الفصل السابع عشر

Start from the beginning
                                    

طوال الأشهر التي عاد بها...كان يبحثُ عنها...لكنه لم يجدها و كأن الأرض ابتلعتها...!!
ليستسلمَ لأوامر خاله...وكل يومٍ كان يفقدُ الجزء اليسير من الإنسانية الذي ضخته به "سراب"، يا إلهي كم يخشى أن تكون سرابا فقط في حياته...وكم بدأ يكره الإسم الذي أطلقه عليها..."سراب".
-" ماذا يجبُ أن أفعل..."
قال بهدوء
-" الآن...سنتفق"
أجابه خاله...ليضحك بقوة...و كأنه أخيرا حقق مُراده، وقد أطفأ لمعة التمرد في عيونه...وأصبح طوعَ بنانه.

ينطرُ إليه دون ان ترمش عيونه...يديه مُكبلة بذلك التسجيل الذي أُرسل إليه ... جنا و هي تصيحُ بعدمِ فهمٍ لما يحدُثُ لها...و أيادٍ تمتد إليها... كيف لشخصٍ سوي أن يُؤدي ملاك...يتذكر أول مرة يحملها ... لتفتح عيونها تُحدقُ به ... في تلك اللحظة عرف أن الحياة لها معنى آخر غير الذي تعلمه...عيونها التي تتمازج بين الأخضر لعُشبٍ باهث تتخلله خيوطٌ رمادية... كانت كبيرة جدا...تكاد تبتلعُ كل وجهها.
-" جميلة جدا... أليس كذلك؟" همس مراد الواليدي و هو يُمسكُ بيدِ والدتها التي مازالت تُعاني من ألم النفاس ... ليرفع عيونه المبهورة بأجمل صورة مُثلت بها عظمة الخالق...حيثُ امتزجت البراءة و الجمال... كانت جميلة جدا ببشرتها الموردة ... شفتيها الوردية و شعرها الأحمر الذي بالكاد يُرى..!!
-" نعم هي كذلك..." أجاب بصوتٍ مشدوهٍ بالمنظر...و كأن براءتها تخللته لتنتشر في كل جسده...فيُصبح نقيا كما ولدته أمه!
-" خُذها..." قال مراد وهو يستندُ بتعبٍ للوراء... " عدني أنها ستكونُ بخير..."
بصدمة كان يرفعُ عيونه يُحدق به بعدم فهم...ذراعيه الضعيفة تتشبثُ بها بحمائية... كانت عيون مُراد على اللفة الأخرى بجانب والدتها عيونها تبللت من الدموع رغم انغلاقهما...تكبُره بسنواتٍ قليلة...لكن ضُعفها و قامتها القصيرة تُظهرها بسنه.
-" وماذا عن ميريام..." أجابه ناهرا
-" أنا لا اعلم إن كنتُ سأستطيع  إخراجهما من هنا..." أشار للتي بين ذراعيه "هي لن تستحمل هي مريضة جدا...أرجوك خذها"
كان مُجرد طفل...على أعتاب رجولةٍ باكرة...كيف له أن يعتني بها وهو لم يجد من يعتني... يدٌ وُضعت على كتفه الفتية لينظر للأعلى...لم يعلم متى وقف الرجل ليُطل عليه من الأعلى.
-" أنا لا أستطيع الإعتناء بثلاثتهن...تخلص منها"
اتسعت أكثر عيونه وهو يُمررها بين ميريام النائمة بتعبٍ والصغيرة بين ذراعيه... بينما أصابع الرجل كانت تضغطُ عليه بقوة... كان عليه أن يُقرر!
في ذلك الكوخ المُتداعي...الذي كان يتردد إليه لتسعة أشعر... كان عليه أن يُقرر...فقرر!

و الآن...هو يوضعُ في نفس الموقف...أن يُقرر!
و دائما كفتة قلبه ... تميل لجنا!

في تلك الليلة من أكثر من عشرين سنة... القمرُ منير.. ضوءه يُنير الظُلمات في تلك الأزقة المُتراصة ... في منطقة حيثُ تسودُ العشوائية ... خطواته الغير واثقة تُسمعُ في بركات المياه التي تملأ الطريق المحفور....لتُعطي لصداها مكانة يُعتقد السامع لها أنها لرجلٍ واثق ... و ليس لطفلٍ على أهبة البلوغ!
و أخيرا وصل لذلك المنزل ... أنفاسه التي تُحولها درجة حرارة الجو المتدنية لبُخارٍ تخرُج بقوة... وجسده مازالت القُشعريرة للآن تتلبسه...يا إلهي هو كان مُجرد طفل.

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now