Can I Have A Seat?

15 1 0
                                    

اليوم الثلاثاء، أكثر أيام الأسبوع إرهاقاً و توتراً، كأنك مهما اجتهدت لن يَنقُص من العمل إلا القليل، و يبقى الكثير، دائماً.

لكن اخترق ذكرياتي ابتسامتها عندما احتست الكابتشينو، كانت تبدو طفولية؛ ظريفة.

ما زال الطريق لإنهاء الكتاب طويلاً و شبه مستحيل بأسبوع واحد، لكني أبذل جهدي، لنرهق أنفسنا اليوم حتى نرتاح غداً، و غداً هو اليوم الذي لم أشاهده قط لكن ربما يأتي، تحلَّى بالأمل يا ديفيـــد !

انتهت فترتي الصباحية، فذهبت للمطعم سيراً، و فتحت نظام تحديد المواقع حتى أجد طرقاً أقصر، و حين وصلت لم أجدها، لن أكذب على نفسي، شعرت بالإحباط الشديد، فجلست و طلبت من كريس كوب كابتشينو ليواسيني، ماذا توقعت من يوم الثلاثاء غير ذلك؟

جلست أطالع دفتري حيث كتبت ملاحظاتي عن البطل و شخصيته و أراجع ماضيه، كنت مولياً جل اهتمامي للدفتر حتى لم ألحظ وجود شخص يقف مستقيماً أمامي.

سمعت صوت نحنحة، فرفعت رأسي لأجدها تقف أمامي، لا أعلم كيف و لماذا جسدي تخدر و لم أتمكن من تحريك أصابعي أو مقلتا عيني حتى.

لم أشعر بذاتي حتى تلون وجهها بالأحمر من نظراتي فوقفت بتوتر، لست النوع الذي يمكنه الارتجال، و لم أتوقع أن أتعرض لموقف مشابه لهذا، فاعتذرت بسرعة و ألقيت التحية عليها، فابتسمت بظرافة سائلة : أيمكنني الجلوس؟
نظرت للكرسي الفارغ أمامي فتستوعبت طلبها و ذهبت لأحرك المقعد للخلف حتى تجلس عليه، قالت أنه لا داعي لذلك لكن لم أرد أن أكون قليل الذوق معها، بالأخص معها.

جلست على المقعد بينما قرَّبت الكرسي للطاولة و عدت لمقعدي و أغلقت اللاب توب و الدفتر و وضعت الدفتر فوقه بينما أنتظر منها كلمة تجعلني أفهم لماذا طلبت الجلوس معي، حتى قالت بهدوء :

"لا أقصد التطفل لكن ماذا كنت تفعل حتى لا تشعر بمحيطك هكذا؟"
"أسف للغاية، لم أقصد."
"لا بأس، أنا أسأل لأنني لم أرى أحداً مندمجاً بدائرته الصغيرة مثلك، فانتابني الفضول."
"آه، أجل، أنا أعمل ككاتب، و حالياً أكتب رواية عن أسطورة إغريقية ما، ففتحت دفتري الذي دونت به ملاحظات عن البطل و ماضيه لأتقمص شخصيته أكثر بكتابتي."

كان ألطف شيء رأيته بحياتي هو نظرتها لي بتلك اللحظة، نظرة كلها انبهار حتى تلألأت عينيها لي، و ابتسامة عريضة يصعب إخفاؤها لعفويتها.

"لم أقابل قط كاتباً من قبل، و أكثر ما أحب القراءة و التعمق فيه هو الأساطير الإغريقية، حتى أنني كلما قرأت أكثر علمت مدى قلة ما أعلمه عنها."
"معكِ حق، الأساطير الإغريقية القديمة تقريباً بلا نهاية، و حتى أكثر القصص واقعية تبدو خيالية، و أكثر القصص خيالية تشعرك بأنها واقعية و عواقبها تحدث بحياتنا اليومية بصورة رتيبة بعض الشيء."
"تماماً، هذا ما كنت أفكر فيه بخصوصها، إنها جميلة جداً."

لو كان لدي الشجاعة الكافية لقلت (لكنها لا تضاهي جمال ابتسامتك هذه) لكني جبان، لست بطل قصة مهيمن ذو كاريزما عالية و شخصية طاغية ساحرة حتى أقول أي شيء يخالجني دون القلق من ردة فعلها.

"عن أي أسطورة تكتب قصتك؟"
"أسطورة بيجميليون."
نظرت لي بعينين تطلب مني تكرار الكلمة و التوضيح، فأكملت "بيجميليون هي أسطورة عن ملك قديم، كان يهوى النحت، و لم يتمكن من اختيار المرأة المثالية بحياته، لذلك قام بنحت تمثال لامرأة بغاية الجمال، و وقع بحبها، و رآها المرأة المثالية."

تلألأت عيناها مجدداً، ذلك ما أعطاني الجرأة لأتحدث أكثر عن كتابي و أحداثه، كلما تحدثت أكثر، كلما نظرت إلي بتعمق أكثر فأكثر، و تقدمت بكرسيها أكثر و أسندت رأسها على كف يدها بينما تنظر إلي بتمعن، فاقتربت أكثر بينما أسندت مرفقي على الطاولة و تحدثت بكلتا يدي بعفوية.

لم نشعر بالوقت، كانت ردود فعلها اللطيفة على حديثي يجعلني أرغب بالحديث أكثر فأكثر حتى لا تتوقف عن النظر إلي هكذا، كانت مشاعري مكشوفة للغاية لكريستوفر الجالس خلف البار مبتسماً لنا، و لم أشعر بوجود أحد غيرنا بالمطعم.

فقط أنتِ، و أنا، و نحن، و معاً.

A Day With YouWhere stories live. Discover now