قالها بصوت خافت... كأن كلماته تسير على حدّ السكين:
"أسألك مرّة ثانية... سالم وينه؟"
لم يكن السؤال... بل التكرار.
وتكرار السؤال في حضرة رجل يحمل سلاحًا لا يعني الفضول، بل إعلان انتهاء المهلة.
قلت له بإصرار، نطقت بها كما تُرمى الحجارة في وجه عاصفة:
"ما أدري."
كانت الكلمة قصيرة،
لكن وقعها ارتطم بكل ما في الغرفة..
غرس أصابعه في شعري وسحبني بعنف، جسدي انقاد خلفه، ورأسي ينحني مع كل خطوة يقطعها دون أن يلتفت.
كانت قبضته مشدودة على رأسي، لا تمنحني فرصة لالتقاط نفسي أو حتى لرفع عيني عن الأرض.
جرّني إلى الفناء الأمامي،
توقف فجأة، ثم صرخ:
"سالم!"
صوته ارتدّ في أرجاء المكان، مجرّدًا من الصبر.
لم يكن ينادي، بل يفضح الغياب.
"سالم!"
النداء الثاني خرج أقسى، كأنه موجه لي أكثر مما هو موجّه له.
وقفت خلفه، يدي على طرف الطرحة وشعري لا يزال مخلخلًا من قبضته.
كل شيء حولي ساكن،
لكن داخلي لم يكن كذلك.
كنت أسمع دقّات قلبي في أذني، وأشعر بنبضي تحت جلدي.
دفعني أمامه، تخبطت خطوتين على الارض الموحلة بعد المطر حتى اصطدمت بالموقد الحجري،
وضعت يدي على حافته حتى لا أسقط،
لكن وقوفي لم يكن نجاة... بل بداية.
أمسكني من كتفيّ، شدّني إليه بقوة،
ظهري التصق بصدره،
أنفاسه الساخنة تلفح عنقي،
وصوته انطلق غاضبًا خلف أذني:
"أدري إن سالم هنا."
ثم أتبعها بنبرة أكثر حزمًا، لا تحتمل التراجع:
"لكن معي اللي يطلّعه."
قبل أن أدرك ما ينوي،
مدّ يديه العريضتين إلى ياقة ثوبي،
وبحركة واحدة—مزّق القماش وسحبه عن كتفيّ.
النسيج انكمش حول خصري،
ونحري انكشف أمامه.
وضعت يدي على صدري،
كرد فعل خافت، لا يوقف شيئًا ولا يحمي.
كنت على وشك أن أنطق، أن أستجديه بأن يتوقف،
لكن صوتًا ارتفع داخلي...
صوت عزيز، في تلك اللحظة التي ترجّاه فيها،
توسّله المكسور، صدى رجائه المعلّق في الفراغ.
تجمّدت.
أغمضت عينيّ ببطء،
فلا جدوى من خوض حرب،
النتيجة فيها معروفة...
والنجاة، إن وُجدت، لن تكون بالرجاء.
كل شيء حولي تجمّد،
الزمن، الصوت، حتى ارتجافة صدري... توقفت.
الهواء المشبع برائحة المطر بقي عالقًا في رئتي،
رائحة الأرض المبللة، والسكون الذي يلي العاصفة.
الغيوم التي كانت تغطي السماء بدأت تتراجع ببطء،
وانكشفت لأشعة شمس العصر،
خيوطها الذهبية لامست جلدي العاري،
كأنها تسجّل اللحظة،
كأن الضوء نفسه صار شاهدًا.
لم أتحرّك.
لا لوهلة.
وكأن جسدي لم يعد ملكي، بل ملك للمشهد...
معلّق بين ما سُلب مني،
وما لا أملك الدفاع عنه..
دفع بي للأمام،
اصطدمت بالموقد الحجري ووضعت يدي عليه لأتوازن،
كان مغمورًا بمياه المطر، سطحه ساكن كمرآة،
انعكاس وجهي بدا غريبًا،
تعابير جامدة، ساكنة، كأن الحياة فُصلت عنها.
لم أعرفني.
لم أعرف تلك العينين اللتين تحدّقان في الماء دون رمش،
وفوقي، انعكس وجه تركي...
داكن، مشدود، لا يحمل غضبًا فقط، بل قرارًا.
أحاط وسطي بيده،
شدّني إليه بثبات،
كأنّه يثبت شيئًا ينوي اقتحامه لا لمسه.
ويده الأخرى امتدّت داخـل ردائي،
باردة أول لحظة، ثم ثقيلة،
كأنها تفتّش عن شيء أعمق من الجسد.
جسدي ظلّ ثابتًا،
ليس لأنني أردت،
بل لأن الصدمة كانت أبطأ من ردّ الفعل،
وأقوى من أي صوت داخلي يطالبني بالرفض.
شعرت بأنفاسي تختنق عند حنجرتي،
ليست من الألم... بل من المعرفة،
معرفة أنني مهما حاولت،
لن أغيّر ما قرّر أن يأخذه
لم أتكلم،
لم أبكِ،
لم أصرخ.
ليس لأنني قوية،
بل لأنني كنت أعرف—
أن الصوت في حضرة من لا يسمع... ضعف.
وأن الرجاء في وجه من لا يرحم... مهانة..
استل ردائي الداخلي واستقر بين ركبتي
دفع قدمي بقدمه، ليباعد بين ساقي
حركة سريعة، لكنها محسوبة بدقة،
كدت أتعثر، اختل توازني للحظة،
يدي انزلقت عن حافة الموقد،
لكن جسدي لم يسقط... لأنه لم يسمح له بالسقوط.
يده لا تزال تحاصرني من الخلف،
تشد خصري،
تمنعني من الحركة.
شعرت بضغط انتصابه يلامس مؤخرتي
ثم نزل به داخلاً
بإختراق تدريجي،
يقتص من عذريتي
من كرامتي
وبطريقة ما من سالم
بدأ الألم كضغط عميق،
ثم تحول إلى حرارة تنتشر في بطني،
موجة خرساء تتسلل وتشتعل،
حتى شعرت أن أحشائي تلتفّ على نفسها،
كأنها تحاول الانكماش عن انتصابه
أو دفعه للخارج عبثًا.
أنفاسي تقطعت،
كل شهيق يجرّ معه ارتجافة،
والدم كأنّه تراجع عن أطراف جسدي،
ليتجمّع هناك، في موضع دفعه،
حيث الحياة والوجع يتصارعان بصمت لا يسمعه سواي..
أنينٌ ثقيل، خرج من عمقٍ لا اسم له،
كُتم بين أضلعي كما تُكتم شهقةُ غريقٍ تحت الماء،
تسلل انتصابه داخلي، كزحفٍ بطيء جائر،
كأنه وتد من نار يتحسس ملامح ألمي،
يشق طريقه في جوفي رويداً رويداً،
يتقدم بوحشية صامتة، متلذذا بتفكيك ليفٍ بعد ليف،
حتى النبض تلعثم،
حتى الهواء تجمد في رئتي.
كنت أحدّق في انعكاس وجهي على سطح الماء،
ساكنًا، هشًا، كأنني أرى ظلّي لا ملامحي.
ثم سمعت الصوت...
قطرات الدموع تنسلّ من عيني بصمت
تسقط بثقلٍ يكفي لتمزّق الهدوء،
تشقّ صفحة الماء وتكسر صورتي فيها،
كل قطرة تمحو جزءًا من وجهي،
تُشوّش عيني، تُبعثر فمي،
كأنني أذوب في تلك الدائرة المرتجفة
كل حركة من جسده وهو يتوغل داخلي، كانت خيانة جديدة،
كل شبرٍ يغوص فيه، يسلبني يقيناً كنت أتشبث به.
لم يكن الألم صراخاً،
بل رعشةً تنمو، تتفتّح مثل زهرةٍ سوداء في صدري.
سمعت صوته... مفاجأة شهوانية تشق نبرته،
كأن الكلمة تذوب على طرف لسانه بلذّة لم يتوقّعها،
همسها: "بنيه"
سحب تركي قضيبه من جسدي ببطء محسوب
وكل شبرٍ يخرجه مني كان يئنّ بحرارةٍ حارقة..
وحرارة جسدي العالقة على انتصابه تسلّلت إلى يده،
دفءٌ غريب... حيّ... يكاد ينبض،
كأنه خرج من قلبي لا أحشائي..
لم يكن الدم دم عذريتي فحسب،
كان نبيذ انتصاره، وعطر النهاية..
كأن كل قطرة دم تحمل رسالة من جسدي المستباح
تشتمه... أو تلعنه... أو تهمس له أنه بات الآن يملك شيئًا أكثر من حياتي.
بات يملك صمتي، كرامتي، وألمي الأخير.
VOCÊ ESTÁ LENDO
خطايا البيد|| +١٨
Romanceكنت أظن أن الهرب يكفي. أنني إن خنقت أنوثتي وخطت صوتي تحت اسم "سالم"، ستنتهي اسواء الاحتمالات لكن البيد لا تنسى، والعيون فيها لا تُخدع. حين دخل، لم يسأل من أنا لم يكن يطلب، كان يأخذ... بيده، بنبرته، بوجوده الذي لا يقبل مساحة للرفض. كنت أقاومه بجسدي ل...
