❈-❈-❈
استغرب الدكتور أحمد التوني عندما دخل العيادة ليجدها فارغة ، منذ أن افتتحها ولم يحدث ذلك  أبدا بل  على العكس تماما دائما يأتي مرضى أكثر من دون أخذ موعد لعدم توفره ، محاولين الدخول له بأي بطريقة حتى لو دفعوا أكثر أو انتظروا لوقت طويل، فهو واحد من أكبر أطباء النساء والولادة ومشاكل العقم في البلاد .
استقر خلف مكتبه بعد أن ارتدى البالطو الطبي ثم ضغط على زر استدعاء السكرتيره لتأتي فورا وقالت قبل أن يسألها:
لايوجد لدينا اليوم سوى مريض واحد.

كرر وراءها عله لم يفهم ماقالته أو أساء السمع:
مريض واحد!
أومأت مؤكدة ليسألها محاولا الحفاظ على أعصابه من الغضب:
تعنين أنه لم يحجز أي شخص غير زوجة ذلك الشخص؟
لتجيبه نافية :
بلى كانت لدينا حجوزات كثيرة ، لكنه أصر على الحضور اليوم وعندما أخبرته أن أقرب موعد بعد ثلاثة أشهر عرض أن يدفع ثمن الحجوزات كلها مع إرسال تعويض مناسب للمرضى كي يتخلوا عن حجزهم
تنهد وقد بدأ يفهم القصة ، لابد أن المريضة شخصية عامة لاتريد أن يعلم أحد عن ترددها للعيادة لكن ذلك لم يعجبه أيضا فهو لا يحب التعامل معهم لأنهم متعبون و مغرورون ؛زفر وقال:
هل وافق المرضى على ذلك؟ ماذا أخبرتهم كي يلغوا مواعيدهم؟
هزت كتفها بلا مبالاة و أجابته:
أخبرتهم بأنه أتت حالة ولادة مستعصية ؛ وقد وافقوا بعد أن أخذوا التعويض كما أخبرت حضرتك.
خلع نظارته وأشار لها كي تخرج قائلا:
دعيها تدخل لننتهي من هذه القصة على الأقل أجلس مع الأولاد قبل نومهم.
دخل جاسم بعد خروجها بدقائق، لينظر الطبيب خلفه منتظرا زوجته لأن ملابسه المصممة له خصيصا وساعته الغالية توكد أنه ليس حارس أو مساعد شخصي لشخصية عامة بل هو شخصية مهمة
جلس أمامه وقال بنبرة جامدة :
خطيبتي تعاني من مرض أريد أن أعرف ماهو بالضبط وكيف يمكن علاجه.
كاد الطبيب احمد ان ينقض عليه ويخنقه، هل فعل كل ذلك من أجل السؤال عن مرض؟
حقا!
حسنا بم أنه وافق على مقابلته يجب أن يجيبه على الأقل يحلل المال الذي دفع من أجل هذا الموعد.
ارتدى نظارته من جديد وتأمله ثوانِ ثم نظر في عينه مباشرة وقال:
قبل أن أعرف مرضها هل أنت مستعد للزواج منها إذا كان المرض يحتاج علاح طويل أو لا علاج له؟
احتفظ جاسم بملامحه غير المقروءة وهو يجيبه:
في ماذا تفرق معك الإجابة ؟
لم يقطع الاتصال بعينه وهو يقول:
دفعت أموال كثيرة وحرصت على سرية وجودك هنا يعني أنك شخصية لها مكانة اجتماعية ، إذن المرض ليس هينا و إلا كنت اكتفيت بالبحث في الانترنت أو طلب طبيب ليأتيك وليس العكس.
لم يجبه جاسم ليردف الطبيب :
بصراحة لايهمني كثيرا من تكون ولا من تكون خطيبتك لكني أهتم بحالة المريضة أيا كان مرضها أو حالتها الاجتماعية ؛ إذا كان لديك تحفظ من الآن على مرضها من الأفضل أن تنفصل عنها من الآن وتريح نفسك من عناء البحث والتفكير.
وضع جاسم ساقا فوق الأخرى و قال بنفس النبرة :
لو كنت أرغب في الانفصال لن أحتاج لنصيحتك او نصيحة غيرك؛ أريد معرفة علاج مرضها دون أن يؤثر ذلك في نفسيتها ومن الأفضل لو ان لا  تعرف هي بالأمر .
حاول الطبيب قراءة الصدق في كلماته من عدمها دون فائدة ليعود بظهر لكرسي وقال:
تفضل أخبرني ماهو المرض.
اهتزّت مقلتا جاسم لثوان لاحظها الطبيب قبل أن يجيبه :
متلازمة البرود الجنسي.
انتصب ظهر الطبيب ليسأل من جديد:
كيف عرفت أنها مصابة بها وأنت قلت أنها خطيبتك وليست زوجتك؟
بدت كلماته محمله بغضب مخفي وهو يقول:
كانت متزوجة لفتره قصيرة.
هز الطبيب رأسه ثم أخذ نفسا وقال:
أولا هذا مرض نفسي وليس عضويا .
تغيرت نظرات جاسم لتبدو أكثر اهتماما وهو يسأل :
نفسي؟ تعني ان زوجها السابق هو السبب في ذلك؟
حرك الطبيب رأسه نافيا ثم قال:
  ربما لكني لا أعتقد ذلك الا لو كانت فترة زواجهم طويلة؛ كي تفهم أكثر عليك أن تفهم المرض أكثر ، سأحاول الشرح بطريقة مبسطة إذا لم تفهم شىء يمكنك إيقافي لتستعلم عنه.
أومأ جاسم ليقف ويبحث في مكتبة مكتبه الصغيرة عن كتاب عندما وجده عاد لمكتبه وقال بنبرة حاول جعلها مبسطة :
متلازمة البرود الجنسي عند النساء أو"اضطراب قلة الرغبة الجنسية"، يمكن شرحها على أنها انخفاض مستمر في الدافع الجنسي أو قلته لدى المرأة.
سأل جاسم باهتمام:
يعني أنها لاترغب في العلاقة أم تنبذها وتهرب منها؟
أجابه بنفس النبرة :
لا تنبذها تماما لكن لا ترغب بها؛ سأعطيك مثالا شخص لايحب الشاي أولا يستسيغ مذاقه لكنه يضطر لشربه بسبب وجوده في حفلة أو عزيمة أو شيء مشابه.
ليسأل جاسم من جديد:
هل تسبب لها العلاقه الألم ؟
أجابه الطبيب بسرعة :
لا هي ليست بسبب الختان أو شيء من هذا القبيل كما أخبرتك هي نفسية ، لكنها تسبب ضيق للمريضة لأنها كما أوضحت لا ترغب بها.
أبعد عينه عن الطبيب وقال:
إذا السبب ليس جسديا هي لم تتعرض لاغتصاب أو تحرش حسب علمي ماهو السبب إذن ؟
قلب الطبيب صفحات الكتاب وهو يجيبه :

هناك أسباب كثيرة أكثرها عوامل نفسية مثل التوتر والقلق والاكتئاب؛ تغير الهرمونات أيضا يسبب ذلك مثل الحمل مثلا.
ضيق عينه قائلا:
هي لم تحمل، أخبرتك أن زواجها  لم يدم كثيرا
ليجيبه الطبيب بثقة :
هذا يجعلنا أمام سبب واحد، النفسي ربما اكتئاب الاكتئاب، القلق، التوتر، صورة جسدية سلبية، انخفاض الثقة بالنفس، أو تاريخ من التجارب الجنسية السلبية لكنك نفيت أنها تعرضت لاعتداء، ربما زوجها السابق كان عنيفا معها؟
تذكر انهيارها وهي تخبره بخوفها منه ثم صورة تيمور وحديثه عنها ليهز رأسه نافيا:
لا ، لا أعتقد ذلك لست متأكدا طبعا لكني لا أرجح أن طليقها أذاها جسديا.
لف الكتاب ليصبح مواجها لجاسم وقال:
إذن علاجها لن يكون صعبا ، تحتاج لبضع الجلسات و تفهمك لحالتها بعد الزواج كي تتلخص من تلك الحالة .

ثم نقر على سطر في الصفحة المفتوحة وقال:
مكتوب هنا الطريقة الملائمة للتعامل مع جسد المريضة التي تعاني من اضطراب البرود الجنسي، أنصحك أن تقرأ هذا الكتاب جيدا سيفيدك كثيرا في رحلة علاج خطيبتك.
أخرج جاسم هاتفه كي يصور الكتاب لياخذه الطبيب ويمده له قائلا:
اعتبره هدية لقد دفعت الكثير من المال من أجل هذه الاستشارة.
وقف جاسم ممسكا بالكتاب ومد يده ليسلم على الطبيب قائلا:
شكرا لك لقد ساعدتني كثيرا.
ابتسم له الطبيب و مد يده له ثم أوصله لباب العيادة؛ عاد بعدها لغرفته ليخلع الباطو وهو يفكر في قصة جاسم، صحيح لم يعرف اسمه الحقيقي فقد خمن أن الاسم الذي تركه مع السكرتيرة مزيف، لكنه احترمه كثيرا رجل يصرخ بالمال يقرر أن يتزوج مطلقة رغم معرفته بعلتها؟
دخلت السكرتيرة عليه لتسأل في استغراب:
لماذا تبتسم هكذا هل كانت حالة إجهاض أم ترقيع؟
ضحك بخفة و أجابها:
بل حاله حب، يبدو أنه لايزال بيننا رجال بحق.
عبست في غير فهم ليرتدي سترته و يلوح لها قائلا:
عودي للمنزل ولا تنسي أخذ يوم مكافأ اعتبريه هدية للأولاد .
❈-❈-❈

منذ اليوم الأول رفضت آسيا الإقامة في منزل أهل فهد مما جعل نور تذهب معها معتذرة من حماها الذي لم يحاول اعتراضها إلا أن خطتها لم تنجح تماما ،فنور تذهب كل يوم لمنزل جو لتقضي معطم النهار هناك وعندما تجبرها على البقاء معها لا تفعل شيء سوى النوم؛ لا تعرف متى أصبحت ابنتها صاحبة الشركات مولعة بزراعة الزهور أو تعلم وصفات أعشاب لعلاجات وهمية ؟
المشكلة أنها حاولت استفزاز جو كما تفعل مع فهد لتجد أنه أكثر برودة من ابنه، ينسحب عندما تبدأ الحديث غير مبالي بها بل يصر على وضع حدود بينهما لم تستطع تجاوزها لأنها ببساطة لم ترغب في ذلك.
منذ ثلاثة أيام وتمنعها من الذهاب أو تؤخر على الأقل عن طريق إجبارها على التسوق معها؛ أشارت نور لمطعم أمام المحل الذي خرجوا منه للتو وقالت بتعب واضح:
دعينا نجلس قليلا أمي تعبت من كثر المشي.
شعرت بتعب ابنتها وكادت أن توافق لولا أن الساعة لم تتعدى الثانية عشر ظهرا وقد خشيت آسيا أن تحاول نور الذهاب لبيت جو إذا تركتها ترتاح الآن فقالت متجاهلة إحساسها كأم :
لايزال أمامنا الكثير من الأغراض لنشتريها بعد للطفلة وأنت دائما مشغولة يجب أن نكمل تسوقنا.
لم تكن تحاول الهروب من التسوق أو تقليص وقتها مع والدتها كما تظن الأخيرة ، بل هي فعلا متعبة ، منذ فترة تشعر بألم أسفل بطنها وقد خمنت أنه بسبب تقدم الحمل لكن الوضع أصبح أسوأ مع مشاوير التسوق المستمرة وربما قضاها وقت طويل في الزراعة كما تقول والدتها.
تحت إصرار والدتها أكملت نور جولة التسوق حتى منتصف النهار ثم عادت لشقة فهد لترتاح أخيرا ؛ دخلت غرفتها لتتصل بفهد فقد وجدت مكالمات فائتة منه لأن هاتفها كان على خاصية الصامت
بلهفة أجابها :
لماذا لم تجيبي علي كدت أموت رعبا عليك نور؟
تمددت على السرير تريح جسدها المنهك وأجابته :
كنت مع أمي تعرف كيف يكون الوضع؛ متى ستأتي اقترب موعد الولادة لا أريدأن أضع من دونك.
زفر في راحة ثم قال:
أحاول أن أنهى الأعمال المهمة لأكون بجانبك في أقرب وقت؛ مالك سيصل اليوم إلي لندن لن يتأخر عليه فقط الاطمئنان على رائد وقريب نرمين وإنهاء بعض الأمور ، بمجرد عودته آتي فورا .
حاولت تعديل نفسها وقالت:
بالمناسبة لم تعطني رقم قريب نرمين لأتواصل معه، اتصلت برائد وقمت بدعوته للغداء لكنه رفض بتهذيب أريد فعل نفس الشيء مع قريب نرمين.
كان يستعد لاجتماع مهم فقال منهيا المكالمة بسرعة:
مالك سيخبرك بكل شيء عليا الذهاب الآن ساتصل بك لاحقا.
أغلقت الهاتف و حاولت الاستقامة للاستحمام ليعود الألم أسفل بطنها من جديد فقررت تأجيل الاستحمام حاليا لتأخذ قسطا من الراحة أولا هذه ليست أول مره تشعر بنفس الألم عليها استشاره طبيب لتطمئن رغم أن طبيبتها في الوطن أخبرتها بأنها قد تعاني ألم مماثل بسبب السفر في الشهور الأخيرة إلا أن الاحتياط واجب خصوصا أنها وجدت نقاط دم منذ يومين.
❈-❈-❈
دايما دموع ....دموع ...دموع


دايما يا قلبي طريقنا شوك... تلاقي الناس خانوك
دايما ألم...
دايما عذاب...
دايما جراح ...

لكن فرح ممنوع...ممنوع
صدح صوت [حماده هلال] من مسجل كايلا وهي تسند رأسها على المخدة في حزن واضح؛ بقلق قالت حشمت:
مر أكثر من أسبوعين وهي على نفس الحالة.
ضغطت نورس على المسجل لتتوقف الأغنية فرفعت كايلا عينها وقالت بحزن:
دعني أسمعها فهي تعبر عن حالتي بالحرف.
عقدت يديها أمام صدرها وقالت بنبرة أرعبتها:
إذا لم تخرجي من عزلتك كأنك أرملة قتل زوجها أمامها وترك لها خمسة أطفال من دون مال أو حتى بيت يأويها ، سأجعلك تلعنين اليوم الذي رأيت فيه رائد.
نظرت لها كايلا بريبة محاولة التأكد إذاكانت تقول الحقيقة أم لا، ركزت في عينها أولا لتجدهما باردتين رغم صفائها كجليد سيبريا من دون أي ذرة تعاطف، أما وجهها فلم يظهر عليه أي لين أو حتى توتر جامد مما جعلها تخاف أكثر و تتيقن أنها لا تمزح؛ مسحت دموعها و رفعت رأسها قائلة في حزن:
على الأقل أعطوني رقم هاتفه لنتحدث ألا يكفي أسبوعين دون أن أراه أو أسمع صوته؟
بنفس النبرة أجابتها نورس:
لو كنت درست لفعلت لكنك مضربة حتى عن الأكل معتقدة أن ذلك سيؤثر بنا؛ هي كلمة كايلا عليك النجاح بتقدير أو انسي رائد للأبد لن أدع صداقة تافهة تفسد مستقبلك.
نظرت لحشمت من فوق كتفها وقالت:
اطلبي من أحد جلب الطعام لها و إذا لم تاكل أبلغيني .
وقفت كايلا متخصرة وقالت مدعية الشجاعة :
لست أمي كي تأمريني بذلك، أستطيع فعل ما أريده لعلمك.
ضيقت نورس عينها و اقتربت منها ببطء لترتعد كايلا و تنهار شجاعتها الكاذبة فوقفت فوق السرير من جديد بقلب يرتجف؛ نكزتها نورس بسبابتها في كتفها بقوة وقالت:
بعد أن تنهي طعامك ابدئي في المذاكرة سأقوم بامتحانك بنفسي.
ثم التفت لتخرج من الغرفة وقبل أن تغلق الباب نظرت لها وقالت:
بالطبع لست أمك أنا أم أميرة رائد.
شهقت كايلا مع إغلاق الباب لتأخذ أول شيء أمسكته يدها و ترميه ثم احنى فمها للأسفل بحزن لتغني بصوت منخفض:
دايما دموع ....دموع ...دموع

بعد أن وضعت الطعام لكايلا عادت حشمت لتجلس في الصالة مع نورس وقالت:
هل تعقدين أنها ستعقل؟أم من الأفض لأن ندعها تعود لمنزل أهلها .
أجابتها بنبرة مستهزئة :
أي أهل ، أمها التي لا تسألني من انا  كل  مرة أطلب منها أن تبقى كايلا معنا  بل توافق فورا و تسأل إذا كنت أحتاج لمال ثمنا لإقامتها وهي لا تذكر اسمي حتى أما والدها الذي لا يعلم في اي صف تدرس ابنته؟
بصدمة قالت حشمت:
ألم تخبريها أنهم يتصلون بها كل يوم للاطمئنان عليها؟
زفرت مجيبة :
أكذب طبعا كي أرفع معنوياتها قليلا وأشعرها بأن هناك الكثير يهتمون بها؛كايلا لازلت مراهقة مشاعرها مرهفة يكفيها حزنها على بعد رائد؛ كما أني أشك أنهم يعرفون رقمي أو عنوان المنزل من الأساس .
عبست حشمت قائلا:
لا أعرف كيف يستطع الأب أو الام إهمال طفله دون أن يؤلمه قلبه أو يشعر بتأنيب ضمير.
بابتسامة ساخرة أجابتها:
أنا أعرف فقد عشت مع هذه النوعية سنوات.
هزت حشمت رأسها فقد عرفت من تقصد نورس ثم قالت مغيرة الموضوع:
هل اتصل بك الدكتور مالك، أعطى الحقيبة لرائد.
أومأت لها:
نعم اتصل أمس و رائد أخذ الحقيبة طبعا لأنه استقبله في المطار، لابد أنه أرسل لك شكره .
بابتسامة واسعة أجابتها:
ارسل لكني لم أفتحه بعد كنت مشغولة مع كايلا، المنزل أصبح كئيب جدا.
وقفت نورس قائلة :
تنتهي امتحانات كايلا ونذهب كلنا لزيارته كي نحضر ولادة نور أيضا .
تلالات عينها بفرح عارم لتردف نورس:
سأرتاح قليلا في غرفتي العلاج الجديد يتعبني كثيرا إذا لم أنزل على العشاء أيقظيني كي أتأكد من دراسة كايلا.
لم تجبها حشمت غرفت في سعادتها كانت تريد السفر لرؤيه رائد لكنها لم تستطع طلب ذلك، كم تتمنى لو تتحول تلك الزيارة لبقائها معه على الأقل تطمئن على طعامه و صحته في بلاد غريبة كليا عنه.
❈-❈-❈
نقطة اللا عودة
شردت هبة في تلك الجملة لمدة لا تعرفها، صوت بداخلها أخبرها أنها رسالة موجهة لها، أخذت شهيقا قويا ثم اتصلت بها وهي تدعو أ لا تجيب على المكالمة إلا أن دعواتها لم تستجاب ليأتيها صوت شقيقتها المتعب من الحمل:
جيد أنك اتصلت كنت ساتصل بك بعد أن أنتهي من طي الملابس.
انقبض قلب هبة لدرجة لم تستطع معها سؤالها عن السبب لتأتيها الإجابة دونما الحاجة لذلك:
يامن يرفض تطليقك، تواصل معه زوجي وهو مصرّ على رأيه ؛ لماذا لا تراجعي نفسك أعتقد أن موت أمي وأبي أثر عليك لذلك اتخذت قرارك بسرعة ، أعني لم تخبريني عن وجود مشاكل بينكما وحتى بعد طلبك للطلاق لم تعطيني سببا منطقيا .
قبضت على الكوب الذي تحمله في يدها بقوة، كيف تشرح لشقيقتها السبب أوحتى تلمح به؟
أي شخص يسمع قصتها سيلومها فورا ، فهي من تنازلت و أغمضت عينها عن كل العلامات التي كانت تصرخ أمامها بقذارة سامح وهي أيضا من أعطته المال بل الأسوأ كذبت على أهلها لتعمل في بار وبعدها ذهبت معه ليفعل مافعله.
صوت تكسير الكوب ودمائها التي سالت جعلتها تطلق صوت تألم لتقول رغد بخوف:
ماذا هناك هبة هل أنت بخير.
عضت على شفتيها بقوة و أبعدت قطع الزجاج التي غرست في راحة يدها وهي تجيب:
لا شيء خطير كسرت كوب فقط؛ ماذا حدث في أمر العمل الذي أخبرتني عنه لو كانت لايزال متاحا سآتي عندك و أعمل به.
أجابتها أختها ببعض الاستغراب:
كيف تأتين دون موافقة زوجك؟
نسيته أنه سبق ورفض سفرك عندما أخبرته في عزاء والدي وأمي ؟
مادمت متزوجة منه لا يمكنك أن تسافر وهو يرفض الطلاق.
لتقاطعها هبة بحدة :
سأرفع قضيه طلاق أو خلع أي شيء لا يمكنه أن يتحكم في حياتي بهذه الطريقة.
بدا اللوم جليا في صوتها وهي تجيبها:
تريد فضح أهلك بعد موتهم؟
اسمعي هبة أمي وأبي عاشا طوال عمرها مرفوعي الرأس لا يملكان من هذه الدنيا سوى السمعة الطيبة والسيرة الحسنة ، قلت تريدين الطلاق احترمت قرارك ولم أجادلك في النهاية أنت أختي الكبرى لكن ماتقولينه فاق الحد، ماذا سيقول الجيران؟
أقاربنا، كل من يعرفنا ، بعد أن مات الأب فلتت الابنة الكبرى وجلبت لهم العار؟
سكتت محرجة فقد تجاوز الحد مع أختها وهو أمر لم تعتاد عليه، لكن ماتطلبه صعب جدا.
بعد برهة قالت هبة:
اذهبي لزوجك أريد تضميد جرحى.

أغلقت الهاتف و دخلت المطبخ لتغسل جرحها ثم بحثت عن مطهر للجروح وضمادات؛
رغد تعتقد أن رفع قضية خلع سيلطخ سيرة والديها، ماذا لو عرفت بالحقيقة ؟
تصارعت الأفكار في رأسها دون أن تستطيع ترتيبها لتختار الأفضل لها، فلم تجد سوى صديقتها كي تساعدها في هذا الأمر أيضا فهي الوحيدة التي تعرف القصة بكل أسرارها القذرة

❈-❈-❈

قطرات على قلب النورسWhere stories live. Discover now