ليلىٰ

52 11 6
                                    

«كقطرات الماء العذب؛ باردة لكنّها مرويةٌ بعد جفافٍ طويل»

ضحىٰ)

________

ستار السماء القاتمِ حَل ورُصعت النجوم كلؤلؤٍ نُثَر على طُول وِسعها، لملمت فستاني ذا لونٍ عاچيٍ خلف مسيري متطايرًا أقصد قيثارةً توسطت حديقة منزلنا، بوسط الليل وتحت صمت الظلام لأذنب بمعزوفةٍ تقطع سكون المكان.

من ذلك الطريق البارد أسفل قدماي إلى ذلك الكرسي الوثير أمام قيثارةٍ ذهبيةٍ أوتارها مشدودةٌ تنتظر محركًا لسكونها، وكنتُ مقبلةً بيأسٍ أعدل وضعيتي وأدع يداي تعبث علّها تعزف لحنًا يمثّل آلآمي.

كنت تائهةً وسط فراغٍ لا يُنتهى، تراني بأعينٍ شاردةٍ أتأمل الفراغ فتسألني ما بي فأسألك بتيهٍ ماذا بي؟
ما بِت مبصرةً حالي الواهن والهَش، وما بت مدركةً إلى أي طريقٍ أهتدي، جميعهم شتى وكلهم جُمعو بلونٍ رماديٍ خالٍ من الحياة، إذًا لما الاستمرار؟

إن سألتني فأنا غير مدركةٍ لِما آل بي، ما بت أدرك شيئًا كما كان الصمت يغزو أذناي، تلك الأوتار أحركها بيداي لكن ما من صوتٍ يَقطع ذلك الفراغ، فإلى متى؟

أسندت رأسي بوهنٍ على جسد الآلة أستمد منها بأسًا يُسندني، وبيداي الذابلتان أعزف لحنًا خافتًا لائم سكون المكان، وليت نيران عقلي تُصبح مثلهُ فإنّه بات يُحرقني بلهيبٍ لا مطفئ له، ذلك النداء بعقلي يُرشدني إلى أستقطاع ما تبقى من حياةٍ وقطع وريدٍ علّ العذاب يُنتهى، وندائه يصبح صراخًا يُعميني عن كل شيءٍ ولا يُبصرني إلّا سكينًا أنهي بها آلآمي.
لكن الإستسلام لم يكن لي يومًا كما كان ذلك الفراغ يبتلعني ولا ينوي تركي، روحي تصارع ألمًا لا يُنطق وفراغًا يسلبني مذاق الحياة، كنت كل ليلةٍ أغرق رويدًا رويدًا على أنصال الحزن فيُنهش ما تبقى من فتاتٍ يُبقيني حيةً، أريد الإنتهاء.

وذلك هناك على عُش شجرةٍ صغير حمامٍ يُهذب من ريشه البُني، أنظر إلى نقاء روحهِ وصِغَر حجمه، يتحرك بعفويةٍ جعلت دمعي يتراقص على جِفناي، ما باله بهذا الجمال وسط قُبح الحياة؟
لما عيناه الواسعان يخترقان رُوحي مذبذين فراغًا يتآكلني؟
كان جميلًا وجماله أثقلني بيأسٍ وألمًا فوق آلآمي حتى بت أتلوى بلا قدرةٍ على الإكمالِ، فيا طائر السلام ضُمني تحت جناحيك وأعطِني سلامًا عوضًا عن خرابٍ تعشش أركاني، دَعني أكن رفيقًا لعشك الدافئ ودعنا من برودة الحياة فما عدت متحملةً قسوتها، كل يومٍ يمر بِت أُكسر وأفقد شيئًا من ذاتي فما بات الحال يُحتمل.. هلَّا أنقذتني؟

كزهرةٍ قُطفت من أرضها وغُرست بكأسٍ به ماءٌ يحييها لأيامٍ كُنتُ، فإن الحياة تأمرني بترك أرضي أرض الهدوء والسلام إلى أرضٍ مليئةٍ بالتصنّع والأختناق، كأنها دنيا جيئت لإذبال ما تبقى مِني وإجباري على مواكبة قوانينها، فتِلك أرضي أرضٌ واسعةٌ تنبض بالسلام والإطمئنان باتت تُنهش من بين يداي ويَحل محلها أرضٌ عُششت بالخرابِ وسفك الدماءِ.

دجىٰ |  One ShotWhere stories live. Discover now