6|الجَانبُ المُتجَاهَلْ| الرّحمة المَغرُوسة

Start from the beginning
                                    

ابتسمَ ضياء ولم يدم إخفاء الصّغير لوجهه عند والدتهِ، فسرعانَ ما التفتَ يمسحَ البلل بكفّيهِ الصغيرتينِ، ثمّ سألهُ بحماسٍ فلم يكنْ يدرِي بشأنِ مبيت أوّاب:
«سأسامحكَ شرط أن تلعبَ معي اليوم، أعذار التّعبِ وأخذ الاستراحة كلّها غير مقبولة»

ارتبكَ أوّاب وقطّب حاجبيهِ، تأخر في الرّد ليحسم أمر تخييب أمل شقيقهِ:
"لقد وقعتُ بالفعل! إلى متى سأستمرُّ في تغيير المَوضوعِ؟ بما أنّه يبكِي والآن، سأجعله يُكمل بكاءهُ ولا يسرف في دموعٍ أخرَى لاحقًا"

ربط ضياء ما جرَى وتوقّع مأزق ابنّ عمّه، أخذت الأمّ الرؤُّوم تترقبُ تلك اللحظة التّي تُلقى فيها الحقيقة على مسمعَيْ صغِيرهَا، وأخذت تدعو الله أن يتقبلها بأقلِّ حزنٍ وألاّ يُسمعهم ضَجِيجًا أو يثير الشّفقة.

أحكمَ أوّاب قبضَتيه على قبضَتيّ الآخر الصّغرتين، ونظرَ إليهِ بملامح مُستكرهةٍ لمَا سيلقيهِ صاحبها من كلِمة:
«إسلام، الحقيقة أنّني وعدتُ ضياءً بالمبيتِ معه هذه اللّيلة، فمنذ وقتٍ طويل لم نجتمع معًا، كما أنّه خرجَ اليوم من حُجرة العناية، ولا يعني ذلك أنّني غير مشتاقٍ للبيت ولكم عائلتي، اُعذرنِي لليوم وغدًا سأكون عندكم بإذنه تعالى»

بهُتَ حماسُ الصّغير وَفُتح فمهُ دون أن يُخرج أيّة كلمة، تابعت الغدد الدمعية عملهَا وعندما وارَى وجهه عن الأنظار صدحَ منهُ عتاب:
«لتجعلْ الغدَ لضِياء، أو ليرجع هو معنا، أنتَ وعدتني من قبل أن ترجع فور انتهاء امتحاناتكَ»

حاولتْ ريهام مُواساتهُ وتنهد أوّاب مع تكرار الاعتذارِ على مسامع شقيقهِ دون أيّ جدوى، وعندها تدخل ضياء فلم يعجبه قضاء الوقت على حساب حزن الصّغير:
«أوّاب لا يمكنك حتمًا المبيت والدموعُ تدفنُ بهجةَ أخيكَ؟ لِذا لنبقيه معنا خفية عن كلّ من يعمل هُنا، سأبذل الجهد ليتّم الأمر»

كان عرضًا صادمًا ألغاه أوّاب بزلة لسانٍ:
«هذا ما كان ينقصنِي حقًا! إنّه ما يزالُ يبلل السرير لعلمك في بعض الأحيان، ولن أتحمّل تبعات مبيتهِ معنَا»

لم يعرف ضياء ما الرّد المناسب على ذلك؟ وصاح الصّغيرُ خجلاً، وَدَفن وجهه أكثر مع التَّشَبثِ بقوّة أَكبر بوالدتهِ:
"أمِّي، أخبرَ عنِّي،... لِضيَاء!"

رمقت رِيهام ابنهَا البِكرَ بنظراتٍ لا تُدْلِي بخير، فرفع كفّيهِ مُشيرًا لهَا مع محاولةِ الخروجُ من المأزق بُعذرٍ:
«لمْ أقصد فضحهُ أمّي، ألاَ يُعدُّ ضياء من العائلة؟ وَ...»"

أخرجتهُ من حيرة التّعذر بقرصِهِ أعلَى ساقهِ قرصةً مؤلمة، أفرغت فيها كُلّ ذلك الاِرتباك والجزع من هذَا الصّباح.

النّبضة الأَخِيرَةWhere stories live. Discover now