الفصل السابع ♡

4.1K 100 35
                                    

الفصل السابع
"مقيد بسلاسل عشقك".

جلس أمام مكتبهِ في الشركة، منكسًا رأسه للأسفل بخزىٍ من نفسهِ، خافيًا وجهه بين كفيه المرتعشين من هول الموقف عليه، ثم أنزل يداه تدريجيًا، وببطءٍ.. حتى ضمهما سويًا على وضع الرجاء أمام فمهِ، لتظهر عيناه المذهولتان مما فعله بنفسهِ!
هل فقد عقله اللعين في خضم ما يعيشه من إرهاق نفسي؟
هل حاول فعلًا.. قتل نفسه؟
لا.. بالتأكيد لم يحاول! هو يعلم نفسه جيدًا.. كم من أوقاتِ صعبة مرت عليه، كم من مشاعر كريهة خرجت منه نحو حياته، كم من أيامٍ تمنى فيها الموت؛ ولكنه لم يُفكر يومًا، ولم يخطر على بالهِ من الأساس فكرة الإنتـ.ـحار!
يثق بنفسهِ مليون بالمئة أنه لم ولن يفكر في فعلها..
هو لم يكن واعيًا.. نعم، لم يكن! فبالأساس هو لا يتذكر ما فعله بالتفصيل.. كل ما يتذكره أنه فجأة وجد نفسه مختنقًا، غير قادرًا على سحب أنفاس تخدم عملية التنفس عنده، وحينها فقط انتبه لما فعله.. أو بالأصح ما فعله شيطانه الذي سول له قتل نفسه!
نعم الشيطان هو من عبث بعقلهِ الضعيف!
هكذا أقنع نفسه، وهكذا مرر الموقف، كاتمًا ذلك الصوت الضعيف الذي يهمس بداخلهِ يخبره بمدى حاجته إلى طبيب نفسي..
لم يكتمه فقط؛ بل قتله!
فهو ليس مجنون، ولم يفقد عقله بعد..
كما أنه ليس ضعيفًا ليشكو لشخصٍ ما عما يمر به، ويبكِ منهارًا أمامه أيضًا..

*************************

يمسك القلم في يدهِ، يحركه يمينًا ويسارًا بحركة رتيبة في شرودٍ تام يلازمه منذ مدة بعيدة..
ولكن قاطع عليه وصلة شروده، تلك الإمرأة التي جلست أمامه على المقعد المجاور لمكتبهِ، فرفع نظره لها بملامح ثابتة، وبنظرتهِ الذكورية أدرك أنها في أواخر عقدها الثالث، رغم محاولاتها المُستميتة لتظهر في سن المراهقة، حيث ملابسها وزينة وجهها المُبتذلة الغير لائقتان لعمرها..
لا يوجد إمرأة في الكون تضاهي جمال حبيبته الرقيقة..
هكذا همس لنفسه بحسرة، وكم تمنى لو أن يجد مثلها؛ كي يستطيع أن يتخطاها؛ ولكن حبيبته فريدة من نوعها.. على الأقل في عينيه!
حمحم بخشونة يسيطر على أفكارهِ، ثم سألها بجدية متجاهلًا تلك النظرات التي ترمقها به:
-«اؤمري يا مدام».
صححت له برقة مبتذلة ككلِّ شيءٍ بها:
-«آنسة».
عض على لسانه داخل فمه في حنقٍ من غنجها المقزز، ورد بإبتسامة مُجبرة:
-«اؤمري يا فندم».
قلبت عيناها بعدم رضا، ثم هتفت بنعومة وهي تُشير لخارج معرضه حيث سيارتها:
-«زهقت من عربيتي، وعايزة أغيّرها.. تقترح عليّا أبدلها بإيه؟».
حك ذقنه ثم نادى على "عثمان"، العامل المتخصص في مرافقة الزبائن أثناء الشراء:
-«الآنسة عايزة تجدد عربيتها، وريها أحسن العربيات اللي عندنا».
رمقها "عثمان" بإستنكار عندما نطق "أرسلان" لفظ «آنسة»؛ ولكن سرعان ما سيطر على ردة فعله عندما حدجه الآخر بنظرة مُحذرة، فحك أنفه بسبابتهِ في توتر، ثم تحدث بإحترام مشيرًا لها بيدهِ كي تتقدمه:
-«اتفضلي يا آنسة معايا».
نهضت وارتدت نظارتها الشمسية بعصبية، ثم غمغمت محبطة:
-«معلش وقت تاني، أصلي افتكرت مشوار مهم دلوقتي».
رحلت من أمامهما بزوبعتها المجنونة، فرمقها "عثمان" وهي ترحل في تسلية، قبل أن يلتفت لرب عمله، غامزًا بمكرٍ:
-«شكلها كانت عايزة حد تاني يفرجها على العربيات».
كتم "أرسلان" ضحكة مُلِحة، ثم هتف موبخًا:
-«إتلم يالا وروح شوف شغلك».
ضحك "عثمان"، ثم هتف مازحًا:
-«شوف يا باشا، مع إنك سايب الجيش بقالك ٨ سنين، إلا إن روح العقيد لسه جواك واللّٰهِ».
اكفهرت ملامح "أرسلان" في ألمٍ؛ ولكنه رسم إبتسامة مهتزة على شفتيه كي لا يُحرج الآخر، فانصرف بعدها "عثمان" إلى عملهِ، بعد أن فتح دون قصدٍ منه جرح قديم، لم يُشفى يومًا..

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن