سر العظماء الخضراء.

18 18 0
                                    

الراوي#
فجأة، فقد الصغير رجب توازنه وسقط فوق الأرض.
وانتقل الشعور بالجزع وسط شلة اصدقائه الذين كانو يلعبون العجلة وهم يرون صديقهم يسقط ارضا ويتألم.

كانوا قد توقعوا ان الذي سيسقط هو زاهر لكثرة حركته، ولاندفاعه القوي وسط زملائه الذين يتقافزون لأعلى، لكنه اصطدم بزميله رجب وبكل قوة، أسقطه فوق الأرض، وهو يصرخ.

ووسط الدهشة وصرخات الألم، وقف الكثيرون عاجزين عن فعل اي شيء، وبكل ثقة، تقدم الصبي خلف وانحنى فجأة على زميله وسئله: "في أي مكان تتألم؟.."

أشار الى رسغه، وهو يقول: "أحسب بأنه انخلع مني!".

وبكل ثبات، امسك خلف رسغ زميله، واكتشف ان هناك شيئا غير طبيعي، وسرعان ما جذبه بقوة جعلت صرخة رجب تنطلق بقوة، قبل ان يحس بارتياح عظيم وغلبه النوم.

أثار هذا الحادث الكثير من الإعجاب في مدينة الزهراء الأندلسية، التي تقع على مقربة من مدينة قرطبة، فسرعان ما ردد الناس حكاية خلف الذي تمكن من علاج صديقه رجب في الوقت المناسب، وخفف عنه كسرََا في عظام الرسغ الأيمن.

وجاء طبيب القرية وتساءل: "كيف فعلت ذلك يا بني؟".
فردد الصبي خلف ابن عباس: "شجعني الألم الذي على وجه صديقي ان اكون جريئا، وأن اتصرف..."
ابتسم الطبيب وقال: "لو صرت طبيبا يوما ما، ايها الصغير، فستكون ناجحا.. وذلك لما تملكه من جرأة، وعدم خوف.."

حدث ذلك عام 974 ميلادي، أي والصغير خلف لم يتجاوز ثانية عشرة بعد، وصار اسم خلف يتردد على لسان القرية الزهراء، ثم داع في مدينة قرطبة التي انتقل اليها ليستكمل دراسته العلمية.

واستطاع في سنوات قليلة ان يستوعب علوم الطب، والفلسفة، والطبيعة؛ وذاعت شهرته بين الناس، لمهارته في معالجة الجروح المستعصية، ولعمل الكثير من العمليات الجراحية، حيث كان يشعر المرضى بالراحة التامة..

كما نجح في استخدام أدوات طبية مستحدثة ساعدته في انجاح عملياته على أحسن ما يكون، وسمع به الملك عبد الرحمٰن الثالث، الذي كان حاكم الأندلس في تلك الفترة، فأرسل يستدعيه، وقال له: "من اليوم.. انت طبيب خاص بي"

اندهش الوالي المسلم، حين سمع خلف ابن العباس يقول: "سيدي الوالي.. انت هنا رجل واحد.. لكن في المدينة يحتاجني مئات المرضى"

فرد الوالي قائلا: "في هذا القصر الواسع، يمكنك ان تجد الوقت للبحث، والتأليف..."

وقبل ان ينتهي اللقاء، قال عب الرحمٰن الثالث:" وإذا اردت معالجة أبناء الشعب، فلا تتأخر عنهم".

وأقام الطبيب خلف في القصر، وجاءت اسرته الصغيرة للإقامة هناك، ورزق بابن جميل كالقمر سماه القاسم، وقد سمي خلف بسببه ب" أبو القاسم"

وبدأ يعكف على دراسة علم الجراحة وأكتشف شيئا مهما في علم الجراحة، نقله الى تلاميذه، ودونه في كتابه قائلا:" لا يمكن ان نؤلف كتابا في الجراحة دون ان نمارسها"

ووضع ابو القاسم خلاصة تجربته في كتابه "التصريف لمن عجز في التأليف"
خاصة حين قام باستخراج حصاة ضخمة في مثانة احد المرضى، فقد تمكن من استخدام المشرط بعد تطهيره في فتح مكان تواجد الحصاة ووراءه، وتمكن من اخراجها، ثم قام بتطهير مكانها وخياطة الجرح.

وكتب أهم وصية للجراحين الذين جاءوا بعده: "اذا استخدمت المشرط، فكن حادََا، وركز في مكان العملية".

وفي أحد فصول الكتاب، تحدث ابن العباس عن انواع كسور العظام، وأساليب علاجها.

وذكر أن كسور العظام لدى الصغار تختلف عن الكبار، وقال: "عظام الأطفال اشبه بفروع الأشجار الخضراء.. تنثني،لكنها لا تتكسر، لذى فأنها تحتاج لمعاملة خاصة".

وكان قد استمد هذه المعلومة العملية المهمة، من صباه، حين تمكن من علاج صديقه رجب والذي لم ينسه ابدا.. رغم ان الأيام باعدت بينهم.

وجاءت أهمية الكتاب في الرسوم التوضيحية التي رسمها بنفسه.
وصار كتابه مرجعََا مهمََا في الأندلس وانتشر في قارة اوروبا في القرن الحادي عشر، وظل اربع قرون في الجامعات الاوروبية.

وبعد وفاة ابن العباس عام 1013 ميلادي بسنوات طويلة اعتقد الباحثون اليوم ان كل كنوز خلف في علم الطب والجراحة لم تكتشف بعد، وان الكثير منها قد تاه.. لكن من يعلم؟.. فقد تظهر يوما.

انتهى وشكرا لقراءتكم.

سر العظماء الخضراء.Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin