لا شيء سوى الرماد

2K 162 34
                                    

نفضت ثيابي واخذت زجاجات البذور وملأت السلة بها ودخلت في المنزل بعد عمل شاق إعتدت عليه ولم يعد يتعبني او يؤلم أضلاعي.

جلست على الصوفا وأزفر بتنهيدة طويلة معبرة عن الملل الذي أعيش فيه رفعت جوشيكا عينيها عن الكتاب الذي بيديها وقالت: أتريدين قراءته؟
-ماذا يحتوي؟
-لا شيء سوى الرماد.

نظرت بتعجب وأستهوتني عبارتها بجهلي عم تقصد فأجابت وكأنما قرأت السؤال الذي دار في ذهني: ذلك عنوانه! مددت يداي واخذته وتصفحت بعض صفحاته.
لفتتني أحد اﻷقتباسات به:

"كن كالجبل الإلهي الذي يستنشق عفن الجثث كل يوم ولكنه صامدا لا يتألم من قسوة البرد ولا أنين الجرحى ولا نياح المحبين.
ميثيور.أ"

-جوشيكا جوشيكا من ميثيور هذا؟
-إنها حكاية قديمة همهمت بصوت قصير وكأنها تود قولها لي لكنها تخشى شيئا: لا أظنها ستسمح لي بذلك.
وعكفت شفتاها واشاحت عينيها عني، لم أستجب لنداء تساؤلاتي فأنا أعرف جوشيكا جيدا فهي إمرأة تمتلك قلبا وعقلا كالصخر عنيدا لا يلينه شيئا لكنه من نوع فريد! حتى النيران لا تذيبه، هه.

قررت أن أقرأ ماتحويه مكتبتها فهي لديها موسوعة ضخمة من الكتب، جميعها عن اﻷعشاب واﻷزهار، لقد تغيرت رؤيتي لجوشيكا وهي إمرأة حمقاء ذات صوت حاد وذات شخصية متأمرة، بل بدأت صورة جانبها الرائع والمشرق تظهر لي شيئا فشيئا فلقد أحبتتها كثير عكس ماكنت أتوقعه في مقابلتي اﻷولى لها.

تصفحت القليل من الكتب وجميعها لم تعجبني فقررت ان أخرج ﻷتسكع قليلا تحت قناديل السماء.

مشيت بين أشجار الموز والبلوط أسفل التل وكانت اغصانها تصتدم بي، صعدت التل وجلست اسفل شجرة بلوط ضخمة بجانبها أزهار القاردينيا ذات الرائحة الزكية.

عزفت بأوكارينتي معزوفة "ضوء القمر"، لم أشعر بنفسي إلا عندما إستيقظت مع منبع الشمس وطائر التنجار يلحن بصوته فوق شجر البلوط.

عدت مسرعة للمنزل حيث اخذت تنهيدة طويلة وحمدت إلهة القمر أنها غنت لجوشيكا حتى طال نومها.

جلست على الصوفا واصرخ لجوشيكا عندما تأخر الوقت فلقد طال نومها بحق لدرجة شككت أنها قد ماتت منذ البارحة، ذهبت اليها وصفعتها بالكتاب الذي كنت اقرأوه فإستيقظت بنصف عين وتنظر للشمس من النافذة وتقول: دعيني أنام يافتاة فالوقت لا زال مبكرا.

فأجبتها بتململ: إن الشمس ليست مؤقت للزمن ياعزيزتي خصوصا في نهار شتوي!
-في أي وقت نحن الأن؟
-الظهيرة.
تشقلبت من فراشها وسقطت على الارض فقالت وهي تتألم: اللعنة! لم لم توقظيني! الم تسقي النباتات؟ سوف تذبل اللعنة عليك ياجوشيكا!

فضحكت وأجبت: جوشيكا أرجوك مالذي دعاك تسهرين كل ليلة البارحة؟ لم تجبني بل ربتت ثيابها وذهبت لتغسل وجهها وتقم بأعملها.

أما عني أنا فأرتديت معطفا قطنيا أخضرا داكن وبنطالا أسود بنقوش تنانين ذهبية وارتديت أحذية بلون الزيتون وخرجت للبلدة ﻷسأل باعة الكتب لعلهم يعرفوا شيئا عن ميثيور الذي طال الحديث عنه.

وصلت لذاك الدكان الخشبي كان بيسطا ولكن بساطته زادته أناقة مما جعلني أتحمس لرؤية صاحب المحل.

دخلت ووجدتها إمرأة من الجآن، كانت إمرأة بسيطة كبساطة دكانها حيّيتها وأخذت أقلب عيناي في الدكان وثم سألتني: أتبحثين عن شيء؟ فأجبت والخجل يحمّر وجنتاي: نوعاً ما، نعم نعم!
وثم أردفت: من ميثيور؟ اقصد هل تعرفين عن شخص إسمه ميثيور ذكر في الكثير من الكتب؟

فوضعت يدها على فمها لتخبيء ضحكتها وقالت: أنا بأجم ذهولي فمن يسكن هنا ولا يعرف المحارب العظيم ميثيور؟

-نعم لقد أتيتكِ لكي أعرف من هو، أخبريني من فضلك!
سكبت لي شايا من إبريق خزفيّ ووضعت خلفي كرسي خشبيّ بلون بني داكن، وقالت: إجلسي فسيطول حديثنا.
عندما هممت بالحديث وضعت يدها على فمها وقالت: احتفظي بأسئلتك بعد نهاية حديثنا.

ميثيور ابن إيتوس محارب السماء العظيم في الحرب العظمى التي دكت بين ميقاليو وإيدافوس.

كان محارباً شهماً فعندما وصل الميقالييون حاربهم بيد واحدة وأراق دمائهم فوق جبل الآلهة حتى أمتزجت مع نهر العفاريت الذي ينسّل من فوق الجبل فتحول للدم واللون القرمزي الداكن.
كان ميثيور بشرياً من ميقاليو وهذه هو الشيء المهم والصادم في شخصه، لقد حارب بجانب إيدافوس بسبب امرأة أحبها من سحرة ثيودرستيما وما يحرم على ساحرات ثيودرستيما هو أن يتزوجن أو ينجبن الاطفال!

لكن التي احبها كانت ابنه الملك ولم يقام لها حداً بل بعد أن إكتشفوا أمره طردوه خارج البلاد إلى قيسليني على الرغم انه حارب بشهامة ونُبل.
ثم أردفت بنبرة أخرى: حسناً، هل لديك أي أسئلة؟

فإبتسمت وقلت: الكثير!
-حسناً حسناً تفضلي.
في الحقيقة لم اكن اعرف بماذا أبدأ فسمحت لأول سؤال تبادر في ذهني ان يخرج:ما إسم محبوبته وهل انجبا أطفالاً او تزوجا؟

فضحكت وقالت: سؤال غريب! حسناً سأخبرك، محبوبته لا أتذكر إسمها جيداً لكنها كانت حمراء الشعر بيضاء البشرة وجميلة كالملائكة، نعم لقد أنجبا طفلاً او طفلة وأظن أنه قد مات لأنه فقد والدته فبالتأكيد لن يعيش.

دخل زبون إلى الدكان مقاطعاً حديثاً وطلب منها بعض اللفافات فقلت بإبتسامة مزيفة وانا ارتشف أخر قطرات من الشاي: شكراً سيدتي لقد أخذت من وقتكِ الكثير.
ودعتني وأخبرتني أن أعيد الزيارة ورحلت.

بوكالتورانوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن