الفصلُ السابع: إلى المقصلة

263 37 97
                                    

تعوذتُ من الشيطان للمرةِ الخامسةِ هذا الصباح، منذ استيقظتُ على حلمي الجديد، لم يكن غريبًا، لم يحصل فيهِ ما يُريب، كنتُ خارجةً من العمارةِ التي تقع فيها شقة جدتي، راقبتُ نفسي في انعكاس مرآةٍ كانت معلقةٍ قُرب المدخل، كنتُ أحمل أشياء كثيرةً لم أتعرف عليها، وارتدى وجهي حزنًا غريبًا، رغم أنني كنتُ أبتسم حين نظرتُ إلى المرآة، ماذا سيحدث في هذا اليوم؟

كلما استيقظتُ بعد هذه الأحلام، كل ما يتردد في رأسي هي كلمات أبي، المغضوب عليها التي تخلّت عنه، لقد تخليتُ عنه، قصدًا أو دون قصد، لكنني لن أُفكِّر في هذا الآن.

كنتُ جالسةً في الحافلة المتجهة إلى المحلة الكبرى، وحالفني الحظ بما يكفي كي أجد مكانًا قُرب النافذة بما أن الوقت مبكرٌ، عُلِّقت ستارةٌ رديئةٌ عليها، تتطاير مع الهواء كي تحمينا فرضًا من الشمس، لكنني أزحتها جانبًا كي أتأمل الطريق. لم يكن فيه ما يميزه، ربما بعض الحقول الممتدة على مد البصر، روائحُ غريبة لمحروقاتٍ أو أشياء أخرى لا أعرفها، وسائق العربة قد قرر بدء يومهِ بأغاني المهرجانات المقيتة وهو يدخن سيجارةً، أشك في أنها حشيشٌ لسببٍ ما بعد كل القصص التي سمعتها عنه.

جلست قُربي سيدةٌ بدت في عمر أمي، فلم أكلف نفسي عناء وضع حقيبتي بيننا، لا يبدو أنني سأحتاج للمقص في جيبي في الوقت الحاضر.

أرحتُ رأسي على النافذة قليلًا، لم أسافر بمفردي من قبل، كانت مرةً واحدة، يوم تركت جدة ولحقت بأمي، لم تكن رحلةً جميلة، لا أستطيع أن أتذكر ما وقع فيها، أو من كان جالسًا قُربي، كنتُ مغيبةً أغلب الوقت، تحرقني حنجرتي، وتلمع عيناي وكأنني شهدت ما يُفجِع. حينذاك لم أودع أبي، كان واقفًا ورائي يراقبني وأنا أجر حقيبتي، أوصلني السائق الذي اعتاد أبي على توظيفه، كان يبدو حزينًا حين افترقنا في المطار، لعلهُ شعر أنه لا شيء سيعود كالسابق، لقد خسر بيتهُ مثلي.

لم أرِد أن أضع هذه الذكرى نُصبَ عيني، لأنها ستدور وتدور إلى الأبد، طوال الطريق الذي قد يستغرق ساعةً أو ساعةً ونصف، كان يجب أن أعانقهُ قبل أن أذهب، أليس كذلك؟ أكرهُ ما أصبَح عليه، لكنني لن أنسى ما فعلهُ من أجلي، لم يتصل منذ أيام، حتى راودني هاجسٌ غريب، لعلهُ فعلها، قرر ألا يحبني بعد الآن، رغم أنني قلتها له، لكنني لم أُرِد أن يحصل ذلك.

أخرجتُ سماعاتي ووضعت بعض الأغاني كي أستمع لها بدلا من التلوث الذي يبثهُ مذياع الحافلة، ثم حاولت قراءة إحدى القصص المصورة التي أتابعها، أرغمتُ نفسي على قراءتها بدلًا من التجول في سناب شات أو  الانستقرام، بحثًا عن كل ما يؤذيني ليس إلا.

غصتُ في فصولها دون أدرك، لم أقرأها منذ شهورٍ، منذ ساءت الأمور هكذا، لم أعد أستمتع بفعل أي شيءٍ تقريبًا، لأن لدي ما أفعله أو أدرسه أو أقلق وأحزن بشأنه. انقضى الوقت سريعًا، أسرع مما ظننتُ على الأقل، فبحسب رحلتي الأخيرة من منزلهم إلى سكني، شعرتُ أننا سنظل على الطريق للأبد.

المغضوب عليهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن