الفصل الثامن والعشرون
ماذا تعني التضحية؟
امرأة تترك عملها وطموحها لتتفرغ لتربية أولادها والاهتمام بمنزلها وكثيرا ماتنسى نفسها في تلك الرحلة.
رجل يتخلى عن عزوبيته و سهراته مع أصدقائه ليكد ليل نهار من أجل توفير حياة جيده لزوجته و أولاده وربما يضطره الوضع إلى التغرب فيدفن نفسه حرفيا في العمل ويحرم نفسه من الاستمتاع برؤية أولاده يكبرون أو قضاء وقت حميمي مع رفيقة دربه.
البعض يندم بعد هذه التضحيات و يظل يتمنن بها حتى تفقد معاناه والبعض الآخر يرى سعادته في إنجازه السعادة لأحبته بل أكثر من السعادة الفخر وينسى كل تعبه بل لا يشعر به لأنه استمتع بالرحلة وكان شغوفا خلالها
هذا نوع واحد من التضحية ؛فالتضحية ليست مجرد فعلٍ نبيل يُكتب في الهوامش، بل هي تلك اللحظة التي يختار فيها القلب أن ينكسر بصمت كيلا يكسر من يحب.
هو القرار الذي يُتخذ في العتمة، حين يدرك المرء أن الطريق الذي يفضّله لن يمنح الآخر سلامه.
التضحية هي أن تُطفئ رغبتك، وتُخفي ألمك، وتبتسم بينما جزء منك يتساقط داخلك، فقط لأنك تعلم أن راحته تستحق أن تدفع لأجلها هذا الثمن.
إنها القدرة على وضع مصلحة الآخر فوق جراحك، وعلى ترك الباب مفتوحًا لمن تحب حتى لو خرجت أنت أولًا.
غالبًا ما تكون التضحية الحقيقية تلك اللحظة التي تغيّر مصير شخصية كاملة، لأنها تكشف عن أعمق نقاط ضعفها... وأشدّ قوتها في الوقت نفسه
لم يصدم في حياته من كلمات أحد كما حدث له الآن ، ليست صدمة عادية بل هي تركته عاجزا عن الكلام والتفكير في نفس الوقت
المعلومات التي باحت بها للتو صعقته تماما لدرجة أنه شعر بوقوف شعر جسده.
ثقل تنفس كأن الهواء في الغرفة قل للنصف ليفتح سحاب سترته علها من تسببت في الضيق ثم وجد كلماته بصعوبة ليقول بتساؤل:
ماذا يعني ذلك، هل تعرضت لتلك العملية التي تسبب في البرود الج..
قاطعته نافية بصوت هادئ:
قلت متلازمة برود جنسي وليس برود جنسي، أما الإجابة عن سؤالك لا لم تتعرض للختان أو غيرة.
خلل شعره محاولا استيعاب كلماتها لكنه لم يفهم شيئا ليقول بحذر:
ما هو الفرق، هل هناك علاج له أعني هو مرض أم ماذا لم أفهم شيء بصراحة .
راقبت ملامحه بدقة، عندما تحدث عن نفسه كان متماسكا ينتقي كلماته بشدة لم يفصح عن كل المعلومات التي أرادت معرفتها منه أي أنه باختصار كان المتحكم في الجلسة أما الآن انقلب الوضع، واضح جدا عدم فهمه للأمر و تحكم به وهو ماجعله تائها.
لم تغير نبرتها وهي تجيبه:
إذا قررت أنك قادر على الزواج منها وتحمل عيبها خذ موعد للجلسة القادمة عندها أخبرك كل ماتريد معرفته بخصوص هذا المرض.
خرج جاسر من عيادة المعالجة بعقل يلفه الضباب، لحسن الحظ كانت سالي قد أرسلت له أنها ستعود للمنزل ولن تستطيع انتظار انتهاء جلسته ، خمن أنها منهارة لذلك فضلت عدم مواجهته وهو ممتن لذلك ؛ إلى الآن لم يستوعب ماسمعه يشعر بأن القدر يخرج له لسانه ليؤكد له بأنه لايستحق الحب ولا العيش بسعادة أبدا .
❈-❈-❈
عدل فهد حزام زوجتة ليتأكد بأنه لم يضايق بطنها، ثم اعتدل في كرسيها ليربط حزامه والتفت لها قائلا:
أنت بخير تريدين والدتك أن تجلس بجانبك، لن أحزن إذا طلبت ذلك.
رفعت يدها تمسح خده بحب واضح في عينها و أجابته :
أنت الرفيق الوحيد الذي أرغب أن يكون بجانبي في كل لحظات حياتي.
قبل أن ياتي فهد بأي رد صدح صوت آسيا الجالسة بالكرسي الذي بقرب نور لا يفصلها عنه سوى ممر صغير:
لماذا لم تحجز لنا طائرة خاصة أو على الأقل في درجة رجال الأعمال ، ماهذا البخل لو كنت أدري أنك حجزت هذه المقاعد المهترئة كنت حجزت بنفسي أو طلبت من مالك، والاسم صاحب شركات غني.
ضغظ فهد على زر استدعاء مضيفة الطيران و هو يجيبها:
هذه الدرجة الأولى أفضل من رجال الأعمال ألم ترى هذا الباب الصغير ؟
يمكنك قفله لتصبح مقصورة خاصة بك وحدك.
أتت المضيفة ليشير لكرسي حماته وقال:
هلا شرحتي لحماتي مميزات هذه الدرجة.
نطرت المضيفة لآسيا بابتسامة تميز جميع المضيفات تقريبا وقالت:
يبدو أنك لم تجربي الدرجة الأولى من قبل، أولا هذا الكرسي يمكنه أن ينحني للخلف ليصبح..
حركت يدها لتصرفها من أمامها بطريقة بدت مهينة وهي تقاطعها:
أركب طائرات قبل أن تولدي، لا أحتاج لشرحك؛ أحضري لي منشفة مبللة بسرعة.
حافظت المضيفة على ملامحها و إن ظهرت في عينها لمحة غضب وهي تبتعد عنها.
قضت نور الرحلة وهي نائمة وقد حرص فهد على راحتها بوضع سدادة الأذن لها و تغطية عينها متجاهلا طلب آسيا المتكرر بإيقاظها؛
عند باب الطائرة ودعت المضيفة ركاب الدرجة الأولى باحترام حتى مرت آسيا أمامها لتقول بصوت وصلها هي فقط:
احذري وأنت تمشي قد تقعي وتكسر رقبتك جدتي.
لثانية ظنت آسيا أنها سمعت خطأ لكن عندما نظرت لعيني المضيفة رأت بهما التحدي لتقول بصوت عال:
كيف تجرؤين على نعتي بجدتي؟
أين مديرك يجب ان تفصلي من العمل فورا.
مدعية البراءة أجابت المضيفة وهي تنظر لتجمع الذي أحدثه صوت آسيا العالي بمن فيهم زملائها:
كل ماقلته أرجو أن تستمتعي بإجازتك هنا هل سمعت شيء آخر ؟
خوفا من تطور الموقف تدخل موظف اكبر منها مكانه قائلا بنبرة لينة :
على الأغلب الهبوط أدي لضغظ في أذن حضرتك، أؤكد لك أن طاقم المضيفات لدينا هو الأفضل في جميع خطوط الطيران.
أمسكت نور بيد أمها قائلة:
هيا أمي لاداعي لإحداث مشاكل، أهل فهد ينتظروننا لا داعي أن يأخذوا عنا انطباع أننا نحدث مشاكل من أول دقيقة من وصلونا.
ثم التفتت للموظف بابتسامة مجاملة :
أمي متعبة من السفر، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي .
ألقت نظرة على المضيفة المعنية فأعطتها ابتسامة رائقة وقالت:
على الرحب والسعة راحتكم هي غايتنا نراك قريبا في أحد رحلاتنا القادمة.
اومأت لها نور و خرجت من الطائرة تجر والدتها .
لم تقبل آسيا بتفسر الرجل فهو لم يحمل المضيفة أي ذنب ولم يعتذر عن سلوكها بل جعلها تبدو هي المذنبة و الأسوأ أن ابنتها جاءت في صفهم!
بسبب تدفق الواصلين لم تستطع العودة لتصحيح موقفها وإثبات أن تلك المضيفة كانت تكذب عليها؛ لكنها ظلت تتذمر طوال الطريق من المطار إلى منزل أهل فهد والمسافة لم تكن قريبة من سوء حظ فهد و نور؛ عندما توقفا عن مناقشتها التفتت للنافذة ثم تذكرت شيء مهم فقالت:
لماذا لم يستقبلنا أحد من أهلك في المطار؟
ألم تخبرهم بحضورنا أم ...
قاطعه فهد :
حما أختي نقلوه للمستشفى في الفجر وأبي كان معهم، حالته لازالت خطيرة لذلك لم يستطع أحد القدوم.
مطت شفتيها في غير رضا وتابعت النظر للنافذة؛ وصلوا لمنزل أهل فهد ليجدوا والده ينتظر امام الباب المنزل ، دخلت السيارة من البوابة الرئيسية ووقفت أمام والد فهد الذي بدا عليه الفرح برؤيتهم رغم التعب الواضح عليه كان فهد أول من سلم عليها ليحتضنه والده قائلا بنبرة مرحة
لا تضغط علي بقوه فتكسر ضلوعي راعي فرق الأحجام بيننا.
ضحك فهد بصوت عال ولم يظهر عليه أي غضب ثم التفت ليفتح الباب لزوجته و يساعدها على النزول تلقاها والدها فهد بالحضن هي أيضا فقالت له:
لا تضغط علي و إلا نزلت حفيدتك الآن راعي فرق الأحجام بيننا.
انفجر جو والد فهد بالضحك وقال:
أعدت لي كلمتي؛ زوجتك ليست قطة سيامية كما أعتقد بل نمرة شرسة مستعدة لافتراس كل من يقترب من ممتلكاتها.
أعطته نور ابتسامة جميلة وهي تسبل برموشها مجيبة :
العفو منك لا أجرؤ على أذيتك، فذلك قد يحزن فهد.
عاد لقهقته
خرجت آسيا من السيارة لتلقي نظرة على المنزل أولا ، كانت تتوقع بأن أهل فهد يقيمون في منزل وضيع بحي فقير أو ذلك الذي يقطن به المهاجرين غير الشرعين؛ لا تعرف إذا خاب ظنها أم ارتاحت عند رؤية على الواقع في أحد الأحياء الغنية كما أنه كبير ذو تصميم جميل مع حديقة واسعة جدا؛
التفت عندما سمعت الضحكات العالية لتقع عينها على فهد و نور يقفان مع والد الأول ، رأته مرة واحدة سابقا لم تدقق في ملامحه أما الآن وهو يقف بجانب ابنه لاحظت الشبه الكبير بينهما حتى تكوين الجسم فيوسف الخالدي أو جو كما يناديه الجميع يملك جسدا ممتلأ مثل ابنه و إن كانت بطنه أكبر بكثير وكما أن لون بشرته أفتح منه قليلا؛
لم تتحرك من مكانها لعدة دقائق حتى التفت لها فهد قائلا:
تفضلي يا خالة لماذا تقفين هناك؟
جزت على أسنانها قائلة بصوت منخفض:
خلخلو عظامك عظمة عظمة ، كلما حاولت تقبله يعود للقاع من جديد.
عندما وصلت لهم كانت لازالت تتمتم ؛ تكلم جو مرحبا بها باحترام:
أنرت لندن و البيت سيدة آسيا تفضلي للدخول، كي ترتاحي لابد أنك متعبة متعبة من السفر.
أجابت نور:
أنا متعبة فعلا قدماي أصبحتا مثل قدمي الفيل.
ثنى فهد ذراعه لتستند عليها وقادها للداخل خلف والده ، آخر شخص دخل كانت آسيا التي بدأت في تهيئة نفسها لمعركة كبيرة لو كان ماتفكر به صحيحا
❈-❈-❈
كانت تظن بأن الجلسة الأولى صعبة لتجد أن الثانية والثالثة أصعب بمراحل؛
استنشقت سالي رائحة اللافندر لتشعر ببعض الاسترخاء بينما عادت المعالجة لتحرك الكرة التي بجانبها ليخرج منها المزيد من رائحة اللافندر
قطعت سالي المنديل الذي في يدها لقطع صغيرة دون أن تدري و هي تحاول لملمة جملة مفيدة لتقول بعد برهة :
لا أعرف كيف أشرح لك، عندما كان تيمور يغازلني ويقترب مني كنت أشعر بجسدي يتجمد ولا أستطيع التجاوب معه أبدا .
توقف عن الحديث و أحنت رأسها لتسألها المعالجة:
كيف كانت رد فعل طليقك عندها؟
هل كان يجبرك أو ياخذك بالقوة ؟
هزت سالي رأسها نافية لتتابع المعالجة :
أنت لم تعودي عذراء إذن حدثت علاقة كاملة معه .
رفعت رأسها لتنظر لها وهي تجيب:
على العكس تماما تيمور كان متفهم جدا، أول ليلة عندما لم يحدث بيننا شيء بسببي كان هو من يهون علي الأمر بقوله أننا لم نكن قريبين من بعضنا وقت الخطبة ؛ بسبب تفهمه غصبت على نفسي لنتم الزواج لكن حتى ذلك لم يغير شيء من إحساسي.
كتبت المعالجة في الدفتر وهي تقول:
يعني أنه في فترة الخطبة لم يحدث تلامس بأي طريقة؟
بدت سالي أقل توترا وهي تجيبها:
لا، تيمور كان يحترم أهلي كثير أعتقد بسبب ذلك لم يحاول أبدا تجاوز الخط معي أبدا .
تعتقدين أنه لو فعل كنت ستتجاوزين معه؟
سؤال اربك سالي كثيرا وقد ظهر ذلك عليها لتجيب بحيرة :
لا أعرف بصراحة ؛ أعني أحيانا بعد سماع قصص كل واحدة من صديقاتي عن خطيبها كيف أنه يستغل أي فرصه يكونوا به وحدهم ليحاول تقبيلها أو حتى حضنها كنت أتمنى أن يفعل تيمور شيء من ذلك، لكن عندما أتقابل معه لا أستطيع حتى الجلوس بقربه دون حاجز، لا أعرف ربما أنا هي المعقدة.
ربعت المعالجة رجليها أسفلها مما جعل سالي تستغرب كثيرا هذه المرأة ليست مثل أي شخص تعرفه في مجال الطب، ملابسها وشكلها البوهيمي بالإضافة لتلك العطور التي تستخدمها والآن جلستها لا توحي أبدا بحقيقة مهنتها.
بعد أن عدلت فستانها لتغطي ساقيها قالت المعالجة :
لا لست معقدة ، الكثير من الفتيات مثلك خصوصا عندما لا يوجد حب أو رابط شرعي؛ والآن دعينا نكمل ماحدث بعد أن أجبرت نفسك لاتمام الزواج، هل كان هو من طلب الطلاق لأنك تمنعت عنه؟
ارتعشت شفتيها وهي تجيب :
الأمر لم يكن سهلا أبدا ، حاولت أن أمضي قدما معه و تظاهرت بأني استمتعت عندما شعرت بأنه غير راضي لكني لم أستطيع الاستمرار شيء بداخلي كان يؤلم، كأنه حفرة في روحي تزداد عمقا كل يوم عن سابقه خصوصا عندما يزداد تفهم يتمور لي أو حنانه علي؛ لذلك طلبت الطلاق و أصررت عليه فانا ملوثة لا استحق صبره وتفاهمه.
لم تعطها فرصة لتلقط أنفاسها لتقاطعها بنبرة هادئة :
ماذا عن هاني؟
عندما قبلك هل شعرت بالتجاوب معه أم تجمد جسدك أيضا ؟
شحب وجه سالي؛ لتحرك المعالجة الكرة من جديد وهي تردف:
لست هنا لأحكم عليك أنا هنا كي نجد أساس المشكلة و نجد علاج لها.
كمن يسلخ جلده بيده دون أي تخدير، أجبرت نفسها على العودة بذكرياتها لتلك الليلة المشؤومة :
لا أذكر الكثير لكني...
أطبقت شفتيها حتى أصبحت خط رفيع وقد ظهر الصراع في عينها بوضوح ؛ لم تحاول المعالجة استعجالها أو حدثها على استكمال الحديث بل تركتها تأخذ وقتها الذي استمر لأكثر من خمس دقائق قبل أن تفتح فمها وتقول:
استجبت معه في البداية قبل أن انتبهه لما يجري و ابتعد عنه.
أغلقت المعالجة دفترها وقالت بابتسامة مريحة:
حالتك ليست جسدية بسبب ختان أوالتعرض لحادث اعتداء وطبعا ليست بسبب تغير الهرمونات فأنت لم تنجبي بعد ولم تصلي لسن اليأس إذن السبب نفسي جراء وهو الاكتئاب جراء تحمل نفسك الذنب؛ وأعتقد أنك عرفت سببها.
ازداد ارتعاش شفتها لدرجة أن أسنانها أحدثت صوت ارتطام و سالت دموعها وهي تقول:
أنا ملوثة لقد خنت ثقة أهلي و كدت أرتكب معصية كبيرة لا شيء يمكنه مسح ذلك أبدا .
تركتها المعالجة تفرع مافي داخلها حتى هدأت تماما ثم مدت لها كوب ماء دافيء ثم قالت بهدوء:
لنكتفي بهذا القدر اليوم، أريد منك أن تحاولي الاسترخاء ؛ استخدمي الأملاح العطرية عند الاستحمام.
اومأت لها لتودعها المعالجة وهي تقول:
أراك بعد يومين أو إذا رغبت في التحدث معي قبلها.
لليوم التالي تتوجه لعملها وهي تفكر في جاسم لم تره منذ أسبوع تقريبا، لايزال يتصل بها كل يوم قبل النوم وقد يستمر الحديث لساعات لكنه لم يجلب سيرة العلاج أو الزواج بعد، رغم أنهُ مثلها لايزال يذهب للمعالجة إلا أن كلاهما التزم الصمت حول الجلسات كما طلبت منهما .
ارتدت البالطو فور وصولها لتبدأ جولة ثم تذهب لقسم الأبحاث حتى جاء وقت الغداء فعادت لمكتبها متجنبة الجميع كعادتها، لتجد كيس طعام مع كرت مكتوب فيه:
لم آكل بعد اتصلي بي لنأكل معا أو تحملي ذنب بقائي جائعا .
اخرجت الطعام و عدلت وضعية الهاتف لتتصل به؛ بمجرد رؤيتها لابتسامته الساحرة ذاب قلبها وتبخر كل القلق الذي سكنها جراء الجلسة؛ أمسكت بنفسها تنظر له بشوق فأبعدت عينها وقالت:
ترسل بطاقة دون توقيع متأكد أني سأعرف أنها منك، ماذا يسمى ذلك؟
ضحك بمرح ليزداد وسامة في عينها وأجابها:
وانت عرفت هذا يعني أني محق في قصدي.
رفعت حاجبها:
وماهو ذلك القصد.
قرب وجهه للشاشة لتشاهد الثقة في عينه وهو يقول:
مكاني في قلبك يجعلك تعرفين أني المرسل.
فتح إحدى علب الطعام مدعية الانشغال بها وهي تجيبه:
هذه اسمه غرور.
فتح العلبة المطابقة لخاصتها وقال:
انكري لو استطعت بعد شهر لن تفصلنا شاشات أو غيره.
رفعت عينها له في ارتباك قائلة:
ماذا تقصد، لم تنتهي الجلسات بعد ولم أقرر إذا ..
قاطعها بنبرة حاسمة رغم لينته الظاهر:
اتفق جاد مع عمي كرم أنه سيجلب أهلي ويأتي بعد شهر ليتقدموا لك رسيما و نقوم بعقد القران، أنا أريد فرح فورا لكن لن أرغمك إذا احتجنا لوقت أطول سأصبر.
تسلل الخوف لعينها ليشعر بقبضة فولاذية تضرب أضلعه بقوه لدرجة أنه دلك صدره ثم قال:
والآن دكتورة سالي لدي سؤال طبي لماذا لا يشرب اللبن مع السمك؟
تلك المشاعر التي تجتاحها كلما قال كلمة غزل اجتاحتها بقوة ، لقد تعمد تغير الموضوع كي يلهيها ويعطيها فرصة للتفكير دون أن تكون محاصرة بوجوده، لا تعرف متى أو كيف لكن جاسم أصبح أكثر شخص يفهمها ويعرف طريقة التعامل معها لدرجة أنها تصبح معه على طبيعتها أكثر من أي شخص اخر عرفته لسنوات .
❈-❈-❈
مرت امتحانات رائد بسرعة الصاروخ أو هكذا شعرت حشمت وهي تودعه في المطار محاولة إمساك دموعها بأكبر قدر من القوة ؛
ربتت نورس على كتفيه وهي تقول:
لديك بطاقة بنك تعمل في كل مكان وضعت بها المال الذي وفرت و إذا احتجت غيره أخبريني سأضعه بها.
بنبرة جدية لا يستخدمها عادة أجابها :
لا تضعي شيء سأعمل وأتكفل بمصاريفي.
قلبت عينها قائلة:
ستكون دين عليك طبعا وليست صدقة، و لن ارسل إلا عندما أتأكد أنك تحتاجها في مصاريفك وليس للهو.
لعب حاجبيه قائلا:
كنت أعرف أن القرش لا يخرج منك بسهولة، أردت تجريبك فقط.
كتفت ساعديها و أعطته نظرة محذرة ليتدخل يامن ويحضنه بقوة ثم قال:
اهتم بنفسك وكل جيدا ، لا تنس لا الاتصال بي.
أجابه :
حاضر أمي ، سأرتدي قميص داخلي بالمقلوب أو في رأيك أضع جريدة للتدفئة ؟
لتقول حشمت بجدية لا تخلو من الصرامة:
وضعت لك ملابس ثقيلة و فانيلات داخلية دائما تنسى ارتدائها عليك الاعتناء بنفسك كي لا تمرض بسهولة .
أيدتها نورس:
كلامها صحيح لقد تعبت كثيرا كي تتحصل على هذه المنحة لا تجعلها تضيع منك بسبب عدم مبالاتك بصحتك.
عبس رائد مجيبا:
بقائك مع حوحو أثر عليك نورس منذ متى تعطيني نصائح جدتي فتكات هذه.
اقترب منهم مالك بعد أن أغلق هاتفه وقال بجدية :
كايلا تتصل منذ الصباح كأنها شعرت بسفرك، علينا العودة بسرعة لابد أنها في المنزل الآن .
رفع رائد كتفيه :
أنا جاهز أنتم من أخرتموني
ليقول فهد :
الطائرة ستقلع فعلا هيا بنا.
همس له مالك:
كيف الوضع بين آسيا و أهلك لم تخبرني بشيء؟
بدا عليه القلق وهو يجيبه :
لم أبق معهم سوى يوم واحد بسبب الصفقة الأخيرة لذلك لا أعرف تماما ماذا حدث لكني أتوقع الأسوأ.
ربت على كتفه قائلا:
سألحق بكم في أسرع وقت ممكن، لدي عمل هناك، حاول أن تتبع معه سياسة النفس الطويل صدقني آسيا ليست شريرة هي فقط لديها بعض المعتقدات القديمة.
اكتفى بإيمائة بسيطة من رأسه في الوقت الذي حضنت حشمت رائد وقالت محاولة إخفاء حزنها:
لا تكثر من المزاح واتصل بنا كل يوم كايلا قالت لي أنه يوجد تطبيق يجعلني أتحدث معك وأنا أراك سأجعلها تعلمني كيف أستعمله، من أجل أن تتصل هي بك طبعا.
قبل رأسها مجيبا:
حوحو أنت متأكد أنك مشتاقة لي من الآن ، سأتصل بك طبعا.
مطت نورس شفتيها قائلة:
اذهب لطائرتك بدلا من تبادل حديث يقلب المعدة من مياعته.
صفق بمرح مجيبا:
هذه نورس التي أعرفها الآن أسافر وأنا مطمئن.
ظلت حشمت تدعو له في سرها وعينها معلقة بالمرور الذي اختفى داخله لدرجة أنها لم تشعر بمن حولها حتى قال لها مالك:
حشمت هيا بنا علينا العودة أخبرتك كايلا في المنزل.
❈-❈-❈
واقفا في صالة منزلة بتذمر ينظر لزوجته وهي تتحدث عبر الهاتف بسعادة مبالغ بها من وجهة نظره منذ تلك الليلة المشؤومة التي قرأ فيها فاتحة سالي دون موافقة رسمية لم يعد يطيق شيء أو أحد في هذا المنزل لولا ريان كان ترك البلاد وسافر حتى تحل مشكلة الخطبة تلك.
غارقا في أفكاره لم ينتبه لدخول أحد حتى قال جاسم بصوته المقيت:
لماذا تقف هنا عمي أين عمتي قسمت.
جاوبته بنبرة فرحة :
هنا يا بني لا حرمني الله من سؤالك، تعال نجلس في الحديقة جهزت الكيكة الذي تحبها
تأبطت ذراع كرم ليذهب معها كي لا يغضب و يثير مشكلة كما أنها تريده أن يجلس معهم ليسمع مالديها.
سأل جاسم بعد جلوسه في الحديقة:
أين ريان هل هو نائم؟
بتعابير وجهه أظهرت امتعاصه منه أجابه كرم:
ماذا تريد منه ؟
أم أنك تتخذ من إزعاج الآخرين مهنة جديدة .
وصلت الخادمة بالشاي و الكيكة لتقول قسمت بضحكة متوترة :
عمك يمزح معك فقط أصبحت منا الآن ؛ خذ جرب الكيكه وقل رأيك ؟
لوح بكلتا يديه وقال معترضا:
متى أصبح منا بمجرد أنه طلب يد ابنتي قلت لا أريد كلام في هذا الموضوع مرة أخرى .
وضعت قسمت قطعة من الكيكة في فمه وهي تقول بابتسامة واسعة :
أذكر ماقلته ياحبيبي طلبت أن يقوم أهله بخطبتها وقد حدث،والدة جاسم كانت تتصل بي لنحدد موعد لهم.
كح كرم بقوة لتفزع قسمت فوقف جاسم وأسرع يعطي ضربات متوسطة على ظهره ليخرج مافي فم كرم الذي شعر بالضربات كأنها عصاة فولاذية وليست يد رجل عادي ، أبعد كرم يده واعتدل بعد أن استرجع أنفاسه ثم قال بغضب:
تضرب في باب من خشب الزان ؟ أم أنك تحاول الانتقام مني.
عاد لكرسيه بابتسامة مستفزة و أمسك بالفنجان قائلا:
العفو منك عمي أنت الآن في مقام أبي و وقريبا تكون جد ابنائي القادمين.
انعقد حاجبيه بشدة هدر به :
ماذا تعني أبناء قادمين من تلك تظنها أنها ستكون ح..
قاطعته قسمت بوضع قطعه آخر من الكيكة:
ألست جد ريان أم ستنكر الآن ؟
خذ شاي بالأعشاب كما تحبه.
بلع الكيكة بسرعة وقال:
لم أعد أستطعم أي شيء بسبب هذا الجلف، يقولها في وجهي.
وضع جاسم كوب الشاي وقال باستمتاع:
سلمت يداك حماتي .
ثم نظر لكرم وقال بنبرة عادية:
لولا أني أعرف مكانتي في قلبك لظننت أنك تتضايق من رؤيتي.
أجابه كرم بسخرية:
تظن!!
عرفتها لوحدك.
شربت قسمت كوب الشاي كله مرة واحدة ثم قالت بإحراج:
طلبت والدتك أن تأتي الأسبوع القادم لكني فضلت تأجيل الموعد حتى أتأكد من سالي أولا .
عقد كرم يديه أمام صدره قائلا بحدة :
رأي سالي فقط هل أصبحت ورقة لفت ؟
نظرت له بعينين متسعتين وقالت بصدمة :
يقطع لسان الذي يفكر في ذلك حتى أنت صاحب الكلمة العليا لا أستطيع فعل أي شيء من دون شورتك يا حبيب قلبي.
ثم أمسكت كفه بكلتا يديها و قد رق صوتها وهي تهمس:
بعد هذا العمر تفكر أني قد أتخطاك ؟ من لي غيرك في هذه الدنيا أم أنك تتحجج لتسافر وتتركني وحدي كما قلت لابنك؟
كانت تسبل بعينيها لتزداد جمالا في عينه ، ورفرف قلبه سعادة من نبرتها الائمة، قسمت لازالت تغار عليه و لا تريد الابتعاد عنه، كل مرة يقع في غرامها كأنها المرة الأولى لى.
بينما قسمت و كرم يتغازلان متناسين وجود جاسم أخذ هاتفه وأرسل لسالي:
النجدة أحتاج لإنقاذ فورا.
تعرف أنه مع والديها لذلك أجابته بسرعة
أبي يريد سلخك أم شنقك فقط
ليرسل بإحباط :
أسوأ والديك دخلا في موجة غزال أخشى أن تنتهي بطريقة غير لائقة وأنا أحترمهما بصراحة .
أرسلت له شكل وجه غاضب ثم رسالة أخرى بعدها مباشرة:
احترم نفسك أنت تتكلم عن أبي و أمي .
ليجيبها:
صدقيني أرسلت لك أكثر كلمة مهذبة أعرفها تعالي بسرعة أو ...
ضحكت حتى أدمعت عينها، هي أكثر من يعرف حال والديها عندما يبدآن مغازلتهما تلك، صحيح لم تشهد أي شيء خارج بينهما حتى الآن لكن ذلك على الأغلب لأنها تنسحب بسرعة تاركة المكان لهما وحدهما كما كان إخوتها يفعلون دائما.
وضعت هاتفها في جيب بنطالها و أخذت ريان من سريره ثم نزلت للحديقة وقالت بصوت عال جاذبة أنظارهم:
أمي أعتقد أن ريان جائع.
انتفضت قسمت ونظرت لها لثوان كأنها تحاول فهم كلمتها ثم تركت يد كرم واستقامت ليقول الأخير :
لقد أفزعتها، لماذا لم تعطيه الرضعة بنفسك ألم تفعلي ذلك مئات المرات.
ثم دحرج عينه باتجاه جاسم و تابع بغيظ :
أم حدث أمر جديد أصابك فقدان الذاكرة فجأة.
أخذت قسمت ريان ودخلت بعد الاستئذان من جاسم لتجلس سالي على حافة كرسي والدها وقالت بمرح:
ربما حدث، لذلك لا أتذكر آخر مرة تحدث فيها معي أبو الكرم.
رغم غضبه من قطع وصلة الحب مع قسمت و وجود جاسم الذي لم ينزل عينه عن ابنته بل كان ينظر لها كأنها مصدر النور، لكنه تجاوب مع سالي قائلا:
كل ذلك بسبب الغمة التي هبطت علينا فجأة ، حتى الهواء أصبح قليل فجأة ألا تشعرين بضيق ؟
كتمت ابتسامتها بصعوبة لتجيبه بمرح:
معك حق الجو هنا ليس مريحا تعالوا ندخل أفضل حتى نلعب مع ريان قليلا.
انتبهت أن قسمت ذهبت فعلا ليقف فجأة حتى كادت سالي تقع فأسعدها وقال:
تركت قسمت وحدها هيا للدخل كلكم.
سار باتجاه المنزل ثم التفت عندما لم يسمع خطوات خلفه لتقف سالي منحنية الرأس فقال جاسم:
نأكل باقي الكيكة و نلحق بك لا يجوز تركها هكذا.
أشار قائلا:
أنت بالذات أدخل أمامي، لعلمك أوصيت على تركيب كاميرات قريبا ستصل و أستطيع مراقبة الجميع.
هز جاسم رأسه و وقف ليمر بجانبها وقال بصوت خفيض:
ماذا سيحدث لو كنت وافقت على الخروج وحدنا أي مكان حتى لمتحف الشمع بدلا من معاملة المجرمين هذه؟
رد بهمس:
على الأقل لم يطردك وتكلم معي هناك تطور كبير.
أعطاها نظرة غاضبة لترفع كتفها وهي تبتسم، فغرق في عينها اللامعة مر وقت طويل لم ير حبتي القهوة الصافيتين مثل الآن ، يبدو أن العلاج يؤتي بنتائج جيدة ،من يعرف ربما انقلب حظه و وجد امرأة تحبه فعلا؟
❈-❈-❈
أغلقت نورس باب الغرفة بحذر وتوجهت للحديقة لتجلس بقرب مالك الذي سألها بقلق:
نامت؟
أومأت مجيبة :
أخيرا بعد أن بكت كثيرا، أخاف أن يؤثر الأمر على دراستها رائد لن يسامح نفسه أبدا وقتها.
تنهدت حشمت وقالت:
مع أني متعاطفة معها جدا لكن لا يجوز لومه كليا، منذ أن وصل هناك وهو يعمل ويدرس لا يجد وقت فراغ أبدا ، كيف كان سيفعل ذلك لو سافرت كايلا معه؟
دلكت نورس جبهتها مجيبة :
لذلك لا أحب التورط بالعواطف، ربما هذا ذنبي كان على وضع حدود أكثر معها كي لا يحدث ما حدث.
أنزلت نرمين مفكرتها الإلكترونية وقالت بجدية :
ماذا حدث؟
فتاة صغيرة حزينة قليلا وهذا ليس بسبب رائد كما تعتقدون، كايلا لديها مشاكل كثيرة وضغوطات لا حصر لها ، انفجرت بعد أن تعبت من تحملها وليس لأن رائد ضحك عليها و غرر بها لطريق لا رجعة فيها!
ارتفع حاجبا مالك وحشمت ليقول الأول :
لا داعي أن تسمع كايلا هذا الكلام، أعرف أن لديها مشاكل وغيره لكننا أصبحنا مسؤلين عنها لذلك يجب أن نساعدها كي تتخطى حزنها.
عادت نرمين تركز في مفكرتها الالكترونية ليسألها بعد برهة :
تأكدت من وصول الفائز الثاني بالمنحة وقد انتهى تسجليه اطمئني عليه.
رفعت عينها له مجيبة :
أنا مطمئنة منذ البداية، أخبرتك لا داعي أن تتعب نفسك ، عموما شكرا علمت بكل مافعلت من أجل ضمان استقرار الدراسة هناك.
سألتها نورس:
هل هو قريبك؟
فهمت من فهد ذلك؟
هزت رأسها مؤكدة ثم قالت:
نوعا ما أنا الشخص الوحيد المتبقي من العائلة لذلك نعتبر أقارب.
كانت تريد معرفة اسم الشاب وماهو تخصصه ربما يكون صديق لرائد فهو مثلها لا يجيد تكوين صداقات لكنها عدلت عن الاستمرار في السؤال عندما لاحظت أن نرمين تختصر الرد، لتغير مجرى الحديث وقالت:
أقترح أن ننتقل الي الفيلا الجديدة بداية الأسبوع المقبل بذلك نلهي كايلا قليلا و أستطيع التركيز معها في مذاكرتها.
لتجيبها حشمت:
ألم يقل الدكتور مالك أنها لم تجهز بعد كيف ننتقل؟
توجهت الأنظار لمالك الذي قال:
التشطيبات فقط لم تنتهي، جزء كبير منها جاهز باقي القليل في منزل الضيوف و الحديقة والمطبخ يمكننا بدأ تأثيثها و نقل الأشياء الأساسية بذلك نوفر وقت و نلهي كايلا.
نال الاقتراح استحسان الجميع ليقوم تنفيذه بأقصى سرعة ممكنة .
YOU ARE READING
قطرات على قلب النورس
Romanceرومانسية اجتماعية عن الحب و الخيانة هل يمكن احياء قلب أصيب بخيبات امل حتى أدمت ام ان الحب قادر على إنباته من جديد
