| البَحر

1.1K 113 44
                                    

يمرُ ميتسويا مجددًا من طريقِ البَحر الذي اعتادَ عليه، بالرَّغم من أنَّ هذا الطريق هو الأطول من بينِ كلِّ الطُّرق الى منزله، الا أنهُ دائمًا ما يَرتاده.

و ذلك بسبب-

نَظر ميتسويا للبحر أمامه، كانَ الان وقتُ الغروب، مما جعل الظلال البرتُقالية تتناثَر برقَّة على سطحهِ اللامع مخلِّفةً مظهرًا جذَّابًا و هادئ.

'انه هنا مجددًا'

نظرَ ميتسويا لذلك الفتى الذي يقفُ أمام البحر معطيًا ظهره للعالم خلفه، غير مكترث بالأمواج التي تضربُ قدمه و تُبلِّلُ بنطاله الأسود.

كانَ هذا الفتى دائمًا ما يرتادُ هذا البحر من الساعةِ الرَّابعة بعد الظهر الى أن تغرُبَ الشمس.

يمرُّ ميتسويا من هذا الطريق عندما ينتهي اجتماعهُ مع تومان فقط ليرى ذلك الفتى، فهو يشعرُ بشئٍ غريب متعلِّقٍ به.

لكن اليوم كانَ مختلفًا، فقد قرَّر ميتسويا أن يُجري محادثةً مع ذلك الفتى و معرِفة قصَّته.

اقتربَ ميتسويا من الفتى و وقفَ بجانبه تاركًا الامواج تضربُ بنطاله بغيرِ اكتراث. نظرَ للبحرِ بتمعُّن ثم أخذَ لمحة بطرف عينيه على الفتى الذي لا يبدو انه يُلاحظه.

كانَ فتى ذو ملامح طفولية نوعًا ما، وجههُ شاحب يكادُ يكونُ شفَّافًا، شعرهُ أسود كثيف و مموج، عينيه باهتة و الهالات تملأ جفنه، لكن هذا لم يُخفي جمالَ عينيه الزرقاء.

أعادَ ميتسويا نظرهُ للبحر و تحدَّث بصوتٍ هادئ كاسرًا هذا الصمت-

"أتحبُّ البحر؟"

هبَّ نسيمٌ خفيف يُداعبُ خصلَ شعرِهم بلطف و تعانِقُ البرودة الحُلوة وجناتهم برقَّة.

مرَّ صمتٌ طويل، و عندما ظنَّ ميتسويا أنَّ الاخر لن يجيب تحدَّث-

"أنا أكرهُ البحر"

أرسل الصوت قشعريرة لظهرِ ميتسويا، كانَ صوتًا رقيقٌ و ضعيف، يحملُ العديد من المعاني المُختلفة.

لكنَّ الفتى لم يحرًك عينيه من البحر، بل بقي يحدُّق فيه و كأنَّهُ أهمُّ ما في العالم.

أعاد ميتسويا نظرهُ الى البحر و أردف-

"لماذا؟ البحرُ جميل، يجعلُكَ تشعر بالهدوء، تشتكي له و يسمعك، يُريحك عندَ حزنك و مظهرهُ يجعلُكَ تشعرُ بالسَّلام"

مرَّ صمتٌ طويلٌ اخر، مرَّ النسيمُ اللطيفُ مجددًا كانه يُحاكيهم.

ثم صدرَ ذلك الصوتُ الرَّقيقُ مجددًا-

"سطحُ البحرِ جميل جدًا، يجذبكَ اليه و يجعلُكَ تريدُ معرفة أسراره، و عندما تقعُ في فَخِّ أعماقه لا تستطيعُ الخروج...فقط تغرق، لا تستطيع التنفُّس، ولا تجدُ يدًا تمتدُّ اليك لتنتشلكَ من هذا الظلام، حينها لا تعرِفُ مصيركَ القادم، هل ستموتُ من قلَّة الأكسجين؟ أم أن سمكةً ضخمة ستأتي و تمزِّقُكَ لأشلاء، أم أنَّك فقط....ستغرقُ الى ما لا نهاية

البحرُ جميل، و هذا ما يجعلهُ مخيفًا"

بقي الصمت بينمها لبرهة قبلَ أن يتحدثُ ميتسويا.

"لديكَ نظرة مختلفة عن البحر"

"أنا اكره البحر"

"اذًا لماذا تأتي اليهِ كلَّ يوم؟"

"...."

حلَّ الصمتُ مجددًا، بدأت الشمسُ تختبئ خلفَ ظلالِ البحر مستعدَّة لتجمع خيوطها من البحر اللامع و الهادئ.

"لقد سلبَ مني البحر أعزَّ ما أملُك"

صدى ذلك الصوت الرقيقُ مجددًا، لكنه كانَ أكثر حُزنًا.

عادَ ذلك الصمتُ مجددًا، لكنه لم يكن مريحًا هذه المرة.

طالَ الصمتُ بينهم، و اختفت الشمس خلفَ خطِّ البحر الطويل، اختفت ألوانُ البحر مع ذهابها، و أصبح البحرُ قاتمًا و مخيف.

ضربت الأمواج الباردة أقدامهم بقوة عن ذي قبل، و انعكس لون البحر القاتم في أعين ميتسويا مما تركَ جوًا مشؤومًا في قلبه.

"ما رأيك في البحر؟"

سأل ميتسويا و هو يضعُ يديهِ في سترته محتميًا من البرد، سادَ الصمتُ بينهم و يلحفُ وجوههم الهواء البارد الذي كانَ لطيفًا من قبل.

و عندما كانَ ميتسويا يَظنُّ أن الصمتَ سيطول، قال الاخر بصوتِ ضعيف مجيبًا سؤاله-

"البحرُ مخيف"

° النهاية °

نقطة.

ڪلمــ523ــة

⌝ون شوتز مختلفة⌜ || TRحيث تعيش القصص. اكتشف الآن