قاسم العطاء

3.7K 146 5
                                    

امرني الشيخ يقظان بزيارة قبر القاسم بن الإمام الكاظم (عليهما السلام) ، وان اتوسل بمقامه السامي عند الله تعالى بأن يعينني على نفسي ، وأن يجتبيني ويعلمني العبودية لله سبحانه ، وان آتي لزيارته بعد إتمام مراسيم الزيارة مع الإلتزام الدقيق بالذكر شرط حضور القلب . رجعت من مسجد فاطمة وانا بغاية السرور ، وإنشراح الصدر ، وطمأنينة النفس وكأني احلق في الهواء من السعادة ، فمررت على دكان الحاج النداف فوجدته مغلقاً ، وقضيت ليلتي بمراجعة بعض دروسي في الكلية ، كما نمت مبكراً كي استعد لسفر الغد ، وفي منامي سمعت هاتفا يقول : الماء ... الماء ... الماء ! ولم اعرف معنى هذا المنام ... قمت لصلاة الصبح ، وبعدها قرأت دعاء العهد ، وانطلقت إلى محافظة بابل وحين وصلت مركز مدينة الحلة سألت عن القبر الطاهر لسيدي ومولاي القاسم (عليه السلام) وفي طريقي بين الحلة وناحية القاسم وجدت عائلة في الطريق كانت ذاهبة إلى زيارته فأصعدتهم وهم إمرأة كبيرة وفتاة واطفال صغار ...وفي طريقنا كانت الأم تحدث إبنتها ذات الثلاثة أطفال قائلة : ( يمَّه : يمته اجيناه ورجعنا خايبين منه ؟! ... هذا باب الحوائج ، بس خلي عندك ثقة وان شاء الله وليدج المريض يطيب ... ) . وهكذا وصلت إلى الناحية التي تحتضن القبر المعظم ، وها قد تراءت لي القبة الذهبية الشامخة ، والمنارتان المباركتان ، وقد رأيت جموع الناس تقصده من كل حدب وصوب والجميع يعيش حالة من الإنقطاع والخشوع والتسليم ...وقفت عند الباب الرئيسي للحرم المطهر ، وكُلي رهبة من الدخول ، ولم يحصل أن عشتُ هكذا حال قط ، حيث شعرتُ ـ ولأول مرة ـ أني ازور روحاً تسمعني ، وولياً كأنه ينظر لي ، فلقد تملكتني عظمته ، وأسرتني روحه رغماً عني ...وحيث دخلت في الصحن الشريف وانا أهم بالدخول الى الضريح المطهر واذا بي اسمع صوتاً ليس غريباً عني يناديني ...ـ يا حسن : المعرفة قبل الطلب ، المعرفة قبل الطلب ! التفتت وإذا به الحاج النداف !!! يا إلهي ما الذي جاء بك ؟! الست في بغداد ؟! ـ فقال لي بلهجته : ليش مشفت المحل معزل ؟!ـ قلت مندهشاً : يعني انت هنا من امس ! ـ قال : كنتُ بانتظارك ! ـ طيب ليش ما انطيتني خبر ونجي سوه ؟!ـ هو هيج يريد ، تعال احدثك لتعرف وبعدها اذهب واطلب ...جلسنا بأحد أروقة المقام الطاهر وكانت وجوهنا منصرفة نحو القبر الطاهر وشرع قائلاً : ـ القاسم ـ يا ولدي ـ هو أحد أعظم أولياء الله ، وخزان علمه ، وهو باب من ابواب الفيوضات الإلهية ، وقد كان اساتذتنا يوصونا بزيارته ثيراً ، والتوسل بمقامه عند الله تعالى ، وهو كما تعرف ابن الامام المظلوم موسى بن جعفر الكاظم (عليهم السلام) ، وكان من الاولياء الصالحين في زمانه ، وقد شهد له الجميع بمقامه العظيم ، ومنزلته العالية ، وهو بعد اخيه الامام علي بن موسى الرضا بالفضل والمنزلة ، وقد كانت ولادته على نحو التقريب سنة (150 هـ) أي انه عاصر المنصور الدوانيقي ، والمهدي العباسي ، وموسى الهادي ، وهارون الرشيد ، ولما تولى هذا الاخير الحكم اصدر مرسوماً ملكياً بإخراج ابناء الامام علي (عليه السلام) من بغداد ، بل وتعذيبهم وقتلهم ، فخرج الكثير من رجال العلويين الى مختلف البقاع ، وكان ممن استهدفه هارون هذا العبد الصالح (عليه السلام) فخرج من مدينة جده (صلى الله عليه وآله) كخروج موسى بن عمران كليم الله ورسوله ، حيث رافق بعض القوافل التجارية متجها شرق الحجاز قاصداً قبر جده أمير المؤمنين (عليه السلام) وبينما هو يمشي محاذياً لشاطئ الفرات ، واذا ببنتين تتزودان الماء من النهر ، وكانت احداهن تقول لصاحبتها : ( لا وصاحب بيعة الغدير ما كان الامر كذا وكذا ... ) فعرف من منطقها أنها موالية لأهل البيت (عليهم السلام) فقال لها : من تعنين بصاحب بيعة الغدير ؟فقالت : اعني الضارب بالسيفين ، والطاعن بالرمحين ، ابا الحسن والحسين علي بن ابي طالب (عليه السلام) .فقال لها : هل لك ان ترشديني إلى رئيس هذا الحي ؟قالت : نعم ان ابي كبيرهم .فمشت ومشى القاسم امامها ، ومكث ضيفاً على ابيها ثلاثة ايام ، ثم قال بعدها لشيخ العشيرة : ( يا شيخ اني سمعت ممن سمع منم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ان الضيف يمكث ثلاثاً وما زاد عن ذلك يأكل صدقة ، واني اكره أن آكل الصدقة ، واني اريد ان تختار لي عملاً اشتغل فيه لئلا يكون ما آكله صدقه )فقال له الشيخ : اختر لك عملاً .فقال له القاسم : ( اجعلني على سقاية الماء في مجلسك ! ) فكان كلما ذهب لسقيهم وقف على الفرات وتذكر عطش جده الحسين (عليه السلام) ويبكي ...• وهنا سالت دموع الحاج النداف على خديه وهو يردد : الماء ... الماء ... الماء !وبعد مدة زوَّجه شيخ القبيلة ابنته بعد ان رأى انه كان يقضي الليل في التهجد والعبادة ، والنهار بسقي العرب في ديوانه ...

رحلةُ عِشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن