مـديـنـة المـوتـى

Start from the beginning
                                    

ربط فرسه بجزء بارز بجانب أحد المنازل الملاصقة للمقهى، ثم جلس على أحد الأقفاص الخالية والجميع ينظر إليه كأنهم يترقبون ما سيفعله، جاءه القهوجي فطلب منه ماء وينسونا ومعسلا.

وبدأ الجالسون يتهامسون بأنه ليس مصريا بعدما لاحظوا لهجته الثقيلة التي تبتعد عن لهجة أهل الصعيد .. قال بعضهم إنه ربما من أحدى قبائل اليمن، ونفى آخرون ذلك.

جاء القهوجي يحمل الماء والينسون، عندما سمع مهران صوتا يقول بمودة :

"نرجو أن يعجبك ينسون المقهى"

نظر مهران خلف جهة الصوت، فوجد رجلا يدخن (شبك دخان) الذي يشبه الغليون لكن قصبة تدخينه تزيد عن المتر، فابتسم بطرف فمه وهو يقول:

"بالطبع سيعجبي "

"يبدو انك غريب عن بلدتنا"

قال الرجل العبارة متقطعة وهو يستنشق الدخان بين كل كلمة وأخرى، فاعتدل مهران في مجلسه ووجه جسده ناحية الرجل ليظهر له الاحترام قائلا :

"لهجتك غربية، فلا هي تشبه أهل المحروسة ولا أهل البحر"

قال العبارة رجل آخر بلهفة محاولا معرفة المزيد عن مهران، الذي نظر له قائلا :

"لست مصريا في الأصل .. لكنني أقيم في المحروسة منذ سنوات"

غموض مهران في عبارته المقتضبة جعل الفضول يسري بين الزبائن :

"أنت من اليمن، أليس كذلك؟"

"لا .. بل من بلاد فارس"

"فارسي.. نسمع الكثير عنكم"

أنزل القهوجي الشيشة لمهران، الذي تناول ذراعها ووضع المبسم في فمه وهو يقول بطرف شفتيه:

" وهل تسمع خير أم شرّا؟"

"كل خير بالطبع، لكن يبدو أنك تطبعت بطباع المحروسة بسرعة، فأنت تدخن المعسل بحرفية"

في تلك اللحظة كان وجه مهران جامدا، وقد ركز عينيه المتسعة على محدثه ودخان المعسل يخرج كثيفا من أنفه ....

"طباع بلاد فارس لا تختلف كثيرا عن طباع أهل مصر"

قالها مهران ثم دق بطرف ذراع الشيشة على قاعدتها الزجاجية قائلا:

"كلمة الشيشة أصلها من بلدي، فنحن نقول شيش، ونستخدم الشيش الزجاجية في التدخين في كل مكان، لكن التبغ الذي نستعمله أثقل بكثير من المعسل هنا"

"سمعت عن المعسل الإيراني لكنني لم أجربه من قبل"

- "ربما في زيارتي القادمة أحضر لك بعضه لتجربه"

ابتسم الرجل، في حين قال آخر:

"وهل جئت بلدنا لتجارة أم زيارة؟"

"جنت لتوصيل أمانة .. مبلغ من النقود لثلاثة رجال"

"من هم؟ "

- يوسف العطار وأحمد بن يزيد وأحمد بن إبراهيم بن محمد"

العائد  للكاتب : حسن الجنديWhere stories live. Discover now