الكسوف عن الحقيقة

47 15 8
                                    

"مرضت بداء عيونك ..
وليس لدائي هذا دواء.."

"فتاة الريف .."
أو هكذا ما كانت تنادى به تلك الفتاة الرشيقة ذات الروح المرحة والجسم الحيوي ،كان شعرها أشقرا لامعا مع أشعة الشمس التي تتخلل من بين أوراق الشجر ..،ومن بين الأغصان والأشجار العالية التي ترعرعت على الفطرة ، والبيت الريفي العتيق البسيط،الذي كان يمتاز بالخشب المصنوع منه ..هناك..
كانت تتراءى " فتاة الريف ..
.. كانت تنشر الغسيل برقة و كلها حياة ..، إلى أن قطع عملها مواء القطة المدللة.

وبيديها الرقيقتين حملتها ومسحت عليها بحب ثم قالت : أوه حبيبتي ساسي أنتي جائعة ؟ بالتأكيد سأطعمك لحظات فقط ...
أكملت نشر الغسيل ثم ذهبت للمطبخ والقطة تتبعها كطفل صغير يلحق بأمه ..

. أعطتها اللبن في صحن خشبي منحوت عليه بالإنجليزي sassy cat..
سمعت الفتاة صوت خطوات الجدة تقترب على الأرضية الخشبية حديثة البناء ..ثم مسحت بيديها المملوءتين بالتجاعيد على القطة وقالت بصوتها الذي مِلئه حنان : ما أجملها من قطة ..لعلها تواسيك حين أغادر أنا يا أنايس .

-لا تقولي يا جدتي هكذا ..ستعيشين وتعيشين إلى أن تري أحفادك فالحياة لا تزال طويلة.
-آه يا إبنتي ،الحياة ليست بهذه السهولة التي تتوقعونها أنتم الشباب .. لازال أمامك الكثير، أتمنى لك الأفضل دائما..
-أشكرك يا جدتي،أنتي عوني في هذه الدنيا كلها،لولاكِ لما كنت أنا بهذه الحياة .أنتي حياتي التي أعيشها.
تنهدت الجدة بلطف وقالت :أنتم الشباب لا أعلم من أين تأتيتكم كل هذه الرومانسية الزائدة في الكلام .قاطعتها ضحكة أنايس ثم أكملت الجدة كلامها : حقا!لا تشكريني هذا واجبي يا حبيبتي..
قبّلت الحفيدة جدتها ثم قالت الأخيرة كلمات قد اعتدنا سماعها ..
" ليت الشّباب يعُود يَومًا .."

***
قبل أن تخرج كلارا من المنزل للعمل تكلمت بضع كلمات على الهاتف ثم قالت : هل سمعتي يا ماريسا بالخبر الجديد الذي انتشر ؟
استفسرت ماريسا عن الخبر فأجابتها كلارا : لقد اختُطفت ابنة السيدة جالوين!
وقفت ماريسا من مكانها مفزوعة ثم قالت :أتقصدين طفلتها ذو ثلاث سنوات ؟
أجابتها كلارا وهي تنزع حذائها : نعم بالضبط ..تلك الطفلة الصغيرة إلسا التي أنشأت في الحي حبّا ..
- يا إلاهي،بالأمس جاءت لعندي وأعطيتها بعض الحلوى .أتمنى أن يجدوها .. همهمت كلارا بنفس الكلمات ثم سألتها ماريسا :لماذا تنزعين حذائك ؟ألن تذهبي للعمل ؟
-لا لم يعجبني ..سأرتدي شيئا آخر .
-براحتك.
***
بعد مرور نصف ساعة من خروج كلارا .غفت ماريسا ثم استيقظت على صوت طرقات عالية من الباب ذهبت مسرعة ثم قالت : مـ .. من ؟
- فلتفتحي باسم القانون .
-وهل معكم رخصة للدخول ؟
-نعم معنا .
فتحت ماريسا الباب للشرطة ..كان عددهم خمسة، اثنان منهم دخلوا وواحد أراها رخصة الدخول ثم قال :لقد اختُطفت طفلة صغيرة في هذا الحي وأظن أنك سمعت الخبر ..هزت رأسها بالإيجاب وأكمل : لذا سنفتش كل المنازل الموجودة في الحي ،هل لك مانع ؟
-لا بالطبع يا سيدي تفضلوا..
انتشر البوليس في أنحاء المنزل ليفتشوه ..مرت ربع ساعة وهم يسرعون حتى يغادروا المكان ..ومالبثوا حتى سأل أحد الشرطيين ماريسا : هل عندكم قبو ؟
-نعم لدينا إنه هناك ..أشارت له بيدها ..
ذهب الشرطي وأزاح السجادة الموجودة فوقه ليدخل القبو .قابلته رائحة قوية عفنة تصدر من الباب ..إبتعد مسرعا ثم قال وهو يصرخ:بربكم ماهذا!
ذهب عنده شرطي فقابلته أيضا تلك الرائحة الكريهة ..ثم قال :أين مفتاح القبو ؟ مالذي فيه ؟
أجابته ماريسا وهي تغلق أنفها بيدها :لا أعلم ..
صرخ عليها أحد الشرطة وكاد يهجم عليها لكنه تمالك أعصابه :كيف لا تعلمين هذا بحق الإله؟؟
-إنه منزل صديقتي وكل المفاتيح عندها ،لم أدخل القبو مسبقا ..
قال احد الشرطة : هناك شيء ما في القبو ..يجب أن نحضر باقي المجموعة لنكسر الباب وندخل القبو ..
لكن الشرطي توماس قال:يجب أن تتصلي بصاحبة المنزل لتحضر لنا المفتاح ..
**
عادت كلارا للمنزل بسرعة بعد أن تلقت الإتصال ثم سألت ماريسا :عن أي مفتاح يبحثون ؟
-مفتاح القبو .
-ألست تعرفين مكان المفاتيح ؟
-لا لا أعرفها ،لقد نسيت مكانها ..
-حسنا لا بأس ..مالأمر الذي يستدعي كل هذه الضجة ..لعل الرائحة صادرة من الخردة التي بقيت هناك لأعوام ..فالقبو له زمن لم أنظفه !
نظرت ماريسا لها بتعجب ثم قالت مع ابتسامة ماكرة حتى وإن كانت فإنها لن تحدث هذه الرائحة الكريهة يا صديقة ..
ظهر صوت خشن ورائهما صارخا :هيا ..أحضرناك لتعطينا المفتاح لا لأن تتهامسي معها...
ذهبت كلارا مسرعة لتحضر الصندوق المملوء بالمفاتيح القديمة والحديثة ..حتى أخرجت مفتاحا..
ثم قالت :هذا هو ..
أخذ منها الشرطي المفتاح بقوة وذهب هو وباقي الشرطة مسرعين إلى القبو ..فتح الباب ..وكانت الصدمة .!
***
//كاتي والتر
"كنت متعبا جدا فاستلقيت على السرير ونمت ،عندما استيقظت عرفت أن مدة نومي هي نصف ساعة ولكنني أحسستها مثل السنة ،اكتشفت الوقت من خلال هاتفي ،غيرت ملابسي وخرجت مسرعا لأتجول في المدينة وألتقط الصور ،لأنني وافد جديد لها،نزلت للمصعد ووصلت لردهة الفندق ،لاحظت شيئا غريبا،المكان خالٍ،لا أحد به،بدأت أبحث عن أي أحد علني أجد شخصا ما ،أو حتى موظف الاستقبال ..خرجت للشارع فإذا بالشوارع فارغة ،أحسست أن قلبي ينبض بسرعة تكاد دقاته تسمع الأصم ،تساءلت في نفسي ..مالذي يحدث ؟ بدأت الأفكار السوداء تراودني من كل جهة ..أدركت شيئين غريبين ..الأمر الأول أن البشر اختفوا من العالم ولم يبقى إلا أنا .بدأت أفكر في المستقبل ،ماذا سيحدث لي ؟سأصاب بالجنون لا محالة وسأموت،والأمر الثاني هو أن شيئا ما قد حصل أثناء نومي مثل تهديد بالحرب أو انتشار فيروس وتم إجلاء كل السكان حتى تحولت المدينة لقرية أشباح،في حين أنه تم نسياني في الغرفة وحيدا،كانت محطات القطارات مرعبة أكثر مما تخيلتها على الواقع وهي فارغة،لا يوجد فيها إلا صوت الهواء ومروحات التبريد،ذهبت للمطار ووجدته فارغا لا صوت فيه إلا صوت مسجل ينادي على الرحلات،كل شيء فارغ،حاولت الصراخ ..لكن صوتي لايخرج..كان هذا المشهد الذي عشته يذكرني بفلم يحكي عن مرض حول البشر إلى زومبي ولم يبقى منهم إلا واحد وهو
البطل ،في تلك اللحظة أحسست أنني هو وسأعيش ما خاضه ولكن على أرض الواقع ..وكل ماشهدت من صور الباكروم- الغرف الخلفية ،تواطأ إلى ذهني وأصبح واقعي،وهذه اللحظات هي أسوأ كوابيسي التي عشتها في حياتي،عكّر صفوة أفكاري السوداء صوت سمعته من قبل ..صوت أنثوي رقيق ..وكما توقف لحظة عندي الزمن ،تعالت نبضات قلبي ..حسبت أنني سأرى واحة جميلة في جوف الصحراء ..لكني سمعت صوتا في عمق الصمت .."
-أكملي القصة!! قال ألبرت بشغب.
ضحكت كاتي والتر ثم قالت :لا يا عزيزي ألبرت من المفترض أنك تراجع دروسك الآن .. أظن أن هذه آخر مرة أقرأ الروايات بصوت عالٍ..ثم أكملت ضحكها..
-أرجوكِ أرجوكِ..وإلا سأضطر لسرقة روايتك هذه !
-في الواقع أنا أيضا أود أن أكملها ولكن هذه نهاية الفصل الثالث وأحتاج لأن استعير الرابع والخامس ..
رد عليها بحيوية :اها إذن أنتي أيضا متحمسة لتكمليها مثلي ..
-بالطبع أخي الصغير .
- لست صغير لقد كبرت ..توقفي عن مزاحك الثقيل .
-ومتى كبرت وكنت أنا غير حاضرة ..عمرك 15 لما تصبح عشرين أمضي على كبر سنك .
غادر الغرفة وهو يضحك..بينما حملت هي الجريدة التي نسيها أبوها فوق مكتبها ،وفور قراءتها صعقت بالخبر ووقفت وهي تكاد أن تخرج الروح لكلامها فتقول :هذا مستحيل ..!
***
// في منزل كلارا.
فُتحت عيونهم على ذاك المنظر المريع،جسد نحيل، يرتدي لباسا باليا أكبر منه،شعر مضى وقت طويل على تسريحه،رائحة كريهة توقظ الميت ولو شممتها لتمنيت أن حاسة شمك معدومة منذ ولادتك ،أظافر طويلة،ذاك الجسم،كان أشبه بطائر نُتف ريشه.. ،في بادئ الأمر تحسبها جثة ملقية على الأرض ،ولولا حركة خفيفة منها لتأكدت أنها حية..كان القبو صغيرا،أدارت رأسها إليهم ،كان وجهها لا يشبه تفاصيل جسمها البتة ،عيون ذابلة،لو رأيت إليها أول مرة لتأكدت على فورك أن قلبها ميت وبكلمة لطيفة منك ممكن أن تحييه ..نظر الشرطة لها بتعجب وهم فاتحين أفواههم، بينما ماريسا فقدت وعيها ،كل شيء مضى سريعا ،حتى ابتسامتها الخافتة التي غيرت من شكلها لتظن أن عيونك خانتك لتسقط وهي تشبه الجثة هامدة..
صوت سيارات الإسعاف و إنذارات الشرطة المتجهة للمشفى..الناس مجتمعون حول المنزل يتساءلون ما الأمر،كل شيء كان فوضويا وسريعا، ألقى الشرطيون القبض على كلارا وهي تقاوم وتبكي ..
-أرجوكم لا،لم أفعل شيئا أرجوكم ..
كانت ضعيفة جدا..أخذوها لمركز الشرطة وأدخلوها السجن حتى يأتي محقق ويقيم جلسة معها ..إن كانت في عقلها أصلا ..
الزنزانة كانت ضيقة قليلا ..فيها سريرين ،واحد فوق والثاني أسفل ،بدأت تفكر في كل ماحدث اليوم،ابتدأ يومها باتصال من جارتها جالوين التي كانت تبكي وتخبرها بأن ابنتها مفقودة أو إذا رأتها في أي مكان،بعدها ذهبت للعمل ،كان سيد عملها ادوارد هادئا لا شيء جديد فيه،الملفات كانت صعبة قليلة عليها فقررت أن تشرب كوب كافييه لتهدأ روحها،اتصلت بها ماريسا لكن صوت رجولي أجابها ليقول لها أن تعود فورا باسم القانون،رجعت للمنزل وهي خائفة إن كان قد حدث لماريسا شيء ما ،رجعت وقد حدث ما حدث ،لكن هناك شيء ما خاطئ في هذا ،شيء ليس في مكانه الصحيح..
ضربت كلارا رأسها في الجدار بقوة ، تأثرت للضربة فجلست على السرير ،وقبل أن تفعل اصطدم رأسها بالسرير الحديدي العلوي ثم قالت كلمات لا تعلم ماهي وفقدت وعيها ..
***
//ماريسا.
فتحت الفتاة عينيها لتجد نفسها في غرفة بيضاء وزرقاء فوق سرير مريح مربوطة يدها بأنبوب مصل،أدارت رأسها قليلا باتجاه النافذة فأخذت تفكر ..ماذا حدث وأين كلارا؟ استدارت على يسارها لتجد شابا كان على هيئته أنه ممرض ..
-أهلا أهلا آنستي،يبدو أنك استيقظتِ.
همهمت ماريسا بصوت خافت ثم قال:هل تحسين أنك بخير ؟
-نعم أنا بخير،الأمر ليس خطيرا ..
-أوه ،هل تعلمين ؟ طول حياتي وأنا أتمنى إلى أن تحقق الحلم .
قالت بانزعاج :عن أي حلم.
-أن ألتقيك أو حتى أراك على الواقع،لقد مرت ستة أشهر لازلت أنتظرك فيها ..
-منذ متى تعرفني ؟
أجابها وقد اقترب منها :أنتي أنيتا مشهورتي المفضلة .. !

أعزوفة فن الحبWhere stories live. Discover now