استعادة الأمس

148 16 41
                                    

صفحة ١.
"الذكريات مؤلمة، الذكريات تخلق مشاعر، مشاعر مؤلمة".

صفحة ٢.
"الذكريات مؤلمة، الذكريات تخلق مشاعر، مشاعر مؤلمة".

صفحة ٣.
إذا... اليوم كذلك،
استيقظت بعد أن رأيت رجلا يبكي بهذه الكلمات في مخيلتي. ذرفت عيناي دمعتين وكأنهما فهما ما يعنيه.

صفحة ٤.
لقد تكرر الحلم، اخبرت والدتي وبعض الزملاء عن ذلك، فقالوا إنهم رأوا نفس الرؤية هذا الصباح، سمعت في أصواتهم لمحة من الخوف، الخوف من المجهول ومن اكتشاف طبقة مخفية من الواقع لا يستطيع أحد منا تفسيرها.

صفحة ٥.
وجدت هذه المذكرة التي مزقت صفحات بدايتها في خزانة قديمة في المنزل، شعرت أنها صديق قديم لي. إن فكرة كتابة مذكرات وتدوين أحداث اليوم ممتعة حقا. اسمي هيرا وعمري ثلاثون عاما. أشارك حياتي مع والدتي، وأخصص أيامي لعملي في إحدى الدوائر الحكومية، غالبا ما يكون دوري صامتا، مختبئا في ظلال الممرات المليئة بالأوراق والمحادثات الهامسة.
مدينتي جميلة بحدائقها العامة وطقسها معتدل طوال العام. جميع المنازل والعمارات والمكاتب والمحلات التجارية لها نفس لون الطلاء باللونين الأبيض والأسود. نتنقل على دراجاتنا أو حافلاتنا العامة في شوارع نظيفة ومنتظمة. ليس لدينا وسائل ترفيه كثيرة سوى الجهاز الرائع الذي يدير الأسطوانات فتعزف الموسيقى!

صفحة ٨.
هناك ندبة على الجانب الأيمن من رأسي. كيف حصلت عليها؟ سئلت والدتي فنظرت إلي بعينيها البعيدتين وهي تبحث في خبايا ذاكرتها. وبابتسامة خافتة حزينة قالت إنها لا تتذكر، ومررت أصابعها بلطف في شعرها لتظهر ندبة مطابقة في نفس المكان. فقالت: "أعتقد أنها وراثة في عائلتنا".

صفحة ١٢.
أعلن الزميل جون اليوم أنه يريد زوجة وأنه سيذهب إلى مكتب الزواج بعد العمل. وبالفعل استلمنا بطاقات الدعوة وحضرنا ليلا إلى قاعة الاحتفال لنهنئه وشريكته التي توافق معها. انتابني الفضول وسئلت والدتي إن كانت تزوجت هكذا أيضا، فقالت إنها لا تتذكر، ومن دون تفكير تابعت: "نعم على الأغلب".

صفحة ١٥.
أتساءل لماذا توجد سجلات لأعمالنا وليس لحياتنا؟ ماذا عن تاريخ العالم؟ ولا يوجد كتاب أو رسم أو نحت يدل على أي زمن مضى. الماضي يقتصر على الساعات التي مرت منذ استيقاظك إلى هذه اللحظة. كانت هذه الأفكار تدور في ذهني منذ بدأت أكتب في هذه المذكرة واقرأ ما كتبت كل صباح.

صفحة ٢٠.
انتهيت اليوم من قراءة كتاب استعرته من المكتبة. ذهبت لإعادته ومن دواعي سروري أن الرفوف قد تم تجديدها بأسطوانات جديدة، كل منها عبارة عن رحلة محتملة إلى الصوت والعاطفة. لم أستطع مقاومة جاذبية ألبوم معين وقررت أن أجعله خاصا بي. ومع حلول المساء، وضعت الأسطوانة على الفونوغراف، ولامست الإبرة السطح بلطف، وملأت الموسيقى الغرفة. لقد كانت سيمفونية من النغمات والمشاعر، ولغة تتجاوز الكلمات. ورغم أنني لن أتذكر غدا أنني استعرت كتابا وأعدته وأحضرت هذه الأسطوانة إلا أن ذهني سيحتفظ بالمعلومات التي كانت في الكتاب وأن لدي قرصا موسيقيا إضافيا. المعلومات العامة تجد لها وطنا في ذاكرتي، مثل أغصان شجرة ضخمة لكنها لا تتزين بالأوراق ولا بالعصافير، وهكذا هي التفاصيل اليومية، مجهولة وغير موجودة.

استعادة الأمسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن