الفصل الأول: الحياة مع الكراهية

1.6K 104 130
                                    

الحياة، السر الإلهي الذي بُث فينا من اللحظة الصفر وحتى الآن. كلنا نحب الحياة، لكن لماذا نخترع ما ينغصها علينا؟ هذا سؤالٌ لا إجابةَ له.

كنتُ عالقةً في ازدحام القاعة حيث تأهب الكل للخروج، بعدما أنهى الدكتور شرح محاضرته، في أحوالٍ عادية، كان من الممكن أن تكون الساعة الآن الثانية ظهرًا وأنا عائدةٌ إلى منزلنا لتناول الغداء، لكن الساعة تجاوزت الرابعة والنصف عصرًا، وأتساءل إن كان هناك علب إندومي متبقية في الغرفة.

دوى صوت الميكروفون المزعج ساعة نزَعه الدكتور عنه، وتطاير حديث الطلاب مع بعضهم حتى أمسى صاخبًا وثقيلًا على الأذنين، شعرت بهِ يجثم على صدري.

حاولتُ التطلع إلى المدخل الصغير لتلك القاعة كي أتجسس أي بصيص، لكن الأولاد كانوا من يغادرون أولًا، والفتيات واقفاتٍ بانتظارِ دورِهن، ألا توجد واحدةٌ شجاعةٌ تنهي معاناتي؟

- هل كتبتِ آخر شيءٍ قاله الدكتور؟

سألتني زميلتي نجاة، حيث وقفت بالقرب مني، تزحف معي نحو المحشر الذي ينتظرنا، كان وجه نجاة متعرقًا ومتعبًا، لا ألومها، فالجو خانقٌ والمراوح لا تكفي للتخفيف من مُصابنا. سحبتُ الدفتر الذي كنت أكتب عليه ومررته لها، فأخرجت هاتفها والتطقت صورةً للمكتوب ريثما نصِل، ها نحن نقترب.

في الواقع، لستُ مطمئنةً لخروجي، وسرًا، أردتُ البقاء هنا حتى المغرب، لا لشغفي بالدراسة أو تخلفي عن الدروس، بل لأن لدي حدسًا سيئًا ينبئني بأن هناك ما ينتظرني، وذلك الحدس اللعين يتحقق كثيرًا، أكثر مما يجب...

أعادت نجاة الدفتر إلي، ولاحَ الفرجُ وراء الباب الذي اقتربنا منهُ أكثر وأكثر، حادثتني نجاة مجددًا: ماذا ستفعلين حين تعودين إلى المنزل؟

- لا أعرف، سآكل شيئًا وأستلقي، كان اليوم طويلًا! 

أجبتها باقتضابٍ والتذمر يقطر من كلماتي، لا مزاج لي في كلمةٍ أخرى، ولو لا حاجتي للشرح لما ظللتُ دقيقةً  أخرى خارج المنزل. عبرنا الباب المنتظر إلى فُسحةٍ صغيرةٍ، سرعان ما قادتنا لمدخل العمارةِ التي كنا فيها، فشهقتُ بعمقٍ كي أرتوي، الأنفاس الموبوءة في الداخل لا تُحتمل، لا أعرف ما سنفعلهُ في الصيف، سنتعفن!

- من أي طريقٍ ستذهبان؟

سمعتُ نورهان من ورائنا فالتفتتُ إليها، كانت تعدل حجابها الأبيض وترمي طرفهُ الطويل على كتفها الأيسر، فأجابتها نجاة مباشرةً: سنمشي إلى الموقف، ألديكِ طاقةٌ للذهاب إلى أي مكان؟

ضحكت نورهان على تعليقها وقد لمعت عيناها البُنيتان، فهي شعلةُ ما يمكن تسميته بـ«الفريق» الذي لم يحضر منه سوانا، ميرنا ومريم ذكيتان وفضلتا راحتهما على هذا الهراء.

استرسلت نورهان في الحديث وهي ترمقني بنظرةٍ فاحصة: كلا، لكنني فكرت، كانت نورة تشتهي السينابون البارحة فقط على انستقرام!

المغضوب عليهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن