0| عُقدة المنقذ.

386 35 28
                                    


'من وِجهة نظر لي مينهو'

كان ذلك في شتاء عام 1994، عندما كنت على وشك أن أبلغ الثانية عشر من عمري في تشرين القادم. خرجت من شقتنا القديمة التي كانت تقع في حيّ سينشون بالقرب من السكّة الحديد حيث كان بإمكاننا وقتئذٍ سماع الصوت الرتيب للقطارات طويلة العربات تمر كل ربع ساعة تقريبًا على الجسر فوق رؤوسنا. كانت الشمس غاربة وقد تلبّدت الغيوم في السماء بعد ساعات طوال من هطول المطر الذي توقف بحلول الآن. لا لاتزال أفاريز المباني تقطر بللًا وقد تجمعت اليعاسيب تحت إضاءة أعمدة الإنارة البرتقالية.

صوت شجار والديّ كان بإمكانه اختراق أية سماعات ووكمان أضعها على رأسي، أية أغنية صاخبة وتحت أي مستوى من الصوت. كان لديهم المقدرة الرهيبة على الوصول إليّ والتمكّن مني أو أنني أنا الذي لم يرد أن يفوّت شيئًا يُقال أو يقع حتى لا تصبح عريضة شكواي لطبيبي النفسي عندما أبلغ الثامنة عشر قصيرة جدًا ومسببة للإحراج.

كان لدى الجميع تلك الأسرار التي لا يتكلمون عنها بصوت مرتفع أمام الناس، وكان أحد تلك الأسرار الخاصة بي (والتي أنا على وشك قولها بالفعل) هو أن المنحنى الشائك الذي أحدث التغيرات في إنسياب أحداث حياتي كلّها هو عندما عاد أبي إلى المنزل بحصيلة مجموع تسع أصابع في كلتا يديه. يبدو ذلك دراماتيكي، لن أجادل في ذلك لأنه دراماتيكيّ حقًا.

أسمع حولي الكثير والكثير من الأصوات، صوت القطار الذي أصبح عاليًا على غير العادة، صوت الشجار المقيت، صوت نباح كلاب ضالة في حواري مجاورة وصوت صرّاف مياه عند الجيران وكأن هذا ما ينقصني. ثمّ صوت أفكاري التي لا تنفك عن إخباري بأنني أعاني تخلفًا اجتماعيًا .

يصدر معدن مفاتيح سيارة أبي السكودا فيفوريت الفضيّة صوت رنين في جيب بنطال بيجامتي وأنا أركض على أسفلت الشارع المُبلل بلا حذاء في قدمي. أحاول فتح باب السيارة الخلفيّ، لا يولج المفتاح بالطريقة الصحيحة من المرة الأولى فأقلبه وأفتح السيارة. أتظاهر بأنني واثق من نفسي وأنا أمثّل بأنني ابحث عن شئ ضائع حتى لا يلقطني أحد الجيران من شرفة منزلهم ويعتقد بأنني لصّ أو أي شئ.

أسحب سماعات الووكمان من الجيب الآخر وأشغّل الشريط الموضوع فيها، كانت أغنية رومانسية ساذجة جدًا منذ أن الشريط يعود إلى أمي في الأصل. تسطّحت على الأريكة الخلفية للسيارة واضعًا كفّي فوق بطني، أخذت أنظر إلى شجرة البلوط المزروعة في مرجة أحد جيراننا الاشتراكيين (وكأننا لا نُصنف مثلهم) . كانت تيارات الهواء الشتوية تضرب أفرع الشجرة بعنفٍ لكن البلوط يظلّ باقيًا بلا تساقط وكأنه ملزوق بالغراء، أتذكر عدد المرات التي أخبرت فيها أمي أن نزرع شجرة بلوط في ساحتنا لكنها كانت تصيح بالرفض دائمًا قائلة بأن الساحة تعود إلى سكان المجمع السكنيّ كله والجميع لا يحبذ البلوط لأنه يجذب السناجب والتي تقضم السقف و تتسلّل إلى العُليه. ومع ذلك لم يسبق لي وأن رأيت سنجابًا حول شجرة الجيران.

The roulette | الرُوليتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن