الفصل الرا بع والعشرين

4.7K 316 9
                                    

||^ أغـصان الـزيتـون ^||

الفصل الرابع والعشرون :-

"بينما تعتقد إنكَ حُرٌ طليق، تكتشف إنكَ مُقيدٌ ذليل."
_____________________________________
بقى گالصنم المحكوم بسلاسلٍ حديد، لمدة تزيد عن ساعة كاملة، اختلى فيها بمكتبهِ بعدما نوه على الجميع بإنعدام رغبته لرؤية أي أحد. لقائهما - المهني - الأول ومواجهتهم في قضية حساسة كتلك، كان أمر تقبّله عسير عليه، ورغم محاولاتهِ الكثيرة لكي ينسى ذلك المشهد إلا إنه تكرر مرارًا أمام عينيهِ.
—عودة بالوقت للسابق—
تصلبّت كل عضلاتهِ، وحتى عضلات فكيهِ لم تتحرك قيد أنملة، وهو يرى دفاعها المخضرم المحنك، والذي بدا وكأنه مُعدّ له مسبقًا وبشكل احترافي متين :
- وده المثبت قدام سيادتك يافندم، مجرد ما موكلتي لجأت ليا خوفًا من تقديم بلاغ ضد السيدة تهاني وأنا شجعتها بإتخاذ إجراءات فورية تضمن القبض على المتهمة بشكل قانوني وسليم، وبناء عليه أخدنا تصريح من النيابة بالتسجيل للمتهمة ومراقبتها وكل حاجه مثبتة بالأدلة.. عشان كده بطالب بـ محاكمة السيدة تهاني بتهمة التحريض على الفجور وإدارة شبكة كبيرة جدًا للدعارة من أجل إستقطاب رجال الأعمال وذوى النفوذ.
لم يجد "حمزة" ما يقوّي به دفاعهِ، كانت يداه ضعيفة وغير محكمة، لذلك كان يتخبط وكُل همّه الحصول على قرار الإفراج عنها، حتى تتسنى له الفرصة لكسب وقت وإعداد خِطة ينقذها بها من هُنا :
- أنا أعترض على اللعبة اللي أشرفت عليها زميلتي المحامية للإيقاع بموكلتي، السيدة تهاني واحدة من رائدات خبراء التجميل في مصر وليها فروع كتير على مستوى القاهرة الكبرى كلها ولها محل سكن ثابت ومعروف، وبناء عليه بطالب بالإفراج عنها بضمان محلّ إقامتها، لحين استكمال التحقيقات وإثبات براءتها بالأدلة.
لم يقتنع وكيل النيابة بـ أيًا من دفاعهِ، مؤمنًا بإنها وقعت بالفخّ وبدون تزييف الحقائق، حينئذٍ كانت "سُلاف" ترد كي تُفسد الأمر مجددًا :
- الإفراج عن السيدة تهاني لن يُفيد ياحضرت الوكيل، سوى إنه مضيعة للوقت وإهدار للحقوق وكمان في محاولات دنيئة للتلاعب بالأدلة.
فـ لم يقف "حمزة" أبكمًا وهتف أيضًا :
- ده إتهام مسمحش بيه ياأستاذة، النيابة بنفسها هتشرف على القضية خلال فترة التحقيقات ومستحيل تغضّ بصيرتها عن أي تلاعب.
لاحظ وكيل النيابة إحتمال تطور الأمر بينهما، فـ تدخل باللحظة المناسبة لفضّ الإشتباك بينهم قبل أن يبدأ، وضرب بـ يُسراه على سطح المكتب وهو يهتف بصياحٍ :
- بــس.
ساد الصمت المريع فجأة، حتى هتف وكيل النيابة قائلًا :
- أكتب عندك، قررنا نحنُ......
—عودة للوقت الحالي—

وضع "حمزة" أصبعيهٍ أعلى أنفهِ، ليضغط عليها قليلًا بعدما أصابهُ شعور بالدوّار، فـ انفتح الباب على مصرعيهِ، ودلف "راغب" ثم أغلقهُ من خلفهِ وهو يسأل بعجالةٍ :
- حصل إيه أحكي بسرعة ؟.
زفر "حمزة" وهو يرخي رأسهِ للخلف قليلًا و :
- خدت حبس أربع أيام على ذمة التحقيق.
ذمّ "راغب" على شفتيهِ بحنق، وجلس قبالتهِ منزعجًا وهو يسأله :
- طب وبعدين!.. اللي فهمته منك إن الفخّ مطبوخ على الهادي.
ضرب "حمزة" على سطح المكتب ضربةٍ عنيفة، أسقطت  الإطار الذي يحمل صورتهِ وشقيقتهُ، ونهض مندفعًا وهو يقول :
- تهاني وقعت ولا حد سمى عليها!.. طالما بنت الـ ×××× حطيتها في دماغها يبقى هتجيبها أرض.
أعترض "راغب" على ذلك وقد صدح صوتهِ المنفعل :
- ما شاء الله شايفك خلاص اتأقلمت مع فكرة إنك متجوز المحامية وكمان بتعلّي دماغها علينا!.. جرالك إيه ياحمزة!!.
فـ انفجر "حمزة" بغضبٍ كان يكتمهُ لساعاتٍ طويلة، حتى فاض به الكيل وطفح :
- لأني عــرفـتها!.. فهمت إنها مخططة من فترة وسابقة خطواتي وهتفضل سابقة طول ما أنا مش عارف هي مين وعايزة إيه مني !.
هدأ صوتهِ نسبيًا وهو يتابع :
- بس هعرف، حسنين قرب أوي يوصل للي أنا عايزه.. ولما أوصل مش هيبقى ليها نفس في الدنيا.
- وتهاني؟؟.
أشاح "حمزة" بوجهه وهو يهتف بـ إقتضاب :
- لو معرفتش أوصل لثغرة هنسحب من القضية، مش هغامر بقضية خسرانة معروف نتيجتها وأضحى بسمعتي.
لم يروق الأمر لـ "راغب" كثيرًا، وتبيّن ذلك على تعابير وجهه المتجهمة :
- وتفتكر تهاني هتعدي لك موقف زي ده؟.
- كل واحد ينشغل بهمه ياراغب.
انحنى "راغب" ليحمل الإطار الذي شُرخ زجاجهِ، نظر للصورة نظرة خاطفة غير مُلفتة للأنظار، ثم وضعه على المكتب وهو يسأل بفضولٍ شديد :
- عملت إيه في موضوع أختك؟.
تغضن جبين "حمزة" بذهول، والتفتت رأسهِ لينظر بطرفهِ بنظرةٍ متعجبة :
- إيه اللي وصل الموضوع ليسرا مش فاهم!.
فأجاب "راغب" على الفور لئلا يُثير شكوكهِ :
- لما قولت كل واحد يتشغل بهمه افتكرت الهموم اللي على ضهرك.
تنهد "حمزة" وهو يجلس في مكانهِ، ثم أجاب بفتورٍ غير مقصود :
- ولا حاجه، لسه حتى مكلمتهاش!.
- طب ونضال ورضوى وباقي المكتب فين؟.
- عندهم قضايا برا شغالين عليها، في آ....
انفتح الباب بغتةً، ودلفت منه "سُلاف" وهي تحمل سُترتها السوداء ، بينما خلفها موظفة الإستقبال التي صاحت بـ :
- والله حاولت أمنعها آ....
كان "حمزة" قد وقف عن جلسته على حين غُرة وهو يقول :
- روحي انتي دلوقتي.
رمقها "راغب" مستهجنًا وهو يردف بـ :
- مش للدرجادي!.. مش معقول رجلك هتاخد على هنا كمان!.
وضعت "سُلاف" حقيبتها الشخصية والحقيبة الجلدية الكبيرة جانبًا، ثم جلست قبالة المكتب وهي تردف بثباتٍ وهدوء :
- أنا جاية أتكلم مع زميلي المحامي شوية، في عندك مانع؟.
وقبل أن ينطق "راغب" بكلمة واحدة كان "حمزة" يتخذ قرارهِ :
- سيبنا دلوقتي ياراغب.
تلوت شفتي "راغب" وهو يوزع نظراتهِ عليهما، ثم سحب نفسهِ دون تعقيب واحد، فقط أشار لـ "حمزة" بعينيهِ گدلالة بإنه يحتاج للتحدث إليه فيما بعد. أغلق الباب عليهما، فـ سأل "حمزة" :
- أختفيتي بعد قرار وكيل النيابة!.. خير ياحضرت المحامية؟.
ابتسمت بغرورٍ تشكّل على وجهها، وأردفت بـ :
- سيب القضية الخسرانة دي.. وفر على نفسك وعليا حرب آخرها محسوم.
انحنى عليها، استندت يداه على الطاولة المستطيلة التي تفصل بينهما، وتغلغلت أنظارهِ بداخل عيناها القاتمة التي أوشكت على السواد، متعمدًا إرباكها بسؤالهِ :
- إيه السرّ اللي وراكي؟.
بقدرٍ ما تحلّت بالشجاعة، ورسّخت الهدوء في بواطنها كي لا يرى إخفاقها في عيناها :
- كل واحد غلط غلطة هيدفع تمنها، ده العدل اللي عايزه أحققه.
استمر في النظر إليها، مُعتقدًا إنه اقترب من مُراده، وسيحصل على جوابه منها الآن :
- وأنا.. إيه الغلطة اللي هدفع تمنها؟.
وضعت يدها على كتفهِ، شددت قبضتها عليه قليلًا، ثم هتفت بـ :
- حياتك كلها غلطة يابيبي.
ودفعتهُ كي تنهض عن مكانها و :
- والغلطة دي اتسببت إن في طفل لسه مخدش تطعيمه عشان ملهوش شهادة ميلاد.
وقفت أمامه كأنها تساوي نفسها به، فـ ضحك وهو يرنو إليها، ليقول بوقاحةٍ متعمدة :
- ليه هو أنا ضربتك على إيدك؟!. غصبتك عشان تشاركيني سريري ليلة كاملة!.
وفي لمح البصر كان ذراعهِ تطوّق خصرها لـ يُلصقها بصدرهِ، ويضمها إليه ضمةٍ عنيفة وهو يتابع :
- كله كان برضاكي وكنتي مبسوطة أوي وانتي بتسلمي نفسك لحضني.. ولا نسيتي الصور اللي غفلتيني وصورتيها وعقد الجواز اللي سرقتي مني نسخته!.. معقول لحقتي تنسي يابسبوسة؟.
كان الغلّ يتقافز من عيناها، ونبرة الحقد الكريهه تخرج من بين شفتيها گالسُم لينبثق في وجهه :
- منسيتش يا بيبي، أوعى انت تكون ناسي الليلة دي!.
انفتح الباب بغتةً للمرة الثانية على التوالي، لتصطدم "ميّان" برؤية هذا المشهد الذي كان معناه واضحًا - بالنسبة بها -. أفلتها "حمزة" على الفور، وقد أصابتهُ رؤية "ميان" بالإرتباك خوفًا من إتجاه أفكارها للإتجاه الخاطئ، بينما كانت "ميان" تزجرهُ بنظراتٍ محتقرة ، حينئذٍ لم تفوّت "سُلاف" الفرصة وتدخلت لتقول :
- في حد يدخل كده على واحد قاعد مع مراته؟.. دي قلة زوء أوي يعني!.. أفرضي يعني آ....
وعضّت على شفتها كأنها أصيبت بالحرج، حينما رماها "حمزة" بنظرات شزرة وهو يزأر بـ :
- أخــرسي خالص.
أسرعت "ميان" بالخروج من هنا، فـ لحق بها "حمزة" متعجلًا وهو يناديها لتتوقف :
- ميان أستني، والله إنتي فاهمه غلط.
فـ صاحت "سُلاف" من مكانها بالداخل :
- أجري بالراحة يابيبي أحسن تقع على وشك!.
ثم أطلقت ضحكة مستمتعة وهي تهمس بـ :
- براڤو عليك ياعِبيد، حقيقي يعني.
أخرجت هاتفها من جيب بنطالها الخلفي، فوجدت مكالمة فائتة من "عبيد" وقد أتصل عليها لـ إبلاغها بوصول "ميّان" بالأسفل...

رواية "أغصان الزيتون" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن