٠

83 13 111
                                    


"إعذرني".

إعتذرت للرجل الذي صدمته بكتفي، وواصلتُ السير في الطريق شبه الخالي، أركل الثلج بقدميّ، وأحدّق في وجوه الناس، دون أن أرمش الدموع عن عينيّ.

كان كل من يمر بجانبي يمنحني نظرة مستغربة..هل هي أول مرة يرون شخصاً ما يبكي؟

أتساءل..

هل يعتقِد هؤلاء الناس، أن البكاء خطيئة لا ينبغي إرتكابها أمام الآخرين؟

لم أفهم، ولا يمكنني أن أفهم أبداً..لمَ يشعركَ الناس أنك لا تملك الحق في البكاء ؟

ألا يمكنني أن أبكي عندما أشعر بالحزن حتى؟

كانتُ دموع السماء اليوم باردة، متجمدة. شعرتُ بها في فروة رأسي، كئيبة جداً..كانت دموعي تحرق وجنتاي، ودموع السماء فوقي تسقط باردة على جسدي.

"رجاءً!"

ماذا كنتُ أرجو؟ لماذا؟ لمتى ظللتُ أفعل؟

لا أدري.

لماذا تذكرتُ الكثير فجأة وظللتُ أبكي عليه؟

لا أدري.

لم أنا بائسة بشكل زائد اليوم؟

لا أدري.

ربما أحتاج قائمة كاملة يكون جوابها : لا أدري.

أشعر بالوحدة.

لمَ أنا وحيدة؟ لديّ الكثير جداً من الأصدقاء!

لذا..لم كنتُ ولازلت أشعر بالوحدة؟

لا أدري..

بدا عمود الإنارة أمامي باهتاً، فكرتُ أنه ربما يشعر بالبرد، حزرتُ من مكاني أنه بارد جداً.

رأيتُ شجرة عملاقة خلف أعمدة السور، كانت الحديقة خالية، تلاشى الناس..توجّهت نحوها، عانقتها.

"يا فتاة! لمَ تبكين؟"

"أبكي لأنّني حزينة أيتها القطة البائسة!"

هششت القطة مِن أمامي بقدمي..و تحركتُ من جانب الشجرة، أُلقي بأنظاري نحو الأرجاء المظلمة، بدت الحديقة وهي خالية موحشة، و كانت زُرقة السماء الباهتة والحالكة تمنحني شعوراً غريباً في صدري..سرتُ في الطريق المرصفة، أخرج من الحديقة.

لكني إذاً توقّفت..بدت هذه القطة بائسة بالفعل.

عدتُ إليها، وحملتها بين يديّ، أربّت فوق فروها الرمادي الناعم وأنزع الطوق عن رقبتها النحيلة المغطاة بالفرو. "تفضلين المكوث مع بائسة مثلكِ، صحيح؟"

فركت رأسها بملابسي، فتابعتُ سيري وأنا أحملُها.

نظرتُ نحو القمر، كان السحاب قد بدأ ينسحب عنه، يتجمّع حوله، وكانت النجوم بالكاد ترى .

كان الشتاء قد حلّ على المدينة منذ أيام، وثلوج كثيفة ملأت الطُرُق، والأرصفة، أسقُف المنازل والمحلات..كان المشردون يفركون أيادي بعضهم بغية الحصول على الدفء، يغطّون أجسادهم بما يجدون من صناديق ورقية أو أقمشة تالفة، يشعلون النيران في الزوايا والزقاقات. أعينهم واهنة، يبدو الأسى والفقر في ما تبقى من ضوئها.

رمادي مزرق: سماءُ الشتاء.Where stories live. Discover now