الفصل الثامن عشر.

ابدأ من البداية
                                    

في بيت أول مرة نحط رحالنا فيه، وفي إحدى غرفه. تجلس تلك الفتاة الجميلة على كرسيها الهزاز في الشرفة، تراقب الأطفال الذين لم يمنعهم يوم الجمعة من اللعب والاستمتاع بوقتهم.

كانت تتخيل لو أن الله رزقها بأبناء؛ لكانوا الآن يلعبون معهم... يصرخون مثلهم... يفسدون ملابسهم بالتراب؛ فتصرخ هي عليهم بعد عودتهم، موبخة إياهم بحزم أمومي. لكن ما أن ترى دموعهم، حتى يلين قلبها؛ فتحتضنهم بحنان وعاطفة جياشة.

لكن قدر الله أن تحرم من ذلك الشعور، إلى أجل غير معروف! فبعد طلاقها من زوجها، أحاطت نفسها بأساور عالية، لتمنع أي ذكر لا يحمل وسم الرجولة من أن يقتحم مملكتها مرة أخرى! فبسبب سوء اختيارها، لا زالت تلك الغصة المريرة تهاجمها كلما لاح ما حدث معها منذ عام أمام عينيها البنية.

عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم، الذي قضى على أنوثتها وعلي ثقتها بذاتها؛ فصارت أشلاء أنثى ترى نفسها أقل النساء!
**************
كانت تسابق الزمن لتصل لمملكتها الصغيرة، وترمي بجسدها الصغير بين أحضان زوجها، تمنت لو كان لها جناحان لتحلق بهما، بدلا من جلوسها في سيارة الأجرة البطيئة... أو ربما هي تراها بطيئة، فيبدو أن الخبر السعيد الذي تتوق لأخبار زوجها به، قصف بصبرها إلى أبعد نقطة في العالم. رغم ذلك الشحوب المنبعث من وجهها الجميل؛ إلا أنه لم يستطع إخفاء بريق السعادة من عليه. فالخبر الذي تحمله، أنساها مرضها الذي كانت تعاني منه منذ سنين عديدة!

«أخيرا... الحمد لله الحمد لله!»

رددتها بفرحة عارمة، ما أن وصلت سيارة الأجرة إلى المبنى الذي تعيش فيه. ترجلت منها بلهفة بعد ما حاسبت السائق. مشت بخطوات أنثوية شبه سريعة، وهي تتخيل سعادة زوجها ما أن تزف له هذه الأخبار البهيجة.
دقائق، وكانت تقف أمام باب شقتها، تبحث بلهفة عن المفتاح في حقيبتها الصغيرة.
«ها هو ذا! »

تمتمت بها بغبطة؛ فقد كانت تخشى أنها نسته في البيت في غمرة فرحتها، عندما اتصلت بها الطبيبة المسؤولة عن حالتها. وقبل أن تضع المفتاح في فتحة الباب، تناهى إلى مسامعها أصوات قادمة من داخل الشقة؛ فجعدت ما بين حاجبيها باستغراب، لأن الأصوات القادمة من الداخل لأكثر من شخص، وهي تعلم أن زوجها ليس من النوع الذي يستقبل الناس في بيته.

«لعلهم أهل زوجي!»

طمأنت فؤادها بتلك الكلمات، مكملة فتح الباب، وقد عاد حماسها وسرورها يحلق أمام عينيها. سارت بخطوات بطيئة في ممر الشقة، وقد قررت مسبقا بمفاجئة زوجها ومن معه. لكن ابتسامتها البشوشة اختفت وحل محلها الجمود، عندما وقعت عيناها على المرأة الجميلة... أو الفاتنة التي تتوسط أحضان زوجها.

صفـــاء الــــــــروح. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن