أَفْوَاهٌ مُكَمَّمَةٌ

789 94 96
                                    


«الحجاب فريضة، وإن لم ترتديه ستقطنين في قعر جهنم! في أسفل السافلين، تتدرجين دُركها دركًا دركًا!»

صاح منتضفًا من على الأريكة البنية، لجلج صوته الأجش ثبات صورة الغرفة أمام نظري، هذا علاوةً على ازدحام مقلتيَّ ببوادر دموعٍ تغشي عليَّ بصري.

سقطت كلماته على مسامعي كالرعد في ليالي الشتاء العاصفة، محدثًا اهتزازًا لبدنه كي يرد كرشه المكتظ بالدهون على هذا الانفعال العنيف بتراقص مترهل.

ختم هذا المشهد العنيف بتلفظه بأبشع الكلمات والسباب، ومبرره أنني فتاةٌ عاق.

لم أردف بشيءٍ

أخذ يحدق بي بعينيه العسليتين، ويتوعدني بالعقاب وهو يحرك سبابته سمراء البشرة، تلمع صلعته السمراء كذلك وحولها بعض الشيب، وبدا كمصاص دماءٍ على وشك أن يمتص دماءي التي لم تكف عن التدفق داخل عروقي ومن ثم تتفجر تحت خديَّ السمينين، وتظهر بوضوح تحت ضوء غرفة المعيشة الأبيض.

«لا أريد أن أرتديه.»
نظرت إليه بعيني البنيتين، كانتا مكسورتين مغرورقتين بالبكاء، متبعةً تلك النظرات بشهقةً عنيفة، نبست هذه الكلمات من بين أنفاسي التي كنت أواجه صعوبة كبيرة في التفاظها، وهو على الجانب الآخر ما زال ثابتًا على وضعه يكاد يلتهمني بعينيه.

«لن تخرجي دونه، أرني كيف ستعصين
أوامري؟!»

سحب عصا المكنسة الخشبية وأخذ يصوبها نحوي كناية عن تهديده لي، بينما اكتفيت بتصدير كفيَّ يديَّ الأبيضين؛ لعلهم يدفعون عني ما قد يحل بي.

«لماذا لا تريدين ارتداؤه يا حبيبتي رحمة؟ صديقاتك وكل أقرانك يرتدونه.»
تدخلت والدتي بصوت خافت رقيق للغاية، وهي تحاول أن تبعده عني كي لا يلحِق بي الأذى وتسمح بيدها الأخرى دموعي التي بللت ملابسي الطفولية الوردية.

«ألست دائما من تقولين لا دخل لنا بالناس كلٌ له حياته؟!»
من بين شهقاتي نبست بصوت متحشرج، لويت شفتي، عقدت ذراعي أمام صدري، وغطيت وجهي ثم توجهت نحو المرحاض؛ لأكمل وصلة البكاء هناك بعيدًا عن الأعين.

في خضم هذه الأجواء الرمضانية التي لا تتعدى عتبة منزلنا؛ فنحن في قلب العاصمة لندن، التي تضم الكثير من الملحدين واللا دينيين، عام ألفين وخمسة، ارتديت حجابي الأزرق المزرق كرهًا! ولففته بشكل عشوائي غير مهندم.


كان شكلي بشعًا للغاية، رغم أن والدي أخبرني أنني جميلة وكان مبتهجًا به؛ فهو يهتم بالمظاهر والأموال فحسب، لكنني كنت أرى نفسي كالنخلة الخاوية بلا لُب؛ مجرد شكلٍ فحسب، فلم أستطع أن أنسق ألوان ملابسي ولم يكن هناك من يعينني على ذلك؛ فوالدتي التي ترتدي الأسود دائمًا لا تفقه شيئًا في الألوان وضبطها.

رحــمــة، حوار مع صديقتي الفيمينستWhere stories live. Discover now