الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.

Start from the beginning
                                    

هبطت من السيارة بعدما دلفت بها إلى بيت المزرعة الخاصة بنا، أحب هذا المكان إنه يدلف لروحي مباشرةً مثل ماليكا، تقريبًا زرعت معظم أشجاره بيدي رفقة أخي فارس وأبي، الفاكهة والخضار هنا لها طعم آخر يشبه حضن أبي سالم وأبي هارون.

أأخبركم سرًا؟
لا أعلم من أحب حضنه أكثر بينهما، فأنا كنت انتقل بينهما حتى عندما كنت صغير صورت لي أمي شيرين مقطع حيث وضعوني بالمنتصف ووقف أبي سالم من جهة وأبي هارون من جهة وكلًا منهما ردد اسمي لكي أذهب إليه، فتجمدت بالمنتصف ولم أعلم من اختار بينهما؟ فقد تشتت عقلي الصغير فكلما ذهبت لجهة عدت من جديد للآخر عندما يهتف باسمي حتى أنهى أبي سالم الأمرعندما أخرج من جيبه بسكوتة وأشار لي بها فزحفت ناحيته على الفور مقررًا أمري.

إذًا الحقيقة الأولى: أنا أحب الاثنين بنفس القدر، وإذا خسرت واحد منهما سوف أشعر بنفس الألم.

الحقيقة الثانية: أحب بسكويت "الكوكيز" أكثر من الاثنين!

هبطت من السيارة ثم ثنيت ذراعي بزاوية وأنا أميل بجسدي قليلًا ناحية أمي حتى تتأبط ذراعي، أعادت خصلات شعرها القصير للوراء كعادتها، فالآن صار لديها شعر حتى تُعيده من جديد، مدت ذراعها في المنطقة الفارغة وعانقت ذراعي بتوتر، مرحى هذا تقدم باهر ليو!

دلفت بها للمكان المخصص لتقضية الأمسية، لم أفعل الكثير فقط جهزت جلسة أرضية بسيطة كبساطة أمي، اخترت شجرة صغيرة علقت بها مصابيح قديمة من النوع الذي يحتوي على الشموع بالداخل وبالأسفل فردت مفرش منقوش بالزهور يطغى عليه اللون الأحمر، نثرت عدد من الوسائد، المزيد من المصابيح، وطاولة خشبية مستطيلة صغيرة يقبع فوقها أكلتنا المفضلة وهي: "البيتزا"

فقد جئت إلى هنا وحضرت كل شيء قبل أن أذهب إليها، أعددتها وتركتها فقط على الخبز، آمل من كل ذرة داخل قلبي أن الفتاة لم تُحرقها ولم تخرجها غير ناضجة، فقد بقيت أكثر من نصف ساعة أشرح لها التعليمات، حسنًا، لو حرقتها سأضعها بالفرن مكان البيتزا.

- مش كان هيبقى سينما ميد نايت وفشار بالكارميل؟

قالتها أمي بنبرة مازحة وهي تبتسم بسعادة بعدما جلست في الناحية الأخرى من الطاولة أمامي وبعثرت نظراتها على أجنحة الدجاج والبطاطس المقلية و البيتزا المصنوعة على شكل قلب، حمدًا لله لم تُحرقها فقد كنت سأحزن للغاية إذا وضعتها بالفرن فهي تصنع فطير لذيذ للغاية كما إنها لم تعلمني وصفة الفطائر على الطريقة الفلاحي بعد.

- لما أنت متعجلة بهذا الشكل جلالة الملكة؟ نحن بالكاد وصلنا.

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أنظر لها وأعيد خصلاتي للوراء، فضحكت بخفة قبل أن تمد يدها وتمسك مثلث من البيتزا بأناملها حيث إنها غير متكلفة وبسيطة للغاية، قضمت منها بتلذذ بينما انفجر تعبير انبهار على وجهها وتوسعت مقلتيها ثم رفعت إصبع سبابتها دليل عن إنه جيد للغاية.

- كل الطعام له مذاق الخشب بفمي إن لم تصنعه أناملك الساحرة أيها القائد، لا أعلم أي لعنة القيتها عليَّ حتى أصبحت لا أحب الطعام إلا من يديك.

قالتها أمي بنبرة عاشقة وهي تنظر لي بحب يتقافز من مقلتيها بعدما انتهينا من تناول الطعام، شعرت بانحسار الدماء من أطرافي، حاولت جاهدًا رسم ابتسامة على وجهي وقد نجحت قبل أن أستأذن منها للنهوض حتى أجلب شيء من المطبخ.

ركضت للداخل حينما أشعرت بتقلص حجم رئتي، أشعر بصعوبة في التنفس، لا يمكن أن أصاب بنوبة هلع الآن!
لماذا فعلتي كل هذا بي يا أمي؟
لماذا استخدمتني كأداة انتقام؟
لماذا لم تري ليو يا أمي؟
أنا لم أفعل لكِ شيء، هل هذا جزائي علي كوني ابنًا جيدًا يحبك على الرغم من كل شيء؟
لماذا لم تحبيني أمي؟
لماذا؟

دلفت المرحاض وأفرغت كل ما تناولته دفعة واحدة حتى شعرت أنني على وشك تقيؤ معدتي، هذا يحدث كثيرًا، جلست على أرضية المرحاض الخزفية البيضاء في وضع الجنين بعدما انتهيت، شددت قبضتي على قدمي، تحركت يمينًا ويسارًا بينما شعرت باحتراق بغيض بحنجرتي وأنفي وطعم منفر أحتل فمي؛ كان يمكن أن أصبح بخير لو تركتني بحضن أبي يا أمي، ربما كان بأمكانه مداواة جروحي النازفة.

يمكنني أن أضع لها سمّ في المثلجات، أو يمكنني خنقها بحزامي من الخلف، لا يبدو السمّ أسهل وأقل سيكوباتية، لكن ليس معي سمًّا هل أبحث في حقيبتها عن واحد؟

" أنوبيس، أمي تحبني، أمي تحبني، إنها كانت في حالة صدمة، أبي أخبرني أن أُحافظ على أمي أنوبيس"

حسنًا يجب أن نخرج من ذلك اليوم، لقد سحبني بالداخل وابتلعني كأخطبوط ضخم، هذه هي أمي التي أحبها فقد عادت إليَّ من جديد أخيرًا فقد اشتقت لها بشدة، اشتقت لها حد الذوبان، نحن لم نتحدث منذ أن تزوجت الحاوي قبل أن يتم الهجوم عليها وأذهب حتى أنقذها، ليس بعد أن عادت، أمسكت يدي مجددًا، اخبرتني أنها تحبني، وصارت تسعد برؤيتي أفكر في هذا، يجب أن أتماسك.

أنا أنوبيس، أنا أنوبيس، أنا قوي لا، أنا الأقوى، أنا أحصل على كل شيء أريده. 

أمسكت هاتفي وضغطت على التطبيق الأزرق في نية مني لبعث رسالة إلى ماليكا لكن ضغطت على موضع صورتها حيث يظهر لون أخضر حول صورتها الدائرية لينبأ عن نشرها لحالة لها، ابتسمت على الفور عندما رأيت صورتها ترتدي ملابس على الطراز الفرعوني حيث ترتدي فستان أسود اللون ذو حزام عريض من المنتصف منقوش بكلمات فرعونية باللون الذهبي وكذلك من منطقة الرقبة بينما تضع فوق رأسها طوق ذهبي فرعوني وفي الأعلى تظهر شكل أفعى منه.

سرّعت عرض الصور التالية بسرعة دون أن أترك لها فرصة للتحميل حيث تظهر بها زوجات أخوتي رفقة ماليكا احترامًا لهم حيث إن الفستان ضيق إلى حدًا ما وهذه الحفلة خاصة بالفتيات، نعم!

بالتأكيد لا تعلم أنني أشاهد حالتها بشكل يومي فهي تحذف الرجال من الحالة لكن شكرًا أخي بكر لن أنسى لك هذا، حسنًا، اعلم أن اختراق هاتفها وضاعة لكن أقسم هي لا تنشر شيء لا يمكن رؤيته، كما أنني كنت أرغب بربط هاتفها بموقعي لأنني أخاف عليها، لا أعلم ماذا يمكن أن يحدث؟ فهي هنا ليست بأمان كامل، لكن بالطبع لم أشاهد صورها أو أقرأ رسائلها.

حسنًا، أنا كاذب لقد قرأت الرسائل بينها وبين عامر فقط، لكن أنا الآن بالطبع لا أشاهد شيء فقد ربطت موقع هاتفها وأضفتُ حالي لحالتها فقط ليس أكثر من ذلك، أنا لستُ هذا الحقير لكن قراءة رسائل عامر كانت أشبه بزرغودة خرجت من فم أنثى بعُرس داخل أذني، فقد ارتعبت من الحديث الذي يمكن أن يدور بينهما على الرغم من ثقتي الكاملة في ماليكا، لكن كان يجب أن أُهدأ نبضات قلبي.

خرج صوت ماليكا مؤدي لإبتهال في حالتها فأغلقت الهاتف على الفور، نهضت من فوق الأرض بعضلات تصرخ من الألم بسبب تجمد حركتي، فتحت الصنبور، غسلت وجهي ثم هندمت حالي وخرجت بسرعة، استللت هاتفي من جيبي حتى أسمع الإبتهال.

⟪ وهبت لكل الخلق برًا ورحمة وقد زدت في النعمة لمن زاد في الشكر.
ولم تنسى حتى الحوت في البحر ساربًا
ولا الطير في جو
ولا الوحش في قفر
لأنك أنت البر بالخلق كلهم
ومرشدهم للنور في ظلمة الكفر ⟫

الراحة، السكينة، الهدوء، ضربات قلبي.

هذا ما أشعر به في كل مرة أسمع صوتها، أغمضت عيني حتى تغرق روحي داخل بحور صوتها، تنهدت بعمق ثم تحركت للمطبخ جلبت المثلجات بنكهة المانجو المفضلة لدينا والتي صنعتها بواسطة ثمار المانجو من الشجرة التي سبق وزرعتها رفقة أبي منذ سنوات، هل أخبرتكم أن طعم هذه المانجو يشبه حضن أبي ؟

كلما تذوقتها شعرت بذراعه القوية حول جسدي، أشعر بأنفاسه تداعب وجنتي ورائحته الذكية تخترق أنفي، أبي، لا أعلم ماذا يوجد بعد الحب لكنني هناك معك.

عدت لها مجددًا حيث موضع جلوسها، ظهر القلق على وجهها واضحًا بينما تحرك قدمها بتوتر ملحوظ وتعلق نظراتها ناحية المطبخ، هل شعرت بي؟ هل ستضمني أخيرًا الآن؟

أمي أرجوكِ افعلي هذا، أنا في أمس الحاجة لعناقك، صالحي روحي أمي، أنا أسامحكِ لكن روحي مازلت تشعر بالألم، ربما بعناقكِ يندمل جرحها.

ابتسمت أمي ونهضت من فوق الأرض، أخذت المثلجات ومدت كفها بعثرت خصلات شعري برفق وهي تضحك بخفة، فأطلقتُ ضحكة خافتة أخيرًا بسبب السرور الذي دب بأوصالي بفعلتها المحببة لقلبي فهذه "أحبك ليو" بالنسبة لي، حسنًا يمكنني الإنتظار قليلًا على العناق، فهذه مرحلة متطورة للغاية وأنا لست متعجل.

- أمي، أنا أحبكِ.

- أنا لا أحب أحد بقدرك ليو، أقسم أنني أحيا لأنك هُنا.


قالتها بنبرة صادقة وهي تبعثر نظراتها على وجهي بطريقة لا تحدث كثيرًا فهي تتجنب النظر لي لأنني أشبه أبي حد التماثل حتى لا يبكي قلبها دماءً لأن الدموع لن تكفي مع الألم الذي يسكنه تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة حنونة وأنا أطعمها المثلجات بيدي كما تحب.

- حسنًا، ألا ترغبي في سؤالي عن شيء؟ تتعرفي عن ابنك.

- ليس لأنني لم أكن أمك بطريقة شيرين أنني لم أكن أمك، أنا أعلم عنك كل شيء ليو، أهتم بك دائمًا لكنك لم تراني.


قالتها أمي بنبرة واثقة، فنظرت لها بعيون ضيقة بدون تصديق وكأنني أُكذبها، ليس لأنني لا أصدقها بالفعل لكن لأنني أرغب في سماع ما تعلمه عني، روحي ترغب في لمس أهتمامها بي، رفعت كتفها للأعلى ثم خلعت حزائها وبدأت في المشي فوق العشب لاحظت أظافرها البيضاء الخالية من أي طلاء فتذكرت أبي.

نعم، أبي كان يضع لأمي طلاء أظافر في قدمها لإنها لا تعلم كيف تفعل ذلك، في أحد المرات عندما دلف أبي غرفة أمي حينما كنت متعلق برقبته من الخلف كالعادة وجدت أمي في حالة مذرية حيث بدى إنها تمنع حالها من البكاء من خلال عيونها الحمراء، بعثر أبي نظراته عليها وعلى زجاجة الطلاء جانبها ثم على قدمها التي صارت أصابعها بالكامل مطلية باللون الأحمر وكأنها دعست داخل حقل طماطم بعدما فشلت في طلي الأظافر فقط.

- أوة جلالة الملكة لماذا تتعبي حالك بذلك بينما أنا هنا موجود من أجلك؟

قالها أبي بنبرة دافئة حنونة وهو يقترب منها ثم أنزلني وخرج لبرهة ثم عاد من جديد يحمل مزيل طلاء وقطن، جلس قبلتها وبدأ في إزالة الطلاء القديم برفق قبل أن يضع طبقة جديدة متقنة فهو معتاد على ذلك حيث كانت أمي دهب فتاة مدللة تحب التدلل على أخيها.


_ لونك المفضل الأبيض لإنه يعبر عن السلام الذي تتوق روحك للمسه، حيوانك المفضل التنين لكنه خيالي والحصان وهذا نابع من سالم والأسد وهذا نابع من هارون، لكن حيوان ليو المفضل الحقيقي هو حوت الأوركا الأزرق وكنت تذهب في صغرك للنافورة  وتتمنى أن تتحول لحوت أوركا.

قالتها أمي بنبرة هادئة لتخرجني من شرودي لتشق وجنتي عن ابتسامة واسعة من ملاحظتها الأمر فكل ما قالته حقيقي، حيواني المفضل هو حوت الأوركا الأزرق، بالفعل وأنا صغير كنت أرغب في التحول لحوت أوركا حتى أسبح في الماء طوال الوقت، فأنا عاشق للبحر فكنت أذهب إلى النافورة ألقي أموال حتى تتحقق أمنيتي، كما أنني أحب الحصان لأنه حيوان أبي المفضل والأسد لأن عمي هارون مروض أسود مثل أبيه.

- رياضتك المفضلة المبارزة ثم السهام، لعبتك المفضلة عسكر وحرامي، وتحب لعب دور الضابط، لإنك كنت ترغب في أن تصبح ضابط شرطة، لكن أعلم بكل ذرة داخل قلبي إنك لم تكن لتشعر بالراحة أو السعادة من ذلك.

توقفتُ عن المشي ونظرت لها بتفسير حتى أعلم لماذا هي متأكدة من هذا الأمر؟ حيث أنني بالفعل كنت أرغب في أن أصبح ضابطًا، أطارد الفاسدين وانقذ العالم لكن حلمي تبخر عندما علمت أنني اللص، أنا الفاسد، أنا الذي يجب ملاحقته.

ليو لا يطير، ليو ليس بطلًا.

- إنت بتعمل كل حاجة بإبداع بتحب تمشي الدور للآخر، إزاي هتبقى ظابط وعيلتك مافيا؟ إزاي هتبقى الزعيم وفي نفس الوقت ظابط؟ مكنتش هتبقى مرتاح، أما هتسلم الكل أو هتسلم شارتك يا حضرت الظابط.

قالتها بنبرة حاولت صبغها بالمزاح وهي تعيد خصلات شعرها للخلف ثم بعثرت نظراتها على الأشجار حولنا وبرقت عيناها بوميض حنين باهت اللون يشبه الضوء الأصفر قبل أن تستطرد:

- لعبتك المفضلة الثانية القرصان، وكانت لعبة داغر المفضلة.

توقفت عن الحديث لتتمالك ضحكتها التي كادت أن تنفلت من فمها، فضحكت بخفة بسبب علمي ماذا تذكرت؟

جلب أبي لي ملابس قرصان في يوم ميلادي السابع في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، شعرت وقتها أنني على وشك الإنفجار من السعادة كبركان مصنوع من الشوكولاتة وجلست ساعتين جانب الملابس أفكر في ارتادئها وأفكر في سبب تأخر الشمس هكذا؟ ثم أتخذت قراري أخيرًا وارتديتها ثم وقفت أقفز من السعادة من هيئتي.

لا يوجد سفينة! كيف يمكن أن أصبح قرصان دون سفينة؟!

هتفت بها داخل عقلي ثم أمسكت كف فارس لإن أشباحه الوهمية تكون في أوج عنفوانها في الليل، ذهبت إلى غرفة أبي بعدما أتخذت قراري، فتحت الباب برفق ثم تسللت إلى الداخل على طرف أصابعي وكأنني لن أوقظه بالفعل.

- بابا ليو عايز سفينة، ممكن تبني سفينة في الجنينة؟ عايز ألعب قرصان.

هتفت بها بنبرة بريئة بعدما فتح أبي جفنيه ووقع بصره على وجهي الذي لا يظهر نصفه بسبب العصابة السوداء الكبيرة الموضوعة فوق عيني والتي أكلت نص وجهي معها، حسنًا، لا يمكنني وصف وجه أبي وقتها فكان على وشك الإصابة بأزمة قلبية من هول ما سمع، لكنه خرج من حالة التحول إلى جبل على وشك الانهيار على ضحكات أمي التي ارتفعت عاليًا على شكل وجهه.

- جائزة أفضل أب تتلاشى من أمامك.

هتفت بها أمي بنبرة مازحة فضحك أبي بخفة قبل أن ينهض من الفراش مع صدوح ضحكات أمي من جديد بسبب تقاسيم وجهه الباكي لكنه بالطبع لن يدع جائزة أفضل أب تتلاشى من بين يديه على الرغم من أنني أخبرته بأن ينتظر حتى الصباح عندما أفقتُ من حالة الإنتشاء التي تلبستني بسبب الزي، لكنه رفض ذلك، ثم أيقظ عمي هارون على الفور ثم جعله يوقظ عمي قاسم لإنه لو فعل لما خرج برأسه، إما بالنسبة لعمي صالح فالتفكير في الأمر أشبه بالإنتحار.

هل أخبرتكم أنني أحب أبي أكثر من أي شيء بالعالم؟


_ نوع القراءة المفضل الفانتازيا والرواية الأقرب لقلبك هي هاري بوتر، ليس لأنها الأقوى لكن هناك رابط سري داخلك بها، تنتظر هاجريد إن يأتي إليك يأخذك إلى عالم السحر، عالم السعادة فتصبح سعيدًا مثل هاري، تجد حالك مع من يشبهونك.

قالتها أمي بنبرة يغلفها الحزن بعدما عادت لتكملة حديثها عني، إنها تعلم الكثير بالفعل، تعلم الكثير داخلي، طوال حياتي لم أعلم إنها تشعر بما يحدث داخلي.

تقلصت المسافة بين حاجباي عندما ارتدت الحذاء على عجالة قبل أن تركض تجاه  الإسطبل الخاص بالخيل العربي، فرفعت حاجباي في حيرة حيث إن الخيل يذكرها بأبي فلم أتوقع إنها ستفعل ذلك؛ اقتربت أمي برفق ناحية الخيل "برق" ثم مسحت على جانبه الأسود الامع برفق وهي تتحدث معه بلطف حتى ترى رد فعله، ثم أخرجت قطعة من السكر ووضعتها في باطن كفها المنبسط أسفل موضع فمه، أنزل رأسه وتناوله من كفها برفق.

فتحت الباب بهدوء وهي تصدر صفير معتدل النبرة لتتحدث معه حتى لا يشعر بالخطر منها، اقتربت منه برفق ناحية اليمين، مسحت على ظهره ثم ثبتت اللجام برفق حول رأسه بعدما وضعت الشكيمة في فمه، أخرجت قطعة من السكر مجددًا واطعمته إياها حتى يعلم أن ما فعله شيء جيد، أمسكت اللجام وتحركت به للخارج وبتأني وهي تصدر صفير فتحرك معها، قطعة سكر من جديد.

ضحكت بخفة من اختيار أمي، بالطبع ستختار الحصان الأسود القوي الذي يظهرعليه العنفوان، إن "برق" صعب الترويض لكن فارس روضه من أجل شهد وهي نجحت في السيطرة عليه، ففارس خيّال عظيم، يعشق الخيل مثل أبي وبعث حب الخيل إلى قلب شهد كذلك.

تحركتُ تجاه "شهرزاد" مهرتي البيضاء الناصعة التي تشبه نقاء أختي شهرزاد التي سميتها على اسمها، أوه من شهرزاد؟

لاحقًا، لا داعي للسباب فكل شيء سيتم كشفه بعد قليل، لا مزيد من الأسرار.

مسحت على شعرها الأبيض ووضعت جبهتي فوق خاصتها لأخبرها إنني اشتقت لها كثيرًا، أخرجت قطعة من التفاح التي جلبتها، أطعمتها إياها وخرجت بها حتى الحق بأمي التي صعدت أخيرًا على ظهر "برق"، امتطيت شهرزاد بقفزة واحدة، ربت على ظهرها حيث أجلس دون سيرج، وقفت بجانب أمي ثم رفعت أصابعي لأعد حتى نبدأ السباق بإتفاق صامت بيننا.

انتشر الغبار مع صدح صوت حوافر الخيول تضرب الأرض بقوة في لحن يُسكر عقلي ويتركني منتشيًا من السعادة أثناء اندفاع الهواء لوجهي، تناثر خصلات شعري الأسود حول وجهي في غير انتظام، السكون، أغمضت عيني لأشعر أنني أطير مثل ما كان يفعل أبي معي.

وأنا صغير كنت ارغب امتلاك تنين، لا كنت احترق من تلك الرغبة كلهيب شمعة سحرية لا تنطفئ، جلست متكور على نفسي في زاوية الغرفة لمدة يوم كامل تقريبًا بسبب حزني لعدم قدرتي على امتلاك تنينًا، فقد أخبرتني أمي دهب أن التنانين موجودة فقط بالجنة وليست بالأرض لذا لا يمكننا شراء تنين لكن لأنني طفل جيد سأحصل على تنين في الجنة، لكن أنا أرغب في التنين الآن! وفي نهاية اليوم عندما عاد أبي حملني كعادته برفق وجاء بي إلى هنا.

- عارف إيه أجمل شيء في الخيال؟ لا حدود له، تخيل إنك راكب على ظهر تنين.

قالها أبي بنبرة حنونة وهو يضع عصابة فوق عيني لتمنع عني الرؤية ثم حملني وصعد بي على ظهر مهرته المفضلة التي تُدعى "نفرو"، شعرت بالهواء يلفح وجهي، جسدي يرتفع ويهبط من أثر القفزات، أطلقت لمخيلتي العنان وتخيلت حالي أطير فوق مدينة وأبحث عن اللصوص بينما أبي يلف ذراعه حول خصري حتى لا أقع، من وقتها كلما رغبت الطيران آتي إلى هنا كما أنني أصبح لديَّ تنين خيالي أخبرتكم عنه من قبل.

سمعت صوت ضربات حوافر برق تبتعد فعلمت إن أمي سبقتني، فتحت عيني بترو وضربت برفق ظهر شهرزاد بكعب حزائي، ضربه رقيقة لا تؤثر ولا تؤذي لكنها تحث على الإسراع مما أدت مهمتها لكن سرعتي لم تصل لمهارة أمي فهي خيّالة باهرة، في الأساس أبي أحب الخيول بسبب شعاع الضوء الذي ينبعث من عيون أمي كلما شاهدت خيل وقرر تعلم الفروسية والترويض.

انخفضت سرعة أمي بطريقة توحي بأنها غير مقصودة لكنه ليست كذلك حيث أعلم تمام العلم إنها تتركني أربح عن قصد، سحقًا أمي، هل أنا طفل في الخامسة؟ حسنًا ستندمين على ذلك!

- مبروك عليك الحكم أمي.

قلتها بنبرة حاولت أن تخرج مهللة ومنتصرة بعدما انتهى السباق بفوزي الكاذب بسبب تخلي أمي عن الفوز لأجلي مثل جميع الأمهات، رفعت كتفها للأعلى بلامبالاة وابتسمت بثقة قبل أن تتحرك في طريق العودة لمجلسنا السابق الذي حضره العاملين لمشاهدة فيلم في الخارج عن طريق جهاز العرض الآلي ( projector) وتجهيز المكان بحيث يمكننا التسطح أثناء المشاهدة عن طريق وضع وسائد كبيرة فوق الأرض، وشاشة مصنوع من القماش الأبيض ليتم انعكاس الصورة عليها.

جلبت سيف جدي من خلف الشجرة وسيفها حيث وضعتهم مسبقًا ثم تحركت خلفها ببطء حينما كانت تتفحص المكان بملامح تمتزج بالدهشة والسعادة المحلقة فوق رأسها كعصفوران، وضعت نصل السيف البارد على وتر رقبتها الذي ينبض من السرور بشكل ملحوظ ثم هتفت بنبرة جادة:

- استسلمي مولاتي الملكـ..

قاطعت جملتي عندما التفتت ناحيتي بجسدها، ضربتني في جانبي بواسطة مرفقها ثم عقبتها بضربة بقدمها في صدري مما أدى لوقوعي بصوت مكتوم للخلف فوق العشب، ثم رفعت رأسها بزهو من حالها مع شق وجنتها بابتسامة جانبية ماكرة قبل أن تقول بثقة:

- الرجال لا يهاجمون من الخلف أيها القائد.

استلت سيفها من جانبي وبحركة خاطفة هاجمتني بضربه، فصدح صوت تصادم نصل السيفان الذي جعل يدي ترتعش حيث شعرت بمس كهربائي مر عبر أوتاري بعدما صددت ضربتها بخاصتي قبل أن تفصل رأسي عن جسدي، ركضت أمي تجاه الشجرة وحملت سيفًا آخر لأنها تحب اللعب بالاثنين في نفس الوقت، طرقعت رقبتها وهي تثبت نظراتها بي أثناء نهوضي من فوق الأرض، حركت السيفين في يدها بشكل دائري كالمروحة ببراعة قبل أن تطلق ضحكة مستمتعة من فمها وتهجم بقوة.

هل تعلم إحساس أن تنتطر طوال عمرك حدوث شيء ويحدث بالفعل؟
يا سكان رأسي السعداء أجلوا الأحتفال والرقص لإن صوت الموسيقى يغطي على صوت تلاحم السيوف!

صدح صوت صلصلة السيوف المحبب لقلبنا معًا وكأننا نستمع لمقطوعة موسيقية ناتجة عن صوت خفقات قلبنا المحلق، أمسكت السيف بكلا كفاي حتى أستطيع صد ضربتها المتتالية من السيفين بينما بدأ العرق يتجمع أسفل حافة شعري ورقبتي، إنها بارعة بشكل غير مصدق وكأنها قنبلة نووية من البراعة، لكنها ليست هكذا الآن مازالت ماهرة لكن أرى الخوف يتدفق من مقلتيها، سحقًا، إنها خائفة من أن تؤذيني بدون قصد، ضرباتها ليست قوية كفاية ولا تجرحني.

سحقًا، فقد كانت تجرح أبي بدون أن يرف لها جفن، لم تكن جروح بالغة فقط مجرد جروح صغيرة لكنها الآن مختلفة، هل أنتِ خائفة الآن أمي؟!

أشعر بالحزن الشديد، أريد أن أصرخ بملأ حنجرتي ثم أذبح حالي بالسيف وأنزف فوق العشب حتى يرتوي من دمائي إلى أن يجف جسدي، لا سأذبحها أولًا ثم نفسي، هل تعلمون ماذا فعلت لي امي؟

لا شيء، أمي لم تفعل شيء، كنت أريدها أن تفعل لكنها لم تفعل أي شيء، سحقًا، لا يمكنني قتل أمي، إنها تحبني، أمي تحبني، يجب أن أخرج من تلك الذكرى، إنها كانت في حالة صدمة والآن هي بخير، لقد عادت، أمي عادت لي من جديد.

صدح صوت ارتطام سيفها الثاني بالأرض بعدما اطحت بالأول بقوة لينضم لأخيه معلنًا إنتهاء المباراة، لم تتركني أمي أربح هذه المرة، أنوبيس كان غاضبًا وعندما يغضب أنوبيس لا يوجد ما يقف أمام طريقة، أما الفوز أو الفوز.

ماليكا، أحذري مني.


_ على الرغم من أنني خسرت لكن الخسارة شرف لو كانت على يديك أيها القائد.

قالتها أمي بنبرة سعيدة فنظرت لها بهدوء قبل أن اندفع وأضمها بقوة دون تفكير عندما انقشع الغضب وانحسرت سيطرة أنوبيس عليَّ فعدت طفل صغير ضعيف يحتاج إلى عناق أمه، يحتاج إلى البكاء داخل ذراعها والصراخ بسبب الحرب الدائرة داخل رأسي، آه، يا إلهي، ألن يأن لحروب عقلي أن تهدأ؟

ارتجف جسد أمي بعنف من المفاجأة أسفل ذراعي، انقطعت أنفاسها، وهبطت حرارة جسدها حتى قاربت التحول لرجل ثلج، فابتلعت الغصة داخل حلقي بمرارة بنكهة الصبار ثم تمتمت بنبرة محشرجة:

- آسف.

فصلت العناق برفق واستدرت حتى أتجه بخطواتي لمجلسنا السابق بينما هبطت دمعة ساخنة من زاوية عيني اليمنى، مسحتها بكم قميصي بعنف بسبب الغضب المتأجج داخلي، خربت كل شيء الآن، كيف يمكنني إصلاح ذلك؟

ماذا أصلح أولًا قلبي الذي رُفض مرات لا حصر لها؟ أم علاقتي بأمي؟

- فين الورد؟ وعدتني بزهور حمراء ولم تجلب لي شيء!

قالتها أمي بنبرة متهكمة دارت بها توترها الملحوظ حتى تحاول استعادة حالة البهجة من جديد بعد الحزن الذي خيم فوق صدري كدخان حريق خانق، ضحكتُ بخفة قبل أن أغير طريقي وأتجه ناحية شجرة أخرى خبأت خلفها باقة زهور حمراء زاهية تشبه  أمي وعدت لها من جديد.

- هيه جلالة الملكة لا داعي للثقل فأنا ابنك يا امرأة!

قلتها بنبرة مشاكسة بعدما تناولت مني الزهور بوقار وحركة بطيئة على الرغم من الحماس الذي يتراقص بمقلتيها حيث بدى إنها على وشك القفز مثل شهد عندما أجلب لها شيئًا ما، انكمش وجهها في تعبير تقزز وهي ترمقني بنظرة شاملة من أسفل قدمي حتى خصلات شعري قبل أن تقول متمتمة لحالها:

- ابنك! مش مصدقة إني خلفت كل ده، وكل شوية أمي أمي، زي الثور ويقولي أمي

ضحكت عاليًا بعدما حركت رأسي بدون تصديق، الانثى تظل انثى حتى إذا أصبحت قوتها تفوق الرجال!

ضحكت بانتشاء قبل أن يصدح صوت الموسيقى بعدما وصلت هاتفي بالمشغل ثم اطلقت لجسدي العنان ليؤدي هوايته المفضلة، ضحكت أمي ونظرت لي بسعادة وهي تجلس فوق الوسادة لتشاهدني بينما أنا اقتربت منها وسحبتها من كفها لتشاركني الرقص.

- إنتِ نسيتي الحكم؟

هتفت بها بنبرة ماكرة وأنا أُراقص لها حاجباي، فحركت يديها على خصلات شعرها للوراء، هندمت ملابسها  بشموخ قبل أن تشاركني الرقص بمرح، لكن مهلًا مهلًا، لا تعتقدوا أن أمي ترقص مثل النساء إنها ترقص بحركات مشابهة لأبي بظبط.

في الواقع هي تفعل كل شيء مثل الرجال، تتحدث كرجل، تلبس كرجل، تمشي كرجل، تحارب كرجل، وتُعامل  في المملكة على إنها رجل، أمي لا تصبح انثى إلا مع أبي فقط، وهذا يسعدني كثيرًا في الواقع، هل أخبرتكم لماذا تزوجت امي الحاوي؟

حسنًا، سأخبركم بعد قليل.
فأنا الآن أرقص وسعيد.

تسطحت فوق الوسائد بجانب أمي بعدما انتهينا من الرقص، نظرت لها حيث تضحك بإنهاك بينما رئتها تعلو وتهبط من فرط المجهود، نظرت للأعلى ناحية السماء تزامنًا مع انفجار الألعاب النارية بها، تراقصت الألوان أمام عيونها التي سُلبت نظراتها المنبهرة وتعلقت بها.

" مرحبًا بعودتك أمي"

كُتبت بالأنوار في السماء باللون الأحمر عقب صدوح صوت انفجار قبل أن تتلاشي من جديد ببطء وكأن السماء ابتلعتها، أخرجت من جيبي علبة بها قرط أذن أختارته لها، فهي تحب أقراط الأذن لكن بالطبع ليست العادية التي تحتوي على فراشات، فهي ترتدي أقراط مخيفة مثل الذي ترتديه الآن حيث إنه على شكل مخالب وكأن قرطها مخالب حيوان مفترس يمزق أذنها.

اخترت لها قرط على شكل حلقة يتعلق بها سيف يلتف حوله ثعبان فهي تحب السيوف وكذلك الثعابين حيث تمتلك حية بغرفتها، أخرجته من اللعبة وحركته أمام عيونها التي تضاعف حجم بؤبؤاها بشكل ملحوظ قبل أن أزيل قرط أذنها الحالي وأضع الآخر.

- جميل اوي، شكرًا يا ليو.

قالتها بنبرة وقورة وهي تنظر لحالها من خلال الكاميرا الأمامية لهاتفها وتلمس طرف السيف بأناملها على الرغم من الحماس الذي يظهر في عينيها سحقًا أمي لن تتغيري، ما هذا؟ قبليني يا امرأة!!

قبليني أمي، ضُميني إليكِ!

- دائمًا أراكِ جميلة مثل النجوم في السماء، على الرغم من أنني لا أستطيع لمسها لكن أحب رؤيتها تلمع.

- لا أعلم ماذا فعلت بحياتي حتى أُرزق بك ليو؟


قالتها أمي بنبرة صادقة وعيون ملتمعة تعقيبًا على حديثي الذي وصفت به علاقتي معاها طوال حياتي، رفعت كفها ووضعته فوق وجنتي ومررت إصبح سبابتها برفق أسفل عيني لأول مرة، شعرت بالدفء النابع من كفها لوجنتي تزمنًا مع سقوط دموعي بدون رغبة أو شعور مني، وكأن ليو الصغير لم يعد يتحمل، تسعة وعشرون عامًا دون عناق واحد.

شعرت بكفها يرتعش مثل بؤبؤا عيناها المثبت بخاصتي الملتمع بفعل ترقرق الدمع، ثم جسدها بأكمله وكأنه هزة الكرة الأرضية الناتجة عن الزلزال الذي حدث داخلها، هبطت دموعها بسلاسة قبل أن يتحول بكائها لصراخ عالٍ، لم أتوقع هذا! أمي لا تبكي إنها كالجبال، ضممتها بين ذراعاي وأخذت أربت عليها برفق بينما جسدها يهتز بقوة.

هل تعلمون ماذا يحدث إذا أنهار الجبل؟
فأن صداه يدوي بقوة، يهز الأرض بأكملها، ويغلف الظلام المكان وكأنه روح شريرة تلبست المدينة

  سحقًا! على حظي، أول عناق حقيقي بيننا يكون هكذا، لا يمكنني تحمل هذا، أن بكاء أمي يشبه لسعات السَوط فوق ظهري، هل كان يجب أن أقول هذا؟
تبًا لي وتبًا لساني الذي لا يصمت، كان من الممكن ان آسرها في نفسي، لقد فعلت كل هذا حتى لا تتذكر ما حدث لها وتحزن! فأحزنتها أنا!

هل تبكي لأنها تذكرت ما حدث معها؟
أم تبكي لأجلي؟ أم الاثنين معًا؟.
بعد مرور بعض الوقت الذي لا أعلمه هدأ صراخها قليلًا قبل أن تغمض عيناها وتستسلم للنوم هربًا فوق صدري، لا أنكر إنني أشعر بقليل من السعادة لرؤيتها تنهار هكذا، مهلًا أنا لستُ ساديًا، لا أستمتع بآلام الآخرين لكنني أشعر بالألم أيضًا، ليو الصغير كان يرغب في أن تشعر به طوال حياته!

ألا يمكنني الشعور بقليل من السعادة لأنها شعرت بالذنب لأجلي؟ أليس هذا عدلًا؟

______________ ︻╦デ╤━╼

أنوبيس Where stories live. Discover now