فى ميدان الشيخ حسانين ...

77 3 1
                                    

دعنى أعرفك بنفسى .. أنا هانى بدوي .. أو حتى أكون أكثر دقة .. أنا الصحفى الأستاذ هانى بدوي .. بالتأكيد أنت لم تسمع هذا الاسم إطلاقا قبل الان .. فأنا بالكاد قد بدأت عملى للتو كصحفى فى جريدة النهاية .. ماذا ؟ لم تسمع عن الجريدة أيضا؟ بالتأكيد كنت سأتفاجأ إذا أخبرتنى أنك سمعت عن هذة الصحيفة من قبل .. فأنا نفسى لم أكن أعلم بوجودها قبل أن أعمل بها .. لا داعى طبعا أن أخبرك أنى أتقاضى منهم راتب يكفينى ألا أموت جوعا.. لكنها الجريدة الوحيدة التى وافقت على عملى بها دون خبرة سابقة بالصحافة .. فلا مجال للتذمر .. أسمع ما يقولة لى مدير التحرير .. و أنفذة دون نقاش

أستيقظت اليوم الثلاثاء على هاتف من مدير التحرير يطلب منى عدم الحضور اليوم إلى مقر الجريدة بالقاهرة بل على الذهاب لعمل تقرير صحفى حول العملات القديمة و الأنتيكات فى سوق الشيخ حسانين بالمنصورة ..كم أكرة المأموريات المفاجئة .. كم أكره الزحام و السفر .. خصوصا فى يوم حار مثل هذا .. بالتأكيد لم أقل له أي شى سوي " حاضر يا ريس " .. و

بعد أربع ساعات من الطريق و " على جنب يأسطى " و الزحام و التخبط فى المارة .. وصلت أخيرا إلى ميدان الشيخ حسانين .. كان مثله كأي سوق آخر فى مصر .. لا شئ مميز .. رغم أن الساعة تجاوزت الحادية عشر صباحا و هذا متأخر فى عرف الأسواق الشعبية إلا أن السوق كان مزدحم و البضاعة تملء الشارع .. يبدو أن عدوي الركود قد أصابتهم هنا أيضا .. كان الباعة يفترشون الطريق .. هناك من يبيع ملابس مستعملة .. أدوات سباكة .. و لمبات قديمة .. مستحضرات طبية منتهية الصلاحية .. أشياء لم يخطر على بالى قط انها تباع مستعملة .. يبدو أن المعلم عبد الغفور البرعى كان محقا عندما قال لسيد كشري " اللى ميلزمكش أنت يلزم غيرك و كل حاجة و ليها تمن " .. لا أعلم لماذا أقتبس لك الأن من مسلسل لن أعيش فى جلباب أبى لكنى أحبه على أي حال ..

منضدة وضع عليها عملات قديمة ورقية و معدنية .. من الشرق و الغرب .. تستطيع بوضوح أن تميز صورة الملك فاروق قد طبعت على أحدي العملات .. و بجانبها مجموعة لا بأس بها من الكتب القديمة .. تلك الكتب ذات رائحة الورق المميزة .. أستطيع أن اشتمها الان رغم أنى لم اقترب القدر الكافى .. خلف المنضدة جلس رجل سبعينى .. أخبرنى أن اسمة الحاج سليمان .,, يبدو أن هناك فرصة جيدة لعمل حديث صحفى مع ذلك البائع المخضرم عن السوق ثم العود إلى القاهرة مرة أخري

أستخدمت خاصية المسجل الموجود بالهاتف و بدأت فى القاء الاسئلة .. كانت الردود معتادة فى مثل هذة الامور .. الحنين إلى الماضى .. يجعل الناس تهيم عشقا بكل ما هو مضى و فات .. و لو أن الما*و ضى عاد مرة ألري لكرهوه .. سألته عن سبب أختيارة لهذة المهنه ... أسعار العملات القديمة .. الكتب الملقية بجوارة و اسعارها ... و أنهيت المقابلة .. كان رجلا ودودا حقا .. مددت يدي بالسلام لوداعه ثم الرحيل قائلا :

- شكرا يا عم سليمان على وقتك

- أنت تؤمر يا بية , بس نصيحة من راجل قد والدك ..الصحفى الشاطر لازم يكون معاه اجندة يكتب فيها ,, مينفعش يعتمد على ذاكرته

مسكين هذا الرجل فهو يعيش تماما فى ماضية .. تماما كالعملات الاثريه التى يبيعها .. يجهل ما يدور حوله الان .. لم يعد أحد يدون الاحاديث الصحفية بالورقة و القلم .. لم يلاحظ انى قد سجلت كل حديثه على هاتفى .. حاولت إخفاء إبتسامة السخرية التى قد ارتسمت على وجهى من جهله .. ثم قلت :

- الظاهر إنى نسيتها علشان خرجت مستعجل انهاردة ..

أدار (عم سليمان ) ظهره لى و اخذ يعبث بالكتب القديمة حتى وجد أجندة كتب عليها تاريخ العام الماضى .... نفض عنها بعض الغبار التى علق بها ثم ادار وجهه تجاهى و قال :
- حظك حلو يا أستاد هانى .. البضاعة دي لسه جايله دفوقتى و لقيتلك فيها اجندة حلوة اهو فيها شوية ورق فاضيين .. خدها بقى و تعالى اكتب ٱجاباتى بقى علشان متنسهاش ..

يا الله !! .. هل سأقضى ساعتين إضافيتين فى كتابة الهراء الذي سيتلوه على هذا المعتوه مرة آخري .. لم يكن هناك بد من إحراجه حتى يتزكنى ارحل :
- كلامك كله اتسجل على موبايلى يا عم سليمان .. هسمعة و انا فى الطريق للقاهرة و هيكون فى الجورنال بكرة إن شاء الله ..

- يبقى لازم تاخد الأجندة منى , هى خلاص طلعت من ذمتى .. اعتبرها هدية من جدك سليمان ..

مد يده نحوي بالأجندة المغطاة بالأتربه رغم محاولته بنفض الاتربه عنها .. حاولت إثناءه عن إعطائى الأجندة لكنه آبى ... أخذتها منعا لإحراجه . فهو رجل ودود معى على أي حال .. شكرته على وقته ثم آشرت بيدي فتوقف التاكسى .. هممت بالرحيل .. فأمسكنى (عم سليمان )من يدي قائلا :
- انت نسيت تحاسبنى على الخمسين جنيه بتاعت الأجندة..

نظرت إليه فى صدمة... لم أجد ما اقول له سوي إخراج العمله الورقية الحمراء من يدي و دسها فى يديه .. ثم نظرت لسائق التاكسى : غور بينا من هنا ..

فى طريق العودة .. لن تجد الكثير لتراه .. أراض زراعية و مطبات .. أكشاك بقالة تقدم اكواب من القهوة للمسافرين .. و مطبات .. الكثير من المطبات .. مللت من النظر من نافذة الميكروباص ..و كان هاتفى قد تحول حرفيا إلى ( حته حديدة ) كما وصفها عم سليمان منذ قليل .. بالطبع بعدما نفذت بطاريته .. نظرت فى يدي فوجدت أجندة (عم سليمان ) التى قد باعها لى للتو مقابل خمسين جنيهاً .. كانت اجندة سمراء اللون ..معظهم صفحاتها قد أمتلئت بالكتابة .. كان احدهم قد استخدمها فى تسجيل يومياته و ما شبه.. خط منمق يلفت الإنتباه مما دفعني لقراءة ما قد كتبه صاحب الأجندة .. بالطبع قبل أن يقرر التخلص منها ..
فتحت اولى صفحات الأجندة و بدأت بالقراءة .. ( يتبع)

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jan 20 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

مذكرات الشيخ حسانينWhere stories live. Discover now