١_ ما ذنبي.

446 9 1
                                    

#أخر_الأنفاس
(1) ما ذنبي؟

تستمع إليه بإهتمام، أصابعها تجري فوق الأسطر تدون كل ما يتفوه به، لا تريد أن تضيع منها كلمة واحدة، فحتماً سيأتي بأحد تلك المفاهيم بالإختبار، زفرت أنفاسها أخيراً حين أنتهى من شرحه، فأسرعت وجمعت كل أشياؤها وغادرت قبل أن يغادر أو يتحرك من مكانه، و غفلت عن نظراته المتابعة لها وهرولت، وهي تدعو الله أن تلحق بالحافلة قبل أن تفوتها.

أقتربت من محطة أنتظار الحافلات ولمحتها حافلتها تتحرك فصاحت بصوت عال وهي تعدو لتوقفها:
-"أستنى لو سمحت، لو سمحت".

لم ينتبه لها سائق الحافلة وغادر قبل أن تصل إليه، فضاعت صرخاتها سُدى، ووقفت تتلقف أنفاسها بضيق وهي تتلفت حولها، تُمني النفس بظهور أخرى، بهتت ملامحها وتملكها اليأس فالطريق أمامها خال ولا أثر لأي شيء، كادت تبكي وهي تحدق بساعة يدها حين أشارت إلى السابعة فأدركت بأنها هالكة لا محال، فأمامها نصف الساعة فقط ويصل شقيقها شرف إلى المنزل، وحين يكتشف تأخُرها، سينزل عليها عقابه حتماً كما هو الحال دوماً.

تاهت بدوامة أفكارها الحزينة، ولم تنتبه لسيارته التي توقفت بجوارها، إلا حين أطلق الزمور بإلحاح، إلتفتت ورمقت السيارة بغضب دون أن تتبين وجه سائقها وصاحت بحنق:
-"إيه يا أخينا في إيه عمال تزمر لما صدعت دماغي وبعدين ما الطريق فاضي أدامك، وأنا مش معطلة السكة علشان توقف لي بالشكل دا".

سمع صوتها العالي وكلماتها الحانقة فغادر سيارته وتطلع إليها بوجه خال من الأنفعال، لتشهق بذعر ما أن وقع بصرها عليه، فأغمضت عيناها وهمست بخوف:
-"أهو دا اللي كان ناقصك يا نعمة، عجبك كدا أديكي شيلتي المادة والحمد لله".

تابع تلون وجهها أمامه فقرر أن يرد لها ما فعلته فاخفى ابتسامته وعقد حاجبيه وهو يتطلع إليها ليبدو وجهه لها نذير شر ليؤكد ظنها بقوله:
-"هو مش أنتِ اللي خرجتي من المحاضرة قبل ما أخرج.

كادت نعمة تنفي وتخبره بأنها ليست من يظنها ولكنها تراجعت فحتماً إن علم بكذبتها سيعاقبها وستكون عبرة للجميع فاومأت بوجه باهت مترقب لتيبادلها النظرات بوجوم وقال:
-"على فكرة يا أنسة أنتِ خرجتي قبل ما تسمعي كلامي عن الأسئلة اللي هتيجي فالأمتحان و".

أخافه شحوبها المفاجيء فتحرك متجاوزاً سيارته ووقف إلى جوارها وهتف بقلق:
-"أنتِ كويسة يا أنسة، مالك وشك أبيض مرة واحدة كدا ليه تحبي أوديكي للمستشفى".

ازدردت لعابها وتبدلت ملامحها بثوان لتبدو أمامه كالبلهاء بنظراتها المتسعة وفمها المفتوح، وحين لوح بكفه أمامها أنتبهت نعمة لمدى قربه منها فتراجعت إلى الخلف لتضع فاصلاً بينهما، أثار تصرفها حنقه فضيق عيناه وعقد حاجبيه وهو يتابع حركتها العصبية التي فعلتها تالياً، حين قضمت أحد أظافرها، فزم شفتيه وقال موبخاً إياها:
-"نزلي إيدك إنتِ فالشارع، وميصحش أنسة فالجامعة تقرقض فضوافرها بالشكل دا، وبعدين أنتِ مردتيش عليا لحد دلوقتي، لا بأعتذار علشان خرجتي من المحاضرة قبلي، ولا حتى جاوبتيني لما سألتك مالك، إيه هو أنتِ متعرفيش إن من الزوق لما حد يكلمك تردي عليه".

نوفيلا. آخر الأنفاس. بقلم منى أحمد حافظ. Donde viven las historias. Descúbrelo ahora