(٢)

1K 31 7
                                    

-2-

انها نجلاء
ألقت التحية على الجميع
الكل رد سواى, منذ أن افترقت عن أيمن وهي تتجنب الأماكن التي يمكن أن أتواجد بها, لكن المفاجأة هي عندما دخل خلفها عم سعيد الساعي وهو يحمل علبة شيكولاته كبيرة فاخرة يدور بها على كل من في المكتب
هل يمكن أن أحذر المناسبة السعيدة التي جعلتها تقدم الشيكولاته الفاخرة لكل العاملين بالمكان؟
لا داعي فقد سألها كمال, وأجابته وهي تعطيني ظهرها متعمدة, وبصوت بدا في أذني يحمل رنة خجل عظيمة : بمناسبة خطوبتي
رغم محاولاتها لتجنبي إلا أنها في النهاية وصلت عندي, قدمت لياسر الشيكولاته ثم التفتت الي وقالت بصوت خفيض : مرحبا أميرة, كيف حالك؟
وضعت ساقا فوق الأخرى وارتفع حاجبي الأيمن بتحدي وأنا أقول بتهكم : الحمد لله, أحاول التواؤم مع تناقضات المجتمع
يبدو أن انتظارك لم يطل كثيرا؟
ظهر الإحراج البالغ في ملامحها وقالت محاولة اسكاتي : تفضلي الشيكولاته
قلت باشمئزاز : كلا, شكرا, فأنا أتخذ حمية, وتلك الشيكولاته ستفسد معدتي
نظرت الى باب الغرفة لأجد مدحت الكومي يدخل من الباب ومعه زكي, فنهضت من الكرسي وقلت لها بصوت لم يصل اليهما, هنيئا لك خراب البيوت, ما كنت أتصور أن يأتي اليوم الذي أرى فيه رفيقة الجامعة زوجة أب وخرّابة للبيوت!!
قالت بانكسار : لا تظلميني فهو لن يطلق زوجته
ارتفع حاجباى دهشة : لقد بدأت التنازلات مبكرا
أخذت أنقل نظراتي بينها وبين مدحت الكومي الذي اقترب منا قائلا لها : هل انتهيتي يا حبيبتي؟
قالت بطاعة : بلى
قلت ساخرة : لا تتعجلها أيها الجني.. أقصد أيها العريس, لا يمكن أن ترحل قبل أن تتلقى تهنئتي بزواجها الأسطورى
حقا, ان ما نالته لم تكن لتحلم به حتى في أيام الجامعة
رجل لا ينقصه شيء, مال, شهرة, وقريبا جدا سلطة, وعمرا ضعف عمرها, وتجربة حافلة في مجال النساء, بالإضافة الى ضرة وأولاد لكيلا تشغلى بالك وترهقي جمالك بحمل وانجاب
التفت الى الكومي وظهرت في عينيه نظرة قاسية وهو يتأملني من فوقي لتحتي : لا أعتقد أن هذا الأمر يهمك كثيرا؟
قلت وأنا أرميه بنظرة أقسى منها : إن هذا الأمر لا يهم أحدا سوى زوجتك الأولى
قال ساخرا : اطمئني, زوجتي تعلم وتوافق على هذا الزواج
قلت ساخرة : حقا!! هنيئا لكم أنتم الثلاثة, فلتشربوها معا بالشفاء
قال ببرود : هيا يا حبيبتي, فليس لدينا وقت نضيعه هنا
رحلا وهتفت من غيظي وأنا أرتمي على الكرسي أمام مكتب ياسر : يا الهي!! أهناك بشر بتلك الشخصيات المريضة!!!
انظر كيف يتكلم بكل غطرسة وتبجح وكأن النساء لعبة بين يديه!!
هذه هي مأساة الزواج الثاني, إنه اهانة للمرأة بكل المقاييس
يجب على الأزهر أن يصدر فتوى لإيقاف تلك المهازل المهينة, لا بد من تقنين الزواج الثاني والثالث بأية وسيلة, على الأقل يضعوا له شروطا تعجيزية تكف يد كل من هب ودب عن استغلال الشريعة لمآربه الشخصية
فجأة تحدث ياسر بجدية : الأزهر لا يمكنه فعل ذلك
هتفت بغيظ : ماذا!!
قال بهدوء : لا يمكن أن نطالب بتغيير جزء من الشريعة لتتناسب مع حالة فردية اصطدمنا بها في حياتنا
اذا لطالب كل من وقع في مشكلة وكل من يريد جزءا أكبر من الميراث بتغيير الشريعة لتتناسب مع مطالبه
قلت بغيظ : تتكلم هكذا لأنك رجل, ان الزواج الثاني والثالث هو امتهان لكرامة المرأة
قال بهدوء : الخطأ ليس في الشريعة لنغيرها, بل في من يستغلونها لصالح أهواءهم
يبدو أنك لم تلاحظي أن الاثنتان قد وافقتا على ذلك الوضع, لم يجبرهما أحد, كان من الممكن أن يرفضا
قلت بضيق : انظر اليه, انه يحصل على كل ما يريده من نساء, في حين أن آلاف الشباب قد فاتهم قطار الزواج, ولا يستطيعون التحصل حتى على زوجة واحدة, ولا أمل لهم في الزواج
انها مشكلة بلد بأكملها, أحلام الشباب تشيخ وتموت من قبل أن تتحول الى واقع, والأزهر من واجباته علاج تلك المشكلات التي تدمر الشباب, أو على الأقل التنبيه لها واصدار فتاوى تكون مرجعا لكل من يحب أن يعود اليها
قال : الأزهر لا يستطيع اصدار فتوى كهذه دون أدلة شرعية
هتفت : وماذا عن المصلحة العامة, والعرف؟ ألا ترى أن البلد الآن بحاجة الى ذلك؟
قال : الأزهر ليس مؤسسة مصرية فقط
قلت بدهشة : ما الذي تعنيه بأنه ليس مؤسسة مصرية؟ العالم كله يعلم بأن الأزهر هو مصر
قال ببساطة : الأزهر موجود في مصر, لكنه ليس تابعا للحكومة المصرية, أو بمعنى أدق, لا يجب أن يكون كذلك
لعقود طويلة والأزهر جامعة عالمية يرتادها المسلمون من كافة الأرض
يرسل دعاة وأئمة ومفتيين الى كل البلاد يفتون بفتاوى الدين ويعلمون الناس الدين ويقضون في مشكلاتهم الفقهية بما تعلموه في الأزهر من مذاهب وعلم شرعي
هناك بلاد الزواج الثاني والثالث بل والرابع فيها ضرورة حتمية, وعرف ومصلحة عامة, وفي بعض الأحيان يكون هو الحل لإصلاح المجتمع
عندما يفتى الأزهر بفتيا تقنين أو تحديد ما أحله الله من زواج ثاني وثالث ورابع, اذا فهو يتجاهل مصالح تلك البلاد ويتجاوزها الى مصلحة بلد واحد, وهو البلد الذي يقع فيه
كنت أتأمله بذهول وأنا أستمع الى كلماته العجيبة, ثم أفقت من شرودى عندما سكت, وسألته : ولكن, أليس الأزهر هو مؤسسة مصرية تابعة لمصر؟
قال بثقة : الأزهر مؤسسة عالمية موجودة في مصر, يستمد عالميته من الإسلام نفسه, فهو دين عالمي وليس حكرا على بلد دون الأخرى
في رأيي أن الأزهر يجب أن يكون مثل البيت الحرام والمسجد الأقصى, أى أن يكون وقفا للمسلمين كافة, فهو منارة العلم لأزمان طويلة, منه انتشر الإسلام في بلاد لم تكن تعلم عنه شيء
عندما نأتى الآن ونحوله لمجرد مؤسسة تابعة لدولة ويخضع لسياستها ويتناول علماؤه رواتبهم من حكومتها , اذا فنحن نقتله قتلا ونحوله الى مسجد عادى كأى مسجد آخر في مصر
بل ونمحو تاريخه الحافل كمجمع اسلامي عالمي يلتف حوله المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها
مع الأسف, لقد فقد الأزهر أهم ميزة فيه وهي أنه مؤسسة عالمية لا تتبع سياسة أى دوله ولا يتحكم فيها سوى شرع الله فقط
لا أدرى ما هذا الهدوء الذي هبط على من السماء بعد أن كانت كل عضلة في مشتعلة بالغضب
لا أفهم بالضبط كيف صمت صمت التلميذ المطيع أمام ذلك المنطق الهادئ والحوار العقلاني, حتى استفقت على كلمات أستاذ فؤاد له : أتعلم أنك محق في كل كلمة قلتها, فتلك هى المأساة الحقيقية التى يعيشها الأزهر الآن
قلت بأسى : ولكن, كيف يمكن أن نمنع أمثال ذلك الكومي من استغلال ماله ونفوذه واستغلال الشرع لصالحه والإستيلاء على ماليس له بحق
تنهد الأستاذ فؤاد وقال بتعاطف : مسكين أيمن, كان يحبها للغاية
قال ياسر متسائلا : ومن أيمن؟
قال أستاذ فؤاد : إنه أخوها, وكان خاطبا لنجلاء
ابتسم ياسر : الآن فهمت, لقد كنت متعجبا من أسلوبك الساخر العنيف معها, كنت تكيلين لها الكلمات الحارقة كيلا
قال أستاذ فؤاد : أميرة صريحة للغاية, لا تستطيع أن تجمل الكلمات ولا أن تسكت عما تراه خطأ
ابتسم قائلا : بلى, رأيت ذلك من أول يوم لي هنا
لم ينظر نحوي, ولكني أخذت أتأمل ابتسامته الهادئة وأنا أتعجب في قرارة نفسي من عقله ومنطقه, كان وجها جديدا لم أتعرف اليه قبلا, كما أن أسلوب حواره هادئ وودود للغاية
يبدو أنني قد اقتنعت تماما برأى أستاذ فؤاد عنه, فمعاملته كزميل ليست شيئا سيئا على الإطلاق
قال بعد صمت : إنها ليست مخطئة
استفزني من جديد فهتفت : ماذا!! ليست مخطئة!!
لقد تركته هكذا ببساطة كما لو كانت تلقي بثوب قديم لديها
قال : أخوك هو المخطئ, فقد أساء الإختيار من البداية
رفعت حاجبي الأيمن قائلة : وما الذي تعرفه عن الحب أيها السيد؟ لقد كان يحبها بجنون, وهي لم تقدر ذلك الحب
رد بهدوء : ذلك هو أصل الداء (يحبها بجنون) مشكلة الحب المجنون أنه أعمى, يعمي صاحبه عن رؤية العيوب في محبوبه
لا شك أنه كان للأمر مقدمات, ولكنه تغافل عنها, أو أقنع نفسه بأنها عيوب بسيطة يستطيع اصلاحها بعد الزواج
لم يختر على أساس سليم, فليحمد الله أن الأمر انتهى في فترة الخطوبة والا لكانت المصيبة أعظم بعد الزواج
صمت مرة ثانية أمام منطقه ولم أستطع الرد, فقد كان محقا
لقد حكى لي أيمن أكثر من مرة أحداث وحوارات دارت بينه وبين نجلاء, كان ينتقد بشدة بعض تصرفاتها, لكنه تغاضى عنها من أجل حبه لها وينوى أن يصلحها بعد الزواج
عجبا, انه بالفعل نفس الكلام الذي قاله أيمن لي
.....................................

الابتسامة الشجاعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن