الفصل الواحد و العشرين

Start from the beginning
                                    

كيف اعتقد أن حياته لم تكن تنقصها إلا أنثى بعيونٍ رمادية لتصل للكمال...لتجعلها وبدون سابق انذار أشلاء، وقد بعثرتها كعاصفةٍ هوجاء مُخلفة الدمار، مُزلزلةً مبادئه التي لطالما افتخر بها، كيف لا؟ وهو الذي احترم المرأة، لم يرها يوما إلا شقيقة الرجل...بل أسمى منه!
النساء كن دائما نقطة ضعفه...أخته التي غصتها لن تزول يوما من قلبه، ثم والدته الحديدية التي جعلته يُقدر النساء أكثر رغما عنه...بل هو موقنٌ أن المرأة تستطيع أن تحتل مكانة الأب في حياة عائلتها...لكن هذا الأخير مهما حاول...لن يستطيع أن يلبس ثوب الأمومة...ثوبٌ فُصّل من رقة لمستها، ودفيء قبلها...يُغلفها السكون في حضنها...ثوبٌ خُلق فقط ليُناسبها... المرأة!
أليس عدنان وهو خير برهانٍ على تلك النظرية؟ ... فهما صورتان متقابلتان.
عدنان صورة عن فقدان التوازن الذي يُخلفه غياب الأم.
وهو...صورة عما تستطيع الأم فقدت زوجها أن تُحققه.
تذكره بحسرة.
عدنان...ذلك الصديق الذي جمعهما "الفقد" لتُفرقهما امرأة!
ابتسم بسخفٍ وهو يركلُ بقوة قنينة لمشروبٍ غازيٍّ...أصدرت ضوضاء سرعان ما خبت في غياهب سكون ذلك الحي الراقي وهو يتذكر اليوم الذي وقفت به امرأة أمامه رغم ملابسها القديمة لكنها كانت نظيفة ومتناسقة بجمالية، مدفوعة من صديقه المُقرب، نظراتها كانت خبيثة لأنثى ظفرت بشيءٍ من مسعاها...لتبتدئ حكايتها بجملة
-" مرحبا أنا جارة صوفيا القديمة"
قلبه كان يضربُ بعنفٍ قبل حتى أن يسمع بقية قصتها...ربما لأن الستارة ستنسدل أخيرا عن جزءٍ لطالما اعتبره مبهما من حياتها.

هل كانت حقًّا "صوفيا" تستحق أن يخسر صديقه من أجلها؟

أليس الحالة التي تركها بها في مخفر الشرطة هي نفس الحالة التي وصفتها بها تلك المرأة...سيفقدُ عقله من قوة التفكير بها...هيئتها التي تركها بها...يكاد يُجن وهو يتخيل كل نظرةٍ طالتها. أمسك رأسه بقوة وهو يستندُ على الحائط الذي شهدَ ضعفه وانكساره في هذا الوقت من الفجر.

تحسس بأصابعه العبارة المنحوتة بإتقان في ذلك الحائط الأثري الضخم يُذكر كل مارٍّ به أن المدينة صامدة رغم الزلزال الذي ألبسها حُلّة الخراب في 15 ثانية...في 15 ثانية فقط أكثر من 15 ألفا نفس وقعت صريعة وأضعافه دفنوا تحت الأنقاض... " لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناءها موكول إلى ارادتنا وعزيمتنا" ردد بهمسٍ وهو مازال يمرر أصابعه على الكتابة في الجدار، عبارة نطقها الملك لتُصبح وسام شرفٍ على صدر المدينة الجديدة...التي قامت من جديد وسط كل المدن المغربية التي تزخرُ بالعَراقة، فقط مقولة جعلت أكادير ترفعُ همتها وسط من يدعي أن المدن تاريخ...مُخبرة إياه أن تاريخ بسالتها لن يُنسى...استنشق بعمق هواء البحر المالح المُحمل برائحة الطحالب، وكأن بانتهاء الجملة انتهت رحلة التاريخ في داخله، ليواجه بقسوة حاضره المر...ساقاه بالكاد تحملانه من التعب وهو يدلفُ نزولا باتجاه الغرب، لم يُفكر مرتين وهو يجدُ نفسه مباشرة أمام البناية التي يقطنها صديقه...دلف بسرعة باتجاه المصعد...الأرقام تتوالى...وكشريطٍ سينمائي بالعرض البطيء كانت صورة صوفيا تُهاجمه في ذلك الفستان المُثير...تتمايل أمامه بإغراء، بجرأة لا تليقُ إلا بالعاهرات...جسده تفاعل مع نظرتها المُغوية...ليُغلق عيونه وهو يتخيل اقترابها...لكن بمجرد أن فتحهما كان يجد نفسه وسط غفيرٍ من الرجال...بنفس نظرته لجسدها...وبنفس جوع جسده لها.
القاعة تلف به بقوة، بينما كل ما يسمعه ضحكات صوفيا للكلمات النابية الصادرة من الرجال...ورائحة العرق التي تزكم أنفاسه.

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now