تحرك بخفة في أرجاء المنزل، راقب الحقول من النوافذ، تأكد من أن باكوغو قد غادر بالفعل إلى العمل. أخذ نفسًا عميقًا، ثم بدأ بتنظيف كل ما خلفه في المطبخ، رتّب الصحون، غسلها، أعد العشاء على الطاولة كما لو أن لا شيء قد تغير، ورتّب المكان بعناية ليبدو طبيعيًا تمامًا عند عودة باكوغو.
ثم، بهدوء، اقترب من الممر السري، دهن خطواته بعناية، وضع المصباح على رأسه، وبدأ نزوله بحذر. كل خطوة كانت محسوبة، كل حركة متأنية، فهو يعلم أن أي صوت قد يكشفه. قلبه يخفق، لكنه في نفس الوقت كان يشعر بشعور غريب بالحرية المتوقعة: أخيرًا سأعرف… سأختبر العالم الخارجي.
الممر الضيق، الذي يبدو بسيطًا من الخارج، امتد أمامه كأنه نفق الزمن، كل خطوة تصنع صدى خافت في قلبه. استخدم الدفاتر والأوراق المرسومة لتحديد الاتجاهات، يتجنب أي فخ محتمل، أي كاميرا أو حسّاس مخفي.
خرج أخيرًا إلى الحقول المفتوحة، نسيم الصباح يملأ رئتيه، خضرة المزرعة تحيط به من كل جانب. تحرك بسرعة لكن بحذر، حافظ على الأدوات والمصباح قريبين منه، وبدأ يمشي نحو الغابة القريبة التي حددها مسبقًا كممر آمن نحو القرية.
بعد مسافة طويلة، وصل إلى شجرة كبيرة، ضخمة وفارغة تقريبًا من حولها، جلس تحت ظلها، أخذ زجاجة الماء وارتشف ببطء، قلبه لا زال يخفق بشدة، دموعه تتجمع أحيانًا من الفرح والخوف.
فجأة، سمع صوت خطوات هادئة، رفع رأسه، فرأى عجوزة تقف على مسافة قصيرة، تحمل سلة صغيرة. ابتسمت له برقة، وقالت بصوت هادئ:
«يا بُني، تبدو متعبًا… هل تحتاج إلى مكان لتستريح الليلة؟»
ابتسم إيزوكو برقة، حاول أن يخفي توتره الداخلي، وقال:
«نعم… أحتاج لبعض الراحة، شكراً لك.»
قادت العجوزة إيزوكو إلى كوخ صغير قريب، دافئ وبسيط، لكنه نظيف ومرتب. جلس على فراشها الخشبي، قلبه ما زال يخفق بشدة، لكنه شعر لأول مرة منذ زمن طويل بالراحة، شعور بالحرية والدفء الذي لم يختبره منذ أيامه الأخيرة في المنزل الكبير.
استمع إلى نصائح العجوزة، تعلم منها طرقًا إضافية للوصول إلى المدينة، مسارات آمنة، أماكن يمكنه الاختباء فيها إذا اكتشفه أحد. شعر بامتنان عميق، لكنه لم ينسَ كل شيء خلفه، كل حب باكوغو، كل الدفء، وكل القبلة التي ما زالت حية في ذاكرته العاطفية.
جلس تحت الضوء الخافت، كتب في دفتره ملاحظات جديدة عن الخطوة التالية، عن كل تفاصيل الهروب القادمة، قلبه يمتلئ بالقلق، بالخوف، لكنه كان أيضًا متوهجًا بالإصرار: سأعرف حريتي، وسأعرف الحقيقة كاملة… حتى لو كان الطريق صعبًا، حتى لو كان الثمن مرتفعًا.
وفي الخارج، صوت الرياح بين الأشجار، وحفيف الأوراق، كان يهمس له بأن العالم أكبر من كل القيود التي فرضها عليه أحد، وأن الغد يحمل له فرصة جديدة، خطوة صغيرة نحو الحرية الحقيقية
أنت تقرأ
" داخل أسوار المزرعة "
Romanceفي عالمٍ تضجّ به الأصوات والقدرات الخارقة، لم يتوقّع أحد أن تنبت أجمل الحكايات في قلب مزرعة بعيدة عن ضجيج المدن. هناك، بين الأرض الخضراء والهواء النقي، يبدأ إيزوكو الأوميغا في رحلة جديدة بعد فقدان ذاكرته ، محمّلة بذكريات الماضي وجرحه، لكن أيضًا بأمل...
~~~
ابدأ من البداية
