتــه ثــم إنهــا أخــذت الخاتــم وكسرتــه حتــى لا يملكــه أحــد
وشقــت الخــرج ثــم أرسلــت أخبــرت شيــخ الإسلــام وأرسلــت تقــول لهــم: اختــاروا لكــم ملكــاً يكـــون
عليكم سلطاناً وهذا ما انتهى إلينا من حكاية جودر بالتمام والكمال.
===
حكاية هند بنت النعمان
وحكــــي أيضــــاً أن هنــــد بنــــت النعمــــان كانــــت أحســــن نســــاء زمانهـــــا فوصـــــف للحجـــــاج حسنهـــــا
وجمالهـا فخطبهـا وبـذل لهـا مـالاً كثيـراً وتـزوج بهـا وشـرط لهـا عليــه بعــد الصــداق مائتــي ألــف درهــم
فلمـا دخـل بهـا مكـث معهـا مـدة طويلـة ثـم دخـل عليهــا فــي بعــض الأيــام وهــي تنظــر وجههــا فــي المــرآة
وتقول:
ومـــا هنــــد إلا مهــــرة عربيــــة سلالـــة أفـــراس تحللهــــا بغــــل
فـإن ولـدت فحـلاً فللـه درهـا وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل
فلمـا سمـع الحجـاج ذلـك انصـرف راجعـاً ولـم يدخـل عليهـا ولـم تكـن علمـت بـه فـأراد الحجــاج طلاقهــا
فبعـث إليهـا عبـد اللـه بـن طاهـر يطلقهـا فدخـل عبـد اللـه بـن طاهـر عليهـا فقـال لهــا: يقــول لــك الحجــاج
أبـو محمـد كـان تأخـر لـك عليـه مـن الصـداق مائتـي ألـف درهـم وهـي هـذه حضـرت معـي ووكلنــي فــي
الطلــاق فقالــت: اعلــم يــا ابــن طاهــر أننــا كنــا معــه واللــه مــا فرحــت بــه يومــاً قــط وإن تفرقنـــا واللـــه لا
أنـدم عليـه أبـداً وهـذه المائتـا ألـف درهـم لـك بشـارة خلاصـي مـن كلـب ثقيـف ثـم بعــد ذلــك بلــغ أميــر
المؤمنيــن عبـــد الملـــك بـــن مـــروان خبرهـــا ووصـــف لـــه حسنهـــا وجمالهـــا وقدهـــا واعتدالهـــا وعذوبـــة
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن أميـــر المؤمنيـــن عبـــد الملـــك بـــن مـــروان لمـــا بلغـــه حســـن الجاريـــة
وجمالهـا أرسـل إليهـا يخطبهـا فأرسلـت إليـه كتابـاً تقــول فيــه: بعــد الثنــاء علــى اللــه والصلــاة علــى نبيــه
محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم أمـا بعـد فاعلـم يـا أميـر المؤمنيـن أن الكلـب ولـغ فـي الإنـاء فلمـا قـرأ كتابهــا
أميــر المؤمنيــن ضحــك مــن قولهــا وكتــب لهــا قولــه صلــى اللــه عليــه وسلــم: إذا ولـــغ الكلـــب فـــي إنـــاء
أحدكــم فليغسلــه سبعــاً إحداهــن بالتــراب وقـــال: اغسلـــي القـــذى عـــن محـــل الاستعمـــال فلمـــا قـــرأت
كتـاب أميـر المؤمنيـن لـم يمكنهـا المخالفـة وكتبـت إليـه تقـول: بعـد الثنـاء علـى اللـه تعالـى يـا أميــر المؤمنيــن
إني لا أجـري العقـد إلا بشـرط فـإن قلـت مـا الشـرط أقـول أن يقـود الحجـاج محملـي إلـى بلـدك التـي أنـت
فيها ويكون حافياً بملبوسه.
فلمـا قـرأ عبـد الملـك الكتــاب ضحــك ضحكــاً عاليــاً شديــداً وأرســل إلــى الحجــاج يأمــره بذلــك فلمــا
قـرأ الحجـاج رسالـة أميـر المؤمنيـن أجـاب ولـم يخالـف وامتثـل الأمـر ثـم أرسـل الحجـاج إلـى هنـد يأمرهـا
بالتجهيز فتجهزت فـي محمـل وجـاء الحجـاج فـي موكبـه حتـى وصـل إلـى بـاب هنـد فلمـا ركبـت المحمـل
===
وركــب حولهــا جواريهــا وخدمهــا ترجــل الحجــاج وهــو حــاف وأخـــذ بزمـــام البعيـــر يقـــوده وســـار بهـــا
فصـارت تسخـر منــه وتهــزأ بــه وتضحــك عليــه مــع بلانتهــا وجواريهــا ثــم إنهــا قالــت لبلانتهــا: اكشفــي
لي ستارة المحمل فكشفتها حتى قابل وجهها وجهه فضحكت عليه فأنشد هذا البيت:
فإن تضحكي يا هند رب ليلة تركتــك فيهــا تسهريــن نواحـــا
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الحجاج لما أنشد البيت أجابته هند بهذين البيتين:
وما نبالي إذا أرواحنا سلمـت فما فقدناه من مال ومن نسب
المــال مكتســب والعــز مرتجــع إذا اشتفى المرء من داء ومن عطب
ولــم تــزل تضحــك وتلعــب إلــى أن قربــت مــن بلــد الخليفــة فلمــا وصلــت إلـــى البلـــد رمـــت مـــن يدهـــا
دينـــاراً علـــى الـــأرض وقالـــت لـــه: يـــا جمـــال إنـــه قـــد سقــــط منــــا درهــــم فانظــــر وناولنــــا إيــــاه فنظــــر
الحجـاج إلـى الـأرض فلـم يـر إلا دينـاراً فقـال لهـا: هـذا دينـار فقالــت لــه: بــل هــو درهــم فقــال لهــا: بــل
هــو دينــار فقالــت: الحمــد للــه الــذي عوضنــا بالدرهــم دينــاراً فناولنــا إيــاه فخجــل الحجــاج مــن ذلـــك
===
حكاية هارون الرشيد مع البنت العربية
وحكــي أيضــاً أن أميــر المؤمنيــن هــارون الرشيــد مــر فــي بعــض الأيــام وصحبتــه جعفــر البرمكـــي وإذا
هو بعدة بنات يسقين الماء فعرج يريد الشرب وإذا إحداهن التفتت إليهم وأنشدت هذه الأبيات:
قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت المنام كي أستريح وتنطفي نار تأجج في العظام
دنف تقلبه الأكف على بساط من سهام أما أنا فكما علمت فهل لوصلك من دوام
فأعجب أمير المؤمنين ملاحتها وفصاحتها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن أميـــر المؤمنيــــن لمــــا سمــــع هــــذه الأبيــــات مــــن البنــــت أعجبتــــه
ملاحتهــا وفاصحتهــا فقـــال لهـــا: يـــا بنـــت الكـــرام هـــذا مـــن مقولـــك أم مـــن منقولـــك قـــال: مـــن مقولـــي
قال: إذا كان كلامك صحيحاً فأمسكي المعنى وغيري القافية فأنشدت تقول:
قولي لطيفك ينثني عن مضعجي وقت الوسن كي أستريح وتنطفي نار تأجج في البدن
دنف تقلبه الأكف على بلاط من شجن أما أنا فكما علمت فهل لوصلك من ثمن
===
فقــال لهــا: والآخــر مســروق قالـــت: بـــل كلامـــي فقـــال لهـــا: إن كـــان كلامـــك أيضـــاً فأمسكـــي المعنـــى
وغيري القافية فجعلت تقول:
قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الرقاد كي أستريح وتنطفي نار تأجج الفؤاد
دنف تقلبه الأكف على بساط من سهاد أما أنا فكما علمت فهل لوصلك من سداد
فقـال لهــا: والآخــر مســروق فقالــت: بــل كلامــي فقــال لهــا: إن كــان كلامــك فأمسكــي المعنــى وغيــري
القافية فقالت:
قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الهجوع كي أستريح وتنطفي نار تأجج في الضلوع
دنف تقلبه الأكف على بساط من دموع أما أنا فكما علمت فهل لوصلك من رجوع
فقـــال لهـــا أميـــر المؤمنيـــن: مـــن أي حـــي أنـــت قالـــت: مـــن أوسطـــه بيتــــاً وأعلــــاه عامــــوداً فعلــــم أميــــر
المؤمنيــن أنهـــا بنـــت كبيـــر الحـــي ثـــم قالـــت لـــه: وأنـــت مـــن أي رعـــاة الخيـــل فقـــال: مـــن أعلـــاه شجـــرة
وأينعهــا ثمــرة فقبلــت الــأرض وقالــت: أيــدك اللــه يــا أميــر المؤمنيــن ودعـــت لـــه ثـــم انصرفـــت مـــع بنـــات
العـرب فقـال الخليفـة لجعفـر: لابـد مـن زواجهـا فتوجـه إلـى أبيهـا وقـال لـه: إن أميــر المؤمنيــن يريــد ابنتــك
فقــال: حبــاً وكرامــة تهــدى جاريــة إلــى حضــرة مولانــا أميــر المؤمنيــن ثــم جهزهــا وحملهــا إليــه فتزوجهـــا
ودخـل بهـا فكانـت عنـده مـن أعـز نسـاءه وأعطـى والدهــا مــا يستــره بيــن العــرب مــن الأنعــام. ثــم بعــد
===
ذلــك انتقــل والدهــا إلــى رحمــة اللــه تعالــى فــورد علـــى الخليفـــة خبـــر وفـــاة أبيهـــا فدخـــل عليهـــا وهـــو
كئيـــب فلمـــا شاهدتـــه وعليـــه الكآبـــة نهضـــت ودخلـــت إلـــى حجرتهـــا وخلعـــت كـــل مـــا كــــان عليهــــا
ولبســت الحــداد وأقامــت النعــي عليــه فقيــل لهــا: مــا سبــب هــذا قالـــت: مـــات والـــدي فمضـــوا إلـــى
الخليفــة فأخبــروه فقــام وأتــى إليهــا وسألهــا مـــن أخبـــرك بهـــذا الخبـــر قالـــت: وجهـــك يـــا أميـــر المؤمنيـــن
قـال: وكيـف ذلـك قالـت: لأنـي مـن منـذ مـا استقريـت عنــدك مــا رأيــت هكــذا إلا فــي هــذه المــرة ولــم
يكـن لـي مـا أخـاف عليـه إلا والـدي لكبــره ويعيــش رأســك يــا أميــر المؤمنيــن فتغرغــرت عينــاه بالدمــوع
وعزاها فيه وأقامت مدة حزينة على والدها ثم لحقت به رحمة الله عليهم أجمعين.
ما حكاه الأصمعي لهارون الرشيد من أخبار النساء وأشعارهن
وممــا يحكــى أيهــا الملـــك السعيـــد أن أميـــر المؤمنيـــن هـــارون الرشيـــد أرق أرقـــاً شديـــداً فـــي ليلـــة مـــن
الليالـي فقـام مــن فراشــه وتمشــى مــن مقصــورة إلــى مقصــورة ولــم يــزل قلقــاً فــي نفســه قلقــاً زائــداً فلمــا
أصبح قال: علي بالأصمعـي فخـرج الطواشـي إلـى البوابيـن وقـال: يقـول لكـم أميـر المؤمنيـن أرسلـوا إلـى
الأصمعـــي فلمـــا حضـــر علـــم بـــه أميـــر المؤمنيـــن فأمـــر بإدخالـــه وأجلســـه ورحــــب بــــه وقــــال لــــه: يــــا
أصمعــي أريـــد منـــك أن تحدثنـــي بأجـــود مـــا سمعـــت مـــن أخبـــار النســـاء وأشعارهـــن فقـــال: سمعـــاً
وطاعة لقد سمعت كثيراً ولم يعجبني سوى ثلاثة أبيات أنشدهن ثلاث بنات.
===
وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن الأصمعــي قــال لأميــر المؤمنيــن: لقــد سمعــت كثيــراً ولــم يعجبنــي
ســوى ثلاثــة أبيــات أنشدهــن ثلــاث بنــات فقــال: حدثنــي بحديثهــن فقــال: اعلــم يــا أميــر المؤمنيـــن أنـــي
أقمـت سنـة فـي البصـرة فاشتـد علـي الحـر يومــاً مــن الأيــام فطلبــت مقيــلاً أقيــل فيــه فلــم أجــد فبينمــا
أنـا ألتفــت يمينــاً وشمــالاً وإذا ببســاط مكنــوس مرشــوش وفيــه دكــة مــن خشــب وعليهــا شبــاك مفتــوح
تفـــوح منـــه رائحـــة المســـك فدخلـــت البســـاط وجلســـت علـــى الدكـــة وأردت الاضطجــــاع فسمعــــت
كلامـاً عذبــاً مــن جاريــة وهــي تقــول: يــا اخوتــي إننــا جلسنــا يومنــا هــذا علــى وجــه المؤانســة فتعاليــن
نطــرح ثلاثمائــة دينــار وكــل واحــدة منــا تقــول بيتــاً مــن الشعــر فكــل مــن قالـــت البيـــت الأعـــذب المليـــح
كانت الثلاثمائة دينار لها فقلن: حباً وكرامة فقالت الكبرى بيتاً وهو هذا:
عجبت أن زار في النوم مضجعي ولو زارني مستيقظاً كان أعجبا
فقالت الوسطى بيتاً وهو هذا:
وما زارني في النـوم إلا خيالـه فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبا
فقالت الصغرى بيتاً وهو هذا:
===
فقلـــت: إن كـــان لهـــذا المثـــال جمـــال فقـــد تـــم الأمـــر علـــى كـــل حـــال فنزلـــت مـــن علـــى الدكـــة وأردت
الانصــراف وإذا بالبــاب قــد فتــح وخرجــت منــه جاريــة وهــي تقــول: اجلــس يــا شيــخ فطلعــت علــى
الدكـة ثانيـاً وجلسـت فدفعـت لـي ورقـة فنظـرت فيهـا خطـاً فـي نهايــة الحســن مستقيــم الالفــات مجــوف
الهـاآت مــدور الــواوات مضمونهــا: نعلــم الشيــخ أطــال اللــه بقــاءه أننــا ثلــاث بنــات أخــوات جلسنــا علــى
وجــه المؤانســة وطرحنــا ثلاثمائــة دينــار وشرطنــا أن كــل مــن قالـــت البيـــت الأعـــذب الأملـــح كـــان لهـــا
الثلاثمائـة دينـار وقـد جعلنـاك الحاكـم فـي ذلــك فاحكــم بمــا تــرى والسلــام فقلــت للجاريــة: علــي بــداوة
وقرطاس فغابت قليلاً وخرجت إلي بدواة مفضضة وأقلام مذهبة فكتبت هذه الأبيات:
أحـدث عـن خـود تحدثـن عـن حديث امرئ قاسى الأمور وجربا
ثلاث كبكرات الصبـاح صبـاح تملكــن قلبـــاً للمشـــوق معذبـــا
خلون وقد نامت عيـون كثيـرة من الرأي قد أعرض عمن تجنبا
فيحن بما يخفين من داخل الحشا نعم واتخذن الشعر لهواً وملعبا
فقالت عروب ذات تيـه عزيـزة تبسم عن عذاب المقالة أشنبا
عجبت له إن زار في النوم مضجعي ولو زارني مستيقظاً كان أعجبا
فلما انقضى ما خرقت بتضاحك تنفست الوسطى وقالت تطربا
===
وأحسنت الصغرى وقالت مجيبة بلفظ لهـا كـان أشهـى وأعذبـا
بنفسي وأهلي من أرى كل ليلة ضجيعي ورباه من المسك أطيبا
فلما تدبرت الذي قلـن وانبـرى لي الحكم لم أترك لذي اللب معتبا
حكمت لصغراهن في الشعر أنني رأيت التي قالت إلى الحق أقربا
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الأصمعــي قـــال: وبعـــد أن كتبـــت الأبيـــات دفعـــت الورقـــة إلـــى
الجاريــة فلمــا صعــدت نظــرت إلـــى القصـــر وإذا برقـــص وصفـــق والقيامـــة قائمـــة فقالـــت: مـــا بقـــي لـــي
إقامــة فنزلـــت مـــن فـــوق الدكـــة وأردت الانصـــراف وإذا بالجاريـــة تنـــادي وتقـــول: اجلـــس يـــا أصمعـــي
فقلـــت: ومـــن أعلمـــك أنـــي الأصمعـــي فقالـــت: يـــا شيـــخ إن خفـــي علينـــا اسمـــك فمـــا خفــــي علينــــا
نظمــك فجلســت وإذا بالبــاب قــد فتــح وخرجــت منــه الجاريــة الأولـــى وفـــي يدهـــا طبـــق مـــن فاكهـــة
وطبـــق مـــن حلـــوى فتفكهـــت وتحليــــت وشكــــرت صنيعهــــا وأردت الانصــــراف وإذا بالجاريــــة تقــــول:
اجلـس يــا أصمعــي فرفعــت بصــري إليهــا فنظــرت كفــاً أحمــر فــي كــم أصفــر فخلتــه البــدر يشــرق مــن
===
تحــت الغمــام ورمــت صــرة فيهــا ثلاثمائــة دينــار هــذه إلــي وهــو منــي إليــك هديــة فـــي نظيـــر حكمـــك
فقــال لــه أميــر المؤمنيــن: لمــا حكمــت للصغـــرى فقـــال: يـــا أميـــر المؤمنيـــن أطـــال اللـــه بقـــاءك إن الكبـــرى
قالــت عجبــت لــه أن زار فــي النــوم مضجعــي وهــو محجــوب معلــق علـــى شـــرط يقـــع وقـــد لا يقـــع.
وأمـا الوسطـى فقـد مـر بهـا طيـف خيـال فـي النـوم فسلمـت عليـه وأمـا بيـت الصغـرى فإنهــا ذكــرت فيــه
أنهــا ضاجعتــه مضاجعــة حقيقيــة وشمــت منــه أنفاســاً أطيــب مــن المســـك وفدتـــه بنفسهـــا وأهلهـــا ولا
يفــدى بالنفــس إلا مــن هــو أعــز منهــا فقــال الخليفـــة: أحسنـــت يـــا أصمعـــي ودفـــع إليـــه ثلاثمائـــة دينـــار
مثلها في نظير حكايته.
===
حكاية جميل بن معمر لأمير المؤمنين هارون الرشيد
وحكــي أيضــا أن مســرور الخــادم قــال: أرق أميــر المؤمنيــن هــارون الرشيـــد ليلـــة أرقـــاً شديـــداً فقـــال
لــي: يــا مســرور مــن بالبــاب مــن الشعــراء فخرجــت إلــى الدهليــز فوجــدت جميــل بــن معمـــر العـــذري
فقلــت لــه: أجــب أميــر المؤمنيــن فقــال سمعــاً وطاعــة فدخلــت ودخــل معــي إلـــى أن صـــار بيـــن يـــدي
هـارون الرشيـد فسلـم بسلـام الخلافــة فــرد عليــه السلــام وأمــره بالجلــوس ثــم قــال لــه هــارون الرشيــد:
يــا جميــل أعنــدك شــيء مــن الأحاديــث العجيبــة قـــال: نعـــم يـــا أميـــر المؤمنيـــن أيهـــا أحبـــب إليـــك ومـــا
عاينتـه ورأيتـه أو مـا سمعتـه ووعيتـه فقـال: حدثنـي بمـا عاينتـه ورأيتـه قـال: نعـم يــا أميــر المؤمنيــن أقبــل
علــي بكليتــك واصــغ إلــي بأذنــك فعمــد الرشيــد إلـــى مخـــدة مـــن الديبـــاج الأحمـــر المزركـــش بالذهـــب
محشــوة بريـــش النعـــام فجعلهـــا تحـــت فخذيـــه ثـــم مكـــن منهـــا مرفقيـــه وقـــال: هلـــم بحديثـــك يـــا جميـــل
فقال: اعلم يا أمير المؤمنين أني كنت مفتوناً بفتاة محباً لها وكنت أتردد إليها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثلاثين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الخليفــة هــارون الرشيــد لمــا اتكــأ علــى مخــدة مــن الديبــاج قـــال:
===
هلــم بحديثــك يــا جميــل فقــال: اعلــم يــا أميــر المؤمنيــن أنــي كنــت مفتونــاً بفتـــاة محبـــاً لهـــا وكنـــت أتـــردد
إليهـا إذ هـي سؤالـي وبغيتـي مـن الدنيـا ثـم إن أهلهـا رحلـوا بهـا لقلـة المرعــى فأقمــت مــدة لــم أرهــا ثــم
إن الشـوق أقلقنـي وجذبنـي إليهـا فحدثتنـي نفسـي بالمسيـر إليهـا فلمـا كنـت ذات ليلـة مـن الليالـي هزنـي
الشــوق إليهــا فقمــت وشـــددت رحلـــي علـــى ناقتـــي وتعممـــت بعمامتـــي ولبســـت أطمـــاري وتقلـــدت
بسيفـي واعتقلـت رمحـي وركبــت ناقتــي وخرجــت طالبــاً لهــا وكنــت أســرع فــي المسيــر فســرت ذات
ليلــة وكانــت ليلــة مظلمــة مدلهمــة وأنـــا مـــع ذلـــك أكابـــد هبـــوط الأوديـــة وصعـــود الجبـــال فأسمـــع زئيـــر
الأسـود وعـواء الذئـاب وأصـوات الوحــوش مــن كــل جانــب وقــد ذهــل عقلــي وطــاش قلبــي ولسانــي لا
يفتـر عـن ذكـر اللـه تعالـى فبينمـا أنــا أسيــر علــى هــذا الحــال إذ غلبنــي النــوم فأخــذت بــي الناقــة علــى
غيـر الطريــق التــي كنــت فيهــا وغلــب علــي النــوم وإذا أنــا بشــيء لطمنــي فــي رأســي فانتبهــت فزعــاً
مرعوبــاً. وإذا بأشجــار وأنهــار وأطيــار علــى تلــك الأغصـــان تغـــرد بلغاتهـــا وألحانهـــا وأشجـــار ذلـــك
المـرج مشتبـك بعضهـا ببعـض فنزلـت عـن ناقتـي وأخـذت بزمامهــا فــي يــدي ولــم أزل أتلطــف بالخلــاص
إلــى أن خرجــت بهــا مــن تلــك الأشجــار إلـــى أرض فلـــاة فأصلحـــت كورهـــا واستويـــت راكبـــاً علـــى
ظهرهـا ولا أدري إلـى أيـن أذهـب ولا إلـى أي مكـان تسوقنــي الأقــدار فمــددت نظــري فــي تلــك البريــة
فلاحــت لــي نــار فــي صدرهــا فوكــزت ناقتــي وســرت متوجهــاً إليهــا حتــى وصلــت إلـــى تلـــك النـــار
===
فقربــت منهــا وتأملــت وإذا بخبـــاء مضـــروب ورمـــح مركـــوز ودابـــة قائمـــة وخيـــل واقفـــة وإبـــل سائحـــة
فقلـت فــي نفســي يوشــك أن يكــون لهــذا الخبــاء شــأن عظيــم فإنــي لا أرى فــي تلــك البريــة ســواه ثــم
تدقمـت إلـى جهـة الخبــاء وقلــت: السلــام عليكــم يــا أهــل الخبــاء ورحمــة اللــه وبركاتــه فخــرج إلــي مــن
الخبــاء غلــام مـــن أبنـــاء التســـع عشـــرة سنـــة فكأنـــه البـــدر إذا أشـــرق والشجاعـــة بيـــن عينيـــه فقـــال:
وعليـــك السلـــام ورحمـــة اللـــه وبركاتـــه يـــا أخـــا العـــرب إنـــي أظنـــك ضـــالاً عـــن الطريـــق فقلـــت: الأمـــر
كذلك أرشدني يرحمك الله.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الأربعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جميــل قــال للغلــام أرشدنــي يرحمــك اللــه فقــال يــا أخــا العــرب إن
بلدنــا هــذه مسبعــة وهــذه الليلــة مظلمــة موحشــة شديــدة الظلمــة والبــرد ولا آمــن عليــك مـــن الوحـــوش
أن تفترســك فانــزل عنــدي علــى الرحــب والسعــة فــإذا كــان الغــد أرشدتــك إلــى الطريــق فنزلــت عـــن
ناقتـــي وعلقتهـــا بفضـــل زمامهـــا ونزعـــت مـــا كـــان علـــي مـــن الثيـــاب وتخففـــت وجلســـت ساعــــة وإذا
بالشــاب قــد عمــد إلــى شــاة فذبحهــا وإلــى نــار فأضرمهـــا وأججهـــا ثـــم دخـــل الخبـــاء وأخـــرج أبـــراراً
===
ناعمـة وملحـاً طيبـاً وأقبــل يقطــع مــن ذلــك اللحــم قطعــاً ويشويهــا علــى النــار ويعطينــي ويتنهــد ساعــة
ويبكي أخرى ثم شهق شهقة عظيمة وبكى بكاء شديداً وأنشد يقول هذه الأبيات:
لــــم يبــــق إلا نفــــس هامـــــت ومقلـــــــة انسانهــــــــا باهــــــــت
لـم يبــق فــي أعضائــه مفصــل إلا وفيـــــــه سبقـــــــم كابــــــــت
ودمعــــــة جــــــار وأحشــــــاؤه توقــــــــد إلا أنــــــــه ساكــــــــت
تبكــــي لــــه أعــــداؤه رحمـــــة يـا ويــح مــن يرحمــه الشامــت
قــال جميــل: فعلمــت عنــد ذلـــك يـــا أميـــر المؤمنيـــن أن الغلـــام عاشـــق ولهـــان ولا يعـــرف الهـــوى إلا مـــن
ذاق طعــم الهــوى فقلــت فـــي نفســـي: هـــل أسألـــه ثـــم راجعـــت نفســـي وقلـــت: كيـــف أتهجـــم عليـــه
بالسـؤال وأنـا فـي منزلـه فرعـت نفـس وأكلـت مـن ذلـك اللحـم كفايتـي فلمـا فرغنـا مــن الأكــل قــام الشــاب
ودخــل الخبــاء وأخــرج طشتــاً نظيفــاً وابريقـــاً حسنـــاً ومنديـــلاً مـــن الحريـــر أطرافـــه مزركشـــة بالذهـــب
الأحمـر وقمقمـاً ممتلئـاً مـن مــاء الــورد الممســك فعجبــت مــن ظرفــه ورقــة حاشيتــه وقلــت فــي نفســي:
لم أعرف الظرف فـي الباديـة ثـم غسلنـا يدينـا وحدثنـا ساعـة ثـم قـام ودخـل الخبـاء وفصـل بينـي وبينـه
بفاصـل مـن الديبـاج الأحمـر وقـال: ادخـل يـا وجــه العــرب وخــذ مضجعــك فقــد لحقــك فــي هــذه الليلــة
تعــب وفــي سفرتــك هــذه نصــب مفــرط فدخلــت وإذا أنــا بفــراش مـــن الديبـــاج الأخضـــر فعنـــد ذلـــك
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والأربعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن جميـلاً قـال: فبـت ليلــة لــم أبــت فــي عمــري مثلهــا وكــل ذلــك وأنــا
متفكـر فـي أمـر هـذا الشــاب إلــى أن جــن الليــل ونامــت العيــون فلــم أشعــر إلا بصــوت خفــي لــم أسمــع
ألطــف منــه ولا أرق حاشيــة فرفعـــت الفاصـــل المضـــروب بيننـــا وإذا أنـــا بصبيـــة لـــم أر أحســـن منهـــا
وجهـاً وهـي فـي جانبـه وهمـا يبكيـان ويتشاكيــان ألــم الهــوى والصبابــة والجــوى وشــدة اشتياقهمــا إلــى
التلاقــي فقلــت: يــا للعجــب مــن هــذا الشخــص الثانــي لأنــي لمــا دخلــت هــذا البيــت لــم أر فيــه غيـــر
هـذا الفتـى ومــا عنــده أحــد ثــم قلــت فــي نفســي لاشــك أن هــذه البنــت مــن بنــات الجــن تهــوى هــذا
الغلـام وقـد تفـرد بهـا فـي هـذا المكــان وتفــردت بــه ثــم أمعنــت النظــر فيهــا فــإذا هــي أنسيــة عربيــة إذا
أسفــرت عــن وجههــا تخجــل الشمــس المضيئــة وقــد أضــاء الخبـــاء مـــن نـــور وجههـــا فلمـــا تحققـــت أنهـــا
محبوبته تذكرت غيرة المحبة فأرخيت الستر وغطيت وجهي ونمت.
فلمـا أصبحـت لبسـت ثيابـي وتوضــأت لصلاتــي وصليــت مــا كــان علــي مــن الفــرض ثــم قلــت لــه: يــا
أخـا العـرب هـل لـك أن ترشدنـي إلــى الطريــق وقــد تفضلــت علــي فنظــر إلــي وقــال: علــى رسلــك يــا
===
أخــا العــرب إن الضيافــة ثلاثــة أيــام ومــا كنــت بالــذي يهديـــك إلا بعـــد ثلاثـــة أيـــام قـــال جميـــل فأقمـــت
عنــده ثلاثــة أيــام فلمــا كــان فــي اليــوم الرابــع جلسنــا للحديـــث فحدثتـــه وسألتـــه عـــن اسمـــه ونسبـــه.
فقـال: أمـا نسبـي فأنـا مـن بنـي عـذرة وأمـا اسمـي أنـا فلــان ابــن فلــان وعمــي فلــان فــإذا هــو ابــن عمــي
يــا أميــر المؤمنيــن وهــو مــن أشــرف بيــت مــن بنــي عــذرة فقلــت يــا ابــن العــم مــا حملــك علـــى مـــا أراه
منـك مــن الانفــراد فــي هــذه البريــة وكيــف تركــت نعمتــك ونعمــة آبائــك وكيــف تركــت عبيــدك وإمــاءك
وانفـــردت بنفســـك فـــي هـــذا المكـــان فلمـــا سمـــع يـــا أميـــر المؤمنيـــن كلامـــي تغرغــــرت عينــــاه بالدمــــوع
والبكـاء ثـم قـال: يـا ابـن العـم إنـي كنـت محبـاً لابنـة عمــي مفتونــاً بهــا هائمــاً بحبهــا مجنونــاً فــي هواهــا لا
أطيــق الفــراق عنهـــا فـــزاد عشقـــي لهـــا فخطبتهـــا مـــن عمـــي فأبـــى وزوجهـــا لرجـــل مـــن بنـــي عـــذرة
ودخـل بهـا وأخذهـا إلـى المحلـة التـي هـو فيهـا مـن العـام الـأول فلمــا بعــدت عنــي واحتجبــت عــن النظــر
إليهــا حملتنــي لوعــات الهـــوى وشـــدة الشـــوق والجـــوى علـــى تـــرك أهلـــي ومفارقـــة عشيرتـــي وخلانـــي
وجميـع نعمتـي وانفـردت بهـذا البيــت فــي البريــة وألفــت وحدتــي فقلــت: وأيــن بيوتهــم قــال: هــي قريبــة
فـي ذروة هــذا الجبــل وهــي كــل ليلــة عنــد نــوم العيــون وهــدوء الليــل تنســل مــن الحــي ســراً بحيــث لا
يشعــر بهــا أحــد فأقضــي منهــا بالحديــث وطــراً وتقضــي هــي كذلــك وهــا أنــا مقيــم علــى ذلــك الحـــال
أتسلــى بهــا ساعــة مــن الليــل ليقضــي اللــه أمــراً كــان مفعــولاً أو يأتينــي الأمــر علــى رغــم الحاسديـــن أو
===
يحكــم اللــه لــي وهــو خيــر الحاكميــن ثــم قــال جميــل: فلمــا أخبرنــي الغلــام يــا أميــر المؤمنيــن غمنــي أمــره
وصـرت مـن ذلـك حيـران لمـا أصابنـي مـن الغيـرة فقلـت لـه: يـا ابـن العـم هـل أن أدلــك علــى حيلــة أشيــر
بهــا عليــك وفيهــا إن شـــاء اللـــه عيـــن الصلـــاح وسبيـــل الرشـــد والنجـــاح وبهـــا يزيـــل اللـــه عنـــك الـــذي
تخشــاه فقــال الغلــام: قــل لــي يــا ابــن العــم فقلــت لـــه: إذا كـــان الليـــل وجـــاءت الجاريـــة فاطرحهـــا علـــى
ناقتــي فإنهــا سريعــة الــرواح واركــب أنــت جــوادك وأنــا أركــب بعــض هــذه النيــاق وأسيــر بكمـــا الليلـــة
جميعهـا فمـا يصبـح الصبــاح إلا وقــد قطعــت بكمــا بــراري وقفــاراً وتكــون قــد بلغــت مــرادك وظفــرت
بمحبوبة قلبك وأرض الله واسعة فضاها وأنا والله مساعدك ما حييت بروحي ومالي وسيفي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والأربعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن جميــلاً لمــا قــال لابــن عمــه علــى أخــذ الجاريــة ويذهبــان بهــا فــي
الليـل ويكــون عونــاً لــه ومساعــداً مــدة حياتــه فلمــا سمــع ذلــك قــال: يــا ابــن العــم حتــى أشاورهــا فــي
ذلـك فإنهـا عاقلـة لبيبـة بصيـرة بالأمـور قـال جميـل: فلمــا جــن الليــل وحــان وقــت مجيئهــا وهــو ينتظرهــا
فـي الوقـت المعلـوم فأبطـأت عـن عادتهـا فرأيـت الفتـى خـرج مــن بــاب الخبــاء وفتــح فــاه وجلــس يتنســم
===
ريـح الصبـا يهـدي إلـي نسيــم مـن بلــدة فيهــا الحبيــب مقيــم
يا ريح فيك من الحبيب علامة أفتعلميــن متــى يكـــون قـــدوم
ثـم دخـل الخبـاء وقعـد ساعـة زمانيـة وهـو يبكـي ثـم قـال: يـا ابـن العــم إن لابنــة عمــي فــي هــذه الليلــة
نبـأ وقـد حـدث لهـا أو عاقهـا عنـي عائـق ثـم قـال لـي: كـن مكانـك حتــى آتيــك بالخبــر ثــم أخــذ سيفــه
وترسـه وغـاب عنـي ساعـة مـن الليـل ثـم أقبـل وعلـى يـده شـيء يحملـه ثـم صـاح علــي فأسرعــت إليــه
فقــال يــا ابــن العــم أتــدري مــا الخبــر فقلــت: لا واللــه فقــال: لقــد فجعــت فـــي ابنـــة عمـــي هـــذه الليلـــة
لأنهـا قـد توجهـت إلينـا فتعـرض لهـا فـي طريقهـا أسـد فافترسهـا ولـم يبـق منهـا إلا مـا تــرى ثــم طــرح مــا
كــان علــى يـــده فـــإذا هـــو مشـــاش الجاريـــة ومـــا فضـــل مـــن عظامهـــا ثـــم بكـــى بكـــاء شديـــداً ورمـــى
القـوس مــن يــده وأخــذ كيســاً علــى يــده ثــم قــال: لا تبــرح إلــى أن آتيــك إن شــاء اللــه تعالــى ثــم ســار
فغـاب عنـي ساعـة ثـم عــد وبيــده رأس أســد فطرحــه مــن يــده ثــم طلــب مــاء فأتيتــه بــه فغســل فــم
الأسد وجعل يقبله ويبكي وزاد حزنه عليها وجعل ينشد هذه الأبيات:
ألا أيهــا الليـــث المغـــر بنفســـه هلكت وقد هيجت لي بعدها حزنا
وصيرتني فرداً وقد كنت ألفها وصيرت بطن الأرض قبراً لها رهنا
أقــول الدهــر ساءنــي بفراقهــا معاذ إليها أن تريني لهـا خدنـا
===
ثـم قـال: يـا ابـن العـم سألتـك باللـه وبحـق القرابـة والرحـم التـي بينـي وبينـك أن تحفـظ وصيتـي فسترانـي
الساعـة ميتـاً بيـن يديـك فـإذا كـان ذلـك فغسلنـي وكفنــي أنــا وهــذا الفاضــل مــن عظــام ابنــة عمــي فــي
هذا الثوب وادفنا جميعاً في قبر واحد واكتب على قبرنا هذين البيتين:
كنا على ظهرها والعيش في رغد والشمل مجتمع والدار والوطـن
ففـــــرق الدهــــــر والتصريفــــــا وصار معنا في بطنهـا الكفـن
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن الغلــام وصــى جميــل بــأن يكتــب بعــد موتــه علــى قبــره بيتيــن مــن
الشعـر ثــم بكــى بكــاء شديــداً ودخــل الخبــاء وغــاب عنــي ساعــة وخــرج وصــار يتنهــد ويصيــح ثــم
شهـق شهقـة ففـارق الدنيـا. فلمـا رأيـت ذلـك منــه عظــم علــي وكبــر عنــدي حتــى كــدت أن ألحــق بــه
مـــن شـــدة حزنـــي عليـــه ثـــم تقدمـــت إليـــه فأضجعتــــه وفعلــــت بــــه مــــا أمرنــــي مــــن العمــــل وكفنتهمــــا
ودفنتهما جميعاً فـي قبـر واحـد وأقمـت عنـد قبرهمـا ثلاثـة أيـام ثـم ارتحلـت وأقمـت سنتيـن أتـردد إلـى
زيارتهمــا وهــذا مــا كــان مــن حديثهمــا يــا أميــر المؤمنيــن فلمــا سمــع الرشيـــد كلامـــه استحسنـــه وخلـــع
===
حكاية ضمرة بن المغيرة
التي حكاها حسين الخليع لهارون الرشيد
وحكــى أيضــاً أيهــا الملــك السعيــد أن هــارون الرشيــد أرق ليلــة فوجــه إلـــى الأصمعـــي وإلـــى حسيـــن
الخليع فأحضرهما وقال: حدثاني وابـدأ أنـت يـا حسيـن فقـال: نعـم يـا أميـر المؤمنيـن خرجـت فـي بعـض
السنيـــن منحـــدراً إلـــى البصـــرة ممتدحـــاً محمـــد بـــن سليمـــان الربعـــي بقصيــــدة فقبلهــــا وأمرنــــي بالمقــــام
فخرجـت ذات يـوم إلــى المريــد وجعلــت المهالبــة طريقــي فأصابنــي حــر شديــد فدنــوت مــن بــاب كبيــر
لأستسقــي وإذا أنــا بجاريــة كأنهــا قضيــب يثنــي سنــاء العينيــن زجــاء الحاجبيــن أسيلــة الخديــن عليهـــا
قميـــص جلنـــاري ورداء صنعانـــي قـــد غلبـــت شـــدة بيـــاض يديهـــا حمــــرة قميصهــــا يتلــــألأ مــــن تحــــت
القميــص ثديــان كرمانتيــن وبطــن كطــي القباطــي بعكــن كالقراطيــس الناصعــة المعقــودة بالمســـك محشـــوة
وهـي يـا أميـر المؤمنيـن متقلــدة بخــرز مــن الذهــب الأحمــر وهــو بيــن نهديهــا وعلــى صحــن جبينهــا طــرة
كالسبـــح ولهـــا حابـــان مقرونـــان وعينـــان نجلــــاوان وخــــدان أسيلــــان وأنــــف أقنــــى تحتــــه ثغــــر كاللؤلــــؤ
وأسنـان كالـدر وقـد غلـب عليهـا الطيـب وهــي والهــة حيرانــة ذاهبــة تــروح وتجــيء تخطــو علــى أكبــاد
محبيها في مشيها وقد سيقانها أصوات خلخالها فهي كما قال فيها الشاعر:
===
فهبتهـــا يـــا أميـــر المؤمنيـــن ثـــم دنـــوت منهـــا لأسلـــم عليهـــا فـــإذا الـــدار والدهاليـــز والشــــارع قــــد عبــــق
بالمسـك فسلمـت عليهـا فـردت علـي بلســان خاشــع وقلــب حزيــن بلهــب الوجــد محتــرق فقلــت لهــا: يــا
سيدتــي إنــي شيــخ غريــب وأصابنــي عطــش أفتأمريــن لــي بشربــة مــاء تؤجريــن عليهـــا قالـــت: إليـــك
عني يا شيخ فإني مشغولة عن الماء والزاد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والأربعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الجاريــة قالــت: إنــي مشغولــة عــن المــاء والــزاد فقلــت: لــأي علـــة
يـا سيدتــي قالــت: إنــي أعشــق مــن لا ينصفنــي وأريــد مــن لا يريدنــي ومــع ذلــك فإنــي ممتحنــة بمراقبــة
الرقبــاء فقلــت: وهــل يــا سيدتـــي علـــى بسيطـــة الـــأرض مـــن تريدينـــه ولا يريـــدك قالـــت: نعـــم وذلـــك
أفضــل مــا ركــب فيــه مــن الجمــال والكمــال والدلـــال وقلـــت: ومـــا وقوفـــك فـــي هـــذا الدهليـــز قالـــت:
هاهنــا طريقــه وهــذا وقــت اجتيــازه وقلــت لهــا: يــا سيدتــي فهــل اجتمعتمــا فــي وقــت مــن الأوقــات
وتحدثتمـــا حديثـــاً أوجـــب هـــذا الوجـــد فتنفســـت الصعـــداء وأرخـــت دموعهـــا علــــى خدهــــا كظــــل
سقط على ورد ثم أنشدت هذين البيتين:
===
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطع فيا من رأى فرداً يحن إلى فرد
قلــت: يــا هــذا فمــا بلــغ مــن عشقــك لهــذا الفتــى قالــت: أرى الشمــس علــى حيطــان أهلــه فأحســب
أنهـا هـو وربمـا أراه بغتـة فأبهــت ويهــرب الــدم والــروح مــن جســدي وأبقــى الأسبــوع والأسبوعيــن بغيــر
عقـل فقلـت لهـا: اعذرينـي فإنـي علـى مثـل مـا بـك مـن الصبابــة مشتغــل البــال بالهــوى وانتحــال الجســم
وضعـف القـوى أرى بـك مـن شحــوب اللــون ورقــة البصــر مــا يشهــد بتباريــح الهــوى وكيــف لا يمســك
الهــوى وأنــت مقيمــة فــي أرض البصــرة قالــت واللـــه كنـــت قبـــل محبتـــي هـــذا الغلـــام فـــي غايـــة الدلـــال
بهيئـة الجمـال والكمـال ولقـد فتنـت جميـع ملـوك البصـرة حتــى افتتــن بــي هــذا الغلــام قلــت: يــا هــذه مــا
الـذي فـرق بينكمـا قالــت: نوائــب الدهــر ولحديثــي وحديثــه شــأن عجيــب وذلــك أنــي قعــدة فــي يــوم
نيــروز ودعــوت عــدة مــن جــواري البصــرة وفــي تلــك الجــواري جاريــة سيـــران وكـــان ثمنهـــا عليـــه مـــن
عمــان ثمانيــن ألــف درهــم وكانــت لــي محبــة وبــي مولعـــة فلمـــا دخلـــت رمـــت نفسهـــا وكـــادت ببطنـــي
قرضــاً وعضــاً ثــم خلونــا نتنعــم بالشــراب إلــى أن يتهيـــأ طعامنـــا ويتكامـــل سرورنـــا وكانـــت تلاعبنـــي
وألاعبهـا فتـارة أنـا فوقهـا وتـارة هـي فوقـي فحملهـا السكـر علــى أن ضربــت يدهــا إلــى دكتــي فحلتهــا
مـن غيـر ريبـة كانـت بيننـا ونــزل سروالــي بالملاعبــة فبينمــا نحــن كذلــك إذ دخــل هــو علــى حيــن غفلــة
فـرأى ذلـك فاغتـاظ لذلـك وانصــرف عنــي انصــراف الهــرة العربيــة إذا سمعــت صلاصــل لجامهــا فولــى
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن الجاريــة قالــت لحسيــن الخليــع: إن محبوبــي لمــا رأى مــا ذكــرت لــك
مـن ملاعبتـي مـع جاريـة سيـران خـرج مغضبـاً منـي فأنـا يـا شيـخ منـذ ثلـاث سنيـن لـم أزل أعتـذر إليــه
وأتلطـف بـه وأستعطفـه فـلا ينظـر إلـي بطـرف ولا يكتــب إلــي بحــرف ولا يكلــم لــي رســولاً ولا يسمــع
منــي قليــلاً قلــت لهـــا: يـــا هـــذه أمـــن العـــرب هـــو أم مـــن العجـــم قالـــت: ويحـــك هـــو مـــن جملـــة ملـــوك
البصـرة فقلـت لهــا: أشيــخ هــو أم شــاب فنظــرت إلــي شــزراً وقالــت: إنــك أحمــق هــو مثــل القمــر ليلــة
البــدر أجــرد أمــرد لا يعيبــه شــيء غيــر انحرافــه عنــي. فقلــت لهــا: مـــا اسمـــه قالـــت: مـــا تصنـــع بـــه
قلـت: أجتهـد فـي لقائـه لتحصيـل الوصـال بينكمـا قالـت: علــى شــرط أن تحمــل غليــه رقعــة قلــت: لا
أكره ذلك.
فقالــت: اسمــه ضمــرة بــن المغيــرة ويكنــى بأبــي السخــاء وقصــره بالمريـــد ثـــم صاحـــت علـــى مـــن فـــي
الـــدار هاتــــوا الــــدواة والقرطــــاس وشمــــرت عــــن ساعديــــن كأنهمــــا طوقــــان مــــن فضــــة وكتبــــت بعــــد
البسلمــة: سيــدي تــرك الدعــاء فــي صــدر رقعتــي ينبــيء عـــن تقصيـــري واعلـــم أن دعائـــي لـــو كـــان
===
مستجابـاً مـا فارقتنـي لأنـي كثيـراً مـا دعـوت أن لا تفارقنـي وقـد فارقتنـي ولـولا أن الجهــد تجــاوز بــي
حـد التقصيـر لكـان مـا تكلفتـه خادمتـك مـن كتابــة هــذه الرقعــة معيبــاً لهــا مــع يأسهــا منــك لعلمهــا أنــك
تتـرك الجـواب وأقضـي مرادهـا سيـدي نظـرة إليـك وقـت اجتيـازك فـي الشـارع إلــى الدهليــز تحيــي بهــا
نفســاً ميتـــة واجـــل مـــن ذلـــك عندهـــا أن تحفـــظ بخـــط يـــدك بسطهـــا اللـــه بكـــل فضيلـــة رقعـــة تجعلهـــا
عوضـاً عـن تلـك الخلـوات التـي كانـت بيننـا فـي الليالـي الخاليـات التـي أنـت ذاكـر لهـا سيـدي ألسـت لـك
محبة مدنفة فإن أجبت إلى المسألة كنت لك شاكرة ولله حامدة والسلام.
فتناولـــت الكتـــاب وخرجـــت وأصبحـــت عـــدوت إلــــى بــــاب محمــــد بــــن سليمــــان فوجــــدت مجلســــاً
محتفـلاً بالملــوك ورأيــت غلامــاً زان المجلــس وفــاق علــى مــن فيــه جمــالاً وبهجــة قــد رفعــه الأميــر فوقــه
فسألـت عنـه فـإذا هـو ضمـرة بـن المغيـرة فقلـت فــي نفســي: معــذورة المسكينــة بمــا حــل بهــا ثــم قمــت
وقصــدت المريــد ووقفــت علــى بــاب داره فـــإذا هـــو قـــد ورد فـــي موكـــب فوثبـــت إليـــه وبلغـــت فـــي
الدعــاء وناولتــه الرقعــة فلمــا قرأهــا وعــرف قــال لــي: يــا شيــخ قــد استبدلنــا بهـــا فهـــل لـــك أن تنظـــر
البديــل قلــت: نعــم فصــاح علــى فتــاة وإذا هــي جاريــة تخجــل ناهــدة الثدييــن تمشــي مشيــة مستعجــل
من غير وجل فناولها الرقعة وقال: أجيبي عنها.
فلمــا قرأتهــا اصفـــر لونهـــا حيـــث عرفـــت مـــا فيهـــا. وقالـــت: يـــا شيـــخ استغفـــر اللـــه بمـــا جئـــت فيـــه
===
فخرجــت يـــا أميـــر المؤمنيـــن وأنـــا أجـــر رجلـــي حتـــى أتيتهـــا واستأذنـــي عليهـــا ودخلـــت فقالـــت: مـــا
وراءك قلـــت: البـــأس واليـــأس قالـــت: مـــا عليـــك منـــه فأيـــن اللـــه والقــــدرة ثــــم أمــــرت لــــي بخمسمائــــة
دينــار وخرجــت ثــم جــزت علــى ذلــك المكــان بعــد أيــام فوجــدت غلمانــاً وفرسانــاً فدخلــت وإذا هــم
أصحـاب ضمـرة يسألونهـا الرجـوع فيـه وهـي تقـول واللـه مـا نظـرت لـه فـي وجـه فسجـدت شكــراً للــه يــا
أميـر المؤمنيـن شماتـة بضمـرة وتقربـت مـن الجاريـة فأبـرزت لــي رقعــة فــإذا فيهــا بعــد التسميــة سيدتــي
لـــولا إبقائـــي عليـــك أدام اللـــه حياتـــك لـــو وصفـــت شطـــراً ممـــا حصـــل منــــك وبسطــــت عــــذري فــــي
ظلامتـك إيـاي إذا كانـت الجانيــة علــى نفســك ونفســي المظهــرة لســوء العهــد وقلــة الوفــاء والمؤثــرة علينــا
غيرنــا فخالفــت هــواي واللــه المستعــان علــى مــا كــان مــن اختيــارك والسلــام وأوقفتنــي علــى مـــا حملـــه
إليهــا مــن الهدايــا والتحــف وإذا هــو بمقــدار ثلاثيــن ألــف دينــار ثــم رأيتهــا بعــد ذلــك وقـــد تـــزوج بهـــا
ضمرة فقال الرشيد: لولا أن ضمرة سبقني إليها لكان لي معها شأن من الشؤون.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
حكاية أحمد الدنف وحسن شومان
مع الدليلة المحتالة وبنتها زينب النصابة
وحكــي أيضــاً أيهــا الملــك السعيــد أنـــه كـــان فـــي زمـــن هـــارون الرشيـــد رجـــل يسمـــى أحمـــد الدنـــف
وآخـر يسمـى حســن شومــان وكانــا صاحبــي مكــر وحيــل ولهمــا أفعــال عجيبــة فبسبــب ذلــك خلعــلا
الخليفـــة علـــى أحمـــد الدنـــف خلعـــة وجعلـــه مقـــدم الميمنـــة وخلـــع علـــى حســـن شومـــان خلعـــة مقــــدم
الميســرة وجعـــل لكـــل منهمـــا جامكيـــة فـــي كـــل شهـــر ألـــف دينـــار وكـــان لكـــل واحـــد منهمـــا أربعـــون
رجــلاً مــن تحــت يــده وكــان مكتوبــاً علــى أحمــد الدنــف درك البــر فنـــزل أحمـــد الدنـــف ومعـــه حســـن
شومــان والذيــن مــن تحــت أيديهمــا راكبيــن والأميــر خالـــد الوالـــي بصحبتهـــم والمنـــادي ينـــادي حسبمـــا
رسـم الخليفـة أنـه لا مقــدم ببغــداد فــي الميمنــة إلا المقــدم أحمــد الدنــف ولا مقــدم ببغــداد فــي الميســرة
إلا حســن شومــان وأنهمـــا مسموعـــا الكلمـــة واجبـــا الحرمـــة وكـــان فـــي البلـــدة عجـــوز تسمـــى الدليلـــة
المحتالـة ولهـا بنـت تسمــى زينــب النصابــة فسمعتــا المنــاداة بذلــك فقالــت زينــب لأمهــا الدليلــة: انظــري
يـا أمـي هــذا أحمــد الدنــف جــاء مــن مصــر مطــروداً ولعــب مناصــف فــي بغــداد إلــى أن تقــرب عنــد
الخليفـة وبقـي مقــدم الميمنــة وهــذا الولــد الأقــرع حســن شومــان مقــدم الميســرة ولــه سمــاط فــي الغــداء
===
وسمـاط فـي العشـاء ولهمـا جوامــك لكــل واحــد منهمــا ألــف دينــار فــي كــل شهــر ونحــن معطلــون فــي
هــذا البيــت لا مقــام لنــا ولا حرمــة وليــس لنــا مــن يســأل عنــا وكــان زوج الدليلــة مقـــدم بغـــداد سابقـــاً
وكـان لـه عنــد الخليفــة فــي كــل شهــر ألــف دينــار فمــات عــن بنتيــن بنــت متزوجــة ومعهــا ولــد يسمــى
أحمــــد اللقيــــط وبنـــــت عازبـــــة تسمـــــى زينـــــب النصابـــــة وكانـــــت الدليلـــــة صاحبـــــة حيـــــل وخـــــداع
ومناصـف وكانــت تتحيــل علــى الثعبــان حتــى تطلعــه مــن وكــره وكــان إبليــس يتعلــم منهــا المكــر وكــان
زوجهــا براجــاً عنــد الخليفــة وكــان لــه جامكيــة فــي كــل شهــر ألــف دينــار وكــان يربـــي حمـــام البطاقـــة
الــذي يسافــر بالكتـــب والرسائـــل وكـــان عنـــد الخليفـــة كـــل طيـــر لوقـــت حاجتـــه أعـــز مـــن واحـــد مـــن
أولاده فقالت بغداد وتكون لنا جامكية أبينا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والأربعين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن زينـــب النصابـــة لمـــا قالــــت لأمهــــا: قومــــي اعملــــي لنــــا حيــــلاً
ومناصـف لعـل بذلـك يشيـع لنـا صيـت فـي بغـداد فتكـون لنــا جامكيــة أبينــا فقالــت لهــا: وحياتــك يــا
بنتـي لألعبـن فـي بغـداد مناصـف أقـوى مـن مناصـف أحمـد الدنـف وحســن شومــان فقامــت وضربــت
===
لثامـــاً ولبســـت لبـــاس الفقـــراء مـــن الصوفيـــة ولبســـت لباســـاً نــــازلاً لكعبهــــا وجبــــة صــــوف وتحزمــــت
بمنطقـة عريضـة وأخـذت إبريقـاً وملأتـه مـاء لرقبتـه وحطـت فــي فمــه ثلاثــة دنانيــر وغطــت فــم الإبريــق
بليفـة وتقلـدت بسـج قـدر حملـة حطـب وأخـذت رايـة فـي يــدا وفيهــا شراطيــط حمــر وصفــر وطلعــت
تقـول: اللـه اللـه واللســان ناطــق بالتسبيــح والقلــب راكــض فــي ميــدان القبيــح وصــارت تتلمــج لمنصــف
تلعبـه فـي البلـد فسـارت مـن زقـاق إلـى زقــاق حتــى وصلــت إلــى زقــاق مكنــوس مرشــوش وبالرخــام
مفـروش فـرأت بابـاً مقوصـراً بعتبتـه مــن مرمــر ورجــلاً مغربيــاً واقفــاً بالبــاب وكانــت تلــك الــدار لرئيــس
الشاويشيــة عنــد الخليفــة وكــان صاحــب الــدار ذا زرع وبلــاد جامكيــة واسعـــة وكـــان يسمـــى حســـن
شــر الطريــق ومــا سمــوه بذلـــك إلا لكـــون ضربتـــه تسبـــق كلمتـــه وكـــان متزوجـــاً بصبيـــة مليحـــة وكـــان
يحبهـا وكانـت ليلـة دخلتـه بهـا حلفتـه أنـه لا يتــزوج عليهــا ولا يبيــت فــي غيــر بيتــه إلــى أن طلــع زوجهــا
يومـاً مـن الأيـام إلـى الديـوان فـرأى كـل أميـر معــه ولــداً وولــدان وكــان قــد دخــل الحمــام ورأى وجهــه فــي
المـرآة فـرأى بيـاض شعــر ذقنــه غطــى سوادهــا فقــال فــي نفســه هــل الــذي أخــذ أبــاك لا يرزقــك ولــداً
ثـم دخـل علـى زوجتــه وهــو مغتــاظ فقالــت لــه: مســاء الخيــر فقــال لهــا: روحــي مــن قدامــي مــن يــوم
رأيتـك مـا رأيـت خيـراً فقالـت لـه: لــأي شــيء فقــال لهــا: ليلــة دخلــت عليــك حلفتينــي أنــي مــا أتــزوج
عليـك ففـي هـذا اليــوم رأيــت الأمــراء كــل واحــد معــه ولــد وبعضهــم معــه ولــدان فتذكــرت المــوت وأنــا
===
فقالـــت لـــه: اســـم اللـــه عليـــك أنـــا خرقـــت الأهـــوان مـــن دق الصــــوف والعقاقيــــر وأنــــا مــــا لــــي ذنــــب
والعاقــة منــك لأنــك بغــل أفطــس وبيضــك رائــق لا يحبــل ولا يجـــيء بأولـــاد فقـــال لهـــا: لمـــا أرجـــع مـــن
السفــر أتــزوج عليــك فقالــت لــه: نصيبــي علــى اللـــه تعالـــى وطلـــع مـــن عندهـــا وندمـــا علـــى معاضـــرة
بعضهمــا فبينمــا زوجتـــه تطـــل مـــن طاقتهـــا وهـــي كأنهـــا عروســـة كنـــز مـــن المصـــاغ الـــذي عليهـــا وإذا
بدليلــة واقفــة فرأتهــا فنظــرت عليهــا صغيــة وثيابــاً ثمينــة فقالــت فــي نفسهــا: يــا دليلــة لا أصنــع مــن أن
تأخــذي هــذه الصبيــة مــن بيــت زوجهــا وتعريهــا مــن المصـــاغ والثيـــاب وتأخـــذي جميـــع ذلـــك فوقفـــت
وذكـرت تحـت شبـاك القصـر وقالـت: اللــه اللــه! فــرأت الصبيــة هــذه العجــوز وهــي لابســة مــن الثيــاب
البيــض مــا يشبــه قبــة مــن نــور متهيئـــة بهيئـــة الصوفيـــة وهـــي تقـــول: أحضـــروا يـــا أوليـــاء اللـــه فطلـــت
النسـاء مـن النوافــذ وقالــت شــيء للــه مــن المــدد هــذه شيخــة طالــع مــن وجههــا النــور فبكــت خاتــون
زوجـة الأميـر حسـن وقالـت لجاريتهـا: انزلـي قبلـي يـد الشيـخ أبـو علـي البــواب وقولــي لــه خليــه يدخــل
الشيخــة لنتبــرك بهــا فنزلــت وقبلــت يــده وقالــت: سيدتــي تقــول لــك خــل هــذه الشيخــة تدخـــل إلـــى
سيدتي لنتبرك بها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن الجاريـــة لمـــا نزلـــت للبـــواب وقالـــت لـــه سيدتـــي تقـــول لـــك خـــل
هـذه الشيخـة تدخـل لنتبـرك بهـا لعـل بركتهــا تعــم علينــا فتقــدم البــواب وقبــل يدهــا فمنعتــه وقالــت لــه
ابعــد عنــي لئــلا تنقــض وضوئــي أنــت الآخــر مجــذوب ومحلــوظ مــن أوليــاء اللــه اللـــه يعتقـــك مـــن هـــذه
الخدمـة يـا أبـا علـي وكـان للبـواب أجــرة ثلاثــة أشهــر علــى الأميــر وكــان معســراً ولــم يعــرف أن يخلصهــا
من ذلك الأمير.
فقــال لهــا يــا أمــي اسقينــي مــن إبريقــك لأتبــرك بــك فأخــذت الإبريــق مــن علــى كتفهــا وبرمــت بـــه فـــي
الهـواء وهـزت يدهـا حتــى طــارت الليفــة مــن فــم الإبريــق فنزلــت الثلاثــة دنانيــر علــى الــأرض فنظرهــا
البــواب والتقطهــا وقــال فــي نفســه شـــيء للـــه هـــذه الشيخـــة مـــن أصحـــاب التصـــرف فإنهـــا كاشفـــت
علي وعرفت أني محتاج للمصروف فتصرفت لـي فـي حصـول ثلاثـة الدنانيـر التـي وقعـت علـى الـأرض
من إبريقك.
فقالــت لــه العجــوز: ابعدهــا عنــي فإنــي مــن نــاس لا يشتغلـــون بدنيـــا أبـــداً خذهـــا ووســـع بهـــا علـــى
نفســك عوضــاً عــن الــذي لــك عنــد الأميــر فقــال شــيء للــه مــن المــدد وهــذا مــن بـــاب الكشـــف وإذا
بالجاريــة قبلــت يدهــا وأطلعتهــا لسيدتهــا فلمـــا دخلـــت رأت سيـــدة الجاريـــة كأنهـــا كنـــز انفكـــت عنـــه
الطلاســم فرحبــت بهــا وقبلــت يدهــا فقالـــت لهـــا يـــا ابنتـــي أنـــا مـــا جئتـــك إلا بمشـــورة فقدمـــت لهـــا
===
الأكـل فقالـت لهـا: يـا ابنتـي أنـا مـا آكـل إلا مـن مأكـل الجنـة وأديـم صيامـي فــلا أفطــر إلا خمســة أيــام فــي
السنة ولكن يا بنتي أنا أنظرك مكدرة ومرادي أن تقولي لي على سبب تكديرك.
فقالــت يــا أمــي فــي ليلــة مــا دخلــت حلفــت زوجــي أنــه لا يتــزوج غيــري فــرأى الأولــاد فتشــوق إليهـــم
فقــال لــي: أنــت عاقــر فقلــت لــه: أنــت بغــل لا تحبــل فخــرج غضبــان وقــال لـــي لمـــا أرجـــع مـــن السفـــر
أتـزوج عليـك وأنـا خائفــة يــا أمــي أن يطلقنــي ويتــزوج غيــري فــإن لــه بلــاداً وزروعــاً وجامكيــة واسعــة
فـإذ جـاء أولـاد مـن غيـري يملكـون المـال والبلـاد منـي فقالـت لهـا يـا بنتـي هــل أنــت عميــاء عــن شيخــي
أبــي الحملــات فكــل مــن كــان مديونــاً وزاره قضــى اللـــه دينـــه وإن زارتـــه عاقـــر فإنهـــا تحبـــل فقالـــت يـــا
أمــي أنــا مــن يــوم دخلــت مــا خرجـــت لا معزيـــة ولا مهنيـــة فقالـــت لهـــا العجـــوز: يـــا بنتـــي أنـــا آخـــذك
معـــي وأورك أبـــا الحملـــات وأرمـــي حملتـــك عليـــه وانـــذري لـــه نـــذراً عســــى أن يجــــيء زوجــــك مــــن
السفـر ويجامعـك فتحبلـي منــه ببنــت أو ولــد وكــل شــيء ولدتيــه إن كــان أنثــى أو ذكــر يبقــى درويــش
الشيــخ أبــي الحملــات فقامــت الصبيــة ولبســت مصاغهــا جميعــه ولبســت أفخـــر مـــا كـــان عندهـــا مـــن
الثياب وقالت للجارية ألقي نظرك على البيت فقالت سمعاً وطاعة يا سيدتي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن الصبيـــة لمـــا قالـــت للجاريـــة: ألقـــي نظـــرك علـــى البيـــت قالـــت
سمعــاً وطاعــة ثــم نزلــت فقابلــت الشيــخ أبــو علــي البــواب فقــال لهــا إلــى أيـــن يـــا سيدتـــي فقالـــت أنـــا
رائحـــة لـــأزور الشيـــخ أبـــو الحملـــات فقـــال البـــواب صـــوم العـــام يلزمنـــي إن هـــذه مـــن الأوليـــاء وملآنــــة
بالولايــة وهــي يــا سيدتــي مــن أصحــاب التصريــف لأنهـــا أعطتنـــي ثلاثـــة دنانيـــر مـــن الذهـــب الأحمـــر
وكاشفــت علــي مــن غيــر أن أسألهــا وعلمــت أنــي محتــاج فخرجــت العجـــوز والصبيـــة زوجـــة الأميـــر
حســن شــر الطريـــق معـــه والعجـــوز الدليلـــة المحتالـــة تقـــول للصبيـــة إن شـــاء اللـــه يـــا بنتـــي لمـــا تزوريـــن
الشيـخ أبـا الحملـات يحصــل لــك جبــر الخاطــر وتحبليــن بــإذن اللــه تعالــى ويحبــك زوجــك الأميــر حســن
ببركــة هــذا الشيــخ ولا يسمعــك كلمــة تــؤذي خاطــرك بعــد ذلــك فقالــت لهــا أزوره يــا أمـــي ثـــم قالـــت
العجـوز فــي نفسهــا إنــي أغريهــا وآخــذ ثيابهــا والنــاس رائحــة وغاديــة فقالــت لهــا يــا بنتــي إذا مشيــت
فامشـي ورائـي علـى قـدر مـا تنظريننـي لـأن أمـك صاحبـة حمـل كثيـرة وكـل مـن كــان عليــه حمــل يرميهــا
علـي وكـل مــن كــان معــه نــذر يعطيــه لــي ويقبــل يــدي فمشــت الصبيــة وراءهــا بعيــداً عنهــا والعجــوز
قدامهــا إلــى أن وصلتــا ســوق التجــار والخلخــال يــرن والعقـــوص تشـــن علـــى دكـــان ابـــن تاجـــر يسمـــى
سيــدي حســن وكــان مليحــاً جــداً لا نبــات بعرضيــه فــرأى الصبيــة مقبلــة فصــار يلحظهــا شــزراً فلمــا
لحظـــت ذلـــك العجـــوز غمـــزت الصبيـــة وقالـــت لهـــا اقعـــدي فـــي هـــذا الدكـــان حتــــى أجــــيء إليــــك
===
فامتثلــت أمرهــا وقعــدت قــدام دكــان ابــن التاجــر فنظرهــا ابــن التاجــر نظــرة أعقبتــه ألـــف حســـرة ثـــم
أتتـه العجــوز وسلمــت عليــه وقالــت لــه هــل أنــت اسمــك سيــدي حســن ابــن التاجــر محســن فقــال لهــا
نعــم مــن أعلمــك باسمــي فقالــت دلنــي عليــك أهــل الخيــر واعلــم أن هــذه الصبيـــة بنتـــي وكـــان أبوهـــا
تاجــراً فمــات وخلــف لهــا مــالاً كثيــراً وهــي بالغــة وقالــت العقــلاء أخطــب لبنتـــك ولا تخطـــب لابنـــك
وعمرهـا مـا خرجـت إلا فـي هـذا اليـوم وقــد جــاءت الإشــارة ونويــت فــي ســري أن أزوجــك بهــا وإن
كنــت فقيــراً أعطيتــك رأس المــال وأفتــح لــك عــوض الدكـــان اثنيـــن فقـــال ابـــن التاجـــر فـــي نفســـه قـــد
سألـت اللـه عروسـة فمـن علـي بثرثـة أشيــاء كيــس وكــس وكســاء ثــم قــال لهــا: يــا أمــي مــا شــرت بــه
علـي فــإن أمــي طالمــا قالــت فقالــت لــه: قــم علــى قدميــك واتبعنــي وأنــا أريهــا لــك عريانــة فقــام معهــا
وأخذ معه ألف دينار وقال في نفسه ربما نحتاج إلى شيء فنشتريه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن العجــوز قالــت لحســن ابــن التاجــر محســن قــم واتبعنــي وأنــا أريهــا
لـك عريانـة فقـام معهـا وأخـذ ألـف ديـار وقـال فـي نفســه ربمــا نحتــاج إلــى شــيء فنشتريــه ونحــط معلــوم
===
العقـد ثـم قالـت لـه العجـوز كـن ماشيـاً بعيـداً عنهـا علـى قـدر مـا تنظرهــا بالعيــن وقالــت العجــوز فــي
نفسهــا أيــن تروحيــن بابــن التاجــر وقــد قفــل دكانــه فتعريــه هــو والصبيــة ثــم مشــت والصبيــة تابعــة لهــا
وابـن التاجـر تابـع للصبيـة إلـى أن أقبلـت علـى مصبغـة وكـان بهـا واحـد معلـم يسمـى الحـاج محمــد وكــان
مثـل سكيـن القلاقسـي يقطـع الذكـر والأنثــى يحــب أكــل التيــن والرمــان فسمــع الخلخــال يــرن فرفــع عينــه
فـــرأى الصبيـــة والغلـــام وإذا بالعجـــوز قعـــدت عنـــده وسلمــــت عليــــه وقالــــت لــــه أنــــت الحــــاج محمــــد
الصبـاغ فقـال لهـا نعـم أنـا الحـاج محمــد أي شــيء تطلبيــن فقالــت لــه أنــا دلنــي عليــك أهــل الخيــر فانظــر
هذه الصبية المليحـة بنتـي وهـذا الشـاب الأمـرد المليـح ابنـي وأنـا ربيتهمـا وصرفـت عليهمـا أمـوالاً كثيـرة
واعلـم أن لـي بيتـاً كبيـراً قـد خسـع وصلبتـه علـى خشـب وقـال لـي المهنـدس اسكنـي فـي مطـرح غيـره
لربمـا يقـع عليـك حتـى تعمريـه وبعـد ذلـك ارجعــي إليــه واسكنــي فيــه طلعــت أفتــش لــي علــى مكــان
فدلنـي عليـك أهـل الخيـر ومـرادي أن أسكـن عنـدك بنتـي وابنـي فقـال الصبــاغ فــي نفســه قــد جاءتــك
زبـدة علـى فطيـرة فقـال لهـا إن لـي بيتـاً وقاعـة وطبقـة ولكـن أنـا مـا أستغنـي عـن مكـان منهــا للضيــوف
والفلاحيـن أصحـاب النبلـة فقالــت لــه يــا ابنــي معظمــه شهــر أو شهريــن حتــى نعمــر البيــت ونحــن نــاس
غربـاء فاجعـل مكـان الضيـوف مشتركـاً بيننــا وبينــك وحياتــك يــا ابنــي إن طلبــت أن ضيوفــك تكــون
ضيوفنـا فمرحبـاً بهــم نأكــل معهــم وننــام معهــم فأعطاهــا المفاتحــي واحــداً كبيــراً وآخــر صغيــراً ومفتــاح
===
أعــوج وقــال لهــا المفتـــاح الكبيـــر للبيـــت والأعـــوج للقاعـــة والصغيـــر للطبقـــة فأخـــذت المفاتيـــح وتبعتهـــا
الصبيــة ووراءهــا ابــن التاجــر إلـــى أن أقبلـــت علـــى زقـــاق فـــرأت البـــاب ففتحتـــه ودخلـــت ودخلـــت
الصبيـة وراءهـا وقالـت لهـا: يـا بنتـي هـذا بيـت الشيـخ أبـي الحملــات وأشــارت لهــا إلــى القاعــة ولكــن
اطلعــي الطبقــة وحلــي أزرارك حتــى أجــيء إليــك فدخلــت الصبيــة فــي الطبقــة وقعــدت فأقبــل ابــن
التاجر فاستقبلته العجوز وقالت له اقعد في القاعة حتى أجيء إليك ببنتي لتنظرها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخمسين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجــوز استقبلــت ابــن التاجــر وقالــت اقعــد فــي القاعـــة حتـــى
أجـيء إليـك فدخـل وقعــد فــي القاعــة ودخلــت العجــوز علــى الصبيــة فقالــت لهــا الصبيــة أنــا مــرادي
أن أزور أبــا الحملــات قبــل أن يجــيء النــاس فقالــت لهــا يـــا بنتـــي يخشـــى عليـــك فقالـــت لهـــا: مـــن أي
شـيء فقالـت لهـا هنـاك ولـدي أهبـل لا يعــرف صيفــاً مــن شتــاء دائمــاً عريــان وهــو نقيــب الشيــخ فــإن
دخلــت بنــت ملــك مثلــك لتــزور الشيــخ يأخــذ حلقهــا ويشــرم أذنهــا ويقطــع ثيابهــا الحريــر فأنــت تقلعيــن
صيغتــك وثيابــك لأحفظهــا لـــك حتـــى تـــزوري فقلعـــت الصبيـــة الصيغـــة والثيـــاب وأعطـــت العجـــوز
===
إياهـــا وقالـــت لهـــا إنـــي أضعهـــا لـــك علـــى ستـــر الشيـــخ فتحصـــل لــــك البركــــة ثــــم أخذتهــــا العجــــوز
وطلعـــت وخلتهـــا بالقميــــص واللبــــاس وخبأتهــــا فــــي محــــل السلالــــم ثــــم دخلــــت العجــــوز علــــى ابــــن
التاجرفوجدتــه فــي انتظــار الصبيــة فقــال لهــا أيــن بنتــك حتــى أنظرهــا فلطمــت علــى صدرهــا فقـــال
لهــا: مالــك فقالــت لــه: لا عــاش جيــران الســوء ولا كــان جيـــران يحســـدون لأنهـــم رؤوك داخـــلاً معـــي
فسألونــي عنــك فقلــت أنــا خطبــت لبنتــي هــذا العريــس فحسدونـــي عليـــك فقالـــوا لبنتـــي هـــل أمـــك
تعبـت مـن مؤنتــك حتــى تزوجــك لواحــد مبتلــي فحلفــت لهــا أنــي مــا أخليهــا تنظــرك إلا وأنــت عريــان
فقــال أعــوذ باللــه مــن الحاسديــن وكشــف عــن ذراعيــه فرأتهمــا مثـــل الفضـــة فقالـــت لـــه لا تخشـــى مـــن
شــيء فإنــي أدعــك تنظرهـــا عريانـــة مثـــل مـــا تنظـــرك عريانـــاً فقـــال لهـــا خليهـــا تجـــيء لتنظرنـــي وقلـــع
الفـروة السمـور والحياطـة والكسيـن وجميـع الثيـاب حتــى صــار بالقميــص واللبــاس وحــط الألــف دينــار
فــي الحوائــج فقالــت لــه هــات حوائجــك حتــى أحفظهــا لــك وأخذتهــا ووضعتهــا علــى حوائــج الصبيـــة
وحملت جميع ذلك وخرجت به من الباب وقفلته عليهما وراحت إلى حال سبيلها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد الستمائة
===
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجــوز لمــا أخــذت حوائــج ابــن التاجــر وحوائــج الصبيــة وقفلــت
البـاب عليهمـا وراحـت إلـى حـال سبيلهـا وأودعـت الـذي كــان معهــا عنــد رجــل عطــار وراحــت إلــى
الصبــاغ فرأتــه قاعــداً فــي انتظارهــا فقــال لهــا إن شــاء اللــه يكــون البيــت أعجبكــم فقالــت فيــه بركــة
وأنـا رائحـة أجـيء بالحماليـن يحملـون حوائجنـا وفرشنـا وأولـادي قــد اشتهــوا علــي عيشــاً بلحــم فأنــت
تأخـــذ هـــذا الدينـــار وتعمـــل لهمـــا عيشـــاً بلحـــم وتــــروح تتغــــدى معهــــم فقــــال الصبــــاغ ومــــن يحــــرس
المصبغــة وحوائــج النــاس فيهــا فقالــت صبيــك قــال وهــو كذلـــك ثـــم أخـــذ صحنـــاً ومكبـــة معـــه وراح
يعمل الغداء هذا ما كان من أمر الصباغ وله كلام يأتي.
وأمـــا مـــا كـــان مـــن أمـــر العجـــوز فإنهـــا أخـــذت مــــن العطــــار حوائــــج الصبيــــة وابــــن التاجــــر ودخلــــت
المصبغـة وقالـت لصبـي الصبـاغ: الحـق معلمـك وأنــا لا أبــرح حتــى تأتيانــي فقــال لهــا سمعــاً وطاعــة ثــم
أخـذت جميــع مــا فيهــا وإذا برجــل حمــار حشــاش لــه أسبــوع وهــو بطــال فقالــت لــه العجــوز: تعــال يــا
حمـار فجاءهــا فقالــت لــه: هــل أنــت تعــرف ابنــي الصبــاغ قــال لهــا: أعرفــه قالــت لــه: هــذا مسكيــن
قــد أفلــس وبقـــي عليـــه ديـــون ولكمـــا يحبـــس أطلقـــه ومرادنـــا أن نثبـــت إعســـاره وأنـــا رائحـــة أعطـــي
الحوائـج لأصحابهـا ومــرادي أن تعطينــي الحمــار حتــى أحمــل عليــه الحوائــج للنــاس وخــذ هــذا الدينــار
كـراءة وبعـد أن أروح تأخـذ الدستـرة وتنـزح بهـا الـذي فــي الخوابــي ثــم تكســر الخوابــي والدنــان لأجــل
===
إذا نــزل كشــف مــن طـــرف القاضـــي لا يجـــد شـــيء فـــي المصبغـــة فقـــال لهـــا: إن المعلـــم فضلـــه علـــي
وأعمــل شــيء للــه فأخــذت الحوائــج وحملتهــا فــوق الحمــار وستــر عليهــا الستـــار وعمـــدت إلـــى بيتهـــا
فدخلـــت علـــى بنتهـــا زينـــب فقالـــت لهـــا: قلبـــي عنـــدك يـــا أمـــي أي شـــيء عملــــت مــــن المناصــــف
فقالــت لهــا: أنــا لعبـــت أربـــع مناصـــف علـــى أربعـــة أشخـــاص ابـــن التاجـــر وامـــرأة شاويـــش وصبـــاغ
وحمــار وجئــت لــك بجميــع حوائجهــم علــى حمــار الحمــار فقالــت لهــا: يــا أمــي مـــا بقيـــت تقـــدري أن
تشقـي فـي البلـد مــن الشاويــش الــذي أخــذت حوائــج امرأتــه وابــن التاجــر الــذي عريتــه والصابــغ الــذي
أخــذت حوائــج النــاس مــن مصبغتــه والحمــار صاحــب الحمــار فقالــت: آه يــا بنتــي أنــا مــا أحســـب إلا
حساب الحمار فإنه يعرفني.
وأمـــا مـــا كـــان مـــن أمـــر المعلـــم الصبـــاغ فإنـــه جهـــز العيـــش باللحـــم وحملـــه علـــى رأس خادمــــه وفــــات
علـى المصبغـة فـرأى الحمـار يكسـر فـي الخوابـي ولـم يبـق فيهـا قمــاش ولا حوائــج ورأى المصبغــة خرابــاً
فقــال لــه: ارفــع يــدك يــا حمــار فرفــع يــده وقــال لــه الحمــار: الحمــد للـــه علـــى السلامـــة يـــا معلـــم قبلـــي
عليــك فقــال لــه: لــأي شــيء ومــا حصــل لــي: فقــال لــه: صــرت مفلســاً وكتبــوا حجــة إعســـارك فقـــال
لـه: ومــن قــال لــك فقــال: أمــك قالــت لــي وأمرتنــي بكســر الخوابــي ونــزح الدكــان خوفــاً مــن الكشــاف
إذا جــاء ربمـــا يجـــد فـــي المصبغـــة شـــيء فقـــال: اللـــه يخيـــب البعيـــد إن أمـــي ماتـــت مـــن زمـــان ودق
===
صــدره بيــده وقــال: يــا ضيــاع مالــي ومــال النــاس فبكـــى الحمـــار وقـــال: يـــا ضيعـــة حمـــاري ثـــم قـــال
للصبـاغ: يــا صبــاغ هــات لــي حمــاري مــن أمــك فتعلــق الصبــاغ بالحمــار وصــار يكلمــه ويقــول: أحضــر
لي العجوز فقال له: أحضر لي الحمار فاجتمعت عليهما الخلائق.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والخمسين بعد الستمائة
قالــــت: بلغنــــي أيهــــا الملــــك السعيــــد أن الصبــــاغ تعلــــق بالحمــــار والحمــــار تعلــــق بالصبــــاغ وتضاربــــا
وصــار كــل واحــد منهمــا يدعــي علــى صاحبــه فاجتمعــت عليهمــا الخلائـــق فقـــال واحـــد: أي شـــيء
الحكايــة يــا معلــم محمــد قــال لــه الحمــار: أنــا أحكــي لكــم الحكايــة وحدثهــم بمــا جــرى لـــه وقـــال: إنـــي
أظـن أنــي مشكــور عنــد المعلــم فــدق صــدره وقــال لــي: أمــي ماتــت وأنــا الآخــر أطلــب حمــاري منــه
لأنــه عمــل علــي هــذا المنصــف لأجــل أن يضيــع حمــاري فقالـــت النـــاس: يـــا معلـــم محمـــد وهـــذه أنـــت
تعرفهـا لأنـك استأمنتهــا علــى المصبغــة والــذي فيهــا فقــال: لا أعرفهــا وإنمــا سكنــت عنــدي فــي هــذا
اليـوم هـي وابنتهـا فقـال واحـد: فـي ذمتــي إن الحمــار فــي عهــدة الصبــاغ فقيــل لــه مــا أصلــه فقــال لــأن
الحمـــار مـــا اطمـــأن وأعطـــى العجـــوز حمـــاره إلا لمــــا رأى الصبــــاغ استأمــــن العجــــوز علــــى المصبغــــة
===
والـذي فيهـا فقـال واحـد: يـا معلـم لمـا سكنتهــا عنــدك وجــب عليــك أنــك تجــيء لــه بحمــاره ثــم تمشــوا
قاصدين البيت لهم كلام يأتي.
وأمــا ابــن التاجــر فإنــه انتظــر مجــيء العجــوز حتــى تجــيء ببنتهــا وأمــا الصبيــة فإنهــا انتظـــرت العجـــوز
حتــى تجــيء لهــا بــإذن مـــن ابنهـــا المجـــذوب الـــذي هـــو نقيـــب الشيـــخ أبـــي الحملـــات فلـــم ترجـــع إليهـــا
فقامــت لتــزوره وإذا بابــن التاجــر يقــول لهــا: حيــن دخلــت تعالــي أيـــن أمـــك التـــي جـــاءت بـــي لأتـــزوج
بــك فقالــت: إن أمــي ماتــت فهـــل أنـــت ابنهـــا المجـــذوب نقيـــب الشيـــخ أبـــي الحملـــات فقـــال: مـــا هـــذه
مـا هـي أمـي هـذه عجـوز نصابـة نصبـت علـي حتـى أخـذت ثيابـي والألـف دينــار فقالــت لــه الصبيــة:
وأنـا الأخـرى نصبـت علـي وجــاءت بــي لــأزور أبــا الحملــات وعرتنــي فصــار ابــن التاجــر يقــول للصبيــة
أنـا مـا أعـرف ثيابـي والألـف دينــار إلا منــك والصبيــة تقــول لــه: أنــا مــا أعــرف حوائجــي وصيغتــي إلا
منــك فأحضــر لــي أمــك وإذا بالصبــاغ داخــل عليهمــا فــرأى ابــن التاجــر عريانــاً والصبيــة عريانــة فقـــال:
قـولا لـي أيــن أمكمــا فحكــت الصبيــة جميــع مــا وقــع لهــا وحكــى ابــن التاجــر جميــع مــا جــرى لــه فقــال
الصبــاغ: يــا صبــاغ مالــي ومــال النــاس وقــال الحمــار: يــا ضيــاع حمـــاري فقـــال الصبـــاغ: هـــذه عجـــوز
نصابـة اطلعـوا حتـى أقفـل البـاب فقـال ابـن التاجـر: يكـون عيبـاً عليـك أن ندخــل بيتــك لابسيــن ونخــرج
منه عريانين.
===
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن ابــن التاجــر قـــال للصبـــاغ يكـــون عيـــب عليـــك أن ندخـــل بيتـــك
لابسيـن ونخـرج عريانيـن فكسـاه وكسـى الصبيـة وروحهـا بيتهــا ولهــا كلــام يأتــي بعــد قــدوم زوجهــا مــن
السفر.
وأمـا مـا كــان مــن أمــر الصبــاغ فإنــه قفــل المصبغــة وقــال لابــن التاجــر اذهــب بنــا لنفتــش علــى العجــوز
ونسلمهـا للوالــي فــراح معــه وصحبهمــا الحمــار فحكــوا لــه مــا جــرى لهــم قــوال: كــم عجــوز فــي البلــد
روحوا فتشوا عليها وأمسكوها وأنا أقررها لكم فداروا يفتشون عليها ولهم كلام يأتي.
وأمــا العجــوز الدليلــة المحتالــة فإنهــا قالــت لبنتهــا زينــب: يـــا بنتـــي أنـــا أريـــد أن أعمـــل منصفـــاً فقالـــت
لهــا: يــا أمــي أنــا اخــاف عليــك فقالــت لهــا: أنــا مثــل سقـــط الفـــول عـــاص علـــى المـــاء والنـــار فقامـــت
ولبسـت ثيــاب خادمــة مــن خــدام الأكابــر وطلعــت تتلمــح لمنصــف تعملــه فمــرت علــى زقــاق مفــروش
فيـــه قمـــاش ومعلـــق فيـــه قناديـــل وسمعـــت فيـــه أغانـــي ونقـــر دفـــوف ورأت جاريـــة علـــى كتفهـــا ولـــد
بلباس مطـرز بالفضـة وعليـه ثيـاب جميلـة وعلـى رأسـه طربـوش مكلـل باللؤلـؤ وفـي رقبتـه طـوق ذهـب
مجوهـر وعليـه عبـاءة مـن قطيفــة وكــان هــذا البيــت لشــاه بنــدر التجــار ببغــداد والولــد ابنــه ولــه أيضــاً
===
بنـت بكـر مخطوبـة وهـم يعملـون أملاكهـا فـي ذلــك اليــوم وكــان عنــد أمهــا جملــة نســاء ومغنيــات فكلمــا
تطلــع أمــه وتنــزل يشبــط معهــا الولــد فنــادت الجاريــة وقالــت لهــا خــدي سيـــدك لاعبيـــه حتـــى ينفـــض
المجلـــس ثـــم إن العجـــوز دليلـــة لمـــا دخلـــت رأت الولـــد علـــى كتــــف الجاريــــة فقالــــت لهــــا: أي شــــيء
عنــد سيدتــك اليــوم مــن الفــرح فقالــت: تعمــل أملــاك بنتهــا وعندهــا المغنيــات فقالــت فـــي نفسهـــا: يـــا
دليلة ما منصف إلا أخذ هذا الولد من هذه الجارية.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجــوز لمــا قالــت لنفسهــا يـــا دليلـــة مـــا منصـــف إلا أخـــذ هـــذا
الولـد مـن هـذه الجاريـة قالــت بعــد ذلــك: يــا فضيحــة الشــوم ثــم أطلعــت مــن جيبهــا برقــة صغيــرة مــن
الصفـــر مثـــل الدينـــار وكانـــت الجاريــــة غشيمــــة ثــــم قالــــت العجــــوز للجاريــــة: خــــذي هــــذا الدينــــار
وادخلـي لسيدتـك وقولـي لهــا: أم الخيــر فرحــت لــك وفضلــك عليهــا ويــوم المحضــر تجــيء هــي وبناتهــا
وينعمــن علــى المواشــط بالنقـــوط فقالـــت الجاريـــة يـــا أمـــي وسيـــدي هـــذا كلمـــا ينظـــر أمـــه يتعلـــق بهـــا
فقالــت: هاتيــه معــي حتـــى تروحـــي وتجيئـــي فأخـــذت الجاريـــة البرقـــة ودخلـــت وأمـــا العجـــوز فإنهـــا
===
أخــذت الولــد وراحــت إلــى زقــاق قفعتــه الصيغــة والثيـــاب الـــي عليـــه وقالـــت لنفسهـــا: يـــا دليلـــة مـــا
شطـارة إلا مثـل مـا لعبـت علـى الجاريــة وأخذتيــه منهــا أن تعملــي منصفــاً وتجعليــه رهنــاً علــى شــيء
بألــف دينــار ثـــم ذهبـــت إلـــى ســـوق الجواهرجيـــة فـــرأت يهوديـــاً صائغـــاً وقدامـــه قفـــص ملـــآن صيغـــة
فقالــت فــي نفسهــا مــا شطــارة إلا أن تحتالــي علــى هــذا اليهــودي وتأخــذي منــه صيغـــة بألـــف دينـــار
وتحطـي الولــد رهنــاً عنــده عليهــا فنظــر اليهــودي بعينــه فــرأى الولــد مــع العجــوز فعــرف أنــه ابــن شــاه
بنـدر التجــار وكــان اليهــودي صاحــب مــال كثيــر وكــان يحســد جــاره إذا بــاع بيعــة ولــم يبــع هــو فقــال
لهــا: أي شــيء تطلبيــن يــا سيدتــي فقالــت لــه: أنــت المعلــم عـــذرة اليهـــودي لأنهـــا سألـــت عـــن اسمـــه
فقـال لهـا نعـم فقالـت لــه: أخــت هــذا الولــد بنــت شــاه بنــدر التجــار مخطوبــة وفــي هــذا اليــوم عملــوا
أملاكهـــا وهـــي محتاجـــة لصيغـــة فـــأت لنـــا بزوجيـــن خلاخـــل ذهبـــاً وزوج أســـاور ذهبـــاً وحلـــق لؤلــــؤ
وحياطــة وخنجــر وخاتــم فأخــذت منــه شيئــاً بألــف دينــار وقالــت لــه: أنــا آخــذ هــذا المصـــاغ علـــى
المشـــاورة فالـــذي يعجبهـــم يأخذونـــه وآتـــي إليـــك بثمنـــه وخـــذ هـــذا الولـــد عنـــدك فقـــال: الأمـــر كمــــا
تريديــــن فأخــــذت الصيغــــة وراحــــت بيتهــــا فقالـــــت لهـــــا بنتهـــــا: أي شـــــيء فعلـــــت مـــــن المناصـــــف
فقالــت لهــا: لعبــت منصفــا فأخــذت ابــن شــاه بنــدر التجــار وعريتــه ثــم رحــت رهنتــه علــى مصــاغ
بألف دينار فأخذتها من يهودي فقالت لها ابنتها: ما بقيت تقدري أن تمشي في البلد.
===
وأمــا الجاريــة فإنهــا دخلــت لسيدتهــا وقالــت: يــا سيدتـــي أم الخيـــر تسلـــم عليـــك وفرحـــت لـــك ويـــوم
المحضــر تجــيء هــي وبناتهــا ويعطيــن النقــوط فقالــت لهــا سيدتهـــا: وأيـــن سيـــدك فقالـــت لهـــا: خليتـــه
عندهــا خوفــاً أن يتعلـــق بـــك وأعطتنـــي نقوطـــاً للمغنيـــات فقالـــت لرئيســـة المغنيـــات: خـــذي نقوطـــك
فأخذتـــه فوجدتـــه برقـــة مـــن الصفـــر فقالـــت لهـــا سيدتهـــا: انزلـــي يـــا عاهـــرة انظـــري سيـــدك فنزلــــت
الجارية فلم تجد الولد ولا العجوز فصرخت وانقلبت على وجهها وتبدل فرحهم حزن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيــــد أن الجاريــــة لمــــا نزلــــت لتنظــــر سيدهــــا والعجــــوز فلــــم تجدهمــــا
فصرخــت وانقلبــت علــى وجههــا وأخبـــرت سيدتهـــا فتبـــدل فرحهـــم بحـــزن وإذا بشـــاه بنـــدر التجـــار
أقبـل فحكـت لــه زوجتــه جميــع مــا جــرى فطلــع يفتــش عليــه وصــار كــل تاجــر يفتــش مــن طريــق ولــم
يــزل شــاه بنــدر التجــار يفتــش علــى ابنـــه حتـــى رأى ابنـــه عريانـــاً علـــى دكـــان اليهـــودي فقـــال: هـــذا
ولــدي فقــال اليهــودي: نعــم فأخــذه أبــوه ولــم يســأل عــن ثيابــه لشــدة فرحــه بــه وأمـــا اليهـــودي فإنـــه لمـــا
رأى التاجــر أخــذ ابنــه تعلــق بــه وقــال: اللــه ينصــر فيــك الخليفــة فقــال لــه التاجــر: مــا بالــك يــا يهـــودي
===
فقـال اليهـودي: إن العجـوز أخــذت منــي صيغــة لبنتــك بألــف دينــار ورهنــت هــذا الولــد عنــدي ومــا
أعطيتهــا إلا لأنهــا تركــت هــذا الولــد عنــدي رهنــاً علــى الــذي أخذتــه ومــا ائتمنهــا إلا لكونــي أعـــرف
أن هــذا الولــد ولــدك فقــال التاجــر: إن ابنتــي لا تحتــاج إلــى صيغــة فأحضــر لـــي ثيـــاب الولـــد فصـــرخ
اليهـــودي وقـــال: أدركونـــي يـــا مسلميـــن وإذا بالحمــــار والصبــــاغ وابــــن التاجــــر دائــــرون يفتشــــون علــــى
العجـــوز فسألـــوا التاجـــر واليهـــودي عـــن سبـــب خناقهمـــا فحكيـــا لهــــم مــــا حصــــل فقالــــوا: إن هــــذه
عجــوز نصابــة ونصبــت علينــا قبلكمــا وحكــوا جميــع مــا جــرى لهــم معهــا فقــال شــاه بنـــدر التجـــار:
لمــا لقيــت ولــدي فالثيــاب فــداه إن وقعــت العجــوز طلبــت الثيـــاب منهـــا فتوجـــه شـــاه بنـــدر التجـــار
بابنـه لأمـه ففرحـت بسلامتـه وأمـا اليهــودي فإنــه لحــق الثلاثــة وقــال لهــم: أيــن تذهبــون أنتــم فقالــوا لــه:
إننـــا نريـــد أن نفتـــش عليهـــا فقـــال لهـــم: خذونـــي معكـــم ثـــم قـــال لهـــم: هـــل فيكـــم مــــن يعرفهــــا قــــال
الحمــار: أنــا أعرفهــا فقــال لهــم اليهــودي: إن طلعنــا ســواء لا يمكــن أن نجدهــا وتهـــرب منـــا ولكـــن كـــل
واحــد منــا يــروح مــن طريــق ويكــون اجتماعنــا علــى دكــان الحــاج مسعــود المزيـــن المغربـــي فتوجـــه كـــل
واحـد مــن طريــق وإذا هــي طلعــت لتعمــل منصفــاً فرآهــا الحمــار فعرفهــا فتعلــق بهــا وقــال لهــا: ويلــك
إلــك زمــان علــى هــذا الأمــر قــال لهــا: حمــاري هاتيــه فقالــت لــه: استــر مــا ستــر اللـــه يـــا ابنـــي أنـــت
طالــــب حمــــارك وإلا حوائــــج النــــاس فقــــال: طالــــب حمــــاري فقــــط فقالـــــت لـــــه: أنـــــا رأيتـــــك فقيـــــراً
===
وحمـارك أودعتـه لـك عنـد المزيــن المغربــي فقــف بعيــداً حتــى أصــل إليــه وأقــول لــه بلطافــة أن يعطيــك
إيــــاه وتقدمــــت للمغربــــي وقبلــــت يــــده وبكــــت فقــــال لهــــا: مابالــــك فقالــــت لــــه: انظــــر ولــــدي الــــذي
واقـف كـان ضعيفـاً واستهـوى فأفسـد الهـواء عقلـه وكـان يقنـي الحميـر فـإن قــام يقــول حمــاري وإن قعــد
يقـول حمـاري وإن مشـى يقـول حمـاري فقـال لـي حكيـم مــن الحكمــاء إنــه اختــل فــي عقلــه ولا يطيبــه إلا
قلــع ضرسيــن ويكــوى فــي أصداغــه مرتيــن فخــذ هــذا الدينــار ونــاده وقــل لــه: حمــارك عنــدي فقـــال
المغربــي: صــوم رمضــان يلزمنــي لأعطيــه حمــاره فــي كفــه وكـــان عنـــده اثنـــان صناعيـــة فقـــال لواحـــد
منهما رح احم مسمارين ثم نادر الحمار والعجوز راحت إلى حال سبيلها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والخمسين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن المغربـــي قـــال لصانعـــه: احـــم مسماريـــن ونـــاد الحمـــار والعجـــوز
راحـت إلـى حـال سبيلهـا فلمـا جـاء قـال لـه: حمـارك عنـدي يـا مسكيـن تعــال خــذه وحياتــي لأعطيــك
إيـاه فـي كفـك ثـم أخـذه ودخـل بـه فـي قاعــة مظلمــة وإذا بالمغربــي لكمــه فوقــع فسحبــوه وربطــوا يديــه
ورجليـه وقـام المغربـي قلـع لـه ضرسيـن وكـواه علـى صدغـه كييــن ثــم تركــه فقــام وقــال: يــا مغربــي لــأي
===
شــيء عملــت معــي هــذا الأمــر فقــال لــه: إن أمــك أخبرتنــي أنــك مختــل العقــل لأنــك استهويـــت وأنـــت
مريــض وإن قمــت تقــول حمــاري وإن قعــدت تقــول حمــاري وإن مشيـــت تقـــول حمـــاري وهـــذا حمـــارك
فـي يـدك فقـال لـه: تلقــى مــن اللــه بسبــب تقليعــك أضراســي فقــال لــه: إن أمــك قالــت لــي وحكــي لــه
جميـع مـا قالـت فقــال: اللــه ينكــد عليهــا وذهــب الحمــار هــو والمغربــي يتخاصمــان وتركــا الدكــان فلمــا
رجـع المغربـي إلـى دكانـه لـم يجــد فيهــا شيئــاً وكانــت العجــوز حيــن راح المغربــي هــو والحمــار أخــذت
جميع ما في دكانه وراحت لبنتها زينب وحكت جميع ما وقع لها وما فعلت.
وأمــا المزيــن فإنــه لمــا رأى دكانــه خاليــة تعلــق بالحمــار وقــال لــه: أحضــر أمــك فقــال لـــه: مـــا هـــي أمـــي
وإنمــا هــي نصابــة نصبــت علــى نـــاس كثيريـــن وأخـــذت حمـــاري وإذا بالصبـــاغ واليهـــودي وابـــن التاجـــر
مقبلــون فــرأوا المغربــي متعلقــاً بالحمــار والحمــار مكـــوي علـــى أصداغـــه فقالـــوا لـــه: مـــا جـــرى لـــك يـــا
حمـار فحكـى لهـم جميــع مــا جــرى وكذلــك المغربــي حكــى قصتــه فقالــوا لــه: إن هــذه عجــوز نصابــة
نصبـت علينــا وحكــوا لــه مــا وقــع فقفــل دكانــه وراح معهــم إلــى بيــت الوالــي وقالــوا للوالــي: مــا نعــرف
حالنـا ومـا لنــا إلا منــك فقــال الوالــي: وكــم عجائــز فــي البلــد هــل فيكــم مــن يعرفهــا فقــال الحمــار: أنــا
أعرفهـا ولكـن أعطنــا عشــرة مــن أتباعــك فخــرج الحمــار بأتبــاع الوالــي والباقــي وراءهــم ودار الحمــار
بالجميــع وإذا بالعجــوز دليلــة مقبلــة فقبضهــا هــو وأتبــاع الوالــي وراحــوا بهـــا إلـــى الوالـــي فوقفـــوا تحـــت
===
شبــاك القصــر حتـــى يخـــرج الوالـــي ثـــم إن أتبـــاع الوالـــي نامـــوا مـــن كثـــرة سهرهـــم مـــع الوالـــي فجعلـــت
العجــوز نفسهــا نائمــة فنــام الحمــار ورفقــاؤه كذلــك فانسلــت منهــم ودخلــت إلــى حريــم الوالـــي فقبلـــت
يـــدي سيـــدة الحريـــم وقالـــت لهـــا: أيـــن الوالـــي فقالـــت: نائـــم أي شــــيء تطلبيــــن فقالــــت: إن زوجــــي
يبيـع الرقيـق فأعطانـي خمسـة مماليـك أبيعهـم وهـو مسافـر فقابلنـي الوالـي بألـف دينـار ومائتيــن لــي وقــال
لي: أرسليهم إلى البيت فأنا جئت بهم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الستمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن العجــوز لمــا طلعــت إلــى حريــم الوالــي قالــت لزوجتــه: إن الوالــي
فصــل منــي المماليــك بألــف دينــار وقــال: وصليهــم إلــى البيــت وكــان الوالــي عنـــده ألـــف دينـــار وقـــال
لزوجتـــه احفظيهـــا حتـــى نشتـــري بهـــا مماليـــك فلمـــا سمعــــت مــــن العجــــوز هــــذا الكلــــام تحققــــت مــــن
زوجهـــا ذلـــك فقالـــت: وأيـــن المماليـــك قالـــت: يـــا سيدتـــي هــــم نائمــــون تحــــت شبــــاك القصــــر الــــذي
أنــت فيــه فطلــت السيــدة مــن الشبــاك فــرأت المغربــي لابســا لبــس المماليــك وابــن التجـــار فـــي صـــورة
مملـوك والصبـاغ والحمـار واليهـودي فـي صــورة المماليــك الحليــق فقالــت زوجــة الوالــي: هــؤلاء كــل مملــوك
===
أحســن مــن ألـــف دينـــار ففتحـــت الصنـــدوق وأعطـــت العجـــوز الألـــف دينـــار وقالـــت لهـــا: اصبـــري
حتـى يفيـق الوالـي مــن النــوم ونأخــذ لــك منــه المائتــي دينــار فقالــت لهــا: يــا سيدتــي منهمــا مائــة دينــار
لـك فـي نظيـر الشـراب الـذي شربتـه والمائــة الأخــرى احفظيهــا لــي عنــدك حتــى أحضــر ثــم قالــت: يــا
سيدتـي اطلعينـي مـن بـاب السـر فأطلعتهــا منــه وستــر عليهــا الستــار وراحــت لبنتهــا فقالــت لهــا: يــا
أمــي مــا فعلــت فقالــت: يــا بنتــي لعبــت منصفــاً وأخــذت منــه هــذا الألـــف دينـــار مـــن زوجـــة الوالـــي
وبعــت الخمســة رجــال لهــا الحمــار واليهــودي والصبــاغ والمزيــن وابــن التاجــر وجعلتهــم مماليــك ولكــن يــا
بنتـي مــا علــي أضــر مــن الحمــار فإنــه يعرفنــي فقالــت لهــا: يــا أمــي اقعــدي يكفــي مــا فعلــت فمــا كــل
مرة تسلم الجرة.
وأمــا الوالــي فإنــه لمــا قــام مــن النــوم قالــت لــه زوجتــه: فرحـــت لـــك بالخمســـة مماليـــك الذيـــن اشتريتهـــم
مـــن العجـــوز فقـــال لهـــا: أي مماليـــك فقالـــت: لـــأي شـــيء تنكـــر منـــي إن شــــاء اللــــه يصيــــرون مثلــــك
أصحـــاب مناصـــب فقـــال لهـــا وحيـــاة رأســـي مـــا اشتريـــت مماليـــك مـــن قـــال ذلـــك فقالــــت: العجــــوز
الدلالــة التــي فصلتهــم منهــا وواعدتهــا أنــك تعطيهــا حقهــم ألـــف دينـــار ومائتيـــن لهـــا فقـــال لهـــا: وهـــل
أعطيتهــا المــال قالــت لــه: نعــم وأنــا رأيــت المماليــك بعينــي كــل واحــد عليــه بدلــة تســاوي ألــف دينــار
وأرسلـــت وصيـــت عليهـــم المقدميـــن فنـــزل الوالـــي فـــرأى اليهـــودي والحمـــار والمغربـــي والصبـــاغ وابــــن
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الوالــي لمــا نــزل ورأى اليهــودي والحمــار والمغربـــي والصبـــاغ وابـــن
التاجــر فقــال: يــا مقدميــن أيــن الخمســة مماليــك الذيــن اشتريناهــم مــن العجــوز بألــف دينـــار فقالـــوا: مـــا
هنــا مماليــك ومــا رأينــا إلا هــؤلاء الخمســة الذيــن أمسكــوا العجــوز وقبضــوا عليهــا فنمنــا كلنــا ثـــم إنهـــا
انسلـــت ودخلـــت الحريـــم وأتـــت الجاريـــة تقـــول: هـــل الخمســــة الذيــــن جــــاءت بهــــم العجــــوز عندكــــم
فقلنــا: نعــم فقــال الوالــي: واللــه إن هــذا أكبــر منصــف والخمســة يقولــون مــا نعـــرف حوائجنـــا إلا منـــك
فقــال لهــم: إن العجــوز صاحبتكــم باعتكــم لــي بألــف دينــار فقالــوا: مــا يحــل مــن اللــه نحــن أحـــرار لا
نبــاع ونحـــن وإيـــاك للخليفـــة فقـــال لهـــم: مـــا عـــرف العجـــوز طريـــق البيـــت إلا أنتـــم ولكـــن أنـــا أبيعكـــم
للأغـراب كـل واحـد بمائتـي دينــار فبينمــا هــم كذلــك وإذا بالأميــر حســن شــر الطريــق جــاء مــن سفــره
ورأى زوجتــه عريانــة وحكــت لــه جميــع مــا جــرى لهــا فقـــال لهـــا: أنـــا مـــا خصمـــي إلا الوالـــي فدخـــل
عليــه وقــال لــه: هــل أنــت تــأذن للعجائــز أن تــدور فــي البلـــد وتنصـــب علـــى النـــاس وتأخـــذ أموالهـــم
هــذا عهدتــك ولا أعــرف حوائــج زوجتــي إلا منــك ثــم قــال للخمســة: مــا خبركـــم فحكـــوا جميـــع مـــا
===
جــرى فقــال لهــم: أنتــم مظلومــون والتفــت إلـــى الوالـــي وقـــال لـــه: لـــأي شـــيء تسجنهـــم فقـــال لـــه: مـــا
أعــرف العجــوز طريــق بيتــي إلا هــؤلاء الخمســة حتــى أخــذت مالـــي الألـــف دينـــار وباعتهـــم للحريـــم
فقـــال: يـــا أميـــر امرأتـــك عنـــدي وضمـــان العجـــوز علـــي ولكـــن مـــن يعرفهـــا منكـــم قالـــوا كلهـــم: نحــــن
نعرفهـــا أرســـل معنـــا عشـــرة مقدميـــن ونحـــن نمسكهـــا فأعطاهـــم عشـــرة مقدميـــن فقـــال لهـــم الحمــــار:
اتبعونـــي فإنـــي أعرفهـــا بعيـــون زرق وإذا بالعجـــوز دليلـــة مقبلـــة مـــن زقــــاق وإذا بهــــم قبضــــوا عليهــــا
وساروا بها إلى بيت الوالي.
فلمــا رآهـــا الوالـــي قـــال: أيـــن حوائـــج النـــاس فقالـــت: لا أخـــذت ولا رأيـــت فقـــال للسجـــان: احبسهـــا
عنـدك للغـد قـال السجــان: أنــا لا آخذهــا ولا أسجنهــا مخافــة أن تعمــل منصفــاً وأصيــر أنــا ملزومــاً بهــا
فركـب الوالـي وأخـذ بصلبهـا مـن شعرهـا فسحبهـا المشاعلــي فــي البكــر واستحفــظ عليهــا عشــرة مــن
النــاس وتوجــه الوالــي لبيتــه إلــى أن أقبــل الظلــام وغلــب النــوم علــى المحافظيــن وإذا برجــل بــدوي سمــع
رجــل يقــول لرفيقــه: الحمــد للــه علــى السلامــة أيــن هــذه الغيبــة فقــال لــه: فــي بغــداد وتغديــت زلابيــة
بعســل فقــال البــدوي: لابــد مــن دخولــي بغــداد وآكــل فيهــا زلابيــة بعســل وكـــان عمـــره مـــا أكلهـــا زيـــن
وذمة العرب ما آكل إلا زلابية بعسل.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن البـــدوي لمـــا ركـــب حصانـــه وأراد دخـــول بغـــداد ســــار وهــــو
يقـول لنفسـه: أكـل الزلابيــة زيــن وذمــة العــرب أنــا لا آكــل إلا زلابيــة بعســل إلــى أن وصــل عنــد مصلــب
دليلــة فسمعتــه يقــول لنفســه هــذا الكلــام فأقبــل عليهــا وقــال لهــا: أي شــيء أنــت فقالــت لـــه: أنـــا فـــي
جيرتــك يــا شيــخ العــرب فقــال لهــا: إن اللــه قــد أجــارك ولكــن مـــا سبـــب صلبـــك فقالـــت لـــه: عـــدو
لـي زيـات يقلـي الزلابيـة فوقفــت أشتــري منــه شيئــاً فبزقــت فوقعــت بزقتــي علــى الزلابيــة فاشتكانــي
للحاكــم فأمــر الحاكــم بصلبــي وقــال: خــذوا لهــا عشــرة أرطــال زلابيــة بعســل وأطعموهــا إياهــا وهــي
مصلوبـة فـإن أكلتهـا فحلوهـا وإن لـم تأكلهـا فخلوهــا مصلوبــة وأنــا نفســي مــا تقبــل الحلــو فقــال البــدوي:
وذمـة العـرب مـا جئــت مــن النجــع إلا لآكــل الزلابيــة بالعســل وأنــا آكلهــا عوضــاً عنــك فقالــت لــه: هــذه
مـــا يأكلهـــا إلا الـــذي يتعلـــق موضعـــي فانطبقـــت عليـــه الحيلـــة فحلهـــا وربطتـــه موضعهـــا بعدمـــا قلعتـــه
الثيــاب التــي كانــت عليــه ثــم إنهــا لبســت ثيابــه وتعممــت بعمامتـــه وركبـــت حصانـــه وراحـــت لبنتهـــا
فقالــت لهــا بنتهــا: مــا هــذا الحــال فقالــت لهــا: صلبونــي وحكــت لهــا مــا وقـــع لهـــا مـــن البـــدوي هـــذا
ما كان من أمرها.
وأمـا مـا كـان مـن أمـر المحافظيـن فإنـه لمــا صحــى واحــد منهــم نبــه جماعتــه فــرأوا النهــار قــد طلــع فرفــع
واحــد منهــم عينيــه وقــال دليلــة فأجابـــه البـــدوي وقـــال: واللـــه مـــا نأكـــل بليلـــة هـــل أحضرتـــم الزلابيـــة
===
بالعســل فقالــوا: هــذا رجــل بــدوي فقالــوا لــه: يــا بــدوي أيــن دليلــة ومـــن فكهـــا قـــال: أنـــا فككتهـــا مـــا
تأكـــل الزلابيـــة بالعســـل غضبـــاً لـــأن نفسهـــا لا تقبلهـــا فعرفـــوا أن البـــدوي جاهـــل بحالهـــا فلعبـــت عليـــه
منصفــاً وقالــوا لبعضهــم: هــل نهــرب أو نستمــر حتــى نستوفــي مــا كتبــه اللــه علينـــا وإذا بالوالـــي مقبـــل
ومعـه الجماعـة الذيـن نصبـت عليهـم فقــال الوالــي للمقدميــن: قومــوا فكــوا دليلــة فقــال البــدوي: مــا نأكــل
بليلــة هــل أحضرتــم الزلابيــة بعســل فرفــع الوالــي عينيــه إلــى المصلــب فــرأى بدويــاً بــدل العجــوز فقــال
للمقدمين: ما هذا فقالوا: الأمان يا سيدي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الستين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن المحافظيــن قالــوا للوالــي: الأمــان يــا سيــدي فقــال لهــم: احكــوا لــي
مـا جـرى فقالـوا: نحـن كنـا سهرنـا معـك فـي الليـل وقلنـا دليلـة مصلوبـة ونعسنـا فلمــا صحونــا رأينــا هــذا
البـدوي مصلوبـاً ونحـن بيـن يديـك فقـال: يـا نـاس هــذه نصابــة وأمــان اللــه عليكــم فحلــوا البــدوي فتعلــق
البـدوي بالوالـي وقـال: اللـه ينصـر فيــك الخليفــة أنــا مــا أعــرف حصانــي وثيابــي إلا منــك فسألــه الوالــي
فحكــى لــه البــدوي قصتــه فتعجــب الوالــي وقــال لــه: لــأي شــيء حللتهــا فقــال لـــه: مـــا عنـــدي خبـــر
===
أنهـا نصابـة فقـال للجماعــة: نحــن مــا نعــرف حوائجنــا إلا منــك يــا والــي فإننــا سلمناهــا إليــك وصــارت
فـــي عهدتـــك ونحـــن وإيـــاك إلـــى ديـــوان الخليفـــة وكـــان حســـن شـــر الطريـــق طلـــع الديـــوان وإذا بالوالـــي
والبـدوي والخمســة مقبلــون وهــم يقولــون: إننــا مظلومــون فقــال الخليفــة: مــن ظلمكــم فتقــدم كــل واحــد
منهم وحكى له مـا جـرى عليـه حتـى الوالـي قـال: يـا أميـر المؤمنيـن إنهـا نصبـت علـي وباعـت لـي هـؤلاء
الخمسـة بألـف دينـار مـع أنهـم أحـرار فقـال الخليفــة: جميــع مــا ضــاع لكــم عنــدي وقــال للوالــي: ألزمتــك
بالعجــوز فنفــض الوالــي طوقــه وقــال: لا ألتــزم بذلــك بعدمــا علقتهــا فــي المصلــب فلعبــت علـــى هـــذا
البــدوي حتــى خلصهــا وعلقتــه فــي موضعهــا وأخــذت حصانــه وثيابــه فقــال الخليفــة: الـــزم بهـــا غيـــرك
فقــال: الــزم بهــا أحمــد الدنــف فــإن لــه فــي كــل شهــر ألــف دينــار ولأحمـــد الدنـــف مـــن الأتبـــاع واحـــد
وأربعــون لكــل واحــد فــي كــل شهــر مائــة دينــار فقـــال الخليفـــة: يـــا مقـــدم أحمـــد قـــال: لبيـــك يـــا أميـــر
المؤمنيـن قـال لـه: ألزمتـك بحضـور العجـوز فقـال: ضمانهـا علـي ثــم إن الخليفــة حجــز الخمســة والبــدوي
عنده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والستين بعد الستمائة
===
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن الخليفــة لمــا ألــزم المقــدم أحمــد الدنــف بإحضــار العجــوز قــال لــه:
ضمانهـا علــي يــا أميــر المؤمنيــن ثــم نــزل هــو وأتباعــه إلــى القاعــة فقالــوا لبعضهــم: كيــف يكــون قبضنــا
عليهـا وكـم مـن عجائـز فــي البلــد فقــال واحــد منهــم يقــال لــه علــي كتــف الجمــل لأحمــد الدنــف: علــى
أي شــيء تشــاورون حســن شومــان وهــل حســن شومــان أمــر عظيـــم فقـــال حســـن: يـــا علـــي كيـــف
تستقلنـي والاسـم الأعظـم لا أرافقكـم فـي هـذه المـرة وقـام غضبـان فقـال أحمــد الدنــف: يــا شبــان كــل
قيــم يأخــذ عشــرة ويتوجــه بهــم إلــى حــارة ليفتشـــوا علـــى دليلـــة فذهـــب علـــي كتـــف الجمـــل بعشـــرة
وكذلـك كـل قيـم وتوجهـت كـل جماعـة إلـى حـارة وقالـوا قبـل توجههــم وافتراقهــم: يكــون اجتماعنــا فــي
الحـارة الفلانيـة فـي الزقـاق الفلانـي فشـاع فـي البلـد أن أحمـد الدنـف التـزم بالقبـض علــى الدليلــة المحتالــة
فقالـت زينـب: يـا أمـي إن كنـت شاطـرة تلعبـي علــى أحمــد الدنــف وجماعتــه فقالــت: يــا بنتــي أنــا مــا
أخــاف إلا مــن حســن شومــان فقالــت البنــت: وحيــاة مقصوصــي لآخــذ لــك ثيـــاب الواحـــد وأربعيـــن
ثـم قامـت ولبسـت بدلـة وتبرقعـت وأقبلـت علـى واحـد عطـار لـه قاعـة ببابيـن فسلمـت عليـه وأعطتــه
دينــاراً وقالــت لــه: خــذ هــذا الدينــار حلــوان قاعتــك وأعطنيهــا إلــى آخـــر النهـــار فأعطاهـــا المفاتيـــح
وراحــت أخــذت فرشــاً علــى حمــار الحمــار وفرشــت القاعـــة وحطـــت فـــي كـــل ليـــوان سفـــرة طعـــام
ومــدام ووقفــت علــى البــاب مكشوفــة الوجــه وإذا بعلــي كتـــف الجمـــل وجماعتـــه مقبلـــون فقبلـــت يـــده
===
فرآهـــا صبيـــة مليحـــة فحبهـــا وقــــال لهــــا: أي شــــيء تطلبيــــن فقالــــت لــــه: هــــل أنــــت المقــــدم أحمــــد
الدنــف فقــال: لا بــل أنــا مــن جماعتـــه واسمـــي علـــي كتـــف الجمـــل فقالـــت لهـــم: أيـــن تذهبـــون فقـــال:
نحــن دائــرون نفتـــش علـــى عجـــوز نصابـــة أخـــذت أرزاق النـــاس ومرادنـــا أن نقبـــض عليهـــا ولكـــن مـــن
أنــت ومــا شأنــك فقالــت: إن أبــي كــان خمــاراً فــي الموصلــي فمـــات وخلـــف لـــي مـــالاً كثيـــراً فجئـــت
هــذه البلــدة خوفــاً مــن الحكــام وسألــت النــاس مـــن يحمينـــي فقالـــوا لـــي: مـــا يحميـــك إلا المقـــدم أحمـــد
الدنف فقال لها جماعته: اليوم تجمعين به فقالت لهم: اقصدوا جبر خاطري بلقمة وشربة ماء.
فلمــا أجابوهــا أدخلتهــم فأكلــوا وسكــروا وحطــت لهــم البنــج فبنجتهـــم وقلعتهـــم حوائجهـــم ومثـــل مـــا
عملـت فيهـم عملـت فـي الباقـي فـدار أحمـد الدنـف يفتـش علـى دليلـة فلــم يجدهــا ولــم يــر مــن أتباعــه
أحــد إلــى أن أقبــل علــى الصبيـــة فقبلـــت يـــده فرآهـــا فحبهـــا فقالـــت لـــه: أنـــت المقـــدم أحمـــد الدنـــف
فقـال لهـا: نعــم ومــن أنــت قالــت: غريبــة مــن الموصــل وأبــي كــان خمــاراً ومــات وخلــف لــي مــالاً كثيــراً
وجئــت بــه إلــى هنــا خوفــاً مــن الحكــام ففتحــت هــذه الخمــارة فجعــل الوالــي علــي قانونــاً ومــرادي أن
أكـون فـي حمايتـك والـذي يأخـذه الوالـي أنـت أولـى بـه فقـال أحمـد الدنـف: لا تعطيـه شيئـاً ومرحبـاً بـك
فقالــت لـــه: اقصـــد جبـــر خاطـــري وكـــل طعامـــي فدخـــل وأكـــل وشـــرب مدامـــاً فانقلـــب مـــن السكـــر
فبنجتـه وأخـذت ثيابـه وحملـت الجميـع علـى فـرس البـدوي وحمـار الحمـار وأيقظــت عليــاً كتــف الجمــل
===
وراحــت فلمــا أفــاق رأى نفســه عريانــاً ورأى أحمــد الدنــف والجماعــة مبنجيــن فأيقظهـــم بضـــد البنـــج
فلمــــا أفاقــــوا رأوا أنفسهــــم عرايــــا فقــــال أحمــــد الدنــــف: مــــا هــــذا الحــــال يـــــا شبـــــاب نحـــــن دائـــــرون
لنصطادهـا فاصطادتنـا هـذه العاهـرة يـا فرحــة حســن شومــان فينــا ولكــن اصبــر حتــى تدخــل العتمــة
ونــروح وكــان حســن شومــان قــال للنقيــب: أيــن الجماعــة فبينمــا هــو يســأل عنهــم وإذا بهــم قـــد أقبلـــوا
وهم عرايا فأنشد حسن شومان هذين البيتين:
والناس مشتبهون فـي ايرادهـم وتبايـن الأقـوال فــي الأصــدار
ومــن الرجــال معالــم ومجاهــل ومن النجوم غوامض ودراري
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والستين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن حســـن شومـــان قـــال للجماعــــة: مــــن لعــــب عليكــــم وأعراكــــم
فقالـــوا: تعهدنـــا بعجـــوز نفتـــش عليهـــا ولا أعرانـــا إلا صبيـــة مليحـــة فقــــال حســــن شومــــان: نعــــم مــــا
فعلـت بكــم فقالــوا: هــل أنــت تعرفهــا يــا حســن فقــال: أعرفهــا وأعــرف العجــوز فقالــوا لــه: أي شــيء
تقـول عنـد الخليفـة فقـال شومــان: يــا دنــف نفــض طوقــك قدامــه فــإن قــال لــك لــأي شــيء مــا قبضــت
===
عليهـا فقـل أنـا مـا أعرفهـا والـزم بهــا حســن شومــان فــإن ألزمنــي بهــا فأنــا أقبضهــا وباتــوا فلمــا أصبحــوا
طلعـــوا ديـــوان الخليفـــة فقبلـــوا الـــأرض بيـــن يديـــه فقـــال الخليفـــة: أيـــن العجـــوز يـــا مقـــدم أحمـــد فنفـــض
طوقـه فقـال: لـأي شـيء فقـال: أنـا مـا أعرفهـا والـزم بهــا حســن شومــان فإنــه يعرفهــا هــي وبنتهــا وقــال:
إنهـا مــا عملــت هــذه الملاعــب طمعــاً فــي حوائــج النــاس ولكــن بيــان شطارتهــا وشطــارة بنتهــا لأجــل
أن ترتــب لهــا راتــب زوجهــا ولبنتهــا مثــل راتــب أبيهــا فشفــع فيهــا شومــان مــن القتــل وهـــو يأتـــي بهـــا
فقــال الخليفــة: وحيـــاة أجـــدادي إن أعـــادت حوائـــج النـــاس عليهـــا الأمـــان وهـــي فـــي شفاعتـــك فقـــال
شومــان أعطنــي الأمــان يــا أميــر المؤمنيــن فقــال لــه: هــي فــي شفاعتـــك وأعطـــاه منديـــل الأمـــان فقـــال
الخليفـــة هـــي فـــي كرامتـــك تعالـــي يـــا عجـــوز مـــا اسمـــك فقالـــت: لهـــا: أيـــن أمـــك فقالــــت: موجــــودة
فقـال: قولـي لهـا تجـيء بحوائـج النـاس وتذهـب معـي لتقابـل الخليفـة وقـد جئــت لهــا بمنديــل الأمــان فــإن
كانــت لا تجــيء حوائــج النــاس مــع حمــار الحمــار وفــرس البـــدوي فقـــال لهـــا شومـــان: احضـــري ثيـــاب
كبيـري وثيـاب جماعتـه فقالـت والاسـم الأعظـم أنــي مــا أعريتهــم فقــال: صدقــت ولكــن هــذا منصــف
بنتـك زينـب وهــذه جميلــة معــك وســار وهــي معــه إلــى ديــوان الخليفــة فتقــدم حســن وعــرض حوائــج
النــاس علــى الخليفــة وقــدم دليلــة بيــن يديــه فلمـــا رآهـــا أمـــر برميهـــا فـــي بقعـــة الـــدم فقالـــت: أنـــا فـــي
جيرتــك يــا شومــان فقـــام شومـــان وقبـــل أيـــادي الخليفـــة وقـــال لـــه: العفـــو أنـــت أعطيتهـــا الأمـــان فنـــزل
===
شومــان وراح إلــى دليلــة فصــاح عليهــا فجاوبتــه بنتهــا زينــب فقــال اسمــي دليلــة فقالــت: مـــا أنـــت إلا
حيالــة محتالــة فلقبــت بدليلــة المحتالــة ثــم قــال لهــا: لــأي شــيء عملــت هــذه المناصــف وأتعبــت قلوبنــا
فقالــت: أنــا مــا فعلــت هــذه الفعـــال بقصـــد الطمـــع فـــي متـــاع النـــاس ولكـــن سمعـــت بمناصـــف أحمـــد
الدنـف التـي لعبهـا فـي بغـداد ومناصـف حســن شومــان فقلــت: أنــا الأخــرى أعمــل مثلهــا وقــد رددت
حوائــج النــاس إليهــم فقــام الحمــار وقــال: شــرع اللــه بينــي وبينهــا فإنهــا مــا كفاهــا أخــذ حمــاري حتـــى
سلطت علي المزين المغربي فقلع أضراسي وكواني في أصداغي كيين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والستين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الحمــار لمــا قــام وقــال: شــرع اللــه بينـــي وبينهـــا فإنهـــا مـــا كفاهـــا
أخـذ حمـاري حتـى سلطــت المزيــن المغربــي فقلــع أضراســي وكوانــي فــي أصداغــي كييــن أمــر الخليفــة
للحمــار بمائــة دينــار وللصبـــاغ بمائـــة دينـــار وقـــال: انـــزل عمـــر مصبغـــك فدعـــوا للخليفـــة ونـــزلا وأخـــذ
البــدوي حوائجــه وحصانــه وقــال: حــرام علــي دخــول بغــداد وأكــل الزلابيــة بالعســل وكــل مـــن كـــان لـــه
شيء أخذه وانفضوا كلهم. هذا ما جرى لدليلة المحتالة في مدينة بغداد.
===
وأمــا مــا كــان مــن أمــر علــي الزيبــق المصــري فإنــه كــان شاطــراً بمصــر فـــي زمـــن رجـــل يسمـــى صلـــاح
المصـري مقــدم ديــوان مصــر وكــان لــه أربعــون تابعــاً وكــان أتبــاع صلــاح المصــري يعملــون للشاطــر علــي
ويظنــون أنــه يقــع فيهــا فيفتشــون عليــه فيجدونــه قــد هــرب كمــا يهـــرب الزيبـــق فمـــن أجـــل ذلـــك لقبـــوه
بالزيبـق المصـري ثـم إن الشاطـر علـي كـان جالســاً يومــاً مــن الأيــام فــي قاعــة بيــن أتباعــه فانقبــض عليــه
وضــاق صــدره فــرآه نقيــب القاعــة قاعــداً عابــس الوجــه فقــال لــه مالــك يــا كبيــري إن ضــاق صـــدرك
فشـق شقــة فــي مصــر فإنــه يــزول عنــك الهــم إذا مشيــت فــي أسواقهــا فقــام وخــرج ليشــق فــي مصــر
فــازداد غمــاً وهمــاً فمــر علــى خمــارة فقــال لنفســه ادخــل وأسكــر فدخــل فــرأى فـــي الخمـــارة سبعـــة
صفـوف مـن الخلـق فقـال: يـا خمـار أنـا مـا أقعـد إلا وحـدي فأجلسـه الخمــار فــي طبقــة وحــده وأحضــر
لـه المـدام فشـرب حتـى غـاب عـن الوجـود ثـم طلـع مــن الخمــارة وســار فــي مصــر ولــم يــزل سائــراً فــي
شوارعهـا حتـى وصـل إلــى الــدرب الأحمــر وخلــت الطريــق قدامــه مــن النــاس هيبــة لــه فالتفــت فــرأى
رجــل سقــاء يسقــي بالكــوز ويقــول فــي الطريــق: يــا معــوض مــا شـــراب إلا مـــن زبيـــب ولا وصـــال إلا
مـن حبيـب ولا يجلـس فـي الصـدر إلا لبيـب فقـال لـه: تعـال اسقنــي فنظــر إليــه السقــاء وأعطــاه الكــوز
فطــل فـــي الكـــوز وخضـــه وكبـــه علـــى الـــأرض فقـــال لـــه السقـــاء: أمـــا تشـــرب فقـــال: اسقنـــي فملـــأه
وخضـه وكبـه فـي الـأرض وثالـث مـرة كذلـك فقـال لــه: إن كنــت مــا تشــرب أروح فقــال: اسقنــي فمــلأ
===
الكــوز وأعطــاه إيــاه فأخــذه منــه وشــرب ثــم أعطــاه دينــاراً وإذا بالسقــاء نظــر إليـــه واستقـــل بـــه وقـــال
له: أنعم بك يا غلام صغار قوم كبار آخرين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والستين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الشاطــر علــي لمــا أعطــى السقــاء دينــاراً نظـــر إليـــه واستقـــل بـــه
وقـال لـه: انعـم بـك صغـار قـوم كبـار قــوم آخريــن فنهــض الشاطــر علــي وقبــض علــى جلاليــب السقــاء
وسحب عليه خنجراً مثمناً كما قيل في هذين البيتين:
اضرب بخنجرك العنيد ولا تخف أحداً سوى من سطوة الخلـاق
وتجنب الخلق الذميم ولا تكـن أبــداً بغيـــر مكـــارم الأخلـــاق
فقـال: يـا شيـخ كلمنـي بمعقــول فــإن قربتــك إن غــلا ثمنهــا يبلــغ ثلاثــة دراهــم والكــوزان اللــذان دلقتهمــا
علــى الــأرض مقــدار رطــل مــن المــاء قــال لــه: نعــم قــال لــه: فأنــا أعطيتــك دينــاراً مـــن الذهـــب ولـــأي
شــيء تستقــل بــي فهــل رأيــت أحــداً أشجــع منــي أو أكــرم منــي فقــال لــه: رأيـــت أشجـــع منـــك فإنـــه
مـا دامـت النسـاء تلــد علــى الدنيــا لا شجــاع ولا كريــم فقــال لــه: مــن الــذي رأيــت أشجــع منــي وأكــرم
===
منـي فقـال لـه: اعلـم أن لـي واقعـة مـن العجـب وذلـك أن أبـي كـان شيـخ السقائيــن بالشرابيــة فــي مصــر
فمــات وخلــف لـــي خمســـة جمـــال وبغـــلاً ودكانـــاً وبيتـــاً ولكـــن الفقيـــر لا يستغنـــي وإذا استغنـــى مـــات
فقلـــت فـــي نفســـي: أنـــا أطلـــع الحجـــاز فأخـــذت قطـــار جمـــال ومازلـــت أقتـــرض حتـــى صـــار علـــي
خمسمائـة دينـار وضـاع منـي جميـع ذلـك فـي الحـج فقلـت فـي نفســي: إن رجعــت إلــى مصــر تحبسنــي
النـاس علـى أموالهـم فتوجهـت إلـى الحــج الشامــي حتــى وصلــت إلــى حلــب وتوجهــت مــن حلــب إلــى
بغــداد ثــم سألــت عــن شيــخ السقاءيــن ببغــداد فدلونــي عليــه فدخلــت وقــرأت الفاتحـــة فسألنـــي عـــن
حالـي فحكيـت لـه جميـع مـا جـرى لـي فأخلـى دكانــاً وأعطانــي قربــة وعــدة وسرحــت علــى بــاب اللــه
وطفت في البلـد فأعطيـت واحـدا الكـوز ليشـرب فقـال لـي: لـم آكـل شـيء حتـى أشـرب عليـه لأنـه مـر
علي بخيل في هذا اليوم وجاءني بقلتين بين يديه.
فقلـت لـه: يـا ابـن الخسيـس هـل أطعمتنـي شيئـاً حتـى تسقينـي عليـه فــرح يــا سقــاء حتــى آكــل شيئــا
وبعـد ذلـك اسقنـي فجئـت للثانـي فقـال: اللـه يرزقــك فصــرت علــى هــذا الحــال إلــى وقــت الظهــر ولــم
يعطنـي أحـد شـيء فقلـت: يـا ليتنـي مـا جئـت إلـى بغـداد وإذا أنـا بنـاس يسرعـون فـي الجـري فتبعتهـم
فرأيــت موكبــاً عظيمــاً منجــراً اثنيــن اثنيــن وكلهــم بالطواقــي والشــدود والبرانــس واللبــد والفولــاذ فقلــت
لواحد: هذا موكب من فقال: موكب المقدام أحمد الدنف.
===
وفي الليلة الخامسة والستين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن أن السقـــاء قـــال: فسألـــت واحــــداً مــــن الموكــــب فقــــال لأحمــــد
الدنــف فقلــت لــه: أي شــيء رتبتــه فقــال: مقــدم الديــوان ومقـــدم بغـــداد وعليـــه درك البـــر ولـــه علـــى
الخليفــة فــي كــل شهــر ألــف دينــار وهــم نازلــون مـــن الديـــوان إلـــى قاعتهـــم وإذا بأحمـــد الدنـــف رآنـــي
فقــال: تعــال اسقنــي فملــأت الكــوز وأعطيتــه إيــاه فخضــه وكبــه وثانــي مــرة كذلــك وثالــث مــرة شــرب
رشفــة مثلــك وقــال: يــا سقــاء مــن أيــن أنــت فقلــت لــه: مــن مصــر فقــال: حيــا اللــه مصـــر وأهلهـــا ومـــا
سبـب مجيئـك إلــى هــذه المدينــة فحكيــت لــه قصتــي وأفهمتــه أنــي مديــون وهربــان مــن الديــن والعيلــة
فقـــال: مرحبـــاً بـــك ثـــم أعطانـــي خمســـة دنانيـــر وقـــال لأتباعـــه: اقصـــدوا وجــــه اللــــه وأحسنــــوا إليــــه
فأعطانــي كــل واحـــد دينـــار وقـــال: يـــا شيـــخ مـــا دمـــت فـــي بغـــداد ذلـــك علينـــا لـــك كلمـــا أسقيتنـــا
فصــرت أتــردد عليهــم وصــار يأتينــي الخيــر مــن النــاس ثــم بعـــد أيـــام أحصيـــت الـــذي اكتسبتـــه منهـــم
فوجدتـه ألـف دينـار فقلـت فـي نفسـي: صــار رواحــك إلــى البلــاد أصــوب فرحــت لــه القاعــة وقبلــت
يديه فقال: أي شيء تطلب فقلت له: أريد السفر وأنشدته هذين البيتين:
اقامــات الغريـــب بكـــل أرض كبنيــان القصــور علــى الريــاح
===
وقلــت لــه: إن القافلــة متوجهــة إلــى مصــر ومــرادي أن أروح إلـــى عيالـــي فأعطانـــي بغلـــة ومائـــة دينـــار
وقال: غرضنا أن نرسل معك أمانة يا شيخ فهل أنت تعرف أهل مصر فقلت له: نعم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والستين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن السقــاء لمـــا قـــال: إن أحمـــد الدنـــف أعطانـــي بغلـــة ومائـــة دينـــار
وقــال: غرضنــا أن نرســـل معـــك أمانـــة فهـــل أنـــت تعـــرف أهـــل مصـــر قـــال السقـــاء: نعـــم فقـــال: خـــذ
هـذا الكتـاب وأوصلـه إلـى علـي الزيبـق المصـري وقـل لــه: كبيــرك يسلــم عليــك وهــو الــآن عنــد الخليفــة
فأخـذت منـه الكتـاب وسافـرت حتـى دخلــت مصــر فرآنــي أربــاب الديــون فأعطيتهــم الــذي علــي ثــم
عملـت سقـاء ولـم أوصـل الكتـاب لأنـي لـم أعـرف قاعـة علـي الزيبـق المصـري فقـال لــه: يــا شيــخ طــب
نفســاً وقــر عينــاً فأنــا علــي الزيبــق المصــري أول صبيــان المقــدم أحمــد الدنـــف فهـــات الكتـــاب فأعطـــاه
إياه فلما فتحه وقرأه رأى فيه هذين البيتين:
كتبــت إليــك يــا زيـــن الملـــاح علــى ورق يسيــر مـــع الريـــاح
ولـو أنــي أطيــر لطــرت شوقــا وكيف يطيـر مقصـوص الجنـاح
===
وبعــد فالسلــام مــن المقــدم أحمــد الدنــف إلــى أكبــر أولــاده علــي الزيبــق المصــري والــذي نعلمــك بــه أنـــي
تقصـدت صلـاح الديــن المصــري ولعبــت معــه مناصــف حتــى دفتنتــه بالحيــاة وأطاعتنــي صبيانــه ومــن
جملتهــم علــي كتــف الجمــل وتوليــت مقــدم مدينــة بغــداد فــي ديــوان الخليفــة ومكتــوب علــى درك البــر
فـإن كنـت ترعـى العهــد الــذي بينــي وبينــك فــأت عنــدي لعلــك تلعــب منصفــاً فــي بغــداد يقربــك مــن
خدمة الخليفة فيكتب لك جامكية وجراية ويعمل لك قاعة وهذا هو المرام والسلام.
فلمـا قـرأ الكتـاب قبلـه وحطـه علـى رأسـه وأعطـى السقـاء عشـرة دنانيــر بشــارة ثــم توجــه إلــى القاعــة
ودخــل علــى صبيانــه وأعلمهــم بالخبــر وقــال لهــم: أوصيكــم ببعضكــم ثــم قلــع مـــا كـــان عليـــه ولبـــس
مشلحـاً وطربوشـاً وأخـذ عليـه فيهـا مـزراق مـن عـود القناطـر لــه أربعــة وعشــرون ذرعــاً وهــو معشــق
فـي بعضـه فقــال لــه النقيــب: أتسافــر والمخــزن قــد فــرغ فقــال لــه: إذا وصلــت إلــى الــام أرســل إليكــم
مـا يكفيكـم وسـار إلـى حـال سبيلـه فلحـق ركبـاً مسافـراً فـرأى فيــه شــاه بنــدر التجــار ومعــه أربعــون
تاجـراً قــد حملــوا حمولهــم وحمــول شــاه بنــدر التجــار علــى الــأرض ورأى مقدمــه رجــلاً شاميــاً وهــو
يقـول للبغاليـن: واحـد منكـم يساعدنـي فسبـوه وشتمـوه فقـال فــي نفســه: لا يحســن سفــري إلا مــع هــذا
المقــدم وكــان علـــي أمـــرداً مليحـــاً فتقـــدم إليـــه وسلـــم عليـــه فرحـــب بـــه وقـــال لـــه: أي شـــيء تطلـــب
فقـــال لـــه: يـــا عمـــي رأيتـــك وحيــــداً وحمولتــــك أربعــــون بغــــلاً ولــــأي شــــيء مــــا جئــــت لــــك بنــــاس
===
يساعدونــك فقــال: يــا ولــدي قــد اكتريــت ولديــن وكسوتهمــا ووضعــت لكــل واحـــد فـــي جيبـــه مائتـــي
دينــار فساعدانــي إلــى الخانكــة وهربــا فقــال لــه: وإلــى أيـــن تذهبـــون قـــال: إلـــى حلـــب فقـــال لـــه: أنـــا
أساعــدك فحملــوا الحمــول وســاروا وركــب شــاه بنـــدر التجـــار بغلتـــه وســـار ففـــرح المقـــدم الشامـــي
بعلـي وعشقـه إلـى أن أقبــل الليــل فنزلــوا وأكلــوا وشربــوا فجــاء وقــت النــوم فحــط علــي جنبــه وجعــل
نفســه نائمــاً فنــام المقــدم قريبــاً منــه فقــام علـــي مـــن مكانـــه وقعـــد علـــى بـــاب صيـــوان التاجـــر فانقلـــب
المقـدم وأراد أن يأخـذ عليـاً فـي حضنـه فلـم يجــده فقــال فــي نفســه: لعلــه واعــد واحــداً فأخــذه ولكــن
أنـا أولـى وفـي غيـر هـذه الليلـة أحجـزه وأمـا علـي فإنـه لـم يـزل علـى بــاب صيــوان التاجــر إلــى أن قــرب
الفجر فجاء ورقد عند المقدم.
فلمـا استيقـظ المقـدم وجـده فقـال فـي نفسـه: إن قلـت لـه أيـن كنـت يتركنـي ويـروح ولـم يـزل يخادعــه إلــى
أن أقبلـوا إلـى مغـارة فـي غابـة وفـي تلـك الغابـة سبـع كاسـر وكلمـا تمـر قافلـة يعملـون القرعـة بينهـم فكـل
مــن خرجــت عليــه القرعــة يرمونــه للسبــع فعملــوا القرعــة فلــم تخـــرج إلا علـــى شـــاه بنـــدر التجـــار وإذا
بالسبــع قطــع عليهــم الطريــق ينتظـــر الـــذي يأخـــذه مـــن القافلـــة فصـــار شـــاه بنـــدر التجـــار فـــي كـــرب
شديــد وقـــال للمقـــدم: اللـــه يخيـــب كعبـــك وسفرتـــك ولكـــن وصيتـــك بعـــد موتـــي أن تعطـــي أولـــادي
حمولي فقال الشاطر علي: ما سبب هذه الحكاية فأخبروه بالقصة.
===
وفي الليلة السابعة والستين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن التجـــار أخبـــروا علـــي المصـــري بالقصــــة فقــــال: ولــــأي شــــيء
تهربــون مــن قــط البــر فأنــا ألتــزم لكــم بقتلــه فــراح المقــدم إلــى التاجـــر وأخبـــره فقـــال: إن قتلـــه أعطيتـــه
ألــف دينــار وقــال بقيــة التجــار: ونحــن كذلــك نعطيــه فقــام علــي وخلــع المشلــح فبـــان عليـــه عـــدة مـــن
بولــاد فأخــذ شريــط بولــاد وفــرك لولبــه وانفــرد قــدام السبــع وصــرخ عليــه فهجــم عليــه السبـــع فضربـــه
علـي المصـري بالسيـف بيـن عينيـه فقسمـه نصفيــن والمقــدم والتجــار ينظرونــه قــال للمقــدم: لا تخــف يــا
عمــي فقــال: يــا ولــدي أنــا بقيــت صبيــك فقــام التاجـــر واحتضنـــه وقبلـــه بيـــن عينيـــه وأعطـــاه الألـــف
دينــار وكــل تاجــر أعطــاه عشريــن دينــاراً فحــط جميـــع المـــال عنـــد التاجـــر وباتـــوا وأصبحـــوا عامديـــن
إلـى بغـداد فوصلـوا إلـى غابـة الأسـاد ووادي الكلـاب وإذا فيـه رجـل بـدوي عـاص قاطـع الطريــق ومعــه
قبيلـة فطلـع عليهـم فولـت النـاس مـن بيـن أيديهـم فقـال التاجـر: ضـاع مالــي وإذا بعلــي أقبــل عليهــم وهــو
لابــس جلــد ملآنـــاً جلاجـــل واطلـــع المـــزارق وركـــب عقلـــه فـــي بعضهـــا واختلـــس حصانـــاً مـــن خيـــل
البــدوي وركبــه وقــال للبــدوي: بازنـــي بالرمـــح وهـــز الجلاجـــل فجفلـــت فـــرس البـــدوي مـــن الجلاجـــل
وضـرب مـزارق البـدوي فكسـره وضربـه علـى رقبتـه فرمــى دماغــه فنظــره قومــه فانطبقــوا علــى علــي
===
فقــال: اللــه أكبــر ومــال عليهــم فهزمهــم وولــوا هاربيــن ثــم رفــع دمــاغ البــدوي علـــى رمـــح وأنعـــم عليـــه
التجـار وسافـروا حتـى وصلـوا إلـى بغـداد فطلـب الشاطــر علــي المــال مــن التاجــر فأعطــاه إيــاه فسلمــه
إلـى المقـدم وقـال لـه: حيـن تـروح مصـر اسـأل عـن قاعتـي وأعـط المـال لنقيـب القاعـة ثـم بـات علــي ولمــا
أصبـح دخـل المدينـة وشـق فيهـا وسـأل عـن قاعـة أحمـد الدنـف فلـم يدلـه أحـد عليهــا ثــم تمشــى حتــى
وصـل إلـى ساحـة النفـض فــرأى أولــاداً يلعبــون وفيهــم ولــد يسمــى أحمــد اللقيــط فقــال علــي: لا تأخــذ
أخبارهم إلا من صغارهم.
فالتفـــت علـــي فـــرأى حلوانيـــاً فاشتـــرى منـــه حلـــاوة وصـــاح علـــى الأولـــاد وإذا بأحمــــد اللقيــــط طــــرد
الأولـاد عنـه ثـم تقـدم هـو وقـال لعلــي: أي شــيء تطلــب قــال لــه: أنــا كــان معــي ولــد مــات فرأيتــه فــي
المنــام يطلــب حلــاوة فاشتريتهــا فأريــد أن أعطــي لكــل ولــد قطعــة فنظرهــا فــرأى فيهــا دينـــاراً لاصقـــاً
بهـا فقـال لـه: رح أنـا مـا عنـدي فاحشـة واسـأل عنـي فقـال: يـا ولــدي مــا يأخــذ الكــراء إلا شاطــر وأنــا
درت فــي البلــد أفتــش عــن قاعــة أحمــد الدنــف فلــم يدلنــي عليهــا أحــد وهــذا الدينــار كرائـــك فقـــال
لــه: أنــا أروح أجــري قدامــك وأنـــت تجـــري ورائـــي إلـــى أن أصـــل القاعـــة فآخـــذ فـــي رجلـــي حصـــوة
فأرمهــا علــى البــاب فتعرفهــا فجــرى الولــد وجــرى علــي وراءه إلــى أن أخــذ الحصــوة برجلـــه ورماهـــا
على باب القاعة فعرفها.
===
وفي الليلة الثامنة والستين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيــــد أن أحمــــد اللقيــــط لمــــا جــــرى قــــدام الشاطــــر علــــي وأراه القاعــــة
وعرفهــا قبـــض علـــى الولـــد وأراد أن يخلـــص منـــه الدينـــار فلـــم يقـــدر فقـــال لـــه: رح تستاهـــل الإكـــرام
لأنــك ذكــي كامــل العقــل والشجاعــة وإن شــاء اللــه تعالــى إن عملــت مقدمــاً عنــد الخليفــة أجعلــك مــن
صبيانــي فــراح الولــد وأمــا علــي الزيبـــق المصـــري فإنـــه أقبـــل علـــى القاعـــة وطـــرق البـــاب فقـــال أحمـــد
الدنــف: يــا نقيــب افتــح البــاب هــذه طرقــة علــي الزيبــق المصــري ففتــح لــه البــاب ودخــل علــى أحمـــد
الدنـف وسلـم وقابلـه بالعنـاق وسلـم عليـه الأربعـون ثـم إن أحمـد الدنـف ألبسـه حلـة وقــال لــه: إنــي لمــا
ولانــي الخليفــة مقدمــاً عنــده كســى صبيانــي فأبقيــت لــك هــذه الحلــة ثــم أجلســوه فــي صــدر المجلــس
بينهــم وأحضــروا لــه الطعــام فأكلــوا والشــراب فشربــوا وسكـــروا إلـــى الصبـــاح ثـــم قـــال أحمـــد الدنـــف
لعلـي المصـري: إيـاك أن تشـق فـي بغـداد بـل استمـر جالسـاً فـي هـذه القاعـة فقـال لــه: لــأي شــيء فهــل
جئت لأحبس أنا ما جئت إلا لأجل أن أتفرج.
فقـال لـه: يـا ولـدي لا تحسـب أن بغــداد مثــل مصــر هــذه بغــداد محــل الخلافــة وفيهــا شطــارى كثيــرون
وتنبــت فيهــا الشطــارة كمــا ينبــت البقــل فــي الــأرض فأقــام علــي فـــي القاعـــة ثلاثـــة أيـــام فقـــال أحمـــد
===
الدنــف لعلــي المصــري: أريــد أن أقربــك عنــد الخليفــة لأجــل أن يكتــب لــك جامكيــة فقــال لــه: حتـــى
يــؤون الــأوان فتــرك سبيلــه ثــم إن عليــاً كــان قاعــداً فــي القاعــة يومــاً مــن الأيـــام فانقبـــض قلبـــه وضـــاق
صـدره فقـال لنفسـه: قـم شـق فـي بغـداد وينشـرح صـدرك فخـرج وسـار مـن زقــاق إلــى زقــاق فــرأى
فـي وسـط السـوق دكانـاً فدخـل وتغـدى فيـه وطلـع يغسـل يديـه وإذا بأربعيـن عبــداً بالشريطــات البولــاد
واللبد وهـم سائـرون اثنيـن اثنيـن وآخـر الكـل دليلـة المحتالـة راكبـة فـوق بغلـة وعلـى رأسهـا خـوذة مطليـة
بالذهــب وبيضــة مــن بولــاد وزرديــة ومــا يناســب ذلـــك وكانـــت دليلـــة نازلـــة مـــن الديـــوان ذاهبـــة إلـــى
الخــان. فلمــا رأت عليــاً الزيبــق المصــري تأملــت فيــه فرأتـــه يشبـــه أحمـــد الدنـــف فـــي طولـــه وعرضـــه
وعليـه عبـاء وبرنـص وشريـط مـن بولـاد ونحـو ذلــك والشجاعــة لائحــة عليــه تشهــد لــه ولا تشهــد عليــه
فســارت فــي الخــان واجتمعــت ببنتهــا زينــب وأحضــرت تخــت رمــل فضربــت الرمــل فطلــع لهــا اسمــه
علــي المصــري وسعــده غالــب علــى سعدهــا وسعــد بنتهــا زينــب فقالــت لهـــا: أي شـــيء ظهـــر لـــك
حيــن ضربــت هـــذا التخـــت فقالـــت: أنـــا رأيـــت اليـــوم شابـــاً يشبـــه أحمـــد الدنـــف وخائفـــة أن يسمـــع
أنــك أعريــت أحمــد الدنــف وصبيانــه فيدخــل الخــان ويلعــب معنــا منصفــا لأجــل أن يخلــص ثــأر كبيـــره
وثـأر الأربعيـن وأظـن أنـه نـازل فـي قاعـة أحمـد الدنـف فقالـت لهــا بنتهــا زينــب: أي شــيء هــذا أظــن
أنك حسبت حسابه ثم لبست بدلة من أفخر ما عندها وخرجت تشق في البلد.
===
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن زينـــب بنـــت الدليلـــة المحتالـــة خرجـــت تشـــق البلـــد فلمـــا رآهـــا
النــاس يتعشقــون فيهــا وهــي توعــد وتخلــف وتسمــع وتسطــح وســارت مـــن ســـوق إلـــى ســـوق حتـــى
رأت عليــاً المصــري مقبــلاً عليهــا فزاحمتــه بكتفهــا والتفتــت وقالــت: اللــه يحيــي أهــل النظــر فقــال لهــا:
أنـــت متزوجـــة أو عازبـــة فقالـــت: متزوجـــة فقـــال لهـــا: عنــــدي أو عنــــدك فقالــــت: أنــــا بنــــت تاجــــر
وزوجــي تاجــر وعمــري مــا خرجــت إلا فــي هــذا اليــوم ومــا ذاك إلا أنــي طبخـــت طعامـــاً وأردت أن
آكـل فمـا لقيـت لـي نفسـاً ولمـا رأيتـك وقعـت محبتـك فـي قلبـي فهــل يمكــن أن تقصــد جبــر قلبــي وتأكــل
عنـدي لقمـة فقـال لهــا: مــن دعــي فليجيــب ومشــت وتبعهــا مــن زقــاق إلــى زقــاق ثــم قــال فــي نفســه
وهــو مــاش خلفهــا: كيــف تفعــل وأنــت غريــب وقــد ورد مــن زنــى فـــي غربتـــه رده اللـــه خائبـــاً ولكـــن
ادفعهــا عنــك بلطــف ثــم قــال: خــذي هــذا الدينــار واجعلــي الوقــت غيــر هــذا فقالـــت لـــه: والاســـم
الأعظـم مـا يمكـن إلا أن تـروح معـي هـذا البيــت وأستضيفــك فتبعهــا إلــى أن وصلــت بــاب دار عليهــا
بوابــة عاليــة والضبــة مغلقــة فقالــت لــه افتــح هــذه الضبــة فقــال لهــا: وأيـــن مفتاحهـــا فقالـــت لـــه: ضـــاع
فقـال لهـا: كـل مـن فتـح ضبـة بغيـر مفتـاح يكـون مجرمـاً وعلـى الحاكـم تأديبـه وأنــا لا أعــرف شيئــاً حتــى
===
أفتحهـا بـلا مفتـاح فكشـف الـإزار عـن وجههـا فنظرهـا نظـرة أعقبتـه ألــف حســرة ثــم أسبلــت ازارهــا
فــي الضبــة وقــرأت أسمــاء موســى ففتحهــا بــلا مفتــاح. ودخلــت فتبعهــا فــرأى سيوفــاً وأسلحـــة مـــن
البولــاد ثــم إنهــا خلعــت الــازار وقعــدت معــه فقــال فــي نفســه استــوف مــا قــدره اللـــه عليـــك ثـــم مـــال
عليهـــا يأخـــذ قبلـــة مـــن خدهـــا فوضعـــت كفهـــا علـــى خدهـــا وقالـــت لـــه: مــــا صفــــاء إلا فــــي الليــــل
وأحضـــرت سفـــرة طعـــام ومـــدام فأكـــلا وشربـــا وقامـــت ملـــأت الإبريـــق مـــن البئـــر وكبـــت علــــى يديــــه
فغسلهمـا فبينمـا همـا كذلـك وإذا بهـا دقـت علــى صدرهــا وقالــت: إن زوجــي كــان عنــده خاتــم مــن
ياقـــوت مرهـــون علـــى خمسمائـــة دينـــار فلبستـــه فجـــاء واسعـــاً فضيقتـــه بشمعـــة فلمــــا أدليــــت الدلــــو
سقـط الخاتـم فـي البئـر ولكـن التفـت إلـى جهــة البــاب حتــى أتعــرى وأنــزل البئــر لأجــيء بــه فقــال لهــا:
عيـب علـي أن تنزلـي وأنـا موجـود فمـا ينـزل إلا أنـا فقلـع ثيابـه وربـط نفسـه فـي السلــة وأدلتــه فــي البئــر
وكـان المـاء فيــه غزيــراً ثــم قالــت لــه: إن السلــة قــد قصــرت منــي ولكــن فــك نفســك وانــزل ففــك ونــزل
فـي المـاء وغطـس فيـه قامــات ولــم يحصــل قــرار البئــر وأمــا هــي فإنهــا لبســت إزارهــا وأخــذت ثيابــه
وراحت إلى أمها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن عليــاً المصــري لمــا نــزل فــي البئــر وزينــب أخـــذت ثيابـــه راحـــت
إلــى أمهــا وقالــت لهـــا: قـــد أعريـــت عليـــاً المصـــري وأوقعتـــه فـــي بئـــر الأميـــر حســـن صاحـــب الـــدار
وهيهــات أن يخلــص وأمــا الأميــر حســن صاحــب الــدار فإنــه كــان فــي وقتهــا غائبــاً فـــي الديـــوان فلمـــا
أقبــل رأى بيتــه مفتوحــاً فقــال للسائــس: لــأي شــيء مــا أغلقــت الضبــة فقــال: يــا سيــدي إنــي أغلقتهــا
بيـدي فقـال: وحيـاة راسـي إن بيتـي قـد دخلـه حرامـي ثـم دخـل الأميـر حسـن وتلفـت فـي البيــت فلــم
يجـــد أحـــداً فقـــال للسائـــس امـــلأ الإبريـــق حتـــى أتوضـــأ فأخـــذ السائــــس الدلــــو وأدلــــاه فلمــــا سحبــــه
وجده ثقيلاً فطل في البئـر فـرأى شيئـاً قاعـدا فـي السطـل فلقـاه فـي البئـر ثانيـاً ونـادى وقـال: يـا سيـدي
قد طلع لي عفريت من البئر.
فقــال لـــه الأميـــر حســـن: رح هـــات أربعـــة فقهـــاء يقـــرؤون القـــرآن عليـــه حتـــى ينصـــرف فلمـــا أحضـــر
الفقهــاء قــال لهــم: احتاطــوا بهــذا البئــر واقــرؤوا علــى هــذا العفريــت ثــم جــاء العبــد والسائـــس وأنـــزلا
الدلـو وإذا بعلـي المصــري تعلــق بــه وخبــأ نفســه فــي الدلــو وصبــر حتــى صــار قريبــاً منهــم ووثــب مــن
الدلـــو وقعـــد بيـــن الفقهـــاء فصـــاروا يلطشـــون بعضهـــم بعضـــاً ويقولـــون: عفريـــت عفريـــت فـــرآه الأميــــر
حســن غلامــاً إنسيــاً فقــال لــه: هــل أنــت حرامــي فقــال: لا فقـــال: مـــا سبـــب نزولـــك فـــي البئـــر فقـــال
لـه: أنـا نمـت واحتلمـت فنزلـت لأغتسـل فـي بحـر الدجلـة فغطسـت فجذبنـي المـاء تحـت الـأرض حتــى
===
خرجـت مـن هـذا البئـر فقـال لـه: قـل الصـدق فحكـى لـه جميــع مــا جــرى لــه فأخــرج مــن البيــت بثــوب
قديـم فتوجـه إلـى قاعـة أحمـد الدنـف وحكـى لـه مـا وقـع لـه فقــال: مــا قلــت لــك إن بغــداد فيهــا نســاء
تلعــب علــى الرجــال فقــال علــي كتــف الجمــل: بحــق الاســم الأعظـــم أن تخبرنـــي كيـــف تكـــون رئيـــس
فتيـان مصـر وتعريـك صبيــة فصعــب عليــه ذلــك ونــدم فكســاه أحمــد الدنــف بدلــة غيرهــا ثــم قــال لــه
حســن شومــان: هــل أنـــت تعـــرف الصبيـــة فقـــال: لا فقـــال: هـــذه زينـــب بنـــت الدليلـــة المحتالـــة بوابـــة
خـان الخليفــة فهــل وقعــت فــي شبكتهــا يــا علــي قــال: نعــم فقــال لــه: يــا علــي إن هــذه أخــذت ثيــاب
كبيــرك وثيــاب جميــع صبيانــه فقــال: هــذا عـــار عليكـــم فقـــال لـــه: وأي شـــيء مـــرادك فقـــال: مـــرادي
أن أتزوج بها فقال له: هيهات سل فؤادك عنها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والسبعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن حســـن شومـــان قـــال لعلـــي المصـــري هيهـــات ســـل فـــؤادك عنهـــا
فقــال لــه: ومــا حيلتــي فــي زواجهــا يــا شومــان فقــال مرحبــاً بــك إن كنــت تشــرب مـــن كفـــي وتمشـــي
تحـت رايتـي بلغـت مـرادك منهـا فقــال لــه: نعــم فقــال لــه: يــا علــي اقلــع ثيابــك فقلــع ثيابــه وأخــذ قــدراً
===
وغلــى فيــه شيئــاً مثــل الزفــت ودهنــه بــه فصــار مثــل العبــد الأســود ودهـــن شفتيـــه وخديـــه وكحلـــه
بكحـل أحمـر وألبسـه ثيــاب خــدام وأحضــر عنــده سفــرة كبــاب ومــدام وقــال لــه: إن فــي الخــان عبــداً
طباخــاً وأنــت صــرت شبيهــه ولايحتــاج مــن الســوق إلا اللحمـــة والخضـــار فتوجـــه إليـــه بلطـــف وكلمـــه
بكلـام العبيـد وسلـم عليـه وقـل لـه: أنـا مـن زمـان مـا اجتمعـت بـك فـي البوظـة فيقــول لــك: أنــا مشغــول
وفي رقبتـي أربعـون عبـداً أطبـخ لهـم سماطـاً فـي الغـداء وسماطـاً فـي العشـاء وأطعـم الكلـاب وسفـرة
لدليلـــة وسفـــرة لبنتهـــا زينـــب ثـــم قـــال لــــه: تعــــال نأكــــل كبابــــاً ونشــــرب بوظــــة وادخــــل وإيــــاه القاعــــة
واسكــره ثــم اسألــه عـــن الـــذي يطبخـــه كـــم لـــون هـــو وعـــن أكـــل الكلـــاب وعـــن مفتـــاح المطبـــخ وعـــن
مفتــاح الكــوار فإنــه يخبــرك لــأن السكــران يخبــر بجميــع مــا يكتمــه فــي حــال صحــوه وبعــد ذلــك بنجـــه
والبـس ثيابـه وخـذ السكاكيـن فـي وسطـك وخـذ مقطـف الخضـار واذهـب إلـى السـوق واشتــر اللحــم
والخضـار ثـم ادخــل المطبــخ والكــرار واطبــخ الطبيــخ ثــم اغرفــه وخــذ الطعــام وادخــل بــه علــى دليلــة
فـي الخـان وحـط البنـج فـي الطعـام حتـى تبنـج الكلـاب والعبيـد ودليلــة وبنتهــا زينــب ثــم اطلــع القصــر
وائـت بجميــع الثيــاب منــه وإن كــان مــرادك أن تتــزوج بزينــب تجــيء معــك بالأربعيــن طيــراً التــي تحمــل
الرسائـل فطلـع فـرأى العبـد الطبـاخ فسلـم عليـه وقـال لـه: مــر زمــان مــا اجتمعنــا بــك فــي البوظــة فقــال
لـه: أنـا مشغـول بالطبيـخ للعبيــد والكلــاب فأخــذه وأسكــره وسألــه عــن الطبيــخ كــم لــون هــو فقــال لــه:
===
كــل يــوم خمســة ألــوان فــي العشــاء وطلبــوا منــي أمـــس لونـــاً سادســـاً وهـــو الـــزردة ولونـــاً سابعـــاً وهـــو
طبيـــخ حـــب الرمـــان فقـــال: وأي شـــيء حـــال السفـــرة التـــي تعملهـــا فقـــال: أودي السفـــرة إلـــى زينــــب
وبعدهــا أودي سفــرة لدليلــة وأعشــي العبيــد وبعدهــم أعشــي الكلــاب وأطعــم كــل واحــد كفايتــه مــن
اللحـم وأقـل مـا يكفيـه رطـل وأنستــه المقاديــر أن يسألــه عــن المفاتيــح ثــم قلعــه ثيابــه ولبسهــا هــو وأخــذ
المقطف وراح إلى السوق وأخذ اللحم والخضار.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيـد أن عليـاً المصـري لمـا بنـج العبــد الطبــاخ أخــذ السكاكيــن وحطهــا فــي
حزامــه وأخــذ مقطــف الخضــار ثــم ذهــب إلــى الســوق واشتـــرى اللحـــم والخضـــار ثـــم رجـــع ودخـــل
الخـان فـرأى دليلـة قاعـدة تنفـذ الداخـل والخـارج ورأى الأربعيـن عبـداً مسلحيــن فقــوي قلبــه فمــا رأتــه
دليلــة عرفتــه فقالـــت لـــه: ارجـــع يـــا رئيـــس الحراميـــة أتعمـــل علـــي منصفـــاً فـــي الخـــان فالتفـــت علـــي
المصــري وهــو فــي صــورة العبــد إلــى دليلــة وقــال لهــا: مــا تقوليــن يــا بوابــة فقالـــت لـــه: مـــاذا صنعـــت
بالعبــد الطبــاخ وأي شــيء فعلــت فيــه فهــل قتلتــه أو بنجتــه فقــال لهـــا: أي طبـــاخ فهـــل هنـــاك طبـــاخ
===
غيــري فقالــت: تكــذب أنــت يــا علــي الزيبــق المصــري فقــال لهــا بلغــة العبيــد: هــل المصرييــن بيضـــاً أو
سـوداً أنـا مـا بقيـت أخـدم فقـال العبيـد: مـا لــك يــا ابــن عمنــا فقالــت دليلــة: مــاذا هــو ابــن عمــك هــذا
علـــي الزيبـــق المصـــري وكأنـــه بنـــج ابـــن عمكـــم أو قتلـــه فقالـــوا: هـــذا ابـــن عمنـــا سعــــد اللــــه الطبــــاخ
فقالــت لهــم: مــا هــو ابــن عمكــم بــل هــو علــي المصــري وصبــغ جلــده فقــال لهــا: مــن علــي أنــا سعـــد
اللــه فقالــت: إن عنــدي دهــان الاختبـــار وجـــاءت بدهـــان فدهنـــت بـــه ذراعيـــه وحكتـــه فلـــم يطلـــع
السـواد فقـال العبيـد: خليـه يـروح ليعمـل لنـا الغــداء فقالــت لهــم: إن كــان ابــن عمكــم يعــرف أي شــيء
طلبتـم منـه ليلـة أمـس ويعـرف كـم لـون يطبــخ فــي كــل يــوم فسألــوه عــن الألــوان وعمــا طلبــوه ليلــة أمــس
فقــال: عــدس وأرز وشربــة ويخنــي ومــاء ورديــة ولــون سابــع وهــو حــب الرمــان وفـــي العشـــاء مثلهـــا
فقــال العبيــد: صدقــت فقالــت لهــم: ادخلــوا معــه فــإن عــرف المطبــخ والكـــرار فهـــو ابـــن عمكـــم وإلا
فاقتلـوه لـأن الطبـاخ قـد ربـى قطـاف كلمـا يدخـل الطبـاخ يقـف القــط علــى بــاب المطبــخ ثــم ينــط علــى
أكتافه إذا دخل.
فلمــا دخــل ورآه القــط نــط علــى أكتافــه فرمــاه فجــرى قدامــه إلــى المطبــخ فلحــظ أن القـــط مـــا وقـــف
إلا علـى بـاب المطبـخ فأخـذ المفاتحـي فـرأى مفتاحـاً عليـه أثــر الريــش فعــرف أنــه مفتــاح المطبــخ ففتحــه
وحـط الخضـار وخـرج فجـرى القـط قدامـه وعمـد إلـى بـاب الكـرار فلحـظ أنــه الكــرار فأخــذ المفاتيــح
===
فـرأى مفتاحـاً عليـه أثـر الدهـان فعـرف أنـه مفتـاح الكـرار ففتحــه فقــال العبيــد: يــا دليلــة لــو كــان غريبــاً
مـا عــرف المطبــخ والكــرار ولا يعــرف مفتــاح كــل مكــان مــن بيــن المفاتيــح وإنمــا هــذا ابــن عمنــا سعــد
الله.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن العبيــد قالــوا لدليلــة المحتالــة: هــذا ابــن عمنــا سعــد اللــه فقالــت:
إنمـا عــرف الأماكــن فقــط وميــز المفاتيــح مــن بعضهــا بالقرينــة وهــذا الأمــر لا يدخــل علــي ثــم إنــه دخــل
المطبـخ وطبـخ الطعـام وطلــع سفــرة إلــى زينــب فــرأى جميــع الثيــاب فــي قصرهــا ثــم نــزل وطلــع سفــرة
لدليلـة وغـدى العبيـد وأطعــم الكلــاب وفــي العشــاء كذلــك وكــان البــاب يفتــح ولا يقبــل إلا فــي الغــداة
والعشــاء ثــم إن عليــاً قــادم ونــادى فــي الخــان يــا سكــان الخــان قــد سهـــرت العبيـــد للحـــرس وأطلقنـــا
الكلــاب وكــل مــن يطلــع لا يلــوم إلا نفســه وكـــان علـــي قـــد أحضـــر العشـــاء للكلـــاب وحـــط فيـــه الســـم
ثـم قدمـه إليهـا فلمـا أكلتـه ماتـت وبنـج جميـع العبيـد ودليلـة وبنتهـا زينـب ثــم طلــع فأخــذ جميــع الثيــاب
وحمـام البطاقـة وفتـح الخـان وخـرج وسـار إلـى أن وصـل إلــى القاعــة فــرآه حســن شومــان فقــال لــه: أي
===
شــيء فعلــت فحكــى لــه جميــع مــا كــان فشكـــره ثـــم إنـــه قـــام إلـــى ثيابـــه وغلـــى المـــاء وغسلـــه فعـــاد
أبيــض كمــا كــان وراح إلــى العبــد وألبســه ثيابــه وأيقظــه مــن البنــج فقــام العبـــد وذهـــب إلـــى الخضـــري
فأخذ الخضار ورجع إلى الخان هذا ما كان من أمر علي الزيبق المصري.
وأمــا مـــا كـــان مـــن أمـــر الدليلـــة المحتالـــة فإنـــه طلـــع مـــن طبقهـــا رجـــل تاجـــر مـــن السكـــان عندمـــا لـــاح
الفجـر فـرأى بـاب الخــان مفتوحــاً والعبيــد مبنجــة والكلــاب ميتــة فنــزل إلــى دليلــة فرآهــا مبنجــة وفــي
رقبتهـا ورقـة ورأى عنـد رأسهــا سفنجــة ضــد البنــج فحطهــا علــى مناخيرهــا فأفاقــت فلمــا أفاقــت
قالـــت: أيـــن أنـــا فقـــال لهـــا التاجـــر: أنـــا نزلـــت فرأيـــت بـــاب الخـــان مفتوحـــاً ورأيتـــك مبنجــــة وكذلــــك
العبيــد أمــا الكلــاب فرأيتهــا ميتــة فأخــذت الورقــة فرأيـــت فيهـــا مـــا عمـــل هـــذا إلا علـــي المصـــري ثـــم
قالــت للعبيــد: اكتمــوا هــذا الأمــر وقالــت لبنتهــا: كــم قلــت إن عليــاً مــا بخلــي ثـــأره وقـــد عمـــل هـــذا
العمـل فـي نظيـر مـا فعلـت معـه وكـان قـادراً أن يفعـل معـك شـيء غيـر هــذا ولكنــه اقتصــر علــى هــذا
إبقـــاء للمعـــروف وطالبـــاً للمحبــــة بيننــــا ثــــم إن دليلــــة خلعــــت لبــــاس الفتــــوة ولبســــت لبــــاس النســــاء
وربطــت المحرمــة فــي رقبتهــا وقصــدت قاعــة أحمــد الدنــف وكــان علــي حيــن دخـــل القاعـــة بالثيـــاب
وحمـام الرسائـل قـام شومـان وأعطـى للنقيـب حـق أربعيــن حمامــة فاشتراهــا وطبخهــا بيــن الرجــال وإذا
بدليلــة تــدق البـــاب فقـــال أحمـــد الدنـــف: هـــذه دقـــة دليلـــة قـــم افتـــح لهـــا يـــا نقيـــب فقـــام وفتـــح لهـــا
===
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن النقيــب لمــا فتـــح القاعـــة لدليلـــة دخلـــت فقـــال لهـــا شومـــان: مـــا
جــاء بــك هنــا يــا عجـــوز النحـــس وقـــد تحزبـــت أنـــت وأخـــوك زريـــق السمـــاك فقالـــت: يـــا مقـــدم إن
الحــق علــي علــى هــذه رقبتــي بيــن يديــك ولكـــن الفتـــى الـــذي عملـــي معـــي هـــذا المنصـــف مـــن هـــو
منكـم فقــال أحمــد الدنــف: هــو أول صبيانــي فقالــت لــه: أنــت سيــاق اللــه عليــه أنــه يجــيء لــي بحمــام
الرسائــل وغيـــره ونجعـــل ذلـــك إنعامـــاً علـــي فقـــال حســـن شومـــان: اللـــه يقابلـــك بالجـــزاء يـــا علـــي لـــأي
شـــيء طبخـــت ذلـــك الحمـــام فقـــال عليـــك ليــــس عنــــدي خبــــر أنــــه حمــــام رسائــــل ثــــم قــــال أحمــــد
الدنـف: يـا نقيــب هــات نائبهــا فأعطاهــا قطعــة مــن حمامــة ومضغتهــا فقالــت: هــاذا مــا هــو لحــم طيــر
الرسائـــل فإنـــي أعلفـــه حـــب المســـك ويبقــــى لحمــــه كالمســــك فقــــال لهــــا شومــــان: إن كــــان مــــرادك أن
تأخـــذي حمـــام الرسائـــل فأقضـــي حاجـــة علـــي المصـــري فقالــــت: أي شــــيء حاجتــــه فقــــال لهــــا: أن
تزوجيـــه بنتـــك زينـــب فقالــــت: أنــــا مــــا أحكــــم عليهــــا إلا بالمعــــروف فقــــال حســــن لعلــــي المصــــري:
أعطها الحمام فأعطاها إياه فأخذته وفرحت به فقال شومان: لابد أن تردي علينا جواباً كافياً.
===
فقالـــت: إن كـــان مـــراده أن يتـــزوج بهـــا فهـــذا المنصـــف الــــذي عملــــه مــــا هــــو شطــــارة والشطــــارة أن
يخطبهــا مــن خالهــا المقــدم زريــق فإنــه كــان وكيلهــا الــذي ينــادي: يــا رطــل سمــك بجديديــن وقـــد علـــق
فــي دكانــه كيســاً حــط فيــه مــن الذهــب ألفيــن فعندمـــا سمعوهـــا تقـــول ذلـــك قامـــوا وقالـــوا: مـــا هـــذا
الكلــام يــا عاهــرة إنمــا أردت أن تعدمينــا أخانــا عليــاً المصــري ثــم إنهــا راحــت مــن عندهــم إلــى الخــان
فقالـت لبنتهـا: قـد خطبـك منـي علـي المصــري ففرحــت لأنهــا أحبتــه لعفتــه عنهــا وسألتهــا عمــا جــرى
فحكت لها ما وقع وقالت: شرطت عليه أن يخطبك من خالك وأوقعته في الهلاك.
وأمــا علــي المصــري فإنــه التفــت إليهــم وقــال إليهــم مــا شــأن زريــق وأي شــيء يكــون هــو فقالــوا: هـــو
رئيـس فتيـان أرض العــراق يكــاد أن ينقــب الجبــل ويتنــاول النجــم ويأخــذ الكحــل مــن العيــن وهــو فــي
هــذا الأمــر ليــس لــه نظيــر ولكنــه تــاب عــن ذلــك وفتــح دكــان سمــك فجمــع مــن السماكــة ألــف دينــار
ووضعهـا فـي كيـس وربـط فـي الكيـس قيطانـاً مـن حريـر ووضــع فــي القيطــان جلاجــلاً وأجراســاً مــن
نحــاس وربطــه فــي وتــد مــن داخــل بــاب الدكــان متصــلاً بالكيــس وكلمــا يفتــح الدكـــان يعلـــق الكيـــس
وينـادي: أيـن أنتـم يـا شطـار مصــر ويــا فتيــان العــراق ويــا مهــرة بلــاد العجــم زريــق السمــاك علــق كيــس
علـى وجـه الدكـان كــل مــن يدعــي الشطــارة ويأخــذه بحيلــة فإنــه يكــون لــه فتأتــي الفتيــان مــن رصــاص
وهــو يقلــي ويوقــد النــار فــإذا جــاء الطمــاع ليساهيــه ويأخــذه يضربــه برغيــف مــن رصـــاص فيتلفـــه أو
===
يقتلــه فيــا علــي إذا تعرضــت لــه تكــون كمــن يلطـــم فـــي الجنـــازة ولا يعـــرف مـــن مـــات فمـــا لـــك علـــى
مقارعته فإنه يخشى عليك منه ولا حاجة لك بزواجك زينب ومن ترك شيئاً عاش بلاه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن حســن شومــان ومــن معــه صــاروا ينهــون علــي المصــري بالعــدول
علــى زواج زينــب بنــت الدليلــة المحتالــة فقــال: هـــذا عيـــب يـــا رجـــال فلابـــد لـــي مـــن أخـــذ الكيـــس
ولكــن هاتــوا لــي لبــس صبيــة فأحضــروا لــه لبــس صبيــة فلبســه وتحنــى وأرخــى لثامــاً وذبــح خروفــاً
وأخــذ دمــه وطلــع المصــران ونظفــه وعقــده مــن تحــت وملـــأه بالـــدم وربطـــه علـــى فخـــذه ولبـــس عليـــه
اللبــاس والخــف وعمـــل نهديـــن مـــن حواصـــل الطيـــر وملأهـــا باللبـــن وربـــط علـــى بطنـــه بعـــض قمـــاش
ووضـع بينـه وبيــن بطنــه قطنــاً وتحــزم عليــه بفوطــة كلهــا نشــاء قصــار كــل مــن ينظــر يقــول: مــا أحســن
هـــذا الكفـــل وإذا بحمـــار مقبـــل فأعطـــاه دينـــاراً وركـــب الحمـــار وســـار بـــه فــــي جهــــة دكــــان زريــــق
السمــاك فــرأى الكيــس معلقــاً ورأى الذهــب ظاهــراً منــه وكـــان زريـــق يقلـــي السمـــك فقـــال علـــي: يـــا
حمــار مــا هــذه الرائحــة فقــال لــه: رائحـــة سمـــك زريـــق فقـــال لـــه: أنـــا امـــرأة حامـــل والرائحـــة تضرنـــي
===
فقـــال الحمـــار لزريـــق: هـــل أصبحـــت تفـــوح الرائحـــة علـــى النســـاء الحوامـــل أنـــا معـــي زوجــــة الأميــــر
حســن شــر الطريــق قــد شمــت الرائحــة وهــي حامــل فهــات لهــا قطعــة سمـــك لـــأن الجنيـــن تحـــرك فـــي
بطنهـــا فقـــال زريـــق: يـــا ستـــار اللهـــم اكفنـــا شـــر هـــذا النهـــار وأخــــذ قطعــــة سمــــك وأراد أن يقليهــــا
فانطفــأت النــار فدخــل ليوقــد النــار وكــان علــي المصــري قاعــداً فاتكــأ علــى المصــران فقطعــه فســـاح
الـدم مـن بيـن رجليـه فقـال: آه يـا جنبـي يـا ظهـري فالتفـت الحمـار فـرأى الـدم سائحـاً فقــال لهــا: مــا لــك
يــا سيدتــي فقــال لــه وهــو فــي صــورة المــرأة قــد أسقطــت الجنيــن فطــل زريــق فــرأى الــدم فهــرب مــن
الدكــان وهــو خائــف فقــال لــه الحمــار: اللــه ينكــد عليــك يـــا زريـــق إن الصبيـــة قـــد أسقطـــت الجنيـــن
وإنــك مــا تقــدر علــى زوجهــا فلــأي شــيء أصبحــت تفــوح الرائحــة وأنـــا أقـــول لـــك هـــات لهـــا قطعـــة
سمــك فمــا ترضـــى ثـــم أخـــذ الحمـــار حمـــاره وتوجـــه إلـــى حـــال سبيلـــه وحيـــن هـــرب زريـــق داخـــل
الدكــان مــد علــي المصــري يــده إلــى الكيــس فلمــا حصلـــه خشخـــش الذهـــب الـــذي فيـــه وصلصلـــت
الجلاجل والأجراس والحلق.
فقــال زريــق: ظهــر خداعــك يــا علــي أتعمــل منصفــاً علــي وأنــت فـــي صـــورة صبيـــة ولكـــن خـــذ مـــا
جـاءك وضربـه برغيـف مـن رصـاص فـراح خائبــاً وحــط يــده فــي غيــره فقــام عليــه النــاس وقالــوا: هــل
أنـت سـوق وإلا مضـارب فـإن كنـت سوقيـاً فنــزل الكيــس واكــف النــاس شــرك فقــال لهــم: باســم اللــه
===
علــى الــرأس وأمــا علــي فإنــه راح إلــى القاعــة فقــال لــه شومــان: مــا فعلــت فحكــى لــه جميــع مـــا وقـــع
لـه ثـم قلـع لبـس النسـاء وقـال: يـا شومـان أحضـر لـي ثيـاب سائـس فأحضرهـا لـه فأخذهــا ولبسهــا ثــم
أخـــذ صحنـــاً وخمســـة دراهـــم وراح لزريـــق السمـــاك فقـــال لـــه: أي شـــيء تطلــــب يــــا أسطــــا فــــأراه
الدراهـم فـي يـده فـأراد أن يعطـي لـه مـن السمـك الـذي علـى الطبليــة فقــال لــه: أنــا مــا آخــذ إلا سمكــاً
سخنـــاً فحـــط الطاجـــن وأراد أن يقليـــه فانطفـــأت النـــار فدخــــل ليوقدهــــا فمــــد علــــي المصــــري يــــده
ليأخــذ الكيــس فحصــل طرفــه فخشخشــت الأجــراس والحلــق والجلاجــل فقــال لــه زريـــق: مـــا دخـــل
على منصفك ولو جئتني في صورة سائس وأنا عرفتك من قبض يدك على الفلوس والصحن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الستمائة
قالــــت: بلغنــــي أيهــــا الملــــك السعيــــد أن عليــــاً المصــــري لمــــا مــــد يــــده ليأخـــــذ الكيـــــس خشخشـــــت
الأجــراس والحلـــق فقـــال لـــه زريـــق: مـــا دخـــل علـــي منصفـــك ولـــو جئتنـــي فـــي صـــورة سائـــس فأنـــا
عرفتـــك مـــن قبـــض يـــدك علـــى الفلـــوس والصحـــن وضربـــه رغيـــف مــــن رصــــاص فــــزاغ عنــــه علــــي
المصــري فلــم ينــزل الرغيــف إلا فــي طاجــن ملــآن باللحــم الساخــن فانكســر ونـــزل بمرقتـــه علـــى كتـــف
===
القاضــي وهــو سائــر ونــزل الجميــع فــي عـــب القاضـــي حتـــى وصـــل إلـــى محاشمـــه فقـــال القاضـــي: يـــا
محاشمـــي مـــا أقبحـــك يـــا شقـــي مـــن عمـــل معـــي هـــذه العملـــة فقـــال لـــه النـــاس: يـــا مولانـــا هـــذا ولـــد
صغيـر رجـم بحجـر فوقـع فـي الطاجـن مـا دفـع اللـه كـان أعظــم ثــم التفتــوا فوجــدوا الرغيــف الرصــاص
والـذي رمـاه إنمـا زريـق السمــاك فقامــوا عليــه وقالــوا: مــا يحــل منــك يــا زريــق نــزل الكيــس أحســن لــك
فقـال: إن شـاء اللـه أنزلـه وأمـا علــي المصــري فإنــه راح إلــى القاعــة ودخــل علــى الرجــال فقالــوا لــه: أيــن
الكيــس فحكــى لهـــم جيمـــع مـــا جـــرى لـــه فقالـــوا لـــه: أنـــت أضعـــت ثلثـــي شطارتـــه فقلـــع مـــا عليـــه
ولبــس بدلــة تاجــر وخــرج فــرأى حاويــاً معــه جــراب فيــه ثعابيــن وجربنديــة فيهــا أمتعتــه فقــال لـــه: يـــا
حــاوي مــرادي أن تفــرج أولــادي وتأخــذ إحسانــاً فأتــى بــه إلــى القاعــة وأطعمـــه وبنجـــه ولبـــس بدلتـــه
وراح إلــى زريــق السمــاك وأقبــل عليــه وزمــر بالزمــارة فقــال لــه: اللــه يرزقــك وغــذا بـــه طلـــع الثعابيـــن
ورماهــا قدامــه وكــان زريــق يخــاف مــن الثعابيــن فهــرب منهــا داخــل الدكــان فأخــذ الثعابيــن ووضعهــا
فـي الجـراب ومـد يـده إلـى الكيـس فحصـل طرفـه فشـن الحلـق والجلاجــل والأجــراس فقــال لــه: مازلــت
تعمــل علــي المناصــف حتــى عملــت حاويــاً ورمــاه برغيــف مـــن رصـــاص وإذا بواحـــد جنـــدي سائـــر
ووراءه السائس فوقع الرغيف على راس السائس فبطحه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن زريــق لمــا رمــى الرغيــف الرصــاص وقــع علــى السائــس فبطحــه
فقــال الجنــدي: مــن بطحـــه فقـــال لـــه النـــاس: هـــذا حجـــر نـــزل مـــن السقـــف فســـار الجنـــدي والتفتـــوا
فـرأوا رغيـف الرصـاص فقامـوا عليـه وقالـوا لـه: نــزل الكيــس فقــال: إن شــاء اللــه أنزلــه فــي هــذه الليلــة
ومــا زال علــي يلعــب مــع زريــق حتــى عمــل معــه سبعــة مناصــف ولــم يأخــذ الكيــس ثـــم إنـــه أرجـــع
ثيـــاب الحـــاوي ومتاعـــه إليـــه وأعطـــاه إحسانـــاً ورجـــع إلـــى دكـــان زريـــق فسمعـــه يقـــول: أنـــا إن بيـــت
الكيــس فــي الدكــان نقــب عليــه وأخــذه ولكــن آخــذه معــي إلــى البيــت ثــم قــام زريـــق وعـــزل الدكـــان
ونــزل الكيــس وحطــه فــي عبــه فتبعــه علــي إلــى أن قــرب مــن البيــت فــرأى زريــق جــاره عنــده فـــرح
فقـال زريـق فـي نفسـه: أروح البيـت وأعطــي زوجتــي الكيــس وألبــس حوائجــي ثــم أعــود إلــى الفــرح
ومشـــى وعلـــي تابعـــه وكـــان زريـــق متزوجـــاً بجاريـــة ســـوداء مـــن معاتيـــق الوزيـــر جعفـــر ورزق منهــــا
بولـد وسمـاه عبـد اللـه وكـان يوعدهـا أن يطاهــر الولــد بالكيــس ويزوجــه ويصرفــه فــي فرحــه ثــم دخــل
زريـــق علـــى زوجتـــه وهـــو عابـــس الوجـــه فقالــــت: مــــا سبــــب عبوســــك فقــــال لهــــا: ربــــي بلانــــي
بشاطـر لعـب معـي سبعـة مناصـف علـى أنـه يأخـذ الكيــس فمــا قــدر أن يأخــذه فقالــت: هاتــه حتــى
أدخــره لفــرح الولــد فأعطاهــا إيــاه وأمــا علــي المصــري فإنــه تخبــأ فــي مخــدع وصـــار يسمـــع ويـــرى فقـــام
زريــق وخلــع ا عليــه ولبــس بدلتــه وقــال لهــا: احفظــي الكيــس يــا أم عبــد اللــه وأنـــا رائـــح إلـــى الفـــرح
===
فقالـت لـه: نـم لـك ساعـة فنــام فقــام علــي ومشــى علــى أطــراف أصابعــه وأخــذ الكيــس وتوجــه إلــى
بيت الفرح ووقف يتفرج.
وأمــا زريــق فإنــه رأى فــي منامــه أن الكيــس أخــذه طائــر فأفــاق مرعوبــاً وقــال لــأم عبـــد اللـــه: قومـــي
انظــري الكيــس فقامــت تنظـــره فمـــا وجدتـــه فلطمـــت وجههـــا وقالـــت: يـــا ســـواد حظـــك يـــا أم عبـــد
اللــه الكيــس أخــذه الشاطــر فقــال: واللــه مــا أخـــذه إلا الشاطـــر علـــي ومـــا أحـــد غيـــره أخـــذ الكيـــس
ولابــد أنــي أجــيء بــه فقالــت إن لــم تجــئ بــه قفلــت عليــك البــاب وتركتــك تبيــت فــي الحـــارة فأقبـــل
زريـق علـى الفـرح فـرأى الشاطــر عليــاً يتفــرج فقــال: هــذا الــذي أخــذ الكيــس ولكنــه نــازل فــي قاعــة
أحمـد الدنـف فسبقـه زريـق إلـى القاعـة وطلـع علـى ظهرهـا فرآهــم نائميــن وإذا بعلــي أقبــل ودق البــاب
فقـــال زريـــق: مـــن بالبـــاب فقـــال علـــي المصـــري فقـــال لـــه: هــــل جئــــت بالكيــــس فظــــن أنــــه شومــــان
فقـال لـه: لا يمكـن أن أفتـح لـك حتـى أنظـره فإنـه وقـع بينـي وبيـن كبيـرك رهـان فقـال لـه: مـد يــدك فمــد
يــده مــن جنــب عقــب البــاب فأعطــاه الكيــس فأخــذه زريــق وطلــع مــن الموضــع الـــذي نـــزل منـــه وراح
إلـى الفـرح وأمـا علـي فإنـه لــم يــزل واقفــاً علــى البــاب ولــم يفتــح لــه أحــد فطــرق البــاب طرقــة مزعجــة
فصحــا الرجــال وقالــوا: هــذه طرقــة علــي المصــري ففتــح لــه النقيــب وقــال لــه: هــل جئــت بالكيـــس:
فقــال: يكفــي مزاحــاً يــا شومــان أنــا أعطيتــك إيــاه مــن جنــب عقــب البــاب وقلــت لـــي: أنـــا حالـــف لا
===
أفتـح لـك البـاب حتـى ترينـي الكيـس فقـال: واللــه مــا أخذتــه وإنمــا زريــق هــو الــذي أخــذه منــك فقــال
لـه: لابـد أن أجـيء بـه ثـم خـرج علـي المصـري متوجهـاً إلـى الفـرح فسمـع الخلبـوص يقـول: شوبـش يـا أبــا
عبد الله العاقبة عندك لولدك فقال علي: أنا صاحب السعد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن علــي قــال: أنــا صاحــب السعــد ثــم إنــه توجــه إلــى بيــت زريــق
وطلـع مـن فـوق ظهــر البيــت ونــزل فــرأى الجاريــة نائمــة فبنجهــا ولبــس بدلتهــا وأخــذ الولــد فــي حجــره
ودار يفتــش فــرأى مقطفــاً فيــه كعـــك العيـــد مـــن بخـــل زريـــق ثـــم إن زريقـــاً أقبـــل إلـــى البيـــت وطـــرق
البـاب فجاوبـه الشاطــر علــي وجعــل نفســه الجاريــة وقــال لــه: مــن بالبــاب فقــال: أبــو عبــد اللــه فقــال:
أنـا حلفـت مــا أفتــح لــك البــاب حتــى تجــيء بالكيــس فقــال: هــذا هــو معــي فقالــت: هاتــه قبــل فتــح
البــاب فقــال: أدلــي المقطــف وخذيــه فيــه فأدلــى المقطــف فحطــه فيــه ثــم أخــذه الشاطــر علــي وبنـــج
الولــد وأيقــظ الجاريــة ونــزل مــن الموضــع الــذي طلــع منــه وقصــد القاعــة فدخــل علـــى الرجـــال وأراهـــم
الكيــس والولــد معــه فشكرهــم وأعطاهـــم الكعـــك فأكلـــوه وقـــال: يـــا شومـــان هـــذا الولـــد ابـــن زريـــق
===
فأخفــه عنــدك فأخــذه وأخفــاه وأتــى بخـــروف فذبحـــه وأعطـــاه للنقيـــب فطبخـــه قممـــة وكفنـــه وجعلـــه
كالميـت وأمـا زريـق فإنـه لـم يـزل واقفـاً علـى البـاب ثـم دق البـاب دقــة مزعجــة فقالــت لــه الجاريــة: هــل
جئــت بالكيــس فقــال لهــا مــا أخذتيـــه مـــن المقطـــف الـــذي أدليتـــه فقالـــت: أنـــا مـــا أدليـــت مقطفـــاً ولا
رأيـت كيسـاً ولا أخذتـه فقـال: واللـه إن الشاطـر علـي سبقنـي وأخــذه ونظــر فــي البيــت فــرأى الكعــك
معدومــاً والولــد مفقــوداً فقــال: وا ولــداه فدقــت الجاريــة علــى صدرهــا وقالــت: أنـــا وإيـــاك للوزيـــر مـــا
قتــل ابنــي إلا الشاطــر الــذي يفعــل معــك المناصــف وهــذا بسببــك فقــال لهــا: ضمانــة علـــي ثـــم طلـــع
زريـق وربــط المحرمــة فــي رقبتــه وراح إلــى قاعــة أحمــد الدنــف ودق البــاب ففتــح لــه النقيــب ودخــل
علـى الرجـال فقـال شومـان: مـا جـاء بـك فقـال: أنتــم سيــاق علــى علــي المصــري ليعطينــي ولــدي وأنــا
أسامحـــه فـــي كيـــس الذهـــب فقـــال زريـــق: أي شـــيء جـــرى عليــــه فقــــال شومــــان: أطعمنــــاه زبيبــــاً
فشـرق ومــات وهــو هــذا فقــال زريــق: واولــداه مــاذا أقــول لأمــه ثــم قــام وفــك الكفــن فــرآه قممــة فقــال
لــه: اطربتنــي يــا علــي ثــم إنهــم أعطــوه ابنــه فقــال أحمــد الدنــف: أنــت كنــت معلقــاً الكيــس لكـــل مـــن
كـان شاطـراً يأخـذه فــإن أخــذه شاطــر يكــون حقــه وإنــه صــار حــق علــي المصــري فقــال: وأنــا وهبتــه
لــه فقــال لــه علــي الزيبــق المصــري: اقبلــه مــن شــأن بنــت أختــك زينــب فقــال لـــه: قبلتـــه فقالـــوا: نحـــن
خطبناهــا لعلــي المصــري فقــال: أنــا مــا أحكــم عليهــا إلا بالمعــروف ثــم إنــه أخــذ ابنـــه وأخـــذ الكيـــس
===
فقـــال شومـــان: هـــل قبلـــت منـــا الخطبـــة فقـــال: قبلتهـــا ممـــن كـــان يقـــدر علـــى مهرهــــا فقــــال لــــه: وأي
شــيء مهرهـــا فقـــال: إنهـــا حالفـــة أن لا يركـــب صدرهـــا إلا مـــن يجـــيء لهـــا ببدلـــة قمـــر بنـــت عـــذرة
اليهودي وباقي حوائجها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن زريقـــاً قـــال لشومـــان: إن زينـــب حالفـــة أن لا يركـــب صدرهـــا
إلا الـذي يجـيء لهـا ببدلـة قمـر بنــت عــذرة اليهــودي والتــاج والحياصــة والناموســة الذهــب فقــال علــي
المصـري: إن لـم اجـئ ببدلتهـا فـي هـذه الليلـة لا حـق لـي فـي الخطبـة فقالـوا لـه: عـذرة اليهـودي ساحــر
مكــار غــدار يستخــدم الجــن ولــه قصــر خــارج المملكــة حيطانــه طوبــة مــن ذهـــب وطوبـــة مـــن فضـــة
وذلـك القصـر ظاهـر للنـاس مـا دام قاعـداً فيــه ومتــى خــرج منــه فإنــه يختفــي ورزق ببنــت اسمهــا قمــر
وجـاء لهـا بهـذه البدلـة مـن كنـز فيضــع البدلــة فــي صينيــة مــن الذهــب ويفتــح شبابيــك القصــر وينــادي
علــى شطــار مصــر وفتيــان العــراق ومهــرة العجــم كــل مـــن أخـــذ البدلـــة تكـــون لـــه محاولـــة بالمناصـــف
سائـــر الفتيـــان فلـــم يقـــدروا أن يأخذوهـــا وسحرهـــم قـــروداً وحميـــراً فقـــال علـــي: لابـــد مـــن أخذهـــا
===
وتنجلـي بهـا زينـب بنـت الدليلـة المحتالـة ثـم توجــه علــي المصــري إلــى دكــان اليهــودي فــرآه فظــاً غليظــاً
وعنــده ميــزان وصنــج وذهــب وفضــة ومناقــد ورأى عنــده بغلــة فقــام اليهـــودي وقفـــل الدكـــان وحـــط
الذهــب والفضــة فــي كيسيــن وحطهمــا فــي خــرج وحطــة علــى البغلــة وركــب وســار إلـــى أن وصـــل
خـارج البلـد وعلـي المصـري وراءه وهـو لـم يشعــر ثــم اطلــع اليهــودي ترابــاً مــن كيــس فــي جيبــه وعــزم
عليـه ونثـره فـي الهـواء فـرأى الشاطـر قصـراً مــا لــه نظيــر ثــم طلعــت البغلــة باليهــودي فــي السلالــم وإذا
بالبغـة عــون يستخدمــه اليهــودي فنــزل الخــرج عــن البغلــة وراحــت البغلــة واختفــت وأمــا اليهــودي فإنــه
قعـد فـي القصـر وعلـي ينظـر فعلـه فأحضـر اليهــودي قصبــة مــن ذهــب وعلــق فيهــا صينيــة مــن ذهــب
بسلاســل مــن ذهــب وحــط البدلــة فــي الصينيــة فرآهــا علــي مــن خلــف البــاب ونــادى اليهــودي: أيـــن
شطـار مصـر وفتيـان العـراق ومهـرة العجــم مــن أخــذ هــذه البدلــة بشطارتــه فهــي لــه وبعــد ذلــك عــزم
فوضعت سفرة طعام فأكل.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن اليهــودي لمــا عــزم وضعــت سفــرة طعــام فأكــل ثــم رفعــت السفــرة
===
بنفسهــا وعــزم مــرة أخــرى فوضعــت بيــن يديــه سفــرة مــدام فشــرب فقــال علـــي: أنـــت لا تأخـــذ هـــذه
البدلــة إلا وهــو يسكــر فجـــاءه مـــن خلفـــه وسحـــب شريـــط البولـــاد فـــي يـــده فالتفـــت اليهـــودي وعـــزم
وقــال ليــده: قفــي بالسيــف فوقفــت يــده بالسيــف فــي الهــواء فمـــد يـــده الشمـــال فوقفـــت فـــي الهـــواء
وكذلــك رجلــه اليمنــى وصــار واقفــاً علــى رجـــل ثـــم إن اليهـــودي صـــرف عنـــه الطلســـم فعـــاد علـــي
المصــري كمــا كــان أولاً. ثــم إن اليهــودي ضــرب تخــت رملــه فطلــع لــه أن اسمـــه علـــي الزيبـــق المصـــري
فالتفـت إليـه وقـال لــه: تعــال مــن أنــت ومــا شأنــك فقــال: أنــا علــي المصــري صبــي أحمــد الدنــف وقــد
خطبــت زينــب بنــت الدليلــة المحتالــة وعملــوا علـــي مهرهـــا بدلـــة بنتـــك فأنـــت تعطيهـــا إلـــي إن أردت
السلامـة وتسلـم فقـال لـه: بعـد موتـك فــإن أناســاً كثيريــن عملــوا علــي مناصــف مــن شــأن أخــذ البدلــة
فلـم يقـدروا أن يأخذوهـا منـي فـإن كنـت تقبــل النصيحــة تسلــم بنفســك فإنهــم مــا طلبــوا منــك البدلــة
إلا لأجــل هلاكــك ولــولا إنــي رأيــت سعــدك غالبــاً علــى سعــدي لكنــت رميــت رقبتــك ففـــرح علـــي
لكــون اليهــودي رأى سعــده غالبــاً علــى سعــده فقــال لــه: لابــد لــي مــن أخــذ البدلــة وتسلــم فقــال لــه:
هـل هـذا مـرادك ولابـد قــال: نعــم فأخــذ اليهــودي طاســة وملأهــا مــاء وعــزم عليهــا وقــال: اخــرج مــن
الهيئــة البشريــة إلــى هيئــة حمــار ورشــه منهـــا فصـــار حمـــاراً بحوافـــر وأذان طـــوال وصـــار ينهـــق مثـــل
الحميـر ثـم ضـرب عليـه دائـرة فصـارت عليــه ســوراً وصــار اليهــودي يسكــر إلــى الصبــاح فقــال لــه: أنــا
===
أركبـك وأريـح البغلـة ثـم إن اليهــودي وضــع البدلــة والصينيــة والقصبــة والسلاســل فــي خشخاشــة ثــم
طلـع وعـزم عليـه فتبعـه وحـط علـى ظهـره وركـب عليــه واختفــى القصــر عــن الأعيــن وســار وه راكبــه
إلــى أن نــزل علــى دكانــه وفــرغ الكيــس الذهــب والكيــس الفضـــة فـــي المتقـــد قدامـــه وأمـــا علـــي فإنـــه
مربــوط فــي هيئــة حمــار ولكنــه يسمــع ويعقــل ولا يقــدر أن يتكلــم وإذا برجـــل ابـــن تاجـــر جـــار عليـــه
الزمــن فلــم يجــد لــه صنعــة خفيفــة إلا السقايــة فأخـــذ أســـاور زوجتـــه وأتـــى إلـــى اليهـــودي وقـــال لـــه:
أعطنـي ثمـن هـذه الأسـاور لأشتـري لـي بــه حمــاراً فقــال اليهــودي: تحمــل عليــه أي شــيء فقــال لــه: يــا
معلـم امــلأ عليــه مــاء مــن البحــر واقتــات بثمنــه. فقــال لــه اليهــودي: خــذ منــي حمــاري هــذا فبــاع لــه
الأســاور وأخــذ ثمنهــا ثمــن الحمــار وأعطــاه اليهــودي الباقــي وســار بعلــي المصــري وهــو مسحــور إلــى
بيتــه فقــال علــي لنفســه: متــى مــا أحــط عليــك الحمــال الخشــب والقربــة واذهــب بــك عشــرة مشاويــر
أعدمك العافية وتموت.
فتقدمــت امــرأة السقــاء تحــط لــه عليقــه وإذا بـــه لطشهـــا بدماغـــه فانقلبـــت علـــى ظهرهـــا ونـــط عليهـــا
ودق بفمـه فـي دماغهـا وأدلـى الــذي خلفــه لــه الوالــد فصاحــت فأدركهــا الجيــران فضربــوه ورفعــوه عــن
صدرهــا وإذا بزوجهــا الــذي أراد أن يعمــل سقــاء جــاء إلــى البيــت فقالــت لــه: إمـــا أن تطلقنـــي وإمـــا
أن تــرد الحمــار إلــى صاحبــه فقــال لهــا: أي شــيء جــرى فقالــت لــه: هــذا شيطــان فــي صفــة حمـــار
===
فإنــه نــط علــي ولــولا الجيــران رفعــوه مــن فــوق صــدري لفعــل بـــي القبيـــح فأخـــذه وراح إلـــى اليهـــودي
فقـال لـه اليهـودي: لـأي شــيء رددتــه فقــال لــه: هــذا فعــل مــع زوجتــي فعــلاً قبيحــاً فأعطــاه دراهمــه
وراح وأما اليهودي فإنه التفت إلى علي وقال له: أتدخل باب المكر يا مشؤوم حتى ردك إلي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن اليهــودي لمــا رد لــه السقــاء الحمــار أعطــاه دراهمــه والتفــت إلـــى
علـي المصـري وقـال: أتدخــل بــاب المكــر يــا مشــؤوم حتــى ردك إلــي ولكــن حينمــا رضيــت أن تكــون
حمــاراً أنــا أخليــك فرجــة للكبــار والصغــار وأخــذ الحمـــار وركبـــه وســـار إلـــى خـــارج البلـــد وأخـــرج
الرمـاد وعـزم عليـه ونثـره فـي الهـواء وإذا بالقصـر ظهـر فطلـع القصـر ونـزل بالخـرج مــن علــى ظهــر الحمــار
وأخــذ الكيسيــن المــال وأخــرج القصبـــة وعلـــق الصينيـــة بالبدلـــة ونـــادى مثـــل مـــا ينـــادي كـــل يـــوم: أيـــن
الفتيــان مــن جميــع الأقطــار مــن يقــدر أن يأخــذ هــذه البدلــة وعــزم مثــل الــأول فوضــع لــه سمــاط فأكـــل
وعـزم فحضـر المـدام بيـن يديـه فسكـر وأخــرج طاســة فيهــا مــاء وعــزم عليهــا ورش منهــا علــى الحمــار
وقـال لـه: انقلـب مـن هــذه الصــورة إلــى صورتــك الأولــى فعــاد إنسانــاً كمــا كــان أولاً فقــال لــه: يــا علــي
===
اقبــل النصيحــة واكتــف شــري ولا حاجــة لــك بــزواج زينــب وأخــذ بدلــة ابنتــي فإنهــا مــا هــي سهلـــة
عليـك وتـرك الطمـع أولـى وإلا أسحـرك دبـاً أو قــرداً أو أسلــط عليــك عونــاً يرميــك خلــف جبــل قثــاف
فقـال لـه: يـا عـذرة أنــا التزمــت بأخــذ البدلــة ولابــد مــن أخذهــا وتسلــم وإلا أقتلــك فقــال لــه: يــا علــي
أنـت مثـل الجـوز لـو لـم تنكسـر لـم تؤكـل وأخــذ طاســة فيهــا مــاء وعــزم عليهــا ورش منهــا عليــه وقــال:
كـن فـي صـورة دبـا فـي الحـال وحـط الطـوق فــي رقبتــه وربــط فمــه ودق لــه وتــداً مــن حديــد وصــار
يأكـل ويرمـي لـه بعـض لقـم ويدلـق عليـه فضـل الكــأس فلمــا أصبــح الصبــاح قــام اليهــودي ورفــع الصينيــة
والبدلة وعزم على الدب فتبعه إلى دكانه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثمانين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن اليهــودي رفــع الصينيـــة والبدلـــة وعـــزم علـــى الـــدب فتبعـــه إلـــى
دكانه ثم قعد فـي الدكـان وفـرغ الذهـب والفضـة فـي المنقـد وربـط السلسلـة التـي فـي رقبـة الـدب فـي
الدكـان فصـار علــي يسمــع ويعقــل ولا يقــدر أن ينطــق وإذا برجــل تاجــر أقبــل علــى اليهــودي وقــال: يــا
معلــم أتبيعنــي هــذا الــدب فــإن لــي زوجــة وهـــي بنـــت عمـــي وقـــد وصفـــوا لهـــا أن تأكـــل لحـــم دب
===
وتدهن بطنهـا ففـرح اليهـودي وقـال فـي نفسـه: أبيعـه لأجـل أن يذبحـه ونرتـاح منـه فقـال علـي فـي نفسـه:
واللــه إن هـــذا يريـــد أن يذبحنـــي والخلـــاص عنـــد اللـــه فقـــال اليهـــودي: هـــو مـــن عنـــدي هديـــة فأخـــذه
التاجـر ومـر بـه علـى جـزار فقـال لـه: هـات العـدة وتعـال معـي فأخـذ السكاكيـن وتبعـه ثــم تقــدم الجــزار
وربطـه وصـار يسـن السكيـن وأراد أن يذبحـه فلمـا رآه علـي المصــري قاصــده فــر مــن بيــن يديــه وطــار
بيـن السمـاء والـأرض ولـم يـزل طائــراً حتــى نــزل فــي القصــر عنــد اليهــودي وكــان السبــب فــي ذلــك أن
اليهــودي ذهــب إلــى القصــر بعــد أن أعطــى التاجــر الـــدب فسألتـــه بنتـــه فحكـــى لهـــا جميـــع مـــا وقـــع
فقالـت لـه: احضــر عونــاً واسألــه عــن علــي المصــري هــل هــو هــذا أو رجــل غيــره يعمــل منصفــاً فعــزم
وأحضـر عونـاً فاختطفـه العـون وجاءبـه وقــال: هــذا هــو علــي المصــري بعينــه فــإن الجــزار كتفــه وســن
السكيـن وشـرع فـي ذبحـه فخطفتــه مــن بيــن يديــه وجئــت بــه فأخــذ اليهــودي طاســة فيهــا مــاء وعــزم
عليها ورشه منها وقال له: ارجع إلى صورتك البشرية فعاد كما كان أولاً.
فرأتــه قمــر بنــت اليهــودي شابــاً مليحــاً فوقعــت محبتــه فــي قلبهــا ووقعــت محبتهــا قلبــه فقالــت لــه: يـــا
مشــؤوم لـــأي شـــيء تطلـــب بدلتـــي حتـــى يفعـــل بـــك أبـــي هـــذه الفعـــال فقـــال: أنـــا التزمـــت بأخذهـــا
لزينـب النصابـة لأجـل أن أتزوجهــا فقالــت لــه: غيــرك لعــب مــع أبــي مناصــف لأجــل أخــذ بدلتــي فلــم
يتمكــن ثــم قالــت لــه: اتــرك الطمــع فقــال: لابــد مــن أخذهــا ويسلــم أبــوك وإلا أقتلـــه فقـــال لهـــا أبوهـــا:
===
انظـري يـا بنتـي هـذا المشـؤوم كيـف يطلــب هلــاك نفســه ثــم قــال لــه: أنــا أسحــرك كلــب وأخــذ طاســة
مكتوبــة وفيهــا مــاء وعــزم عليهــا ورشــه منهـــا وقـــال لـــه: كـــن فـــي صـــورة كلـــب فصـــار كلبـــاً وصـــار
اليهــودي يسكــر هــو وبنتــه إلـــى الصبـــح ثـــم قـــام ورفـــع البدلـــة والصينيـــة وركـــب البغلـــة وعـــزم علـــى
الكلـــب فتبعـــه وصـــارت الكلـــاب تنبـــح عليـــه فمـــر علـــى دكـــان سقطــــي فقــــام السقطــــي منــــع عنــــه
الكلـــاب فنـــام قدامـــه والتفـــت اليهـــودي فلـــم يجـــده فقـــام السقطـــي وعـــزل دكانـــه وراح بيتــــه والكلــــب
تابعه فدخل السقطي داره ياأبي أتجيء بالرجل الأجبني وتدخله علينا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن بنــت السقطــي لمــا رأت الكلــب غطـــت وجههـــا وقالـــت لأبيهـــا:
أجــيء بالرجــل الأجنبــي وتدخلــه علينــا فقــال: يــا بنتــي هــذا كلــب فقالــت لـــه: هـــذا علـــي المصـــري
سحــره اليهــودي فالتفــت إليـــه وقـــال لـــه: هـــل أنـــت علـــي المصـــري فأشـــار لـــه برأســـه نعـــم فقـــال لهـــا
أبوهـا لـأي شـيء سحـره اليهـودي قالـت لـه: بسبـب بدلـة بنتــه قمــر وأنــا أقــدر أن أخلصــه. فقــال: إن
كــان خيــراً فهــذا وقتــه فقالــت إن كــان يتــزوج بــي خلصتــه فأشـــار لهـــا رأســـه نعـــم فأخـــذت طاســـة
===
مكتوبــة وعزمــت عليهــا وإذا بصرخــة والطاســة وقعــت مــن يدهــا فالتفتــت فـــرأت جاريـــة أبيهـــا هـــي
التـي صرخــت وقالــت لهــا: يــا سيدتــي أهــذا هــو العهــد الــذي بينــي وبينــك ومــا أحــد علمــك هــذا
الفـن إلا أنـا واتفقـت معـي أنــك لا تفعليــن شيئــاً إلا بمشورتــي والــذي يتــزوج بــك يتزوجنــي وتكــون لــي
ليلــة ولــك ليلــة قالــت: نعــم فلمــا سمــع السقطــي ذلــك الكلــام مــن الجاريــة قــال لبنتــه: ومـــن علـــم هـــذه
الجاريــة قالــت لــه: يــا أبــي هــي التــي علمتنــي واسألهــا مــن الـــذي علمهـــا فســـأل الجاريـــة فقالـــت لـــه:
اعلــم يــا سيــدي أنـــي لمـــا كنـــت عنـــد عـــذرة اليهـــودي كنـــت أتسلـــل عليـــه وهـــو يتلـــو العزيمـــة وحيـــن
يذهـب إلـى الدكـان افتـح الكتـب واقــرأ فيهــا إلــى أن عرفــت علــم الروحانــي فسكــر اليهــودي يومــاً مــن
الأيـــام فطلبنـــي للفـــراش فأبيـــت وقلـــت: لا أمكنــــك مــــن ذلــــك حتــــى تســــم فأبــــى وأخذنــــي لســــوق
السلطـان فباعنـي لـك وأتيـت إلـى منزلـك فعلمـت سيدتـي واشترطـت عليهـا أن لا تفعـل منـه شيئــاً إلا
بمشورتـي والـذي يتـزوج بهـا يتزوجنـي ولـي ليلـة ولهــا ليلــة وأخــذت الجاريــة طاســة فيهــا مــاء وعزمــت
عليهــا ورشــت منهـــا الكلـــب وقالـــت لـــه: ارجـــع إلـــى صورتـــك البشريـــة فعـــاد إنسانـــاً كمـــا كـــان أولاً
فسلم عليه السقطي وسأله عن سبب سحره فحكى له جميع ما وقع له.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن السقطـــي لمـــا سلـــم علـــى علـــي المصـــري وسألـــه عــــن سبــــب
سحــره ومــا وقــع لــه حكــي لــه جميــع مــا جــرى لــه فقــال لــه: أتكفيــك بنتــي والجاريــة فقــال: لابــد مــن
أخــذ زينــب وإذا بـــدق يـــدق البـــاب فقالـــت الجاريـــة: مـــن بالبـــاب فقالـــت: قمـــر بنـــت اليهـــودي هـــل
علـــي المصـــري عندكـــم فقالـــت لهـــا بنـــت السقطــــي: يــــا ابنــــة اليهــــودي وإذا كــــان عندنــــا أي شــــيء
تفعليــن بــه انزلــي يــا جاريــة افتحــي البــاب ففتحــت لهــا البــاب فدخلــت فلمــا رأت عليــاً ورآهـــا قـــال
لهـا: مـا جـاء بـك هنـا يــا بنــت الكلــب فقالــت: أنــا أشهــد أن لا إلــه إلا اللــه وأشهــد أن محمــداً رســول
اللـــه فأسلمـــت وقالـــت لـــه: هـــل الرجـــال فـــي ديـــن الإسلـــام يمهـــرون النســــاء أو النســــاء تمهــــر الرجــــال
فقــال لهــا: الرجــال يمهــرون النســاء فقالــت: وأنــا جئــت أمهــر نفســي لــك بالبدلـــة والقصبـــة والسلاســـل
ودمــاغ أبــي عــدوك وعــدو اللــه ورمــت دمـــاغ أبيهـــا قدامـــه وقالـــت: هـــذا رأس أبـــي عـــدوك وعـــدو
اللــه وسبــب قتلهــا أباهــا أنــه لمــا سحــر عليــاً كلبــاً رأت فــي المنــام قائــلاً يقــول لهــا: أسلمــي فأسلمـــت
فلما انتبهت عرضت على أبيها الإسلام فأبى الإسلام فبنجته وقتلته.
فأخــذ علــي الأمتعــة وقــال للسقطــي: فــي الغــد نجتمــع عنــد الخليفــة لأجــل أن أتــزوج بنتــك والجاريـــة
وطلــع وهـــو فرحـــان قاصـــد القاعـــة ومعـــه الأمتعـــة وإذا برجـــل حلوانـــي يخبـــط علـــى يديـــه ويقـــول: لا
حــول ولا قــوة إلا باللـــه العلـــي العظيـــم النـــاس صـــار كدرهـــم حرامـــاً لا يـــروح إلا فـــي الغـــش سألتـــك
===
باللـــه أن تـــذوق هـــذه الحلـــاوة فأخـــذ منـــه قطعـــة وأكلهـــا وإذا فيهـــا البنـــج فبنجـــه وأخـــذ منـــه البدلــــة
والقصبــــة والسلاســــل وحطهــــا داخــــل صنــــدوق الحلــــاوة وحمــــل الصنــــدوق وطبــــق الحلـــــاوة وســـــار
وغـذا بقـاض يصيـح عليـه ويقـول لـه: تعــال يــا حلوانــي فوقــف لــه وحــط القاعــدة والطبــق فوقهــا وقــال:
أي شـــيء تطلـــب فقـــال لـــه: حلـــاوة وملبســـاً ثـــم أخــــذ منهمــــا بيــــده شيئــــاً وقــــال: إن هــــذه الحلــــاوة
والملبـس مغشوشــان وأخــرج القاضــي حلــاوة مــن عبــه وقــال للحلوانــي انظــر هــذه الصنعــة مــا أحسنهــا
فكـــل منهـــا واعمـــل نظيرهـــا فأخذهـــا الحلوانـــي فأكـــل منهـــا وإذا فيهـــا البنـــج فبنجــــه وأخــــذ القاعــــدة
والصنـدوق والبدلـة وغيرهـا وحـط الحلوانـي فـي داخـل القاعـدة وحمـل الجميـع وتوجــه إلــى القاعــة التــي
فيهـا أحمـد الدنـف وكــان القاضــي حســن شومــان وسبــب ذلــك أن عليــاً لمــا التــزم بالبدلــة وخــرج فــي
طلبهــا لــم يسمعــوا عنــه خبــراً. فقــال أحمــد الدنــف: يــا شبـــاب اطلعـــوا فتشـــوا علـــى أخيكـــم علـــي
المصـري فطلعـوا يفتشـون عليـه فـي المدينـة فطلـع حسـن شومـان فـي صفـة قـاض فقابـل الحلوانـي فعـرف
أنــه أحمــد اللقيــط فبنجــه وأخــذه وصحبتــه البدلــة وســار بــه إلــى القاعــة وأمــا الأربعــون فإنهـــم داروا
يفتشــون فــي شــوارع البلــد فخــرج علــي كتــف الجمــل مــن بيــن أصحابــه فــرأى زحمــة وقصـــد النـــاس
المزدحميـن فــرأى علــي المصــري بينهــم مبنجــاً فأيقظــه مــن البنــج فلمــا أفــاق رأى النــاس مجتمعيــن عليــه
فقــال علــي كتــف الجمــل: أفــق لنفســك فقــال: أيــن أنـــا فقـــال لـــه علـــي كتـــف الجمـــل وأصحابـــه: نحـــن
===
رأنــاك مبنجــاً ولــم نعــرف مــن بنجــك فقــال: بنجنــي واحــد حلوانــي وأخـــذ منـــي الأمتعـــة ولكـــن أيـــن
ذهب
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الستمائة
قالـت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن علــي المصــري قــال لعلــي كتــف الجمــل ورفقــاؤه: بنجنــي واحــد
حلوانــي وأخــذ منــي الأمتعــة ولكــن أيــن ذهــب فقالــوا لــه: مــا رأينــا أحــد ولكــن تعـــال رح بنـــا القاعـــة
فتوجهـوا إلـى القاعـة ودخلـوا فوجــدوا أحمــد الدنــف فسلــم عليهــم وقــال: يــا علــي هــل جئــت بالبدلــة
فقـال: جئـت بهـا وبغيرهـا وجئـت بـرأس اليهـودي وقابلنـي حلوانـي فبنجنـي وأخذهـا منــي وحكــى لــه
جميــع مــا جــرى لــه وقــال: لــو رايــت الحلوانــي لجزيتــه وإذا بحســن شومــان طلــع مـــن مخـــدع فقـــال: هـــل
جئـت بالأمتعـة يـا علـي فقـال لـه: جئـت بهــا وجئــت بــرأس اليهــودي فقابلنــي حلوانــي فبنجنــي وأخــذ
البدلـة وغيرهـا ولــم أعــرف أيــن ذهــب ولــو عرفــت مكانــه لقتلتــه فهــل تعــرف أيــن ذهــب ذلــك فأيقظــه
مـن البنـج ففتـح عينيـه فـرأى نفسـه قــدام علــي المصــري وأحمــد الدنــف والأربعــون فانصــرع وقــال: أيــن
أنــا ومــن قبضنــي فقــال لــه شومــان: أنــا الــذي قبضتــك فقــال لــه علــي المصــري: يـــا ماكـــر أتفعـــل هـــذه
===
الأفعــال وأراد أن يذبحــه فقــال لــه حســن شومــان: ارفــع يــدك هــذا صـــار صهـــرك فقـــال: صهـــري مـــن
أيـــن فقـــال لـــه أحمـــد اللقيـــط ابـــن أخـــت زينـــب. فقـــال علـــي: لـــأي شـــيء هـــذا يـــا لقيـــط فقـــال لـــه:
أمرتنــي بــه جدتــي الدليلــة المحتالــة ومــا ذاك إلا أن زريقــاً السمــاك اجتمــع بجدتــي الدليلــة المحتالــة وقــال
لهـا: إن عليـاً المصـري شاطـر بــارع فــي الشطــارة ولابــد أن يقتــل اليهــودي ويجــيء بالبدلــة فأحظرتنــي
وقالــت لــي: يــا أحمــد هــل تعــرف عليـــاً المصـــري فقلـــت: أعرفـــه وكنـــت أرشدتـــه إلـــى قاعـــة أحمـــد
الدنــف فقالتلــي: رح انصــب لـــه شركـــك فـــإن كـــان جـــاء بالأمتعـــة فاعمـــل عليـــه منصفـــا وخـــذ منـــه
الأمتعـــة فطفـــت فـــي شـــوارع المدينـــة حتـــى رأيـــت حلوانيـــاً أعطيتـــه عشـــرة دنانيــــر وأخــــذت بدلتــــه
وعدتـــه وجـــرى مـــا جـــرى ثـــم إن عليـــاً المصـــري قـــال لأحمـــد اللقيـــط رح إلـــى جدتـــك وإلــــى زريــــق
السمــاك وأعلمهمــا بأنــي جئـــت بالأمتعـــة ورأس اليهـــودي وقـــل لهمـــا: غـــداً قابلـــاه فـــي ديـــوان الخليفـــة
وخــذا منــه مهــر زينــب ثــم إن أحمــد الدنــف فــرح بذلــك وقــال: لا خابــت فيــك التربيــة يــا علــي فلمــا
أصبـــح الصبـــاح أخـــذ علـــي المصـــري البدلـــة والصينيـــة والقصبـــة والسلاســـل الذهــــب ورأس عــــذرة
اليهودي على مزراق وطلع إلى الديوان مع عمه وصبيانه وقبلوا الأرض بين يدي الخليفة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن عليــاً لمــا طلـــع الديـــوان مـــع عمـــه أحمـــد الدنـــف وصبيانـــه قبلـــوا
الـأرض بيـن يـدي الخليفـة فالتفـت الخليفــة فــرأى شابــاً مــا فــي الرجــال أشجــع منــه فســأل الرجــال عنــه
فقـــال أحمـــد الدنـــف: يـــا أميـــر المؤمنيـــن هـــذا علـــي الزيبــــق المصــــري رئيــــس فتيــــان مصــــر وهــــو أول
صبيانـي فلمـا رآه الخليفـة حبــه لكونــه رأى الشجاعــة لائحــة بيــن عينيــه تشهــد لــه لا عليــه فقــام علــي
ورمـى دمـاغ اليهــودي بيــن يــدي الخليفــة وقــال لــه: عــدوك مثــل هــذا يــا أميــر المؤمنيــن فقــال لــه الخليفــة
دمــاغ مــن هــذا فقــال لــه: دمــاغ عــذرة اليهــودي فقـــال الخليفـــة: ومـــن قتلـــه فحكـــى لـــه علـــي المصـــري
مــا جــرى مــن الــأول إلــى الآخــر. فقــال الخليفــة: مــا ظننــت أنــك قتلتــه لأنــه كــان ساحــراً فقــال لــه: يــا
أميــر المؤمنيــن قدرنــي ربــي علــى قتلــه فأرســل الخليفــة الوالـــي إلـــى القصـــر فـــرأى اليهـــودي بـــلا رأس
فأخـذوه فـي تابـوت وأحضـروه بيــن يــدي الخليفــة فأمــر بحرقــه وإذا بقمــر بنــت اليهــودي أقبلــت وقبلــت
الـأرض بيـن يـدي الخليفـة وأعلمتـه بأنهــا ابنــة عــذرة اليهــودي وأنهــا أسلمــت ثــم جــددت إسلامهــا ثانيــاً
بيــن يــدي الخليفــة وقالــت لــه: أنــت سيــاق علــى الشاطــر علــي الزيبــق المصــري أن يتزوجنـــي ووكلـــت
الخليفـة فــي زواجهــا بعلــي فوهــب الخليفــة لعلــي المصــري قصــر اليهــودي بمــا فيــه وقــال لــه: تمــن علــي
فقـال: تمنيـت عليـك أن أقـف علــى بساطــك وآكــل مــن سماطــك فقــال الخليفــة: أرســل إليهــم ليجيئــوا
مــن مصــر ثــم قــال الخليفــة: يــا علـــي هـــل لـــك قاعـــة قـــال: لا فقـــال حســـن شومـــان: قـــد وهبـــت لـــه
===
قاعتــي بمــا فيهــا يــا أميـــر المؤمنيـــن فقـــال الخليفـــة: قاعتـــك لـــك يـــا حســـن وأمـــر الخازنـــدار أن يعطـــي
لمعمــار عشــرة آلــاف دينــار ليبنــي لــه قاعــة بأربــع لواويــن وأربعيــن مخدعــاً لصبيانــه وقـــال الخليفـــة: يـــا
علــي هــل بقــي لــك حاجــة فآمــر لــك بقضائهــا فقــال: يــا ملـــك الزمـــان أن تكـــون سياقـــاً علـــى الدليلـــة
المحتالـة أن تزوجنـي بنتهـا زينـب وتأخـذ بدلـة بنـت اليهـودي وأمتعتهــا فــي مهرهــا فقبلــت دليلــة سيــاق
الخليفـــة وأخـــذت الصينيـــة والبدلـــة والقصبـــة والسلاســـل الذهـــب وكتـــب كتابهـــا عليـــه وكتبـــوا أيضـــاً
كتـــاب بنـــت السقطـــي والجاريـــة وقمـــر بنـــت اليهـــودي عليـــه ورتـــب لـــه الخليفـــة جامكيـــة وجعـــل لـــه
سماطـاً فـي الغـذاء وسماطـاً فـي العشـاء وجاريـة وعلوفــة ومسموحــاً وشــرع علــي المصــري فــي الفــرح
حتـى كمـل مـدة ثلاثيــن يومــاً ثــم إن علــي المصــري أرســل إلــى صبيانــه بمصــر كتابــاً يذكــر لهــم فيــه مــا
حصــل لــه مــن الإكــرام عنــد الخليفــة وقــال لهــم فــي المكتــوب: لابــد مــن حضوركــم لأجـــل أن تحصلـــوا
الفـرح لأنـي تزوجـت بأربـع بنــات فبعــد مــدة يسيــرة حضــر صبيانــه الأربعــون وحصلــوا الفــرح فوطنهــم
فــي القاعــة وأكرمهــم غايــة الإكــرام ثــم أعرضهــم علــى الخليفــة فخلـــع عليهـــم وجلـــت المواشـــط زينـــب
بالبدلــة علــى علــي المصــري ودخــل عليهــا فوجدهــا درة مــا ثقبـــت ومهـــرة لغيـــره مـــا ركبـــت وبعدهـــا
دخــل علــى الثلــاث بنــات فوجدهـــن كاملـــات الحســـن والجمـــال ثـــم بعـــد ذلـــك اتفـــق أن عليـــاً المصـــري
سهـر عنـد الخليفـة ليلـة مـن الليالـي فقـال لـه الخليفـة: مـرادي يـا علــي أن تحكــي لــي جميــع مــا جــرى لــك
===
مــن الـــأول إلـــى الآخـــر فحكـــى لـــه جميـــع مـــا جـــرى لـــه مـــن الدليلـــة المحتالـــة وزينـــب النصابـــة وزريـــق
السمـاك فأمـر الخليفـة بكتابـة ذلـك وأن يجعلـوه فــي خزانــة الملــك ويكتبــوا جميــع مــا وقــع لــه وجعلــوه مــن
جملة السيـر لأمـة خيـر البشـر صلـى اللـه عليـه وسلـم ثـم قعـدوا فـي أرغـد عيـش وأهنـأه إلـى أن أتاهـم
هادم اللذات ومفرق الجماعات والله سبحانه وتعالى أعلم.
===
حكاية زواج الملك بدر باسم بن شهرمان
ببنت الملك السمندل
قالـت: وممــا يحكــى أيهــا الملــك السعيــد أنــه كــان فــي قديــم الزمــان وسالــف العصــر والــأوان فــي أرض
العجــم ملــك يقــال لــه شهرمــان وكــان مستقــره خراســان وكــان عنــده مائــة سريــة ولــم يــرزق منهــن فـــي
طــول عمــره بذكــر ولا أنثــى فتذكــر ذلــك يومــاً مــن الأيــام وصــار يتأســف حيـــث مضـــى غالـــب عمـــره
ولـم يـرزق بولـد ذكـر يـرث الملـك مـن بعــده كمــا ورثــه هــو عــن آبائــه وأجــداده فحصــل لــه بسبــب ذلــك
غايــة الغــم والقهــر الشديــد فبينمــا هــو جالــس يومــاً مــن الأيــام إذ دخــل عليــه بعــض مماليكــه وقالــوا لــه:
يـا سيـدي إن علـى البـاب جاريـة مـع تاجـر لـم نـر أحسـن منهـا فقـال لهــم: علــي بالتاجــر والجاريــة فأتــوه
بالتاجـر والجاريـة فلمـا رآهـا وجدهـا تشبـه الرمــح الردينــي وهــي ملفوفــة فــي آزار مــن حريــر مزركــش
بالذهــب فكشــف التاجــر عــن وجهــه فأضــاء المكــان مــن حسنهـــا وارتخـــى لهـــا سبـــع ذوائـــب حتـــى
وصلــت إلــى خلاخلهــا كأذيــل الخيــل وهــي بطــرف كحيــل وردف ثقيـــل وخصـــر نحيـــل تشفـــي سقـــام
العليل وتطفئ نار الغليل كما قال الشاعر في المعنى هذه الأبيات:
كلفـت بهـا وقــد تمــت بحســن وكملهــــا السكينـــــة والوقـــــار
===
قــــوام بيـــــن إيجـــــاز وبســـــط فــلا طــول يعـــاب ولا قصـــار
وشعــر يسبــق الخلخــال منهـــا ولكــــن وجههــــا أبــــداً نهـــــار
فتعجــب الملــك مــن رؤيتهــا وحسنهــا وجمالهــا وقدهــا واعتدالهــا وقــال للتاجـــر: يـــا شيـــخ بكـــم هـــذه
الجاريـة قـال التاجــر: يــا سيــدي اشتريتهــا بألفــي دينــار مــن التاجــر الــذي كــان ملكهــا قبلــي ولــي ثلــاث
سنيــن مسافــراً بهــا فتكلفــت إلــى أن وصلــت إلــى هــذا المكــان ثلاثــة آلــاف دينــار وهــي هديــة منـــي
إليـك فخلـع عليـه الملـك خلعــة سنيــة وأمــر لــه بعشــرة آلــاف دينــار فأخذهــا وقبــل يــدي الملــك وشكــر
فضلـه وإحسانـه وانصــرف ثــم إن الملــك سلــم الجاريــة إلــى المواشــط وقــال لهــن: أصلحــن أحــوال هــذه
الجاريـة وزينهـا وافرشـن لهـا مقصــورة وأدخلنهــا فيهــا وأمــر حجابــه أن تنقــل إليهــا جميــع مــا تحتــاج إليــه
وكانـــت المملكـــة التـــي هـــو مقيـــم فيهـــا علـــى جانـــب البحـــر وكانـــت مدينتـــه تسمـــى المدينـــة البيضـــاء
فأدخلوا الجارية في مقصورة وكانت تلك المقصورة لها شبابيك تطل على البحر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك لمــا أخــذ الجاريــة وسلمهــا للمواشــط وقــال لهـــن: أصلحـــن
===
شأنهـا وأدخلنهـا فـي مقصـورة وأمـر حجابـه أن تغلـق عليهــا جميــع الأبــواب بعــد أن ينقلــوا لهــا جميــع مــا
تحتــاج إليــه فأدخلوهــا فــي مقصـــورة وكانـــت تلـــك المقصـــورة لهـــا شبابيـــك تطـــل علـــى البحـــر ثـــم إن
الملــك دخــل علــى الجاريــة فلــم تقــم لــه ولــم تفكــر فيــه فقــال الملــك كأنهــا كانــت عنــد قــوم لــم يعلموهـــا
الـأدب ثــم إنــه التفــت إلــى تلــك الجاريــة فرآهــا بارعــة فــي الحســن والجمــال والقــد والاعتــدال ووجههــا
كأنـه دائـرة القمـر عنـد تمامــه أو الشمــس الضاحيــة فــي السمــاء الصافيــة فتعجــب مــن حسنهــا وجمالهــا
وقدهــا واعتدالهــا فسبــح اللــه الخالــق جلــت قدرتــه ثــم إن الملــك تقــدم إلـــى الجاريـــة وجلـــس بجانبهـــا
وضمهــا إلــى صــدره وأجلسهــا علــى فخــذه ومــص رضــاب ثغرهــا فوجــده أحلــى مــن الشهــد ثــم إنـــه
أمـــر بإحضـــار الموائـــد مـــن أفخـــر الطعـــام وفيهـــا مـــن سائـــر الألـــوان فأكـــل الملـــك وصـــار يلقمهـــا حتـــى
شبعــت وهــي لــم تتكلــم بكلمــة واحــدة فصــار الملــك يحدثهــا ويسألهــا عــن اسمهـــا وهـــي ساكتـــة لـــم
تنطـق بكلمـة ولـم تـرد جوابـاً ولـم تـزل مطرقـة برأسهـا إلـى الـأرض وكـان الحافـظ لهــا مــن غضــب الملــك
عليهــا مــن فــرط حسنهــا وجمالهــا والدلــال الــذي كــان لهــا فقــال الملــك فــي نفســه: سبحــان اللــه خالــق
هـذه الجاريـة مـا أضفرهـا إلا أنهــا لا تتكلــم ولكــن الكمــال للــه تعالــى ثــم إن الملــك ســال الجــواري: هــل
تكلمـت فقلـن لـه: مـن حيـن قدومهـا إلــى هــذا الوقــت لــم تتكلــم بكلمــة واحــدة ولــم نسمــع لهــا خطابــاً
فأحضـر الملـك بعــض الجــواري والســراري وأمرهــن أن يغنيــن لهــا وينشرحــن معهــا لعلهــا تتكلــم فلعبــت
===
الجـواري والسـراري قدامهــا سائــر الملاهــي واللعــب وغيــر ذلــك وغنيــن حتــى طــرب مــن فــي المجلــس
والجاريــة تنظــر إليهـــن وهـــي ساكتـــة لـــم تضحـــك ولـــم تتكلـــم فضـــاق صـــدر الملـــك ثـــم إنـــه صـــرف
الجواري واختلى بتلك الجارية.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك اختلــى بالجاريــة وخلــع ثيابهــا ونظــر إلــى بدنهـــا فـــرآه كأنـــه
سبيكــة فضــة فأحبهــا محبــة عظيمــة ثــم قــام الملــك وأزال بكارتهــا فوجدهــا بنــت بكـــر ففـــرح فرحـــاً
شديـداً وقــال فــي نفســه: يــا اللــه العجــب كيــف تكــون جاريــة مليحــة القــوام والمنظــر وأبقاهــا التجــار
بكــراً علــى حالهــا ثــم إنــه مــال إليهــا بالكليــة ولــم يلتفــت إلــى غيرهــا وهجــر جميــع سراريــه والمحاظـــي
وأقــام معهــا سنــة كاملــة كأنهــا يــوم واحــد وهــي لــم تتكلــم فقــال لهــا يومـــاً مـــن الأيـــام وقـــد زاد عشقـــه
بهــا والغــرام: يـــا منيـــة النفـــوس إن محبتـــك عنـــدي عظيمـــة وقـــد هجـــرت مـــن أجلـــك جميـــع الجـــواري
والســراري والنســاء والمحاظــي وجعلتــك نصيبــي مــن الدنيــا وقــد طولــت روحــي عليـــك سنـــة كاملـــة
وأسأل الله تعالى مـن فضلـه أن يليـن قلبـك لـي فتكلمينـي وإن كنـت خرسـاء فاعلمينـي بالإشـارة حتـى
===
أقطــع العشــم مــن كلامــك وأرجــو اللــه سبحانــه أن يرزقنــي منــك بولـــد ذكـــر يـــرث ملكـــي مـــن بعـــدي
فإنـي وحيـد فريـد ليـس لـي مـن يرثنـي وقـد كبـر سنـي فباللـه عليـك إن كنــت تحبيننــي أن تــردي علــي
الجــواب فأطرقــت الجاريــة رأسهــا إلــى الــأرض وهــي تتفكــر ثــم إنهــا رفعـــت راسهـــا وتبسمـــت فـــي
وجــه الملــك فتخيــل للملــك أن البــرق قــد مــلأ المقصــورة وقالــت: أيهــا الملــك الهمــام والأســـد الضرغـــام
قـد استجـاب اللـه دعائــك وإنــي حامــل منــك وقــد آن أوان الوضــع ولكــن لا أعلــم هــل الجنيــن ذكــر أو
أنثــى ولــولا أنــي حملــت منــك مـــا كلمتـــك كلمـــة واحـــدة فلمـــا سمـــع الملـــك كلامهـــا تهلـــل وجهـــه بالفـــرح
والانشـــراح وقبـــل رأسهـــا ويديهـــا مـــن شـــدة الفـــرح وقـــال: الحمـــد للـــه الـــذي مـــن علـــي بأمريــــن كنــــت
أتمناهمـا: الأولـى كلامــك والثانــي إخبــارك بالحمــل منــي ثــم إن الملــك قــام مــن عندهــا وخــرج وجلــس
علـــى كرســـي مملكتـــه وهـــو فـــي الانشـــراح الزائـــد وأمـــر الوزيـــر أن يخـــرج للفقـــراء والمساكيـــن والأرامـــل
وغيرهم مائة ألف دينار شكراً لله تعالى وصدقة عنه ففعل الوزير ما أمره به الملك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملــك السعيــد أن الوزيــر فعــل مــا أمــره بــه الملــك ثــم إن الملــك دخــل بعــد ذلــك إلــى
===
الجاريــة وجلــس عندهــا وحضنهــا وضمهــا إلــى صــدره وقــال لهــا: يــا سيدتــي ومالكــة روحــي لمـــاذا
السكـوت ولـك عنـدي سنـة كاملـة ليـلاً ونهـاراً قائمـة ونائمـة ولـم تكلمينـي فـي هـذه السنـة إلا فــي هــذا
النهـــار فمـــا سبـــب سكوتـــك فقالـــت الجاريـــة: اسمـــع يـــا ملـــك الزمـــان واعلــــم أنــــي مسكينــــة غريبــــة
مكسـورة الخاطـر فارقــت أمــي وأهلــي وأخــي فلمــا سمــع الملــك كلامهــا عــرف مرادهــا فقــال لهــا: أمــا
قولــك مسكينــة فليــس لهــذا الكلــام محــل فــإن جميــع ملكــي ومتاعــي ومــا أنــا فيـــه فـــي خدمتـــك وأنـــا
أيضـاً صـرت مملوكـك وأمـا قولـك فارقـت أمـي وأهلـي وأخـي فأعلمينـي فـي أي مكــان هــم وأنــا أرســل
إليهـم وأحضرهــم عنــدك. فقالــت لــه: اعلــم أيهــا الملــك السعيــد أن اسمــي جلنــار البحريــة وكــان أبــي
مــن ملــوك البحــر ومــات وخلــف لنـــا الملـــك فبينمـــا نحـــن فيـــه إذ تحـــرك علينـــا ملـــك مـــن الملـــوك وأخـــذ
الملــك مــن أيدينـــا ولـــي أخ يسمـــى صالـــح وأمـــي مـــن نســـاء البحـــر فتنازعـــت أنـــا وأخـــي فحلفـــت أن
أرمـي نفسـي عنـد رجـل مـن أهــل البــر فخرجــت مــن البحــر وجلســت علــى طــرف جزيــرة فــي القمــر
فجـاز بـي رجـل فأخذنـي وذهـب بـي إلـى منزلـه وراودنـي عـن نفسـي فضربتــه علــى رأســه فكــاد أن
يمــوت فخــرج بــي وباعنــي لهــذا الرجــل الــذي أخذتنــي منــه وهــو رجــل جيـــد صالـــح صاحـــب ديـــن
وأمانـة ومـروءة ولـولا أن قلبـك حبنــي فقدمتنــي علــى جميــع سراريــك مــا كنــت قعــدت عنــدك ساعــة
واحـدة وكنـت رميـت نفسـي إلـى البحـر مـن هـذا الشبـاك وأروح إلــى أمــي وجماعتــي وقــد استحيــت
===
أن أسيـر إليهـم وأنـا حامـل منـك فيظنــون بــي ســوءاً ولا يصدقوننــي ولــو حلفــت لهــم وإذا أخبرتهــم أنــه
اشترانـي ملـك بدراهمـه وجعلنـي نصيبـه فـي الدنيـا واختـص بـي عـن زوجاتـه وسائـر مـا ملكــت يمينــه
وهذه قصتي والسلام.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التسعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيـــد أن جلنـــار البحريـــة لمـــا سألهـــا الملـــك شهرمـــان حكـــت لـــه قصتهـــا
مـن أولهـا إلـى آخرهـا فلمـا سمـع كلامهـا شكرهـا وقبلهـا بيـن عينيهــا وقــال لهــا: واللــه يــا سيدتــي ونــور
عينـي إنـي لا أقـدر علـى فراقـك ساعـة واحـدة وإن فارقتينـي مـت مـن ساعتـي فكيــف يكــون الحــال
فقالــت: يــا سيــدي قــد قــرب أوان ولادتــي ولابــد مــن حضــور أهلــي لأجــل أن يباشرونــي لــأن نســـاء
البــر لا يعرفــن طريقــة ولــادة بنــات البحــر وبنــات البحــر لا يعرفــن طريقــة ولــادة بنـــات البـــر فـــإذا حضـــر
أهلـي انقلــب معهــم وينقلبــون معــي فقــال لهــا الملــك: كيــف يمشــون فــي البحــر فقالــت: أنــا نمشــي فــي
البحــر كمــا أنتــم تمشــون فــي البــر ببركــة الأسمــاء المكتوبــة علــى خاتــم سليمــان بــن داود عليــه السلـــام
ولكــن أيهــا الملــك إذا جــاء أهلــي وإخوتــي فإنــي أعلمهــم أنــك اشتريتنــي بمالـــك وفعلـــت معـــي الجميـــل
===
والإحســان فينبغــي أن تصــدق كلامــي عندهــم ويشاهــدون حالــك بعيونهــم ويعلمــون أنـــك ملـــك ابـــن
ملـك فعنـد ذلـك قـال الملـك: يــا سيدتــي افعلــي مــا بــدا لــك ممــا تحبيــن فإنــي مطيــع لــك فــي جميــع مــا
تفعلينــه فقالــت الجاريــة: اعلــم يــا ملــك الزمــان أنــا نسيــر فــي البحــر وعيوننــا مفتوحـــة وننظـــر مـــا فيـــه
وننظــر الشمــس والقمــر والنجــوم والسمــاء كأننــا علــى وجـــه الـــأرض ولا يضرنـــا ذلـــك واعلـــم أيضـــاً أن
في البحر طوائف كثيرة وأشكـالاً مختلفـة مـن سائـر الأجنـاس التـي فـي البـر واعلـم أيضـاً أن جميـع مـا فـي
البـر بالنسبـة لمـا فـي البحـر شـيء قليــل جــداً فتعجــب الملــك مــن كلامهــا ثــم إن الجاريــة أخرجــت مــن
كتفهـا قطعتيـن مــن العــود القمــاري وأخــذت منــه جــزءاً وأوقــدت مجمــرة النــار وألقــت ذلــك الجــزء فيهــا
وصفــرت صفــرة عظيمــة وجعلــت تتكلــم بكلــام لا يفهمــه أحــد فطلــع دخــان عظيــم والملـــك ينظـــر ثـــم
قالـت للملـك: يـا مولـاي قـم واختـف فــي مخــدع حتــى أريــك أخــي وأمــي وأهلــي مــن حيــث لا يرونــك
فإنــي أريــد أن أحضرهــم وتنظــر فــي هــذا المكــان فــي هــذا الوقــت فقـــام الملـــك مـــن وقتـــه وساعتـــه
ودخــل مخدعــاً وصــار ينظــر مــا تفعــل فصــارت تبخــر وتعــزم إلــى أن أزبــد البحــر واضطــرب وخـــرج
منـه شـاب مليـح الصـورة بهـي المنظـر كأنـه البـدر فـي تمامـه بجبيـن أزهـر وخــد أجمــر وشعــر كأنــه الــدر
والجوهر وهو أشبه بأخته ولسان الحال في حقه ينشد هذين البيتين:
البــدر يكمــل كــل شهــر مـــرة وجمال وجهـك كـل يـوم يكمـل
===
ثم خرجت من البحر عجوز شمطاء.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جلنـــار لمـــا صفـــرت خـــرج مـــن البحـــر أخوهـــا وعجــــوز معهــــا
خمــس جــوار كأنهــن الأقمــار وعليهــن شبــه مــن الجاريــة التــي اسمهــا جلنــار ثــم إن الملــك رأى الشـــاب
والعجـــوز والجـــواري يمشيـــن علـــى وجـــه المـــاء حتـــى قدمـــوا علـــى الجاريـــة فلمـــا قربـــوا مــــن الشبــــاك
ونظرتهــــم جلنــــار قامــــت لهــــم وقابلتهــــم بالفــــرح والســــرور فلمــــا رأوهــــا عرفوهــــا ودخلــــوا عندهـــــا
وعانقوهـا وبكـوا بكـاء شديـداً ثـم قالـوا لهـا: يـا جلنـار كيـف تتركيننـا أربـع سنيـن ولـم نعلـم الـذي أنــت
فيـه واللـه إنهـا ضاقـت علينـا الدنيـا مـن شــدة فراقــك ولا نلتــذ بطعــام ولا شــراب يومــاً مــن الأيــام ونحــن
نبكـي بالليـل والنهـار مـن فـرط شوقنـا إليــك ثــم إن الجاريــة صــارت تقبــل يــد الشــاب أخيهــا ويــد أمهــا
وكذلـك بنـات عمهـا جلسـوا عندهـا ساعـة وهـم يسألونهـا عـن حالهـا ومــا جــرى لهــا وعمــا هــي فيــه.
فقالــت لهــم: اعلمــوا أنــي لمــا فارقتكــم وخرجــت مــن البحـــر جلســـت علـــى طـــرف جزيـــرة فأخذنـــي
رجـل وباعنـي لرجـل تاجـر فأتـى بـي التاجـر إلـى هــذه المدينــة وباعنــي لملكهــا بعشــرة آلــاف دينــار ثــم
===
إنـه احتفـل بـي وتـرك جميـع سراريـه ونسائـه ومحاظيـه مـن أجلــي واشتغــل بــي عــن جميــع مــا عنــده ومــا
فـي مدينتـه فلمـا سمـع أخوهـا كلامهـا قـال: الحمـد للـه الـذي جمـع شملنـا بـك لكــن قصــدي يــا أختــي أن
تقومـي وتروحـي معنـا إلـى بلادنـا وأهلنـا فلمــا سمــع الملــك كلــام أخيهــا طــار عقلــه خوفــاً علــى الجاريــة
أن تقبـل كلـام أخيهـا ولا يقـدر هـو أن يمنعهـا مـع أنــه مولــع بهــا بحبهــا فصــار متحيــراً شديــد الخــوف مــن
فراقهـــا. وأمـــا الجاريـــة جلنـــار فلمـــا سمعــــت كلــــام أخيهــــا قالــــت: واللــــه يــــا أخــــي إن الرجــــل الــــذي
اشترانـي ملـك هـذه المدينـة وهـو ملـك عظيـم ورجــل عاقــل كريــم جيــد فــي غايــة الجــود وقــد أكرمنــي
وهـو صاحـب مـروءة ومـال كثيـر وليـس لـه ولـد ذكـر ولا أنثــى وقــد أحســن إلــي وصنــع معــي كــل خيــر
ومـن يـوم مـا جئتـه إلـى هـذا الوقـت مـا سمعـت منـه كلمـة رديئــة تســوء خاطــري ولــم يــزل يلاطفنــي ولا
يفعـل شيئـاً إلا بمشاورتـي وأنـا عنــده فــي أحســن الأحــوال وأتــم النعــم وأيضــاً متــى فارقتــه يهلــك فإنــه
لا يقــدر علــى فراقــي أبـــداً ولا ساعـــة واحـــدة وإن فارقتـــه أنـــا الأخـــرى مـــت مـــن شـــدة محبتـــي إيـــاه
بسبــب فــرط إحسانــه لــي مــدة إقامتــي عنــده فإنــه لــو كــان أبــي حيـــاً مـــا كـــان لـــي مقـــام عنـــده مثـــل
مقامـي عنـد هـذا الملـك العظيــم الجليــل المقــدار وقــد رأيتمونــي حاملــة منــه والحمــد للــه الــذي جعلنــي
بنت ملك البحر وزوجي أعظم ملوك البر ولم يقطع الله تعالى بي وعوضني خيراً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
===
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن جلنــار البحريــة لمــا حكــت لأخيهـــا جميـــع حكايتهـــا وقالـــت: إن
اللـه تعالـى لـم يقطـع بـي وعوضنـي خيــراً وإن الملــك ليــس لــه ذكــر ولا أنثــى واطلــب مــن اللــه تعالــى أن
يرزقنــي بولــد ذكــر والقصــور والأملــاك فلمــا سمـــع أخوهـــا وبنـــات عمهـــا كلامهـــا قـــرت أعينهـــن بذلـــك
الكلــام وقالــوا لهــا: يــا جلنــار أنـــت تعلميـــن منزلتـــك عندنـــا وتعرفيـــن محبتنـــا إيـــاك وتحققيـــن أنـــك أعـــز
النـاس جميعــاً عندنــا وتعتقديــن أن قصدنــا لــك الراحــة مــن غيــر مشقــة ولا تعــب فــإن كنــت فــي غيــر
راحــة فقومــي معنــا إلــى بلادنــا وأهلنــا وإن كنــت مرتاحـــة هنـــا فـــي معـــزة وســـرور فهـــذا هـــو المـــراد
والمنــى لأننــا لا نريــد إلا راحتــك علــى كــل حــال فقالــت جلنــار: واللــه إنــي فــي غايـــة الراحـــة والهنـــاء
والعز والمنى.
فلمـــا سمـــع الملـــك منهـــا ذلـــك الكلـــام فــــرح واطمــــأن قلبــــه وشكرهــــا علــــى ذلــــك وازداد فيهــــا حبــــاً
ودخــل حبهــا فــي صميــم قلبــه وعلــم منهــا أنهــا تحبــه كمــا يحبهــا وأنهــا تريــد القعــود عنـــده حتـــى يـــرى
ولــده منهــا ثــم إن الجاريــة التـــي هـــي جلنـــار البحريـــة أمـــرت جواريهـــا أن يقدمـــن الموائـــد والطعـــام مـــن
سائــر الألــوان وكانــت جلنــار هــي التــي باشـــرت الطعـــام فـــي المطبـــخ فقدمـــت لهـــن الجـــواري الطعـــام
والحلويــات والفواكــه ثــم إنهـــا أكلـــت هـــي وأهلهـــا وبعـــد ذلـــك قالـــوا لهـــا: يـــا جلنـــار إن سيـــدك رجـــل
غريـب منـا وقـد دخلنـا بيتـه مـن غيـر اذنـه ولـم يعلـم بنـا وأنـت تشكريـن لنــا فضلــه وأيضــاً أحضــرت لنــا
===
طعامنـا فأكلنـا ولـم نجتمـع بـه ولـم نـره ولـم يرنـا ولا حضرنـا ولا أكـل معنــا حتــى يكــون بيننــا وبينــه خبــز
وملــح وامتنعــوا كلهــم مــن الأكــل واغتاظــوا عليهــا وصــارت النـــار تخـــرج مـــن أفواههـــم كالمشاعـــل فلمـــا
رأى الملـك ذلـك طـار عقلـه مـن شـدة الخـوف منهـم ثـم إن جلنـار قامـت إليهــم وطيبــت خواطرهــم ثــم
بعــد ذلــك تمشــت إلــى أن دخلــت المخــدع الــذي فيــه الملــك سيدهــا وقالــت: يــا سيــدي هـــل رأيـــت
وسمعـت شكـري فيـك وثنائـي عليـك عنـد أهلـي وسمعـت مـا قالـوه لـي مــن أنهــم يريــدون أن يأخذونــي
إلــى أهلــي وبلــادي فقــال لهــا الملــك: سمعــت ورأيــت وجــزاك اللــه عنــي خيــراً واللــه مـــا علمـــت قـــدر
محبتـي عنـدك إلا فـي هـذه الساعـة المباركـة ولـم أشـك فـي محبتـك إيـاي فقالــت لــه: سيــدي مــا جــزاء
الإحسـان إلا الإحسـان وأنـت قـد أحسنـت إلـي وتكرمـت علـي بجلائـل النعـم وأراك تحبنـي غايــة المحبــة
وعملــت معــي كــل جميــل واخترتنــي علــى جميــع مــن تحــب وتزيــد فكيــف يطيــب قلبــي علــى فراقــك
والـــرواح مـــن عنـــدك وكيـــف يكـــون ذلـــك وأنـــت تحســـن وتتفضـــل علـــي فأريـــد مـــن فضلـــك أن تأتـــي
وتسلـم علـى أهلـي وتراهـم ويـروك ويحصـل الصفـاء والــود بينكــم ولكــن اعلــم يــا ملــك الزمــان أن أخــي
وأمـي وبنـات عمـي قـد أحبـوك محبـة عظيمـة لمـا شكرتـك لهـم وقالـوا: مـا نــروح إلــى بلادنــا مــن عنــدك
حتــى نجتمــع بالملــك ونسلــم عليــه فيريــدون أن ينظــروك ويأتنســوا بــك فقــال الملـــك لهـــا سمعـــاً وطاعـــة
فــإن هــذا هــو مــرادي ثــم إنــه قــام مــن مقامــه وســار إليهــم وسلــم عليهــم بأحســن سلــام فبــادروا إليـــه
===
بالقيـام وقابلـوه أحسـن مقابلـة فجلـس معهـم فـي القصـر وأكـل معهـم علـى المائـدة وأقـام معهـم مــدة ثلاثيــن
يومـاً ثـم بعــد ذلــك أرادوا التوجــه إلــى بلادهــم ومحلهــم فأخــذوا بخاطــر الملــك والملكــة جلنــار البحريــة
ثـم ســاروا مــن عندهمــا بعــد أن أكرمهــم الملــك غايــة الإكــرام وبعــد ذلــك استوفــت جلنــار أيــام حملهــا
وجــاء أوان الوضــع فوضعــت غلامــاً كأنــه البــدر فــي تمامــه فحصــل للملــك بذلــك غايـــة الســـرور لأنـــه
مــا رزق بولــد ولا بنــت فــي عمــره فأقامــوا الأفــراح والزينــة مــدة سبعــة أيــام وهــم فـــي غايـــة الســـرور
والهنـــاء وفـــي اليـــوم السابـــع حضـــرت أم الملكـــة جلنـــار وأخوهـــا وبنـــات عمهـــا الجميـــع لمــــا علمــــوا أن
جلنار قد وضعت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الستمائة
قالـــت: بلغنـــي أيهـــا الملـــك السعيـــد أن جلنـــار لمـــا وضعـــت وجـــاء إليهـــا أهلهــــا قابلهــــم الملــــك وفــــرح
بقدومهــم وقــال لهــم: أنــا قلــت مــا أسمــي ولــدي حتــى تحضــروا وتسمــوه أنتــم بمعرفتكــم فسمــوه بــدر
باسـم واتفقـوا جميعـاً علــى هــذا الاســم ثــم إنهــم عرضــوا الغلــام علــى خالــه صالــح فحملــه علــى يديــه
وقام به من بينهـم وتمشـى فـي القصـر يمينـاً وشمـالاً ثـم خـرج بـه مـن القصـر ونـزل بـه البحـر المالـح ومشـى
===
حتـى اختفـى عـن عيـن الملـك فلمـا رآه الملـك أخـذ ولـده وغـاب عنـه فـي قـاع البحــر يئــس منــه وصــار
يبكــي وينتحــب فلمــا رأتــه جلنــار علــى هـــذه الحالـــة قالـــت لـــه: يـــا ملـــك الزمـــان لا تخـــف ولا تحـــزن
علــى ولــدك فأنــا أحــب ولــدي أكثــر منــك وإن ولــدي مــع أخــي فــلا تبــال مــن البحــر ولا تخشــى عليــه
مـن الغـرق ولـو علـم أخـي أنـه يحصـل للصغيـر ضــرر مــا فعــل الــذي فعلــه بــه وفــي هــذه الساعــة يأتيــك
بولـدك سالمـاً إن شـاء اللـه تعالـى فلـم يكــن غيــر ساعــة إلا والبحــر قــد اختبــط واضطــرب وطلــع منــه
خـال الصغيـر ومعـه ابــن الملــك سالمــاً وطــار مــن البحــر إلــى أن وصــل إليهــم والصغيــر علــى يديــه وهــو
ساكـت ووجهـه كالقمـر فـي ليلـة تمامـه ثـم إن خـال الصغيـر نظـر إلـى الملـك وقــال لــه: لعلــك خفــت علــى
ولـدك مـن ضـرر المـاء لمـا نزلـت بـه فـي البحـر وهـو معـي فقـال الملـك: نعــم يــا سيــدي خفــت عليــه ومــا
ظننــت أنــه يسلــم منــه قــط فقــال لــه: يــا ملـــك البـــر إنـــا كحلنـــاه بكحـــل نعرفـــه وقرأنـــا عليـــه بالأسمـــاء
المكتوبـة علـى خاتـم سليمــان بــن داود عليــه السلــام فــإن المولــود إذا ولــد عندنــا صنعنــا بــه مــا ذكــرت
لـك فـلا تخـف عليـه مـن الغـرق ولا الخنـق ولا مـن سائـر البحـار إذا نـزل فيهـا ومثــل مــا تمشــون أنتــم فــي
البـر نمشـي نحـن فـي البحــر ثــم أخــرج مــن جيبــه محفظــة مكتوبــة ومختومــة ففــض ختامهــا ونثرهــا فنــزل
منهــا جواهــر منظومــة مــن سائـــر أنـــواع اليواقيـــت والجواهـــر وثلاثمائـــة قضيـــب مـــن الزمـــرد قصبـــة مـــن
الجواهــر الكبــار التــي هــي قــدر بيــض النعــام نورهــا أضــوأ مــن نــور الشمــس والقمـــر وقـــال: يـــا ملـــك
===
الزمـان هـذه الجواهـر واليواقيـت هديـة منــي إليــك لأننــا مــا أتينــاك بهديــة قــط ومــا نعلــم موضــع جلنــار
ولا تعــرف لهــا أثــراً ولا خبــراً فلمــا رأينــاك اتصلــت بهــا وقــد صرنـــا كلنـــا شيئـــاً واحـــداً أتينـــاك بهـــذه
الهديـة وبعـد كـل قليـل مـن الأيـام نأتيـك بمثلهــا إن شــاء اللــه تعالــى لــأن هــذه الجواهــر واليواقيــت عندنــا
أكثر من الحصى في البر ونعرف جيدها ورديئها وجميع طرقها وموضعها وهي سهلة علينا.
فلمــا نظــر الملــك إلــى تلــك الجواهــر واليواقيــت اندهــش عقلــه وطــار لبــه وقــال: إن جوهـــرة مـــن هـــذه
الجواهر تعادل ملكي ثم إن الملك شكر فضل صالح البحري ونظر إلى الملكة جلنار.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهـا الملـك السعيــد أن الملــك شكــر صالــح البحــري ونظــر إلــى الملكــة جلنــار وقــال لهــا:
أنـا استحيـت مـن أخيـك لأنـه تفضـل علـي وهدانـي هـذه الهديـة السنيـة التـي يعجــز عنهــا أهــل الــأرض
فشكرتــه جلنــار وأخاهــا علــى مــا فعــل فقــال أخوهــا: يــا ملــك الزمــان إن لــك علينــا حقــاً قـــد سبـــق
وشكـرك علينـا قـد وجـب لأنـك قـد أحسنـت إلــى أختــي ودخلنــا إلــى منزلــك وأكلنــا زادك وقــد قــال
الشاعر:
===
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاهـا فقلـت الفضـل للمتقـدم
ثــم قــال صالــح: ولــو وقفنــا فـــي خدمتـــك يـــا ملـــك الزمـــان ألـــف سنـــة علـــى وجوهنـــا مـــا قدرنـــا أن
نكافئـك وكـان ذلـك فـي حقـك قليـلاً فشكـره الملـك شكـراً بليغـاً وأقـام صالـح عنــد الملــك وأمــه وبنــات
عمـه أربعيـن يومـاً ثــم إن صالحــاً أخــا جلنــار قــام وقبــل الــأرض بيــن يــدي الملــك زوج أختــه فقــال لــه:
مـــا تريـــد يـــا صالـــح فقـــال صالـــح: يـــا ملــــك الزمــــان قــــد تفضلــــت علينــــا ومــــرادي مــــن إحسانــــك أن
تتصـدق علينـا وتعطينــا إذنــاً فــإذا اشتقنــا إلــى وبلادنــا وأقاربنــا وأوطاننــا ونحــن مــا بقينــا نتقطــع عــن
خدمتــك ولا عــن أختــي ولا عــن ابــن أختــي فواللــه يــا ملــك الزمــان مـــا يطيـــب لقلبـــي فراقكـــم ولكـــن
كيف العمل ونحن قد تربينا في البحر وما يطيب لنا البر
فلمــا سمــع الملــك كلامــه نهـــض قائمـــاً علـــى قدميـــه وودع صالحـــاً البحـــري وأمـــه وبنـــات عمـــه وتباكـــوا
للفـراق ثـم قالـوا لـه: عـن قريـب نكـون عندكـم ولا نقطعكــم أبــداً وبعــد كــل قليــل مــن الأيــام نزوركــم ثــم
إنهـم طـاروا وقصـدوا البحـر حتـى صـاروا فيـه وغابــوا عــن العيــن فأحســن الملــك إلــى جلنــار وأكرمهــا
إكرامــاً زائــداً ونشــأ الصغيــر منشــأً حسنــاً وصــار خالــه وجدتــه وبنــات عــم أمــه وبعــد كــل قليـــل مـــن
الأيـام يأتـون محـل الملـك ويقيمــون عنــده الشهــر والشهريــن ثــم يرجعــون إلــى أماكنهــم ولــم يــزل الولــد يــزداد
بزيــادة الســن حسنــاً وجمــالاً إلــى أن صـــار عمـــره خمســـة عشـــر عامـــاً وكـــان فريـــداً فـــي كمالـــه وقـــده
===
واعتدالــه وقــد تعلــم الخــط والقــراءة والأخبــار والنحــو واللغــة والرمــي بالنشــاب وتعلــم اللعـــب بالرمـــح
وتعلـم الفروسيــة وسائــر مــا يحتــاج إليــه أولــاد الملــوك ولــم يبــق أحــد مــن أولــاد أهــل المدينــة مــن الرجــال
والنســاء إلا ولــه حديــث بمحاســب ذلـــك الصبـــي لأنـــه كـــان بـــارع الجمـــال والكمـــال متصفـــاً بمضمـــون
قول الشاعر:
كتب العذارى بعنبـر فـي لؤلـؤ سطريـن مـن سبـح علـى تفـاح
القتل في الحدق المراض إذا رنت والسكر في الوجنات لا في الراح
فكـان الملـك يحبـه محبـة عظيمــة ثــم إن الملــك أحضــر الــوزراء والأمــراء وأربــاب الدولــة وأكابــر المملكــة
وحلفهــم الأيمــان الوثيقــة أنهــم يجعلــون بــدر باســـم ملكـــاً عليهـــم بعـــد أبيـــه فحلفـــوا لـــه الأيمـــان الوثيقـــة
وفرحــوا بذلــك فاتفــق أن والــد الولــد بــدر باســم مــرض يومــاً مــن الأيــام فخفــق قلبــه وأحــس بالانتقــال
إلـــى دار البقـــاء ثـــم ازداد بـــه المـــرض حتــــى أشــــرف علــــى المــــوت فأحضــــر ولــــده ووصــــاه بالرعيــــة
ووصـاه بوالدتـه وبسائـر أربـاب دولتـه وبجميـع الأتبــاع وحلفهــم وعاهدهــم علــى طاعــة ولــده ثانــي مــرة
واستوثـق منهـم بالأيمــان ثــم مكــث بعــد ذلــك أيامــاً قلائــل وتوفــي إلــى رحمــة اللــه تعالــى فحــزن عليــه
ولـده بـدر باسـم وزوجتـه جلنـار والأمـراء والـوزراء وأربــاب الدولــة وعملــوا لــه تربــة ودفنــوه فيهــا ثــم
إنهــم قعــدوا فــي عزائــه شهــراً كامــلاً وأتــى صالــح أخــو جلنــار وأمهـــا وبنـــات عمهـــا وعزوهـــم بالملـــك
===
وقالـوا: يـا جلنـار إن كـان الملـك مــات فقــد خلــف هــذا الغلــام الماهــر ومــن خلــف مثلــه مــا مــات وهــذا
هو العديم النظير الأسد الكاسر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن أخــا جلنــار صالحــاً وأمــه وبنــات عمهــا قالــوا لهــا: إن كــان الملــك
قـد مــات فقــد خلــف هــذا الغلــام العديــم النظيــر الأســد الكاســر والقمــر الزاهــر ثــم إن أربــاب الدولــة
والأكابـر دخلـوا علـى الملـك بـدر باسـم وقالـوا لـه: يــا ملــك لا بــأس بالحــزن علــى الملــك ولكــن الحــزن لا
يصلــح إلا للنســاء فــلا تشغــل خاطـــرك وخاطرنـــا بالحـــزن علـــى والـــدك فإنـــه قـــد مـــات وخلفـــك ومـــن
خلـف مثلـك مـا مــات ثــم إنهــم لاطفــوه وسلــوه وبعــد ذلــك أدخلــوه الحمــام فلمــا خــرج مــن الحمــام لبــس
بدلــة فاخــرة منسوجــة بالذهــب مرصعــة بالجواهــر والياقــوت ووضــع تــاج الملــك علــى رأســـه وجلـــس
علـى سريـر ملكــه وقضــى أشغــال النــاس وأنصــف الضعيــف مــن القــوي وأخــذ للفقيــر حقــه مــن الأميــر
فأحبـه النـاس حبـاً شديـداً ولـم يـزل كذلـك مــدة سنــة كاملــة وبعــد كــل مــدة قليلــة تــزوره أهلــه البحريــة
فطــاب عيشــه وقربــت عينــه ولــم يــزل علــى هــذه الحالــة مــدة مديــدة فاتفـــق أن خالـــه دخـــل ليلـــة مـــن
===
الليالــي علــى جلنــار وسلــم عليهـــا فقامـــت لـــه وعانقتـــه وأجلستـــه إلـــى جانبهـــا وقالـــت لـــه: يـــا أخـــي
كيـف حالــك وحــال والدتــي وبنــات عمــي فقــال لهــا: يــا أختــي إنهــم طيبــون بخيــر وحــظ عظيــم ومــا
ينقــص عليهــم إلا النظــر إلــى وجهــك ثــم إنهــا قدمــت لــه شيئــاً مــن الطعــام فأكــل ودار الحديــث بينهمــا
وذكـروا الملـك بـدر باسـم وحسنـه وجمالــه وقــده واعتدالــه وفروسيتــه وعقلــه وأدبــه وكــان الملــك بــدر
باســـم متكئـــاً فلمـــا سمـــع أمـــه وخالـــه يذكرانـــه ويتحدثـــان فـــي شأنـــه أظهـــر أنـــه نائمـــاً وصــــار يسمــــع
حديثهمـا. فقـال صالـح لأختـه جلنـار: إن عمـر ولـدك سبعـة عشـر عامـاً ولــم يتــزوج وبخــاف أن يجــري
لــه أمــر ولا يكـــون لـــه ولـــداً فأريـــد أن أزوجـــه بملكـــة مـــن ملكـــات البحـــر تكـــون فـــي حسنـــه وجمالـــه
فقالــت جلنــار: اذكرهــن لــي فإنــي أعرفهــن فصــار يعدهــن لهــا واحــدة بعــد واحــدة وهـــي تقـــول: مـــا
أرضــى هــذه لولــدي ولا أزوجـــه إلا بمـــن تكـــون مثلـــه فـــي الحســـن والجمـــال والعقـــل والـــأدب والمـــروءة
والملـــك والحســـب والنســـب فقـــال لهـــا: مـــا بقيـــت أعــــرف واحــــدة مــــن بنــــات الملــــوك البحريــــة وقــــد
عـددت لـك أكثـر مـن مائـة بنـت وأنـت مـا يعجبـك واحـدة منهـن ولكــن انظــري يــا أختــي هــل ابنــك نائــم
أو لا فجستــه فوجــدت عليــه آثــار النــوم فقالــت لــه: إنــه نائـــم فمـــا عنـــدك مـــن الحديـــث ومـــا قصـــدك
بنومـه فقـال لهـا: يـا أختـي اعلمـي أنـي قـد تذكــرت بنتــاً مــن بنــات ملــوك البحــر تصلــح لابنــك وأخــاف
أن أذكرهــا فيكــون ولــدك منتبهـــاً فيتعلـــق قلبـــه بمحبتهـــا وربمـــا لا يمكننـــا الوصـــول إليهـــا فيتعـــب هـــو
===
العشـق أول مـا يكــون مجاجــة فإذا تحكم صار بحـراً واسعـا
فلما سمعت أخته كلامه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن أخــت صالحــاً لمــا سمعــت كلامـــه قالـــت لـــه: قـــل لـــي مـــا شـــأن
هــذه البنــت وامــا اسمهــا فأنــا أعــرف بنــات البحــر مــن ملــوك وغيرهــم فــإذا رأيتهــا تصلــح لــه خطبتهـــا
مـن أبيهـا ولـو أنـي صرفـت جميـع مـا تملكـه يـدي عليهــا فأخبرنــي بهــا ولا تخشــى شيئــاً فــإن ولــدي نائــم
فقال لها: أخاف أن يكون يقظان وقد قال الشاعر:
عشقته عندما أوصافه ذكرت والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقالــت لــه جلنــار: قــل وأوجــز ولا تخــف يــا أخــي فقــال: واللــه يــا أختــي مـــا يصلـــح لابنـــك إلا الملكـــة
جوهـرة بنـت الملــك السمنــدل وهــي مثلــه فــي الحســن والجمــال والبهــاء والكمــال ولا يوجــد فــي البحــر
ولا فــي البــر ألطــف ولا أحلــى شمائــل منهــا لأنهــا ذات حســن وجمــال وقــد وخــد أحمــر وجبيــن أزهـــر
وشعــر كأنــه الجوهــر وطــرف أحــور وردف ثقيــل وخصــر نحيــل ووجـــه جميـــل إن التفـــت تخجـــل المهـــا
===
والغزلــان وإن خطــرت يغــار منهــا غصــن البـــان وإذا سفـــرت تخجـــل الشمـــس والقمـــر وتسبـــي كـــل مـــن
نظــر عذبــة المراشــف لينــة المعاطـــف فلمـــا سمعـــت كلـــام أخيهـــا قالـــت لـــه: صدقـــت يـــا أخـــي واللـــه
إنــي رأيتهــا مــراراً عديــدة وكانــت صاحبتــي ونحــن صغـــار وليـــس لنـــا اليـــوم معرفـــة ببعضنـــا لموجـــب
البعــد ولــي اليــوم ثمانيــة عشــر عامــاً مــا رأيتهــا واللــه مــا يصلــح لولــدي إلا هــي فلمــا سمــع بــدر باســـم
كلامهمـا وفهـم مـا قالـاه مـن أولـه إلـى آخـره فـي وصــف البنــت التــي ذكرهــا خالــه صالــح وهــي جوهــرة
بنــت الملــك السمنــدل عشقهــا بالسمــاع وأظهــر لهــم أنــه نائــم وصــار فــي قلبــه مــن أجلهــا لهيـــب النـــار
وغرق في بحر لا يدرك له ساحل ولا قرار.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك بــدر باســم لمــا سمــع كلــام خالــه صالــح وأمــه جلنـــار فـــي
وصــف بنــت الملــك السمنــدل صــار فــي قلبــه مــن أجلهــا لهيــب النـــار وغـــرق فـــي بحـــر لا يـــدرك لـــه
ساحـل ولا قـرار ثـم إن صالحـاً نظـر إلـى أختـه جلنـار وقـال: واللـه يـا أختـي مـا فـي ملــوك البحــر أحمــق
مـن أبيهـا ولا أقـوى سلطـة منـه فـلا تعلمـي ولـدك بحديـث هـذه الجاريـة حتــى نخطبهــا لــه مــن أبيهــا فــإن
===
أنعـم بإجابتهـا حمدنـا اللـه تعالـى وإن ردنــا ولــم يزوجهــا لابنــك فنستريــح ونخطــب غيرهــا فلمــا سمعــت
جلنــار كلــام أخيهــا صالــح قالــت: نعــم الــرأي الــذي رأيتـــه ثـــم إنهمـــا سكتـــا وباتـــا تلـــك الليلـــة والملـــك
بـدر باسـم فـي قلبـه لهيـب النـار مـن عشـق الملكـة جوهـرة وكتـم حديثـه ولـم يقـل لأمــه ولا لخالــه شيئــاً
عـن خبرهـا مــع أنــه صــار مــن حبهــا علــى مقالــي الجمــر فلمــا أصبحــوا دخــل الملــك هــو وخالــه الحمــام
واغتسـلا ثـم خرجـا وشربـا الشـراب وقدمـوا بيــن أيديهــم الطعــام فأكــل الملــك بــدر باســم وأمــه وخالــه
حتــى اكتفــوا ثــم غسلــوا أيديهــم وبعــد ذلــك قــام صالــح علــى قدميــه وقــال للملــك: بــدر باســم وأمـــه
جلنــار: عــن إذنكمــا قــد عزمــت علــى الــرواح إلــى الوالــدة فــإن لــي عندكــم مــدة وخاطرهــم مشغـــول
علـي وهـم فـي انتظـاري فقـال الملـك بـدر باسـم لخالـه صالـح: اقعـد عندنـا هــذا اليــوم فامتثــل لكلامــه
ثــم إنــه قــال لــك قــم بنــا يــا خــال واخــرج بنــا إلــى البستــان وصــارا يتفرجــان ويتنزهــان فجلــس الملــك
بــدر باســـم تحـــت شجـــرة مظلـــة وأراد أن يستريـــح وينـــام فتذكـــر مـــا قالـــه خالـــه صالـــح مـــن وصـــف
الجارية وما فيها من الحسن والجمال فبكى بدموع غزار وأنشد هذين البيتين:
لو قيل لي ولهيـب النـار متقـد والنار في القلب والأحشاء تضطرم
أهم أحب إليك أن تشاهدهم أم شربة من زلال الماء قلت لهم
ثم شكى وأن وبكى وأنشد هذين البيتين:
===
كان قلبـي مـن حبهـا مستريحـا فتلظـى بحـب بنــت السمنــدل
فلمــا سمــع خالــه صالــح مقالــه دق يــداً علــى يـــد وقـــال: لا إلـــه إلا اللـــه محمـــد رســـول اللـــه صلـــى اللـــه
عليـه وسلــم ولا حــول ولا قــوة إلا باللــه العلــي العظيــم ثــم قــال: هــل سمعــت يــا ولــدي مــا تكلمــت بــه
أنــا وأمـــك مـــن حديـــث الملكـــة جوهـــرة وذكرنـــا لأوصافهـــا فقـــال بـــدر باســـم نعـــم يـــا خـــال وعشقتهـــا
علـى السمـاع حيـن سمعـت مـا قلتـم مـن الكلـام فلمـا سمـع صالــح كلــام ابــن أختــه حــار فــي أمــره وقــال:
استعنـت باللـه تعالـى علـى كــل حــال ثــم إن خالــه صالحــاً لمــا رآه علــى هــذه الحالــة وعلــم أنــه لا يحــب
أن يرجـع إلـى أمـه بـل يـروح معـه وأخـرج مـن إصبعــه خاتمــاً منقوشــاً عليــه أسمــاء مــن أسمــاء اللــه تعالــى
ونـاول الملـك بـدر باسـم إيـاه وقـال لـه: اجعـل هــذا فــي إصبعــك تأمــن مــن الغــرق ومــن غيــره ومــن شــر
دواب البحـر وحيتانـه فأخـذ الملــك بــدر باســم الخاتــم مــن خالــه صالــح وجعلــه فــي إصبعــه ثــم إنهمــا
غطسا في البحر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والتسعين بعد الستمائة
قالـت: بلغنـي أيهــا الملــك السعيــد أن الملــك بــدر باســم وخالــه صالحــاً لمــا غطســا فــي البحــر وســارا
===
ولـم يـزالا سائريـن حتــى وصــلا إلــى قصــر صالــح فدخلــاه فرأتــه جدتــه أم أمــه وهــي قاعــدة وعندهــا
أقاربهــا فلمــا دخــلا عليهــم قبــلا أيديهــم فلمــا رأتــه جدتـــه قامـــت إليـــه واعتنقتـــه وقبلتـــه بيـــن عينيـــه
وقالــت لــه: قــدوم مبــارك يــا ولــدي كيــف خلفــت أمــك جلنــار قــال لهــا: طيبـــة بخيـــر وعافيـــة وهـــي
تسلـم عليـك وعلـى بنـات عمهــا ثــم إن صالحــاً أخبــر أمــه بمــا وقــع بينــه وبيــن أختــه جلنــار وأن الملــك
بـدر باسـم عشـق الملكـة جوهـرة بنـت الملــك السمنــدل علــى السمــاع وقــص لهــا القصــة مــن أولهــا إلــى
آخرها وقال: إنه ما أتى إلا ليخطبها.
فلمـا سمعـت جـدة الملـك بـدر باسـم كلــام صالــح اغتاظــت عليــه غيظــاً شديــداً وانزعجــت واغتمــت
وقالـت لــه: يــا ولــدي لقــد أخطــأت بذكــر الملكــة جوهــرة بنــت السمنــدل قــدام ابــن أختــك لأنــك تعلــم
أن الملــك السمنــدل أحمــق جبــار قليــل العقــل شديــد السطــوة بخيــل بابنتــه جوهــرة علــى خطابهــا فـــإن
سائـر ملـوك البحـر خطبوهـا منـه فأبـى ولـم يـرض بأحـد منهـم بـل ردهـم وقــال لهــم: مــا أنتــم أكفــاء لهــا
فـي الحسـن والجمـال ولا فـي غيرهمـا ونخـاف أن نخطبهـا مـن أبيهـا فيردنـا كمـا رد غيرنـا ونحـن أصحــاب
مروءة فنرجع مكسورين الخاطر.
فلمــا سمــع صالــح كلــام أمــه قــال لهــا: يــا أمــي كيــف يكــون العمــل فــإن الملــك بـــدر باســـم قـــد عشـــق
هـذه البنـت لمـا ذكرتهـا لأختـي جلنــار وقــال: لابــد أن أخطبهــا مــن أبيهــا ولــو بــذل جميــع ملكــه وزعــم
===
أنـه إن لـم يتـزوج بهـا يمـوت فيهـا عشقـاً وغرامـاً ثــم إن صالحــاً قــال لأمــه: اعلمــي أن ابــن أختــي أحســن
وأجمــل منهــا وأن أبــاه كــان ملــك العجــم بأســره وهــو الــآن ملكهـــم ولا تصلـــح جوهـــرة إلا لـــه وأخطبهـــا
منــه فــإن احتــج بأنــه ملــك فهــو أيضــاً ملــك ابــن ملــك وإن احتـــج علينـــا بالجمـــال فهـــو أجمـــل منهـــا وإن
احتـج علينـا بسعـة المملكـة فهـو أوسـع مملكـة منهـا ومـن أبيهـا وأكثـر أجنـاداً وأعوانــاً فــإن ملكــه أكبــر مــن
ملـك أبيهـا ولابـد أن أسعـى فـي قضـاء حاجــة ابــن أختــي ولــو أن روحــي تذهــب لأنــي كنــت سبــب
هـذه القضيــة مثــل مــا رميتــه فــي بحــار عشقهــا أسعــى فــي زواجــه بهــا واللــه تعالــى يساعدنــي علــى
ذلــك فقالــت لــه أمــه: افعـــل مـــا تريـــد وإيـــاك أن تغلـــط عليـــه بالكلـــام إذا كلمتـــه فإنـــك تعـــرف حماقتـــه
وسطوتــه وأخــاف أن يبطــش بــك لأنــه لا يعــرف قــدر أحــد فقــال لهــا: السمــع والطاعــة ثــم إنــه نهــض
وأخـــذ معـــه جرابيـــن ملآنيـــن مـــن الجواهـــر واليواقيـــت وقضبــــان الزمــــرد ونفائــــس المعــــادن مــــن سائــــر
الأحجـار وحملهـا لغلمانـه وسـار بهـم هـو وابـن أختـه إلـى قصـر الملــك السمنــدل واستــأذن فــي الدخــول
عليــه فــأذن لــه فلمــا دخــل قبــل الــأرض بيــن يديــه وسلــم بأحســن سلــام فلمــا رآه الملــك السمنــدل قــام
إليـه وأكرمـه غايـة الإكـرام وأمـره بالجلـوس فجلــس فلمــا استقــر بــه الجلــوس قــال لــه الملــك: قــدوم مبــارك
أوحشتنــا يــا صالــح مــا حاجتــك حتــى أنــك أتيــت إلينــا فأخبرنــي بحاجتــك حتــى أقضيهـــا لـــك فقـــام
صالــح وقبــل الــأرض ثانــي مــرة وقــال: يــا ملــك الزمــان حاجتــي إلــى اللــه وإلــى الملـــك الهمـــام والأســـد
===
الضرغـام الـذي بمحاسـن ذكــره ســارت الركبــان وشــاع خبــره فــي الأقاليــم والبلــدان بالجــود والإحســان
والعفــو والصفــح والامتنــان ثــم إنــه فتــح الجرابيــن وأخــرج منهمــا الجواهــر وغيرهــا ونشرهــا قــدام الملــك
السمندل وقال له: يا ملك الزمان عساك تقبل هديتي وتتفضل علي وتجبر قلبي بقبولها مني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الستمائة
قالــت: بلغنــي أيهــا الملــك السعيــد أن صالحــاً قــدم الهديــة إلــى الملــك السمنــدل وقــال لـــه: القصـــد مـــن
الملـك أن يتفضـل علـي ويجبـر قلبـي بقبولهـا منـي قـال لـه الملـك السمنـدل: لـأي سبــب أهديــت لــي هــذه
الهديــة قــل لــي قصتــك وأخبرنــي بحاجتـــك فـــإن كنـــت قـــادراً علـــى قضائهـــا قضيتهـــا لـــك فـــي هـــذه
الساعـــة ولا أحوجـــك إلـــى تعـــب وإن كنـــت عاجـــزاً عـــن قضائهـــا فـــلا يكلـــف اللـــه نفســـاً إلا وسعهـــا
فقــام وقبــل الــأرض ثلــاث مــرات وقــال: يــا ملــك الزمـــان إن حاجتـــي أنـــت قـــادر علـــى قضائهـــا وهـــي
تحـت حوزتـك وأنـت مالكهـا ولـم أكلـف الملـك مشقـة ولـم أكـن مجنونــاً حتــى أخاطــب الملــك فــي شــيء
لا يقـدر عليـه فبعـض الحكمـاء قـال: إذا أردت أن تطــاع فســل مــا يستطــاع فأمــا حاجتــي التــي جئــت
فـي طلبهـا فـإن الملـك حفظـه اللـه قـادر عليهـا فقـال لـه الملـك: اسـأل حاجتــك واشــرح قصتــك واطلــب
وفي الليلة السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالح قال للملك: أنا ما خطبت بنتك إلا للملك بدر باسم ابن الملك شهرمان، وأنت تعرف سطوته وإن زعمت أنك ملك عظيم فالملك بدر باسم أعظم وإن ادعيت أن ابنتك جميلة فالملك بدر باسم أجمل منها وأحسن صورة وأفضل حسباً ونسباً فإنه فارس زمانه فإن أجبت إلى ما سألتك تكن يا ملك الزمان قد وضعت الشيء في محله، وإن تعاظمت علينا فإنك ما أنصفتنا ولا سلكت بنا الطريق المستقيم وأنت تعلم أيها الملك أن هذه الملكة جوهرة بنت مولانا الملك لابد لها من الزواج فإن الحكيم يقول: لابد للبنت من الزواج أو القبر، فإن كنت عزمت على زواجها فإن ابن أختي أحق بها من سائر الناس، فلما سمع الملك كلام صالح اغتاظ غيظاً شديداً وكاد عقله أن يذهب وكادت روحه أن تخرج من جسده وقال له: يا كلب الرجال وهل مثلك يخاطبني بهذا الكلام وتذكر ابنتي في المجالس وتقول أن ابن أختك جلنار كفء لها فمن أنت ومن هي أختك ومن هو ابنها ومن هو أبوه حتى تقول هذا الكلام وتخاطبني بهذا الخطاب فهل أنتم بالنسبة إليها إلا كلاب، ثم صاح على غلمانه وقال: يا غلمان خذوا راس هذا العلق، فأخذوا السيوف وجردوها فولى هارباً ولباب القصر طالباً.
فلما وصل إلى باب القصر رأى أولاد عمه وقرابته وعشيرته وغلمانه وكانوا أكثر من ألف فارس غارقين في الحديد والزرد والنضيد وبأيديهم الرماح وبيض الصفاح، فلما رأوا صالحاً على تلك الحالة وقالوا له: ما الخبر? فحدثهم بحديثه وكانت أمه قد أرسلتهم إلى نصرته، فلما سمعوا كلامه علموا أن الملك أحمق شديد السطوة فترجلوا عن خيولهم وجردوا سيوفهم ودخلوا على الملك السمندل فرأوه جالساً على كرسي مملكته غافلاً عن هؤلاء وهو شديد الغيظ على صالح ورأوا خدامه وغلمانه وأعوانه غير مستعدين، فلما رآهم وبأيديهم السيوف مجردة صاح على قومه وقال: يا ويلكم خذوا رؤوس هؤلاء الكلاب، فحملوا على بعضهم فلم يكن غير ساعة حتى انهزم قوم الملك السمندل وركنوا إلى الفرار وكان صالح وأقاربه قد قبضوا على الملك السمندل وكتفوه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحاً وأقاربه كتفوا الملك السمندل ثم إن جوهرة لما انتبهت علمت أن أباها قد أسر وأن أعوانه قد قتلوا فخرجت من القصر هاربة إلى بعض الجزائر، ثم إنها قصدت شجرة عالية واختفت فوقها ولما اقتتل هؤلاء الطائفتان فر بعض غلمان الملك السمندل هاربين فرآهم بدر باسم فسألهم عن حالهم فأخبروه بما وقع، فلما سمع أن الملك السمندل قبض عليه ولى هارباً وخاف على نفسه وقال في قلبه: إن هذه الفتنة كانت من أجلي وما المطلوب إلا أنا أولي هارباً وللنجاة طالباً، وصار لا يدري أين يتوجه فساقته المقادير الأزلية إلى تلك الجزيرة التي فيها جوهرة بنت الملك السمندل، فأتى عند الشجرة وانطرح مثل القتيل وأراد الراحة بانطراحه ولا يعلم إن كل مطلوب لا يستريح، ولا يعلم أحد ما خفي له في الغيب من المقادير، فلما وقع بصره نحو الشجرة وقعت عينه في عين جوهرة فنظر إليها فرآها كالبدر إذا أشرق فقال: سبحان خالق هذه الصورة وهو خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، سبحان الله العظيم الخالق الباري المصور والله صدقته حذري تكون هذه جوهرة بنت الملك السمندل، وأظنها لما سمعت بوقوع الحرب بينهما هربت وأتت إلى هذه الجزيرة واختفت فوق هذه الشجرة وإن لم تكن هذه الملكة جوهرة فهذه أحسن منها، ثم إنه صار متفكراً في أمرها، وقال في نفسه لأقوم أمسكها وأسألها عن حالها فإن كانت هي فإني أخطبها من نفسها وهذه بغيتي فانتصب قائماً على قدميه، وقال لجوهرة: يا غاية المطلوب من أنت ومن أتى بك إلى هذا المكان? فنظرت جوهرة إلى بدر باسم فرأته كأنه الدر إذا ظهر من تحت الغمام الأسود، وهو رشيق القوام مليح الابتسام فقالت له: يا مليح الشمائل أنا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل قد هربت إلى هذا المكان لأن صالحاً وجنوده تقاتلوا مع أبي وقتلوا جنده وأسروه هو وبعض جنده فهربت أنا خوفاً على نفسي، ثم إن الملكة جوهرة قالت للملك بدر باسم: وأنا ما أتيت إلى هذا المكان إلا هاربة خوفاً من القتل ولم أدر ما فعل الزمان بأبي، فلما سمع الملك بدر باسم كلامها تعجب غاية العجب من هذا الاتفاق الغريب وقال: لاشك أني نلت غرضي بأسر أبيها، ثم إنه نظر إليها وقال لها: انزلي يا سيدتي فإني قتيل هواك وأسرتني عيناك وعلى شأني وشأنك كانت هذه الفتنة وهذه الحروب، واعلمي أني أنا بدر باسم ملك العجم وأن صالحاً هو خالي، وهو الذي أتى إلى أبيك وخطبك منه وأنا قد تركت ملكي لأجلك واجتماعنا في هذا الوقت من عجائب الاتفاق، فقومي وانزلي عندي حتى أروح أنا وأنت إلى قصر أبيك، واسأل أخي صالحاً في إطلاقه وأتزوج بك في الحلال.
فلما سمعت جوهرة كلام بدر باسم، قالت في نفسها: على شأن هذا العلق اللئيم كانت هذه القضية وأسر أبي وقتل حجابه وحشمه وشتتني أنا عن قصري وخرجت أنا مسبية في تلك الجزيرة، فإن لم أعمل معه حيلة أحسن منه تمكن مني ونال غرضه لأنه عاشق والعاشق مهما فعل لا يلام عليه فيه، ثم إنها خادعته بالكلام ولين الخطاب وهو لا يدري ما أضمرته له من المكايد وقالت له: يا سيدي ونور عيني هل أنت الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار? فقال لها: نعم يا سيدتي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 693
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 694
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جوهرة بنت الملك السمندل قالت للملك بدر باسم: هل أنت يا سيدي الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار? قال لها: نعم يا سيدتي، فقالت: قطع الله أبي وأزال ملكه ولا جبر له قلباً ولا رد له غربة إن كان يريد أحسن منك وأحسن من هذه الشمائل الظريفة والله إنه قليل العقل والتدبير ثم قالت له: يا ملك الزمان لا تؤاخذ أبي بما فعل وإن كنت أحببتني شبراً فأنا أحببتك ذراعاً، وهذا وقعت في شرك هواك وصرت من جملة فلاك وقد انتقلت المحبة التي كانت عندك وصارت عندي، ما بقي عندك منها إلا معشار ما عندي، ثم إنها نزلت من فوق الشجرة وقربت منه وأتت إليه واعتنقته وضمته إلى صدرها وصارت تقبله، فلما رأى الملك بدر باسم فعلها فيه ازدادت محبته لها واشتد غرامه بها وظن أنها عشقته ووثق بها وصار يضمها ويقبلها، ثم إنه قال لها: يا ملكة والله لم يصف لي خالي ربع ما أنت عليه من الجمال ولا ربع قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً، ثم إن جوهرة ضمته إلى صدرها وتكلمت بكلام لا يفهم وتفلت في وجهه وقالت له: اخرج من هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر، أحسن الطيور أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين فما تمت كلامها حتى انقلب الملك بدر باسم إلى صورة طائر أحسن نما يكون من الطيور وانتفض ووقف على رجليه، وصار ينظر إلى جوهرة وكان عندها جارية من جواريها تسمى مرسينة، فنظرت إليها وقالت: والله لولا أني أخاف من كون أبي أسيراً عند خاله لقتلته، فلا جزاه الله خيراً فما أضام قدومه علينا فهذه الفتنة كلها من تحت رأسه ولكن يا جارية خذيه واذهبي به إلى الجزيرة المعطشة واتركيه هناك حتى يموت عطشاً، فأخذته الجارية وأوصلته إلى الجزيرة وأرادت الرجوع من عنده ثم قالت في نفسها: والله إن صاحب هذا الحسن والجمال لا يستحق أن يموت عطشاً ثم إنها أخرجته من الجزيرة المعطشة وأتت به إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، فوضعته فيها، ورجعت إلى سيدتها وقالت لها: وضعته في الجزيرة المعطشة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية رجعت إلى سيدتها وقالت: وضعته في الجزيرة المعطشة. هذا ما كان من أمر بدر باسم.
وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم فإنه لما احتوى على الملك السمندل وقتل أعوانه وخدمه وصار تحت أسره طلب جوهرة بنت الملك فلم يجدها، فرجع إلى قصره عند أمه وقال: يا أمي أين ابن أختي الملك بدر باسم? فقالت: يا ولدي والله ما لي به علم ولا أعرف أين ذهب، فإنه لما بلغه أنك تقاتلت مع الملك السمندل وجرت بينكم الحروب والقتال فزع وهرب.
فلما سمع صالح كلام أمه حزن على ابن أخته، وقال: يا أمي والله إننا قد فرطنا في الملك بدر باسم وأخاف أن يهلك، أو يقع به أحد من جنود الملك السمندل أو تقع به ابنة الملك جوهرة فيحصل لنا من أمه خجل ولا يحصل لنا منها خير لأني قد أخذته بغير اذنها ثم إنه بعث خلفه الأعوان والجواسيس إلى جهة البحر وغيره فلم يقفوا له على خبر فرجعوا وعلوا صالحاً بذلك فزاد همه وغمه وقد ضاق صدره على الملك بدر باسم. هذا ما كان من أمر الملك بدر باسم وخاله صالح، وأما ما كان من أمر أمه الملكة جلنار البحرية فإنها لما نزل ابنها بدر باسم مع خاله صالح انتظرته فلم يرجع إليها وأبطأ خبره عنها فقعدت أياماً عديدة في انتظارهما ثم قامت ونزلت في البحر وأتت أمها، فلما نظرتها أمها قامت إليها وقبلتها واعتنقتا وكذلك بنات عمها، ثم إنها سالت أمها عن الملك بدر باسم فقالت لها: يا بنتي قد أتى هو وخاله ثم إن خاله قد أخذ يواقيت وجواهر، وتوجه بها هو وإياه إلى الملك السمندل وخطب ابنته فلم يجبه وشدد على أخيك في الكلام فأرسلت إلى أخيك نحو ألف فارس ووقع الحرب بينهم وبين الملك السمندل فنصر الله أخاك عليه وقتل أعوانه وجنوده وأسر الملك السمندل فبلغ ذلك الخبر ولدك فكأنه خاف على نفسه فهرب من عندنا بغير اختيارنا ولم يعد إلينا بعد ذلك ولم نسمع له خبراً، ثم إن جلنار سألتها عن أخيها صالح فأخبرتها أنه جالس على كرسي المملكة في محل الملك السمندل وقد أرسل إلى جميع الجهات بالتفتيش على ولدك وعلى الملكة جوهرة.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 694
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 695
فلما سمعت جلنار كلام أمها حزنت على ولدها حزناً شديداً واشتد غضبها على أخيها صالح لكونه أخذ ولدها ونزل به البحر من غير إذنها ثم إنها قالت: يا أمي إني خائفة على الملك الذي لنا لأني أتيتكم، وما أعلمت أحداً من أهل المملكة وأخشى إن أبطأت عليهم أن يفسد الملك علينا وتخرج المملكة من أيدينا والرأي السيديد أني أرجعو وأسوس المملكة إلى أن يدبر الله لنا أمر، ولا تنسوا ولدي ولا تتهاونوا في أمره فإنه أن حصل له ضرر هلكت لا محالة لأني لا أرى الدنيا إلا به ولا ألتذ إلا بحياته، فقالت: حباً وكرامة يا بنتي لا تسألي عن ما عندنا من فراقه وغيبته ثم إن أمها أرسلت من يفتش عليه، ورجعت أمه حزينة القلب باكية العين إلى المملكة وقد ضاقت بها الدنيا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة جلنار لما رجعت من عند أمها إلى مملكتها ضاق صدرها واشتد فكرها. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الملك بدر باسم فإنه لما سحرته الملكة جوهرة وأرسلته مع جاريتها إلى الجزيرة المعطشة وقالت لها: دعيه فيها يموت عطشاً، لم تضعه الجارية إلا في جزيرة خضراء مثمرة ذات أشجار وأنهار فصار يأكل من الثمار ويشرب من الأنهار، ولم يزل كذلك مدة أيام وليال وهو في صورة طائر لا يعرف أين يتوجه ولا كيف يطير، فبينما هو ذات يوم من الأيام في تلك الجزيرة إذ أتى إلى هناك صياد من الصيادين ليصطاد شيئاً يتقوت به، فرأى الملك بدر باسم وهو في صورة طائر أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين يسبي الناظر ويدهش الخاطر فنظر إليه الصياد فأعجبه وقال في نفسه إن هذا الطائر مليح وما رأيت طائراً مثله في حسنه ولا في شكله ثم إنه رمى الشبكة عليه واصطاده ودخل به المدينة وقال في نفسه: والله العظيم لا أبيعه، ثم إن الصياد ذهب به إلى دار الملك.
فلما رآه الملك أعجبه حسنه وجماله وحمرة منقاره ورجليه فأرسل إليه خادماً ليشتريه منه، فأتى الخادم إلى الصياد وقال له: أتبيع هذا الطائر? قال: لا، بل هو للملك هدية مني إليه، فأخذه الخادم وتوجه به إلى الملك وأخبره بما قاله، فأخذه الملك وأعطى الصياد عشرة دنانير، فأخذها وقبل الأرض وانصرف وأتى الخادم بالطائر إلى قصر الملك ووضعه في قفص مليح وعلقه وحط عنده ما يأكل وما يشرب، فلما نزل الملك قال للخادم: أين الطائر? أحضره حتى أنظره والله إنه مليح فأتى به الخادم ووضعه بين يدي الملك وقد رأى الأكل عنده لم يأكل منه شيئاً. فقال الملك: والله ما أدري ما يأكل حتى أطعمه ثم أمر بإحضار الطعام فأحضرت الموائد بين يديه فأكل الملك من ذلك، فلما نظر الطير إلى اللحم والطعام والحلويات والفواكه أكل من جميع ما في السماط الذي قدام الملك فبهت له الملك وتعجب من أكله وكذلك الحاضرون ثم قال الملك لمن حوله من الخدام والمماليك: عمري ما رأيت طيراً يأكل مثل هذا الطير ثم أمر الملك أن تحضر زوجته لتتفرج عليه فمضى الخادم ليحضرها، فلما رآها قال لها يا سيدتي إن الملك يطلبك لأجل أن تتفرجي على هذا الطير الذي اشتراه، فإننا لما أحضرنا الطعام طار من القفص وسقط على المائدة وأكل من جميع ما فيها، فقومي يا سيدتي تفرجي عليه فإنه مليح المنظر وهو أعجوبة من أعاجيب الزمان، فلما سمعت كلام الخادم أتت بسرعة، فلما نظرت إلى الطير وتحققته غطت وجهها وولت راجعة، فقام الملك وراءها وقال لها: لأي شيء غطيت وجهك وما عندك غير الجواري والخدم الذين في خدمتك وزوجك? فقالت: أيها الملك إن هذا الطير ليس بطائر وإنما هو رجل مثلك، فلما سمع الملك كلام زوجته، قال لها: تكذبين ما أكثر ما تمزحين كيف يكون غير طائر? فقالت له: والله ما مزحت معك ولا قلت إلا حقاً إن هذا الطير هو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان صاحب بلاد العجم وأمه الملكة جلنار البحرية.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 695
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 696
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة الملك لما قالت للملك: إن هذا ليس بطائر، وإنما هو رجل مثلك وهو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان وأمه جلنار البحرية قال لها: وكيف صار على هذا الشكل? قالت له: إنه قد سحرته الملكة جوهرة بنت الملك السمندل ثم حدثته بما جرى له من أوله إلى آخره وأنه قد خطب جوهرة من أبيها فلم يرض أبوها بذلك وأن خاله صالحاً اقتتل هو والملك السمندل وانتصر صالح عليه وأسره، فلما سمع كلام زوجته تعجب غاية العجب وكانت هذه الملكة زوجته أسحر أهل زمانها فقال الملك: بحياتي عليك تحليه من السحر ولا تخليه معذباً قطع الله يد جوهرة ما أقبحها وما أقل دينها وأكثر خداعها ومكرها، قالت له زوجته: قل له يا بدر باسم ادخل هذه الخزانة فأمره الملك أن يدخل الخزانة، فلما سمع كلام الملك دخل الخزانة، فقامت زوجة الملك وسترت وجهها وأخذت في يدها طاسة ماء ودخلت الخزانة وتكلمت على الماء بكلام لا يفهم وقالت له: بحق هذه الأسماء العظام والآيات الكرام، وبحق الله تعالى خالق السماوات والأرض ومحيي الأموات وقاسم الأرزاق والآجال، أن تخرج من هذه الصورة التي أنت فيها وترجع إلى الصورة التي خلقك الله عليها، فلم تتم كلامها حتى انتفض نفضة ورجع إلى صورته فرآه الملك شاباً مليحاً ما على وجه الأرض أحسن منه.
ثم إن الملك بدر باسم لما نظر إلى هذه الحالة قال: لا إله إلا الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحانه خالق الخلائق ومقدر أرزاقهم وآجالهم ثم إنه قبل يد الملك ودعا له بالبقاء وقبل الملك راس بدر باسم، وقال له: يا بدر باسم حدثني بحديثك من أوله إلى آخره فحدثه بحديثه ولم يكتم منه شيئاً فتعجب الملك من ذلك، ثم قال له: يا بدر باسم قد خلقك الله من السحر فما الذي اقتضاه رأيك وما تريد أن تصنع? قال له: يا ملك الزمان أريد من إحسانك أن تجهز لي مركباً وجماعة من خدامك وجميع ما أحتاج إليه فإن لي زماناً طويلاً وأنا غائب وأخاف أن تروح المملكة مني، وما أظن أن والدتي بالحياة من أجل فراقي والغالب على ظني أنها ماتت من حزنها علي لأنها لا تدري ما جرى لي ولاتعرف هل أنا حي أو ميت وأنا اسألك أيها الملك أن تتم إحسانك بما طلبته منك.
فلما نظر الملك إلى حسنه وجماله وفصاحته أجابه وقال له سمعاً وطاعة، ثم إنه جهز مركباً ونقل فيه جميع ما يحتاج إليه، وسير معه جماعة من خدامه فنزل في المركب بعد أن ودع الملك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 696
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 697
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم ركب المركب هو وجماعته وودع الملك وساروا في البحر وساعدهم الريح ولم يزالوا سائرين مدة عشرة أيام متوالية، ولما كان اليوم الحادي عشر هاج البحر هيجاناً شديداً وصار المركب يرتفع وينخفض ولم يقدر البحرية أن يمسكوه، ولم يزالوا على هذه الحالة والأمواج تلعب بهم، حتى قربوا إلى صخرة من صخرات البحر فوقعت تلك الصخرة على المركب، فانكسر وغرق جميع ما كان فيه إلا الملك بدر باسم فإنه ركب على لوح من الألواح بعد أن أشرف على الهلاك، ولم يزل ذلك اللوح يجري به في البحر ولا يدري أين هو ذاهب وليس له حيلة في منع اللوح بل سار به مع الماء والريح، ولم يزل كذلك مدة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع طلع به اللوح على ساحل البحر، فوجد هنالك مدينة بيضاء مثل الحمامة الشديدة البياض وهي مبنية في الجزيرة التي على ساحل البحر، لكنها عالية الأركان مليحة البنيان رفيعة الحيطان البحر يضرب في سوارها، فلما عاين الملك بدر باسم تلك الجزيرة التي فيها هذه المدينة، فرح فرحاً شديداً وكان قد أشرف على الهلاك من الجوع والعطش، فنزل من فوق اللوح وأراد أن يصعد إلى المدينة، فأتت إليه بغال وحمير وخيول عدد الرمل، فصاروا يضربونه ويمنعونه أن يطلع من البحر إلى المدينة، ثم إنه عام خلف تلك المدينة وطلع إلى البر فلم يجد هناك أحداً، فتعجب وقال: يا ترى لمن هذه المدينة وهي ليس لها ملك ولا فيها أحد ومن أين هذه البغال والحمير والخيول التي منعتني من الطلوع، وصار متفكراً في أمره وهو ماش وما يدري أين يذهب ثم بعد ذلك رأى شيخاً بقالاً فلما رآه الملك بدر باسم سلم عليه فرد عليه السلام ونظر إليه الشيخ فرآه جميلاً، فقال له: يا غلام من أين أقبلت ومن أوصلك إلى هذه المدينة? فحدثه بحديثه من أوله إلى آخره، فتعجب منه وقال له: يا ولدي أما رأيت أحداً في طريقك? فقال له: يا والدي إنما أتعجب من هذه المدينة حيث إنها خالية من الناس، فقال له الشيخ: يا ولدي اطلع الدكان وإلا تهلك فطلع بدر باسم وقعد في الدكان، فقام الشيخ وجاء له بشيء من الطعام وقال له: يا ولدي ادخل في داخل الدكان، فسبحان من سلمك من هذه الشيطانة فخاف الملك بدر باسم خوفاً شديداً، ثم أكل من طعام الشيخ حتى اكتفى وغسل يديه، ونظر إلى الشيخ وقال له: يا سيدي ما سبب هذا الكلام فقد خوفتني من هذه المدينة ومن أهلها، فقال له الشيخ: يا ولدي اعلم أن هذه المدينة مدينة السحرة، وبها ملكة ساحرة كأنها شيطانة وهي كاهنة سحارة غدارة، والحيوانات التي تنظرها من الخيل والبغال والحمير هؤلاء كلهم مثلك ومثلي من بني آدم لكنهم غرباء، لأن كل من يدخل هذه المدينة وهو شاب مثلك، تأخذه هذه الكافرة الساحرة وتقعد معه أربعين يوماً وبعد الأربعين، تسحره فيصير بغلاً أو فرساً أو حماراً أو شيئاً من هذه الحيوانات التي نظرتها على جانب البحر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ البقال لما حكى للملك بدر باسم وأخبره بحالة الملكة السحارة وقال له: إن كل أهل هذه المدينة قد سحرتهم وأنك لما أردت الطلوع من البحر خافوا أن تسحرك مثلهم فقالوا لك بالإشارة: لا تطلع لئلا تراك الساحرة شفقة عليك فربما تعمل فيك مثل ما عملت فيهم وقال له: إنها قد ملكت هذه المدينة من أهلها بالسحر، واسمها الملكة لاب وتفسيره بالعربي تقويم الشمس.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 697
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 698
فلما سمع الملك بدر باسم ذلك الكلام من الشيخ خاف خوفاً شديداً وصار يرتعد مثل القصبة الريحية وقال له: أنا ما صدقت أني خلصت من البلاء الذي كنت فيه من السحر حتى ترميني المقادير في مكان أقبح منه فصار متفكراً في حاله وما جرى له، فلما نظر إليه الشيخ رآه قد اشتد عليه الخوف فقال له: يا ولدي قم واجلس على عتبة الدكان وانظر إلى تلك الخلائق وغلى لباسهم وألوانهم، وما هم فيه من السحر ولا تخف فإن الملكة وكل من في المدينة يحبني ويراعيني ولا يرجفون لي قلباً ولايتعبون لي خاطراً، فلما سمع الملك بدر باسم كلام الشيخ خرج وقعد على باب الدكان يتفرج فجازت عليه الناس فنظر إلى عالم لا يحصى عدده، فلما نظره الناس تقدموا إلى الشيخ وقالوا له: يا شيخ هل هذا أسيرك وصيدك في هذه الأيام? فقال لهم: هذا ابن أخي وسمعت أن أباه قد مات فأرسلت خلفه وأحضرته لأطفئ نار شوقي به، فقالوا له: هذا شاب مليح ولكن نحن نخاف عليه من الملكة لاب لئلا ترجع عليك بالغدر، ثم توجهن وإذا بالملكة قد أقبلت في موكب عظيم ومازالت مقبلة إلى أن وصلت إلى دكان الشيخ فرأت الملك بدر باسم وهو جالس على الدكان كأنه البدر في تمامه فلما رأته الملكة لاب حارت في حسنه وجماله واندهشت وصارت ولهانة به ثم أقبلت على الدكان وجلست عند الملك بدرباسم وقالت للشيخ: من أين لك هذا المليح? فقال: هذا ابن أخي جاءني عن قريب فقالت: دعه يكون الليلة عندي لأتحدث أنا وإياه قال لها: أتأخذينه مني ولا تسحرينه? قالت: نعم قال: احلفي لي فحلفت له أنها لا تؤذيه ولا تسحره ثم أمرت أن يقدموا له فرساً مليحاً مسرجاً ملجماً بلجام من ذهب وكل ما عليه ذهب مرصع بالجواهر ووهبت للشيخ ألف دينار وقالت له: استعن بها، ثم إن الملكة لاب أخذت الملك بدر باسسم وراحت به كأنه البدر في ليلة أربعة عشرة وسار معها وصارت الناس كلما نظروا إليه وإلى حسنه وجماله يتوجعن عليه ويقولون: والله إن هذا الشاب لا يستحق أن تسحره هذه الملعونة والملك بدر باسم يسمع كلام الناس ولكنه ساكت وقد سلم أمره إلى الله تعالى ولم يزالوا سائرين إلى باب القصر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لم يزل سائراً هو والملكة لاب وأتباعها إلى أن وصلوا إلى باب القصر ثم ترجل الأمراء والخدم وأكابر الدولة وأمرت الحجاب أن يأمروا أرباب الدولة كلهم بالانصراف فقبلوا الأرض وانصرفوا ودخلت الملكة والخدام والجواري في القصر، فلما نظر الملك بدر باسم إلى القصر رأى قصراً لم ير مثله قط وحيطانه مبنية بالذهب وفي وسط القصر بركة عظيمة غزيرة الماء في بستان عظيم فنظر الملك بدر باسم إلى البستان فرأى فيه طيور تناغي بسائر اللغات والأصوات المفرحة والمحزنة وتلك الطيور من سائر الأشكال والألوان، فنظر الملك بدر باسم إلى ملك عظيم فقال: سبحان الله من كرمه وحلمه يرزق من يعبد غيره فجلست الملكة في شباك يشرف على البستان وهي على سرير من العاج وفوق السرير فرش عال وجلس الملك بدر باسم إلى جانبها فقبلته وضمته إلى صدرها ثم أمرت الجواري بإحضار مائدة فحضرت مائدة من الذهب الأحمر مرصعة بالدر والجواهر فيها من سائر الأطعمة فأكلا حتى اكتفيا وغسلا أيديهما، ثم أحضرت الجواري أواني الذهب والفضة والبلور وأحضرت أيضاً جميع أجناس الأزهار وأطباق النقل، ثم إنها أمرت بإحضار مغنيات فحضر عشر جوار كأنهن الأقمار بأيديهن سائر آلات الملاهي ثم إن الملكة ملأت قدحاً وشربته وملأت آخر وناولت الملك بدر باسم إياه، فأخذه وشربه ولم يزالا كذلك يشربان حتى اكتفيا ثم أمرت بالجواري أن يغنين فغنين بسائر اللحان وتخيل للملك بدر باسم أنه يرقص به القصر طرباً فطاش عقله وانشرح صدره ونسي الغربة وقال: إن هذه الملكة شابة مليحة ما بقيت أروح من عندها أبداً لأن ملكها أوسع من ملكي وهي أحسن من الملكة جوهرة ولم يزل يشرب معها إلى أن أمسى المساء وأوقدوا القناديل والشموع وأطلقوا البخور ولم يزالا يشربان إلى أن سكرا والمغنيات يغنين، فلما سكرت الملكة لاب قامت من موضعها ونامت على سرير وأمرت الجواري بالانصراف، ثم أمرت الملك بدر باسم النوم إلى جانبها فنام معها في أطيب عيش إلى أن أصبح الصباح.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 698
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 699
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسع بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة لما قامت من النوم دخلت الحمام الذي في القصر والملك بدر باسم صحبتها واغتسلا فلما خرجا من الحمام أفرغت عليه أجمل القماش وأمرت بإحضار آلات الشراب فأحضرتها الجواري فشربا ثم إن الملكة قامت وأخذت بيد الملك بدر باسم وجلسا على الكرسي وأمرت بإحضار الطعام فأكلا وغسلا أيديهما، ثم قدمت الجواري لهما أواني الشراب والفواكه والأزهار والنقل ولم يزالا يأكلان ويشربان والجواري تغني باختلاف الألحان إلى المساء ولم يزالا في أكل وشرب وطرب مدة أربعين يوماً ثم قالت له: يا بدر باسم هل هذا المكان أطيب أو دكان عمك البقال? قال لها: والله يا ملكة هذا أطيب وذلك أن عمي رجل صعلوك يبيع البقول، فضحكت من كلامه، ثم إنهما رقدا في أطيب حال إلى الصباح فانتبه الملك بدر باسم من نومه فلم يجد الملكة لاب بجانبه فقال: يا ترى أين راحت? وصار مستوحشاً من غيبتها ومتحيراً في أمره وقد غابت عنه مدة طويلة ولم ترجع فقال في نفسه: أين ذهبت ثم إنه لبس ثيابه وصار يفتش عليها فلم يجدها فقال في نفسه: لعلها ذهبت إلى البستان فرأى فيه نهراً جارياً وبجانبه طيرة بيضاء وعلى شاطئ ذلك النهر شجرة وفوقها طيور مختلفة الألوان فصار ينظر إلى الطيور والطيور لا تراه وإذا بطائر أسود نزل على تلك الطيرة البيضاء فصار يزقها زق الحمام ثم إن الطير الأسود وثب على تلك الطيرة ثلاث مرات، ثم بعد ساعة انقلبت تلك الطيرة في صورة بشر فتأملها وإذا هي الملكة لاب فعلم أن الطائر الأسود إنسان مسحور وهي تعشقه وتسحر نفسها طيرة ليجامعها فأخذته الغيرة واغتاظ على الملكة لاب من أجل الطائر السود ثم إنه رجع إلى مكانه ونام على فراشه وبعد ساعة رجعت إليه وصارت الملكة لاب تقبله وتمزح معه وهو شديد الغيظ عليها فلم يكلمها كلمة واحدة فعلمت ما به وتحققت أنه رآها حين صارت طيرة وكيف واقعها ذلك الطير فلم تظهر له شيئاً بل كتمت ما بها.
فلما قضى حاجته قال لها: يا ملكة أريد أن تأذني لي في الرواح إلى دكان عمي فإني قد تشوقت إليه ولي أربعون يوماً ما رأيته فقالت له: رح إليه ولا تبطئ علي فإني ما أقدر أن أفارقك ولا أصبر عنك ساعة واحدة فقال سمعاً وطاعة، ثم إنه ركب ومضى إلى دكان الشيخ البقال فرحب به وقام إليه وعانقه وقال له: كيف أنت مع هذه الكافرة? فقال له: كنت طيباً في خير وعافية إلا أنها كانت في هذه الليلة نائمة في جانبي فاستيقظت فلم أرها فلبست ثيابي ودرت أفتش عليها إلى أن أتيت إلى البستان وأخبره بما رآه من النهر والطيور التي كانت فوق الشجرة، فلما سمع الشيخ كلامه قال له: احذر منها واعلم أن الطيور التي كانت على الشجرة كلها شبان غرباء عشقتهم وسحرتهم طيوراً وذلك الطائر الأسود الذي رأيته كان من جملة مماليكها وكانت تحبه محبة عظيمة، فمد عينه إلى بعض الجواري فسحرته في صورة طائر أسود.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العاشرة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 699
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 700
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بدر باسم لما حكى للشيخ البقال بجميع حكايات الملكة لاب رآه أعلمه الشيخ أن الطيور التي على الشجر كلها شبان غرباء وسحرتهم وكذلك الطير الأسود كان من مماليكها وسحرته في صورة طائر اسود، وكلما اشتاقت إليه تسحر نفسها طيرة ليجامعها لأنها تحبه محبة عظيمة، ولما علمت أنك علمت بحالها أضمرت لك السوء ولا تصفو لك ولكن ما عليك بأس منها ما دمت أراعيك أنا فلا تخف فإني رجل مسلم واسمي عبد الله وما في زماني أسحر مني، ولكني لا أستعمل السحر إلا عند اضطراري إليه، وكثير ما أبطل سحر هذه الملعونة وأخلص الناس منها ولا أبالي بها لأنها ليس لها علي سبيل بل هي تخاف مني خوفاً شديداً، وكذلك كل من كان في المدينة ساحر مثلها على هذا الشكل يخافون مني وكلهم على دينها يعبدون النار دون الملك الجبار فإذا كان الغد تعال عندي واعلمني بما تعمله معك فإنها في هذه الليلة تسعى في هلاكك. وأنا أقول لك على ما تفعله معها حتى تتخلص من كيدها، ثم إن الملك بدر باسم ودع الشيخ ورجع إليها فوجدها جالسة في انتظاره فلما رأته قامت إليه وأجلسته ورحبت به وجاءت له بأكل وشرب فأكلا حتى اكتفيا ثم غسلا أيديهما ثم أمرت بإحضار الشراب فحضر وصارا يشربان إلى نصف الليل ثم مالت عليه بالأقداح وصارت تعاطيه حتى سكر وغاب عن حسه وعقله فلما رأته كذلك قالت له: بالله عليك وبحق معبودك إن سألتك عن شيء هل تخبرني عنه بالصدق وتجيبني إلى قولي? فقال لها: وهو في حالة السكر: نعم يا سيدتي. فقالت له: لما استيقظت من نومك ولم ترني وفتشت علي وجئتني في البستان ورأيت الطائر الأسود الذي وثب علي، فأنا أخبرك بحقيقة هذا الطائر إنه كان من مماليكي وكنت أحبه محبة عظيمة فتطلع يوماً لجارية من الجواري، فحصلت لي غيرة وسحرته في صورة طائر أسود وأما الجارية فإني قتلتها، وإني إلى اليوم لا أصبر عنه ساعة واحدة وكلما اشتقت إليه أسحر نفسي طيره وأروح إليه لينط علي ويتمكن مني كما رأيت أما أنت لأجل هذا مغتاظ مني مع أني وحق النار والنور والظل والحرور قد زدت فيك محبة وجعلتك نصيبي من الدنيا، فقال وهو سكران: إن الذي فهمته من غيظي بسبب ذلك صحيح، وليس لغيظي سبب غير ذلك فضمته وقبلته وأظهرت له المحبة ونامت ونام الآخر بجانبها فلما كان نصف الليل قامت من الفراش والملك بدر باسم منتبه، وهو يظهر أنه نائم وصار يسارق النظر وينظر ما تفعل، فوجدها قد أخرجت من كيس أحمر شيئاً أحمر وغرسته في وسط القصر فإذا هو صار نهارً يجري مثل البحر، وأخذت كبشة شعير بيدها وأبذرتها فوق التراب، وسقته من هذا الماء فصار زرعاً مسنبلاً فأخذته وطحنته دقيقاً ثم وضعته في موضع ورجعت نامت عند الملك بدر باسم إلى الصباح.
فلما أصبح الصباح قام الملك بدر باسم وغسل وجهه ثم استأذن من الملكة في الرواح إلى الشيخ فأذنت له، فذهب إلى الشيخ وأعلمه بما جرى منها وما عاين فلما سمع الشيخ كلامه ضحك، وقال: والله إن هذه الكافرة الساحرة قد مكرت بك ولكن لا تبال بها أبداً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية عشرة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 700
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 701
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ قال لبدر باسم: إن الساحرة قد مكرت بك ولكن لا تبال بها أبداً، ثم أخرج له قدر رطل سويقاً وقال له: خذ هذا معك، واعلم أنها إذا رأته تقول لك: ما هذا وما تعمل به? فقل لها: زيادة الخير خيرين وكل منه فإذا أخرجت هي سويقها وقالت لك: كل من هذا السيوق فأرها أنك تأكل منه، وكل من هذا وإياك أن تأكل من سويقها شيئاً ولو حبة واحدة فإن أكلت منه ولو حبة واحدة فإن سحرها يتمكن منك فتسحرك وتقول لك اخرج من هذه الصورة البشرية فتخرج من صورتك إلى أي صورة أرادت وإذا لم تأكل منه، فإن سحرها يبطل ولا يضرك منه شيء فتخجل غاية الخجل، وتقول لك: إنما أنا أمزح معك وتقر لك بالمحبة والمودة وكل ذلك نفاق ومكر منها فأظهر لها أنت المحبة وقل لها: يا سيدتي ويا نور عيني كلي من هذا السويق وانظري لذته، فإذا أكلت منه ولو حبة واحدة فخذ في كفك ماء واضرب به وجهها وقل لها اخرجي من هذه الصورة البشرية إلى أي صورة أردت، ثم خليها وتعال حتى أدبر لك أمراً، ثم ودعه الملك بدر باسم وسار إلى أن طلع القصر ودخل عليها. فلما رأته قالت: أهلاً وسهلاً ومرحباً ثم قامت له وقبلته وقالت له: أبطأت علي يا سيدي فقال لها: كنت عند عمي، ورأى عندها سويقاً فقال لها وقد أطعمني عمي من هذا السويق فقالت: عندنا سويقاً أحسن منه، ثم إنها حطت سويقه في صحن وسويقها في صحن آخر وقالت له: كل من هذا فإنه أطيب من سويقك فأظهر لها أنه يأكل منه فلما علمت أنه أكل منه، أخذت في يدها ماء ورشته به وقالت له: اخرج من هذه الصورة يا علق يا لئيم وكن في صورة بغل أعور قبيح المنظر فلم يتغير، فلما رأته على حاله لم يتغير قامت له وقبلته بين عينيه، وقالت له: يا محبوبي إنما كنت أمزح معك فلا تتغير علي بسبب ذلك فقال لها: يا سيدتي ما تغيرت عليك أصلاً بل أعتقد أنك تحبينني فكلي من سويقي هذا فأخذت منه لقمة وأكلتها، فلما استقرت في بطنها اضطربت فأخذ الملك بدر باسم في كفه ماء ورشها به في وجهها، وقال لها: اخرجي من هذه الصورة البشرية إلى صورة بغلة زرزورية، فما نظرت نفسها إلا وهي في تلك الحالة فصارت دموعها تنحدر على خديها وصارت تمرغ خديها على رجليه فقام يلجمها فلم تقبل اللجام فتركها وذهب إلى الشيخ وأعلمه بما جرى فقام الشيخ وأخرج له لجاماً وقال: خذ هذا اللجام وألجمها به فأخذه وأتى عندها. فلما رأته تقدمت إليه وحط اللجام في فمها، وركبها وخرج من القصر وتوجه إلى الشيخ عبد الله فلما رآها قام لها وقال لها: أخزاك الله تعالى يا ملعونة ثم قال له الشيخ: يا ولدي ما بقي لك في هذه البلاد إقامة، فاركبها وسر بها إلى أي مكان شئت وإياك أن تسلم اللجام إلى أحد، فشكره الملك بدر باسم وودعه وسار ولم يزل سائراً ثلاثة أيام ثم أشرف على مدينة فلقيه شيخ مليح الشيبة فقال له: يا ولدي من أين أقبلت? قال: من مدينة هذه الساحرة، قال: أنت ضيفي في هذه الليلة، فأجابه، وسار معه في الطريق وإذا بامرأة عجوز فما نظرت البغلة حتى بكت وقالت: لا إله إلا الله إن هذه البغلة تشبه بغلة ابني التي ماتت وقلبي مشوش عليها فبالله عليك يا سيدي أن تبيعني إياها فقال لها: والله يا أمي ما أقدر أن أبيعها قالت له: بالله عليك لا ترد سؤالي، فإن ولدي إن لم أشتر هذه البغلة ميت لا محالة، ثم إنها أغلظت عليه في السؤال فقال: ما أبيعها إلا بألف دينار فعند ذلك أخرجت من حزامها ألف دينار، فلما نظر الملك بدر باسم إلى ذلك قال لها: يا أمي أنا أمزح معك وما أقدر أن أبيعها، فنظر إليه الشيخ وقال له: يا ولدي إن هذه البلاد ما يكذب فيها أحد وكل من يكذب في هذه البلاد قتلوه فنزل الملك بدر باسم من فوق البغلة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية عشرة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 701
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 702
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما نزل من فوق البغلة وسلمها إلى المرأة العجوز، أخرجت اللجام من فمها وأخذت في يدها ماء ورشتها وقالت: يا بنتي اخرجي من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها فانقلبت في الحال وعادت إلى صورتها الأولى، وأقبلت كل واحدة منهما على الأخرى، وتعانقتا فعلم الملك بدر باسم إن هذه العجوز أمها وقد تمت الحيلة عليه فأراد أن يهرب وإذا بالعجوز صفرت فتمثل بين يديها عفريت كأنه الجبل العظيم، فخاف الملك بدر باسم ووقف فركتب العجوز على ظهره وأردفت بنتها خلفها وأخذت الملك بدر باسم قدامها، وطار بهم العفريت فما مضى عليهم غير ساعة حتى وصلوا إلى قصر الملكة لاب، فلما جلست على كرسي المملكة التفتت إلى الملك بدر باسم وقالت له: يا علق قد وصلت إلى هذا المكان ونلت ما تمنيت، وسوف أريك ما أعمل بك وبهذا الشيخ البقال فكم أحسنت له وهو يسوءني وأنت ما وصلت إلى مرادك إلا بواسطته ثم أخذت ماء ورشته به وقالت له: اخرج عن هذه الصورة التي أنت فيها إلى صورة طائر قبيح المنظر اقبح ما يكون من الطيور، فانقلب في الحال وصار طيراً قبيح المنظر فجعلته في قفص وقطعت عنه الأكل والشرب فنظرت إليه جارية فرحمته وصارت تطعمه وتسقيه بغير علم الملكة ثم إن الجارية وجدت سيدتها غافلة في يوم من الأيام فخرجت وتوجهت إلى الشيخ البقال وأعلمته بالحديث وقالت له: إن الملكة لاب عازمة على إهلاك ابن أخيك فشكرها الشيخ وقال لها: لابد أن آخذ المدينة منها وأجعلك ملكة عوضاً عنها. ثم صفر صفرة عظيمة فخرج عفريت له أربعة أجنحة فقال له: خذ هذه الجارية وامضر بها إلى مدينة جلنار البحرية، وأمهما فراشة فإنهما أسحر من يوجد على وجه الأرض، وقال للجارية: إذا وصلت إلى هناك فأخبريهما بأن الملك بدر باسم في أسر الملكة لاب فحملها العفريت وطار بها، فلم يكن إلا ساعة حتى نزل بها العفريت على قصر الملكة جلنار البحرية، فنزلت الجارية من فوق سطح القصر وقبلت الأرض بين يديها وأعلمتها بما جرى لولدها من أوله إلى آخره فقامت إليها جلنار وأكرمتها وشكرتها، ودقت البشائر في المدينة وأعلمت أهلها وأكابر دولتها بأن الملك بدر باسم قد وجد، ثم إن جلنار البحرية وأمها فراشة وأهاها صالحاً أحضروا جميع قبائل الجان وجنود البحر لأن ملوك الجان قد أطاعوهم بعد أسر الملك السمندل ثم إنهم طاروا في الهواء ونزلوا على مدينة الساحرة ونهبوا القصر وقتلوا من فيه، ونهبوا المدينة وقتلوا جميع ما كان فيها من الكفرة في طرفة عين، وقالت للجارية: أين ابني? فأخذت الجارية القفص وأتت به بين يديها وأشارت إلى الطائر الذي هو فيه وقالت: هذا هو ولدك فأخرجته الملكة جلنار من القفص، ثم أخذت بيدها ماء ورشته به وقالت له: اخرج من هذه الصورة التي كنت عليها فلم تتم كلامها حتى انتفض وصار بشراً كما كان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة عشرة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 702
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 703
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بدر باسم لما رشت أمه عليه الماء صار بشراً كما كان، فلما رأته على صورته الأصلية قامت إليه واعتنقته فبكى بكاء شديداً، وكذلك خاله صالح وجدته فراشة وبنات عمه وصاروا يقبلون يديه ورجليه ثم إن جلنار أرسلت خلف الشيخ عبد الله وشكرته على فعله الجميل مع ابنها وزوجته بالجارية التي أرسلها إليها بأخبار ولدها ودخل بها ثم جعلته ملك تلك المدينة، وأحضرت ما بقي من أهل المدينة من المسلمين وبايعتهم للشيخ عبد الله وعاهدتهم وحلفتهم أن يكونوا في طاعته وخدمته فقالوا سمعاً وطاعة ثم إنهم وعدوا الشيخ عبد الله وساروا إلى مدينتهم فلما دخلوا قصرهم تلقهاهم أهل مدينتهم بالبشائر والفرح وزينوا المدينة ثلاثة أيام لشدة فرحهم بملكهم بدر باسم وفرحوا فرحاً شديداً ثم بعد ذلك قال الملك بدر باسم لأمه: يا أمي ما بقي إلا أن أتزوج ويجتمع شملنا ببعضنا أجمعين، ثم أرسلت في الحال من يأتيها بالملك السمندل فأحضروه بين يديها ثم أرسلت إلى بدر باسم فلما جاء بدر باسم أعلمته بمجيء السمندل فدخل عليه فلما رآه الملك السمندل مقبلاً قام له وسلم عليه ورحب به، ثم إن الملك بدر باسم خطب منه ابنته جوهرة فقال له: هي في خدمتك وجاريتك وبين يديك فعند ذلك أحضروا القضاة والشهود وكتبوا كتاب الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار البحرية على الملكة جوهرة بنت الملك السمندل وأهل المدينة زينوها وأطلقوا البشائر وأطلقوا كل من في الحبوس، وكسى الملك الأرامل والأيتام وخلع على أرباب الدولة والأمراء والأكابر، ثم أقاموا الفرح العظيم وعملوا الولائم وأقاموا في الأفراح مساء وصباحاً مدة عشرة أيام وأدخلوها على الملك بدر باسم بتسع خلع ثم خلع الملك بدر باسم على الملك السمندل ورده إلى بلاده وأهله وأقاربه ولم يزالوا في ألذ عيش وأهنأ أيام يأكلون ويشربون وتنعمون إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر حكايتهم رحمة الله عليهم أجميعن.
حكاية سيف الملوك وبديعة الجمال
ومما يحكى أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك العجم اسمه محمد بن سبائك وكان يحكم بلاد خراسان وكان في كل عام يغزو بلاد الكفارفي الهند والسند والصين والبلاد التي وراء النهر وغير ذلك من العجم وغيرها وكان ملكاً عادلاً شجاعاً كريماً جواداً، وكان ذلك الملك يحب المنادمات والروايات والأشعار والأخبار والحكايات وأسمار وسير المتقدمين وكان كل من يحفظ حكاية غريبة ويحكيها له ينعم عليه، وقيل: إنه إذا أتاه رجل غريب بسمر غريب وتكلم بين يديه واستحسنه وأعجبه كلامه يخلع عليه خلعة سنية ويعطيه ألف دينار ويركبه فرساً مسرجاً ملجماً، ويكسوه من فوق إلى أسفل ويعطيه عطايا عظيمة فيأخذها الرجل وينصرف إلى حال سبيله، فاتفق أنه أتاه رجل كبير بسمر غريب فتحدث بين يديه فاستحسنه وأعجبه كلامه، فأمر له بجائزة سنية ومن جملتها ألف دينار خراسانية وفرس بعدة كاملة ثم بعد ذلك شاعت الأخبار عن هذا الملك العظيم في جميع البلدان فسمع به رجل يقال له التاجر حسن وكان كريماً جواداً عالماً شاعراً فاضلاً وكان عند ذلك الملك وزيراً حسوداً محضره سيء لا يحب الناس جميعاً لا غنياً ولا فقيراً، وكان كلما ورد على ذلك الملك أحداً أعطاه شيئاً يحسده ويقول إن هذا الأمر يفني المال ويخرب الديار، وإن الملك دأبه هذا الأمر ولم يكن ذلك الكلام إلا حسداً وبغضاً من ذلك الوزير، ثم إن الملك سمع بخبر التاجر فأرسل إليه وأحضره.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 703
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 704
فلما حضر بين يديه قال له: يا تاجر حسن إن الوزير خالفني وعاد أبي من أجل المال الذي أعطيه للشعراء والندماء وأرباب الحكايات والأشعار وإني إريد منك أن تحكي لي حكاية مليحة وحديثاً غريباً بحيث لم أكن سمعت مثله قط فإن أعجبني حديثك أعطيتك بلاداً كبيرة بقلاعها وأجعلها زيادة على إقطاعك وأجعل مملكتي كلها بين يديك وأجعلك كبير وزرائي تجلس على يميني وتحكم في رعيتي، وإن لم تأتني بما قلت لك أخذت جميع ما في يدك وطردتك من بلادي فقال التاجر حسن سمعاً وطاعة لمولانا الملك لكن يطلب منك المملوك أن تصبر عليه سنة ثم أحدثك بحديث ما سمعت مثله في عمرك ولا سمع غيرك بمثله ولا بأحسن منه قط فقال الملك: قد أعطيتك مهلة سنة كاملة ثم دعا بخلعة سنية فألبسه إياها قال له: الزم بيتك ولا تركب ولا تروح ولا تجيء مدة سنة كاملة حتى تحضر بما طلبته منك، فإن جئت بذلك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجئ بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة عشرة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك محمد بن سبائك قال للتاجر حسن: إن جئتني بما طلبته منك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجيئني بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك فقبل التاجر حسن الأرض بين يديه وخرج ثم اختار من مماليكه خمسة أشخاص كلهم يكتبون ويقرأون وهم فضلاء عقلاء أدباء من خواص مماليكه، وأعطى كل واحد خمسة آلاف دينار وقال لهم: أنا ما ربيتكم إلا لمثل هذا اليوم فأعينوني على قضاء غرض الملك وأنقذوني من يده فقالوا له: وما الذي تريد أن نفعل فأرواحنا فداؤك، قال لهم: أريد أن يسافر كل واحد منكم إلى إقليم وأن تستقصوا على العلماء والأدباء والفضلاء وأصحاب الحكايات الغريبة والأخبار العجيبة وابحثوا لي عن قصة سيف الملوك وائتوني بها وإذا لقيتموها عند أحد فرغبوه في ثمنها، ومهما طلب من الذهب والفضة فأعطوه غياه ولو طلب منكم ألف دينار فأعطوه المتيسر وعدوه بالباقي وائتوني بها. ومن وقع منكم بهذه القصة وأتاني بها فإني أعطيه الخلع السنية والنعم الوفية ولا يكون عندي أعز منه، ثم إن التاجر حسناً قال لواحد منهم: رح أنت إلى بلاد السند والهند وأعمالها واقاليمها، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد العجم والصين وأقاليمهما، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد الغرب واقطارها وأقاليمها وأعمالها وجميع أطرافها، وقال للآخر وهو الخامس: رح أنت إلى بلاد الشام ومصر وأعمالها وأقاليمها. ثم إن التاجر اختار لهم يوماً سعيداً وقال لهم: سافروا في هذا اليوم، واجتهدوا في تحصيل حاجتي ولا تتهاونوا ولو كان فيها بذل الأرواح فودعوه وساروا وكل واحد منهم ذهب إلى الجهة التي أمره بها فمنهم أربعة أنفس غابوا أربعة أشهر، وفشلوا فلم يجدوا شيئاً فضاق صدر التاجر حسن لما رجع إليه الأربعة مماليك وأخبروه أنهم فتشوا المدائن والبلاد والأقاليم على مطلوب سيدهم فلم يجدوا شيئاً منه وأما المملوك الخامس فإنه سافر إلى أن دخل بلاد الشام ووصل إلى مدينة دمشق فوجدها مدينة طيبة أمينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار تسبح الله الواحد القهار الذي خلق الليل والنهار فأقام فيها أياماً وهو يسأل عن حاجة سيده فلم يجبه أحد، ثم إنه أراد أن يرحل منها ويسافر إلى غيرها، وإذا هو بشاب يجري ويتعثر في أذياله. فقال له المملوك: ما بالك تجري وأنت مكروب وإلى أين تقصد? فقال له: هنا شيخ فاضل كل يوم يجلس على كرسي في مثل هذا الوقت ويحدث حكايات وأخباراً واسماراً ملاحاً لم يسمع أحد مثلها وأنا أجري حتى أجد لي موضعاً قريباً منه وأخاف أني لا احصل لي موضعاً من كثرة الخلق، فقال له المملوك: خذني معك، فقال له الفتى: أسرع في مشيتك فغلق بابه واسرع في السير معه حتى وصل إلى الموضع الذي فيه الشيخ بين الناس، فرأى لذلك الشيخ صبيح الوجه وهو جالس على كرسي يحدث الناس فجلس قريباً منه وأصغى ليسمع حديثه فلما جاء وقت غروب الشمس فرغ الشيخ من الحديث وسمع الناس ما تحدث به وانفضوا من حوله فعند ذلك تقدم إليه المملوك وسلم عليه فرد عليه السلام وزاد في التحية والإكرام.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 704
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 705
فقال له المملوك: إنك يا سيدي الشيخ رجل مليح محتشم وحديثك مليح وأريد أن أسألك عن شيء فقال له: اسأل عما تريد? فقال له المملوك: هل عندك قصة سمر سيف الملوك وبديعة الجمال? فقال له الشيخ ومن سمعت هذا الكلام ومن الذي أخبرك بذلك? فقال المملوك: أنا ما سمعت ذلك من أحد ولكن أنا من بلاد بعيدة وجئت قاصداً لهذه القصة، فمهما طلبت من ثمنها أعطيتك إن كانت عندك وتنعم وتتصدق علي بها وتجعلها من مكارم أخلاقك صدقة عن نفسك ولو أن روحي في يدي وبذلتها لك فيها لطاب خاطري بذلك، فقال له الشيخ: طب نفساً وقر عيناً وهي تحضر لك ولكن هذا سمر لا يتحدث به أحد على قارعة الطريق ولا أعطي هذه القصة لكل واحد، فقال له المملوك: بالله يا سيدي لا تبخل علي بها واطلب مني مهما أردت، فقال له الشيخ: إن كنت تريد هذه القصة، فأعطني مائة دينار وأنا أعطيك إياها ولكن بخمس شروط، فلما عرف أنها عند الشيخ وأنه سمح له بها فرح فرحاً شديداً وقال له: أعطيك مائة دينار ثمنها وعشرة جعالة وآخذها بالشروط التي تذكرها.
فقال له الشيخ: رح هات الذهب وخذ حاجتك فقام المملوك وقبل يدي الشيخ وراح إلى منزله فرحاً مسروراً، وأخذ في يده مائة دينار وعشرة ووضعها في كيس كان معه، فلما أصبح الصباح قام ولبس ثيابه وأخذ الدنانير وأتى بها إلى الشيخ فرآه جالساً على باب داره فسلم عليه فرد عليه السلام فأعطاه المائة دينار وعشرة، فأخذها منه الشيخ وقام ودخل داره وأدخل المملوك وأجلسه في مكان وقدم له دواة وقلماً وقرطاساً وقدم له كتاباً وقال له: اكتب الذي أنت طالبه من هذا الكتاب من قصة سمر سيف الملوك فجلس المملوك يكتب هذه القصة إلى أن فرغ من كتابتها ثم قرأها على الشيخ وصححها وبعد ذلك قال له: اعلم يا ولدي أن أول شرط أنك لا تقول هذه القصة على قارعة الطريق ولا عند النساء والجواري ولا عند العبيد والسفهاء ولا عند الصبيان وإنما تقرؤها عند الأمراء والملوك والوزراء وأهل المعرفة من المفسرين وغيرهم فقبل المملوك الشروط وقبل يد الشيخ وودعه وخرج من عنده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة عشرة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مملوك حسن لما نقل القصة من كتاب الشيخ الذي بالشام وأخبره بالشروط وودعه وخرج من عنده وسافر في يومه فرحاً مسروراً ولم يزل مجداً في السير من كثرة الفرح الذي حصل له بسبب تحصيله لقصة سمر سيف الملوك حتى وصل إلى بلاده ثم إن التاجر أخذ القصة وكتبها بخطه مفسرة وطلع إلى الملك، وقال له: أيها الملك السيعد إني جئت بسمر وحكايات مليحة نادرة لم يسمع مثلها أحد قط.
فلما سمع الملك كلام التاجر حسن أمر في وقته وساعته بأن يحضر كل أمير عاقل وكل عالم فاضل وكل فطن وأديب وشاعر ولبيب، وجلس التاجر حسن وقرأ هذه السيرة عند الملك، فلما سمعها الملك وكل من كان حاضراً تعجبوا جميعاً واستحسنوها، وكذلك استحسنها الذين كانوا حاضرين ونثروا عليه الذهب والفضة والجواهر، ثم أمر الملك للتاجر حسن بخلعة سنية من أفخر ملبوسه وأعطاه مدينة كبيرة بقلاعها وضياعها وجعله من أكابر وزرائه وأجلسه على يمينه ثم أمر الكتاب أن يكتبوا هذه القصة ويجعلوها في خزانته الخاصة وصار المللك كلما ضاق صدره يحضر التاجر حسن فيقرأها.
ومضمون هذه القصة أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مصر ملك يسمى عاصم بن صفوان وكان ملكاً سخياً جواداً صاحب هيبة ووقار وكانت له بلاد كثيرة وقلاع وحصون وجيوش وعساكر وكان له وزير يسمى فارس ابن صالح وكانوا جميعاً يعبدون الشمس والنار دون الملك الجبار الجليل القهار ثم إن هذا الملك صار شيخاً كبيراً قد أضعفه الكبر والسقم والهرم لأنه عاش مائة وثمانين سنة ولم يكن له ولد ذكر ولا أنثى وكان بسبب ذلك في هم وغم ليلاً نهاراً.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 705
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 706
فاتفق أنه كان جالساً يوماً من الأيام على سرير ملكه والأمراء والوزراء والمقدمون وارباب الدولة في خدمته على جري عادتهم وعلى قدر منازلهم وكل من دخل عليه من الأمراء ومعه ولد وولدان يحسده الملك ويقول في نفسه: كل واحد مسرور فرحان بأولاده وأنا ما لي ولد وفي غد أموت وأترك ملكي وتختي وضياعي وخزائني وأموالي وتأخذها الغرباء وما يذكرني أحد قط ولا يبقى لي ذكر في الدنيا إن الملك عاصماً استغرق في بحر الفكر فلم يتكلم ولم يفتح فاه ولم يرفع رأسه وما زال يبكي ويصوت بصوت عال وينوح نوحاً زائداً ويتأوه والوزير صابر له ثم بعد ذلك قال الوزير: إن لم تقل لي ما سبب ذلك، وإلا قتلت نفسي بين يديك من ساعتي وأنت تنظر ولا أراك مهموماً، ثم إن الملك عاصماً رفع رأسه ومسح دموعه وقال: أيها الوزير الناصح خلني بهمي وغمي فالذي في قلبي من الأحزان يكفيني، فقال له الوزير: قل لي أيها الملك ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة عشرة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما قال للملك عاصم: قل لي ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي، قال له الملك: يا وزير إن بكائي ما هو على مال ولا على خيل ولا على شي، ولكن أنا بقيت رجلاً كبيراً وصار عمري نحو مائة وثمانين سنة ولا رزقت ولداً ذكراً ولا أنثى فإذا مت يدفنوني ثم ينمحي رسمي وينقطع اسمي يأخذ الغرباء تختي وملكي ولا يذكرني أحد أبداً.
فقال الوزير: يا ملك الزمان أنا أكبر منك بمائة سنة ولا رزقت بولد قط ولم أزل ليلاً ونهاراً في هم وغم وكيف نفعل أنا وأنت، ولكن سمعت بخبر سليمان بن داود عليه السلام وأن له رباً عظيماً قادراً على كل شيء فينبغي أن أتوجه إليه بهدية وأقصده في أن يسأل ربه لعله يرزق كل واحد منا بولد، ثم إن الوزير تجهز للسفر وأخذ هدية فاخرة وتوجه بها إلى سليمان بن داود عليه السلام. هذا ما كان من أمر الوزير.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 706
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 707
وأما ما كان من أمر سليمان بن داود عليه السلام فإن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه وقال: يا سليمان إن ملك مصر أرسل إليك وزيره الكبير بالهدايا والتحف وهي كذا وكذا فأرسل إليه وزيرك آصف بن برخيا لاستقباله بالإكرام والزاد في موضع الإقامات، فإذا حضر بين يديك فقل له: إن الملك أرسلك تطلب كذا وكذا، وإن حاجتك كذا وكذا ثم اعرض عليه الإيمان فحينئذ أمر سليمان وزيره آصف أن يأخذ معه جماعة من حاشيته للقائهم بالإكرام والزاد الفاخر في موضع الإقامات، فخرج آصف بعد أن جهز جميع اللوازم إلى لقياهم وسار حتى وصل إلى فارس وزير ملك مصر فاستقبله وسلم عليه وأكرمه هو ومن معه إكراماً زائداً وصار يقدم إليهم الزاد والعلوفات في موضع الإقامات وقال لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً بالضيوف القادمين فأبشروا بقضاء حاجتكم وطيبوا نفساً وقروا عيناً وانشرحوا صدوراص، فقال الوزير في نفسه: من أخبرهم بذلك? ثم إنه قال لآصف: إن سليمان بن داود عليه السلام هو الذي أخبرنا بهذا فقال الوزير فارس: ومن أخبر سيدنا سليمان? قال: أخبره رب السموات والأرض وإله الخلق أجمعين. فقال له الوزير فارس: ما هذا إلا إله عظيم فقال له آصف بن برخيا: وهل أنتم لا تعبدونه? فقالفارس وزير ملك مصر: نحن نعبد الشمس ونسجد لها، فقال له آصف: يا وزير فارس إن الشمس كوكب من جملة الكواكب المخلوقة لله سبحانه وتعالى وحاشى أن تكون رباً لأن الشمس تظهر أحياناً وتغيب أحياناً وربنا حاضر لا يغيب وهو على كل شيء قدير، ثم إنهم سافروا قليلاً حتى وصلوا إلى قرب تخت الملك سليمان بن داود عليه السلام فأمر سليمان بن داود عليه السلام جنوده من الإنس والجن وغيرهما أن يصطفوا في طريقهم صفوفاً، فوقفت وحوش البحر والفيلة والنمور والفهود جميعاً واصطفوا في الطريق صفين وكل جنس انحازت أنواعه وحدها وكذلك الجان كل منهم ظهر للعيون من غير خفاء على صورة هائلة مختلفة الأحوال، فوقفوا جميعاً صفين والطيور نشرت أجنحتها لتظلهم وصارت الطيور تناغي بعضها بسائر اللغات والألحان فلما وصل أهل مصر إليهم هابوا ولم يجسروا على المشي فقال لهم آصف: ادخلوا بينهم وامشوا ولا تخافوا منهم فإنهم رعايا سليمان ابن داود وما يضركم منهم أحد ثم إن آصف دخل بينهم فدخل وراءه الخلق أجمعون ومن جملتهم جماعة وزير ملك مصر وهم خائفون ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى المدينة فأنزلوهم في دار الضيافة وأكرموهم غاية الإكرام وأحضروا لهم الضيافات الفاخرة مدة ثلاثة أيام، ثم أحضروهم بين يدي سليمان بن داود نبي الله عليه السلام.
فلما دخلوا عليه أرادوا أن يقبلوا الأرض بين يديه فمنعهم من ذلك سليمان بن داود، وقال لا ينبغي أن يسجد إنسان على الأرض إلا لله عز وجل خالق السماوات والأرض وغيرهما ومن أراد منكم أن يقف فليقف، ولكن لا يقف أحد منكم في خدمتي فامتثلوا وجلس الوزير وبعض خدامه ووقف في خدمته بعض الأصاغر فلما استقر بهم الجلوس مدوا لهم الأسمطة فأكل العالم أجمعون من الطعام حتى اكتفوا، ثم إن سليمان أمر وزير مصر أن حاجته ستقضى وقال له: تكلم ولا تخف شيئاً مما جئت بسببه لأنك ما جئت إلا لقضاء حاجة وأنا أخبرك بها وهي كذا وكذا، وإن ملك مصر الذي أرسلك اسمه عاصم وقد صار شيخاً كبيراً هرماً ضعيفاً، ولم يرزقه الله تعالى بولد ذكر ولا أنثى فصار في الغم والهم والفكر ليلاً ونهاراً، حتى اتفق له أنه جلس على كرسي مملكته يوماً من الأيام ودخل عليه الوزراء وأكابر دولته، فرأى بعضهم له ولدان وبعضهم له ثلاثة أولاد، وهم يدخلون ومعهم أولادهم ويقفون في الخدمة فتذكر في نفسه، وقال من فرط حزنه: يا ترى من يأخذ مملكتي بعد موتي وهل يأخذها إلا رجل غريب? وأصير أنا كأني لم أكن فغرق في بحر الفكر بسبب هذا، ولم يزل متفكراً حزيناً حتى فاضت عيناه بالدموع فغطى وجهه بالمنديل وبكى بكاء شديداً ثم قام من فوق سريره وجلس على الأرض يبكي وينتحب ولو يعلم ما في قلبه إلا الله تعالى وهو جالس على الأرض.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 707
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 708
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام لما أخبر الوزير فارساً بما حصل للملك من الحزن والبكاء، وما حصل بينه وبين وزيره فارس من أوله إلى آخره، قال بعد ذلك الوزير فارس: هل هذا الذي قلته لك يا وزير صحيح? فقال الوزير فارس: يا نبي الله إن الذي قلته حق وصدق ولكن يا نبي الله ما كنت أتحدث أنا والملك في هذه القضية ولم يكن عندنا أحد قط ولم يشعر بخبرنا أحد من الناس فمن أخبرك بهذه الأمور كلها? قال له: أخبرني ربي الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فحينئذ قال الوزير فارس: يا نبي الله ما هذا إلا رب كريم عظيم على كل شيء قدير ثم أسلم الوزير فارس هو ومن كان معه، فقال نبي الله سليمان للوزير: إن معك كذا وكذا من التحف والهدايا، قال الوزير: نعم فقال له سليمان: قد قبلت منك الجميع ولكني وهبتها لك فاسترح أنت ومن معك في المكان الذي نزلتم فيه حتى يزول عنكم تعب السفر، وفي غد إن شاء الله تقضي حاجتك على أتم ما يكون بمشيئة الله تعالى رب السماء والأرض وخالق الخلق أجمعين، ثم إن الوزير فارساً ذهب إلى موضعه وتوجه إلى السيد سليمان ثاني يوم، فقال له نبي الله سليمان: إذا وصلت إلى الملك عاصم بن صفوان واجتمعت أنت وإياه فاطلعنا فوق الشجرة الفلانية واقعدا ساكتين فإذا كان بين الصلاتين وقد برد حر القائلة فانزلا إلى أسفل الشجرة وانظرا هناك تجدا ثعبانين يخرجان، رأس أحدهما كراس القرود ورأس الآخر كرأس العفريت فإذا رأيتماهما فارمياهما بالنشاب واقتلاهما، ثم ارميا من جهة رؤوسهما قدر شبر واحد من جهة أذيالهما كذلك فتبقى لحومهما، فاطبخاهما وأتقنا طبخهما وأطعماهما زوجتيكما وناما معهما تلك الليلة فإنهما يحملان بإذن الله تعالى بأولاد ذكور.
ثم إن سليمان عليه السلام أحضر خاتماً وسيفاً وبقجة فيها قباآن مكللان بالجواهر وقال: ياوزير فارس: إذا كبر ولداكما وبلغا مبلغ الرجال فأعطوا كل واحد منهما قباء من هذين القباءين، ثم قال للوزير فارس: باسم الله تعالى قضيت حاجتك وما بقي لك إلا أن تسافر على بركة الله تعالى، فإن الملك تقدم لنبي الله سليمان بن داود عليه السلام وودعه وخرج من عنده بعد أن قبل يديه وسافر بقية يومه وهو فرحان بقضاء حاجته وجدفي السير ليلاً ونهاراً، ولم يزل مسافراً حتى وصل إلى قرب مصر فارسل بعض خدامه ليعلم الملك عاصماً بذلك.
فلما سمع الملك عاصم بقدومه وقضاء حاجته فرح فرحاً شديداً، هو وخواصه وأرباب مملكته وجميع جنوده وخصوصاً بسلامة الوزير فارس فلما تلاقى الملك والوزير ترجل الوزير وقبل الأرض بين يديه، وبشر الملك بقضاء حاجته أتم الوجوه وعرض عليه الإيمان بالإسلام، فأسلم الملك عاصم وقال للوزيرفارس رح بيتك واسترح أيضاً جمعة من الزمان داخل الحمام، وبعد ذلك تعال عندي حتى أخبرك بشيء نتدبر فيه، فقبل الأرض وانصرف هو وحاشيته وغلمانه وخدمه إلى داره واستراح ثمانية أيام. ثم بعد ذلك توجه إلى الملك وحدثه بجميع ما كان بينه وبين سليمان بن داود عليه السلام ثم إنه قال للملك: قم وحدك وتعال معي فقام هو والوزير وأخذا قوسين ونشابين وطلعا فوق الشجرة وقعدا ساكتين إلى أن مضى وقت القائلة ولم يزالا إلى قرب العصر ثم نزلا ونظرا فرأيا ثعبانين خرجا من أسفل تلك الشجرة فنظرهما الملك وأحبهما لأنهما أعجباه حين رأهما بالأطواق الذهب وقال: يا وزير إن هذين الثعبانين مطوقان بالذهب، والله إن هذا شيء عجيب خلنا نمسكهما ونجعلهما، قفص ونتفرج عليهما، فقال الوزير: هذان خلقهما الله لمنفعتهما فارم أنت واحد بنشابة وارم أنا واحد بنشابة، فرمى الاثنان عليهما النشاب فقتلاهما وقطعا من جهة رؤوسهما شبراً ومن جهة أذنابهما شبراً ورمياه ثم ذهبا بالباقي إلى بيت الملك وطلبا الطباخ وأعطياه ذلك اللحم، وقالا له: اطبخ هذا اللحم طبخاً مليحاً بالتقلية والأباريز واغرفه في زبدتين وهاتهما وتعال هنا في الوقت الفلاني والساعة الفلانية ولا تبطئ.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة عشر بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 708
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 709
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك والوزير لما أعطيا الطباخ لحم الثعبانين وقالا له: اطبخه واغرفه في زبدتين وهاتهما هنا ولا تبطئ، فأخذ الطباخ اللحم وذهب به وطبخه وأتقن طبخه بتقلية عظيمة، ثم غرفه في زبدتين وأحضرهما بين يدي الملك والوزير فأخذ الملك زبدية والوزير زبدية وأطعماهما لزوجتيهما وباتا تلك الليلة معهما، فبإرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته ومشيئته حملتا تلك الليلة، فمكث الملك بعد ذلك ثلاثة أشهر وهو متشوش الخاطر يقول في نفسه: يا ترى هذا الأمر صحيح ثم إن زوجته كانت جالسة يوماً من الأيام، فتحرك الولد في بطنها فعلمت أنها حامل فتوجعت وتغير لونها، وطلبت واحداً من الخدام الذين عندها وهو أكبرهم وقالت له: اذهب إلى الملك في أي موضع يكون وقل له: يا ملك الزمان أبشرك أن سيدتنا ظهر حملها والولد قد تحرك في بطنها فخرج الخادم سريعاً وهو فرحان فرأى الملك وحده ويده على خده وهو متفكر في ذلك، فأقبل عليه الخادم وقبل الأرض بين يديه وأخبره بحمل زوجته. فلما سمع الملك كلام الخادم نهض قائماً على قدميه ومن شدة فرحه قبل يد الخادم وراسه وخلع ما كان عليه وأعطاه إياه، وقال لمن كان حاضراً في مجلسه: من كان يحبني فلينعم عليه، فأعطوه من الأموال والجواهر واليواقيت والخيل والبغال والبساتين شيئاً لا يعد ولا يحصى. ثم إن الوزير دخل على الملك وقال: يا ملك الزمان أنا في هذه الساعة كنت قاعداً في البيت وحدي وأنا مشغول الخاطر متفكراً في شأن الحمل وأقول في نفسي: يا ترى هل هو حق أن خاتون تحبل أم لا? وإذا بالخادم دخل علي وبشرني بأن زوجتي خاتون حامل وأن الولد قد تحرك في بطنها وتغير لونها فمن فرحتي خلعت جميع ما كان علي من القماش وأعطيت الخادم إياه وأعطيته ألف دينار وجعلته كبير الخدام ثم إن الملك عاصماً قال: يا وزير إن الله تبارك وتعالى أنعم علينا بفضله وإحسانه وجوده وامتنانه بالدين القويم وأكرمنا بكرمه وفضله. وقد أخرجنا من الظلمات إلى النور وأريد أن أخرج على الناس وأفرحهم، فقال الوزير: افعل ما تريد، فقال: يا وزير انزل في هذا الوقت واخرج كل من كان في الحبس من أصحاب الجرائم ومن عليهم ديون وكل من وقع منه ذنب، بعد ذلك تجازيه بما يستحقه ونرفع عن الناس الخراج ثلاث سنوات، وانصب في دائرة هذه المدينة مطبخاً حول الحيطان، وأعطى الأمر للطباخين بأن يعلقوا عليه جميع أنواع القدور وأن يطبخوا سائر أنواع الطعام ويديموا الطبخ الليل والنهار وكل من كان في هذه المدينة، وما حولها من البلاد البعيدة والقريبة يأكلون ويشربون ويحملون إلى بيوتهم وأمرهم أن يفرحوا ويزينوا المدينة سبعة أيام، ولا يقفلوا حوانيتهم ليلاً ونهاراً.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 709
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 710
فخرج الوزير من وقته وساعته وفعل ما أمره به الملك عاصم وزينوا المدينة والقلاع والأبراج أحسن الزينة ولبسوا أحسن ملبوس وصار الناس في أكل وشرب ولعب وانشراح إلى أن حصل الطلق لزوجة الملك بعد انقضاء أيامها فوضعت ولداً ذكراً كالقمر ليلة تمامه فسماه سيف الملوك. وكذلك زوجة الوزير وضعت ولداً كالمصباح فسماه ساعداً فلما بلغا رشدهما صار الملك عاصم كلما ينظرهما يفرح بهما الفرح الشديد فلما صار عمرهما عشرين سنة طلب الملك وزيره فارساً في خلوة، وقال له: يا وزير قد خطر ببالي أمر أريد أن أفعله ولكن أستشيرك فيه فقال له الوزير: مهما خطر ببالك افعله، فإن رأيك مبارك، فقال الملك عاصم: يا وزير أنا صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً لأني طعنت في السن وأريد أن أقعد في زاوية لأعبد الله تعالى وأعطي ملكي وسلطتي لولدي سيف الملوك فإنه صار شاباً مليحاً كامل الفروسية والعقل والأدب والحشمة والرياسة فما تقول أيها الوزير في هذا الرأي? فقال الوزير: نعم الرأي الذي رأيته، وهو راي مبارك سعيد، فإذا فعلت أنت هذا فأنا الآخر أفعل مثلك ويكون ولدي ساعداً وزيراً له لأنه شاب مليح ذو معرفة ورأي ويصير الاثنان مع بعضهما ونحن ندبر شأنهما ولا نتهاون في أمرهما بل ندلهما على الطريق المستقيم، ثم قال الملك عاصم لوزيره: اكتب الكتب وأرسلها مع السعاة إلى جميع الأقاليم والبلاد والحصون والقلاع التي تحت أيدينا، وأمر أكابرها أن يكونوا في الشهر الفلاني حاضرين في ميدان الفيل، فخرج الوزير فارساً من وقته وساعته وكتب إلى جميع العمال وأصحاب القلاع، ومن كان تحت حكم الملك عاصم أن يحضروا جميعهم في الشهر الفلاني وأمر أن يحضروا كل من في المدينة من قاص ودان. ثم إن الملك عاصماً بعد مضي تلك المدة، أمر الفراشين أن يضربوا القباب في وسط الميدان وأن يزينوها بأفخر الزينة وأن ينصبوا التخت الكبير الذي لا يقعد عليه الملك إلا في الأعياد ففعلوا في الحال جميع ما أمرهم به ونصبوا التخت وخرجت النواب والحجاب والأمراء والوزراء وأصحاب الأقاليم والضياع إلى ذلك الميدان ودخلوا في خدمة الملك على جري عادتهم واستقروا كلهم في مراتبهم، فمنهم من قعد ومنهم من وقف إلى أن اجتمعت الناس جميعهم وأمر الملك أن يمدوا السماط، فمدوه وأكلوا وشربوا ودعوا للملك ثم امر الملك الحجاب أن ينادوا في الناس بعدم الذهاب فنادوا وقالوا في المناداة: لا يذهب منكم أحد حتى يسمع كلام الملك، ثم رفعوا الستور فقال الملك: من أحبني فليمكث حتى يسمع كلامي، فقعد الناس جميعهم مطمئني النفوس بعد أن كانوا خائفين، ثم قام الملك على قدميه وحلفهم أن لا يقوم أحد من مقامه وقال لهم: أيها الأمراء والوزراء وأرباب الدولة كبيركم وصغيركم ومن حضر من جميع الناس هل تعلمون أن هذه المملكة لي وراثة من آبائي وأجدادي? قالوا له: نعم أيها الملك كلنا نعلم ذلك فقال لهم: أنا وأنتم كنا كلنا نعبد الشمس والقمر ورزقنا الله تعالى الإيمان وأنقذنا من الظلمات إلى النور، وهدانا الله سبحانه وتعالى إلى دين الإسلام واعلموا أني الآن صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً عاجزاً وأريد أن أجلس في زاوية أعبد الله فيها وأستغفره من الذنوب الماضية، وهذا ولدي سيف الملوك حاكم، وتعرفون انه شاب مليح فصيح خبير بالأمور عاقل فاضل عادل، فأريد في هذه الساعة أن أعطيه مملكتي وأجعله ملكاً عليكم عوضاً عني وأجلسه سلطاناً في مكاني وأتخلى أنا لعبادة الله تعالى في زاوية وابني سيف الملوك يتولى الحكم ويحكم بينكم، فأي شيء قلتم كلكم بأجمعكم? فقاموا كلهم وقبلوا الأرض بين يديه، وأجابوا بالسمع والطاعة وقالوا: يا ملكنا وحامينا لو أقمت علينا عبداً من عبيدك لأطعناه وامتثلنا أمرك فكيف بولدك سيف الملوك فقد قبلناه ورضيانه على العين والراس فقام الملك عاصم بن صفوان ونزل من فوق سريره، وأجلس ولده على التخت الكبير ورفع التاج فوق رأس ولده وشد وسطه بمنطقة الملك، وجلس الملك عاصم على كرسي مملكته بجانب ولده فقام الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وجميع الناس وقبلوا الأرض بين يديه، وصاروا وقوفاً يقولون لبعضهم: هو حقيق بالملك وهو أولى به من الغير ونادوا بالأمان ودعوا له بالنصر والإقبال ونثر سيف الملوك الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 710
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 711
وفي الليلة التاسعة عشرة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عاصماً لما أجلس ولده سيف الملوك على التختودعا له كامل الناس بالنصر والإقبال نثر الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين وخلع الخلع ووهب وأعطى، ثم بعد لحظة قام الوزير فارساً وقبل الأرض وقال: يا أمراء.. يا أرباب الدولة، هل تعرفون أني وزير ووزارتي قديمة قبل أن يتولى الملك عاصم بن صفوان، وهو الآن قد خلع نفسه من الملك وولى ولده عوضاً عنه? قالوا: نعم نعرف وزارتك أباً عن جد، فقال: والآن أخلع نفسي وأولي ولدي ساعداً هذا، فغنه عاقل فطن خبير فأي شيء تقولون بأجمعكم? فقالوا: لا يصلح وزيراً للملك سيف الملوك إلا ولدك ساعداً فإنهما يصلحان لبعضهما، فعند ذلك قام الوزراء قدامه أيضاً وقالت الحجاب والأمراء: إنه يستحق الوزارة، فعند ذلك قام الملك عاصم والوزير فارس وفتحا الخزائن وخلعا الخلع السنية على الملوك والأمراء وأكابر الدولة والناس أجمعين وأعطيا النفقة والأنعام وكتبا لهم المناشير الجديدة والمراسيم بعلامة سيف الملوك وعلامة الوزير ساعد بن الوزير فارس وأقام الناس في المدينة جمعة وبعدها كل منهم سافر إلى بلاده ومكانه، ثم إن الملك عاصماً أخذ ولده سيف الملوك وساعداً ولد الوزير ثم دخلوا وطلعوا القصر وأحضروا الخازندار، وأمروه بإحضار الخواتم والسيف والبقجة وقال الملك عاصم: يا أولادي تعالوا كل واحد منكم يختار من هذه الهدية شيئاً ويأخذه، فأول من مد يده سيف الملوك فأخذ البقجة والخاتم ومد ساعد يده فأخذ السيف والمهر وقبلا يد الملك وذهبا إلى منازلهما، فلما أخذ سيف الملوك البقجة لم يفتحه ولم ينظر ما فيها بل رماها فوق التخت الذي ينام عليه بالليل هو وساعد وزيره، وكان من عادتهما أن يناما مع بعضهما ثم إنهما فرشوا لهما فراش النوم ورقدا الاثنان مع بعضهما على فراشهما والشموع تضيء عليهما واستمرا إلى نصف الليل ثم انتبه سيف الملوك من نومه فرأى البقجة عند رأسه، فقال في نفسه: يا ترى أي شيء في هذه البقجة? التي أهداها لنا الملك من التحف فأخذها وأخذ الشمعة ونزل من فوق التخت وترك ساعداً نائماً ودخل الخزانة وفتح البقجة فرأى فيها قباء من شغل الجان ففتح القباء وفرده فوجد على البطانة التي من داخل في جهة ظهر القباء صورة بنت منقوشة بالذهب ولكن جمالها شيء عجيب.
فلما رأى هذه الصورة طار عقله من رأسه وصار مجنوناً بعشق تلك الصورة ووقع على الأرض مغشياً عليه وصار يبكي وينتحب ويلطم على وجهه، فلما رآه ساعداً على هذه الحالة قال: أنا وزيرك وأخوك وتربيت أنا وإياك وإن لم تبين لي أمورك وتطلعني على سرك فعلى من تخرج سرك وتطلع عليه? ولم يزل ساعداً يتضرع ويقبل الأرض ساعة زمانية وسيف الملوك لا يلتفت إليه ولا يكلمه كلمة واحدة بل يبكي، فلما رأى ساعداً حاله وأعياه أمره خرج من عنده وأخذ سيفاً ودخل الخزانة التي فيها سيف الملوك وحط ذبابة على صدر نفسه وقال لسيف الملوك: انتبه يا أخي، إن لم تقل لي أي شيء جرى لك قتلت روحي ولا أراك في هذه الحالة فعند ذلك رفع سيف المولك رأسه إلى وزيره ساعداً وقال له: يا أخي أنا استحيت أن أقول لك وأخبرك بالذي جرى لي. فقال له ساعداً: سألتك بالله رب الأرباب ومعتق الرقاب ومسبب الأسباب الواحد التواب الكريم الوهاب أن تقول لي ماذا جرى لك ولا تستحي مني، فأنا عبدك ووزيرك ومشريك في الأمور كلها، فقال سيف الملوك: تعال وانظر إلى هذه الصورة فلما رأى ساعد تلك الصورة تأمل فيها ساعة زمانية ورأى مكتوباً على رأس الصورة باللؤلؤ المنظوم: هذه الصورة، صورة بديعة الجمال بنت شماخ بن شاروخ ملك من ملوك الجان المؤمنين الذين هم نازلون في مدينة بابل وساكنون في بستان أرم بن عاد الأكبر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العشرين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 711
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 712
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك سيف الملوك بن الملك عاصم والوزير ساعد بن الوزير فارس لما قرأا الكتابة التي على القباء ورأيا فيها صورة بديعة الجمال بنت شامخ بن شاروخ ملك بابل من ملوك الجان المؤمنين النازلين بمدينة بابل الساكنين في بستان ارم بن عاد الأبر قال الوزير ساعد للملك سيف: يا أخي أتعرف من صاحبة هذه الصورة من النساء حتى نفتش عليها فقال سيف الملوك: والله يا أخي ما أعرف صاحبة هذه الصورة، فقال ساعد: تعال اقرأ هذه الكتابة فتقدم سيف الملوك وقرأ الكتابة التي على التاج وعرف مضمونها فصرخ من صميم قلبه وقال: آه، آه، آه، فقال له ساعد: يا أخي إن كانت صاحبة هذه الصورة موجودة واسمها بديعة الجمال وهي في الدنيا، فأنا أسرع في طلبها من غير مهلة حتى تبلغ مرادك، فبالله يا أخي أن تترك البكاء لأجل أن تدخل أهل الدولة في خدمتك فإذا كان ضحوة النهار فاطلب التجار والفقراء والسواحين والمساكين، واسألهم عن صفات هذه المدينة لعل أحداً ببركة الله سبحانه وتعالى وعونه يدلنا عليها وعلى بستان ارم.
فلما أصبح الصباح قام سيف الملوك وطلع فوق التخت وهو معانق للقباء لأنه صار لا يقوم ولا يقعد ولا يأتيه نوم إلا وهو معه، فدخلت عليه الأمراء والوزراء والجنود وأرباب الدولة، فلما تم الديوان وانتظم الجمع، قال الملك سيف الملوك لوزيره ساعد: ابرز لهم وقل إن الملك حصل له تشويش والله ما بات البارحة إلا وهو ضعيف فبلغ الوزير ساعد وأخبر الناس بما قاله الملك سيف فلما سمع الملك عاصم ذلك لم يهن عليه ولده فعند ذلك دعا الحكماء والمنجمين ودخل بهم على ولده سيف الملوك فنظروا إليه ووصفوا له الشراب واستمر في موضعه مدة ثلاثة أشهر، فقال الملك عاصم للحكماء الحاضرين وهو مغتاظ عليهم: ويلكم يا كلاب هل عجزتم كلكم عن مداواة ولدي فإن لم تداووه في هذه الساعة أقتلكم جميعاً، فقال رئيسهم الكبير: يا ملك الزمان إننا نعلم أن هذا ولدك وأنت تلعم أننا لا نتساهل في مداواة الغريب فكيف بمداواة ولدك ولكن ولدك به مرض صعب إن شئت معرفته نذكره لك ونحدثك به، قال الملك عاصم: أي شيء ظهر لكم من مرض ولدي? فقال له الحكيم الكبير: يا ملك الزمان إن ولدك الآن عاشق ويحب من لا سبيل إلى وصاله، فاغتاظ الملك عليهم وقال لهم: من أين علمتم أن ولدي عاشق ومن أين جاء العشق لولدي? فقالوا له: اسأل أخاه ووزيره ساعداً فإنه هو الذي يعلم حاله فعند ذلك قام الملك عاصم ودخل في خزانة وحده ودعا بساعد وقال: اصدقني بحقيقة مرض أخيك فقال له: ما أعلم حقيقته فقال الملك للسياف: خذ ساعداً واربط عينيه واضرب رقبته، فخاف ساعد على نفسه وقال له: يا ملك الزمان أعطني الأمان فقال له: قل لي ولك الأمان فقال له ساعد: إن ولدك عاشق فقال له الملك: ومن معشوقته? فقال ساعد: بنت ملك من ملوك الجان فإنه رأى صورتها في قباء من البقجة التي أهداها إليكم سليمان نبي الله.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 712
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 713
فعند ذلك قام الملك ودخل على ابنه سيف الملوك وقال له: يا ولدي أي شيء دهاك وما هذه الصورة التي عشقتها? ولأي شيء لم تخبرني? فقال سيف الملوك: يا أبت كنت أستحي منك وما كنت أقدر أن أذكر لك ذلك، ولا أقدر أن أظهر أحداً على شيء منه أبداً، والآن قد علمت بحالي فانظر كيف تعمل في مداواتي، فقال له أبوه: كيف تكون الحيلة لو كانت هذه من بنات الإنس كنا دبرنا حيلة في الوصول إليها، ولكن هذه من بنات ملوك الجن ومن يقدر عليها إلا إذا كان سليمان بن داود فإنه هو الذي يقدر على ذلك، ولكن يا ولدي قم في هذه الساعة واشتغل بالأكل والشرب واصرف الهم والغم عن قلبك، وأنا أجيء لك بمائة بنت من بنات الملوك وما لك ببنات الجان التي ليس لنا قدرة عليهم ولا هم من جنسنا، فقال له: أنا لا أتركها ولا أطلب غيرها، فقال له الملك: كيف يكون العمل يا ولدي? فقال له ابنه: أحضر لنا جمعي التجار والمسافرين والسواحين في البلاد لنسألهم عن ذلك لعل الله يدلنا على بستان أرم وعلى مدينة بابل، فأمر الملك عاصم أن يحضر كل تاجر في المدينة وكل غريب فيها وكل رئيس في البحر، فلما حضروا سألهم عن مدينة بابل وعن جزيرتها وعن بستان ارم فما أحد منهم عرف هذه الصفة ولا أخبر عنهابخبر وعند انفضاض المجلس قال واحد منهم: يا ملك الزمان إن كنت تريد أن تعرف فعليك ببلاد الصين فإنها مدينة كبيرة ولعل أحداً نمهم يدلك على مقصودك، ثم إن سيف الملوك قال: يا أبي جهز لي مركباً للسفر إلى بلاد الصين، فقال له أبوه: يا ولدي اجلس أنت على كرسي مملكتك واحكم في الرعية وأنا أسافر إلى بلاد الصين وأمضي إلى هذا الأمر بنفسي فقال سيف الملوك: يا أبي إن هذا الأمر يتعلق بي وما يقدر أحد أن يفتش عليه مثلث وأي شيء يجري إذا كنت تعطيني اذناً بالسفر فاسافر وأتغرب مدة من الزمان، فإن وجدت لها خبراً حصل المراد وإن لم أجد لها خبراً يكون في السفر انشراح صدري ونشاط خاطري ويهون أمري بسبب ذلك وإن عشت رجعت إليك سالماً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك قال لوالده الملك عاصم: جهز لي مركباً لأسافر فيها إلى بلاد الصين حتى أفتش على مقصودي فإن عشت رجعت إليك سالماً، فنظر الملك إلى ابن فلم ير له حيلة غير أنه يعمل له الذي يرضيه فأعطاه اذناً بالسفر وجهز له أربعين مركباً وعشرين ألف مملوك غير الاتباع وأعطاه أموالاً وخزائن وكل شيء يحتاج إليه من آلات الحرب وقال له: سافر يا ولدي في خير وعافية وسلامة وقد استودعتك من لا تضيع عنده الودائع فعند ذلك ودعه أبوه وأمه وشحنت المراكب بالماء والزاد والسلاح والعساكر ثم سافروا ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى مدينة الصين.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 713
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 714
فلما سمع أهل الصين أنه وصل إليهم أربعون مركباً مشحوناً بالرجال والعدد والسلاح والذخائر اعتقدوا أنهم أعداء جاؤا إلى قتالهم وحصارهم فقفلوا أبواب المدينة وجهزوا المنجنيقات، فلما سمع الملك سيف الملوك ذلك أرسل إليهم مملوكين من مماليكه الخواص، وقال لهم: امضيا إلى ملك الصين وقولوا له إن هذا سيف الملوك بن الملك عاصم جاء إلى مدينتك ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته نزل عندك وإن لم تقبله رجع ولا يشوش عليك ولا على أهل مدينتك، فلما وصل المملوكين إلى المدينة قالوا: نحن رسل الملك سيف الملوك ففتحوا لهم الباب وذهبوا بهم وأحضروهم عند ملكهم وكان اسمه قعفوشاه، وكان بينه وبين الملك عاصم قبل تاريخه معرفة، فلما سمع أن الملك القادم عليه سيف الملوك بن الملك عاصم خلع على الرسل وأمر بفتح الأبواب وجهز الضيافات وخرج بنفسه مع خواص دولته وجاء إلى سيف الملوك وتعانقا، وقال له: أهلاً وسهلاً ومرحباً بمن قدم علينا وأنا مملوكك ومملوك أبيك ومدينتي بين يديك، وكل ما تطلبه يحضر إليك وقدم له الضيوفات والزاد في مواضع الإقامات، وركب سيف الملوك وساعد وزيره ومعهم خواص دولته وبقية العساكر وساروا في ساحل البحر إلى أن دخلوا المدينة وضربت الكاسات ودقت البشائر وأقاموا فيها أربعين يوماً في ضيافات حسنة، ثم بعد ذلك قال له: يا ابن أخي كيف حالك هل أعجبتك بلادي? فقال له سيف الملوك: يا ملك أدام الله تعالى تشريفها بك أيها الملك قعفوشاه: ما جاء بك إلى حاجة طرأت لك، وأي شيء تريده من بلادي فأنا أقضيه لك، فقال له الملك سيف: يا ملك إن حديثي عجيب وهو أني عشقت صورة بديعة الجمال فبكى ملك الصين رحمة له وشفقة عليه وقال: ما تريد الآن يا سيف الملوك? فقال له: أريد منك أن تحضر لي جميع السواحين والمسافرين ومن له عادة بالأسفار حتى أسألهم عن صاحبة هذه الصورة لعل أحداً منهم يخبرني بها فأرسل الملك قعفوشاه إلى النواب والحجاب والأعوان وأمرهم أن يحضروا جميع من في البلاد من السواحين والمسافرين فأحضروهم وكانوا جماعة كثيرة فاجتمعوا عند الملك قعفوشاه، ثم سألهم الملك سيف الملوك عن مدينة بابل وعن بستان أرم فلم يرد عليه أحداً منهم جواباً فتحير الملك سيف الملوك في أمره ثم بعد ذلك قال واحد من رؤساء البحرية: ايها الملك إن أردت أن تعلم هذه المدينة وذاك البستان فعليك بالجزائر التي في بلاد الهند، فعند ذلك أمر سيف الملوك أن يحضروا المراكب ففعلوا ونقلوا فيها الماء والزاد وجميع ما يحتاجون إليه وركب سيف الملوك وساعد وزيره بعد أن ودعوا الملك قعفوشاه وسافروا في البحر مدة أربعة أشهر في ريح طيبة سالمين مطمئنين فاتفق أنه خرج عليهم ريح في يوم من الأيام وجاءهم الموج من كل مكان ونزلت عليهم الأمطار وتغير البحر من شدة الريح، ثم ضربت المراكب بعضها بعضاً من شدة الريح فانكسرت جميعها، وكذلك الزوارق الصغيرة وغرقوا جميعهم وبقي سيف الملوك مع جماعة من مماليكه في زورق صغير، ثم سكت الريح وسكن بقدرة الله تعالى وطلعت الشمس ففتح سيف الملوك عينيه، فلم ير شيئاً من المراكب ولم ير غير السماء والماء وهو ومن معه في الزورق الصغير فقال لمن معه من مماليكه: أين المرابك والزوارق الصغيرة وأين أخي ساعد? فقالوا له: يا ملك الزمان لم يبق مراكب ولا زوارق ولا من فيها فإنهم غرقوا كلهم وصاروا طعاماً للسمك، فصرخ سيف الملوك وقال كلامة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصار يلطم على وجهه وأراد أن يرمي نفسه في البحر، فمنعه المماليك وقالوا له: يا ملك أي شيء يفيدك هذا فأنت الذي فعلت بنفسك هذه الفعلا ولو سمعت كلام أبيك ما كان جرى عليك من هذا شيء ولكن كل هذا مكتوب من القدم بإرادة باري النسم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 714
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 715
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما أراد أن يرمي نفسه في البحر منعته المماليك وقالت له: أي شيء يفيد هذا، فأنت فعلت بنفسك هذه الفعال ولكن هذا شيء مكتوب بإرادة بارئ النسم حتى يستوفي العبد ما كتب الله تعالى عليه وقد قال المنجمون لأبيك عند والدتك: إن ابنك هذا تجري عليه الشدائد كلها وحينئذ ليس عليه إلا الصبر حتى يفجر الله عنا الكرب الذي نحن فيه فقال سيف الملوك: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا مفر من قضاء الله تعالى ولا مهرب.
ثم غرق في بحر الأفكار وجرت دموعه على خده كالمدرار، ونام ساعة من النهار، ثم استفاق وطلب شيئاً من الأكل فأكل حتى اكتفى ورفعوا الزاد من قدامه والزورق سائراً بهم، ولم يعلموا إلى أي جهة يتوجه بهم مع الأمواج والرياح ليلاً ونهاراً مدة مديدة من الزمان حتى فرغ منهم الزاد وذهبوا عن الرشاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش والقلق وإذا بجزيرة قد لاحت لهم على بعد فصارت الرياح تسوقهم إلى أن وصلوا إليها وأرسوا عليها وطلعوا من الزورق وتركوا فيه واحداً، ثم توجهوا إلى تلك الجزيرة فرأوا فيها فواكه كثيرة من سائر الألوان فأكلوا حتى اكتفوا، وإذا هم بشخص جالس على قطعة لباد سوداء فوق صخرة من الحجر، وحواليه الزنوج وهم جماعة كثيرة واقفون في خدمته. فجاء هؤلاء الزنوج وأخذوا سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم وقالوا: إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار وكان الملك جائعاً فأخذ من المماليك اثنين وذبحهما وأكلهما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 715
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 716
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الزنوج لما أخذوا الملك سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم، وقالوا له: يا ملك إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار أخذ ملكهم مملوكين وذبحهما وأكلهما فلما رأى سيف الملوك هذا الأمر خاف على نفسه وبكى. فلما سمع الملك بكاءه وتعديده قال: إن هؤلاء الطيور مليحة الصوت والنغمة قد أعجبتني أصواتهم فاجعلوا كل واحد منهم في قفص فحطوا كل واحد منهم في قفص، وعلقوهم على راس الملك ليسمع أصواتهم ومماليكه في الأقفاص والزنوج يطعمونهم ويسقونهم، وهم ساعة يبكون وساعة يضحكون وساعة يتكلمون وساعة يسكتون كل هذا وملك الزنوج يتلذذ بأصواتهم ولم يزالوا على تلك الحالة مدة من الزمان وكان للملك بنت متزوجة في جزيرة أخرى فسمعت أن أباها عنده طيور لها أصوات مليحة، فأرسلت جماعة إلى أبيها تطلب منه شيئاً من الطيور، فأرسل إليها أبوها سيف الملوك وثلاثة مماليك في أربعة أقفاص مع القاصد الذي جاء في طلبهم. فلما وصلوا إليها ونظرتهم أعجبوها، فأمرت أن يطلعهم في موقع فوق رأسها فصار سيف الملوك يتعجب مما جرى له ويتفكر ما كان فيه من العز وصار يبكي على نفسه والمماليك الثلاثة يبكون على أنفسهم، كل هذا وبنت الملك تعتقد أنهم يغنون وكانت عادة بنت الملك إذا وقع عندها أحد من بلاد مصر، أو من غيرها وأعجبها يصير له عندها منزلة عظيمة وكان بقضاء الله تعالى وقدره أنها لما رأت سيف الملوك أعجبها حسنه وجماله وقده واعتداله فأمرت بإكرامهم واتفق أن اختلت يوماً من الأيام بسيفي الملوك وطلبت منه أن يجامعها فأبى سيف الملوك ذلك وقال لها: يا سيدتي أنا رجل غريب وبحب الذي أهواه كئيب وما أرضى بغير وصاله فصارت بنت الملاك تلاطفه وتراوده فامتنع منها ولم تقدر أن تدنو منه ولا أن تصل إليه بحال من الأحوال، فلما أعياها أمره غضبت عليه وعلى مماليكه، وأمرتهم أن يخدموها وينقلوا الماء والحطب فمكثوا على هذه الحالة أربع سنوات، فأعيا الملك سيف ذلك الحال وأرسل يتشفع الملكة، عسى أن تعتقهم ويمضوا إلى حال سبيلهم ويستريحوا مما هم فيه، فأرسلت أحضرت سيف الملوك وقالت: إن وافقتني على غرضي أعتقك من الذي أنت فيه وتروح لبلادك سالماً غانماً وما زالت تتضرع إليه وتأخذ بخاطره فلم يجبها إلى مقصودها فأعرضت عنه مغضبة وسار سيف الملوك والمماليك عندها في الجزيرة على تلك الحالة وعرف أهلها أنهم طيور بنت الملك فلم يتجاسر أحد من اهل المدينة أن يضرهم بشيء وصار قلب بنت الملك مطمئناً عليهم، وتحققت أنهم ما بقي لهم خلاص من هذه الجزيرة فصاروا يغيبون عنها ليومين والثلاثة ويدورون في البرية ليجمعوا الحطب من جوانب الجزيرة ويأتوا به إلى مطبخ بنت الملك، فمكثوا على هذه الحالة خمس سنوات، فاتفق أن سيف الملوك قعد هو ومماليكه يوماً من الأيام على ساحل البحري يتحدثون فيما جرى فالتفت سيف الملوك فرأى نفسه فيهذا المكان هو ومماليكه فتذكر أمه وأباه وأخاه ساعداً وتذكر العز الذي كان فيه، فبكى وزاد في البكاء والنحيب وكذلك المماليك بكوا مثله.
ثم قال له المماليك: يا ملك الزمان إلى متى تبكي، والبكاء لا يفيد وهذا أمر مكتوب على جباهنا بتقدير الله عز وجل، وقد جرى القلم بما حكم وما ينفعنا إلا الصبر، لعل الله سبحانه وتعالى الذي ابتلانا بهذه الشدة يفرجها عنا فقال لهم سيف الملوك: يا اخواني كيف نعمل في خلاصنا من هذه الملعونة ولا أرى لنا خلاصاً إلا أن يخلصنا الله منها بفضله، ولكن خطر ببالي أننا نهرب ونستريح من هذا التعب، فقالوا له: يا ملك الزمان أين نروح من هذه الجزيرة وهي كلها غيلان يأكلون بني آدم وكل موضع توجهنا إليه وجدونا فيه فإما أن يأكلونا وإما أن يأسرونا ويردونا إلى موضعنا وتغضب علينا بنت الملك، فقال سيف الملوك: أنا أعمل لكم شيئاً لعل الله تعالى يساعدنا به على الخلاص ونخلص من هذه الجزيرة فقالوا له: كيف تعمل? فقال: نقطع من هذه الأخشاب الطوال ونفتل من قشرها حبالاً، ونربط بعضها في بعض ونجعلها فلكاً ونرميه في البحر ونملؤه من تلك الفاكهة، ونعمل له مجاذيف وننزل فيه لعل الله تعالى أن يجعل لنا فرجاً فإنه على كل شيء قدير، وعسى الله أن يرزقنا الريح الطيب الذي يرسلنا إلى بلاد الهند ونخلص من هذه الملعونة فقالوا له: هذا رأي حسن وفرحوا به فرحاً شديداً وقاموا في الوقت والساعة يقطعون الأخشاب لعمل الفلك ثم فتلوا الحبال لربط الأخشاب في بعضها واستمروا على ذلك مدة شهر وكل يوم في آخر النهار يأخذون شيئاً من الحطب، ويروحون به إلى مطبخ بنت الملك ويجعلون بقية لنهار لأشغالهم في صنع الفلك إلى أن أتموه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك ومماليكه لما قطعوا الأخشاب من الجزيرة وفتلوا الحبال وربطوا الفلك الذي عملوه، فلما فرغوا من عمله رموه في البحر وسقوه من الفواكه التي في الجزيرة من تلك الأشجار وتجهزوا في آخر يومهم ولم يعلموا أبداً بما فعلوا، ثم ركبوا في ذلك الفلك وساروا في البحر مدة أربعة أشهر، ولم يعلموا أين يذهب بهم وفرغ منهم الزاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش، وإذا بالبحر قد أرغى وأزبد وطلع منه أمواج عالية، فأقبل عليهم تمساح هائل ومد يده وخطف مملوكاً من المماليك وبلعه، فلما رأى سيف الملوك ذلك التمساح فعل بالمملوك ذلك الفعل بكى بكاء شديداً، وصار في الفلك هو والمملوك الباقي وحدهما وبعدا عن مكان التمساح وهما خائفان، ولم يزالا كذلك حتى ظهر لهما يوماً من الأيام جبل عظيم هائل عال شاهق في الهواء ففرحا به وظهر لهما بعد هذه الجزيرة فجدا في السير إليها وهما مستبشران بدخولهما الجزيرة.
فبينما هما على تلك الحالة، وإذا بالبحر هاج وعلت أمواجه وتغيرت حالاته، فرفع التمساح رأسه ومد يده فأخذ المملوك الذي بقي من مماليك سيف الملوك وبلعه، فصار سيف الملوك وحده حتى وصل إلى الجزيرة وصال يعالج إلى أن صعد فدق الجبل، ونظر فرأى غابة فدخل الغابة ومشى بين الأشجار وصار يأكل من الفواكه فرأى الأشجار وقد طلع فوقها ما يزيد عن عشرين قرداً راكباً كل واحد منهم أكبر من البغل، فلما رأى سيف الملوك هذه القرود حصل له خوف شيديد، ثم نزلت القرود واحتاطوا به من كل جانب وبعد ذلك ساروا أمامه وأشاروا إليه أن يتبعهم ومشوا، فمشى سيف الملوك خلفهم وما زالوا سائرين وهو تابعهم حتى أقبلوا على قلعة عالية البنيان مشيدة الأركان، فدخلوا تلك القلعة ودخل سيف الملوك وراءهم فرأى فيها من سائر التحف والجواهر والمعادن ما يكل عن وصفه اللسان، ورأى في تلك القلعة شاباً لا نبات بعارضه لكنه طويل زائد الطول.
فلما رأى سيف الملوك ذلك الشاب استأنس به، ولم يكن في تلك القلعة غير ذلك الشاب من البشر، ثم إن الشاب لما رأى سيف الملوك أعجبه غاية الإعجاب، فقال له: ما اسمك ومن أي البلاد أنت وكيف وصلت إلى هنا? فأخبرني بحديثك ولا تكتم شيئاً فقال له سيف الملوك: أنا والله ما وصلت إلى هنا بخاطري ولا كان هذا المكان مقصودي، وأنا ما أزال أسير من مكان إلى مكان آخر حتى أنال مطلوبي أو يكون سعيي إلى مكان فيه أجلي فأموت، ثم إن الشاب التفت إلى قرد وأشار إليه، فغاب القرد ساعة ثم أتى ومعه قرود مشددة الوسط بالفوط الحرير وقدموا السماط ووضعت عليه نحو مائة صحفة من الذهب والفضة وفيها من سائر الأطعمة وصارت القرود واقفة على عادة الأتباع بين يدي الملوك ثم أشار للحجاب بالقعود فقعدوا ووقف الذي عاته الخدم ثم أكلوا حتى اكتفوا، ثم رفعوا السماط وأتوا بطشوت وأباريق من الذهب فغسلوا أيديهم ثم جاؤوا بأواني الشراب نحو أربعين آنية فيها أنواع من الشراب فشربوا وتلذذوا وطربوا وطاب لهم وقتهم وجميع القرود يرقصون ويلعبون وقت اشتغال الآكلين بالأكل، فلما رأى سيف الملوك ذلك تعجب منهم ونسي ما جرى له من الشدائد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما رأى فعل القرود ورقصهم تعجب منهم ونسي ما جرى له من الغربة وشدائدها فلما كان الليل أوقدوا الشموع ووضعوها في الشمعدانات الذهبية والفضية، ثم أتوا بأواني النقل والفاكهة فأكلوا ولما جاء وقت النوم فرشوا لهم الفرش وناموا، فلما أصبح الصباح قام الشاب على عادته ونبه سيف الملوك وقال له: اخرج رأسك من الشباك وانظر إلى أي شيء هذا الواقف تحت الشباك فنظر فرأى قروداً قد ملأت الفلا الواسع والبرية كلها وما يعلم عدد القرود إلا الله تعالى فقال سيف الملوك هؤلاء قرود كثيرون قد ملأوا الفضاء ولأي شيء اجتمعوا في هذا الوقت فقال له الشاب: إن هذه عادتهم وجميع ما في الجزيرة قد أتى وبعضهم جاء من سفر يومين أو ثلاثة فإنهم يأتون في كل يوم سبت ويقفون هنا حتى أنتبه من منامي وأخرج رأسي من هذا الشباك فحين يبصرونني يقبلون الأرض بين يدي ثم ينصرفون إلى أشغالهم.وأخرج رأسه من الشباك حتى راوه فلما نظروه قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ثم إن سيف الملوك قعد عند الشاب مدة شهر كامل وبعد ذلك ودعه وسافر فأمر الشاب نفراً من القرود نحو المائة قرد بالسفر معه، فسافروا في خدمة سيفالملوك مدة سبعة أيام حتى أوصلوه إلى آخر جزائرها ثم ودعوه ورجعوا إلى أماكنهم وسافر سيف الملوك وحده في الجبال والتلال والبراري والقفار مدة أربعة أشهر يوماً يجوع ويوماً يشبع ويوماً يأكل الحشائش، ويوماً يأكل من ثمر الأشجار وصار يتندم على ما فعل بنفسه وعلى خروجه من عند ذلك الشاب وأراد أن يرجع إليه على أثره فرأى شبحاً أسود يلوح على بعد فقال في نفسه: هل هذه هي بلدة سوداء أم كيف الحال ولكن لا ارجع حتى أنظر أي شيء هذا الشبح.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 718
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 719
فلما قرب منه رآه قصراً عالي البنيان وكان الذي بناه يافج بن نوح عليه السلام وهو القصر الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز وبقوله وبئر معطلة وقصر مشيد. ثم إن سيف الملوك جلس على باب القصر وقال في نفسه: يا ترى ما شأن داخل هذا القصر ومن فيه من الملوك? فمن يخبرني بحقيقة الأمر وهل سكانه من الإنس أو من الجن? فقعد يتفكر ساعة زمانية ولم يجد أحداً بداخله ولا يخرج منه فقام يمشي وهو متوكل على الله تعالى حتى دخل القصر فوجد في طريقه سبعة دهاليز فلم ير أحد ونظر على يمينه ثلاثة أبواب وقدامه باب عليه ستارة مسبولة فتقدم إلى ذلك الباب ورفع الستارة بيده ومشى داخل الباب وإذا هو بإيوان كبير مفروش بالبسط الحرير وفي صدر ذلك الإيوان تخت من الذهب وعليه بنت جالسة وجهها مثل القمر، وعليها ملبوس الملوك وهي كالعروس في ليلة زفافها وتحت التخت اربعون سماطاً وعليها صحاف الذهب والفضة وكلها ملآنة بالأطعمة الفاخرة فلما رآها سيف الملوك أقبل عليها وسلم فردت عليه السلام وقالت له: هل أنت من الإنس أو من الجن? فقال: أنا من خيار الإنس وإني ملك ابن ملك فقالت له: وأي شيء تريد دونك وهذا الطعام وبعد ذلك حدثني بحديثك من أوله إلى آخره وكيف وصلت إلى هذا الموضع فجلس سيف الملوك على السماط، وكشف المكبة عن السفرة وكان جائعاً وأكل من تلك الصحاف حتى شبع، وغسل يديه وطلع على التخت وقعد عند البنت فقالت له: من أنت? وما اسمك? ومن أين جئت? ومن أوصك إلى هنا? فقال لها سيف الملوك: أما أنا فحديثي طويل، فقالت: قل لي: من أين وما سبب مجيئك إلى هنا وما مرادك? فقال لها: أخبريني أنت ما شأنك وما اسمك ومن جاء بك إلى هنا ولأي شيء أنت قاعدة في هذا المكان وحدك? فقالت البنت: أنا اسمي دولة خاتون بنت ملك الهند، وأبي ساكن في مدينة سرنديب ولبي بستان مليح كبير في بلاد الهند وأقطارها أحسن منه، فيه حوض كبير، فدخلت في ذلك البستان يوماً من الأيام مع جواري وتعريت أنا وجواري ونزلنا في ذلك الحوض وصرنا نلعب وننشرح فلم اشعر إلا وشيء مثل السحاب نزل علي وخطفني من بين الجواري وطار بي بين الأرض والسماء وهو يقول: دولة خاتون لاتخافي وكوني مطمئة القلب.
ثم طار بي مدة قليلة وبعد ذلك أنزلني في هذا القصر، ثم انقلب من وقته وساعته فإذا هو شاب مليح حسن الشباب نظيف الثياب، وقال لي: أتعرفينني? فقلت: لا يا سيدي، فقال: أنا ابن الملك الأزرق ملك الجان وأبي ساكن في قلعة القلزوم وتحت يده ستمائة ألف من الجن الطيارة والغواصين واتفق لي أني كنت عابراً في طريقي ومتوجهاً إلى حال سبيلي فرأيتك وعشقتك ونزلت عليك وخطفتك من بين الجواري وجئت بك إلى هذا القصر المشيد، وهو موضعي ومسكني، فلا أحد يصل إليه قط لا من الجن ولا من الإنس ومن الهند إلى هنا مسير مائة وعشرين سنة، فتحققي أنك لا تنظرين بلاد أبيك وأمك أبداً فاقعدي عندي في هذا المكان مطمئنة القلب والخاطر، وأنا أحضر بين يديك كل ما تطلبينه ثم بعد ذلك عانقني وقبلني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنت قالت لسيف الملوك: ثم إن ابن الجان بعد أن أخبرني عانقني وقبلني وقال لي: اقعدي هنا ولا تخافي من شيء ثم تركني وغاب عني ساعة وبعد ذلك أتى ومعه هذا السماط والفرش والبسط، ولكن لم يجيء إلا في كل يوم ثلاثاء وعند مجيئه يأكل ويشرب معي ويعانقني ويقبلني وأنا بنت بكر على الحالة التي خلقني الله عليها، ولم يفعل بي شيئاً وأبي اسمه تاج الملوك ولم يعلم أني بخير ولم يقع لي على اثر وهذا حديثي فحدثني أنت بحديثك، فقال لها سيف الملوك: إن حديثي طويل وأخاف أن أحدثك به يطول الوقت علينا فيجيء العفريت، فقالت له: إنه لم يسافر من عندي إلا قبل دخولك بساعة، ولا يأتي إلا في يوم الثلاثاء فاقعد واطمئن وطيب خاطرك وحدثني بما جرى لك من الأول إلى الآخر، فقال سيف الملوك سمعاً وطاعة ثم ابتدأ بحديثه حتى أكمله من الأول إلى الآخر فلما وصل إلى آخر حكاية بديعة الجمال تغرغرت عيناه بالدموع الغزار، وقالت: ما هو ظني فيك يا بديعة الجمال آه من الزمان يا بديعة الجمال، ما تذكرينني وتقولين أين راحت أختي دولة خاتونن ثم إنها زادت في البكاء وصارت تتأسف حيث لم تذكرها بديعة الجمال فقال لها سيف الملوك: يا دولة خاتون إنك إنسية وهي جنية فمن أين تكون هذه أختك? فقالت له: إنها أختي من الرضاع وسبب ذلك أن أمي نزلت تتفرج في البستان فجاءها الطلق، فولدتني في البستان وكانت أم بديعة الجمال في البستان هي وأعوانها، فجاءها الطلق فنزلت في طرف البستان وولدت بديعة الجمال، وأرسلت بعض جواريها إلى أمي تطلب منها طعاماً وحوائج الولادة فبعثت إليها أمي ما طلبته وعزمت عليها فقامت وأخذت بديعة الجمال وأتت إلى أمي فأرضعت أمي بديعة الجمال، ثم أقامت أمها وهي معها عندنا في البستان مدة شهرين، وبعد ذلك سافرت إلى بلادها وأعطت أمي حاجة وقالت لها: إذا احتجت إلي أجيئك في وسط البستان وكانت تأتي بديعة الجمال مع أمها في كل عام، ويقيمان عندنا مدة من الزمان ثم يرجعان إلى بلادهما فلو كنت أنا عند أمي يا سيف الملوك ونظرتك عندنا في بلادنا ونحن مجتمع شملنا مثل العادة كنت أتحيل عليها بحيلة حتى أوصلك إلى مرادك ولكن أنا في هذا المكان ولا يعرفون خبري، فلو عرفوا خبري وعلموا أني هنا كانوا قادرين على خلاصي من هذا المكان ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وأي شيء أعمل? فقال سيف الملوك: قومي وتعالي معي نهرب ونسير إلى حيث يريد الله تعالى فقالت له: لا نقدر على ذلك والله لو هربنا مسيرة سنة لجاء هذا الملعون في سرعة ويهلكنا فقال سيف الملوك: أنا أختفي في موضع وإذا جاز علي أضربه بالسيف فأقتله، فقالت له: ما تقدر أن تقتله إلا إن قتلت روحه، فقال لها سيف الملوك وروحه في أي مكان? فقالت: أنا سألته عنها مرات عديدة فلم يقر لي بمكانها، فاتفق أني ألححت عليه يوماً من الأيام، فاغتاظ مني وقال لي: كم تسألينني عن روحي ما سبب سؤالك عن روحي? فقلت له: يا حاتم أنا ما بقي لي أحد غيرك إلا الله وأنا مادمت بالحياة لم أزل معانقة لروحك وإن كنت أنا ما أحفظ لروحك وأحطها في وسط عيني فكيف تكون حياتي بعدك، وإذا عرفت روحك حفظتها مثل عيني اليمين فعند ذلك قال لي: حين ولدت أخبر المنجمون أن هلاك روحي يكون على يد أحد من أولاد الملوك الأنسية فأخذت روحي ووضعتها في حوصلة عصفور وحبست العصفور في حق ووضعت الحق في علبة ووضعت العلبة داخل سبع علب في سبع صناديق ووضعت الصناديق في طابق من رخام في جانب هذا البحر المحيط لأن هذا الجانب بعيد عن بلاد الإنس وما يقدر أحد من الإنس أن يصل إليه وها أنا قلت لك ولا تقولي لأحد على هذا فإنه سر بيني وبينك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما أخبرت سيف الملوك بروح الجني الذي خطفها وبينت له ما قاله الجني إلى أن قال لها: وهذا سر بيننا قالت: فقلت له: ومن أحدثه به وما يأتيني أحد غيرك حتى أقول له ثم قلت له: والله إنك جعلت روحك في حصن عظيم لا يصل إليه أحد، فكيف يصل إلى ذلك أحد من الإنس حتى لو فرض المحال وقدر الله مثل ما قال المنجمون فكيف يكون أحد من الإنس يصل إلى هذا? فقال: ربما كان أحد منهم في اصبعه خاتم سليمان بن داود عليه السلام، ويأتي إلى هنا ويضع يده بهذا الخاتم على وجه الماء ثم يقلو: بحق هذه الأسماء أن تطلع روح فلان فيطلع التابوت فيكسره والصناديق كذلك والعلب وخيرج العصفور من الحق ويخنقه فأموت أنا، فقال سيف الملوك: هو أنا ابن الملك وهذا خاتم سليمان بن داود عليه السلام في اصبعي، فقومي بنا إلى شاطئ البحر حتى نبصر هل كلامه هذا كذب أم صدق، فعند ذلك قام الاثنان ومشيا إلى أن وصلا إلى البحر ووقفت دولة خاتون على جانب البحر ودخل سيف الملوك في الماء إلى وسطه وقال: بحق ما في هذا الخاتم من الأسماء والطلاسم وبحق سليمان عليه الصلاة والسلام أن تخرج روح فلان ابن الملك الأزرق الجني فعند ذلك هاج البحر وطلع التابوت فأخذه سيف الملوك وضربه على الحجر فكسره وكسر الصناديق والعلب وأخرج العصفور من الحق وتوجها إلى القصر وطلعا فوق التخت وإذا بغبرة هائلة وشيء عظيم طائر وهو يقول: ابقني يا ابن الملك ولا تقتلني واجعلني عتيقك وأنا أبلغك مقصودك.
فقالت له دولة خاتون: قد جاء الجني فاقتل العصفور لئلا يدخل هذا الملعون القصر ويأخذه منك ويقتلك ويقتلني بعدك، فعند ذلك خنق العصفور فمات فوقع الجني على الأرض كوم رماد أسود، فقالت له دولة خاتون: قد تخلصنا من يد هذا الملعون وكيف نعمل? فقال سيف الملوك: المستعان بالله تعالى الذي بلانا فإنه يدبرنا ويعيننا على خلاصنا مما نحن فيه، ثم قام سيف الملوك وقلع من أبواب القصر نحو عشرة أبواب، وكانت تلك الأبواب من الصندل والعود ومساميرها من الذهب والفضة ثم أخذا حبالاً كانت هناك من الحرير والابرسيم وربطا الأبواب بعضها في بعض وتعاون هو ودولة خاتون إلى أن وصلا بها إلى البحر ورمياها فيه بعد أن صارت فلكاً وربطوه على الشاطئ ثم رجعا إلى القصر وحملا الصحاف الذهب والفضة وكذلك الجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة ونقلا جميع ما في القصر من الذي خف حمله وغلا ثمنه وحطاه في ذلك الفلك وركبا فيه متوكلين على الله تعالى الذي من توكل عليه كفاه ولا يخيبه وعملا لهما خشبتين على هيئة المجاذيف ثم حلا الحبال وتركا الفلك يجري بهما في البحر ولم يزالا سائرين على تلك الحالة مدة أربعة أشهر حتى فرغ منهما الزاد واشتد عليهما الكرب وضاقت أنفسهما، فطلبا من الله أن يرزقهما النجاة مما هما فيه وكان سيف الملوك في مدة سيرهم إذا نام يجعل دولة خاتون خلف ظهره فإذا انقلب كان السيف بينهما، فبينما هما على تلك الحالة ليلة من الليالي فاتفق أن سيف الملوك كان نائماً ودولة خاتون يقظانة وإذا بالفلك مال إلى طرف البر وجاء إلى الميناء وفي تلك الميناء مراكب فنظرت دولة خاتون المراكب وسمعت رجلاً يتحدث مع رئيس الرؤوساء وكبيرهم. فلما سمعت دولة خاتون صوت الرئيس علمت أن هذا البر ميناء مدينة من المدن وأنهما وصلا إلى العمار ففرحت فرحاً شديداً ونبهت سيف الملوك من النوم وقالت له: قم واسأل هذا الريس عن اسم هذه المدينة وعن هذا الميناء فقام سيف الملوك وهو فرحان وقال له: يا أخي ما اسم هذه المدينة? وما يقال لهذا الميناء وما اسم ملكها? فقال له الريس: يا صاقع الوجه يا بارد اللحية إذا كنت لا تعرف الميناء ولا هذه المدينة فكيف جئت إلى هنا? فقال سيف الملوك: أنا غريب وقد كنت في سفينة من سفن التجار فانكسرت وغرقت بجميع من فيها وطلعت على لوح فوصلت إلى هنا فسألتك والسؤال ما هو عيب فقال الريس: هذه مدينة عمارية وهذا الميناء يسمى ميناء كمين البحرين، فلما سمعت دولة خاتون هذا الكلام فرحت فرحاً شديداً وقالت: الحمد لله، فقال سيف الملوك: ما الخبر? فقالت: يا سيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 721
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 722
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما قالت لسيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي واسمه عالي الملوك ثم قالت له: اسأله وقل له: هل سلطان هذه المدينة عالي الملوك طيب فسأله عن ذلك فقال له الريس وهو مغتاظ منه: ألست تقول عمري ما جئت إلى هنا وإنما أنا رجل غريب فمن عرفك باسم صاحب هذه المدينة? ففرحت دولة خاتون وعرفت الريس وكان اسمه معين الدين وهو من رؤوساء أبيها وإنما خرج ليفتش عليها حين فقدت فلم يجدها ولم يزل دائراً حتى وصل إلى مدينة عمها ثم قالت لسيف الملوك: قل له: يا ريس معين الدين تعال كلم سيدتك فناداه بما قالته له فلما سمع الريس كلام سيف الملوك اغتاظ غيظاً شديداً وقال له: يا كلب من أنت وكيف عرفتني? ثم قال لبعض البحرية ناولوني عصاً من الشوم حتى أروح إلى هذا النحس وأكسر رأسه فأخذ العصا وتوجه إلى سيف الملوك فرأى الفلك ورأى فيه شيئاً عجيباً بهيجاً فاندهش عقله، ثم تأمل وحقق النظر فرأى دولة خاتون وهي جالسة مثل فلقة القمر، فقال له الريس: ما الذي عندك? فقال له: عندي بنت تسمى دولة خاتون.
فلما سمع الريس هذا الكلام وقع مغشياً عليه حين سمع باسمها وعرف أنها سيدته وبنت ملكه، فلما أفاق ترك الفلك وما فيه وتوجه إلى المدينة وطلع قصر الملك فاستأذن عليه فدخل الحاجب إلى الملك وقال: إن الريس معين جاء إليك ليبشرك فأذن له بالدخول فدخل على الملك وقبل الأرض بين يديه وقال: يا ملك عندك البشارة فإن بنت أخيك دولة خاتون وصلت إلى المدينة طيبة بخير وهي في الفلك وصحبتها شاب مثل القمر ليلة تمامه.
فلما سمع الملك خبر بنت أخيه فرح وخلع على الريس خلعة سنية وأمر من ساعته أن يزينوا المدينة لسلامة بنت أخيه وأرسل إليها وأحضرها عنده هي وسيف الملوك وسلم عليهما وهنأهما بالسلامة ثم إنه أرسل إلى أخيه ليعلمه أن ابنته وجدت وهي عنده، ثم إنه لما وصل إليه الرسول تجهز واجتمعت العساكر وسافر تاج الملوك أبو دولة خاتون حتى وصل إلى أخيه عالي الملوك واجتمع ببنته دولة خاتون وفرحوا فرحاً شديداً وقعد تاج الملوك عند أخيه جمعة من الزمان ثم إنه أخذ بنته وكذلك سيف الملوك وسافروا حتى وصلوا إلى سراديب بلاد ابيها واجتمعت دولة خاتون بأمها وفرحوا بسلامتها واقاموا الأفراح وكان ذلك يوماً عظيماً لا يرى مثله، وأما الملك فإنه أكرم سيف الملوك وقال له: يا سيف الملوك إنك فعلت معي ومع ابنتي هذا الخير كله وأنا لا أقدر أن أكافئك عليه وما يكافئك إلا رب العالمين، ولكن أريد منك أن تقعد على التخت في موضعي وتحكم في بلاد الهند فإني قد وهبت ملكي وتختي وخزانتي وخدامي وجميع ذلك يكون هبة مني لك، فعند ذلك قام سيف الملوك وقبل الأرض بين يدي الملك وشكره وقال: يا ملك الزمان قبلت جميع ما وهبته لي وهو مردود مني إليك هدية أيضاً، وأنا يا ملك الزمان ما أريد مملكة ولا سلطنة وما أريد إلا أن الله تعالى يبلغني مقصودي.
فقال له الملك هذه خزائني بين يديك يا سيف الملوك مهما طلبته منها خذه ولا تشاورني فيه وجزاك عني خيراً، فقال سيف الملوك أعز الله الملك لا حظ في الملك ولا في المال حتى أبلغ مرادي ولكن غرضي الآن أن أتفرج في هذه المدينة وأنظر شوارعها وأسواقها، فأمر تاج الملوك أن يحضروا له فرساً من جياد الخيل فأحضروا له فرساً مسرجاً ملجماً من جياد الخيل فركبها وطلع إلى السوق وشق في شوارع المدينة فبينما هو ينظر يميناً وشمالاً إذ رأى شاباً ومعه قباء وهو ينادي عليه بخمسة عشر ديناراً، فتأمله فوجده يشبه أخاه ساعداً وفي نفس الأمر هو بعينه، إلا أنه تغير لونه وحاله من طول الغربة ومشقات السفر ولم يعرفه ثم قال لمن حوله هاتوا هذا الشاب لأستخبره فأتوا به إليه.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 722
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 723
فقال خذوه وأوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه وخلوه عندكم إلى أن أرجع من الفرجة، فظنوا أنه قال لهم خذوه وأوصلوه إلى السجن وقالوا لعل هذا مملوك من مماليكه هرب منه فأخذوه وأوصلوه إلى السجن وقيدوه وتركوه قاعداً، فرجع سيف الملوك من الفرجة وطلع القصر ونسي أخاه ساعداً ولم يذكره له أحد فصار ساعداً في السجن، ولما خرجوا بالأسرى إلى أشغال العمارات أخذوا ساعداً معهم وصار يشتغل مع الأسرى وكثر عليه الوسخ ومكث ساعداً على هذه الحالة مدة شهر وهو يتذكر في أحواله ويقول في نفسه ما سبب سجني وقد اشتغل سيف الملوك بما هو فيه من السرور وغيره فاتفق أن سيف الملوك جلس يوماً من الأيام وتذكر ساعداً فقال المماليك الذين كانوا معه أين المملوك الذي كان معكم في اليوم الفلاني فقالوا أما قلت لنا أوصلوه إلى السجن، فقال سيف الملوك أنا ما قلت لكم هذا الكلام وإنما قلت لكم أوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه ثم إنها أرسل الحجاب إلى ساعد فأتوا به وهو مقيد ففكوه من قيده وأوقفوا بين يدي سيف الملوك فقال له يا شاب من أي بلاد أنت فقال له أنا من مصر واسمي ساعد بن الوزير فارس.
فلما سمع سيف الملوك كلامه نهض من فوق التخت وألقى نفسه عليه وتعلق برقبته ومن فرحه صار يبكي بكاء شديداً وقال يا أخي الحمد لله حيث عشت ورأيتك فأنا أخوك سيف الملوك بن الملك عاصم فلما سمع أخيه كلامه وعرفه تعانقا مع بعضهما وتباكيا، فتعجب الحاضرون منهما ثم أمر سيف الملوك أن يأخذوا ساعداً ويذهبوا به إلى الحمام، وعند خروجه من الحمام ألبسوه ثياباً فاخرة وأتوا به إلى مجلس سيف الملوك فأجلسه معه على التخت ولما علم ذلك تاج الملوك فرح فرحاً شديداً باجتماع سيف الملوك وأخيه ساعد وحضر وجلس الثلاثة يتحدثون فيما جرى لهم من الأول إلى الآخر، ثم إن ساعداً قال يا أخي يا سيف الملوك لما غرقت المركب وغرقت المماليك طلعت أنا وجماعة من المماليك على لوح خشب وسار بنا في البحر مدة شهر كامل ثم بعد ذلك رمانا الريح بقدرة الله تعالى على جزيرة فطلعنا ونحن جياع فدخلنا بين الأشجار وأكلنا من الفواكه واشتغلنا بالأكل، فلم نشعر إلا وقد خرج علينا أقوام مثل العفاريت، فوثبوا علينا وركبوا فوق أكتافنا وكانوا نحو المائتين فقلنا لبعضنا ما يكفي هؤلاء أن يركبونا حتى يأكلونا أيضاً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولكن نحن نقوي عليهم السكر، ثم نقتلهم ونستريح منهم ونخلص من أيديهم، فنبهناهم وصرنا نملأ لهم تلك الجماجم ونسقيهم فيقولون هذا مر فقلنا لهم لأي شيء تقولون هو مر، وكل من قد قال ذلك إن لم يشرب منه عشر مارت فإنه يموت من يومه فخافوا من الموت وقالوا لنا اسقونا تمام العشر مرات، فلما شربوا العشر مرات سكروا وزاد عليهم السكر وهمدت قوتهم فجررناهم من أيديهم، ثم إننا جمعنا من حطب تلك الكروم شيئاً كثيراً وجعلنا حولهم وفوقهم وأوقدنا النار في الحطب ووقفنا من بعيد ننظر ما يكون منهم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما أوقدت النار في الحطب أنا ومن معي من المماليك وصارت الغيلان في وسطها، وقفنا من بعيد لننظر ما يكون منهم ثم قدمنا إليهم بعد أن خمدت النار فرأيناهم صاروا كوم رماد فحمدنا الله تعالى الذي خلصنا منهم وخرجنا من تلك الجزيرة وطلبنا ساحل البحر، ثم افترقنا عن بعضنا فأما أنا واثنان من المماليك فمشينا حتى وصلنا إلى غابة كثيرة الأشجار فاشتغلنا بالأكل، وإذا بشخص طويل القامة طويل اللحية طويل الأذنين بعينين كأنهما مشعلان وقدامه غنم كثيرة يرعاها وعنده جماعة أخرى في كيفيته.
فلما رآنا استبشر وفرح ورحب بنا وقال أهلاً وسهلاً، تعالوا عندي حتى أذبح لكم شاة من هذه الأغنام وأشويها وأطعمكم فقلنا له وأين موضعك فقال قريب ن هذا الجبل، فاذهبوا إلى هذه الجهة حتى تروا مغرة فادخلوا فإن فيها ضيوفاً كثيرين مثلكم، فروحوا واقعدوا حتى نجهز لكم الضيافة فاعتقدنا أن كلامه حق فسرنا إلى تلك الجهة ودخلنا تلك المغارة، فرأينا الضيوف التي فيها كلهم عمياناً، فحين دخلنا عليهم قال واحد منهم أنا مريض وقا الآخر أنا ضعيف، فقلنا لهم أي شيء هذا القول الذي تقولونه? وما سبب ضعفكم ومرضكم فقالوا لنا من أنتم فقلنا لهم نحن ضيوف، قالوا لنا ما الذي أوقعكم في يد هذا الملعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا غول يأكل بني آدم وقد أعمانا ويريد أن يأكلنا، فقلنا لهم كيف أعماكم هذا الغول فقالوا لنا: في هذا الوقت يعميكم مثلنا، فقلنا لهم وكيف يعمينا فقالوا لنا إنه يأتيكما بأقداح من اللبن ويقول لكم: أنتم تعبتم من السفر فخذوا هذا اللبن واشربوا فحين تشربوا منه تصيروا مثلنا، فقلت في نفسي ما بقي لنا خلاص إلا بحيلة فحفرت حفرة في الأرض وجلست عليها، ثم بعد ساعة دخل الملعون الغول علينا ومعه أقداح من اللبن، فناولني قدحاً وناول من معي كل واحد قدحاً وقال لنا أنتم جئتم من البر عطاشاً فخذوا هذا اللبن واشربوا منه حتى أشوي لكم اللحم، فأما أنا فأخذت القدح وقربته من فمي ودلقته في الحفرة وصحت آه قد راحت عيني وعميت وأمسكت عيني بيدي وصرت أبكي وأصيح وهو يضحك ويقول لا تخف وأما الاثنان رففقاي فإنهما شربا اللبن فعميا فقام الملعون من وقته وساعته وهو يسعى خلفي، فقلت للعميان الذين عنده: كيف العمل مع هذا الملعون? فقال واحد منهم يا ساعد انهض واصعد إلى هذه الطاقة تجد فيها سيفاً صقيلاً فخذه وتعال عندي حتى أقول لك كيف تعمل فصعدت إلى الطاقة وأخذت السيف، وأتيت عند ذلك الرجل فقال خذه واضربه في وسطه فإنه يموت في الحال، فقمت وجريت خلفه وقد تعب من الجري فجاء إلى العميان ليقتلهم، فجئت إليه وضربته بالسيف في وسطه فصار نصفين، فصاح علي وقال لي يا رجل حيث أردت قتلي فاضربني ضربة ثانة فهممت أن أضربه ضربة ثانية، فقال الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثلاثون بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما ضربت الغول بالسيف قال لي يا رجل حيث ضربتني وأردت قتلي فاضربني ضربة ثانية، فهممت أن اضربه، فقال لي الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا فامتثلت أمر ذلك الرجل ولم أضربه، فمات الملعون فقال لي الرجل، قم افتح المغارة ودعنا نخرج منها لعل الله يساعدنا ونستريح من هذا الموضع فقلت له ما بقي علينا ضرر، ثم إننا تزودنا من الجزيرة بشيء من الفواكه التي فيها، ثم نزلنا المركب وسار بنا في ريح طيبة مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك سارت علينا ريح وازداد ظلام الجو، فما كان غير ساعة واحدة حتى جذبت الريح المركب في جبل فانكسر وتمزقت ألواحه فقد الله العظيم أني تعلقت بلوح منه فركبته فسار بي يومين، وقد أتت بي ريح طيبة فسرت فوق اللوح أقذف برجلي ساعة زمانية حتى أوصلني الله تعالى إلى البر بالسلامة فطلعت إلى هذه المدينة وقد صرت غريباً فريداً وحيداً لا أدري ما أصنع وقد أضرني الجوع وحصل لي الجهد الأكبر، فأتيت إلى سوق المدينة وقد تواريت وقلعت القباء وقلت في نفسي أبيعه وآكل بثمنه حتى يقضي الله ما هو قاض ثم إني يا أخي أخذت القباء في يدي والناس ينظرونه ويتزايدون في ثمنه حتى أتيت أنت ونظرتني وأمرت بي إلى القصر فأخذني الغلمان وسجنوني ثم إنك تذكرتني بعد هذه المدة فأحضرتني عندك وقد أخبرتك بما جرى لي والحمد لله على الاجتماع.
فلما سمع سيف الملوك، وتاج الملوك أبي دولة خاتون حديث الوزير ساعد تعجبا من ذلك عجباً شديداً وقد أعد تاج الملوك أبو دولة خاتون مكاناً مليحاً لسيف الملوك وأخيه وصارت دولة خاتون تأتي لسيف الملوك وتتحدث معه وتشكره على إحسانه فقال الوزير ساعد: أيتها الملكة المراد منك المساعدة على بلوغ غرضه، فقالت نعم أسعى في مراده حتى يبلغ مراده إن شاء الله تعالى ثم التفت إلى سيف الملوك وقالت له طب نفساً وقر عيناً. هذا ما كان من أمر سيف الملوك ووزيره ساعد.
وأما ما كان من أمر الملكة بديعة الجمال، فإنها وصلت إليها الأخبار برجوع أختها دولة خاتون إلى أبيها ومملكتها فقالت لابد من زيارتها والسلام عليها في زينة بهية وحلي وحلل فتوجهت إليها، فلما قربت من مكانها قابلتها الملكة دولة خاتون وسلمت عليها، وعانقتها وقبلتها بين عينيها وهنتها الملكة بديعة الجمال باسلامة ثم جلستا تتحدثان، فقالت بديعة الجمال لدولة خاتون أي شيء جرى لك في الغربة، فقالت دولة خاتون يا أختي لا تسأليني جرى لي من الأمور يا ما تقاسي الخلائق من الشدائد فقالت لها بديعة الجمال وكيف ذلك? قالت: يا أختي إني كنت في القصر المشيد وقد احتوى على فيه ابن الملك الأزرق ثم حدثنا ببقية الحديث من أوله إلى آخره وحديث سيف الملوك وما جرى له في القصر وما قاسى من الشدائد والأهوال حتى وصل إلى القصر المشيد وكيف قتل ابن الملك الأزرق، وكيف قلع الأبواب وجعلها فلكاً لها مجاذف وكيف دخل إلى ههنا فتعجبت بديعة الجمال ثم قالت: والله يا أختي إن هذا من أغرب الغرائب فقالت دولة خاتون: أريد أن أخبرك بأصل حكايته لكن يمنعني الحياء من ذلك فقالت لها بديعة الجمال: ما سبب الحياء وأنت أختي ورفيقتي وبيني وبينك شيء كثير، وأنا أعرف أنك ما تطلبين إلا الخير فمن أي شيء تستحين مني فأخبريني بما عندك ولا تستحي مني ولا تخفي عني شيئاً من ذلك، فقالت لها دولة خاتون: إن صورتك في القباء الذي ارسله أبوك إلى سليمان بن داود عليه السلام، فلم يفتحه ولم ينظر ما فيه بل أرسله إلى الملك عاصم بن صفوان ملك مصر في جملة الهدايا والتحف التي أرسلها إليه والملك عاصم أعطاه لولده سيف الملوك قبل أن يفتحه، فلما أخذه سيف الملوك فتحه وأراد أن يلبسه رأى فيه صورتك فعشقها وخرج في طلبك وقاسى هذه الشدائد كلها من أجلك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون أخبرت بديعة الجمال بأصل محبة سيف الملوك لها وعشقه إياها، وإن سببها القباء الذي فيه صورتها وحين عاين الصورة خرج من ملكه هائماً وغاب عن أهله من أجلها وقالت لها: إنه قاسى من الأهوال ما قاساه من أجلك، فقالت بديعة الجمال وقد احمر وجهها وخجلت من دولة خاتون: إن هذا شيء لا يكون أبداً، فإن الإنس لا يتفقون مع الجان فصارت دولة خاتون تصف لها سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ولم تزل تثني عليه وتذكر لها حتى قالت: يا أختي لأجل الله تعالى ولأجلي تحدثي معه ولو كلمة واحدة، فقالت بديعة الجمال: إن هذا الكلام الذي تقولينه لا أسمعه ولا أطيعك فيه وكأنها لم تسمع منها شيئاً ولم يقع في قلبها شيء من محبة سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ثم إن دولة خاتون صارت تتضرع لها وتقبل رجليها وتقول: يا بديعة الجمال بحق اللبن الذي رضعناه أنا وأنت وبحق النقش الذي على خاتم سليمان عليه السلام أن تسمعي كلامي هذا فإني تكفلت له في القصر المشيد بأني أريه وجهك فبالله عليك أن تريه صورتك مرة واحدة لأجل خاطري وأنت الأخرى تنظرينه وصارت تبكي لها وتتضرع إليها وتقبل يديها ورجليها حتى رضيت وقالت: لأجلك أريه وجهي مرة واحدة، فعند ذلك طاب قلب دولة خاتون وقبلت يديها ورجليها وخرجت وجاءت إلى القصر الأكبر الذي في البستان وأمرت الجواري أن يفرشنه وينصبن فيه تختاً من الذهب، ويجعلن أواني الشراب مصفوفة، ثم إن دولة خاتون قامت ودخلت على سيف الملوك وساعد وزيره وهما جلسان في مكانيهما وبشرت سيف الملوك ببلوغ اربه وحصول مراده وقالت له: توجه إلى البستان أنت وأخوك وادخلا القصر واختفيا عن أعين الناس بحيث لا ينظركما أحد ممن في القصر حتى أجيء أنا وبديعة الجمال.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 725
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 726
فقام سيف الملوك وساعد وتوجها إلى المكان الذي دلتهما عليه دولة خاتون فلما دخلاه رأيا تختاً من الذهب منصوباً وعليه الوسائد وهناك الطعام والشراب فجلسا ساعة من الزمان، ثم إن سيف الملوك تذكر معشوقته فضاق صدره وهاج عليه الشوق والغرام، فقام ومشى حتى خرج من دهليز القصر فتبعه أخوه ساعد فقال له: يا أخي اقعد أنت مكانك ولا تتبعني حتى أجيء إليك، فقعد ساعد ونزل سيف الملوك ودخل البستان وهو سكران من خمر الغرام وحيران من فرط العشق والهيام وقد هزه الشوق وغلب عليه الوجد.
ثم اجتمع سيف الملوك وساعد أخوه وصارا يتفرجان في البستان ويأكلان من الفواكه. هذا ما كان من امر ساعد وسيف الملوك، وأما ما كان من أمر دولة خاتون فإنها لما أتت هي وبديعة الجمال إلى القصر دخلتا فيه بعد أن أتحفته الخدام بأنواع الزينة وفعلوا فيه جميع ما أمرتهم به دولة خاتون وقد أعدوا لبديع الجمال تختاً من الذهب لتجلس عليه، فلما رأت بديعة الجمال ذلك التخت جلست عليه وكان بجانبها طاقة تشرف على البستان وقدا أتت الخدام بأنواع الطعام الفاخرة فأكلت بديعة الجمال هي ودولة خاتون وصارت دولة خاتون تلقمها حتى اكتفت ثم دعت بأنواع الحلويات فأحضرتها الخدام وأكلتا منها بحسب الكفاية وغسلتا أيديهما، ثم إنها هيأت الشراب وآلات المدام وصفت الأباريق والكاسات وصارت دولة خاتون تملأ وتسقي بديعة الجمال ثم تملأ الكأس وتشرب هي ثم إن بديعة الجمال نظرت من الطاقة التي بجانبها إلى ذلك البستان ورأت ما فيه من الأثمار والأغصان، فلاحت منها التفاتة إلى جهة سيف الملوك ينشد الأشعار وهو يذري الدموع الغزار، فلما نظرته نظرة أعقبتها تلك النظرة ألف حسرة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما رأت سيف الملوك وهو دائر في البستان نظرته نظرة أعقبتها ألف حسرة فالتفتت إلى دولة خاتون وقد لعب الخمر بأعطافها وقالت لها يا أختي من هذا الشاب الذي أراه في البستان وهو حائر ولهان كئيب فقالت لها دولة خاتون هل تأذنين في حضوره عندنا حتى نراه قالت لها إن أمكنك أن تحضريه فاحضريه فعند ذلك نادته دولة خاتون وقالت له يا ابن الملك اصعد إلينا واقدم بحسنك وجمالك علينا فعرف سيف الملوك صوت دولة خاتون فصعد إلى القصر، فلما وقع نظره على بديعة الجمال خر مغشياً عليه، فرشت عليه دولة خاتون قليلاً من ماء الورد فأفاق من غشيته ثم نهض وقبل الأرض قدام بديعة الجمال فبهتت من حسنه وجماله وقالت دولة خاتون: اعلمي أيتها الملكة أن هذا سيف الملوك الذي كانت نجاتي بقدرة الله على يديه وهو الذي جرى عليه كامل المشقات من أجلك وقصدي أن تشمليه بنظرك، فقامت بديعة الجمال وقد ضحكت وقالت من بقي بالعهود حتى بقي بها هذا الشاب لأن الانس ليس لهم مودة فقال سيف الملوك أيتها الملكة إن عدم الوفاء لا يكون عندي أبداً وما كل الخلق سواء.
فقالت له بديعة الجمال يا ابن الملك إني أخاف أن أقبل عليك بالكلية فلا أجد منك ألفة ولا محبة فإن الانس ربما كان خيرهم قليلاً وغدرهم جليلاً واعلم أن السيد سليمان بن داود عليهما السلام أخذ بلقيس بالمحبة، فلما رأى غيرها أحسن منها أعرض عنها فقال لها سيف الملوك يا عيني ويا روحي ما خلق الله كل الانس سواء وأنا إن شاء الله أفي بالعهد وأموت تحت أقدامك وسوف تبصرين ما أفعل موافقاً لما أقول والله على ما أقول وكيل، فقالت له بديعة الجمال اقعد واطمئن واحلف لي على قدر دينك ونتعاهد على أننا لا نخون بعضنا ومن خان صاحبه ينتقم الله تعالى منه فلما سمع سيف الملوك منها ذلك الكلام قعد ووضع كل منهما يده في يد صاحبه وتحالفا أن كلاً منهما لا يختار على احبه أحد من الانس ولا من الجن ثم إنهما تعانقا ساعة زمانية وتباكيا من شدة فرحهما.
وبعد أن تحالفت بديعة الجمال هي وسيف الملوك قام سيف الملوك يمشي وقامت بديعة الجمال تمشي أيضاً ومعها جاريتها حالمة شيئاً من الأكل وقنينة ملآنة خمراً ثم قعدت بديعة الجمال ووضعت الجارية بين يديها الأكل والمدام فلم تمكثها غير ساعة إلا وسيف الملوك قد أقبل فلاقته بالسلام وتعانقا وقعدا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 726
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 727
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما أحضرت الطعام والشراب وجاء سيف الملوك فلاقته بالسلامة ثم قعدا يأكلان ويشربان مدة ساعة، فقالت بديعة الجمال يا ابن الملك إذا دخلت بستان ارم ترى خيمة كبيرة منصوبة وهي من أطلس أحمر وبطانتها من حرير أخضر فادخل الخيمة وقو قلبك فإنك ترى عجوزاً جالسة على تخت من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجواهر فإذا دخلت فسلم عليها بأدب واحتشام وانظر إلى جهة التخت تجد تحته نعالاً منسوجة بقضبان الذهب مزركشة بالمعادن فخذ تلك النعل وقبلها وضعها على رأسك، ثم حطها تحت إبطك اليمين وقف قدام العجوز وأنت ساكت مطرق الرأس فإذا سألتك وقالت لك من أين جئت، وكيف وصلت إلى هنا ومن عرفك هذا المكان? ومن شأن أي شيء أخذت هذه النعال فاسكت أنت حتى تدخل جاريتي هذه، وتتحدث معها وتستعطفها عليك وتسترضي خاطرها بالكلام، لعل الله تعالى يعطف قلبها عليك وتجيبك ما تريد، ثم إنها نادت الجارية وكان اسمها مرجانة وقالت لها بحق محبتي أن تقضي هذه الحاجة في هذا اليوم ولا تتهاوني في قضيتها في هذا اليوم فأنت حرة لوجه الله تعالى، ولك الإكرام ولا يكون عندي أعز منك ولا أظهر سري إلا عليك، فقالت يا سيدتي ونور عيني قولي لي ما حاجتك حتى أقضيها لك على رأسي وعيني، فقالت لها أن تجعلي هذا الأنسي على أكتافك وتوصليه إلى بستان ارم عند جدتي أم أبي، وتوصليه إلى خيمتها وتحتفظي عليه، وإذا دخلت الخيمة أنت وإياه ورأيته أخذ النعال وخدمها وقالت له من أين أنت ومن أي طريق أتيت ومن أوصلك إلى هذا المكان، ومن أي شيء أخذت هذه النعال وأي شيء حاجتك حتى أقضيها لك، فعند ذلك ادخلي بسرعة وسلمي عليها وقولي لها، يا سيدتي أنا التي جئت به هنا وهو ابن ملك مصر وهو الذي راح إلى القصر المشيد وقتل ابن الملك الأزرق وخلص الملكة دولة خاتون وأوصلها إلى أبيها سالمة، وقد أوصلته إليك لأجل أن يخبرك ويبشرك بسلامتها فتنعمي عليه، ثم بعد ذلك قولي لها بالله عليك يا سيدتي أما هذا الشاب مليح يا سيدتي فتقول نعم فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إ،ه كامل العرض والمروءة والشجاعة وهو صاحب مصر وملكها، وقد حوى سائر الخصال الحميدة فإذا قالت لك أي شيء حاجته فقولي لها سيدتي تسلم عليك، وتقول لك إلى متى هي قاعدة في البيت عازبة بلا زواج فقد طالت عليها المدة فما مرادكم بعدم زواجها ولأي شيء ما تزوجينها في حياتك وحياة أمها مثل البنات فإذا قالت لك وكيف نعمل في زواجها فإن كانت هي تعرف أحداً ووقع في خاطرها أحد تخبرنا عنه، ونحن نعمل لها على مرادها على غاية ما يمكن.
فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إن ابنتك تقول لك إنكم كنتم تريدون تزويجي بسليمان عليه السلام وصورتم له صورتي في القباء، فلم يكن له نصيب في وقد أرسله إلى ملك مصر فأعطاه لولده فرأى صورتي منقوشة فيه، فعشقني وترك ملك أبيه وأمه وأعرض عن الدنيا وما فيها، وخرج هاجعاً في الدنيا على وجهه وقاسى أكبر الشدائد والأهوال من أجلي.
ثم إن الجارية حملت سيف الملوك وقالت له غمض عينيك ففعل، فطارت به إلى الجو ثم بعد ساعة قالت يا ابن الملك افتح عينيك ففتح فنظر البستان وهو بستان ارم، فقالت له مرجانة ادخل يا سيف الملوك هذه الخيمة فذكر الله ودخل ومد عينيه بالنظر في البستان فرأى العجوز قاعدة على التخت وفي خدمتها الجواري فقرب منها بأدب واحتشام وأخذ النعال وقبلها وفعل ما وصفته له بديعة الجمال، فقالت له العجوز من أنت ومن أين جئت ومن أين أقبلت ومن أي البلاد أنت ومن جاء بك إلى هذا المكان ولأي شيء أخذت هذه النعال وقبلتها ومتى قلت لي حاجة ولم أقضها لك، فعند ذلك دخلت الجارية مرجانة وسلمت عليها بأدب واحتشام، ثم تحدثت جارية بديعة الجمال الذي قالته لها، فلما سمعت العجوز هذا الكلام صرخت عليها واغتاظت منها وقالت من أين يحصل بين الإنس والجن اتفاق.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 727
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 728
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سمعت الكلام من الجارية اغتاظت وقالت من أين للانس مع الجن اتفاق، فقال سيف الملوك أنا أتفق معها وأكون غلامها وأموت على حبها وأحفظ عهدها ولا أنظر غيرها وسوف تنظرين صدقي وعدم كذبي وحسن مروءتي معها إن شاء الله تعالى، ثم إن العجوز تفكرت ساعة زمانية وهي مطرقة رأسها، ثم رفعت رأسها وقالت أيها الشاب هل تحفظ العهد والميثاق فقال لها نعم وحق من رفع السماء وبسط الأرض على الماء إني أحفظ العهد فعند ذلك قالت العجوز أنا أقضي لك حاجتك إن شاء الله تعالى ولكن رح في هذه الساعة إلى البستان وتفرج فيه وكل من الفواكه التي لا نظير لها ولا في الدنيا مثلها، حتى أبعث إلى ولدي شهيال فيحضر وأتحدث معه في شأن ذلك وأزوجك بنته بديعة الجمال، فطب نفساً فإنها تكون زوجة لك يا سيف الملوك، فلما سمع منها ذلك الكلام شكرها وقبل يديها ورجليها وخرج من عندها متوجهاً إلى البستان، وأما العجوز فإنها التفتت إلى تلك الجارية وقالت لها اطلعي فتمشي على ولدي شهيال وانظريه في أي الأقطار والأماكن وأحضريه عندي فراحت الجارية وفتشت على الملك شهيال فاجتمعت به وأحضرت عند أمه هذا ما كان من أمرها.
وأما ما كان من أمر سيف الملوك فإنه صار يتفرج في البستان، وإذا بخمسة من الجن وهم من قوم الملك الأزرق قد نظروه، فقالوا من أين هذا ومن جاء به إلى هذا المكان ولعله الذي قتل ابن الملك الأزرق، ثم قالوا لبعضهم إننا نحتال عليه بحيلة ونسأله ونستخبر منه، ثم صاروا يتمشون قليلاً قليلاً إلى أن وصلوا إلى سيف الملوك في طرف البستان، وقعدوا عنده وقالوا له أيها الشاب المليح ما قصرت في قتل ابن الملك الأزرق وخلاص دولة خاتون منه فإنه كلب غدار قد مكر بها ولولا أن قيضك لها ما خلصت أبداً وكيف قتلته فنظر إليهم سف الملوك وقال لهم قد قتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي فثبت عندهم أنه هو الذي قتله فقبض اثنان على يديه واثنان على رجليه والآخر على فمه حتى لا يصيح فيسمعه قوم الملك شهيال فينقذونه من أيديهم، ثم إنهم حملوه وطاروا به، ولم يزالوا طائرين حتى نزلوا عند ملكهم وأوقفوه بين يديه وقالوا يا ملك الزمان قد جئناك بقاتل ولدك، فقال وأين هو قالوا هذا فقال له الملك الأزرق هل قتلت ولدي وحشاشة كبدي ونور بصري بغير حق وبغير ذنب فعله معك فقال له سيف الملوك نعم أنا قتلته ولكن لظلمه وعدوانه لأنه كان يأخذ أولاد الملوك ويذهب بهم إلى بئر المعطلة والقصر المشيد ويفرق بينهم وبين أهليهم ويفسق فيهم، وقتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فثبت عند الملك الأزرق أن هذا هو قاتل ولده بلاشك، فعند ذلك دعا وزيره وقال له هذا قاتل ولدي ولا محالة من غير شك فماذا تشير في أمره فهل أقتله اقبح قتلة وأعذبه أصعب عذاب أو كيف أعمل فقال الوزير الأكبر اقطع منه عضواً، وقال آخر اضربه كل يوم ضرباً شديداً، وقال آخر اقطعوا وسطه، وقال آخر اقطعوا أصابعه جميعاً واحرقوها بالنار، وقال آخر اصلبوه، وصار كل واحد منهم يتكلم بحسب رأيه، وكان عبد الملك الأزرق أمير كبي له خبرة بالأمور ومعرفة بأحوال الدهور فقال له يا ملك الزمان إني أقول لك كلاماً والرأي لك في سماع ما أشير به عليك وكان هو مشير مملكته ورئيس دولته وكان الملك يسمع كلامه ويعمل برأيه ولا يخالفه في شيء فقام على قدميه وقبل الأرض بين يديه وقال له يا ملك الزمان إذا أشرت عليك برأي في شأن هذا الأمر هل تتبعه وتعطيني الأمان فقال له الملك بين رأيك وعليك الأمان.
فقال يا ملك إن أنت قتلت هذا ولم تقبل نصحي ولم تعقل كلامي فإن قتله في هذا الوقت غير صواب لأنه تحت يدك وفي حماك وأسيرك ومتى طلبته وجدته وتفعل به ما تريد، فاصبر يا ملك الزمان فإن هذا قد دخل بستان ارم وتزوج بديعة الجمال بنت الملك شهيال وصار منهم واحد وجماعتك قبضوا عليه وأتوا به إليك وما أخفى حلاه منهم ولا منك، فإذا قتلته فإن الملك شهيال يطلب ثأره منك ويعاديك ويأتيك بالعسكر من أجل بنته ولا مقدرة لك على عسكره وليس لك به طاقة فسمع منه ذلك وأمر بسجنه هذا ما جرى لسيف الملوك.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 728
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 729
وأما ما كان من أمر جدة بديعة الجمال فإنها لما اجتمعت بولدها شهيال أرسلت الجارية تفتش على سيف الملوك فلم تجده، فرجعت إلى سيدتها وقالت ما وجدته في البستان فأرسلت إلى عمال البستان وسألتهم عن سيف الملوك، فقالوا نحن رأيناه قاعداً تحت شجرة، وإذا بخمسة أشخاص من جماعة الملك الأزرق نزلوا عنده وتحدثوا معه ثم إنهم حملوه وسدوا فمه وطاروا به وراحوا، فلما سمعت دجدة بديعة الجمال ذلك الكلام لم يهن عليها واغتاظت غيظاً شديداً وقامت على أقدامها وقالت لابنها الملك شهيال كيف تكون ملكاً وتجيء جماعة الملك الأزرق إلى بستاننا ويأخذون ضيفنا ويروحون به سالمين وأنت بالحياة وصارت تحرضه وتقول لا ينبغي أن يتعدى علينا أحد في حياتك، فقال لها يا أمي إن هذا الانسي قتل ابن الملك الأزرق وهو جني فرماه الله في يده فكيف أذهب إليه وأعاديه من أجل الانسي فقالت له أمه اذهب إليه واطلب منه ضيفنا فإن كان بالحياة وسلمه إليك فخذه وتعال، وإن كان قتله فأمسك الملك بالحياة وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به من أتباعه وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب دياره، وإن لم تفعل ما أمرتك به لا أجعلك من حل من لبني والتربية التي ربيتها لك تكون حراماً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لابنها شهيال اذهب إلى الملك الأزرق وانظر سيف الملوك فإن كان باقياً بالحياة فهاته وتعال وإن كان قتله فأمسكه هو وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به، وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب ملكه، وإن لم تذهب إليه وتفعل ما أمرتك به فلا أجعلك في حل من لبني وتكون تربيتك حراماً، فعند ذلك قام الملك شهيال وأمر عسكره بالخروج، وتوجه إليه كرامة لأمه ورعاية لخاطرها وخواطر أحبابها ولأجل شيء كان مقدراً في الأزل، ثم إن شهيال سافر بعسكره ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى الملك الأزرق، وتلاقى العسكران فانكسر الملك الأزرق هو وعسكره وأمسكوا أولاده كباراً وصغاراً وأرباب دولته وأكابرها وربطوهم وأحضروهم بين يدي الملك شهيال، فقال له يا أزرق أين سيف الملوك الأنسي الذي هو ضيفي.
فقال له المكل الأزرق يا شهيال أنت جني وأنا جني وهل لأجل انسي قتل ولدي تفعل هذه الفعال وهو قاتل ولدي وحشاشة كبدي وكيف عملت هذه الأعمال كلها وأهرقت دم كذا وكذا ألف جني فقال له خل عنك هذا الكلام فإن كان هو بالحياة فأحضره، وأنا أعتقك وأعتق كل من قبضت عليه من أولادك وإن كنت قتلته فأنا أذبحك أنت وأولادك، فقال له الملك الأزرق يا ملك هل هذا أعز عليك من ولدي، فقال له الملك شهيال وإن ولدك ظالم لكونه يخطف أودلا الناس وبنات الملوك، ويضعهم في القصر المشيد والبئر المعطلة ويفسق فيهم، فقال له الملك الأزرق إنه عندي ولكن أصلح بيننا وبينه فأصلح بينهم وخلع عليهم وكتب بين الملك الأزرق وبين سيف الملوك حجة من جهة قتال ولده وتسلمه شهيال وضيفهم ضيافة مليحة، وأقام الملك الأزرق عنده هو وعسكره ثلاثة أيام، ثم أخذ سيف الملوك وأتى إلى أمه ففرحت به فرحاً شديداً وتعجب شهيال من حسن سيف الملوك وكماله وجماله وحكى له سيف الملوك حكايته من أولها إلى آخرها وما وقع له مع بديعة الجمال ثم إن الملك شهيال قال يا أمي حيث رضيت أنت وهي بذلك فسمعاً وطاعة لكما أمر فيه رضاك فخذيه وروحي به إلى سردنيب واعملي هناك فرحاً عظيماً، فإنه شاب مليح قاسى الأهوال من أجلها، ثم إنها سافرت هي وجواريها إلى أن وصلن إلى سردنيب ودخلن البستان الذي رأته دولة خاتون ونظرته بديعة الجمال بعد أن مضين إلى الخيمة واجتمعن وحدثتهن العجوز بما جرى من الملك الأزرق وكيف كان أشرف على الموت في سجن الملك الأزرق وليس في الإعادة إفادة، ثم إن الملك سيف الملوك قال له يا ملك العفو أنا أطلب منك حاجة وأخاف أن تردني عنها خائباً.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 729
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 730
فقال له تاج الملوك لو طلبت روحي ما منعتها عنك لما فعلت من الجميل فقال سيف الملوك أريد أن تزوج دولة خاتون بأخي ساعد حتى نصير كلنا غلمانك فقال تاج الملوك سمعاً وطاعة ثم إنه جمع أكابر دولته ثاني وعقد عقد ابنته خاتون على ساعد ولما خلصوا من كتب الكتاب نثروا الذهب والفضة وأمر أن يزينوا المدينة، ثم أقاموا الفرح ودخل سيف الملوك على بديعة الجمال ودخل ساعد على دولة خاتون في ليلة واحدة ولم يزل سيف الملوك يختل ببديعة الجمال أربعين يوماً فقالت له في بعض الأيام يا ابن الملك هل في قلبك حسرة على شيء، فقال سيف الملوك حاشى لله قد قضيت حاجتي وما بقي في قلبي حسرة أبداً ولكن قصدي الاجتماع بأبي وأمي بأرض مصر وانظر هل هما طيبين أم لا فأمرت جماعة من خدمها أن يوصلوه هو وساعد إلى أرض مصر، فوصلوها واجتمع سيف الملوك بأبيه وأمه وكذلك ساعد وقعدا عندهم جمعة ثم إن كلاً منهما ودع أباه وأمه وسارا إلى مدينة سردنيب وصارا كلما اشتاقا إلى أهلهما يروحان ويرجعان وعاش سيف الملوك هو وبديعة الجمال في أطيب عيش وأهنأه وكذا ساعد مع دولة خاتون إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات فسبحان الحي الذي لا يموت وقد خلق الخلق وقضى عليهم بالموت وهو أولا بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء.
حكاية حسن الصائغ البصري
ومما يحكى أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجل تاجر من التجار مقيم بأرض البصرة وكان ذلك التاجر له ولدان ذكران وكان عنده مال كثير فقدر الله السميع العليم أن التاجر توفي إلى رحمة الله تعالى وترك تلك الأموال فأخذ ولداه في تجهيزه ودفنه. وبعد ذلك اقتسما الأموال بينهما بالسوية وأخذ كل واحد منهما قسمة وفتحا لهما دكاكين أحدهما نحاس والثاني صائغ فبينما الصائغ جالس في دكانه يوماً من الأيام إذا برجل أعجمي ماشي في السوق بين الناس إلى أن مر على دكان الولد الصائغ فنظر إلى صنعته وتأملها بمعرفته فأعجبته وكان اسم الصائغ حسناً فهز الأعجمي رأسه وقال والله إنك صائغ مليح وصار ينظر إلى صناعته وهو ينظر إلى كتاب عتيق كان بيده والناس مشغولين بحسنه وجماله واعتداله، فلما كان وقت العصر خلت الدكاكين من الناس، فعند ذلك أقبل الرجل الأعجمي عليه وقال له يا ولدي أنت شاب مليح وأنا ما لي ولد وقد عرفت صنعة ما في الدنيا أحسن منها وقد سألني خلق كثير من الناس في شأن تعليمها فما رضيت أن أعلمها أحداً منهم، ولكن قد سمحت نفسي أعلمك إياها وأجعلك ولدي واجلع بينك وبين الفقر حجاباً وتستريح من هذه الصنعة والتعب في المطرقة والفحم والنار فقال له حسن يا سيدي ومتى تعلمني، فقال له في غد آتيك وأصنع لك من النحاس ذهباً خالصاً بحضرتك ففرح حسن وودع الأعجمي وسار إلى والدته فدخل وسلم عليها وأكل معها وهو مدهوش بلا وعي ولا عقل فقالت أمه ما بالك يا ولدي إحذر أن تسمع كلام الناس خصوصاً الأعاجم فلا تطاوعهم في شيء فإن هؤلاء غشاشون يعلمون صنعة الكيمياء وينصبون على الناس ويأخذون أموالهم ويأكلونها بالباطل.
فقال لها يا أمي نحن ناس فقراء وما عندنا شيء يطمع فيه حتى ينصب علينا وقد جاءني رجل أعجمي لكنه شيخ صالح عليه أثر الصلاح وقد حننه الله علي فسكتت أمه على غيظ وصار ولدها مشغول القلب ولم يأخذه نوم في تلك الليلة من شدة فرحه بقول الأعجمي له فلما أصبح الصباح وأخذ المفاتيح وفتح الدكان، وإذا بالأعجمي أقبل عليه فقام وأراد حسن أن يقبل يديه فامتنع ولم يرض بذلك وقال يا حسن عمر البودقة وركب الكير، ففعل ما أمره به الأعجمي وأوقد الفحم فقال له الأعجمي يا ولدي هل عندك نحاس قال عندي طبق مكسور فأمره أن يتكيء عليه بالكاز ويقطعه قطعاً صغاراً ففعل كما قال له وقطعه قطعاً صغاراً ورماه في البودقة ونفخ عليه بالكير حتى صار ماء فمد الأعجمي يده إلى عمامته وأخرج منها ورقة ملفوفة وفتحها وذر منها شيئاً في البودقة مقدار نصف درهم وذلك الشيء يشبه الكحل الأصفر وأمر حسناً أن ينفخ عليه بالكير ففعل مثل ما أمره حتى صار سبيكة ذهب، فلما نظر حسن إلى ذلك اندهش وتحير عقله من الفرح الذي حصل له وأخذ السبيكة وقبلها وأخذ المبرد وحكها فرآها ذهباً خالصاً من عال العال فطار عقله واندهش من شدة الفرح، ثم انحنى على يد الأعجمي ليقبلها فقال له: خذ هذه السبيكة وانزل بها إلى السوق وبعها واقبض ثمنها سريعاً ولا تتكلم فنزل حسن وأعطى السبيكة إلى الدلال فأخذها منه وحكها فوجدها ذهباً خالصاً ففتحوا بابها بعشرة آلاف درهم وقد تزايد فيها التجار فباعها بخمسة عشر ألف درهم وقبض ثمنها ومضى إلى البيت وحكى لأمه جميع ما فعل وقال إني قد تعلمت هذه الصنعة، فضحكت عليه وقالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما حكى لأمه ما فعل الأعجمي وقال لها إني قد تعلمت هذه الصنعة قالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسكتت على غيظ منها ثم إن حسناً أخذ من جهته هاوناً وذهب به إلى الأعجمي وهو قاعد في الدكان ووضعه بين يديه فقال له يا ولدي ما تريد أن تصنع بهذا الهون قال ندخله في النار ونفعله سبائك ذهب، فضحك الأعجمي وقال يا ولدي هل أنت مجنون حتى تنزل السوق بسبيكتين في يوم واحد ما تعلم أن الناس ينكرون علينا وتروح علينا، ولكن يا ولدي إذا علمتك هذه الصنعة لا تعملها في السنة إلا مرة واحدة فهي تكفيك من السنة إلى السنة قال صدقت يا سيدي ثم إنه قعد في الدكان وركب في البودقة ورمى الفحم على النار فقال له الأعجمي يا ولدي ماذا تريد قال علمني هذه الصنعة، فضحك الأعجمي وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنت يا ابني قليل العقل ما تصلح لهذه الصنعة قط هل أحد في عمره يتعلم هذه الصنعة على قارعة الطريق أو في الأسواق فإن اشتغلنا بها في هذا المكان يقول الناس علينا إن هؤلاء يصنعون الكيمياء فتسمع بنا الحكام وتروح أرواحنا فإذا أردت يا ولدي أن تتعلم هذه فاذهب معي إلى بيتي، فقام حسن وأغلق الدكان وتوجه مع الأعجمي فبينما هو في الطريق غذ تذكر قول أمه وحسب في نفسه ألف حساب فوقف وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة زمانية فالتفت الأعجمي فرآه واقفاً فضحك وقال هل أنت مجنون كيف أضمر لك في قلبي الخير وأنت تحسب أني أضرك وقال له الأعجمي إن كنت خائفاً من ذهابك معي إلى بيتي فأنا أروح معك إلى بيتك وأعلمك هناك فقال له حسن نعم فقال له امش قدامي فسار حسن قدامه وسار الأعجمي خلفه إلى أن وصل الأعجمي إلى منزله فدخل حسن إلى داره فوجد والدته فأعلمها بحضور الأعجمي معه وهو واقف على الباب ففرشت لهما البيت ورتبته.
فلما فرغت من أمرها راحت ثم إن حسناً أذن للأعجمي أن يدخل فدخل ثم إن حسناً أخذ في يده طبقاً وذهب به إلى السوق ليجيء فيه بشيء يأكله فخرج وجاء بأكل وأحضره بين يديه وقال له كل يا سيدي لأجل أن يصير بيننا خبز وملح والله تعالى ينتقم ممن يخون الخبز والملح.
فقال له صدقت يا ولدي ثم تبسم وقال له يا ولدي من يعرف قدر الخبز والملح ثم تقدم الأعجمي وأكل مع حسن حتى اكتفيا، ثم قال له الأعجمي يا ولدي يا حسن هات لنا شيئاً من الحلوى فمضى حسن إلى السوق وأحضر عشر قباب الحلوى وفرح حسن بكلام الأعجمي، فلما قدم خيراً يا ولدي مثلك من يصاحبه الناس ويظهرونه على أسرارهم ويعلمونه ما ينفعه ثم قال الأعجمي يا حسن أحضر العدة، فلما سمع هذا الحديث إلا وخرج مثل المهر إذا انطلق من الربيع حتى أتى إلى الدكان وأخذ العدة ورجع ووضعها بين يديه فأخرج الأعجمي قرطاساً من الورق وقال يا حسن وحق الخبز والملح لولا أنت أعز من ولدي ما أطلعتك على هذه الصنعة وما بقي شيء من الإكسير إلا في هذا القرطاس، ولكن تأمل حين أركب العقاقير وأضعها قدامك واعلم يا ولدي يا حسن أنك تضع على كل عشرة أرطال نحاساً نصف درهم من هذا الذي في الورقة فتصير العشرة أرطال ذهباً خالصاً إبريزاً ثم قال يا ولدي يا حسن إن في هذه الورقة ثلاثة أوراق بالوزن المصري وبعد أن يفرغ ما في هذه الورقة اعمل لك غيره فأخذ حسن الورقة فرأى شيئاً أصفر أنعم من الأول فقال يا سيدي ما اسم هذا وأين يوجد وفي أي شيء يعمل فضحك الأعجمي من طمع حسن وقال له عن أي شيء تسأل وأنت ساكت، وأخرج طاسة من البيت واخرج طاسة من البيت اقطعها وألقاها في البودقة ورمى عليها قليل من الذي في الورقة فصارت سبيكة من الذهب الخالص.
فلما رأى حسن ذلك فرح فرحاً شديداً وصار متحيراً في عقله مشغولاً بتلك السبيكة فأخرج صرة من رأسه بسرعة وقطعها ووضعها في قطعة من الحلوى وقال له يا حسن أنت بقيت ولدي وصرت عندي أعز من روحي ومالي وعندي بنت أزوجك بها فقال حسن أنا غلامك ومهما فعلته معي كان عند الله تعالى فقا الأعجمي يا ولدي طول بالك وصبر نفسك يحصل لك الخير ثم ناوله القطعة الحلوى فأخذها وقبل يده ووضعها في فمه وهو لا يعلم ما قدر له في الغيب ثم بلع قطعة الحلوى فسبقت رأسه ورجليه وغاب عن الدنيا فلما رآه الأعجمي وقد حل به البلاء فرح فرحاً شديداً وقام على أقدام وقال وقعت يا علق يا كلب العرب لي أعوام كثيرة أفتش عليك حتى حصلتك يا حسن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما أكل قطعة الحلوى التي أعطاها له الأعجمي ووقع منها على الأرض مغشياً عليه، فرح الأعجمي وقال له لي أعوام كثيرة وأنا أفتش عليك حتى حصلتك، ثم إن الأعجمي شد وسطه وكتف حسناً وربط رجليه على يديه، وأخذ صندوقاً وأخرج منه الحوائج التي كانت فيه ووضع حسناً فيه وقفله عليه وفرغ صندوقاً آخر وحط فيه جميع المال الذي عند حسن والسبائك الذهب التي عملها أولاً وثانياً وقفله ثم خرج يجري إلى السوق وأحضر حمالاً حمل الصندوق، وتقدم إلى المركب الراسي وكان ذلك المركب مهيأ للأعجمي وريسه منتظر، فلما نظره بحريته أتوا إليه وحملوا الصندوقين ووضعوهما في المركب وصرخ الأعجمي على الريس وعلى جميع البحرية وقال لهم قوموا قد انقضت الحاجة وبلغنا المراد، فصرخ الريس على البحرية قال لهم: أقلعوا المراسي وحلوا القلوع، وصار المركب بريح طيبة هذا ما كان من أمر الأعجمي.
وأما ما كان من أمر أم حسن فإنها انتظرته إلى العشاء، فلم تسمع له صوتاً ولا خبراً فجاءت إلى البيت فرأته مفتوحاً ولم تر فيه أحداً، ولم تجد الصناديق ولا المال، فعرفت أن ولدها قد فقد ونفذ فيه القضاء فلطمت على وجهها وشقت أثوابها وصاحت وولولت وصارت تقول واولداه واثمرة فؤاداه.
ثم إنها صارت تبكي وتنوح إلى الصباح فدخل عليها الجيران وسألوها عن ولدها فأخبرتهم بما جرى له مع العجمي واعتقدت أنها لن تجده بعد ذلك.
ثم قالت نعم يا ولدي إن الدار قفرة والمزار بعيد ثم إن الجيران ودعوها بعد أن دعوا لها بالصبر وجمع الشمل قريباً، ولم تزل أم حسن تبكي أثناء الليل وأطراف النهار، وبنت في وسط البيت قبراً وكتبت عليه اسم حسن وتاريخ فقده وكانت لا تفارق ذلك القبر ولم يزل ذلك دأبها من حين فارقها ولدها، هذا ما كان من أمرها.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 732
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 733
وأما ما كان من أمر ولدها حسن مع الأعجمي، فإن الأعجمي كان مجوسياً وكان يبغض المسلمين كثيراً وكلما قدر على أحد من المسلمين يهلكه وهو خبيث لئيم كيماوي كما قال فيه الشاعر:
هو الكلب وابن الكلب والكلب جده ولا خير في كلب تناسل من كلب
وكان اسم ذلك الملعون بهرام المجوسي، وكان له في كل سنة واحد من المسلمين يأخذه ويذبحه على مطلب، فلما تمت حيلته على حسن الصائغ وسار به من أول النهار إلى الليل رسى المركب على بر إلى الصباح، فلما طلعت الشمس وسار المركب أمر الأعجمي عبيده وغلمانه أن يحضروا له الصندوق الذي فيه حسن فأحضروه له ففتحه وأخرجه منه ونشقه بالخل ونفخ في أنفه ذرراً فعطس وتقايا بالبنج وفتح عينيه ونظر يميناً وشمالاً، فوجد نفسه في وسط البحر والمركب سائراً والأعجمي قاعداً عنده، فعلم أنها حيلة عملت عليه قد عملها الملعون المجوسي وأنه وقع في الأمر الذي كانت فيه أمه تحذره فقال كلمة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم الطف بي في قضائك وصبرني على بلائك يا رب العالمين، ثم التفت إلى الأعجمي وكلمه بكلام رقيق وقال له يا والدي ما هذه الفعال وأين الخبز والملح واليمين التي حلفتها لي فنظر إليه وقال له يا كلب هل مثلي يعرف خبزاً وملحاً وأنا قد قتلت ألف صبي إلا صبيا وأنت تمام الألف، وصاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً لما رأى نفسه وقع مع الأعجمي الملعون كلمه بكلام رقيق فلم يفده بل صاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه فعند ذلك أمر الملعون بحل أكتافه، ثم سقوه قليلاً من الماء والمجوسي يضحك ويقول وحق النار والنور والظل والحرور، وما كنت أظن أنك تقع في شبكتي، ولكن النار قوتني عليك وأعانتني على قبضك حتى أقضي حاجتي وأرجع وأجعلك قرباناً لها حتى ترضى عني فقال حسن قد خنت الخبز والملح فرفع المجوسي يده وضربه ضربة فوقع وعض الأرض بأسنانه، وغشي عليه وجرت دموعه على خده ثم أمر المجوسي أن يوقدوا له ناراً، فقال له حسن ما تصنع بها فقال له هذه النار صاحبة النور والشرور وهي التي أعبدها فإن كنت تعبدها مثلي فأنا أعطيك نصف مالي وأزوجك بنتي، فصاح حسن عليه وقال يا ويلك إنما أنت مجوسي كافر تعبد النار دون الملك الجبار خالق الليل والنهار وما هذه إلا وصية في الأديان.
فعند ذلك غضب المجوسي وقال: أما توافقني يا كلب العرب وتدخل في ديني فلم يوافقه حسن على ذلك، فقام المجوسي الملعون وسجد للنار وأمر غلمانه أن يرموا حسناً على وجهه فرموه، وصار المجوسي يضربه بسوط مضفور من جلد حتى شرح جوانبه وهو يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجيره أحد فرفع طرفه إلى الملك القهار وتوسل إليه بالنبي المختار وقد قل منه الاصطبار وجرت دموعه على خديه كالأمطار.
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 733
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 734
ثم إن المجوسي أمر العبيد أن يقعدوا وأمر أن يأتوا إليه بشيء من المأكول والمشروب فأحضروه فلم يرض أن يأكل ولا يشرب وصار المجوسي يعذبه ليلاً ونهاراً مسافة الطريق وهو صابر يتضرع إلى الله عز وجل، وقد قسى قلب المجوسي عليه، ولم يزالوا سائرين في البحر مدة ثلاثة أشهر، وحسن معهم في العذاب فلما كملت الثلاثة أشهر أرسل الله تعالى على المركب ريحاً فاسود البحر وهاج بالمركب من كثرة الريح فقال الريس والبحرية هذا والله كله ذنب هذا الصبي الذي له ثلاثة أشهر في العقوبة مع هذا المجوسي وهذا ما يحل من الله تعالى ثم إنهم قاوموا المجوسي وقتلوا غلمانه وكل من كان معه فلما رآهم المجوسي قتلوا الغلمان أيقن بالهلاك، وخاف على نفسه وحل من أكتافه وقلعه ما كان عليه من الثياب الرثة وألبسه غيرها وصالحه، ووعده أن يعلمه الصنعة ويرده إلى بلده وقال يا ولدي لا تؤاخذني بما فعلت، فقال له حسن كيف بقيت أركن إليك فقال له يا ولدي لولا الذنب ما كانت المغفرة وأنا ما فعلت معك هذه الأفعال إلا لأجل أن أنظر صبرك وأنت تعلم أن الأمر كله بيد الله ففرحت البحرية والريس بخلاصه، فدعا لهم حسن وحمد الله تعالى وشكره فسكتت الرياح وانكشفت الظلمة وطاب اليح والسفر، ثم إن حسناً قال للمجوسي يا أعجمي إلى أين تتوجه قال يا ولدي أتوجه إلى جبل السحاب الذي فيه الإكسير الذي نعمله كيمياء، وحلف المجوسي بالنار والنور أنه ما بقي لحسن عنده ما يخيفه فطاب قلب حسن وفرح بكلام المجوسي، وصار يأكل معه ويشرب وينام ويلبسه من ملبوسه، ولم يزالوا مسافرين مدة ثلاثة أشهر أخرى.
وبعد ذلك رسى المركب على بر طويل كله حصى أبيض وأصفر وأزرق وأسود وغير ذلك من جميع الألوان، فلما رسى نهض الأعجمي قائماً وقال يا حسن قوم اطلع فإننا قد وصلنا إلى مطلوبنا ومرادنا فقام حسن وطلع مع الأعجمي وأوصى المجوسي الريس على مصالحه ثم مشى حسن مع المجوسي إلى أن بعدا عن المركب وغابا عن الأعين ثم قعد المجوسي وأخرج من جيبه طبلاً نحاسياً وزخمة من حرير منقوشة بالذهب وعليها طلاسم وضرب الطبل، فلما فرغ ظهرت غبرة من ظهر البرية، فتعجب حسن من فعله وخاف منه وندم على طلوعه معه وتغير لونه فنظر إليه المجوسي وقال له ما لك يا ولدي وحق النار والنور، ما بقي عليك خوف مني ولولا أن حاجتي ما تقضى إلا على اسمك ما كنت أطلعك من المركب فأبشر كل خير، وهذه الغبرة غبرة شيء نركبه فيعيننا على قطع هذه البرية ويسهل علينا مشقتها فما كان إلا قليل حتى انكشفت الغبرة عن ثلاث نجائب، فركب الأعجمي واحدة وركب حسن واحدة وحملا زادهما على الثالثة وسارا سبعة أيام، ثم انتهيا إلى أرض واسعة فلما نزلا في تلك الأرض نظرا إلى قبة معقودة على أربعة أعمدة من الذهب الأحمر، فنزلا من فوق النجائب ودخلا تحت القبة وأكلا وشربا واستراحا فلاحت التفاتة من حسن فرأى شيئاً عالياً فقال له حسن ما هذا يا عم فقال له المجوسي هذا قصر، فقال له حسن أما نقوم ندخل لنستريح فيه وتنفرج عليه فذهب المجوسي وقال له لا تذكر لي هذا القصر فإن فيه عدوي ووقعت لي معه حكاية ليس هذا وقت إخبارك بها، ثم دق الطبل فأقبلت النجائب فركبا وسارا سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن قال المجوسي يا حسن ما الذي تنظره فقال حسن أنظر سحاباً وغماماً بين المشرق والمغرب.
فقال له المجوسي ما هذا سحاب ولا غمام وإنما هو جبل شاهق ينقسم عليه السحاب وليس هناك سحاب يكون فوقه من فرط علوه وعظم ارتفاعه وهذا الجبل هو المقصود لي وفوقه حاجتنا ولأجل هذا جئت بك معي وحاجتي تقضى على يديك، فعند ذلك يئس حسن من الحياة ثم قال المجوسي بحق معبودك وبحق ما تعتقده من دينك أي شيء الحاجة التي جئت بي من أجلها فقال له إن صنعة الكيمياء لا تصلح إلا بحشيش ينبت في المحل الذي يمر به السحاب وينقطع عليه وهو هذا الجبل والحشيش فوقه، فإذا حصلنا الحشيش أريك أي شيء هذه الصنعة فقال له حسن من خوفه نعم يا سيدي وقد يئس من الحياة وبكى لفراق أمه وأهله ووطنه وندم على مخالفته أمه، ولم يزالا سائرين إلى أن وصلا إلى ذلك الجبل ووقفا تحته فنظر حسن فوق ذلك الجبل قصراً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثلاثين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 734
ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 735
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المجوسي وحسن لما وصلا إلى الجبل وقفا تحته فنظر حسن فوق الجبل قصراً فقال للمجوسي ما هذا القصر فقال المجوسي هذا مسكن الجان والغيلان والشياطين ثم إن المجوسي نزل من فوق نجيبه وأمره بالنزول وقام إليه وقبل رأسه وقال لا تؤاخذني بما فعلته معك فأنا أحفظك عند طلوعك القصر وينبغي أنك لا تخونني في شيء من الذي تحضره منه وأكون أنا وأنت فيه سواء، فقال السمع الطاعة ثم إن الأعجمي فتح جراباً وأخرج منه طاحوناً وأخرج منه أيضاً مقداراً من القمح وطحنه على ذلك الطاحون وعجن منه ثلاثة أقراص، وأوقد النار وخبز الأقراص ثم أخرج منه أيضاً الطبل النحاس والزخمة المنقوشة ودق الطبل فحضرت النجائب فاختار منها نجيباً وذبحه وسلخ جلده ثم التفت إلى حسن وقال له اسمع يا ولدي يا حسن ما أوصيك به قال له نعم قال ادخل في هذا وأخيط عليك وأطرحك على الأرض فتأتي طيور الرخ فتحملك وتطير بك إلى أعلى الجبل وخذ هذه السكين معك فإذا فرغت من طيرانها وعرفت أنها حطتك فوق الجبل فشق بها الجلد واخرج فإن الطير يخاف منك ويطير عنك وطل لي من فوق الجبل وكلمني حتى أخبرك بالذي تعمله، ثم هيأ له الثلاثة أقراص وركوة فيها ماء وحطها معه في الجلد بعد ذلك خيطه عليه ثم بعد عنه فجاء طير الرخ وحمله وطار به إلى أعلى الجبل ووضعه هناك، فلما عرف حسن أن الرخ وضعه على الجبل شق الجلد وخرج منه وكلم المجوسي.
فلما سمع المجوسي كلامه فرح ورقص من شدة الفرح وقال له امض إلى ورائك ومهما رأيته فأعلمني به فمضى حسن فرأى رمماً كثيرة وعندهم حطب كثير فأخبره بجميع ما رآه، فقال له هذا هو المقصود والمطلوب فخذ من الحطب ست حزم وارمها إلي فإنها هي التي نعملها كيمياء، فرمى له الست حزم، فلما رأى المجوسي تلك الحزم قد وصلت عنده قال لحسن يا علق قد انقضت الحاجة التي أردتها منك وإن شئت قدم على هذا الجبل أو ألق نفسك على الأرض حتى تهلك ثم مضى المجوسي.
فقال حسن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد مكر بي هذا الكلب الملعون ثم إنه وقف على قدميه والتفت يميناً وشمالاً، ثم مضى فوق الجبل وأيقن في نفسه بالموت وصار يتمشى حتى وصل إلى الطرف الآخر من الجبل فرأى بجنب الجبل بحراً أزرقاً متلاطم قد أزبد وكل موجة منه كالجبل العظيم فقعد وقرأ ما تيسر من القرآن وسأل الله تعالى أن يهون عليه إما الموت وإما الخلاص من هذه الشدائد، ثم صلى على نفسه صلاة الجنازة ورمى نفسه في البحر، فحملته الأمواج على سلامة الله تعالى إلى أن طلع من البحر سالماً بقدرة الله تعالى ففرح وحمد الله تعالى وشكره ثم قام يمشي ويفتش على شيء يأكله، فبينما هو كذلك وإذا هو بالمكان الذي كان فيه هو وبهرام المجوسي، ثم مشى ساعة فإذا هو بقصر عظيم شاهق في الهواء فدخله فإذا هو القصر الذي كان سأل عنه المجوسي وقال له إن هذا القصر فيه عدوي فقال حسن والله لابد من دخولي هذا القصر لعل الفرج يحصل لي، فلما رأى بابه مفتوحاً دخل من الباب، فرأى مصطبة من الدهليز وعلى المصطبة بنتان كالقمران بين أيديهما رقعة شطرنج وهما يلعبان ففعت واحدة منهما رأسها إليه وصاحت من فرحتها وقالت والله إن هذا آدمي وأظنه الذي جاء به بهرام المجوسي في هذه السنة، فلما سمع حسن كلامهما رمى نفسه بين أيديهما وبكى بكاء شديداً وقال يا سيدتي هو أنا ذلك المسكين.
فقالت البنت الصغرى لأختها الكبرى اشهدي علي يا أختي أن هذا أخي في عهد الله وميثاقه، وإني أموت لموته وأحيا لحياته وأفرح لفرحه وأحزن لحزنه ثم قامت له وعانقته وقبلته وأخذذته من يده ودخلت به القصر وأختها معها وقلعته ما كان عليه من الثياب الرثة وأتت له ببدلة من ملابس الملوك وألبسته إياها وهيأت له الطعام من سائر الألوان وقدمته له، وقعدت هي وأختها وأكلتا معه وقالتا له حدثنا بحديثك مع الكلب الفاجر الساحر من حين وقعت في يده إلى حين خلصت منه ونحن نحدثك بما جرى لنا معه من أول الأمر إلى آخره حتى تصير على حذر إذا رأيته فلما سمع حسن منهما هذا الكلام ورأى الإقبال منهما عليه اطمأنت نفسه ورجع له عقله وصار يحدثهما بما جرى له معه من الأول إلى الآخر فقالتا له: هل سألته عن هذا القصر قال نعم سألته فقال لي لا أحب سيرته فإن هذا القصر للشياطين والأبالسة فغضبت البنتان غضباً شديداً وقالتا هل جعلنا هذا الكافر شياطين وأبالسة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.