بِغنجٍ وتَأنقٍ، تتَمشى الحَسنَاءُ بِنتُ التَّاجِر أَمامِي،
بَرمَقاتٍ حادَةٍ وعُيونٍ مَعسُولَةٍ تُراقبِني كَيفَ أَخطُو عَازِمًا لوالِدِها، وَكأَنَّها تَستَدعينِي لتَتأَملَ خُلقِي عَن قُربٍ.
أَشرتُ عَليهَا بنَظرَاتِي الشَّغوفَةٍ، تتَحلقُها لاهِجة خَوفًا للوُقوعِ بشَبكِ مُكرِها، فَتِلك العُيونُ شاخِصةَ النَّظرِ خَلفياتُ نَواياهَا كَربي الهَالِك.
"هَل سأَقعُ لك يا ثَعلَبة؟"، قُلت في نَفسي،" والرُّب فإِن سُقى شفاهِك حَلالِي!"
نَظراتُ المَليحَة لا زالَت تتعَقبُني، فكَيف أَلذو مِنها؟ أَأُحكِم عَلى نَفسِي وأَبتعِدُها؟ لَكن أَين المَلاذُ مِن تِلكَ القُرنِيّةِ عَسليِةِ اللَّون؟
وشِفاهٌ تخالِطُ سَيل الدَّم بحُمرتِها؟ ولسانٍ لاهجَ الغرورِ؟ وخُصلاتِ شَقراءَ لامِعة؟ وأَديمُ وجهٍ مَغسولِ ببَياضِ ماءِ الجَنة؟!
إِن تِلكَ العذراءَ هِي أَسمَى ما يُسمى بأُنثى! وَلن تَضيعَ مِن يدَي إِلى عاشِق آخرٍ، أَنت لِي يا فاتِنةَ الجَمع!
لَكن كَيف لرأسيَ المُطأطَأ أَن تلتفَ مُقلتاهُ لفتاةٍ مثلِها؟
ماذا عَسى لهذا الفَقيرِ المنْحوسِ أَن يفْعل؟ لَهجاتِي تضيعُ دونَ جدوَى، فَتلك المَغرورة محطُ ذوي الكُنوز لَيس ذويَّ!
فَلتخرِج تِلك الأَوهامَ المُستحيلةَ من محيّ مُخك وأَكمل عَملكَ يا "هاري"، اتركْ أَجيشةَ الصَّوت وشأنَها وعد لعَملك واترُك تَعبَ العشقِ لأهله.
𓂃𓂃𓂃
تَناوَل شاحُب الوَّجه فتَى العِشرينياتِ المنجَل بيدٍ وحَولَ عيونَ الغَم لرفقائِه متجهِينَ نحوَ حَقل القَمحِ الذهبِي.
كُلما حَاوَلَ تَناسِي وَجه الفَتاةِ ذكَرتُه حَبات القَمح بشقَارها، وصَفو المنجَل اللامِع بلمعانِ عَينيهَا، تِلك العُيون الّتي صعقَتهُ، فلَم يعد يَرى أمامه سِوى جَمال خَلق ممشوقَة البَهية.
"هَل وَقعت بالحُبِ يا هاري؟" همس بنَبرِة مسموعةٍ ليستغرِبه صاحِبه الماكِث جانِبه.
"يا صَاح ما بِك قد شَردت؟ لَقد أَنهيتُ بالفِعل هَذا المَكان لِم تَحفِره بِمنْجلِك؟"
تَجمَّد هاري مِن كلمَاتِ صاحِبه وغصَ وسط قَهقهات الآَخرِ علَيه. ربَّت " إيليم" عَلى كَتف صدِيقه وهمَس بأُذنه:" احفُر جَيدٍا رُبما يَدفِنكَ الرَّئيس لَو رَأى عَينيَّكَ عَلى ابنَتِه مُجددًا".
تَبَّسم هاري لسَماجَة صاحِبه عَلَّه بذَلكَ يتخَلصُ مِنه، لَكن ما باليَّد حيلَة، ولا حيلَة لهاري سوَى العَمل وَسماعِ نِكاتِ إِيلِيم الوَّاهِمة.
YOU ARE READING
Heaven's Railway
Historical Fiction" كُنتِ أخيرًا حينَ تناثرَت على بيادرِ حبّنا القذائف، يا لهُ من حبٍّ آسٍ، يلتَقي عشّاقه يوم مماتهم ". عَزيزي القارئ، في موجةٍ صاخبةٍ من العواطِف، أقدّم ما أقتنيه من كلمات، لأُبرهنَ أنّ الحرب هي أقسى ما يمرّ من أذيّةِ البشر لِلبشر. إنّها قاتلة، ول...
