علنهر

1.9K 278 366
                                    

قصةحقيقية في مصلحة نقل الركاب ١٩٧٣!!!

كتب صاحب القصة يقول:
تعود الحادثة لسنة 1973، حيث كنت وقتها في الصف الأول المتوسطة وأداوم في (الغربية المتوسطة) الواقعة في باب المعظم.. فقد كنت آتي إليها بباص المصلحة ذي الطابقين والذي كانت مواعيده مضبوطة بالدقيقة.. كان يمر من منطقتنا في الساعة 7 والثلث صباحا بالضبط!
في أحد ايام الشتاء.. كان الجو بارداً.. أعطتني والدتي حفظها الله قبعة من الفرو تغطي اذناي كي اتقي بها البرد واوصتني أن لا اضيعها.. ولكنني ضيعتها... نسيتها في الباص... كنت مشغولا باللعب والركض في الطابق الثاني مع اصدقائي ونسيتها على الكرسي والحقيقة أنني لم اتذكرها نهائيا.. وحينما رجعت إلى البيت سالتي الوالدة (أين القبعة)... حينها فقط تذكرت أني أضعتها في الباص.. سيل من التعنيف واللوم صبته والدتي عليّ، ولم يخلصني من ذلك إلا والدي رحمه الله.. حيث قال لها (بسيطه.. باجر انرجعها)
في اليوم التالي توجهنا أنا والدي إلى مبنى مصلحة نقل الركاب الكائن في باب المعظم في وقتها ودخلنا المبنى وشرح لهم والدي أنني اضعت قبعة في الباص ذي الرقم 56 صباح البارحة
ملأ والدي استمارة معينة وبحث الموظف في سجل ما ليجد القبعة قد تم تدوينها كمادة ضائعة تم العثور عليها في الباص المذكور، بعدها قادنا الموظف إلى غرفة مكتوب عليها (الأمانات).. فتح قفلها وقال.. (دوروا هنا) كانت غرفة كبيرة بابعاد 10 متر × 10 متر أو اكبر... تتكدس فيها أغراض كثيرة جدا، منها الكبير ومنها الصغير... حقائب ومعاطف وأمور أخرى.. أغراض كلها تم ايجادها منسية في الباصات التابعة لمصلحة نقل الركاب
أخذت قبعتي وحافظت عليها إلى أن تهرّأت.. إلى هنا تنتهي قصتي...
ولكن...أتدرون ما الجميل فيها ؟؟
إنه الزمن الجميل الذي كانت تسود فيه الأخلاق والقيم النبيلة لدى المجتمع
لم يأخذ القبعة ايٌ من الركاب.. ولم يسرقها أحد.. ولم يدّع أحدٌ أنها ملكه.... بل سلّمها مَن وجدها بكل امانة إلى (الجابي) وهو الذي كان يجمع (الكروة) من الركاب
الجابي... ذلك الموظف الحكومي... لم (تدني) نفسه من هذه القبعة رغم تفاهتها.. ولم يحتفظ بها لنفسه رغم ان الأمر هو (لا مِن شاف ولا مِن دري)... ولكنها أمانة الموظف في أن لا يأخذ لنفسه المال العام
الدائرة المعنية... لم تنظر إلى القبعة كمادة تافه لا يستوجب الاحتفاظ بها.. بل ادخلتها في سجلاتها بانتظار صاحبها أن ياتي لياخذها.
أذكر ان والدي رحمه الله سأل الموظف... (منذ متى وهذه الأغراض مكدّسة هنا)، فأجابة الموظف... (بعضها يعود لسنتين او أكثر) فأي نظام كان يسود الدوائر الرسمية في حينها
كانت الحقوق لا تضيع... وكان الأمان هو السائد... لذلك.. كانت الحياة جميلة.. بل جميلة جدا
تذكرت هذه الحادثة وقارنتها بالوضع الحالي في بلادنا (المنهوبة) من أولها إلى آخرها.. من شمالها لجنوبها
منهوبة من القائمين على الحكم.. من الوزراء.. من المدراء.. من الموظفين... من الافراد.. من الاطفال.. وقبلهم الكبار
فهل يرجع العراق كما كان قبل قرابة النصف قرن
لا اعتقد... ومَن يتصور أن حال العراق يمكن أن يصبح كحال زمن القصة التي رويتها فهو حالم.. أتمنى منه ان يستيقظ من حلمة الجميل.
....((منقول))...

علنهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن