الفصل الثانى

179 7 0
                                    

الفصل الثاني
تشعر ببرودة المعدن عند مقدمة رأسها تناجي بقلبها....يا الله فليطلق رصاصة الرحمة فكم سيوفر علي مكابدتا ويخلصني من ألمي"
ليصرخ مؤيد بذعر بعد مشاهدة هذا المنظر
"هل ستقتلها!! أنها "دية" جريمة "كامل" بحقكم !!"
ضحك فهد بسخرية وهو يستمع لأبن اعدائه الذي يبدو من صوته المهزوز أنه خائف ...فلولا اجتماع العشيرتين بإيوان الناحية الأكبر لما بقي رجل الأن من "آل السماك" حياً يرزق فمن مات والده "مأمون الصياد" وليس أي رجل!! ...فهو حاميهم ومن كان يخوض معارك العشيرة نيابة عنهم ...آل السماك كانوا يهابونه وتهتز شواربهم عند سماع أسمه فقط وبموته فعلاً فُتحت ابواب الجحيم... آل السماك سينتهزون فرصة لإزاحتهم من الناحية والسيطرة عليها كلها أن لم يتخذ فهد موقفاً مع عشيرته وبسرعة لعودة الاستقرار داخل أراضيهم ...نظر بحقد لمؤيد ليعود ويخفض بصره نحوها يسيطر على انفعاله فيما يريد فعله بها...بينما هي كانت تتنفس بصعوبة بالغة حيث أبعد السلاح اذاً لن يقتلها!! هو يفكر مثلهم ...وجودها على قيد الحياة مهم لإيقاف نزيف الدم ومنع الحرب المحتملة بينهم... يبدو أن الأمر أكبر من مجرد سمعة لعشيرتها وأكبر من مجرد فصلية عند عشيرة الصياد...اليوم أرواحهم جميعاً باتت بخطر محدق ودمائهم قد أصبحت مهدورة وسلاحهم قد حُمل على ظهورهم والقلوب باتت حذرة ومترقبة... لذلك رجال العائلتين سيضعونها بالواجهة ...ام أن هنالك شيء خافي وهو مهول ولم تعلمه يجعلهم غير مستقرين هكذا!!صوت قريب فهد الصياد بدى جليا ومتهكماً
"نحن لا نثق بكم يا آل السماك أليس جدكم من غدر بأخيه الصياد أبن أمه وأبيه!! أنتم مثله لذلك سنكسر القوانين براحتنا وإلا"
نفخ مؤيد صدره بشجاعة مزيفة
"وإلا ماذا "يا عاتك الصياد" يامن لا تستطيع لحد اللحظة دخول معركة وحمل سلاحك كرجل"
عاتك ومؤيد بنفس العمر ويكرهان بعض جداً لكن يتشابهان بالثرثرة الفارغة دون فعل حقيقي ليوقفهم فهد بنظرة محذرة ...سكت قريبه ويبدو أن أبن عمها مؤيد استسلم وصمت ...وفجاءة شاركت الحديث... رفعت رأسها صوبه وبعين واحدة استطاعت فتحها ومازال فهد الصياد بالنسبة لها مجرد خيال لا تستطيع تميزه ليخرج صوتها باهتاً معذباً
"البقرة التي تعاينها معيوبة و لا تصلح للبيعة!!"
لم تعرف مارد فعله فلقد أحنت رأسها ...الحمى لديها مرتفعة فكان النظر اليهم متعب والكلام موجع وحتى التنفس مؤلم... ركع فهد على ركبة واحدة أمامها ينظر بعينيها وصار قريباً جدا لتلمح عيونه الغريبة اللون بصفرتها !! لا تعرف ما يريد الأن بتلك النظرة فمرة أخرى تقع بمواجهة هذه العيون المريبة!!
أن ضربها فلن يضيف شيئاً لوضعها المزرى وأن تركها سيكون أفضل فلم يعد جسدها قابلاً للمسات الرجال طوال حياتها... لم يعد يحتمل تدنسيهم وانتهاكهم وضربهم وجلدهم لها ... يعتقدون أن كسرة جسدها أن كان لمتعة ذاتية أو اهانة وتحقير سيجعلها طيّعة وكانوا محقين بهذا!! أجل اليوم تعترف أن الرجال أذكياء جداً فلا أحد كان سيسيطر على حورية "العصية" إلا بجسدها ومهما تعددت طرقهم بإيذائه... مازال يحدق صوبها دون أن يزيح بصره لتسمع شخره تشبه الاستهزاء من خلف لثامه الأسود ...هز رأسه بعدم رضا ليرفع سلاحه واضعاً إياه تحت فكها يرفع هامتها اليه وبانت نبره الغضب بصوته
"على من تضحكين بتمثيل دور المرأة المهانة!! "
لم ترد عليه تحاول استيعاب ما نطق به فوضعها الصحي بات سيئاً لتفقه كل الأحاديث ... نظر للسلاسل التي تقيدها تحسسها بيده الحرة وكأنه يتمعن النظر لحالها ...صمت مطبق حل ليضيف بعد قليل بوعيد صوبها
"بقرة!!قريباً سأجعلك تندمين على قولها "
تهديد يضاف لقائمة التهديدات الكثيرة بحياتها... يعتقد أنه يرهبها ليأتي صوتها حزيناً اشبه بوشوشة لا يسمعه أحد سواه
"حسناً لتنفذ تهديدك ودعني أندم "
أبعد سلاحه بقوة شعرت بتشنج جسده!!....اعتقدت أنها سيغمى عليها لكنها تثابر بالهلوسة ومستمرة فلولا مرضها لما كانت بهذه الجراءة ....لم تعد تسيطر على فمها فعقلها في غياهب مظلمة حالياً ليرد بحدة وقسوة
"تعتقدين لأنك ضُربت و حُبست كم يوم بالحظيرة معناه انك رأيت ما هو العذاب ولم تعودي خائفة أو مبالية!! كلا يا فتاتي سأخبرك ما هو العذاب والشقاء والمعاناة الكبرى... أنه هنالك بناحية آل الصياد وسيكون بيني وبينك في مخبأي وعندها سأعرفك معنى الندم وسترين أن ما يصيبك الأن عند أهلك هو مجرد عبث فتيان ... وأول ليلة ستكونين بها ملكي سأعاقبك على استهتارك يا حورية السماك"
تحاول البقاء واعية على قدر ما تستطيع من يراها يعتقد أنها شخص مخمور...هذه المرة رفع يده وليس سلاحه يمسك بذقنها بقوة وأبعد شعرها المشعث الملتصق بجانب وجهها بفعل الدم الجاف على بشرتها ليقترب أكثر لوجهها يتفرس بمعالمها المشوهة انه يريد سماع ردها!! حسناً ستخبره كل ما يعتمل نفسها وبشموخ لا يعكس دواخلها المحطمة واليائسة ترد كلماته بوجهه
"سأحقق لكم ما تريدون ايها الرجال وسأرضي غروركم الذكوري وسأجعلكم تتفاخرون بتخويفكم وترهيبكم وتعنيفكم لي بشتى الوسائل وحتى لمساتكم القذرة لجسدي سأسمح بها لكم ومتى أردتم أو أحببتم وسأتأكد من رؤية نظرة الظفر تعلو قسماتكم على مجرد فتاة لاحول لها ولا قوة!! علكم يومها تتركوا ولو جزء بسيط من روحي الغير ملوثة بعيدة عن أياديكم وأرجلكم والسنتكم ونظراتكم ... اتركوها تنطلق وتحقق أمنية صارت حلماً بعيد المنال "
يبدو أنه غضب فصدره يعلو ويهبط بقوة وجحظت عيناه تاركاً وجهها بعد الإشارة "للمساتهم القذرة" لكن عيونه كانت مصوبة لشفتيها التي تنزف مع كل حديث يصدر منها... التفت خلفه بارتباك ليشاهد أن مؤيد وعاتك لاهيان بموقعة كلامية وأحدهما يسخر من الأخر بعدد النساء اللواتي اوقعوهن بحبهم ليستغل الفرصة فيعود ينظر اليها يرفع أصابعه الخشنة يمسح الدم من شفتيها وبصوت أجش يخاطبها
"يبدو أنه كتب علي مسح دمائك كل مرة!!"
شاهدته يمسح أصابعه بملابسه يزيل بقايا دمها منه ويعصر كفه قرب صدره والأغرب عاد يمسك صدغها بظاهر يده ليتركها وكأنها مصابة بمرض معدٍ...كان الان عاقداً لحاجبيه الأسودين المرفوعين بصرامة تشعر أنه يريد ذبحها لكن بنفس الوقت شيء أخر يريده ؟ الدوار وصل أعلاه لتسود دنياها وتنام هاربة منه ومن عالمهم جميعاً معلنة نهاية يوم حزين أخر.
..............................
على الجانب الأخر من "الناحية" تجتمع عائلة الصياد المنكوبة بمقتل رئيسهم ولحد اللحظة لم يُعرف كيف دخل "كامل" الشاب الطائش وكيف تجاوز حدود أراضيهم...الحادث برمته يبدو غير منطقي وغير معقول!! عادة عداء الصياد والسماك كان مجرد اعتداءات صغيرة من الجانبين كتشابك شباب العشيرتين بالأيادي وينتهي برضوض وكدمات أو تسميم مواشي بعضهما وقطع المياه وحرق الزرع أو تلويث جدران المنازل بغية الشغب وكتابة "مطلوب دم " وهكذا ولم يصل الأمر الى الاغتيال كهذه المرة!!... في داخل إيوان "ال الصياد "عم فهد مطأطأ رأسه والذي كان يعتبر اخيه واجهتهم ضد العدو... المفروض اليوم ينصب رئيساً للعشيرة لعودة الأمان لكن مرضه يجعله اليوم يعطي ولايته لأبن أخيه "فهد" ويُفاجأ الجموع !! أخر من توقعوا أن يحكمهم "لأسباب عدة" وأيضا "عم فهد" بعد معرفة حالته الصحية المتأزمة قرر اعطاءه أبنته الثانية " بوران" فقد حان وقت زواجهما لأن الحزن قد أنتهى على أخيه ومن قبله أبنته الأولى التي كانت احدى زوجات فهد وماتت قبل ما يقارب السنة ... اعلن العم الأن امام أبناء العشيرة أن الزواج سيتم بعد أسبوع من تسديد دين "آل السماك" بدفع الدية لهم ...صوت الرجال بنصف إيوان آل الصياد علا بالموافقة لكن كان "لغانم الصياد " رأي اخر وهو "شقيق" زوجة رئيسهم الراحلة كان يعتقد بما أن زوج أخته" أبو فهد "مات والعم مرضه العضال بات بمرحلة متطورة ستنقل الولاية له ...لكنهم اعطوها لفهد الذي لم يتم عامه الثلاثين بعد!! صمت يخفي خيبته ينظر لفهد الذي يقبل يدي عمه المريض ليصل عاتك " ابن غانم " قرب والده الذي يغلي غضباً يحدثه لكن غانم ترك المكان متوعداً أن لا صمت بعد اليوم على هذه الاساءة ...لقد ضحى بالكثير وهو أحق بالولاية من أي احد أخر...جلس فهد بمكان أبيه يتوسط المكان الفخم لا يشعر بأنه منتمي له وابداً لم يرد ذلك فلقد كان له حسابات أخرى لكن عليه تنفيذ الوصية... آل السماك عرفوا نقطة ضعفهم أنه والده " مأمون "لذلك انهوه وعمه منذ موت أبنته "خمائل" زوجة فهد وهو لم يعد كما كان ....فهد تركه يعلن ما يريد فالآن مسؤوليته زادت وكل عشيرته أصبحوا بعهدته وعليه أن يكون أهلاً للزعامة ....ينظرون اليه بترقب حالياً أسيكون هو الحامي كما كان والده!! هم يعلمون اليوم أن آل السماك باتوا مجموعة من الثعابين يلدغون وقت الغفلة ويحتاجون لرئيس يقظ يقي العشيرة شر جيرانهم...فُظ المجلس لاحظ فهد شحوب عمه ليأخذه للمنزل ...استقبلتهم زوجة العم التي اصبحت الآن سيدة منزل آل الصياد لأنها الأكبر سناً ... كانت تنظر لفهد شزراً هي تمقته بشدة منذ موت خمائل وستمقته أكثر عندما تسلمه الأبنة الأخرى ... ليسمعوا صوتها من أعلى منزل الصياد الذي كان يعمه الهدوء تضرب وجهها بقوة تمسك بها عدد من فتيات العشيرة يسكتونها
"لن أنفذ ما تريدون... أختي ماتت لأنكم اجبرتموها أن تتزوج من هذا الوحش وأبنة العم غانم " رحمة" ماتت قبلها والأن تضحون بي لألحق بهن!! "
صعدت والدتها السلالم تصفعها عدة مرات وكممت فمها ليظهر غانم الصياد ينظر مستاء صوبها ... فعلا خسر أبنته "رحمة "ومازال مفجوع لكن ما باليد حيلة فمن أخذها أبن "مأمون" الوحيد والغالي وكان عليه السكوت ارضاء لزعيمهم ...كان يعتقد أنه سيجازى بعدها بالخير لكنه خرج دون عوائد وها هو يركن كما تركن البهائم الكبيرة وتموت ...بالأعلى تحاول بوران الإفلات من قبضة والدتها لتهمس الأخيرة
"اصمتي تريدين ان يقتلكِ!!"
أبعدت "بوران" يد والدتها ومازالت لتضرب صدرها بقسوة
"انتم من جعلني اخسر أختي "خمائل" انتم بجبروتكم وظلمكم ومعاملتنا كالبهائم تجعلونا نموت .... فليفعلها الموت أرحم من عيشة الحيوانات تحت جور الرجال ....نحن مجرد بقرات لكم أليس كذلك يا فهد!!"
تتحداه بعينيها الغاضبة لاتهاب ولا تهتز وعدائها منذ موت أختها مستمر ويزداد يوماً بعد أخر تريده أن يقتلها متعمدة .... لم يحرك فهد ساكناً و لم يشفي غليلها.... بوران أصبحت مخبولة, طوال الوقت تهذي وتقوم بأفعال جنونية وهو شيء يعلمه أهلها لذا والدها يريد ربطها به ليرتاح قبل موته.... ضغط على سلاحه بقوة وأستدار مغادراً لملحقه الذي ينفرد به ولا يسمح لأحد بدخوله نفس جملة تلك الأخرى "بقرة معيوبة"....استدار فوجد فهده الأسود ينام قربه يطالب بأن يمسد رأسه ...هذا الحيوان يحبه ويطيعه لكن بنات عشيرته يكرهن حد الموت ...لتعود لعقله من شاهدها هنالك مربوطة بذل والدماء منتشرة حولها والجرذ كان يتغذى عليها... هذه الفتاة وجهها وصوتها ...نظراتها كلها تظهر مدى رعبها من كل شيء وأي شيء ....نظر لأصابعه مازالت خيوط دمائها هنا ترسم قصة معاناتها .... كانت محمومة بشكل مخيف ...لم يعتقد أنها ستقول تلك الجملة ابداً لتزيد ناره حطباً... والان آل السماك فصلوها له ليضحكوا عليه لكنه سيدمرهم على هذه اللعبة القذرة وسيقلب خدعتهم عليهم وينتقم منهم ....نظر لعيون فهده وضحك باستهزاء
"يبدو أننا سنصطاد سمك قريب ونشويه".
.........................
تذرف دموعاً على مصير سيصيبها لم تكن تريده ...تمنت أن تكون مختلفة لكن اهلها كانوا يعدون العدة ليتخلصوا من همها... بغرفتها أمها وزوجة غانم يحاولن تهدئتها تحتضن وسادة خمائل تشكو وجعها
"لن أتزوج ... اختي ذكراها السنوية بعد أيام لماذا تفعلون هذا!!"
ضربت أمها رأسها
"فلتتوقفي عن هرائك هذا "
"عليك الزواج به والا تم دعسنا ونبذنا من هنا!!"
التفتن جميعاً للوافد ليجدو غانم يقف مغتاظ بباب الغرفة توجهت اليه أم خمائل
"ماذا تقصد يا أبن عمي انا لا أريد اعطاءه أبنتي يكفي الأولى رحلت وأبنتك قبلها أنه لعنة علينا جميعاً "
ينظر لابنة عمه وزوجته لقد كانوا يهيؤون أنفسهم ليكون الزعيم اليوم
ليهمس غانم بعيداً عن بوران اللاهية بحزنها
"أبن العائبة لن يحكمنا يا أم خمائل ....ثقي بأبن عمك والتزمي جانبي ....أنتِ وزوجتي وعاتك لنبدأ بشباب ونساء ورجال العشيرة الكارهين لفهد ونقومهم ضده ونطيح به قريباً"
تحدثت زوجته أم رحمة باضطراب
"كيف وهو بيده مقاليد أمرنا فمأمون سلمه كل شيء يخص الإيوان "
شخر غانم بتهكم
"لن يطول الأمر الأن لننفذ امر والد بوران بالزواج ونرضيه وبعدها لا تقلقوا سيتم المحتوم "
أشار للمرأتين ان يبدأن الخطة وتحشيد الموالين ونشر التفرقة والاشاعات بين الباقي لصالحهم...غادروا لبدء عملهم لتدخل "بسمة" ابنة غانم المقربة لبوران من الجميع وهي من يعتني بها نظرت لحال قريبتها وهيئتها
"بوران صدقيني أنتِ بت أقرب للمجانين لاحظي أن لا أحد يقربك غيري ...انا أيضا خسرت أختي بعد زواجها بفهد وتناسيت وأعيش حياتي.. لا تقولي انك تحبين خمائل أكثر من حبي لرحمة !!"
من بين دموع غاضبة هتفت بقهر
"المؤلم يومها انها بكت تتوسل أن أهربها لكنني خفت وفضلت طاعة الأسياد ...اعتقدت أنني لو كنت مذعنة سأعيش براحة ولو تقيدت بالنظام ونفذت الأوامر دون اعتراض سأصبح أمنة..."
ردت بسمة مقاطعة
"وتمردك خلال هذه السنة لم ينفعك بل صرت مختلة يهابها حتى الاطفال "
بكت بوران بلوعة
" الندم يمزق داخلي وكلمة "ماذا لو" تؤرقني ...ماذا لو تركتها تهرب مع أبن السماك الحقير الذي لعب بعقلها والسخرية هو الأن يعيش وهي من ماتت فقط بالمجزرة"
لترد بسمة بحزن
"فعلتِ خيراً لا يوجد بقاموسنا حب وكذلك احبت أبن أعدائنا فلتنسي أرجوكِ"
مسحت دموعها بقوة
"حسنا ...اذا هي أيام باقية لي بالحياة لكن قبلها على القتلة أن يعاقبوا أليس كذلك!!"
استفسرت بسمة برعب "ماذا تقصدين!!"
" أبن السماك الذي يدعي الفضيلة ويوهم الكل بطيبة قلبه و حبه لمساعدة الفقراء بمشفاه... الا يجب على الناس معرفة صنفه القذر ونواياه الخبيثة ضد بناتهم ليحذروا!!"
ضربت بسمة جبهتها ها قد عاد الجنون اليها لتجاريها
"وفهد هل ستقتلينه أيضاً فبضربه واحدة من كفه سيجعلك تنتقلين لعالم الأموات قبل حتى الزواج "
شخرت بوران بتشفي
"ولما أقتله بينما هي أتية لا محالة "
ضحكت بهستيرية مما جعل بسمة تنكمش بزاوية الغرفة وهي تراها تنهض تسير ببطء للنافذة تنظر وكأنها ترى شيئاً خلف البساتين الكبيرة لتتمتم بشرود
"أن لم أكن موجودة يومها يا بسمة فتذكري... الخاتمة ستكون كحفرة فُتحت من سقر ...لن ترحم حيوانات أو بشر...ستلتهمكم وتترك بقاياكم شذر ...لن ينفعكم يومها غنى أو سلطان و قَدْر ...ها هي قادمة أليكم ... لا أحد سيهرب ولا يوجد مفر !!".
..........................
شبه مستيقظة الأن كانت سرى زوجة أيوب تعطيها دواء مهرب من سنمار وماء وقطعة خبز ....تجرعت الماء ورفضت الباقي ففمها متقرح
"عليك اخذ الدواء أخبرنا سنمار أنه سيخفف الحمى "
همست وهي تبتلع المياه التي علقت ببلعومها
" سأموت بجميع الاحوال دعي الحمى تقتلني "
انتبهت حورية لنظراتها "ما بكِ يا سرى؟"
"الكلام الذي قلتيه لفهد لقد أرعبتني ,فجاءة تحولت لشخص أخر"
رمشت عدة مرات بدأت تتذكر ما حدث ...لتشهق ألم يكن حلم !! الويل لها اذاً على لسانها بدل أن تموت بسرعة تحاول أن تجعل الجميع يتلذذ بانتقامه منها ...نظرت سرى بشفقة اليها
"لما لا تسمحين لسنمار أن يتصل بوالدتك ففكرته جيدة لتنقذك يا حورية وبعد فعلتك اليوم عليك أن لا تذهبي لفهد الصياد ...سيقطعك أجزاء كلنا سمعنا ما حصل لزوجاته ...الأقاويل بكل مكان عن قسوته هو لن يجعلك تموتي بسرعة ...لدينا فرصة واحدة قبل مغادرتك لنصف الناحية الأخر "
هزت رأسها رافضة لتشعر بصداع قوي جداً
"لا... أخبريه أن لا يفعل "
معاندة حورية وتزمتها جعلت سرى تستسلم وتأخذ الدواء وتخرج
لتصطدم بمؤيد شاهدته هو يكز على أسنانه
"اخبرتكِ أن لا تورطي نفسك معها ...ستعاقبين وستعانين عذاباً شديداً"
سحبت نفساً حانقاً
"على اساس أنني أعيش بسعادة ..أبن عمك "ايوب" لا يمضي يوم دون ضربي أو تحقيري وعمك "عايد" يهيني متى ما أراد ناهيك عن معايرة الجميع لي بعدم الأنجاب... ولولا أن أيوب كاره للنساء فهم يومياً يريدون تزويجه من نساء النواحي الأخرى "الخصبات" حسب قول عمكم الأكبر "ناهي" وهو رافض بشدة تباً لكم من عائلة... ابتعد عن طريقي "
وقف أمامها يسد عليها الطريق بتوسل
"أسف لم أقصد تكديرك ..لكني خائف من أن يراك احد منهم فتحل العاقبة عليك وعندها سأتألم لألمك حبيبتي "
"اذاً دعني أساعد المسكينة مادامت هنا "
اومأ مبتسماً "لن أعارضك يا نواة لبي "
ليبان استياءها بعد سماع غزله فهو جذبها بكلماته الساحرة منذ سنوات ...كانت ترمي حزنها على كتفيه ووجدت من يشعرها بأنوثتها... معه تشعر أنها امرأة فعلاً وليست عبدة لتتحدث بخيبة
"لو فعلاً انا كذلك لرضيت بأن اترك ايوب ونتزوج ونرحل لكن أنا مجرد تسلية لك لا أكثر وعندما تمل مني ستهجرني "
ضرب الحائط خلفها بقوة
"اين تعتقدين أنك تعيشين!! يطلقك ايوب فأتزوجك ونرحل ونعيش بسعادة!! يوم طلبك ذلك ستكونين تحت التراب وقبلها أهلك سيغيرون عليهم ويقتلونهم وأنا بعدكم ...الموت هو فقط من يجعلك تتركين منزل آل السماك ...ثم أنا هنا لدي سطوة وعزوة خارجاً سأكون مجرد نكرة لا أستطيع اعالتك ... هل تريدين ان ننهي ما بيننا لقد أخبرتك أنني لن أتركك مالم تطلبين ذلك يا سرى فأنا أفعل هذا من أجل اسعادك لأنني جبان لأحقق لك ما تتمنين سامحيني "
نظرت بحزن اليه هي تعرف هذا الشيء وتمنت شيء مستحيل ...لن تنهي العلاقة هذه ستمتع نفسها كما يفعلون وحتى النهاية ستهين أيوب واهله وتنكس رؤوسهم بالعار ....لمحت حزنه كان سيغادر لتوقفه
"حسناً نواتك تحتاج لتغير مزاجها "
شاهدت الغبطة بعينيه ليهتف
"لنذهب عند البئر أول مكان جمعنا ولنستعيد أيامنا الماضية وأنسي كل من هنا"
طاوعته ولحقت به فهي لم يعد يهمها شيء وستسرق ساعات لتسعد نفسها ولو كانت سعادة تجلب الهلاك المحتم....صمت حل خارج الحظيرة علمت حورية أن رجال آل السماك قد غفوا مرتاحين.. مشبعين بطونهم ..متدثرين تحت لحافهم الوثير وسعداء بما فعلوه بها... تجرفها الذكرى مرة أخرى لماضيها فهو من صنع هذه الحورية اليائسة المستسلمة.
...........................
"قبل ست سنوات"
عادت والدتها يومها تراها ترتعش بعدها بمدة تسمعهم من خلف باب غرفتها ....صرخت امها وضربت وحطمت الأثاث ليرد منجد بغضب
"لم أرد فعل شيء أمامها ... كنت ثمل لم أعرف ما أفعل صدقيني لو كنت صاحي لما فعلت "
تصرخ أمها وتضرب خدودها
"لديك عشيقات كثر... لديك أفلام بذيئة لديك كل شيء متوفر يمتعك لما جئت صوب أبنتي لما جعلتها تعاني!!"
يبدو أنه أصيب بنوبة هستيرية هو الأخر ليخرج ضارباً الباب الخارجي بقوة مفزعة ...عادت امها لغرفتها تشعر بحزن كبير افترشت الأرض لتسحب صغيرتها لحضنها تطبطب ظهرها باكية
"المفروض الأن كأم لك ان أشكيه للشرطة أو أضعف شيء أن نرحل ....لكن انا عرفت ما معنى "مطلقة" هنا ومع أبنة ولوحدنا معناه أن تعاني وتشير العيون عليك بالعهر ...مجتمع الحرية لا يقبل أن تتحرري وتعيشي "بحرية"...مجتمع الحرية لا يقبل أن تطالبي بحقك كإنسانة...مجتمع الحرية لا يرضى ان تفضحي رجل مهما فعل لأنك تسيئين لجنسهم الثمين... هم وضعوا الشروط وأنت عليك التنفيذ ...ولادتك كامرأة ليست مفخرة أنما عيش ردي وإهانة!! عيشي بحرية رسموها لكن تحت ظلهم فقط واياك وذمهم وإظهار نقائصهم فمادام هو "ذكر" فهو الصواب وما دمت أنثى فأنت الخطأ...الرجل يا صغيرتي يشرب الخمر...يزني ,يعبث بقلوب البنات ,يفسد في الأرض وبعدها يقال عن أنه رجل ونعم الرجال... لكن أن فعلتي أبسط شيء وهو الصراخ مطالبة بحقك فسيضعونك فوراً بخانة العاهرات ,الرعنات أو ناكرات الجميل والمجتمع سينبذك... لن تفهمي مازالت طفلة ومازال أمامك الكثير لتتعلميه حتى تعرفي ما معنى كلامي ...مهما كنت أو أصبحت ستعانين على أياديهم ...متعلمة جاهلة ستعانين ...مطيعة متمردة ستعانين ...صغيرة كبيرة ستعانين ...بالنسبة لهم انتِ مجرد "شيء " للاستخدام اليومي إما جارية لمتعة جسدهم أو آلة صنع طعام لتغذية بطونهم أو خادمة لراحة أبدانهم أو كيس ملاكمة للتنفيس عن غضبهم ولن تكوني جزء مهم لهم لأن حتى لو كذبت ألسنتهم بأهميتك وقت مصالحهم ...لن تكذب قلوبهم الخبيثة ... يوم موتك فقط ستتحررين أنتِ وأنا وكل نساء الأرض... نحن نصنف تحت بند العبودية وتختمها لنا حكوماتنا بالجنسية تحت مصطلح "أنثى" هذه هي الحقيقة البشعة ....أنا وجدت هذا المكان سقف يظل علي ولقمة دون وجع ...لا أستطيع المغادرة فجناحي مقصوص حبيبتي ولو عرف أباك هنالك سيقتلنا ...سيعتبرونك عار لن يقولوا أنك ضحية منحرف فوالدك مسير لعمه ومادام البائس منجد لم يلمسك لا يعتبر هذا تحرش ولا انتهاك ....جسدك سليم وستتزوجين يوماً من الايام وأنتِ مرفوعة الرأس رغماً عنهم... سألبسك فستانك الأبيض المزخرف بيدي وأسلمك لزوجك المثقف الواعي النبيل ..لن تتزوجي يا حورية إلا من هكذا رجل وسيسعدك ويرفع شأنك ويحميك ويصونك"
لتدخل الغرفة قريبة امها تحرك عجلات كرسيها بغضب
"اذاً يا ثريا خطة جيدة لم تستطيعي الاستيلاء على زوجي فطردته تتمنين ان أصبح مطلقة مثلك ...."
نهضت ثريا بسرعة تحدث أبنة عمها "زوجك ..."
قاطعتها قريبتها بحدة
"لو كانت "هندية" رحمها الله من قالت ذلك لصدقت فأبنتك تلك كانت مثال للعقل والصدق والأدب لكن ليس هذه المحتالة الصغيرة نحن اعرف بمصائبها أنها وقحة وكاذبة لذلك "عابد" رماها علينا"
ركضت ثريا تدير الكرسي وتخرج أبنة عمها وتشير لحورية من بعيد بعدم الاهتمام بما قالته فأذعنت لوالدتها واعتقدت انها ستنسى.
..................................
مرت شهور طوال بعد تلك الصدمة تركهم منجد يغرق بالرذيلة كانت تسمع شجارات والدتها وقريبتها والاخيرة تطلب منه العودة دون فائدة والظرف صار قاسي عليهما وأبنة عم امها تأزمت حالها الصحية ومصاريفها صارت كثيرة مع دخولها للمشفى...كانت ثريا تغرق بمأساة جديدة ظهرت بالأفق ...الإيجار لم تدفعه والديون تتراكم والخوف صار يتملكها لئلا تنتهي بالشارع .....حتى في يوم عاد منجد للمنزل اعتكفت حورية بغرفتها وأقفلت على نفسها وعاهدت نفسها ستظل حبيسة بها للأبد... سمعته يخبرهم أنه سيدفع الديون وسيشيل حملهما لكن فجاءة صاروا يتهامسون لا تعلم لما تمنت أن يختفي من الوجود... خوفها منه كان كبيراً وصار هوساً تمتمت "يا ليته يموت " انها تكرهه ...تكرهه جداً تتمنى أن يغادر ولا يعود ...لأول مرة تكره أحد بهذا الشكل المقيت.
...........................
منتصف الليل غادر منجد ودخلت امها تبتسم بحزن وهي تراها بالسرير.... نظراتها كئيبة جداً اعطتها عصيراً بيدين مرتجفتين واعصابها كانت كأوتار مشدودة لتسأل
"انهيتك درسك حبيبتي ...انا سعيدة لأن درجاتك عالية وبت متقدمة خلال هذه الأشهر وجعلتني فخورة بكِ فلتسمعي هذه الأخبار الحمد لله ابنة عمي ستدخل الجراحة غداً وسيدفع منجد إيجار المنزل ....لن يطردنا صاحب الملك ولن نتشرد أنا وتلك المرأة العليلة "
تمتمت امها كثيراً لتشعر حورية بخدر يتسلل جسدها!! جعلتها ثريا تستلقي ليدخل منجد بعد فترة !! كانت اطرافها ثقيلة لقد أخذوها على حين غرة !! عرفت من ضحكة عمها ما يحدث حاولت الأنين بقوة لتكمم أمها فمها ودموعها تجري بقهر
"أنا هنا يا أبنتي لن يقربك صدقيني ...فقط أن عمك مريض لا يمكن علاجه حبيبتي ...دعيه يتمتع دقائق ولنعيش مرتاحين وميسورين بدل أن يبيع جسدينا للكلاب هنا وهم كثر غاليتي "
تحاول الحركة لكن جسدها لا يطاوعها سمعت صوته المقرف قرب الباب يحاول اسناد نفسه بصعوبة
"دعيني أراها انت تحجبينها "
ترد ثريا بغضب فات لأوانه
"انت ستقف هنالك ولن تدنو أكثر ناحيتنا وسأبقى قرب ابنتي وإلا اعتبر الصفقة منتهية وبعدها ستنفذ ما وعدتني به وإلا يا منجد النذل سأقلب حياتك جحيم أسود"
شاهدت امها ترفع له بيجامتها لتريه ساقاها ليتمتم بنزق
"ألن تريني شيئا أخر!! "
تنظر بغضب صوبه تحت تجمع الدموع بمقلة أبنتها لتصرخ
"هذا فقط ما ستراه من أبنتي وأن لم يعجبك.... "
اومأ بقبول بهذا العرض الرخيص لتضع امها شال على عينيها وتصم أذنها بيديها هي لم تعد ترى أو تسمع أو تشعر حتى بمحيطها...تحتضن ثريا وجهها وتبكي ..الدموع تتخلل القماش لكن لما لم تتأثر بدموع والدتها!! لم تشعر أن دموعها سكاكين تؤذيها وتجرحها!! لم تشعر بالتقزز من المرأة التي تضمها وتبكيها!! مرت مدة بعدها زال الخدر وعادت تشعر بجسدها أزالت الشال ونهضت بصعوبة...تطلعت حولها لتجد والدتها تركع قرب السرير تبكي ولا أثر للمخبول حولهم تمتمت ثريا
" أمك انتهت عقلياً وجسدياً "
قبلت قدم ابنتها بقهر ....رفعت بصرها ليبان بملامحها الانكسار واليأس
"لا تلوميني صغيرتي بل لومي المجتمع القاسي الذي لم يعطيني فرصة للاختيار...لقد حاصرني بزاوية مظلمة و منذ سنوات تم سلب كرامتي وحريتي وحلمي وسعادتي... ما فعلته لك الأن ستشكرينني عليه يوماً ...لأن ما حضره لك منجد انكى وأقوى من أن تتحمله طفلة مثلك "
عادت تقبل ساق ابنتها ودموعها تجري بمرارة
"لو أنك وأدت لما اضطررت لتحمل هذا الشيء الفظيع...هذا اليوم أخر يوم لك بالمدينة وستعودين لأباك والا سأضطر لقتلك وقتله وقتل نفسي بعدكما ".
..........................
"الوقت الحالي بالحظيرة"
انه ذات الحلم تقف بشارع مظلم حافية ووحيدة ومنجد هنالك يقترب وأمها لا توقفه... لا تستطيع الحركة أنها مقيدة بسلاسل "امي ساعديني" تبكي بقهر تحاول فك قيودها
"لا تدعيه يقترب أمي لا تفعلي" صوتها لا يخرج أنها خائفة وفجاءة أحدهم يحل سلاسلها!! تشعر بشخص يضمها بحنان لم تعهده لتحشر نفسها بقوة لحضنه الدافئ وتتمنى أن لا يبتعد ويتركها... توقف ارتعاشها شعرت به يمسح جبينها.... لا تستطيع فتح عيونها هي لم تعد تحلم لقد استيقظت لكنها متعبة.... فجاءة احست بطعم مر بفمها يليه ارتوائها من ماء دافئ!! هل هي سرى دست الدواء عنوة وهي نائمة... تريد الاعتراض واخبارها أن لا تفعل لكن جسدها لا يقوى الحركة ... انها تمسد شعرها وبشرتها اليد ليست لسرى ولا زوجة عمها!! أنها يد رجل أجل "أنه سنمار" معقول!! سيقتلونه لو ساعدها همست واخيراً استطاعت استجماع قوتها
"عليك الذهاب... لا تساعدني فالموت أفضل لي الأن "
سقط رأسها على صدره ينظر اليها ليهمس
"سأساعدك لتموتي هنالك عندي"
همس عاتك برهبة
"فهد بسرعة كم أنت متهور ...هل تستحق هذه الفصلية أن نعرض رقابنا للخطر!!"
....................
تم

تحت إيوان النخاس الجزء الثالث من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن