الفصل الثالث

42 5 0
                                    

أبيض وأسود:

أخيرًا انتهت مراسم التنصيب بسلام، في الحقيقة كان يظن أن البعض سيفتعل المشاكل وكان قرر بأن من يفعل هذه سيُذيقه من العذاب الوان ولكن لحسن حظهم أنهم لم يعترضوا ولم يجلبوا لأنفسهم المذلة والمهانة!؛ ما شغل باله أكثر من هذا كله هو أخوه هل وصل بسلام أم حدث شيء سيء له؟، كان الخوف يتملكه كلما فكر أن يكون شيئًا سيئًا أصابه ولكنه احتفظ بملامحه ثابتة قدر الإمكان حتى لا يُلاحظ أحد ما يجري بداخله...

كان الطريق للقصر سهل خاصة بأنهم اتخذوا هيئة الطائر، فهذه هي الطقوس والعادات الـمُتبعة، وبالفعل بعد دقائق وصلوا إلى القصر، أشار تيم للخادم لإرشاد جوان إلى غرفته وهو يُخبره:
_ اذهب  مع الخادم وسيدلك على غرفتك لتُبدل ملابسك إلى ملابس أكثر راحة لنكمل الاحتفال.
نظر له جوان ثم ابتسم له وقال بمكر:
_أرى أنك لم تتخلص بعد من عادتك يا تيم
رسالة واضحة أرسلها له جوان ليُشير إلى مكانته الحالية، ابتلع تيم ريقه ثم ابتسم له هو الأخر ورد عليه بذكاء وهدوء:
_ أعتذر جلالتك، لقد خانني التعبير كل ما أردته هو راحتك، لذلك أتمنى ألا تُسيء فهمي.
إن كانت كلماته من قبل بدون قصد فحركته التالية كانت مقصودة مئة  بالمئة، فقد أشار له بغير اهتمام ولم يبذل جهدًا قليلًا في الرد عليه، حركة كتلك وأمام الملايين من الغربان كانت كفيلة بإخبارهم أن جوان لن يتهاون مع أي أحد مِن مَن كان...
لم تُحب لوفي الطريقة التي تعامل بها جوان مع زوجها فصرخت عليه وهي تقترب منه بغضب جم:
_كيف تجرؤ ع..
ولكن وقبل الاقتراب خطوة أخرى من جوان تحرك  رجلان من أولئك الذي ظنوا أنهم مجرد عازفون!
ابتسم جوان للوفي ثم اقترب من الرجلان ووضع كفه على كتف احدهما ثم قال بهدوء:
_ماذا تفعلون!، إنها الملكة السابقة مهما كان!، آسف يا مولاتي، لم أتقصد أبدًا إهانة الملك السابق، إنه خطئي فأغفريه لي.
أدرك الجميع أن جوان تقصد ما فعله ولكنهم أشادوا بتصرفه ايضًا فهو يعلم متى يشد الحبل ويُرخيه، وبهذه الطريقة أُجبرت لوفي أن تصفح عنه فمن هي بحضرة الملك!، خاصة بوجود كل هؤلاء الرجال بصفه، فقد اتضح أن هؤلاء الرجال لم يأتوا أبدًا للعزف والاحتفال بتنصيبه الحكم ولكنه جيشه وحاشيته الـمُخلصة!
أومأت لوفي برأسها دلالة على غفرانه له ثم قالت:
_ لا بأس أنا أيضًا أخطأت، حينما صرخت عليك يا مولاي، أرجو أن تغفر زلتي.
حافظ جوان على ابتسامته وهو يُخبرها:
_بالتأكيد، أعذريني سيدتي علي الذهاب لتبديل ثيابي، استمتعي بالحفلة.
أومأت له لوفي بابتسامة قصرية أجبرت نفسها على رسمها حتى لا تُثير المزيد من المشكلات وبداخلها تتمنى أن يمر هذا اليوم بسلام...
                  ______________
كان كلا من جوان والخادم في طريقهما إلى غرفته ولكن ما لفت انتباه جوان هو مروره بغرفة غير كل الغرف مُميزة وفخمة فأدرك بسرعة أنها الغرفة الملكية، التفت جوان إلى الخادم وسأله وهو يُشير إليها:
_أهذه هي الغرفة الملكية؟
نظر الأخر حيث أشار جوان ثم التفت له مرة أخرى  وهو منزل رأسه ثم أجابه: _نعم جلالتك، إنها الغرفة الملكية.
استغرب جوان أن هذا الخادم لم يدله عليها بل كاد أن يُكمل طريقه لغرفة أخرى!، فنظر له بشك وقال:
_إذن؟
لم يصل للخادم مغزى حديث جوان فسأله برهبة وخوف:
_عفوًا مولاي، اعذر جهلي لم أفهم ما تُريده جلالتكم.
زفر الأول بحنق من غباء هذا الخادم ولكنه أجابه بهدوء ما زال يحتفظ به:
_ ألستُ الملك؟
_نعم مولاي
استغرب الأخر منه ولكنه أجابه بسرعة خوفًا من بطشه فما فعله قبل دقائق للملك السابق كان كفيلًا ببث الرعب بجميع الموجدين بالقاعة فكيف ب خادم مثله لا حول له ولا قوة، مجرد بشري ضعيف!
_إذن لماذا لـم تدلني إليها؟
ارتبك الخادم ولم يعرف بما يُجيبه، ولكنه لم يعلم ان قراءة ملامحه كانت أسهل شيء فعله جوان بحياته، فقد استطاع تخمين أن الملك تيم السابق حتى الآن لم تتم نقلة أغراضه من الغرفة، فكر لبعض وقت هو يُريد رؤية اخيه بشدة ولكنه لا يستطيع بسبب هذا الخادم ولكن أمر هذه الغرفة جاءه على طبق من ذهب، رسم ملامح الغضب على وجهه ببراعة ثم صاح بالخادم يُخبره بضرورة نقل  ممتلكات الملك السابق منها في خلال ساعات قليلة:
_استمع إلي جيدًا، بعد هذه الحفلة إنه رأيت شيء واحد فقط يخص تيم بهذه الغرفة ستكن أنت وجبتي التالية، أتفهم!
أومأ له الأخر بسرعة وخوف، أما جوان فقد ابتسم لنجاح خطته ولكنه قرر إكمالها بصرفه بعيدًا حتى يتثنى له البحث عن أخيه:
_اذهب الآن.
كاد الأخر أن يعترض على كلمات سيده إلا أنه وبأخر لحظة صمت حتى لا يفقد حياته نتيجة تهوره، أسرع مبتعدًا عن جوان باتجاه العودة لإحضار ما يحتاجه لنقل كل ما بالغرفة...
بعد ذهاب الخادم التفت حوان إلى الجهة الأخرى، نظر للرواق الفارغ أمامه ثم أخذ يشتم رائحة آدم وهذه لأنه لا يستطيع تتبع رائحة آرام، وبالفعل تتبع رائحته حتى وصل إلى الجزء الغربي للقصر، تابع تتبع رائحة آدم حتى يصل إلى الغرفة الموجودان بها...
وصل جوان إليهما ثم بسرعة اقتحم الغرفة وأغلق الباب ورائه، التفت آدم له ثم القى عليه التحية وهو يرتجف خوفًا:
_جلالتك
أومأ له جوان ثم نقل نظره لشقيقه آرام الموجود بركن بعيد بآخر الغرفة، تتبع جوان جناحي شقيقه البيضاء بترو حتى يتأكد أنه لم يصبه أي مكروه ولكن مجرد القاء نظرة لم تطمئنه فأسرع بالاقتراب منه وأخذ يتفحصه بيده ثم أدار وجهه إليه لُيلقي نظرة عليه ليتأكد من سلامة شقيقه التوأم!
بعد أن اطمئن جوان على توأمه تحدث إلى آدم _وما زالت عينيه على شقيقه_ بجمود:
_ هل رآك أحد؟
شعر آدم أن فرثته قد أذنت فأسرع بامتداح نفسه أمام جوان، ولم يُدرك نيته الحقيقة خلف سؤاله هذا!
_لا، جلالتك لم يرني احد، وكيف يروني وأنا من رجالك!، لقد كنت خفيفًا كالريشة بالغم من أن سيدي آرام لم يكن متعاونًا معي، بالمناسبة مولاي ألا يُـفترض بالسيد آرام أن يكون ميتًا؟
ابتسم جوان ولم يهتم بما يقوله آدم بل اربت على وجنتي شقيقه ثم التفت إلى آدم وما زالت ابتسامته تحتل ملامحه؛ أما آرام فقد ادرك ما ينوي عليه شقيقه فأخفض فاخفض إلى الأرض...
اقترب جوان من آدم ثم التف حوله وقال:
_أحسنت آدم، فعلت ما طُلب منك على أكمل وجه، وقد حان وقد مكافأتك.
طرب قلب آدم لسماعه إطراء سيده وانتظر بفارغ الصبر المكافأة التي وعده بها سيده؛ ومن وراءه أخرج جوان مخالبه ثم  وضع كفه الأخرة على فم آدم وأسرع بشق رقبته!
تناثرت الدماء على الأرض، وسقط بجانبها جسد طائر غراب مفصول الرأس وبجانبه رأسه، اشمئز جوان من الدماء التي لطخت يديه ولكنه لم يُظهر هذا خاصة أمام أخاه آرام، كاد ان يقترب منه ولكن الأخر فجائه وقال بسرعة:
_لا أريد البقاء بهذه الغرفة.
انصدم جوان فهذه أول مرة منذ عشرين عامًا يتحدث معه أخوه، تحرك باتجاهه بسرعة وكاد أن يحتضنه ولكن آرام ابتعد عنه بخوف واشمئزاز:
_لا، ابتعد لا تلمسني.
_لماذا؟
تفاجأ جوان مما فعله وقاله أخوه آرام، تألم مما سمعه منه ولكنه لم يُعاتبه لأنه ادرك ما سبب تصرف أخيه، فآرام لا يُحب الدماء لا القتل خاصة طبيعته المسالمة كوالدتهما، قرر جوان التصرف وكان شيئًا لم يكن فمازحه بالقول:
_معك حق يا أخي الرائحة قوية، لن يستطيع أحد البقاء هنا ولا الاقتراب مني، خاصة أن رائحتي كالعفن!
لم تكن مزحة خالصة بل كانت حقيقة مدغمة بالمزاح!، فعند موت الغراب تختفي رائحته وتطغى عليه رائحة العفن وكلما كان الغراب قويًا أصبحت الرائحة أقوى!...
كان عليه الإسراع حتى يعود إلى الحفلة قبل أن يُلاحظ أحد تأخره:
_أخي، هيا بنا قبل أن يأتي أحد.
ظهر التردد والخوف على وجه آرام فطمئنه أخيه بابتسامة صادقة على الرغم من امتلاء عينيه بالدموع:
_لا تخف يا أخي، لن أقترب منك.
خجل آرام من أخيه وأنزل رأسه بخزي فكل ما يفعله جوان حتى الآن لحمايته وهو يرد له الجميل بهذه الطريقة!، قرأ جوان ما يدور بخلد أخيه فأخبره بحنو:
_أنت أخي وصديقي، وأنا لا احزن منك مهما فعلت، هيا بنا يا أخي.
اومأ له آرام بخفة ثم اقترب منه ليسير على خُطاه وبالفعل خرج كلاهما من الغرفة المتعفنة!...
                   _______________
سار كلاهما جنب إلى جنب، كان الاختلاف الوحيد بينهما هو لون الشعر ولون ساعديهما، فكان اللون الأبيض يُميز آرام فقد احتل شعره وذراعيه حتى منتصف الساعد، وكذلك كان اللون الأسود عند جوان؛ سار كلٌا منهما وكلهما في عالم آخر...
كان تفكير جوان في ما يُخطط له، ومن خلال الساعات الماضية كون وبشكل مبدئي تحليلًا لكل شخصية بالقرب من العرش، كان من السهل عليه اكتشاف من يقف بصفه ومن بصف أعدائه ومن على الحياد، ولكن أكثر ما آثار استغرابه هما الأخوين رازي وزُبير فمن الوهلة الأولى استطاع ان يعرف أن الثاني _زبير_ من أعدائه ولكنه سهل التغلب عليه فهو واضح وسهل التوقع، أما رازي فهذا ما شغل باله فهو ليس مثل أخيه، إنه هادئ وثابت لم يهتز أو تتغير ملامح طوال الوقت، توصل جوان في النهاية أنه عليه مراقبته أكثر من أي شخص أخر بهذا القصر...
أما آرام فكان كل تفكيره ونظراته تقع على أخيه جوان، هو يخاف عليه أكثر من خوفه منه، فجوان بسبب ما حدث من عشرين عام  وهو تغير تغيرٌ جذري، فأخاه لم يكن ليقتل أبدًا الأبرياء وما هو مقدم على فعله سيُدمر المملكة كلها والبشرية أيضًا!، تمنى آرام لو كان يستطيع مساعدة أخيه وتحريره من أفكاره الشيطانية ولكن...
انتشلهما من تفكيرهما صوت تأوهات ضعيفة تأتي من الغرفة المجاورة لهم!، نظر كلهما إلى بعضهما البعض  فهما لم يشتما أي رائحة بالقرب منهما، اقترب جوان من الباب ببطء...
استمر صوت التأوه ولم ينقطع، ومما ادركه جوان فهذا الصوت ينتمي لامرأة ولكنه لم يشتم رائحتها، فكر جوان لبعض الوقت ثم خطر بباله شيء مستحيل، أيُعقل أن تكون...
أسرع جوان بفتح الباب ولم يترك نفسه لأفكاره الغريبة، ولكن ما قابله بالغرفة لم يُفاجئه هو وحده بل فاجأ آرام أيضًا...
تجمد كلٌا منهما بمكانه وكيف لا وما يرونه الآن شبه مستحيل، إنه غراب أبيض وللدقة إنها!...
كان آرام أول من استفاق من صدمته هذه فأسرع يقترب من رؤى حتى يرى ما بها ولماذا تتألم؟، مال آرام على رؤى الممددة على الأرض بلا حول ولا قوة، أخذ يتفحصها ويرى إن كانت بها أي جروح وبالفعل وجدها تُمسك بساعدها الأيسر المغمور بالدماء، التفت لأخيه يطلب منه المساعدة:
_جوان، إنها مُـصابة!
أفاق جوان على صوت أخيه فاقترب منهما بسرعة، نزل لمستواهما ثم أمسك بساعدها ليرى مدى الضرر الذي أصابها، فوجده ليس غائرًا، التفت حوله فلمح زجاجة ماء على  المنضدة القصيرة المجاورة للفراش:
_آرام، أحضر لي زجاجة الماء وابحث لي عن قطعة قماش.
أسرع الأخر بتنفيذ مطلب أخاه، أخذ الزجاجة ثم التفت حوله ليبحث عن أي قماش ولكنه لم يجد أي شيء صالح فنظر إلى قميصه الرقيق فهو لن يكون قاسيًا على الجلد، أخرج آرام مخالبه ثم مزق طرف قميصه من أسفل واقترب من جوان يُعطيه الماء والقماش:
_جوان، خذ
أخذ جوان من أخيه ما طلبه منه ثم أسرع بتضميد جرحها، قام بغسل ساعدها بالمياه جيدًا، ولكن وأثناء غلسه لساعدها لاحظ شيء غريب، خطوط سوداء على خط وريدها تشكل كلمة وهذه الكلمة لم تكن سوى اسـمـه!...
لم يكن جوان فقط من تفاجأ بل تفاجأ أيضًا آرام، لماذا يكن اسم شقيقه على ساعد هذه الفتاة؟، ماذا يعني هذا؟
لفت انتباه جوان صوت خطوات تقترب من الغرفة، فنظر لأخيه بخوف ثم أشار له أن يُسرع بالاختباء تحت الفراش قبل قدوم صاحب الخطوات وبالفعل تحول آرام إلى غراب أبيض ثم اختبئ أسفل السرير، اقتربت الخطوات بسرعة مذهلة ثم فُتح بابا الغرفة بقوة، دخل تيم ولوفي إلى الغرفة الموجودة بها ابنتهما، التوتر احتل الجو العام بالغرفة، لم يُمهل تيم جوان أي فرصة بل أسرع يمسكه من تلابيب عباءته ثم ضربه بقوة كبيرة في وجهه...
أما لوفي فلم تأبه بهما وأسرعت بالاقتراب من صغيرتها تضمها إلى صدرها تتأكد من عدم إصابتها بشيء، ولكن دماء ابنتها التي لطخت ملابس صغيرتها بثوا الرعب بقلبها، انفطر قلبها على مصاب فذة كبدها وترقرق الدمع من عينيها؛ كافحت رؤى لإخراج صوتها حتى تُخبر أبويها أن جوان هو من ساعدها، ولكن أحبالها الصوتية أبت الانصياع لإراداتها بسبب كثرة صراخها أثناء التحول، نظرت رؤى لأمها تناجيها بعينيها حتى تفهمها وحينما نظرت لها والدتها تحدثت برفق فقد ظنتها خائفة من ذلك الغراب:
_لا تخافي صغيرتي، أبوكِ وأنا لن ندعه يمُـسكِ بأذى.
حركت رؤى رأسها إلى الجانبين دلالة على نفي كلمات والدتها ثم حاولت مرة أخرى الحديث وبالرغم من آلامها خرج صوتها مبحوح:
_ه.. هو من ساعدني.
بينما كانت رؤى تُكافح لتُخبر والدتها عن مساعدة جوان لها كان والدها يُطرح أرضًا بقسوة، جثى جوان على تيم ثم أطلق العنان للكماته للوصول إلى وجه الأخر؛ حاول تيم مجاراته ولكنه لم يستطيع فجوان ليس خصمًا سهلًا فقد ثبته بطريقة حيث لا يستطيع تحريك جسده إلا حركات محدودة!، وبينما هما يتصارعان كان آرام خائفًا على أخيه فكاد أن يخرج أكثر من مرة إليه ليُساعده ولكنه يعود مرة أخرى بسبب نظرات جوان إليه المحذرة فيعود مرغمًا إلى الوراء حتى لا يُشتت تركيز أخاه...
اقتربت لوفي منهما ثم حاولت دفع جوان عن زوجها ولكنه لم يتأثر بدفعتها بل قام بإبعادها بكوعه بقسوة حتى تبتعد عنه، ولكنها لم تأبه به وحاولت مرة أخرى وهي تترجاه:
_ابتعد، ابتعد جوان نحن لم نقصد، أرجوك!
ابتعد جوان بهد تفكير فلا الوقت والمكان مناسبان لهذه المشاجرة خاصة وأخاه  موجود...
ساعدت لوفي زوجها على الوقوف ثم أخبرته بما قالته ابنتهما، اتجه كلاهما إليها يطمئنان عليها ثم ساعدها على التسطح على السرير، ثم التفا إلى جوان اقترب تيم منه مرة أخرى ثم ترجاه بعدم اخباره احد بأمر صغيرتهما:
_ جلالتك، أنا أرجوك لا تُخبرهم بأمرها.
نظر له جوان بصمت ولم يُعطي أي انطباع على موافقته أو رفضه، فأسرعت لوفي ترجوه هي الأخرى:
_نعم، جلالتك، نحن سنفعل أي شيء تريده فقط لا تُخبر أحد.
وافق زوجها على قولها:
_نعم، اي شيء تُريده، أنا مستعد لإعطائك روحي بمقابل حياة ابنتي.
ابتسم جوان ساخرّا منهما ثم سحق آمالهم بكلماته:
_ومن يُريد حياتك!
لم يستطع تحمل الصدمة على وجيهما فانفجر ضاحكًا عليهما، حاول التحكم بضحكاته وبعد محاولات عدة استطاع  التحكم بها، ثم رسم ملامح الجمود على وجهه وهو يخبرهما:
_ومن أين أتيت بثقتك بي،  أني سأتركها حية؟
_ ها، ماذا تقصد؟
تفجأ كليهما من حديثه الذي زرع في قلوبهما الرعب، ابتسم جوان ثم قال ببرود:
_ أقصد من أخبرك أنني لن أقتلها!، فأنتما تترجياني بعدم إخبار أحد خوفًا عليها منهم ولكنكما واثقان أنني لن اقتلها!، غريب صحيح؟
ابتلع كليهما ريقهما بخوف ثم قالت لوفي برعب:
_لا، لا أرجوك لا تقتلها.
_أرجوك، سنفعل أي شيء ولكن لا تقتلها.
ترجاه كليهما للحفاظ على حياتها في حين كانت رؤى تنظر له بغضب فلولا وجعها لكانت صرخت عليه حتى أزهقت روحه، أنسي ذلك الأحمق شقيقه الـمُختبئ تحت الفراش!
لم تفوته نظرتها فابتسم لها بغرور فهو لم ينسَ شقيقه ولكنه يُحب لعبة الأعصاب هذه فهو لم يكن ليقتلها من الأساس ولن يُخبر أحد فإن كان يُريد أذيتها فلماذا عالجها إذن؟، ارجع نظره لوالديها وأكمل لعبته المسلية وهو يدور حولهما:
_امم، أي شيء.
أومأ كلاهما بسرعة، ثم كرر تيم ما قاله من قبل:
_أي شيء، خذ حياتي وابقها حية.
زفر جوان بيأس وهو يُخبره بلامبالاة:
_ألم أخبرك أن حياتك لا تهمني!
صمت قليلًا ليُثيرهم ويخوفهم أكثر، ثم قال بابتسامة لعوبة:
_اسمعا سأترك ابنتكما حياة ولن أُخبر أحد عنها وسأحميها بنفسي وفي المقابل...
التزم الصمت مرة أخرى لبضع ثوانٍ ثم مال على أذنيهما وأعاد استئناف حديثه بمرح:
_في المقابل زوجاني ابنتكما.
جحظت عيني تيم وزوجته من المفاجأة كما حدث لرؤى، بدو متشابهون جدًا هكذا فكر جوان حينما رأى ردة فعلهما كما تخيل ردة فعل شقيقه، فانفجر  ضاحكًا لما جال بباله حيث تخيل شقيقه يفتح فمه ويسيل اللعاب منه!...
وبالفعل أسفل السرير حيث يختبئ آرام، كان الغراب الأبيض يفتح فمه وبسيل اللعاب من منقاريه!
انتشر الغضب بين ثلاثة أشخاص في الغرفة، ولكن اثنان منهم فقط حاولا التحكم به، أما رؤى فلم تهتم وما زالت تُرسل بعينيها شرارات حارقة؛ لم يأبه بهم جوان واستمر في الضحك وهو يميل برأسه للأسفل قليلًا ويفرك إصبعه السبابة بأرنبة أنفه...
سعل جوان بخفة ثم القى نظرة على رؤى ليرى تعبيراتها الغاضبة فأثارت بداخله رغبة قوية بالضحك مرة أخرى، ولكنه تحكم بنفسه ثم التفت مرة أخرى لوالديها وقال بهدوء ومرح:
_ماذا؟، ألا أصلح لأكون زوج ابنتكما؟
حتى الآن وبسبب خوفهما على ابنتهما لم يفرقا بين المزاح والجدية فأسرع تيم يقول بخوف:
_لا، لا سموك، ولكن.. آ
تردد ولم يعرف ماذا يقول؛ أما جوان فقرر إنهاء هذه اللعبة هنا فقد اكتفى منها فسار باتجاه باب الغرفة...
حينما راءوه كلٌا من تيم ولوفي أسرعا خلفه يتوسلان له؛ التفت لهما ثم قال ببرود:
_إن كنتما تُريدا الحفاظ على حياة ابنتكما، فأخرجا من هذه الغرفة، الآن.
صرخ بهما بأخر كلمة حتى يخرجا من الغرفة ويستطيع أن يُخبئ شقيقه قبل أن يكتشف الغربان وجوده؛ لم يأبه به تيم وسأله بتمني:
_أهذا يعني أنك لن تُخبر أحد عنها؟
نظر له الأول بسخرية وغصب ثم فتح الباب وأشار لهما ليخرجا؛ خرج تيم ولوفي من الغرفة وهما يرتجفان قلقًا على رؤى...
بعد خروجها ووقفهما أمام الباب أمسك جوان الباب مرة أخرى ليغلقه ولكنه قال قبل أن يِغلقه بوجههما:
_لو أردتُ قتلها أو إخبار أي شخص عنها لما كنت عالجتها.
ثم أغلق الباب بوجههم...
عاد مرة أخرى إلى منتصف الغرفة ثم أمسك زجاجة المياه واقترب من السرير؛ في ذلك الوقت كان آرام قد خرج من تحت الفراش وعاد مرة أخرى إلى صورته البشرية
_ أحمق، ما هذا الذي فعلته!
_ماذا؟، لماذا تضربني وتسبني؟
تذمر جوان من شقيقه ولكن بداخله تفجرت السعادة لتفاعل شقيقه معه مرة أخرى وخصوصًا بعد جريمته منذ دقائق؛ التفت له آرام وهو يصرخ به:
_لماذا! انظر لها.
أشار آرام على رؤى الغاضبة ولكن جوان لم يهتم وهو يُحدث شقيقه:
_أعرف، إنها جميلة.
لم تكن كلماته إلا زيت أشعل النار بقلب رؤى فهو يستخف بها وبوالديها فلم تتحمل أكثر مزاحه السخيف، فتحاملت على نفسها وقامت من على الفراش بترو ثم اقتربت منه، كانت على وشك أن تتحدث ولكن جوان ضرب رأسها بإصبعه ثم قال:
_لماذا قمتي من على السرير؟، أنتِ متعبة، هيا عودي إلى الفراش، هيا.
فجأة وجدت من يُزيحها باتجاه الفراش ثم ساعدها جوان على التسطح مرة أخرى عليه ودثرها جيدًا بالغطاء، ثم اعتدل وهو يخبرها بجدية وهو يُشير لها بإصبع السبابة:
_إياكِ أن أجد قدميكِ على الأرض مرة أخرى، يا زوجتي المستقبلية.
غمز لها بنهاية حديثه؛ أما هي فأثار هذا غضبها من جديد ومرة أخرى كادت أن تصرخ به متناسية آلامها ولكنه أوقفها وأرسل القشعريرة إلى عمودها الفقري ونشر حمرة خفيفة على وجنتيها بعدما قبلها عليهما…
           _______________





عائلة الغراب الأسود "مكتملة" جاري تعديل الأخطاء Where stories live. Discover now