1

6K 207 58
                                    

أواخر يناير، لست على يقين إن كانت تلك الفترة في كل عام تكون باردة، أحيانا تكون باردة جدا، عندما تبتاع سيارة سقف مفتوح فكر في أن الهواء سيتلاعب بك، خصوصا إن كنت مثلي تقودها على طريق سريع، أستطيع سماع سخرية الهواء مني، ها هو النيتروجين يخبر الأكسجين عن كيف أنني أحمق إشتريت سيارة ثمينة في الصيف لأعجب الفتيات و لم أحسب حساب هواء أو مطر.
الطريق خالٍ و هادئ و كأنه يحثني على الإسراع، في الحقيقة لا أود أن أصل، أفضل أن يقرأ رجل أربعيني بائس يجلس في الحمام إسمي في صفحة الحوادث على أني كهل متهور انقلبت به السيارة و هو يداعب الفتيات في الهاتف على أن أصل، أنت لا تفهم كيف تبدو إجتماعات عائلتنا.... هل نسيت شيئا؟
آه صحيح، أنا عباس، إسمي عباس، خمس و ثلاثون عاما، ذكر، أرمل، لا احب السبانخ و بيني و بين العدس قواضي في محاكم البقوليات ، و وحيد، وحيد جدا فوق ما تتخيل، و فوق كل هذا مريض، مصاب بمتلازمة الرقم ثلاثة و عشرين، و هو مرض نادر لم يصيب أحدا في الكون كله منذ أن تسبب التفاحة في وجودنا على تلك الأرض، إلى اللحظة تلك سواي أنا.
أصبت بالصداع من ضحكات الهواء فحرقته بقداحتي ثم لوثته بدخان سيجارتي، فهبت عاصفة أثلجت ظهري حتى إن سلسلة ظهري تفتت .
دعنا نعود إلى الإجتماع، لا أحتاج أن أحدثك عن بشاعة أن تجتمع العائلة ، خصوصا إن كان حالك لا يرضيهم، لا أتذكر أني نصبتهم محللين لحياتي، لكن هل يروننا بنفس البشاعة؟ لا يهم في الحقيقة، المهم أن عمي إتصل بي أمس و أخبرني بضرورة مجيئي إلى بيت العائلة، العائلة كلها مجتمعة منذ ثلاثة ايام و لاحظوا أمس أنني من العائلة للأسف، ليتهم نسوا، المهم أنه أضاف أن الإجتماع لأن هناك شيئا ما في ابنته آمال، آخر عهدي بها كان بعد موت خطيبها بغرابة، كانت في العزاء شاحبة تماما، حتى أنني لطخت حذائي بألوانها السائلة على الأرض.
دعنا من آمال و عمي و العائلة الآن و دعني أستمتع بالأجواء، السماء قدمت طلبا بأجازة و استعانت بالسحب لتستر الكرة الارضية من عيون الفضاء المتحرشة، أعتقد ان كوكب عطارد هو أكثر كوكب متحرش بينهم ولا تسألني لم، إسمه يدل أنه متسلط و متعجرف، كنت أتمنى أن أخبرك بجمال الأشجار لكن الزحف العمراني قضى على تمنياتي، تركت عجلة القيادة عسى أن يكتب تاريخ وفاتي في الثانية ظهر الثلاثاء الموافق ثلاثة و عشرين من يناير....
اعتدلت سريعا في جلستي، هل انتهت كل الأيام حتى يطلبني عمي في هذا اليوم، سحقا لهذا الرقم.
أضاء هاتفي، هناك إشعار من تطبيق الفيسبوك يذكرني بعيد ميلاد شذة ابنة خالي رحمه الله، لم أرى شذة منذ مدة، مدة طويلة جدا، سحقا لها و لعمي و للعائلة و للطريق، ألقيت اللفافة العاشرة تقريبا و أمسكت المقود لن يصدمني أحد اليوم.


وصلت أخيرا، المنطقة هادئة تماما هنا ، البيت الذي في ظهر بيت العائلة تم هدمه، هذا سئ في الشتاء، اصبح ظهر البيت مكشوفا و ليلعب الهواء به كيفما شاء، أيضا أثبت سوء شكله الخارجي مررت بمحاذاته لكنني لمحت أن الماسورة الرئيسية بها أثر لحام و الأرض مبتلة أسفلها، هل حدث شئ أثناء الهدم؟ لا يهم.
دخلت الشارع و وقفت أمام البيت و تنهدت لم يكن يهون علي تلك التجمعات سواها هي، كانت جميلة، ليس شكلا فقط، في الحقيقة كانت تنشر الجمال بعباراتها، أنفاسها كانت تلون حياتي، عيناها كانت تركبني بساط علاء الدين و تطير بي، لمسة يدها، ضحكتها، و كم أتوق لرؤية ضحكتها، إن من تحدث عن ألم الفراق لن تسعه حروف ليصف رحيلها، رحم الله زوجتي، بالمناسبة توفت في الشهر الثالث و العشرين من زواجنا، سحبت هاتفي و فتحت زجاجة مياه منذ العصر الحجري و تجرعت، أعتقد انني شربت كثيرا، نزلت من السيارة، بيت من طابقين بني من خمسون عاما تقريبا و لم يصب بأي أذى للأسف، يبدو كعجوز مخضرم يجلس وسط أرضه.
كان صوت ضحكاتهم واضحا جدا و كان صوتهم عالٍ، هل الإجتماع من أجل مشكلة حدثت لآمال أم لمناقشة دعابات عادل إمام ما هذا الضحك ، فتحت الباب السلكي و دخلت.
الشقة ضيقة صغيرة لكنها فعليا تساع من الحبايب ألف، ليسوا حبايب لكنهم كثيرون جدا، توجهت أعين الجميع نحوي فأبعدت خاصتاي ، القيت السلام فألقوا العبارات، تبا إنها حرب بالقنابل، يقذفون العبارات علي و كأني غزة تحت القصف، ركبت عمتي الدبابة و وجهتها صوبي
-ها هو الحزين المبتعد الذي لا يسأل عن عمته والدك كان...
كان لا يترككم لحظة دون أن يسأل عنكم، أحاديث عمتي متكررة بشكل مبالغ فيه، وضعت كاتم صوت في أذني و توجهت نحو المرحاض أغسل وجهي، ملأت يدي بالماء ثم سميت جهرا كي أحرج آلام الرأس و أضع في الماء بركة لكن لحظة، هل للماء لون، من الصدمة أخليت سبيل الماء من يدي، ملأت يدي مرة أخرى لكن هناك لون، دلكت عيناي و عاودت النظر لكنه عاد إلى طبيعته، أغلقت الصنبور و نظرت في المرأة ، فزعت بشخص واقف خلفي، استدرت في جزء من الثانية و قلبي يقفز فزعا ، هل شيطان هل جن عاشق يريد إغتصابي، هل المسيح الدجال يريد دوره في المرحاض، لكنها زوجة خالي تحمل كوب ماء.
-خذ اشرب
كان شكلها مريب، الموقف نفسه مريب
-ليس في بطني مكان لأشرب شيئا
-خذ اشرب
-لا أستطيع
قلتها و قد أوجست خيفة خرجت من الحمام، توجهت إلى الصالة، ثلاث آرائك في ثلاث جوانب و جانب به طاولة عليها تلفاز، تراصوا جميع على الآرائك ، في المنتصف طاولة خشبية عليها أكواب مياه بشكل مبالغ فيه، هل استغرقت وقتا في المرحاض حتى جاء الصيف؟ أم أنه إعلان عن فيلتر مياه، سحبت كرسيا كان في أحد الغرف و جلست
-اذًا أين آمال؟
صدر صوت عمي وسط الجموع
-هذا ما جئت بك من أجله
-اذًا أخبرني
-حالها سئ تعلم ما حدث لخطيبها نحن نشك في كونها مكتئبة
-مات خطيبها قبل الزواج بأيام و تشك في إكتئابها؟
صدر صوت أنثوي شاب
-أصبحت غريبة أكثر من كونها حزينة، حتى أنها فضلت بقائها في الطابق الثاني بمفردها، هلا شربت الماء؟
كانت تلك ابنة خالتي، أصبح صوتها غريبا و هي تخبرني بشرب الماء
-بطني ممتلئة..
-لا يهم عليك أن تشرب
صاح ابن عمي بها فجأة
-ما بالكم و بال الماء، سأصعد لأرى آمال، هل جننتم

صعدت الدرج بتوجس، أشم رائحة شئ غريب يحدث، و ماذا يعني أن آمال أصبحت غريبة؟ وصلت الطابق الثاني نظرت من نافذة السلم كانت الغيوم تحتشد أكثر و تتكثف بشدة، من الواضح أن هناك ثورة ما في الأعلى، نظرت إلى الساعة كانت الرابعة و النصف عصرا، استغرقت ساعتين بدلا من أربع و هذا شئ لا يهم إطلاقا.
طرقت الباب المغلق
-آمال أنا عباس
صوت خطواتها جاء بطيئا جدا، هناك كيان ما يقبل على الباب، إنها ليست خطوات أنثى بل مومياء سئمت من حر التابوت.
تحرك مقبض الباب نظرت للأرض فوجدت ألوان سائلة على الأرض، إذا هي آمال فعلا
فتح الباب ببطئ شديد، غربت الشمس و شرقت مرارًا هناك حمامة أقامت عشها و كبر أطفالها، شخت و طالت لحيتي، و أخيرا تم الفتح الباب.
في الحقيقة لم تكن مومياء، المومياء فيها روح عن آمال، جلد وجهها استسلم للجاذبية، عيناها و كأنها سحابة حمراء في انجلترا لم تكف عن ذرف الماء، جسد هزيل و كأنها الدول العربية من الناحية العلمية
-من الواضح أنك في حال جيد
تركت الباب و استدارت إلى الداخل، هناك خيال أسود كبير يطير أمام نافذة السلم، القيادة كثيرا تتعب النظر و تصيبك بالهلوسة أحيانا.

متلازمة الرقم ٢٣ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن