ᵒⁿᵉ ˢʰᵒᵗ

273 26 56
                                    


'هدوءُ المكان تهويدةٌ عذبة يكسرها تخبط موج تفكيرٍ مواظب، فما أنا بفاعلٍ لإشباعه؟'

في حرم السكينة هذا ارتدي دفء الأصفر المُنسكب من الصباح، أتفقد الخزفيات.. أتأملها.. أقرأها، خيّل لي أنها تكتنف حياةً وتاريخاً أمدياً، بيد ذلك اسميتها مؤرخات، لم يعلم أحد بشأنها ولا حتى كاتبها، وبذلك امسيت القارئ الوحيد، هي جليسٌ صامت اغدقني بفكرةٍ عذبة الوقع لكتابة تاريخٍ عتيق، رغبةٌ عابثة لم يُخطط لها في جدول اليوم أمست منفذاً من ركاكة الروتين، يا لسعادتك يا أنا.

جلست خلف عجلة الفخار لأباشر التنفيذ، ولكم كان صعباً محاكاة صُنع خزفية بالذاكرة وحدها، لكنها كانت بدايةً حسنة في ظل هذا الانغماس الفكري... أجل ها أنا ومجدداً غارق في تأملاتي.

'الوقت يتدفق بوتيرة ثابتة داخل حلقة من التكرار اللامتناهي لهذا الكيان، وبغض النظر عن هدوءِ تلك الدوامة أو شدتها فإنه يستمر بالسير.
في ظل ذلك ينمو هذا الكيان ويتشكل، يسير ويساير، ويعكس آثار الحيـاة عليه، وبينما يتذبذب بين بينين لا ثالث لهما، ينقش العقبات كدرسٍ أبدي، وطالما أن صاحب اليد العليا هُنا هو الفنان، فالدفة لن تتحرك إلا بتوجيهه.

أجل الإنسان فنان والفن روحه، وإذ انه الفنان والفن ذاته، فعليه أن يخرج من ذاته ليتأملها، أن يضع قطعة التاريخ تلك أمامه ويهندمها.. '

اخذني على حين غرة صوت الجرس المعلق أعلى الباب يقطع خلوتي ويستقبل صاحب العرش، ثم في لحظة استبصار تذكرت عبثي..
امسكت بالجرم المشهود؟ بلا شك.

-انت هنا اذاً.
قالها متقدماً للداخل، واتبعها بضحكة كتومة معلقاً :
-أي نوع من المفاجئات هذا الذي تستقبل به والدك ها؟ اذهب واغسل وجهك ويديك.

ارتدى مئزره ليباشر العمل، لحظةٌ عايشتها طويلاً تبعها دوماً تساؤلٌ واحد، كيف ستبدو يا أبتاه لو كُنت خزفاً؟

- تمت ولله الحمد -





كيراموس، خاطرتي القصصية الأولى وتعني خزف.
الخزف كان نقطة الوصل بين الأب وابنه، إذ انه الفن الذي يجسّده الأب والتاريخ الذي يكتبه، ومصدر إلهام الابن الذي يغوص في تلك التفاصيل بينما يتطلع لوالده.

الأفكار التي تجسّدها وليدتي هي الروح والحياة، إذ أن الخزف ومراحل صنعه ترمز لجوهر الروح وتصف نموه وتشكله لتجسد تاريخاً كاملاً عنوانها حياته.

「كيرامـوس」Where stories live. Discover now