مقدمة

19 1 0
                                    

في صحاري كاليفورنيا الجامحة, تهبط الشمس ما دون الأفق, تاركةً الظلمات لتجتاح البراري, في هذه الأثناء, يركب راعي البقر حصانه الذي يعدو مسرعًا عبر البر بعيدًا عن أي حضارة, حيث يلمح ظل يلوح في الأفق لبضعة من الرجال يمتطون أحصنتهم, يبطئ وتيرة حصانه, ويتوقف.

"مرحبًا !, رفاق, هل تبحثون عن شيء؟" هتف كارلوس بلا مهابة للعصابة المسلحة التي اعترضت طريقه.

"وجدنا بالفعل ما نبحث عنه" قال أقصر رجل في العصابة, بدا وكأن له القيادة, على الرغم من أن قبعته السوداء العريضة كانت تحجب معظم وجهه, إلا أنه بدى مهيبًا بما يكفي ليهتزا كتفي كارلوس للحظة.

"تبحث عني؟ الكل يفعل, لكن أنتم يارفاق عليكم أن تعذروني أنا في عجلة" رد كارلوس بينما كان يهذب قبعته ويستعد للانطلاق, حين استوقفه الرجل القصير.

"أنت والحقيبة, ولا تحاول العبث فأنت بالفعل رهن اعتقالنا" قال بينما كان يشير إلى رجاله للانفصال, كانوا اربعةً عن يمينه وأربعةً عن شماله, وكان هو تاسعهم والأوسط, انتشرو عن اليمين واليسار في محاولة لمحاصرة المطلوب حامل الحقيبة, الذي حاول بدوره أن يبدي عدم الاكتراث والازدراء في آن, ثم هتف متحديًا: "جرّب حظك أيها الرجل القصير !".

شد كارلوس رباط حصانه مديرًا إياه بعيدًا عن العصابة في استعداد للانطلاق بسرعة حين رفع أحد الرجال مسدسه ليطلق النار, استل كارلوس مسدسه بسرعة عندما صرخ الرجل القصير: "تذكر ! نحتاجه حيًا لنستلم الجائزة ! هذا الرجل إنما هو ربحٌ مضاعف !" مشتتًا الرجل للحظة, استغل كارلوس الفرصة ورفع سلاحه بحركة خاطفة ليطلق النار مصيبًا إياه في ساقه, ليرديه على الأرض جريحًا, صرخ الرجل القصير في حنق متوعّدًا: "سأقتلك فور ما التقط جائزتي أيها اللص !", لم يلبث كارلوس حتى أجاب بازدراء وتهكم : "من اللص هاهنا؟ جرّب حظّك أيها الرجل القصير" ثم انطلق مسرعًا بحصانه الذي يعرف عنه العدو بخفة.

كان كارلوس قد ابتعد بالفعل حين التحق به ستة من رجال الطاقم, تخلف عنهم رجلًا على حصانه وآخرُ مرتميًا على الأرض إثر إصابة ساقه بطلقة من عيار نصف البوصة, كان قائدهم يستعد للانطلاق ملتحقًا بهم, عندما نودي من قبل أحد الرجلين المتبقيين : "إجلاسياس !, إن جون قد أصيب بجرح خطير ولا نستطيع تركه وراءنا !", كاد أن يكمل حتى قاطعه جوناثن: "لاتقلق بشأني يا براد, ساكون على خير مايرام, إذهب انت ونل من ذو الوصمة ذاك" قالها مستلقيًا على الأرض يضم جراحه بيديه, ثم التفت إلى إجلاسياس, قائد العصابة, وقال: "إجلاسياس, لن أبرح مكاني وسأنتظركم, أريد أن أراه مقيّدًا إلى حصانك", شد إجلاسياس رباطة جأشه وأدار حصانه قائلًأ: "تماسك يافتى سنكون على إثرنا" ثم ضرب خاصرة حصانه ليندفع مسرعًا يتبعه براد.

في الجهة الأخرى, يعاني كارلوس في محاولةٍ لتضليل الستة رجال الذين كانو على إثره, تعدو أحصنتهم وتندفع النيران من فوهات أسلحتهم محاولين إسقاطه للنيل منه, وبينما كان يتفقد مخزن ذخيرته, لمح سحابة غبار من بعيد, وسرعان ما شقّها حصان إجلاسياس مندفعًا بسرعة مبهرة, لم يرَ كارلوس في حياته حصانًا يعدو بهذه السرعة, اهتزا كتفيه للحظة مرة أخرى, وعندما حاول تحفيز حصانه ليزيد من سرعته, كان إجلاسياس قد أصبح خلفه بالفعل, هدأ دبيب نيران الرجال, حين هتف كارلوس بتهكم: "مرحبًا أيها الرجل القصير! ألست سريعًأ ؟" ردّ عليه إجلاسياس: "لن تنسى هذه الإسم ماحييت, ثيودور إجلاسياس!" قالها بحنق, يحاذي حصانه حصان كارلوس بينما يقترب, قد أدرك أن الذخيرة نفذت من لديه, "هذا اسمك؟ اسمٌ سخيف على قائد عصابة, لكنه مثاليّ على قزم مغرور" قال كارلوس بتهكم مرة أخرى, عندها طفح كيل جهيم الوجه, إجلاسياس الذي عبرت عينه ندبة أثار اعتكافها من شدة تجهّمه رعشة لدى كارلوس, وفي لحظة, التف حصان إجلاسياس بحركة خاطفة وقفز الأخير بخفة على كارلوس ليمسك به, مسقطًا كليهما على الأرض, فقد كارلوس وعيه ببطء.

نهض إجلاسياس ملتقطًا أنفاسه بصعوبة وهو يثير الغبار من على ثيابه, توقف الرجال من على مبعدة, "فلنقيّد هذا الوغد ونذهب به إلى المدينة" بالكاد استطاع إجلاسياس لفظ تلك الكلمات من شدة الإنهاك, كان براد قد نزل من على حصانه واقترب من قائده: "إجلاسياس, لايمكننا المضي أكثر, إن جون لازال على خلافنا ومن أدرى بحاله, علينا العودة يارئيس!", التفت إجلاسياس يمنةً إلى براد, ثم يسرةً إلى كارلوس الذي كان مرتميًا إلى جانب حصانه, ثم لاحظ الحصان, كان قد اقترب من كارلوس, حانيًا رأسه إليه, بدى وكأن الحصان يهمس إلى كارلوس, لم يصدق إجلاسياس مارأى, اعتقد أنه بدأ يهلوس جرّاء ليلة صعبة, أشار ببطء إلى الحصان, الذي لاحظ مراقبة إجلاسياس له, ثم أطلق صيحةً استدار بعدها واندفع بعذر مبتعدًا, صرخ إجلاسياس: "لا! الحقو به إنه يحمل الحقيبة !", قاطعه براد: "تماسك يا رئيس, سنبحث عنه فيما بعد, بعد أن نسعف أخانا", التفت إجلاسياس, ثم أنزل قبعته وهتف إلى رجاله: "قيّدو اللص اللعين ولنعد أدراجنا" قالها بعد انطفاء آخر بصائص ضياء الشمس بلحظات, عندما بدأ حلوك الظلام يشتد, تنخفض الرياح, تنسحب النسور التي اعتادت ان تحلق فوق رائحة الدماء, وتبدأ وحوش الليل بالانتشار.

البراري المحظورةWhere stories live. Discover now