الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.

Start from the beginning
                                    

- أنا آسف .. آسف، هلبس حاجة بكم، آسف.

قالها رائف بنبرة مهتزة من التوتر الذي تلاعب بأعصابه وهو يعود بظهره للخلف حتى خرج من الغرفة بوجه مضطرب وحالة معاكسة للتي دلف بها.

_ إنتِ عارفة ماما فاطمة (إحدى المربيات) كانت دايمًا تقولي إحنا لاقينك قدام باب مستشفى المجانين علشان كده طلعت أهبل، بس لما كبرت بقى اعترفت بالحقيقة.

قالها رائف بنبرة مازحة عقب حديثه السابق فخرجت من شرودي الذي طفت داخله كالأشباح، استطرد رائف قصتة عندما ظهرت بريق من الشغف في عين نجمة وبدأ في قص حقيقة ما حدث معه ببساطة.

كانت "فاطمة" تتسوق في إحدى الشوارع بالمنطقة الشعبية التي تقطن بها فوجدت أُناس متجمهرين حول بائعة خبز مصري، فتلاعب بها فضولها لرؤية ما يحدث وعندما اقتربت منهم وجدت سيدة كبيرة تحمل طفل صغير يبكِ ملفوف داخل مفرش متسخ كان في الماضي أبيض اللون وتحكي ما حدث معها بصوت متهدج:

ابتاعت امرأة منها بعض الخبز الذي تقوم ببيعه وقبل إن تذهب قالت لها.

- معلش يا حاجة هسيب جنبك الخضار ده لحد مجيب حاجة واجي، خلي عينك عليه.

وافقت السيدة وتناولت منها السلة المغطاة بقماشة ثقيلة وضعتها جانبها بهدوء وتابعت إختفاء المرأة وسط الجموع؛ مرت نصف ساعة والمرأة لم تعود، ثم ساعة، ثم ساعتين.

شعرت السيدة بالأرتياب من الأمر وظنت إن السلة بها شيء غير جيد فقررت رفع الغطاء بعد محاربة ضميرها الحي، فظهر أمامها رائف الصغير الذي ينام بهدوء وكأن شيء لم يحدث.

أخذت السيدة فاطمة رائف الصغير من المرأة وذهبت به إلى القصر حيث تعمل مربية للأطفال هناك، فهي تعلم إن أم رائف تركته عن قصد والمرأة لن تقدر على تربيته.

- قولي بسم الله، هدية من عند ربنا.

قالتها فاطمة وهي تضع رائف داخل حضن "داليا المُهيري" التي نظرت لملامحة بابتسامة واسعة حنونة كعادتها، ثم قبّلت وجنته الحمراء بهدوء قبل أن تصعد به للأعلى وتحممه وتدفئه بملابس ثقيلة لإنه كان فقط ملتف بذلك المفرش الخفيف فوق جسده أثناء استماعها للحكاية التي حدثت مع فاطمة.

_ العدل بيقول إن أنا اللي أخده.

قالها هارون بعدما وقف من مجلسه متأهبًا عندما سردت داليا عليهم ما حدث مع رائف واحتفلوا بأنضمام طفل جديد لصغارهم القرود، فحرك صالح رأسه بالرفض وقال بتهكم:

- عليا الطلاق ما هيحصل، الواد ده ليا أنا، مش بعد اللي حصل فيا!

اضافها بقلة حيلة وهو ينظر إلى داغر ذو الثلاثة أعوام ونصف بسبب شدة شقاوته حيث إنهم يتشاجروا من منهم سوف يأخذ رائف ليبيت معه في غرفته لإنه هادئ ولا يبكِ لإنهم يقوموا بتقسيم الصغار بينهم حيث يهتم واحد من الأربعة: هارون، صالح، سالم، قاسم بأحد الأطفال حتى يكبر قليلًا.

أنوبيس Where stories live. Discover now