رحلة عديمة الفائدة

2.5K 191 35
                                    

ولأول مرة يندرج الحظ تحت رايتي حيث كانت الظروف سانحة لي أن أخرج بكل حرية دونما أن يكتشفني شخص ما؛ بحيث أن جوشيكا في الخارج لبيع الخضرة وأنا بكل طاقتي وحيويتي وحماستي.

حملت تلك الرسالة والاسئلة تكاد ان تهشم جمجمتي بكثرتها، إرتديت وشاحي المخملي الأسود بزخارف ذهيبة ودبوس أزرق داكن يغلقه وحذاء مرتفع لركبتي بلون الغروب القرمزي، عقدت شعري الأحمر بقطعة قماش زرقاء وخرجت بلا دليل أو أي فكرة عن ماذا سأفعل او أين سأذهب.

كانت إيدافوس كعادتها مشعة بالحياة والبهجة والجمال، وكأن قلب الارض ينبض تحت عرشها، كنت أغني أحد الأغاني الشعبية ﻹيدافوس التي تعلمتها، رفعت رأسي للسماء التي تحتضن الشمس العظيمة في أعماقها وتنسكب علينا أشعتها المريحة والدافئة في فترة الظهر الربيعية، كانت مشاعر الطبيعة تحتوينا وتشعرنا بجماليتها، متناسية اولاءك الذيك نسوا جمال الحياة وذهبوا لجانبها المظلم وقبعوا فيه تاركين كل ماتملكه الحياة من جمال ومشاعر لا متناهية.

أخذت أوكارينتي من جيب بنطالي وعزفت اغنية جبال الالهة التي علمني إياها صبية أقدام اﻷيل الغرباء، مالبثت حتى ظهروا أمامي وكأنها أغنية سحرية تجلب الامنيات، لقد كنت بحاجتهم بحق! فسألتهم مسرعة خشية أن يبدأوا بأغنيهم اللانهائية: هل يوجد مترجم يترجم لي من لغة إيدافوس إلى لغة قيسليني؟
فأجابوني بصوت جماعي: هنا. رافعين ابصارهم ومشيرين بأيديهم إلى الجبل الاعظم الذي يحمي إيدافوس من أشرار  العالم كما يقال، حيث جبل الالهة يحد إيدافوس من الجنوب والجبل الاعظم من الشمال.

لقد إنتابتني مشاعر الرهبة والخوف من المجهول وأيضا أنا جاهلة تماما عن طبيعة هذا الجبل، لا أعرف لم تغيرت لهذا الحد العجيب ففي السابق لم أكن اخشى شيئا وكنت نوعا ما حمقاء لكنني أنجوا بإعجوبة.

إستيقظي يابوكالتورانو وأتركي مشاعرك كما تركك والدك ووالدتك! إتركيها خلفك لا تخشي شيئا، عندما تسيطري على مشاعرك ستكونين مسيطرة على العالم بأكملة! فالمشاعر هي المشكلة دائما.

لم أعرف ماذا كنت أحشوا عقلي به لكنني أكملت مسيرتي ومتجاهلة مشاعري تماما، كنت أمشي في تلك الطرقات حيث الأقزام والمسخ والجآن ونصف الجآن كما يسمون والأناس مثلنا، كانت بلاد العجائب حقا.

سألت أحد الباعة والاشخاص الذين مررت بهم بطريقي عن ماهية الجبل، لم يعرني أحد إهتماما حتى توقفت عند أحد الدكاكين وجلست على كرسي وضع أمامة بجسدي المنهلك تماما، فسألته وأنا ألهث: هل تعرف شيئا عن الجبل اﻷعظم؟
فأجابني بإبتسامة ساخرة: هل لطفلة مثلك تنوي الذهاب لذلك الجبل؟ فلتقلي لا، أرجوك!
لم أجب بل نظرته مستغربة لأسلوبة الوقح!
فقال: لا تنظري إلي هكذا يافتاة! إنه الجبل الذي يقبع فيه سحرة ثيودرستيما حماة إيدافوس. لا أظن أي شخص من العامة سيفكر أن يذهب هناك فهو تقليل من إحترامنا لهم وأيضا المكان محفوف بالمخاطر!
فأجبته: هل تعرف من أنا حتى تحكم علي أنني من العامة أو لا!
فقال مستغربا: جميع من هناك نعرفهم كما نعرف عائلاتنا، لكن من أنت قد تكونين ممن إنظموا مؤخرا؟
لم أجيبة لئلا أحرج نفسي فأنا لا أعرف شيئا مما يقول.

أكملت مسيرتي متجاهلة كل شيء خلفي، وبينما كنت أسير في طريقي لمحت شخصا أعرفه.. ليس كثيرا لكن أشعر أنني ألتقيت به من قبل! حاولت أن أقترب أكثر إليها لكنني أضعته بسبب الزحام، فأضعت الطريق معه وتبا لي!

عندما وجدت أحد الازقة التي تبين أنها لا منازل بها سوى الغابات العظيمة أرتحت وأكتشفت ان الجبل أقرب إلي من انفاسي، خرجت راكضة ومتحمسة لكن هنالك الشبح ذاته الذي تسبب لي بفقدان مسار طريقي وضاع في الزحام، إنه إمرأة لكن من؟ غروب الشمس والظلام الحالك كافيان لحجب وجهها.

تكلمت قائلة: مالذي أتى بك إلى هنا؟ لماذا تحبين أن تحفي نفسك بالمخاطر يابوكالتورانو؟
إنها تلك المرأة! نعم تلك التي قابلتها عندما دخلت ﻹيدافوس! تلك حمراوية الشعر! لقد كانت تجدني عندما أكون في مصيبة ما لا أعرف لم!
وبختني وأمسكت رسغي ومشت في أزقة لم أمر بها من قبل وكأنني لم أمر بهذا الطريق قط!

عندها وصلنا لطريق مليء بالاشواك والورود الجافة وتلك الاصص المليئة بالاشجار المهملة التي لم تفقد جمالها رغم موتها، كانت الارضية حجرية والاسقف رخامية بلون الينابيع الدافئة، كان ممرا عجيبا لم أره رغم أنه كان في بداية الغابة التي مررت بها عندما جمعنا الفطر أنا وجوشيكا.
إنتهى الممر بباب خشبي عتيق ورؤوس الاسود تنتصف كل منه.

عندما همت لفتح البوابة همهمت وكأنما تذكرت شيئا مهما غفلت عنه فأخرجت شيئا من حقيبة صغيرة تحملها على فخذها ومددت يديها حول عنقي وعقدت تلك القلادة! قلادة الدم!
وقالت: إياك أن تخلعيها حتى تخرجي وسأخذها منك.

فدخلنا إلى ساحة كبيرة جدا تنتصفها نافورة بها تمثال شيطان يعزف بالناي وملاك يعزف بالهارب وكل منهما يحمل صولجان لكن الاشجار نمت عليها وأظن أنها لم تعد تعمل حيث المكان كان أشبه بمسكن للشياطين فلقد كان كئيبا ومهجورا حيث الاكواخ المهدمة والاشجار الذابلة المنعكفة على نفسها.

سرنا كثير حتى كان هنالك كوخ خشبي حي لم يهجر كباقي الاكواخ، كانت الإنارة مشعلة والمدخنة يتصاعد منها الادخنة، كان كوخا بسيطا جدا وأشبه بمنازل فقراء قيسليني، فتحت الباب ودخلنا حيث كانت هنالك طاولة مستديرة في منتصف الكوخ وارفف مليئة بالاعشاب الخيميائية فلقد تعرفت عليها بسرعة بسبب أعتياد عيناي لرؤيتها لدى ساحرة الجبل، سحبت كرسي وقالت لي أن أجلس، قامت بسكب لي الحساء وبدأت تطحن الاعشاب وتضعها في زجاجات صغيرة بسدادات إسفنجية كما كانت تفعل ساحرة الجبل، لقد أعجبت بعملهم إن السحرة والخيميائيين مذهلون جدا!
إنتصف الليل فأعطتني أغطية ووسادة واخبرتني أن أنام لكي أعود نهار غد.

عدت إلى قلب إيدافوس حيث كل شيء جميل ومشع، تركتني منبهة لي أن لا أكرر هذه الافعال الطائشة التي لا عائد منها مضيفة أن أحتفظ بقلادة الدم وأحافظ عليها وأن لا أسلمها ﻷي أحد كان، ورحلت.

بوكالتورانوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن