الفصل العشرون

Start from the beginning
                                    

لتطفو صورة "ورد" التي تناستها لفترة، في مُخيلتها...جميلة بشعرها الأسود الطويل التي تتلاعبُ به الرياح بينما تميل للأمام ليظهرَ جزءٌ من صدرها بينما تُرسلُ قبلةَ لمُلتقط الصورة...قميصها الأبيض أزاحته الرياح ليُظهر بشرة خصرها السمراء بينما سروالها الأزرق يُحدده بفتنة...كل تفاصيلها مزروعة في مُخيلتها...كيف زرعت أصابع قدميها في الرمال التي تُشابهها دفئا...بينما أصابعُ يد رجلٍ تظهر من خلف الصورة وكانه يُناديها الاقتراب وهي تتدلل عليه بالرفض...وتلك الأصابع تعرفها جيدا وتعرف تقاسيمها وخشونتها...كما تعرف قسوتها وهي تُمدّ عليها!
ورد...سارة
احداهما تُمثل الحرية...والأخرى الانقياد.
احداهما تُمثل التوهج...والأخرى الإنطفاء.

التفتت نحو والدتها تُريدُ أن تستفسر أكثر عن نساء ما وراء البحر اللاتي يشبهن ورد حريةَ...عندما لمحته قريبا منها...التعبُ يظهر من تقاسيم ملامحه...وكأن الخطوط بين حاجبيه ازدادت عمقًا فقط منذ أن غادرها...ومحيط عينيه زاد دُكنةً!
-" تنتظرينني؟"
همس بحاجة وهو يقتربُ منها...يُريدُ أن يرتاح والمنزل كان كئيبا بدونها...ليتجه رأسًا باتجاه منزلها.
-" سمعتُ ما حدث...أنا آسفة"
قالت وهي مازالت تُحدقُ في ملامحه...كيف كان وقعُ الخبر عليه.
-" هل ندخل؟ ...أريدُ أن أرتاح"
همس وهو يمد يده للفانوس الصغير المٌعلق أعلى جدع شجرة ويرفعه يُحدقُ في ملامحها الرافضة...فتحت فمها لتُخبره أن يذهب لمنزله فهي مُنهكة...مشروخة ومُستنفذة...لكنها أغلقته وهو يهمسُ لها مُترجيًا:
-" أرجوكِ سارة...فقط لساعات لا أستطيعُ أن أرتاح بعيدًا عنكِ..."
أشارت بنعم وهي تُمدّ له بيدها ليرفعها...جاذبا إياها لحضنه...ضاغطا إياها بعنفٍ...كالعادة آلمها...لثواني لا يفعلُ سوى احتضانها بينما رأسه في تجويفِ عنقها...يُريدُ ان يمحي الرفض من عيونها.

أخيرا...استسلمت لحاجته للاحتواء لتُحيطهُ بذراعيها...قبل أن ترفعها لشعره تتخلله...وهي تهمسُ له أن كل شيءٍ سيكون بخير!

-" تعال..."
قالت وهي تقوده لداخل المنزل...وتتجه لغرفتها هذه المرة...بينما الغرفة الأخرى التي اعتادت ان تستقبله بها كان وريد ينام بها مع والدتها.
الغرفة كانت بئيسة مقارنة بغرفتهما بمنزله...لكن ما يهم فعلا هو وجودها...فالقصور بغيابها تُصبح خرابا...والأكواخ تشع نورًا.

في أقصى الغرفة الضيقة كانت فرشة سارة التي بالكاد ستسعهما...وقفت بعيدا تنظرُ إليه وهو يضعُ ذراعه على عيونه المُغمضة في تعب بعدما تخلص من ملابسه والاضاءة أعطته هالة الأمير الذي نُفي فجأة لمكانٍ حقير...وقبل ان تلتفت لتُغادر توقفت إثر همسته
-" اقتربي..."
همس وهو يفتحُ عيونه مُحدقا بها...فاردًا يدهُ لتستندَ عليها سارة...بعد أن أطفأت الفانوس تُلبي نداءه بالاقتراب...كجارية مُخلصة قررت أن تكون ظل أميرٍ مجرد وجودها بحياته يعني الحياة...بينما هو يرى اخلاصها واجبا عليها.
دقائق وهما صامتان يلفهما السواد...قبل أن يقول
-" كان الأمرُ مُرعبًا...لثواني لم افهم كيف سأتعاملُ مع الأمر...هشام كان قد أخذ قراره أن يُنهي حياته ويأخذ معه ابنه..." ملامحه تقلصت بازدراء وهو يتذكر هشام فوق تلك الصخرة الكبيرة وابنه بين ذراعيه يصرخ بقوة أنهم زوجوه بفاسقة...بدون اهتمام كان يرفع ابنه مهددا برميه ان اقترب أحدهم...لتعلو معه صرخات فدوى وصيحات الموجودين...شبك أصابعهما يتحسس خشون باطن يدها بإبهامه...خشونة اكتسبتها في الأيام الماضية من العمل في الحقول...كالبقع التي ظهرت في بشرتها من أثر الشمس.
-" هل يجب على المرأة أن تتعرى لتكون حرة؟"
سؤالها أوقفه عن الاسترسال في شرح مشاعره هناك وتراخت قبضته حول يدها...انزل برأسه تجاه ملامحها يرسمها ضوءُ القمر التي تدلفُ من بين قضبان حديدية في أقصى الحائط...ليُعطيها لمحة البعد...قريبة جدا منه، لكنها بعيدة جدا جدا!
-" ماذا تعنين؟"
لم تدع له مجالا للتفكير...لتقول بسرعة دون أن تُحرك وجهها باتجاهه:
-" حدثني عن سنواتك في الغربة...أخبرني عن نساءها...أول امرأةٍ تعرفت عليها هناك...كيف كانت؟"
حائرٌ من نبرتها أكثر من سؤالها...كانت تسأله عن امرأة تعرف عليها قبلها ببرودٍ وهدوء...يده انحطت على جهة قلبها...هل حقًّا هذا لفظه؟

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now