1_الفصل الأول

28.5K 1.7K 267
                                    

"الفصل الاول"
"صدفةٌ لم تكن عابرة"

      *****************

ثمة بعض الاختيارات تُفرض عليكَ دون حتى أن تعلم بذلك، تقف كما المحارب الذي فُرضت عليه الحرب بدون سلاح لتتفاجأ بصوت الطبول يَعقبه صوت السهام ترمق جسدك الهزيل لتصبح حربًا موقوتة أنتَ ضحيتها الوحيدة.

_"أنا بقولك أهو اللي هلاقيه مناسب لفلوسي هجيبه، إنما الحاجة هتيجي علشان أنتِ عاوزة و ماما شايفة و شغل عافية كدا أنا مش نافع معايا"

صاح بملء صوته يُعنفها في الهاتف كعادته لترد عليه هي بقلة حيلة و نبرة صوت تهدجت حينما داهمها البكاء:

"يا ماجد أنا بقولك بالراحة أهو الفلوس معايا هنكمل عليهم و نجيب الحاجة اللي ناقصانا مأجرمتش يعني، كل حاجة تتعصب كدا و تقلب عليا ؟!"

زفر هو على الجِهةِ الأخرى و هو يقول بضجرٍ:

"منة !! أنا مش عاوز صداع الله يكرمك كفاية رغي لحد كدا، روحي شوفي وراكي إيه، شكلك فاضية و فاكرة الكل فاضيين زيك"

هَمت بالحديث لترد عليه و قبل أن تفعل ذلك تفاجأت به يغلق الهاتف في وجهها، بينما هي ألقت الهاتف على الفراش تبكي بحرقةٍ، حيث اختيارٌ أُجبِرت عليه حتى تهرب من الكلمات المسمومة التي تتهامس على حالها كونها شارفت على إتمام العام الثامن و العشرون من عمرها دون أن تصبح متزوجة كما غيرها من الفتيات و تكون ربة منزل كما اعتاد المجتمع وفقًا للتقاليد العقيمة، لذا قامت والدتها بتدبير أمر تلك الخِطبة حتى تضمن لابنتها نجاح تلك الزيجة.

صوت طُرقات خافتة على باب غرفتها وصلها من أخيها جعلتها تمسح وجهها بكفيها معًا ثم أذنت له بالدخول بالقدر الذي حاولت به جعل صوتها طبيعيًا على الرغم من سيطرة البكاء عليها، دلف أخيها و هو يمعن نظره في وجهها ثم قال مستفسرًا:

"مالك يا منة أنتَ معيطة ولا إيه ؟! أوعي يكون سي زفت الطين مزعلك تاني ؟!"

حركت رأسها نفيًا بسرعةٍ كبرىٰ و هي تقول بلهفةٍ:
"لأ والله يا مُصعب، أنا بس كنت مخنوقة شوية و افتكرت بابا بس وحشني أوي و طول المرة دي في السفر"

رفع حاجبه الأيسر مُستنكرًا حديثها، فهو يعلم تمام العلم أنها تكذب عليه، حتى و إن لم تنطق بذلك فيكفيه رجفة كفها و رفرفة اهدابها لِتُدلي بكذبها عليه، لذا زفر مُستسلمًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"طب سِتك عاوزاكي تروحي تشغليلها الجهاز علشان الصيدلي مش عارف و أنا ورايا حاجات مهمة، عاوزة حاجة ؟!"

حركت رأسها نفيًا و هي تُغصب شفتيها على التبسم، فيما تحرك هو من أمامها نحو الخارج حتى تقابل مع والدته على أعتاب الرواق المؤدي للغُرف فسألته بتعجبٍ:

صُدفةٌ لم تَكن عابرةً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن