الفصل الثاني: جرحٌ يمشي.

462 61 129
                                    

- يا إلهي، من يضعُ محاضراتٍ عملية من التاسعة صباحًا؟

تذمرت نورهان عاليًا وعمدًا، فقد كانت القاعة كلها في حالةِ فوضى، والساعة تجاوزت التاسعة بأكثر من ربع ساعة، لم يظهر الدكتور الدكتور المسؤول بعد، ولهذا تدخلت ميرنا بتعليقاتها الساخطة: إن كنا المتأخرين فنحن الملامون، إذا وصلوا متأخرين فالأبواب مفتوحة!

يا لها من بدايةٍ جميلة بعد ليلتي البارحة! تركتهن يثرثرن في حين انشغلتُ في أمرٍ أهم، كنت أبحث في قوقل عن تفاسير للأحلام، رؤية الغائبين، رؤية الأموات، لا يوجد شيءٌ عن رؤيةِ المخطوفين أم ماذا؟

شعرتُ أن الأصوات تباينت برهةً، يبدو أن بدر الدجى قد وصلَ أخيرًا، رفعتُ رأسي كي أُلقيَ نظرةً عليه، بدا في نهايات أربعينياته، يرتدي معطفًا كُحليًا لا أعرف كيف تحمّلهُ مع حرارة الأجواء المتصاعدة.

وقفَ بُرهةً أمامنا، فظننتُ أنهُ ينتظر وصول شيءٍ ما، لكن حين لم يبدر منهُ أي تصرف، عرفتُ أنهُ ينتظرهم كي يصمتوا من تلقاء أنفسهم، نوعٌ من الأسلوب الصامت السخيف، لكنني لم آبه به، فلم أكن أتحدث بجميع الأحوال.

لعل هذا كان خطئي، أنني لم آبه، خفَتَت الضوضاء قليلًا لكن الهمسات ما زالت مزعجة، أحسست أنه تقدم نحونا حيث كنتُ أجلسُ في نهايةِ الصف الأول، فتضاءلت الأصوات أكثر وأكثر فنويت وضع هاتفي جانبًا، لكنني شعرتُ بآخر شيءٍ قد أتخيله، هاتفي يُسحَبُ مني بغتةً ودون استئذان!

ألجمتني الدهشةُ بُرهةً قبل أن أرفع رأسي وأرمقهُ بامتعاضي المُهذب، حتى الآن، قرأ صفحات بحثي ثم رمقني باشمئزازٍ وسأل بحنقٍ مكبوت: ألم أدخل؟

حدَّقتُ فيهِ متعجبةً من عبثيةِ الجُملة، ثم اقترب من نورهان حيث كانت جالسةً قُربي، وسألها: أيُرضيكِ هذا يا دكتورة؟

ارتبكت نورهان هي الأخرى، ولم تأتِ بأي رد فعل، بدا من النوع المخبول الذي سيُلومك لأن السماء تُمطر، لكن مخبلونا المُميز لم يكتفِ بذلك، بل مررَّ هاتفي على كل الموجودين في القاعةِ تقريبًا تحت وطأةِ صمتٍ خانقٍ، وهو يُردد السؤال العبثي: أيُرضيك هذا؟

كان يُمكنني المُراهنةُ على كوني الوحيدة الصامتة ساعة دخل من بين جموع النمامين والثرثارات، لكنهُ قرر إذلالي؟ إنهُ مجنونٌ حتمًا.

عاد إلي أخيرًا بعدما أرضى غرورهُ، ثم أمرني: انهضي.

وقفتُ وأنا أتعمدُ إظهار التملمُل في حركاتي، ثم سألني: ما اسمكِ؟

- نورة طارق

- حسنًا يا نورة طارق، خذي هاتفكِ واخرجي من هنا.

حدجتهُ بنظرةٍ مُستعّرَّة، ثم سألتهُ وأنا أتشبث بآدابي: لماذا؟

- أمرتكِ بالخروج، اخرجي.

المغضوب عليهاWhere stories live. Discover now