تتابعت الأيام في المزرعة كأنها شريط متكرر من اللحظات الدافئة والهادئة، لكنها لم تكن هادئة في قلب إيزوكو. كل صباح، كان يستيقظ على دفء حضن كاتسوكي، يبتسم له ببراءة، يتلقى قبلة على جبينه، ثم على شفتيه قبل أن ينهض لتجهيز الفطور. كان يحضر له البيض المخفوق، الخبز المحمص، يضع الشاي الطازج على الطاولة، ثم يختار ملابس العمل ويجهز صندوق الغداء بعناية، كما لو أنه يمارس طقسًا مقدسًا.
وبينما كاتسوكي يغادر للعمل، يلوح له من الباب بابتسامة هادئة، كان قلب إيزوكو يختنق بمزيج من الحنين والخوف، لكنه يتظاهر بالطمأنينة، يخفي وراء ابتسامته هواجسه الداخلية. اليوم… سأجرب شيئًا مختلفًا.
خرج إلى الحقول، يحمل سطل الماء في يده، يمر بين الأعشاب الطويلة وكأن كل خطوة يختبر فيها الحدود. راقب السياج المعدني المحيط بالمزرعة، لمس الحديد البارد بيده، وحاول أن يجد أي فتحة يمكن أن تسهّل هروبه. لم يكن هناك شيء، كل شيء محكم بطريقة تجعل الهروب يبدو شبه مستحيل.
توقف لحظة، جلس على حافة الحقل، يتنفس بعمق. لقد خطط لكل شيء… كل لحظة من حياتي هنا مراقبة ومحكمة. لكنه لم يترك لي أي طريق واضح للخروج.
ثم رفع نظره إلى الكوخ الصغير الذي سبق أن اكتشفه، ذاك المكان الذي احتوى على كل ذكرياته المخفية ودفتر الملاحظات. ربما… ربما هناك شيء يمكنني استخدامه.
بعد دقائق من التفكير، نهض، وأخذ يجرب أدوات مختلفة: دفع باب المخزن، فحص النوافذ، لمس الأقفال. كل مرة كان يكتشف أن كاتسوكي أعد المكان بدقة شديدة. ولكن، رغم الصعوبة، كان قلبه يشتعل بالإصرار: لا يمكن أن أبقى هنا إلى الأبد. يجب أن أعرف… لماذا؟ ولماذا هذا كلّه؟
عاد إلى المنزل قبل عودة كاتسوكي، وأكمل مهامه اليومية، أعد العشاء، غسل الصحون، ثم جلس على الطاولة يراقب الغروب عبر النوافذ الخشبية الكبيرة.
وحين عاد كاتسوكي، استقبل إيزوكو بابتسامة دافئة، لكنه في داخله كان يقيم كل خطوة، يخطط كل حركة، يراقب كل تصرف من البطل رقم واحد.
اقترب كاتسوكي، حمله في حضنه، قبل جبينه وشفتيه، همس بكلمات معسولة:
«كل يوم أراك، أشعر أنني أسعد إنسان على الأرض… أنت ملكي، وكل لحظة معك أغلى من أي شيء آخر.»
ابتسم إيزوكو، أغمض عينيه للحظة، استمتع بالدفء، بالحب، بالقبلة الطويلة، لكنه في داخله كان يحلل كل حركة، كل نظرة: كم أستطيع التأجيل؟ متى سأجد فرصة؟
بعد العشاء، حين كانا جالسين قرب المدفأة، مدّ إيزوكو يده على دفتر صغير يحتفظ به على رف قريب، يفتح صفحات لم يلمسها منذ أيام. كان يحاول أن يخطط، يرسم خريطة ذهنية للحقول والمخزن والكوخ، يحسب كل دقيقة غياب لكاتسوكي، كل خطوة يمكن أن تكون مفتاحًا للهروب.
وعندما اقترب كاتسوكي ليجلس بجانبه، اقترب يده ليمسك بيده، قبلة على الشفاه، همس:
«أتعلم؟ لا شيء في العالم يستحق أن أشعر بالبعد عنك… حتى لو حاولت أن تهرب مني.»
YOU ARE READING
" داخل أسوار المزرعة "
Romanceفي عالمٍ تضجّ به الأصوات والقدرات الخارقة، لم يتوقّع أحد أن تنبت أجمل الحكايات في قلب مزرعة بعيدة عن ضجيج المدن. هناك، بين الأرض الخضراء والهواء النقي، يبدأ إيزوكو الأوميغا في رحلة جديدة بعد فقدان ذاكرته ، محمّلة بذكريات الماضي وجرحه، لكن أيضًا بأمل...
