الفصل التاسع والأربعون |كُتِبَ عليهم الفراق|

Start from the beginning
                                    

ابتلع "صهيب" ريقه بصعوبة ولم يجد الإجابة المناسبة للرد عليها، يريد أن ينفي كل ما قاله ويذهب لها ويأخذها بين أحضانه ليُداوي جُروحها، لكن لا بُد أن تعلم الحقيقة، بينما "حبيبة" أكملت حديثها برجاء وهي تبكي بعنف:
_عشان خاطري يا "صهيب" قولي إنك بتهزر وإن دي كدبة، متوجعش قلبي أكتر من كدا.

مدَّ "صهيب" كفه ليُمسك بكفِ "حبيبة" ثم تشدق بحنان:
_اهدي يا "حبيبة" عشان خاطري.

أخذت "حبيبة" أنفاسها بصعوبة ثم تسائلت بتيهة:
_طيب.. طيب إزاي "حبيبة" بنت "مختار"؟! إزاي أنا مش فاهمة حاجة!! طب هي بتنتقم منه ليه؟!!

زفر "صهيب" باختناق وهو يُجيبها:
_إزاي وليه بقى دي "أهلة" اللي هتجاوبك عليها.

انتقلت "حبيبة" بأبصارها نحو "أهلة" والتي قررت أخيرًا تحرير الدموع المُنهمرة داخل مقلتاها، يبدو بأن الألم لن يزول أبدًا، يبدو أن الذكريات لن تتركها وشأنها، يبدو أن الحياة بأكملها تتفق ضدها، وهي المسكينة المُحتجزة بين كل هذا، ترتطم بين أمواج الماضي والحاضر وفيما بعد المستقبل، المشاهد القديمة تلتف حول عنقها فتتسبب في اختناقها، فلم تجد مفرًا من اللاشيء سوى بالبكاء الصامت، تحررت دموعها كشلالاتٍ تتسابق على صفحة وجهها، ورغم بأنها دموع سائلة فهي تتسبب في إحراقها.

شعرت بمن يقترب منها ويُحيط بها من خصرها أثناء وضعه لرأسها على صدره موضع قلبه، ربت "قاسم" بحنان على ظهرها وشفتيه تستقر على خدها الأيمن يُقبلها بحنان، لم تصدر صوتًا أثناء بكائها، بل كانت عبراتها تصعد على هيئة شهقات خافتة وكأنها تصعد من فم طفلٍ صغير، ارتعش جسدها حينما كانت تتذكر رؤيتها لوالدها في وضع مُخِل مع زوجة عمها، كانت صغيرة ولا تفقه شيء لكن الأمر حفر داخلها ألمًا لم يزول حتى الآن.

وعلى عكسها تمامًا طالعتها "حبيبة" ببكاء وحزنًا لحزنها، استدارت لـ"صهيب" الذي يُطالع الوضع بأكمله بألم شديد، ثم انطلقت إلى أحزانه تبكي بعنفٍ وكأنها لم تبكي من قبل، كانت تتحدث من وسط بكائها بكلماتٍ غير مفهومة، لكن الجُملة الوحيدة التي وصلت إلى مسامعه هي قولها الحاقد:
_أنا بكرههم أوي، بكرههم ونفسي كلهم يموتوا.

احتضنها "صهيب" بقوة وهو يهمس لها:
_كلنا بنكرههم أوي ونفسنا يموتوا، ربنا هيجيب حقنا كلنا منهم.

نظر الشقيقان لبعضهما البعض بقلة حيلة، كُلًا منهم يرى ضعف زوجته وآلامهم، آلامٌ لا يستطيعوا محوها بسهولة كما كانوا يظنون، لكنها محفورة بجدارة داخل أفئدة كل منهم.

خرجت "حبيبة" من أحضان "صهيب" بعد أن مرت دقائق كثيرة في البكاء، ثم اتجهت نحو "أهلة" التي يُحيط بها "قاسم" بعناية ليُهدأها بعد أن زادت في البكاء، راقب "صهيب" زوجته التي وقفت خلفها بيأسٍ ولا تعلم بما تتحدث أو تقول، كل الذي فعلته هو أنها وضعت كفها على ظهر "أهلة" وتطلب منها برجاء:
_خلاص متعيطيش.

حـارة الـقـنـاصWhere stories live. Discover now