الفصلُ السابع: إلى المقصلة

ابدأ من البداية
                                    

رحتُ أراقبُ الشوارع والأبنية التي بدأت تظهر في طريقنا كي أعرف أين نحن، ومتى أطلب منه النزول، هاجسي الأكبر هو أن أضل الطريق، وجدتُ أخيرًا العلامة المميزة، محل حلوياتٍ حفظت شكله، فطلبتُ منهُ النزول هناك.

ترجلتُ من العربة وأنا أشعر بساقي رخوتين وخدِرتَين، جررتهما جرًّا حتى أقفَ جانبًا، بضع ثوانٍ أستعيد فيها لياقتي وأهدئ رأسي الدائخ، كل شيءٍ بدا ضبابيًا كحلمٍ لولا سهام الشمس التي انهالت علي ساعة حطت قدمي على الشارع. لم يكن هناك ما يكفي من الظل كي يحميني، فعجلّت بالسير كي أتجنب الزحام والشمس على حدٍ سواء.

سرتُ في تفرعات الشوارع بعيدًا عن ضوضاء الشارع الرئيسي، حرصتُ على أن أُبقيَ حقيبتي وكيسي على جانبي الذي يقابل الرصيف، اشتريتُ لهم شيئًا أظن أنهم يحبونه، رغم أنهم لا يستحقون ذلك، لكنني أُريد أن أكون صادقةً حين أخبرها أنني حاولت، لقد فعلت.

تأملتُ المباني من حولي، مأخوذةً بسحر اللحظة الأولى والبهاء الذي لوّنت بهِ خيوط الشمس زخارف العمارات وشرفاتها المزدحمةَ بالنباتات أو حبال الغسيل المتخمةَ بالثياب، فشعرتُ بقلبي يستكين لهذا الجمال الهادئ، استعدتُ اتزاني، وانتظمت أنفاسي وضرباتُ قلبي، وسرعان ما لاحت العمارة المنتظرة في الأفق.

ولجتُ العمارة من بابها الحديد العملاق المزخرف، حياني حارس العمارة ببسمةٍ عابرةٍ لكنني لم أجبه، لمَ يتودد لشخصٍ لا يعرفه؟ أشعر أن الحارس أحمد قد طاردني من هناك إلى هنا.

يقبعُ منزل جدتي في الطابق الأول، فصعدتُ السلالم وأنا أستعيذ بالله من الشيطان، لم أُرِد أن يتكرر ما حصل المرة الفائتة، ليس لأجلهم بل لأجلي، لستُ مستعدةً للوقوع في شباك الضغط أو السكر من فرط ضيقي وغضبي في هذا السن، إنه آخر ما أبحث عنه في هذه الحفرةِ الموحِلة.

قرعتُ الباب فورما وصلتُ لأنني كنتُ عطِشةً، ولا وقتَ للظنون أو الخيالات، بعد برهةٍ قصيرة فُتِحَ الباب، لكنني لم أتعرف على الواقفةِ، راجعت رقم الشقة تحسبًا، إلا أنني لم أخطئ، إنه منزلها، منزلي.

- أهلًا يا نورة! تفضلي تفضلي، أنتِ أجمل من الصور بكثير!

فاجأني استقبالها الحفي، فدخلتُ، وسرعان ما لمحتُ الصغار الذين آلفهم وراءها، فهتفوا: نورة! 

خفقَ قلبي بهجةً في تلك الثواني الضئيلة، وإن بحثتُ عن سببٍ معينٍ، فلا أظن أنني سأجده، ما السر في ابتسامةٍ حنونٍ وصدرٍ رحبٍ؛ واسمي الذي سمعتهُ آلاف المرات، لكن قلبي اختلج حين صدر من أولئك الغرباء؟

تابع الأولاد الحديث: هذه نورة يا ماما.

نبسَ الأطفال وأنا أصافح السيدةَ وأُقبّل خديها كما جرَت العادة، كان عطرها ناعمًا وجميلًا بقدرها، وسرعان ما أدركتُ هويتها، إن كانت أمهم، فهي زوجةُ خالي الأصغر التي لم تحضر فاجعةَ المرةِ السابقة.

المغضوب عليهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن