الفصل الخامس - شكوك

Start from the beginning
                                    

«تفضلي.»

قالت إيف بإبتسامة، وأشارت تجاه مقاعد الإستقبال التي بجانب حمام السباحة.
حاولت يونا أن تنظر خلف أوليفيا بحثًا عن أحدهم، ولكنها لم تجده، لذا سألت أوليفيا وقد عقدت حاجبيها:

«أين دومي؟»

وكاتت تعني بذلك آدم، فمنذ صغرها وهي متعلقة به كثيرًا، والعكس صحيح، فآدم يحبها كما لو أنها كانت إبنته لا إبنة أخيه فقط.

«دومي في العمل، ولكنه سيأتي بعد قليل.»

رفعت يونا ذراعيها للأعلى في سعادة، وهللت في إبتهاج، ثم قررت أن تهرول سريًعا إلى غرفتها حتى تحضر أدوات الرسم، والتي قد أحضرها لها آدم.

إبتسمت أوليفيا وهي تراقبها، ثم أتجه كلً من أيف وهي للجلوس، وما أن فعلتا ذلك حتى أتى إليون بإبتسامة مرحبة.

«أهلًا أوليفيا، كيف حالكِ؟»

«جيدة.»

أجابت أوليفيا يإختصار، فما في رأسها من افكار يشغلها كثيرًا، وهذا طبعا كان سبب مجيئها الأول، وسبب مجيئها قبل آدم تحديدًا.

«هل كل شيء بخير؟»

سأل إليون في شيء من القلق، فهو يعرف وجه أوليفيا جيدًا عندما يساورها القلق.

«تقريبًا.»

ثم نظرت له في تردد، وقررت أن تحكي له كل شيء عن وينتر، منذ قدومها إلى لحظة زيارتها الغريبة لهما ليلة أمس.

كان إليون ينصت لها بإنتباه شديد، وقد عُقد حاجبيه في القليل من الحيرة، بينما تعجبت إيف من ما تسمع.

«هل من الممكن أن أراها؟»

«لا أعلم، ولكنك من الممكن أن تأتي لزيارتنا في أقرب وقت، وربما تراها!»

كانت أوليفيا متعجبة من طلبه، ولكنه برر ذلك بأنه سيخبرها كل شيء عندما يرى تلك الفتاة، فهو لن يستطيع أن يشخص ما يحدث معها إلا إذا رأها بعينه. وافقت أوليفيا، فإبتسم وأخبرها أن تنسى أمرها مؤقتًا، وأن كل شيء سيكون بخير، وأن لا تقلق من أمرها كثيرًا.
وبداخل رأس إليون كان يشعر بالقلق، فتصرفات هذه الفتاة غير طبيعية كما قال آدم، وأيضًا شعور آدم حولها يؤكد شكوكه.

●●●

منذ أن وصل آدم إلى معرضه هذا الصباح وهو يفكر في الكثير من الأشياء، وكأن وينتر وما رأه منها الليلة الماضية قد فتح عليه بابًا كان قد أغلقهُ منذ سنوات واقترب على نسيان كل ما خلفه من ظلام ومعاناة.

لا يعرف لما تُذكره بنفسه القديمة! ذلك الشعور بأن كل شيء قد أنتهى؟ وأنه لا أمل ولا نجاة بعد الآن، فقط الظلام، الظلام الذي كان يحيطه من كل جانب، هو لم يتعافى بشكل نهائي بعد، وظهور تلك الفتاة في حياتهما قد قلب كل شيء رأسًا على عقب. وعادت له تلك الشكوك التي تزوره من وقت لآخر، أن آدم وإيفان لم ينفصلا ولو للحظة واحدة، أحيانًا يشعر أنه آدم بكامل صفاته، وأحيانًا يشعر أنه إيفان، ويكاد يجزم أيضًا أن أوليفيا تشعر بذلك من حين لآخر.

«لا. أنا تعافيت بالكامل، أنا لستُ آدم او إيفان، أنا ما أكون عليه الآن، وأوليفيا تحبني على هذا الوضع.. يجب أن أتماسك من أجلها، لن أسمح لمرض لعين أن يسيطر على حياتي مرة أخرى.»

وقبل أن ينجرف لأفكاره السوداء، تذكر موقفًا يشعره بالدفء دائمًا.

●●●

كان آدم قد تعافي بشكل لا بأس به، فقد مر اسبوعان منذ اندماجه مع إيفان، ولكن إليون أخبره أنه مازال عليه أن يلازم المشفى لوقت من الزمن. جلس هو وأوليفيا في مكانهما المعتاد في حديقة المشفى، وتردد كثيرًا قبل أن يسألها:

«أوليفيا.. من تحبين أكثر، آدم أم إيفان؟ ماذا إن تعافيت بالكامل وأصبحت أحدهما فقط! بل ماذا إن أصبحتُ شخصًا آخر لن تستطيعي التعرف عليه! هل.. هل من الممكن أن تتركيني في يوم من الأيام؟»

لم تشعر أوليفيا في نظرات آدم ولا كلماته بهذا الضعف من قبل، فكأنه كان يترجاها لتطمئنه، فقط بكلمة واحدة، لأنه إن قررت أن تغادر حياته في يوم من الأيام، فسيغادر ضوء النهار معها، ويبقى له فقط حلكة الليل.

«آدم، أنا عندما أحببت الرجل الذي أراه أمامي الآن، لم أحب آدم أو إيفان كلً منهما على حدة، أنا أحببت الإثنين معًا، إن أصبحت آدم أو إيفان، أو حتى شخص ثالث، كل ما سأراه حينها أنت، الشخص الذي قد ملء قلبي، وعقلي، لذا إن كنت لن أتركك في يوم من الأيام فلن افعل ذلك من أجلك، بل من أجلي أنا، لن أستطيع أن أعيش بدون وجودك في حياتي.»

●●●

حُفرت كلماتها منذ ذلك الوقت إلى الآن بداخل ذاكرته، هي لن تتركه مهما حدث، إذن فهو بخير، لن تتخلي عنه، ولأجل ذلك وأكثر هو لن يستطيع أن يتخلى عنها مهما حدث، حتى وأن تحداه الشيطان بذاته، فسيتغلب عليه، من أجلها. من أجلهما معًا.

ظُلمة النفسWhere stories live. Discover now