الفصل الرابع عشر ♡

2.6K 81 57
                                    

الفصل الرابع عشر ♡
-"مُقيَّد بسلاسِل عِشقك".

عاد "أرسلان" إلى منزله غاضبًا، مُحطمًا، شاعرًا بالإهانة من كلمات صديقتها اللاذعة التي أشعرته بأنه عديم الرجولة.. وما يؤلمه أنه يعلم أنها محقة.. فلم يكن يَصِح أبدًا أن يتقرب منها بهذا الشكل رغم علمه بزواجها واقترانها برجُلٍ آخر تنتمي له.. ولكن ما يغفر له ولو قليلًا أن الصدمة والشوق كبلا عقله وسجناه بعيدًا عن حدود العقل والمنطق، وتركا حرية التصرُّف لقلبهِ المُتيَّم المُشتاق لها..
يا ﷲ! كم من مرةٍ تحكم بنا القلب وجعلنا ننتج تصرفات تضعنا في أسوأ الأوضاع وأغبى المواقف؟ كم من مرةٍ نجح في التقليل من كرامتنا مدرجًا أفعاله المشينة تحت بند "لا كرامة في الحب"؟
تلك المقولة الغبية التي نبرر بها تصرفاتنا المهينة لنا قبل أي أحد آخـر.. فلا خاسر في هذه المعركة الأبدية بين العقل والقلب سوى العاشق المسكين المنتزع بينهما.
هبط وتصاعد صدره في جنونٍ أعمى بصيرته لثوانٍ حين أمسك بالطاولة التي ترتكز في منتصف الصالة وألقى بها في عشوائية نحو نقطة غير محددة.. دون أن يهتم حتى بالنتائج، فكان أقصى ما يريده أن يخفف من لهيب تلك النيران المستعرة التي تشتعل ويتصاعد شرارها بداخل صدره في مجونٍ مضني.. ثم وقف مُتخصرًا وصدره يصعد ويهبط نتيجة تنفسه العميق الذي ارتاده كي يُهدّئ نفسه من نوبة الغضب التي اجتاحته على غير العادة رغم هدوئه المعتاد.. ولكن ما حدث له كفيلًا بأن يغير أي شخص، وهو ليس بقديس كي لا يهوى ساقطًا ضعيفًا تحت سطوة نقمه..

************************* 

في اليوم التالي..
وقف "حمزة" خلف باب غرفته يُرهف السمع جيدًا، في انتظار خروج "نجمة" من غرفتها؛ كي يُكمِل ما بدأه البارحة من مضايقته لها؛ وبعد عدة دقائق تململ في وقفته ضجرًا، وشعر بمدى طفولة فعلته الصبيانية الغبية، فحمحم بحنقٍ يستعيد وقاره الهارب، ثم فتح الباب مقررًا إنهاء سخافته والمغادرة لعملهِ كرجُلٍ عاقل كما اعتاد أن يكون، ولكن فجأة وجد "نجمة" تفتح الباب تزامنًا معه، فرفع حاجباه باستغرابٍ طفيف من سخرية القدر معه، ولكنه ابتسم بدهاء واقترب من تلك التي ازدادت نظراتها قاتمة ما إن رأته أمامها وتذكرت ما فعله بها البارحة، كما تذكرت جلوسها طوال الليل بحوض الاستحمام وسط كمية مهولة من منتجات النظافة التي ملأت بها المياه؛ كي تتخلص من تلك الروائح التي تغلفها.. عادت من ذكرياتها القريبة على اقترابه منها فابتعدت عن مرمى يديه بعصبية، وهدرت به بنبرة مُستَفزَّة:
-«إوعى كده يا حمزة ومتقربش مني لتاني لمدة شهرين تلاتة لحد ما أنسى اللي إنت عملته معايا!».
اتسعت ابتسامته في مكرٍ خفي واقترب يضمها بحنوٍ زائف:
-«ليه بس يا حبيبتي؟ ده أنا حتى جاي أصالحك بعد اللي..».
قطع كلماته عن عمدٍ، مُجعدًا أنفه بقرفٍ، قائلًا باشمئزاز كاذب، راغبًا في إثارة حنقها:
-«إيه ده؟ إنتِ مخدتيش شاور ولا إيه؟ ريحة شعرك كلها بيض!».
ابتعدت عنه فورًا وأمسكت بشعرها تقربه من أنفها تشمه بجنونٍ، صائحة بإنفعالٍ:
-«مخدتش شاور إيه! ده أنا منقوعة في البانيو من إمبارح!!».
ازداد صراخها في نهاية حديثها بعد أن وهمها عقلها الموسوس بوجود رائحة البيض في شعرها بالفعل رغم أنه لا يوجد! بينما قهقه "حمزة" قهقهة دامت لثانية واحدة حيث كتمها هو قبل أن تُكشَف كذبته، وأجابها مُتصنعًا الإهتمام والأسف:
-«طب أدخلي تاني كده اغسلي شعرك كويس».
نظرت له بضياعٍ وردت:
-«بس أنا كده هتأخر على الجامعة وأنا ورايا محاضرات مهمة أوي النهاردة!».
زم شفتاه آسفًا بصدق وقد تراجع عن كذبه لها في ندمٍ اتضح في صوته عندما قال:
-«أنا بهزر معاكِ يا نجمة، ريحة شعرك زي الفل، أنا كنت بستفزك بس!».
عضت على شفتيها في غضبٍ تآكلها أكلًا، ترفع رأسها إليه تناظره بنظراتٍ مليئة بالشرار، فهرب بعينيه بعيدًا حرجًا من أفعاله الصبيانية الجديدة عليه، وأسرع يقول راغبًا في الفرار منها:
-«همشي أنا بقى عشان إتأخرت أوي على الشغل، خدي بالك من نفسك وإنتِ رايحة الجامعة».
أنهى حديثه وأسرع بالمغادرة، تاركًا إياها تحدق في ظهره بحقدٍ، قبل أن تصرخ صرخة مغتاظة مكتومة، عازمة على رد الصاع صاعين.. كيف؟ لا تعلم! ولكن بالنسبة لها العزيمة والإصرار كافيان لتنفذ ما تريده!

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن