١١

9.1K 271 20
                                    

11- ميلاد جديد
كانت فلورا تجر الكرسي النقال الذي تجلس عليه الكونتيسة على طول الممر الذي يتعرج في حديقة القصر , الطقس خريفي, في أحد أيام شهر أكتوبر - تشرين الأول , وكان شهران قد مضيا على حادث الكونتيسة وعلى رحيل ألان , الشمس تسطع على الأزهار , العطر وحده هو الذي تغير , فقد حل محل الورد والميموزا أريج أكثر عنفا هو أريج الجرانيوم والنعناع البري.
أوقفت فلورا الكونتيسة في ظل أشجار السرو العالية , ثم جلست في مقعد بأتجاه الكونتيسة.
" هل أنت مرتاحة يا أمي؟ هل تريدين وسادة تحت رأسك؟".
قالت المرأة العجوز وهي تبتسم بلطف:
" لا تقلقي علي بعد الآن , الطبيب بنفسه أكد لك أنني قد شفيت تماما , وأنت تدللينني كأنني ما زلت ضعيفة الى درجة الذوبان تحت أشعة الشمس".
أسترخت فلورا مرتاحة لكلام الكونتيسة , صحيح أن صحتها ضعيفة وتتعب بسرعة, لكن تحسنها كان مذهلا , لأسابيع طويلة ظلت فلورا تسهر على راحتها , لا تركها لا في الليل ولا في النهار , الى أن نصحها الأطباء بضرورة اللجوء الى الراحة , وحتى في راحتها كانت تقصد المريضة بأستمرار , الى أن تأكدت بنفسها من التحسن الملموس في صحتها , وخف لديها الشعور بالذنب.
غياب ألان كان يحمل بالنسبة اليها أكثر من علامة أستفهام , ولا مرة , سألت الكونتيسة فلورا عن السبب الذي جعلها تغادر القصر , كأنها تريد أزالة هذا الحادث من ذاكرتها , والتصرف كأنه لم يحدث أبدا , وفلورا هي أيضا كانت تفضل هذا الحل , فهي لا تعرف أن المرأة العجوز ليست في صحة جيدة يمكنها معه أحتمال هذا الموضوع المؤلم , ولا بد أن يأتي يوم يستطيعان أن تتحدثا فيه عن الموضوع , عاجلا أم آجلا , لأن ألان سيعترف بحبه لسولانج.
سألتها المرأة العجوز فجأة وهي ترمقها بنظرة ثاقبة:
" هل عرفت أن ألان تحدث معي مساء أمس بالهاتف؟".
أنتفضت فلورا ووضعت يدها على وجهها لتخفي أحمراره المفاجىء , كانت تعرف أن ألان يتصل بوالدته بأستمرار , لكن, ولا مرة طلب التحدث الى زوجته , وهي أبت عليها كرامتها للسؤال عن أخباره.
أجابت بصوت خاطف:
" كلا, لم أكن أعرف , كيف حاله؟".
" كان يبدو في مزاج رائع , كان صوته واضحا وواثقا ومليئا بالنشاط , حتى أنه بدا لي أنه عاد كما كان قبل أن يفقد بصره".
مسحت دمعة قبل أكمال حديثها في لهجة أكثر عنفا:
" رفض أن يحدثني عن أحواله , حاولت معرفة موعد عودته الى القصر , لكنه أكتفى بالقول: أفضل أن أفاجئك وعندما أعود سأطلعك على خبر سار...".
ثم تابعت وهي مقطبة الحاجبين:
" أنه يزعجني بأسراره , لماذا يرفض حتى أن يقول لي أين هو ؟ ما هو السبب الذي من أجله يريد ألا نعرف عنه أي شيء؟".
لم ترد فلورا , كانت تتعذب لأنها تعلم أنه في باريس مع سولانج , ومرا ت عديدة , خلال الأسابيع التي مضت , كانت تستيقظ في الليل وتتصوره واضعا ذراعيه حولها , هامسا بصوته الحزين , فتشعر بالسعادة الكبرى لبرهة قصيرة , وتتساءل اذا كان هو أيضا يتذكر تلك الليلة عندما كانت رائحة الأزهار تدخل من النافذة المفتوحة , تضفي نعومتها على الوقت الثمين الذي أمضته , هل هذه الذكريات هي التي جعلته يطلق عطره الجديد بأسم زهرة الحب؟
لكن كلمات الكونتيسة كانت بمثابة أستهزاء بها , لأن أحلامها الكبيرة لم تكن سوى وهم وخرافة , أنه يبدو لها في مزاج مرتفع ومليء بالثقة والنشاط وأذا كان سبب هذا التغير في شخصيته عائدا الى سولانج بالذات , فهي ولا شك تستحق عن ذلك كل تهنئة , حتى الكونتيسة نفسها التي لا تشعر أتجاه سولانج بأي أنفعال ايجابي , لن تجد مانعا من زواجها من ألان , وخاصة عندما يفهمها ابنها أن سعادته متعلقة بوجود سولانج بقربه.
لم يعد بأستطاعتها أن تتحمل أكثر , فنهضت بحيوية وكبتت دموعها حتى لا تزعج المرأة العجوز وقالت:
" أنا متأكدة من أن ألان لن يجعلك تنتظرين مجيئه مطولا , يا أمي, ويجب أن تكفي عن الأضطراب , وأدركي كم سيكون حزينا أن هو عاد ووجد أنك ما زلت مريضة وضعيفة".
ثم تابعت وهي تسوي الوسائد تحت رأس الكونتيسة:
" هيا , أغمضي عينيك, أنها ساعة القيلولة".
بقيت حوالي عشر دقائق قرب الكونتيسة , لكن ما أن تأكدت أنها نائمة , حتى أبتعدت بهدوء نحو مكانها المفضل حيث يمكنها رؤية منظر شديد الروعة يطل على حقول الزهر وعلى القرية المجاورة.
وهناك وجدها لويس, فأستقبلته وعلى وجهها أبتسامة صادقة:
" من غير العادة أن أراك في مثل هذه الساعة يا لويس! وصباح اليوم , قالت لي أمي أننا نراك نادرا في هذه الأيام , كأنك أصبحت فجأة رجل أعمال".
جلس على العشب بقربها وقال في رصانة:
" فلورا, يجب أن أكلمك:
فتحت فلورا عينيها وقد أنتابها القلق, وألقت نظرة على الكونتيسة فأسرع يطمئنها :
" أنها في صحة جيدة , عندما مررت أمامها , كانت تنام نوما عميقا".
" لكن , ماذا عندك تقوله, يا لويس؟ لماذا هذه النظرة الجادة".
بدا وكأنه يجد الكلمات بصعوبة , فأنتظرت فلورا حتى ينسق أفكاره , لكنه تقلص عندما قال فجأة:
" هل أنتهى كل شيء , أقصد بينك وبين ألان؟".
أحمر وجهها وهمست:
" ليس لك الحق في أن تطرح علي مثل هذا السؤال".
أفقده جوابها ضبط النفس الذي حاول جاهدا المحافظة عليه, فألتفت نحوها في غضب:
" ما من أحد في هذا العالم يعنيه الأمر أكثر مني! منذ أسابيع وأنا أراك تتمزقين, في أنتظار كلمة أو حركة واحدة من الرجل الذي تخلى عنك , خاسرا بذلك حتى حقوقه كزوج ! ويوما بعد يوم تصبح عيناك أكثر حزنا , ووجهك الجميل يفقد عذوبته . لست سوى ظل صغير صامت, وقلب مثقل بالندم , أنك منهارة الى حد لم تلاحظي مقدار الحب الذي أكنه لك والذي لم أستطع أخفاءه , أنني أحبك, يا فلورا!".
" أرحلي معي ... الآن , وأنني أعدك بأن أكرس حياتي كلها لأريحك من العذاب الذي سببه لك ألان".

🎉 لقد انتهيت من قراءة روايات احلام/ عبير: قالت الزهره اه 🎉
روايات احلام/ عبير: قالت الزهره اهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن