فـقـدان ذاكــرة / الفـصـل 6 🐺

78 15 10
                                    


"" السماء بألوانها التدريجية أصبحت غامقة ، و الأرض يكسوها السواد و الخوف يدب من جميع الأرجاء ، الوحوش محاصرة للكل ، فلا مفر و لا خيار أخر من غير المحاربة ، فمن يريد العيش فل يحارب ... ""
              __________♧__________

كانت الوحوش تتوسطهم بينما تنتظر الأمر من سيدها الذي كان في السماء محلقا بعصاه ، بضحكته المجنونة و هو يقول : سأستمتع كثيرا بمشاهدتكم و أنتم تُأكلون ، أنا سعيد جدا
صرخ نوراس : بل نحن من سنستمتع بفصل رأسك عن جسمك
إبتسم إبتسامة صغيرة فأجابه بهدوء : سنرى بشأن ذلك
و بأمر منه أكمل : يا حيواناتي الأليفة أمتعيني
مجموعة من الوحوش يهاجمون عليهم ، كل واحد منهم يقاتل لأجل حياته ، إلا ديب التي لم تسمح له نفسه بترك أخته وحيدة خوفا عليها من أن يصيبها مكروه ليقول له نوراس : بني ، عليك أن تقاتل هيا إنهض لنتعاون على حماية أختك أتركها بيننا حسنا ، هيا ديب
عانق أخته قائلا : لا أستطيع ، إنها أغلى ما أملك لن أستطيع المحاربة لا أقدر على خسارتها
قطع نوراس نصف ساق أحد الوحوش ثم صرخ عليه : إسمع أيها الأبله ، علينا أن نحارب إن هزمناهم جميعا سنخرج من هنا و ستكون مكافئتك بتركي رأس ذلك العجوز لك
صرخ ديب : و هل سأتركها هنا وحدها ؟! ماذا إن هاجمها وحش ما ؟
إستنفذ نوراس جل صبره ليردف : عليك بالتحول يا ديب لا وقت للكلام إن كنت تريد مصلحة أختك فل تتحول أنت الوحيد القوي بيننا يابني ، هيا فأختك تعتمد عليك
ديب : و لكني لم أتحول أمامها من قبل
عانقت إيلينا أخاها و الدموع على خديها : لا بأس أخي سأبقى أحبك حتى لو كنت قبيحا لا بأس
نزل ديب من على حصانه ، مزق جزءا من قميصه ليجعل إيلينا معصوبة العينين قائلا لها : أنا أيضا أحبك و لكن أرجوكِ ، عديني أنك لن تنزعي هذه العصابة من على عينيك أبدًا
إرتجفت شفتاها لتجيب : أعدك أخي
ديب : حسنا ، إبقي متمسكة بالحصان
إيلينا : حسنا
ركض ديب نحو الوحش ذو الأنياب الحادة مع عينيه السوداوين اللذان تبرزان فراغهما تماما مع يديه اللتان تكسوهما الأظافر الطويلة ، و صوته الوحشي الذي يدب الخوف في مسمع كل مرء ، إذ به هو الأخر في طريقه نحوه يتحول إلى مستذئب مع عوائه ...
كانت أول خطوة للمستذئب نحو الوحش ضربة واحدة ينتزع رأسه ليطفو رماد روحه الأسود في الهواء ...
سمع صوت إيلينا و هي تصرخ فإلتفت لرؤيتها ، وجدها في قبضة وحش أخر ، إلا أنه أضخم و أكبر و كأنه قائد الوحوش جميعها ...
ركض ديب بأقصى سرعة مع عوائه يراوغ الوحوش الأخرى ثم ظهر خلف الوحش ، و هو يصعد على ظهره ، يسرع ليقطع يده الممسكة بإيلينا لتسقط معها فيلحقها بنزولها للأسفل ، أمسك بها مع صراخها بينما اليد خبطت بالأرض ليُرجعها على ظهر الحصان .
عاد لهزيمة الوحش و لكنه قام بضربه بنفس اليد التي قطعها ، التي كانت قد نَمت من جديد و هذا مالاحظه المستذئب ثم رأى و كأنه يستهدف أخته .
حاول صرف إنتباهه عنها بعوائه نحوه و هو يركض بإتجاهه ليعضه من قدمه ، قام الوحش بملاحقته مع هزاته الأرضية ، إلى أن جعله بعيدا ...
بينما الكل مشغول بوحشه الخاص و بحماية نوراس لإيلينا ، و المستذئب الذي كان يراوغ الوحش بضرباته المتتالية التي كانت لا تجدي نفعا ...
نفذت طاقته فرماه الوحش بضربة منه ، إذ بالآخر رسم في الأرض طريقا لتلك الرمية .
أمر ذلك العجوز المجنون أن يتوقف الوحش في جمود تام ، إقترب من المستذئب الذي كان مستلقيا على الأرض بدخان أنفاسه المنبعثة و نبضات قلبه المتداخلة فيما بينها ...
نزل العجوز من على عصاه أمسكها مع ضحكاته الساخرة و هو يقول : ياله من منظر مضحك ، أنت حتى لا تقوى على حماية نفسك ، يا لك من أضحوكة
أغمضت عيني المستذئب كإستسلام للأمر الواقع ، و لكن في لحظة أتى في مسمعه صوت أيقظه " العصا ، إنها العصا " ...
خطف عصاة ذلك العجوز ثم كسرها بأسنانه الحادة فصرخ هو : لا ، ماذا فعلت ؟ ...
إختفى ذاك العالم المظلم و معه وحوشه ، و ذلك العجوز تبخر معهم و هو يتوعد بالعودة : ستندم على هذا صدقني ، سأعود سأعود .
كل شيء عاد لطبيعته ، السماء صافية و الأرض خضراوية بطبيعتها ، تعجب الجميع من إختفاء الجحيم الذي كانوا يواجههم .
و في خضم دهشتهم لمحوا ديب الذي عاد إلى طبيعته البشرية و هو لا يزال مستلقٍ على ظهره بثيابه الممزقة ينظر للسماء بغرقٍ في أفكاره .
سمع إسمه و هم ينادون عليه و معهم إيلينا التي كانت بين ذراعي نوراس ، حرك رأسه بإتجاههم ليراهم و هم يركضون نحوه ليصلوا إليه .
أنزل نوراس إيلينا فجلس قربه يسأل : ديب أجبني يا بني ، ما الذي حصل ؟ ماذا حدث ؟ هل أنت بخير ؟
لا رد ...
لازال ينظر للسماء بهدوء صوته عندما قال : نعم ، أنا بخير
جلس في مكانه قائلا : هل مات أحدهم ؟
نوراس : لا ، لم يمت أحد فقط هنالك بعض الجرحى
ديب : جيد ، يمكننا معالجتهم
أردفت إيلينا بقلق : أخي توجد دماء عليك ، هل أنت بخير ؟
إقترب منها فربت على شعرها ثم قال : لا تخافي مجرد خدش صغير
قاطعهم نوراس : هيا لنذهب يا ديب ، إنهض
إنتفظ ديب من مكانه ، عادوا إلى نصف الأحصنة التي بقي منها خمسة فقط ، كفت نوراس و إيلينا مع ديب و قائد الحرس ، و أحد تابعيه .
قائد الحرس لأحد تابعيه : تفضلوا إركبوا على حصاني إن جروحكم أكثر من مجرد خدوش مثلي .
بينما هم في طريقهم و إيلينا التي نامت بين أحضان ديب إستغل نوراس فرصة الحصول على جواب لسؤاله : كيف إنتهى كل شيء فجأة ؟ ما الذي حدث يا ديب أخبرني ؟
ديب : لقد كسرت عصاه فقط ، لا شيء مهم
نوراس بإستغراب : و كيف عرفت أن القوة تكمن في عصاته ؟
ديب : مجرد تخمين
أحس نوراس بالفخر ليقول بتفاخر : ليس تخمين ، بل الذكاء الذي ورثته من عند والدك
ديب بهدوء : أي والد ؟
نوراس : حسنا إنسى .
لطالما كره ديب والده ، أو فل نقل دائما ماكان لديه شك بأن هذه ليست عائلته و لكن بالرغم من هذا فلقد تمنى أن يكون عكس هذا تماما فشكوكه اللامتناهية لا شيء أمام حبه لأخته .
ألقى ديب نظرة على إيلينا مع إبتسامته الدافئة و هو يعانقها قائلا في نفسه ' في نهاية المطاف أصبحتِ مفيدة أيتها المرأة ، شكرا لك ' .
بعد برهة من الوقت وصلوا فإستقبلتهم مجموعة من الحراس و خادمات القصر يرحبون بعودتهم ، و لكن جروحهم التي لمحوها جعلتهم يتسائلون : سيدي ، ماذا حدث ؟ لماذا الجميع هكذا ؟!
أمر نوراس : لا تهتموا ، عليكم بتولي زمام الأمور من هنا ، إعتناءا بالجرحى و المصابين ، و من ثم كل واحد يهتم بأشغاله الخاصة ، هيا تحركوا
ذهب كل واحد فبقي نوراس و إيلينا التي كانت لا تزال غارقة في نومها لإحساسها بالأمان .
ديب : إذا ، هل تعرف ذلك العجوز ؟
نوراس : ماذا ؟ بالطبع لا !
ديب : كيف لا ؟ ، بالطبع أنت تعرفه ، كل م...
قاطعتهم إيلينا بإستيقاظها و هي تفرك عينيها قائلة : هل وصلنا ؟
خشى ديب من أن تكون قد سمعت شيئا من حديثهما فقال : أجل و لكني قلت له أني من سيأخذك للسرير ، لكنه لا يستمع لي ...
نظر له ليكمل : أليس كذلك يا أبي ؟
نوراس : اه ، أجل
أشبكت إيلينا يديها قائلة : لماذا كل هذا العراك علي ؟ أنا لست صغيرة ، يمكنني أن أمشي لوحدي
أجابها نوراس بإبتسامة : مهما كبرتي ستظلين صغيرة بالنسبة لي
نزل ديب من على الحصان ليمد يداه لإيلينا : هيا تعالي لنذهب
إلتفتت إيلينا للخلف لتقول بنظرة خوف : أخي ، هل جاء معنا ذلك الرجل الغريب أيضا ؟
ديب : بالطبع لا يا صغيرة لا تخافي ، هيا تعالي إلي ...
دخلوا القصر لتنحني لهم الخادمة : سيدي ، لقد جهزت لك حمامك ، و أيضا طعام الغداء سيكون جاهزا بعد قليل
نوراس : حسنا خذي إيلينا لتستحم هي أيضا
الخادمة : أمرك ، و أيضا سمو الأمير لقد ج...
قاطعها ديب : حسنا
حملت الخادمة إيلينا و هي تلوح لهم
نوراس : حسنا ، علينا تجهيز أنفسنا من أجل الغداء ، سأذهب الآن
أومئ له ديب ...
بعد وقت وجيز خرج ديب من الحمام و جهز نفسه للحضور على طاولة الغداء ، نزل الدرج ليرى الجو الكئيب على الطاولة ، أحس بشعور غريب ، و كأنه إشتاق لشيء و لكنه لا يعرف ماهو ...
طاولة الغداء التي كانت مكونة من الملك نوراس و إيلينا و قائد الحرس كعربون شكر على خدماته بدعوته للغداء مع إبتسامة ترحاب حارة من إيلينا و هي تركض نحوه تعانقه ليحملها و هي تقول : أخي ، هل أنت بخير ؟ كيف حالك الآن ؟ مرحبا بك على الغداء
قبلها على خدها : لا تخافي يا صغيرة ، و شكرا لكِ على ترحيبك
وسط ذلك الجو المعتم الذي أحس به كل شخص ، إنتفظ ديب من مكانه بهدوء تام عندما تذكر أمر المفتاح فإستأذن بالإنصراف : لقد شبعت سأذهب ، لا أحد يزعجني
ظلت عيني نوراس مراقبة له حتى إختفى عن ناظريه ...
ألقى ديب نظرة سريعة على نوراس الذي كان لا يزال يتناول طعام الغداء ، فأسرع لغرفته و أول مكان جاء في باله هي خزانة الملابس ، لقد قلبها رأسا على عقب و لم يجد شيئا ، المكتب أيضا و حتى تحت السرير و لا شيء ، خلف المرايا و لم يجد شيئا بعد ، أصبحت الغرفة فوضوية ، عندها دخل رجل مع عبائته السوداء و وجهه المغطى الذي ظهر من خلف ديب ، عندما إستدار هو كان الرجل قد مد يده عندما أمسك رأسه مع إندلاع شعاع أزرق من تحت يده قائلا : ستنسى كل مايتعلق بمكتبة السحرة و ستنسى المفتاح أيضا ، و تلك المرأة .
شعر ديب و كأنه يزول من هذا العالم و صار الظلام يبتلع كل شيء أمامه قائلا : ماذا ؟ ، لا مستحيل ، أنا سأ...
كانت هذه أخر كلمات ديب قبل تراخيه متهاوي على الأرض ساقطا .
                         ✼✼✼

مستذئب بقلب بشري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن