الفصل الرابع

4.1K 157 22
                                    

اغمضت عيني ولم اعد اشعر بشئ .. فتحتها مرة اخرى لأصرخ : سهرررررررر .. لتروحين انتي .. سهررر .. وجدتهم قد رحلوا .. خصلات شعرها مازالت منثورة على الارض .. زحفت بجسدي وانا اقاوم المي واطبق فكي على بعضهما بوجع : اااه ...
مددت يدي لأمسك بخصلات شعرها ... ثم اسودت رؤيتي وارتخى جسدي ...
لطالما رددت جدتي قولها ذاك : الي الله كاتبة يصير .. وكما علمني كمال ذاك الحديث النبوي الشريف لو الامة اجتمعت على مضرتي لن تضرني مالم يكتب الله لي ذلك ...
البعض يموت ضحية .. والبعض تنتهي رحلته .. اناس يظلمون وقتلون غدرا .. حتى نكاد ان نفقد الامل ويضعف ايماننا .. ولكن رحمة الله اكبر من كل ظلم ..
اكبر من كل هم .. لن اموت مالم يكتب لي الله بذلك ..
.....
- علي !.. علي !.
فتحت عيني ببطئ وانا اشعر ان جسدي كله قد تخدر .. رأيت كمال ينظر الي ويبتسم قائلا : يلا قوم يا بطل .
ضغطت على الفراش لأرفع جذعي واسند ظهري على مقدمة السرير .. سألته وانا انوزع نظري للغرفة .. اغمضت عيني وفتحتها مرة اخرى لأسأله : شصار ؟.
اعاد ظهره ليسنده على الكرسي قائلا بمزاح : وصلنا للمخزن ولقيناك دتلهوس بس جنت قوي مفشلتنا ومتت بسرعة .
ابتسمت بسخرية لأتذكر سهر وافز من مكاني قائلا : وسهر !.
نهض هو وانحنى ليعيدني وهو يمسك بكتفي المضمد قائلا : ارتاح .. سهر عند ابوها بالاول وبالاخير .. اهم شي هي ترتاح .
عقدت حاجبي بقلق قائلا : لازم اوصللها .
طمئنني قائلا : ان شاء الله بس اول شي ترتاح .
سار ليخرج من الغرفة مسترسلا : حدزلك الاكل لازم تاكل حتى تاخذ الدوا .
...
ابتسمت وانا اتذكر ...
...
كنت مصابا بالحمى ولكنني احاول ان اصمد .. كنت واهناً مستلقيا على الاريكة وانا اشعر بحرارتي ترتفع اكثر .. خرجت من المطبخ لتسألني : حبيبي تاكلل شي ؟.
لم اجبها كان الصداع يحطم رأسي .. رأيتها تقترب من الاريكة وتنحني امامي متسائلة : حبيبي انت بخير ؟.
نهضت من مكاني قائلا بتجاخل : معليج .
دلفت للغرفة فتبعتني وهي تقول : شكلك مريض من تمرض تصير هيج .
قلت وانا استلقي على الفراش : هيج شلون ؟.
ابتسمت لتجلس على حافة السرير قائلة : تتدلع .
مدت يدها لجبيني لتفزع : يبوووو .
ضحكت رغما عني : ههههههه تعلمتي اليبوو .
امسكتني بيدي لتجرني قائلة : قوم قوم خل اخذك لتدكتور .. فجأة تركتت يدي لتجعلني انام مرة اخرى قائلة : لا لا تتمرض زيادة .
بدأت تخاطب نفسها وهي تتسائل عما ستفعله فبدأت ابتسم وانا اشاهدها هكذا .. قضت هي الليلة وهي تحاول اخفاض حرارتي جالسة على الكرسي الذي يجاور السرير .. كلما فتحت عيني من نومي رأيتها بقربي ممسكة بيدي .. لم اشعر بهذا الاحساس من قبل .. بأن هناك احد يهمه امري .. احد يخاف علي من المرض .. وهنا تكمن المشكلة بكونها من تكون هي .. مر يومان وهي تلازمني دون ان تذهب لأي مكان .. حتى اصبحت بخير كنت سأهم بالاستحمام ولكنها فاجئتني وهي تجهز الحمام وتضع به شموعا وعطورا وقد ملأت حوض الاستحمام بالصابون .. صفقت بيدها كأنها تحدث طفلا : يلا لازم تاخذ شور .
قلت وانا اتجاهلها رغم شعوري بأنني حقا ارغب بغمرها بأحضاني لما تفعله ومافعلته ولكنني كنت اكابر : ترا اني مو طفل .
جرتني من يدي لتجلسني على حافة حوض الاستحمام وهي تقول : انت زوجي .. وهذا يعني انك حبيبي .. وابني وعائلتي .
بدوت كطفل حقا وهي تساعدني بالاستحمام .. بل حتى بعد الانتهاء انتقت لي ثيابي وساعدتني بارتدائها .. عطائها كان واسعا جدا .. لم اكن اظن ولو للحظة ان فتاة من اقليمها مثلها .. وخصوصا ابنة حازم ان تتصرف هكذا وتكن سخية في الحب والاهتمام .. لتتنازل عن كل شئ رغم اعتيادها على العيش والجميع يخدمها ورهن اشارتها .. تتبدل حياتها لتصبح هي كخادمة لمن تحب بل لرجل مثلي ...
...

بعد عودة كمال كما وعدني وظهوره في حياتي مرة اخرى .. صدمت بأنه بات يعيش في الاقليم الثاني قبل التقسيم كان له جزءا كبيرة من الارث الذي ورثه من والديه وهذا الارث يخوله لأمتلاك ثروة كبيرا ... بعد التقسيم كانوا سيجبرونه على العيش بالاقليم الثاني ولكنه رفض التقسيم فرمي بأقليم القمامة .. ولكن قرر ان يعود مرة اخرى للاقليم الثاني واستعادة ثورته .. اخبرني ان القوة والذكاء قرينين بحاجة الى المال ليكتملا ..
وكأننا صنعنا حلفا انا وهو .. انا لأنتقم من حازم وهو ليرجح كفة الميزان التي اختلت ..
خلال السنوات التي قضاها كمال بينهم استطاع ان يقترب منه .. كما اخبرني من قبل .. لتحارب عدوا يجب ان تكون قريبا منه .. تدرس شخصيته وترى نقاط ضعفه .. وهو كان متوغلا بينهم ليتمكن من ضربهم في الزوايا التي تمكنه من تدميرهم ...
قبل سنة من لقائي بسهر .. كنت برفقة كمال في احد المقاهي الليلية وهو يجتمع بأحد الرجال الذين يعمل معه او ليصطادهم .. اثناء جلوسنا سمعت صوتا اعرفه تمام المعرفة .. صوت بقي في ذهني طوال تلك السنوات : مرحبا بكم .
التفتنا لنرى حازم وهو يفتح ذراعيه ويرحب بكمال والرجل الذي معه .. نهض الرجل الذي مع كمال ليصافحه ويمزح معه قائلا لنا : ارغب بأن اعرفكم على حازم صديقي وصاحب هذا المكان .
كنت اغلي بداخلي واسناني مطبوقة على بعضها بقوة .. وضع كمال يده فوق يدي لينهض ويصافحه ويعرفه بنفسه .. رأيت حازم ينظر لي بابتسامة عرف من انا ولا اشك ابدا في ذلك .. ابتسمت له لأمد يدي ليده القذرة قال كمال له : اعرفك بعلي اهم رجل يعمل لي .. بل هو كأبني .
قهقه بخبث قائلا : بالطبع اعرف علي .. كيف حالك بني .
حاولت ان ابتسم وانا اشعر انني فمي يتقسطع كلما وسعت فمي لأبتسم له : بخير .
جلسنا فجلس هو يقابلنا لينادي احد رجاله قائلا : احضر الضيافة .
قهقه وهو يقول لصديقه ولكمال : كيف تجلسون هكذا بدون نساء .. يجب ان نضيفكم .
اتين بعض العاهرات وجلسن بيننا ولكن !!!.. كانت منار من بينهن !!.. لم تكن هي كتلك التي تركتها منذ اكثر من خمس سنوات .. كانت مختلفة تماما .. رغم محاولاتها بتجاهلي الا انني ادركت انها مصدومة مثلي .. كنت اشعر بالغثيان وانا اراه يداعبها .. اخرجت هاتفي من جيبي وانا اتصنع ان اتصالا قد وردني لأخرج بسرعة وانا اكاد ان انفجر ... اصبحت عاهرة !.. منار !.. التي محت هويتها لتصبح رجلا وتحمي نفسها !.. ببساطة اصبحت عاهرة في اقليمهم ولديه !..
خرجت للخارج لأدخن سيجارة بمفردي وانا احرق روحي لا احرقها .. اطفأتها بعد ان تمالكت نفسي ودلفت لأتسلل للبوابة الخلفية التي تخص غرفهن .. رأيت اسمها مكتوب على احدى الغرف دخلت للداخل واختبأت لأنتظرها ..
سمعت صوت الباب يفتح ويغلق بقوة .. مددت راسي وانا اختبئ خلف الستارة لأراها .. جلست على الاريكة لتبكي .. خرجت قائلا : عفية عليج .
رفعت رأسها لتنظر لي بصدمة .. اقتربت وانا ارغب بقتلها حتى توقفت امامها قائلا : فرحانة بشغلج هنا احسن مو ؟.
انفجرت باكية لتضع يديها على وجهها قائلا : مجبورة والله انجبرت .
قهقهت باستهزاء : اي همة جبروج .
مسحت دموعها وهي تحاول ان تشرح لي قائلة : اني جيت هنانة على اساس اشتغل خدامة اني وويا البنات الي مثلي .. نمنا ليلة بمكان .. ثاني يوم قالولنا حنستلم الشغل ..
صمتت لتنسال دموعها بغزارة اكثر .. بينما انا انظر اليها ببرود .. استرسلت قائلة : جابونا هنا بعد ماصورونا واحنا بدون شي وجبرونا نشتغل هيج والي ترفض يعرفون شلون يخلوها تقتنع بطريقتهم .
اتسعت حدقتا عيني بصدمة وانا اسمعها !!.. مسحت دموعها لتنظر الي مباشرة ً قائلة : كل بنات الاقليم السادس يسوون هيج بيهن .. صارن رخيصات لهدرجة .
!...
توقفت امامها وانا وجسدي متخشب .. كيف عايشت كل هذا !.. نهضت لتقابلني وهي تنحتب .. وجدت نفسي احتضنها .. لا بدافع الحب .. بل المي عانق المها .. مامررت به من مصاعب عانق حياتها البائسة ..
هي رفضت ان تستلم بل حتى انها سخرت منهم عندما اخبروها انهم قاموا بتصويرها وهي في غرفة تغيير الثياب وهي عارية .. استهزئت بهم بحجة ان لا اهل لها ليبالوا بهذا الامر .. فأجبروها على ذلك بعد ان اغتصبوها وقاموا بتصويرها وهي كذلك .. لوثوها بقذارتهم حتى فقدت الشعور بكل شئ .. بجسدها .. بالحياة نفسها .. بذاك الاوكسجين الذين يدخل لرئتيها .. ظنت ان الحياة تقف عند حافة الاقليم السادس والفقر .. ولكن قسوة الحياة لا منتهى فيها .. على مد البصر .. مرة بل لاذعة المرارة ..
ابتعدت عني وهي تعود بقدمها للوراء قائلة : علي اني وصخة لتقربلي .
مسحت على كتفها قائلا : اششش همة الي وصخين .. رح يدفعون ثمن الي سووه .
هممت بالخروج وهي مازالت تبكي .. استوقفتني متسائلة : تتوقع الله سوى هيج بية لأن عفتك ؟.
التفت اليها قائلا بسخرية : بالعكس انت الي سويتي موغلط انج تدورين ع حياة احسن .. بس هو الطيب هيج ماله نصيب بالشي الي يحبه .
سألتني وهي تمسح دموعها : تتوقع اكو سواد اكثر من هيج بالحياة ؟.
حاولت ان اطمئنها قائلا باقتناع لأقنعها : خلي كلامي هذا ببالج .. الله يمد الظالمين بظلمهم .. يظلمون اكثر واكثر لحد مايوصلون لمرحلة ماوصلها احد من الظلم هنا ينتهون عند هالنقطة .. وتقريبا همة وصلوا لهالنقطة .. قرب موعدهم لتخافين .
....
المشكلة اننا عندما نبغي .. نظلم لانركز ولانستفاد بتلك الدروس التي اعتبارناها تافهة في التاريخ .. ولكن التاريخ يعيد نفسه مع كل فرد .. لكل ظالم ولكل عظيم ..
فرعون كذلك .. قصة فرعون تتكرر مع كل ظالم .. قارون .. والجميع بغوا .. واستمروا في ذلك .. وصلوا لدرجة في الظلم شديدة حتى كاد يفقد الناس ايمانهم .. وعند ذات النقطة عذبهم الله .. وجعلهم عبرة .. اغبياء مع كل نجاح ومع كل درجة عالية ينالونها .. يظنون انهم تفوقوا ولكن هذا السلم هو نهاية التهلكة اليهم ...
اصبح الان بيني وبين الاوغاد الذين هنا ليس ثأر او انتقام لأبي ولمنار ولي .. بل هي حرب بيني وبين الظلم .. بين الامل واليأس .. بين النور والظلام .. هي قضية بيننا لا مجرد ثأر ..
وانا مؤمن .. وايماني بحد ذاته بداية انتصاري ..
...
اتذكر انني تشاجرت ذات مرة مع سهر كما كنت افعل دائما اجرحهها بكلامي .. احاول ان اكرهها ولكنني افعل العكس كل مرة .. خرجت هي للعمل متجهة لمدرستها بينما انا ذهبت للاجتماع برجالي ... حاولت قدر الامكان ان اشتت تفكيري عنها ولكنني لم استطع .. ولايمكنني حتى تخيل ان اعود للمنزل مساءً فلا اجدها في تستقبلني بقلبة ولا تتحدث معي ... بجنون اتجهت الى مدرستها سألت عنها فأخبروني انها في احدى الصفوف .. ابتسمت وانا اسير تجاه الصف وانا اتخيل منظرها وهي تدرس الاطفال .. اعتقد انها ستكون رائعة والجميع سيحبها .. توقفت فجأة عن السير وانا اردد الجميع يحبها !.. نفضت افكاري قائلا : لا هي لي فقط وتحبني انا فقط !..
وصلت لصفها توقفت عند الباب اراها تقف امام السبورة وتلوح بيدها لتشرح لهم .. كان منظرها جميل للغاية .. ابتسمت وانا اراقبها .. فجأة توقفت عن الشرح وصدمت برؤيتي .. عضضت على شفتي وانا اخطو للداخل قائلا : لم استطع تركك وانتي غاضبة مني .
قالت بتوتر : مالذي تفعله هنا .. ارحل .
رفعت كتفي بعناد : لن افعل ..
التفت للطلاب وانا ابتسم اليهم لأسألهم : هذا صف رابع ب ؟.
اجابوني بصوت واحد : اي .
التفت اليها لأقول بابتسامة : هذا صفي .
قالت بتوتر : صفك شنو .. اطلع منا تروح تجي المديرة وتسويلي مشكلة .
دفعتني بخفة ولكنني ابيت وسرت لنهاية الصف لأجلس في الخلف ... زفرت هي بغضب وسارت تجاه الباب لتغلقها نظرت للطلاب قائلة : يلا كونوا شاطرين لأن الاستاذ جاي يقيم الصف .
كانت تخاف ان يفشي احد الطلاب دخولي .. عادت للشرح وهي تنظر للوح فقط تحاول كف النظر عني .. حتى ان خطها بدا متعرجا وهي تكتب لشدة توترها وخجلها ... كانت جميلة جدا وهي هكذا .. عفوية معهم .. وطيبة جدا .. سمعت صوت فتيان صغيران يتهامسان بجانبي .. اقتربت منهما لأسمعهما يتحدثان عنها .. همست لهما : شبيها محلوة !.
هز احدهم رأسها بالنفي قائلا : اني احبها وحزوجها من اكبر .
صرخت به بغضب وكأنني فقدت السيطرة لأنني اغار من طفل بسنه : تزوجها شنوو !.
اقتربت هي بفزع لتسأل : شكو ؟.
نهضت قائلا : اتفضلي .. يريد يزوجج .
انفجرت هي ضاحكة : هههههههههههههههههههههههه.
نظرت للطفل بحقد معلقا : هي مزوجة متزوج .. ومتحب غير زوجها .. شوفلك وحدة من هذني المسويات ضفاير بشعرهن .
اشرت على الفتيات اللاتي في الصف وسرت خارجا بغضب بينما هي تضحك : ههههههههههههههههههههههههه .
...
عدت للمنزل وانا متشنج لم افعل هذا !.. لم افشل دوما في كبت مشاعري .. كان من المفترض ان اكرهها .. امقتها من اجل والدها ولكنني افعل العكس ..
سمعت صوت الباب يفتح اثناء جلوسي على الاريكة .. دلفت هي فتصنعت انا فورا عبثي بهاتفي .. راقبتها وهي تخلع معطفها وتضع اغراضها جانبا .. دلفت للمطبخ وهي لاتحادثني .. وانا اقضب جبيني كطفل عنيد ترفض والدته ان تسامحه ... فجأة شعرت بها تحتضنني من خلف الاريكة ويدها تحيط برقبتي .. قبلت رقبتي قائلا : احبك .
ذاب الجليد الذي في جوفي فورا .. فابتسمت لألتفت اليها واقبل شفتيها قائلا : مارأيكِ ان تدرسي فتيات فقط !.
- ههههههههههه تغار ؟.
قلت بعناد : لا شنو اغار من اطفال .
ابتعدت وهي تربت على كتفي قائلة : عفية بحيبي العاقل .
دلفت للغرفة فنهضت فورا لأتبعها قائلا : بس اذا درستي ولد مرة ثانية انعل شكلج .
.....
..
ما اشعر به وانا مع سهر مختلفا عن ماشعرت به وانا مع منار .. لااستطيع السيطرة على نفسي وانا معها مهما جاهدت ذلك .. مهما حاولت كرهها .. مهما فعلت وفي اي وضعت كانت اجدها جذابة وجميلة .. ضربات قلبي وانا معها مضطربة .. تتسارع بقوة لتؤلمني احيانا ولكن الم ممتع .. حتى غيرتي عليها ليست طبيعية .. هي خليط من غيرة حبيب على حبيبته وزوج شرقي على زوجته وولد مدلل على امه .. كثيرا ما اشعر انها حقا امي .. كلما فكرت لا اجد احدا قد اهتم بي قدرها ..
اتذكر تلك الحالة الهستيرية التي اصابتني عندما اخبرتني انها حامل .. لم اصدق لوهلة .. حتى استوعبت فأنفجرت بها .. افرغت بها كل غضبي لأخرج من المنزل بأكمله .. انطلقت للورشة جلست هناك بمفردي في الظلام .. ورائحة وقود السيارات والزيوت تغطي المكان ..
هي حامل !.. لا لايمكنها ان تفعل بي هذا .. لايمكنها ان ترغمني على انجاب طفل لا ارغب به ..
لايمكنني ان اصنع ضحية في هذا الاقليم !.. في هذا المكان ..
لايمكنني ان اربي ولد في هذه الشوارع ليسمع كلاما بذيئا ويكبر قبل اوانه بسبب الفساد المنتشر هنا ..
لايمكنني ان ارتبط بها اكثر من ذلك .. ولا ارغب بأشخاص احبهم اكثر منها لأضعف ولتصبح لي نقطة ضعف .. ترعرعت وحيدا لا املك ما اخسره ولا حاجة لي بامتلاك شئ ثمين اخاف عليه ..
لايمكن لذلك ان يحدث ...
عدت للمنزل وانا متعب عجز عقلي عن التوقف والصراع مع قلبي .. فتحت الباب لأجدها تهم بالخروج .. استوقفتها فقالت لي بتهكم وعيناها متورمتان من كثرة البكاء : رح امشي .
خرجت فبدأت انا اسير خلفها .. لايوجد في الشارع سوى ظلينا .. سارت كثيرا وهي لاتملك وجهة حتى جلست على الرصيف .. بدأت انا بالتدخين ناظرا لها بقلة حيلة .. كيف اخبرها انني لا ارغب بأبني ان يصبح يتيما .. كيف لأبني ان يخرج لهذا العالم ويرى العراق هكذا مشتت لأشلاء .. يرى ان ذاك الاسم وتلك الحضارات قد دثرت وان عليه تقبل وطن في اقليم بائس !.. كيف يمكن ان يرفع رأسه ويفتخر بأصله !.. هل اخبره ان الذين يعشقون اوطانهم يلقون في اقليم القمامة !..
لايمكنني ان اظلمه بهذا الحياة !..
...
عندما ذهبت للمشفى لأجهاض النطفة التي نسجتها انا وهي كنت انا هناك .. اراقبها وهي جالسة على كراسي الانتظار تحدق بصور الاطفال المعلقة على الجدار .. كانت يدها تتحس بطنها .. تلامس صغيرها .. وددت لو اني فعلت ذلك .. لو انني لمسته ايضا .. ودعته واخبرته انني افعل ذلك من اجله .. دلفت للداخل بعد قليل خرجت الممرضة لتناديني كما طلبت منها .. ان اكون بجانبها وهي نائمة .. كانت هي قد خدرت للتو وغرقت بتأثيره .. وكانت الطبيبة تحضر عدتها هي والممرضات .. اقتربت من السرير الشنيع الذي استلقت هي عليه .. ابعدت الغطاء قليلا من على بطنها ورفعت قميصها لألمسها والمس صغيري .. كنت امسح على بطنها الناعمة .. اعتقد انها لو انجبته كان سيكون جميلا مثلها .. بشرته تشبه بشرتها الناعمة .. انحنيت لأقبله لأول واخر مرة .. سألتني الطبيبة قائلة : نبدي !.
وكأنني تحولت لقاتل واطلب منها البدء !... اقتربت انا من اذنها لأهمس : اسف .
.....
..

عدت من ذكرياتي على صوت طرق باب الغرفة .. قلت للطارق : ادخل .
فتحت الباب لتدخل منار وهي مبتسمة حاملة باقة من الزهور .. قالت بابتسامة : حمد الله ع السلامة .
اجبتها وانا احاول ان ابتسم ولكنني لا استطيع : الله يسلمج .
وضعت الزهور جانبا لتسير مقتربة من سرير متسائلة : شلونك خوفتنا عليك ؟.
قلت وانا اشير بيدي : بعد ماجا دوري هسة لتخافين حتى اموت .
جلست على الكرسي الذي بجانب السرير قائلة : موكافي !.. جان ممكن تموت .
حركت رأسي بالرفض قائلا : لا .. بعد مو هسة حموت .. من اجازيهم حموت .
قالت بجزع : الله ياخذ حقك منهم .. الي صار بيك لحد هسة هواي .
ابتسمت : وحسابهم كثر .. غيرت الموضوع لأقول لها برجاء : المهم .. عندي طلب منج .
وجهت تركزيها علي قائلة : قول ؟.
قلبي خفق : اريد احجي ويا سهر بس اطمنها علية .
سألتني : وشلون ؟.
ابتسمت لاجيبها : ماعتقد الموضوع صعب عليج !.
ابتسمت لتنهض قائلة : هههه حاضر .. حتصرف .
.....

اقليم القمامةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن