1⃣- الطفو

76 19 35
                                    

يبدو أن واقعي قد تركني وراح يتجول تائهًا في مكان مجاور، آمل أن يعثر علي.
           -يوميات طائر الزنبرك/ هاروكي موراكامي.

زخات المطر تطرق على نافذتي، تدعوني للخروج من سيارة الأجرة، فتحت الباب و المظلة بحركة آلية، عانقتني رائحة الرطوبة من حولي، عبق تلاطم قطرات المطر بذرات الرمل أطلق رائحة قوية أيقضت حاسة الشم الخاملة عندي.

سنة كاملة! لم أزر قريتي طوال هذه المدة، اكتفيت بأحاديث مقتضبة مع والدي إما عبر مكالمة صوتية أو عبر الإنترنت عن طريق مكالمة مرئية، إنشغلت بالحفاظ على وظيفتي وتركت أمر الزيارات جانبًا، بالإضافة إلى ذلك قطع كل هذه المسافة إلى هنا مرهقٌ للغاية، من يود أن يستقل وسائل المواصلات العامة لمدة أربع ساعات ،وساعة أخرى من عناء زحمة السير داخل سيارة الأجرة فقط لقضاء الليلة في المنزل ثم إعادة ذلك الكابوس مرة أخرى في رحلة العودة.

فتحت البوابة الرئيسية، وكأن الوقت قد تجمد هنا، الباحة لم تتغير إطلاقًا، الأعشاب المتناثرة على جانبي الممشى، ارتفعت أصص الزهور على محاذاة السور الصغير الذي يحيط الباحة على اليسار، أما على الجانب الأيمن يقع مشتل أمي الصغير، زرعت فيه بعض الخضراوات المحلية مثل الخس والبصل المُحَلَّى، والطماطم الكرزي الصغير المدور.

تعالت أصوات الرعد حولي، كمن يحثني على التوقف والعودة، وقفت أشاهد البركة المضطربة أمامي وأراقب إنعكاسي المرتعش، بدا لي أن ارتجاف إنعكاسي ليس بسبب المطر، بل إن السبب هو ارتعاشي داخليًا لسبب أجهله، تلك الفكرة أثارت الامتعاض داخلي، لطمتُ بقدمي مياه البركة لأبعد عني إنعكاسي المرتعش في ذات اللحظة انطلق البرق من مكان ما، رأيت وميضه من حولي، أظلمت عيناي وشعرت بفيضٍ من الحرارة يمر عبر جسدي، تلى ذلك لحظة غريبة من الصمت المطبق، أما جسمي فشعرت وكأنه يشتعل، لكنني لم أشتم رائحة إحتراق، لم أشعر بالألم! فقط حرارة مذيبة تسري في عروقي، سيلان حمم بركانية يتدفق داخل خلايا جسمي.

أُعقِب ذلك أكثر اللحظات عجبًا! وكأنني انفصلت عن جسدي، تركته يحترق و حُبِستُ في الظلام، لا يصلني من جسدي سوى وهجٍ طفيف من الحرارة، لا أدري كم مضى من الوقت وأنا على هذه الحالة، أطفو  هائمة في ظلمة حالكة، وأنا وسط ذلك الظلام السرمدي رأيت شخصًا، يقف أمامي فوق بركة ماءٍ وظهره العريض موجه نحوي،  كان يدندن لحنًا غريبًا، مددت يدِي نحوه، لكن يدي لم تطله، سقطت قطرة من الماء على كفي فإنتشلتني بسرعة من ذلك المكان، أرجعتني إلى جسدي قطرة ماء! فتحت عيناي ونظرت نحو الأعلى؟ عاد الضوء إلى عيني، حدقت إلى طبقة الغيوم السوداء فوقي، وجدت نفسي أقف في نفس المكان وكل إنش من جسدي يكتنفه البلل، المظلة استقرت على بضع خطوات مني، لابد من أنها أخذت نصيبها من تلك الصاعقة.

لحنٌ مَحتُومWhere stories live. Discover now